رسالة التوحيد (1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الشيخ: هذه الرسالة الثانية، رسالة في التوحيد، نعم.
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق العباد لعبادته، وأمرهم بتوحيده وطاعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، في ربوبيته وإلهيته، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وعلى آله وأصحابه، ومن اتبع سبيله، ودعا بدعوته، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، وبعدُ:
فهذه نبذةٌ يسيرة تُبَين للمسلم العقيدة السلفية النقية، عن كل ما يشوبها من خرافة وبدعة، عقيدة أهل السنة والجماعة من سلف هذه الأمة، من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم من محققي العلماء الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم، من السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان.
الشيخ: نعم هذه الرسالة بين المؤلف أنها في عقيدة السلف الصالح من الصحابة والتابعين، العقيدة الصافية التي لا يشوبها شوب من البدع والخرافات، والسلف الصالح هم: الصحابة والتابعون، تلقوا العقيدة عن رسول الله ﷺ، وهم أهل السنة والجماعة، وهم الطائفة المنصورة، وهم الطائفة الناجية، قال ﷺ في الحديث الصحيح: «افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفْتَرِقُ هذه الأمة عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً، قلنا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «من كان على مثل ما أَنَا عَلَيْهِ اليوم وَأَصْحَابِي».
المقدم:
اعلم أن التوحيد الذي دل عليه القرآن والسنة، وأجمع عليه سلف الأمة، ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية، ثم توحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات
فصلٌ في بيان توحيد الربوبية
أما توحيد الربوبية:
الشيخ: نعم، هذا تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، هذا التقسيم مأخوذ من السبر والتتبع، بعض الناس يقول من أين جئتم بهذا التقسيم؟
نقول من القرآن، القرآن إذا تتبعته واستقرأته وجدت أنه ينقسم إلى هذه الأقسام الثلاثة: إما أنه يتعلق بحق الخالق الرب تعالى، وربوبيته، أو بإثبات أسمائه وصفاته وأفعاله، أو بإثبات وحدانيتة وأنه مستحق العبادة، لا يتجاوز هذا، قد جمعها الله بينها في قوله: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾[مريم:65]، ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ﴾: هذه الربوبية، ﴿فَاعْبُدْهُ﴾: هذه توحيد الألوهية، ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾: هذه الأسماء والصفات، ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾[الزخرف:87]، ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ﴾[الإخلاص:2]، توحيد الربوبية، توحيد الأسماء والصفات.
﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾[الكافرون: 1]، ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾[آل عمران: 64]، ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي﴾[يونس:104] في توحيد العبادة والألوهية، وهكذا، نعم.
المقدم:
فصلٌ في بيان توحيد الربوبية
أما توحيد الربوبية: فقد اعترف به المشركون الذين بُعِثَ فيهم رسول الله ﷺ ولم يدخلهم في الإسلام، فهم مقرون بأن الله هو الخالق الرزاق، الرازق، المحيي المميت، المتصرف في هذا العالم بما تقتضيهِ حكمته، وإرادته، ومجرد الاعتراف بهذا لا يكون به الإنسانُ مسلمَا، قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾[يونس:31]، أي أفلا تفردونه بالعبادة، وتتركون عبادة ما سواه؟
فقوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾: أي من ذا الذي ينزل من السماء ماء المطر، ويشق الأرض شقًا بقدرته ومشيئته فيخرج منه ﴿حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)﴾[عبس:27-31]، أإله مع الله؟ فسيقولون الله.
وقوله: ﴿أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ﴾ أي: الذي وهبكم هذه القوة السميعة، والقوة الباصرة، ولو شاء لذهب بها ولسلبكم أيها، كقوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾[الملك: 23]، وقال: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ﴾[الأنعام: 46]، الآية، وقوله: ﴿وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾[يونس:31] بقدرته العظيمة، ومنته العميمة.
وقوله: ﴿وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾[يونس:31] أي: من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه، وهو المتصرف الحاكم الذي لا معقب لحكمه، ولا يُسئَل عما يفعل، وهم يُسئَلُون ﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾[الرحمن: 29]، فالمُلكُ كُلهُ العلوي والسفلي وما فيهما من ملائكةٍ وإنس وجان، فقيرون إليه، عبيد له، خاضعون لديه، فسيقولون الله، أي: وهم يعلمون ذلك ويعترفون به، ﴿فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ أي: أفلا تخافون منه أن تعبدوا معه غيره بآرائكم وجهلكم؟ فكثيرٌ مما يحتج سبحانه وتعالى على المشركين بما اعترفُوا به من توحيد الربوبية على ما أنكروه من توحيد الألوهية والآيات، والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ جدًّا، ﴿قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾ [المؤمنون:84-89]، وتوحيد الربوبية قد فُطرة على قبوله ...
رسالة التوحيد (2)
المدة صافية: (38:32)
بسم الله الرحمن الرحيم
الشيخ: ... محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
بعون الله تعالى نبدأ درسنا هذا المساء.
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، اللهم اغفر لنا، ولشيخنا ولوالدينَا وللحاضرين، والسامعين ولعموم المسلمين.
يقول المؤلف-رحمه الله-:
فصلٌ في بيان توحيد الربوبية
أما توحيد الربوبية: فقد اعترف به المشركون الذين بُعِثَ فيهم رسول الله ﷺ ولم يدخلهم في الإسلام، فهم مقرون بأن الله هو الخالق، الرازق، المحيي المميت، المتصرف في هذا العالم، بما تقتضيهِ حكمته، وإرادته، وبمجرد الاعتراف بهذا لا يكون به الإنسانُ مسلمَا، قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾[يونس: 31]، أي: أفلا تفردونه بالعبادة، وتتركون عبادة ما سواه؟
فقوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾، أي: من ذا الذي ينزل من السماء ماء المطر، ويشق الأرض شقًا بقدرته ومشيئته فيخرج منه ﴿حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)﴾[عبس:27-31]، أإله مع الله؟ فسيقولون الله.
وقوله: ﴿أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ﴾ أي: الذي وهبكم هذه القوة السامعة، والقوة الباصرة، ولو شاء لذهب بها ولسلبكم أيها، كقوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾[الملك: 23]، وقال: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ﴾[الأنعام: 46].
وقوله: ﴿وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾؛ بقدرته العظيمة، ومنته العميمة.
وقوله: ﴿وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ أي: من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه، وهو المتصرف الحاكم الذي لا معقب لا حكمه، ولا يُسأَل عما يفعل، وهم يُسألُون ﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ [الرحمن: 29]، فالمُلكُ كُلهُ العلوي والسفلي وما فيهما من ملائكةٍ وإنسٍ وجانٍ، فقيرون إليه، عبيد له، خاضعون لديه، فسيقولون الله، أي: وهم يعلمون ذلك ويعترفون به، ﴿فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾، أي: أفلا تخافون منه أن تعبدوا معه غيره بآرائكم وجهلكم، فكثيرًا مما يحتج سبحانه وتعالى على المشركين بما اعترفُوا به من توحيد الربوبية على ما أنكروه من توحيد الألوهية، والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ جدًّا.
الشيخ: هذا التوحيد، توحيد الربوبية هو الاعتراف والإقرار بأن الله هو الخالق، الرازق، المدبر، المحيي، المميت، هو الاعتراف بأن الله تعالى ... إقرار العبد واعترافه بأن الله هو الرب، وغيره مربوب، وأنه الخالق وغيره مخلوق، وأنه مالك وغيره مملوك، وأنه مُدَبِّر وغير مُدبَّر، والاعتراف بأن الله تعالى هو منزل الأمطار ... منزل المطر ومسبب الأسباب.
هذا توحيد الربوبية: أن تعترف وتقر بأن الله هو الخالق، هو خالق العالم، وغيره مخلوق، تقر بأن الله هو الرب وغيره مربوب، تقر بأن الله مالك وغيره مملوك، وتقر بأن الله هو المُدَبِّر وغير المُدبَّر، تقر بأن الله مُنزل المطر، ومسبب الأسباب.
هذا أمر فطري، فطر الله عليه الخلائق، ولا ينكره إلا من شذ من المجموعة البشرية، وإلا جميع طوائف بني آدم كلهم أقروا بهذا التوحيد، واعترفوا به، كفار قريش يقرون بهذا كما سمعنا من الآيات: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ﴾، ﴿قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾[1] معترفون بهذا، ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾[العنكبوت: 61]، ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾[العنكبوت: 63]، معترفون بهذا، هذا أمر فطري، فطر الله عليه جميع الخلائق.
ومن أنكر فهو في الغالب منكرٌ للرسالة ولكنه معترف بقلبه، مثل فرعون، فرعون الذي كان يقول ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾[النازعات: 24]، قال الله تعالى عنه وعن قومه: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾[النمل: 14]، ﴿جَحَدُوا بِهَا﴾ بأسئلتهم، ﴿وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾، فرعون قال لموسى: ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ تجاهل العارف، ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ إذًا هذا أمرٌ فطري، فرعون هذا الذي قلنا [00:06:04] له آلهة يعبدها من دون الله، ولهذا قال ﴿الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ﴾[الأعراف: 127]، وفي قراءة (وإلهتك)؛ لأنه معبود.
فتوحيد الربوبية أمر فطري فطر الله عليه الخلائق، ولهذا يحتج الله عليهم بإقرارهم بتوحيد الربوبية على توحيد العبادة، ما دمتم تعرفون أن الله هو الخالق لماذا لا تعبدونه؟ ما دمتم تعرفون أن الله هو الرازق لماذا لا تعبدونه؟ لم تعبدون غيره؟ أنت تعرف أن الله هو المدبر لك، لماذا تعبد غيره؟ ما دمت تعرف أن الله هو المالك لماذا تعبد غير المالك؟
ولهذا قال –سبحانه وتعالى- في سورة النمل يحتج عليهم: ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾ [النمل: 60]، كم دليل احتج عليهم؟
﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾، ثم قال: ﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾[النمل: 64]، احتج عليهم بما أقروا به على ما أنكروه، كيف تعترفون بأن الله هو الخالق، الرازق، المدبر، المالك، ثم تعبدون غيره!
يلزمكم أن توحدوه، لكن يعني ... ولهذا قال علماء التوحيد الذي هو لازم، لازم لتوحيد الربوبية، يعني من اعترف بأن الله خالق، ورازق، يلزمه أن يعبده، لكن ما كل واحد يلتزم بما لزمه، فهو أمر فطري فطر الله عليه جميعًا، لكن هناك طوائف من البشر شذوا، وأنكروا توحيد الربوبية وهم الدهرية، الدهرية الذين يقولون إن الليل والنهار هو الذي يهلكهم ولا يعترفون بالرب ولا بالميعاد، قالوا: ﴿وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾[الجاثية: 24]، يعني بمرور الليالي والأيام، يقولون: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾، يقول: ليس هناك إله، ولا بعث ولا معاد، بل بطون تدفع بالولادة، وأرض تبلع بالموت، ولا رب ولا معاد.
﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾، وهو مذهب الشيوعية في الجانب الفكري، الشيوعية يقولون لا إله والحياة مادة، لا إله، يعبدون المادة، ولكنهم أيضًا في الجانب الاقتصادي يقولون الناس مشتركون في النساء، وفي الأموال، الشيوعية، إشاعة، النساء مشتركة، والمال مشترك، وأما الرب والمعاد فإنهم ينكرونه.
هناك أيضًا طوائف شذت وأنكرت توحيد الربوبية، الطباعيون، الذين يقولون: إن الطبيعة هي التي أوجدت العالم، والطبيعة يفسرونها بذات الأشياء، ذات الأرض في ذات الأرض، ذات السماء في ذات السماء، ذات النبات في ذات النبات، وتارة يفسرونها بخصائصها وصفاتها، كالبرودة، والحرارة، والرطوبة، واليبوسة، والملاسة، والخشونة، قالوا: هي هذه، هذه هي الطبيعة التي أوجدت العالم، إذا كانت ذات الطبيعة عاجزة عن إيجاد نفسها، فعجز صفاتها من بـاب أولى.
هناك من شذّ، وقال: أن هذا يجري على الصدفة، وأن هذا العالم موجود صدفة.
وانتظام أمر هذا العالم العلوي والسفلي، دليل على أن مدبره إله واحد وهو الله سبحانه وتعالى، لا يمكن أن يكون صدفة، انتظام أمر هذا العالم العلوي والسفلي يكون أتى صدفة! هذا لا يقوله عاقل.
المقصود أن هناك طوائف شذوا من المجموعة البشرية، وإلا فجميع طوائف بني آدم ما عدا هؤلاء الذين شذوا كلهم يقرون بتوحيد الربوبية، وأن الله هو الرب، الخالق، الرازق، المدبر [00:11:05]، لكن هذا ما يكفي في الإيمان حتى يضم إليه توحيد العبادة والألوهية، توحيد الله بالعبادة.
وضابط توحيد الربوبية: هو أن توحد الله بأفعاله هو، أفعال الرب الخلق، الرزق، الإماتة، الإحياء، إنزال المطر هذه أفعال الله، توحده بها تضيفها إليه وتنسبها له.
أما توحيد العبادة: فهو توحيد الله بأفعالك أنت صلاة، صيام، زكاة، دعاء، حج، عمرة، توكل، رغبة، رهبة.
فهُم وحدوا الله بأفعاله هو، ولم يوحدوا الله بأفعالهم، أفعالهم صرفوها إلى الأصنام والأوثان، وأفعال الله ... ووحدوا الله في الربوبية، ولم يوحدوا الله في الألوهية، فلا يصح الإيمان حتى يوحد الله في الربوبية، ويوحد المسلم ربه في الربوبية، ويوحده في الألوهية، ويوحده في الأسماء والصفات. نعم.
[1] - تلا الشيخ الآيات مستقطعة، وتم إدراجها كاملة