الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فنبدأ درسنا هذا المساء بعون الله تعالى في رسالة التوحيد لسماحة شيخنا الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد -رحمه الله تعالى- وقد وقفنا على ماذا؟ صفحة كم؟
أحد الحضور: 97.
الشيخ: نعم، سمّ.
المقدم: الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد...
فقد ذكر العلامة الشيخ عبد الله بن حميد -رحمه الله تعالى- في رسالته في التوحيد.
قال: قال العلامة ابن القيم -رحمه الله- في قصة هدم اللات، لما أسلمت ثقيف: فيه أنه لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يومًا واحدًا، وكذا حكم المشاهد التي بنيت على القبور.
الشيخ: نعم، قيل ماذا؟ أعد فيه أنه لا يجوز...
المقدم: فيه أنه لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يومًا واحدًا، وكذا حكم المشاهد التي بنيت على القبور.
الشيخ: وهذا الحكم مأخوذ من كون ثقيف لما أسلموا قالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله، إن أبناءنا ونسائنا نفوسهم متعلقة باللات، فلو أبقيتها لنا ثلاث سنين؟ فأبى عليهم، قالوا: سنة، فـأبى عليهم، قالوا: شهر، فأبى عليهم، فأبى عليهم، قال: لا أبقيها شيئًا مسمى، ابن القيم-رحمه الله- قال: يستفاد منها أنه لا يجوز إبقاء حكم الطواغيت بعد القدرة عليها ولا شيئًا مسمى، ولا لحظة، تهدم في الحال، ولهذا ما أجاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ثقيف إبقائها يومًا واحدًا.
وكذلك حكم المشاهد التي بُنيت على القبور، لا يجوز إبقائها بعد القدرة عليها ولا يومًا واحدًا، يجب هدمها؛ نعم، لأنها من وسائل الشرك وإذا بنيت القباب على القبور ووضعت الرياحين والسرج والأنوار، والكتابة عليها، دعوة، دعوة للشرك، دعوة للشرك، فلا يجوز إبقاء وسائل الشرك، الشرك ووسائله وذرائعه كلها يجب القضاء عليها.
المقدم: قال: والتي اتُخذت أوثانًا تعبد من دون الله، والأحجار التي تقصد للتبرك والنذر، لا يجوز إبقاء شيء منها على وجه الأرض مع القدرة على إزالتها.
الشيخ: نعم، هذا مع القدرة، لا يجوز الأوثان التي تعبد من دون الله والأحجار والأشجار إذا قدر المسلم أو الداعية أو الأمير أو السلطان على إزالتها فإنه يزيلها ولا يبقيها شيئًا مسمى، لا يبقيها ولا ... نعم.
المقدم: لا يجوز إبقاء شيء منها على وجه الأرض مع القدرة على إزالتها، وكثير منها بمنزلة اللات والعزى ومناة، أو أعظم شركًا عندها وبها. فاتبع هؤلاء سَنن من كان قبلهم، وسلكوا سبيلهم حذو القذة بالقذة، وغلب الشرك على أكثر النفوس.
الشيخ: يعني صاروا خلفهم، موافقين لهم، كما توافق حذة القذة حذة السهام الأخرى، في اللفظ الآخر حذو النعل بالنعل كما توافق النعلة النعلة فكذلك يمشون على طريقهم ويتبعون سَننهم، نعم.
المقدم: وغلب الشرك على أكثر النفوس، لظهور الجهل وخفاء العلم، وصار المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، والسنة بدعة والبدعة سنة، وطُمست الأعلام، واشتدت غربة الإسلام، وقل العلماء، وغلب السفهاء، وتفاقم الأمر، واشتد البأس؛ وظهر الفساد، في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس.
ولكن لا تزال طائفة من العصابة المحمدية بالحق قائمين، ولأهل الشرك والبدع مجاهدين، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
الشيخ: هذا كلام ابن القيم -رحمه الله-، يقول: إن أكثر النفوس ... غلب الشرك على أكثر النفوس بسبب الجهل، وخفاء العلم صار المعروف منكر، والمنكر معروف عند أكثر الناس، وتفاقم الأمر، واشتدت غربة الإسلام، وقلَّ العلماء، وغلب السفهاء، على ما [00:04:50] تفاقم الأمر، واشتد البأس، وظهر الفساد في البر والبحر بسبب ظهور الشرك؛ لأن الشرك هو أعظم الذنوب والمعاصي، إذا ظهر الشرك وأُعلن ولم ينكَر اشتدت غربة الإسلام؛ لأن الشرك ينافي التوحيد والإيمان.
قال: ولكن ولله الحمد لا تزال طائفة على الحق منصورة؛ وهذا بشارة من النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ أنه لا ... الحق ما يقضى عليه، والإسلام ما ينتهي، ومهما اشتدت غربة الإسلام، ومهما حصل له من تسلط الأعداء فإن الإسلام لا ينتهي، بل تبقى طائفة هذه بشارة منه، أو من النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى»، هذه بشارة؛ أن الحق باقٍ، وهذه الطائفة المنصورة هي ... هم أهل السنة والجماعة، وهم أهل الحق، وهم يزيدون ولا ينقصون، قد يكون في زمن يزيدون، وفي زمن ينقصون، وقد يكونوا متفرقين، وقد يكونوا في مكان واحد.
قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم"، وقال النووي وغيره: إن الطائفة المنصورة هم الذين على الحق أتباع الحق، لكن في مقدمتهم العلماء، في المقدمة العلماء وأهل الحديث ومن تبعهم، قد يكون من أهل الحرف والصناعات، قد يكون من الطائفة المنصورة وهو مزارع، وقد يكون عامل، وقد يكون تاجر، وقد يكون صانع، وقد يكون دباغ أو حلاق، يبيع ويشتري ولكنه على الحق [00:06:34]
هذه بشارة من النبي -صلى الله عليه وسلم-، حتى في الشدة التي حصلت على الإسلام، التتار لما دخلوا بغداد، سقطت بغداد، سقطت الخلافة الإسلامية سنة 660، ماذا عملوا التتار؟
كانوا يقتلوا في اليوم ما يقارب مليون، ويحرقون المدن، ويمشون، ولا ينجوا إلا من كان في القبور، ومع ذلك الإسلام ما مات، بقي الإسلام، الحمد لله حي بعد ذلك، الحمد لله على ذلك. نعم.
المقدم: قال: وماذا يُفيد الملتجئون إلى أصحاب القبور، وهم لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا، بل هم محتاجون إلى رحمة الله وإلى من يدعو لهم من الأحياء بالرحمة والمغفرة لهم.
الشيخ: يعني الذين يلتجئون للقبور ويطلبون منهم ماذا يستفيدون؟ ما يفيدهم أصحاب القبور؟ أصحاب القبور مرهونون في أعمالهم لا يستطيعون نفع أنفسهم فضلًا عن نفع غيرهم، ولكن أهل الأوثان لا يعقلون ما عندهم عقول، ألغوا عقولهم وإلا كيف يدعون ميت قد بلت عظامه وصارت تراب، ولو كشفت الآن ما وجد إلا التراب؟ وينسى رب الأرباب؟! أين العقول؟! (00:08:08) فكر بعقلك الآن، تُلغي عقلك! كيف تدعو ميت الآن؟! ميت ما ينفع نفسه حتى ينفعك! اكشف القبر ما تجد إلا تراب، التراب ينفعك! لكن ألغوا عقولهم نسأل الله السلامة والعافية. نعم.
المقدم: فهذا سيد الخلق وأشرف المرسلين وأكرم البرية يقول لأعز الناس عنده بنته فاطمة -رضي الله عنها-، والتي هي بضعة منه، وعمه عباس بن عبد المطلب، وعمته صفية بنت عبد المطلب، ولعشيرته الأقربين:
الشيخ: التي هي بضعةٌ منه، يعني قطعة، قطعة منه، نعم.
المقدم: وعمه عباس بن عبد المطلب، وعمته صفية بنت عبد المطلب، ولعشيرته الأقربين: «يا معشر قريش -أو كلمة نحوها- اشتروا أنفسكم (أي بالإيمان بالله والعلم الصالح) لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئًا، يا صفيةُ عمةُ رسول الله r لا أغني عنك من الله شيئًا، ويا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت، لا أغني عنكِ من الله شيئًا».
فإذا كان سيد المرسلين صرح بأنه لا يغني شيئًا عن سيدة نساء العاملين، ثم نظر فيما وقع في قلوب خواص الناس اليوم فتبين له التوحيد وغربة الدين.
الشيخ: نعم، الرسول -صلى الله عليه وسلم- أشرف الخلق يخاطب فاطمة ابنته وهي قطعة منه، وسيدة نساء أهل الجنة يقول: يا فاطمة أنقذي نفسك من النار لا أغني عنك من الله شيئًا، سليني من مالي ما شئت المال أُعطيك، لكن ما أقدر أنقذك من النار، لا أستطيع أن أنقذك من النار، أنقذي نفسك من النار.
ثم نادى أيضًا عمه العباس فقال: يا عباس -عم رسول الله- اشترِ نفسك من الله لا أغني عنك من الله شيئًا، يا صفية عمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا أُغني عنك من الله شيئًا.
فإذا كان سيد الخلق لا يستطيع أن يدفع النار عن ابنته التي هي أقرب الناس، ولا عن عمته ولا عن عمه، فمن الذي يستطيع؟! والأمر كما قال الله -تعالى-: ﴿يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ [الانفطار: 19].
يقول المؤلف –رحمه الله-: فإذا نظر الإنسان إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه لا يُغني عن أقرب الناس إليه ثم نظر ما يفعله الناس عند عباد القبور تبين له غربة الدين، وأن الدين غريب. نعم.
المقدم: قال: وفي الحديث رد على من تعلق على الأنبياء والصالحين، ورغب إليهم ليشفعوا له وينفعوه أو يَدْفعوا عنه.
الشيخ: نعم، هذا الحديث فيه رد على الذي يتعلق بالصالحين، إذا كان النبي-صلى الله عليه وسلم- وهو سيد الخلق لا يُغني عن ... لا يدفع النار، ولا يغني عن ابنته ولا عن عمته ولا عن عمه، فالذي يتعلق بالأنبياء والصالحين من باب أولى أنهم لا ينفعونه، فتبين له جهلهم وضلالهم. نعم.
المقدم: كما أن فيه: دلالة صريحة على أنه لا يجوز أن يُسأل العبد إلا بما يقدر عليه من أمور الدنيا، وأما الرحمة والمغفرة والجنة والنجاة من النار ونحو ذلك من كل ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، فلا يجوز أن يُطلب إلا منه تعالى.
فإن ما عند الله لا ينال إلا بتجريد التوحيد والإخلاص له بما شرعه لعباده أن يتقربوا به إليه، فإذا كان لا ينفع بنته ولا عمه، ولا عمته، ولا قرابته، إلاّ ذلك فغيرهم أَوْلَى وأحرى وفي قصة عمه أبي طالب مُعتبر.
الشيخ: نعم، يعني يقول المؤلف: هذا الحديث فيه دلالة على أنه (00:12:20) الإنسان أن يسال أحدًا ما لا يقدر عليه، إنما يسأل أمور الدنيا، يسأل الحي أمور الدنيا، قال: يا فلان، هذا لا بأس، هذا من الأمور المحسوسة، تدعو حيّ حاضر قادر لا بأس، تقول يا فلان أعني، أقرضني مالًا أقضي به دَين، أعني على إصلاح مزرعتي، أعني على إصلاح سيارتي، لا بأس لكن تسأله المغفرة، قضاء الحاجات، تفريج الكُربات [00:12:46] ما يستطيع ولو كان حيًّا، وإذا كان ميتًا أو غائبًا يكون الأمر أعظم وأشد، نسأل الله السلامة والعافية.
كذلك يقول المؤلف: هذا فيه العبرة وكذلك [00:12:56] في قصة أبي طالب، أبو طالب عم النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي كان تربى النبي -صلى الله عليه وسلم- في كَنَفه، وكان يحمي النبي-صلى الله عليه وسلم- ويذود عنه، ويحبه، ويُقدمه على أولاده وكان يُدافع عنه، وقريش يهابونه، لكن ما قدَّر الله له الإسلام.
لما حضرته الوفاة حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على دعوته إلى الإسلام، جاء إليه وقال: «يا عم قل لا إله إلا الله، كلمة أُحاج لك بها عند الله»، وكان عنده قرناء السوء عبد الله بن أمية وأبو جهل بن هشام، فذكَّراه الحجة، الحجة الملعونة، وهي اتباع الآباء والأجداد في الباطل، قالوا: أترغب عن ملة أبيك عبد المطلب؟ يقولون: عيب عليك، عيب عليك تترك ملة أبيك وجدك، عيب عليك تترك، أترغب عن ملة أبيك عبد المطلب؟
فأعاد عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يا عم قل: لا إله إلا الله، كلمة أُحاج لك بها عند الله»، فأعادا عليه الحجة الملعونة، فما زال النبي يعيد وهم يعيدون، حتى كان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله.
النبي -صلى الله عليه وسلم- مع ذلك حزن، وقال: «لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك»، فجاء النهي: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾[التوبة: 113]، ونزل تسلية للنبي -صلى الله عليه وسلم-: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾[القصص: 56] الهداية بيد لله.
فالنبي-صلى الله عليه وسلم- لو كان بيده الهداية لهدى عمه، ما يستطيع، هذا أقرب الناس إليه، لكن الهداية بيد الله، هنا يقول المؤلف: قصة أبي طالب فيها العظة والعبرة، نعم.
المقدم: فانظر إلى الواقع الآن من كثير من النّاس من الالتجاء إلى الأموات والتوجه إليهم بالرغبات والرهبات، وهم عاجزون لا يملكون لأنفسهم ضرًا، ولا نفعًا، فضلاً عن غيرهم، يتبين لك أنهم ليسوا على شيء: ﴿إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأعراف: 30]، أظهر لهم الشيطان الشرك في قالب محبة الصالحين، وكل صالح يبرأ إلى الله من هذا الشرك في الدُّنيا ويوم يقوم الأشهاد.
الشيخ: نعم، يقول المؤلف: إذا نظرت لواقع كثير الناس، الذين يلتجئون إلى الأموات ويتوجهون إليهم وهم عاجزون لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا فضلًا عن غيرهم، تبين لك أنهم ليسوا على شيء، وأنهم كما قال الله: ﴿اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأعراف: 30]، ويتبين لك غربة الدين.
الشيطان أظهر لهم الشرك في قالب محبة الصالحين، فقالوا، فهم يقولون: نحن الآن نعلم أن الأموات لا ينفعون ولا يضرون، لكن هذه محبة، نحبهم الآن، محبة، ليشفعوا لنا عند الله، وإلا ما يملكون شيء، لكن يشفعون لنا، ونحن نطلب منهم الشفاعة، وهم ... نتقرب إليهم ونتوجه إليهم، ونطلب منهم الشفاعة، وهم أقرب منا إلى الله.
فبيّن الله أن طلب الشفاعة شرك، قال: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [يونس: 18]، قل لهم: ﴿قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ هل تخبرون الله بشيء لا يعلمه؟ هو لا يعلم أن له أحدًا يشفع بدون إذنه؟
قال: ﴿قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ ثم حكم بشركهم، فقال: ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾[يونس: 18]، نعم.
المقدم: ولا ريب أن محبة الصالحين إنما تحصل بموافقتهم في الدين، ومتابعتهم في طاعة رب العالمين، لا باتخاذهم أندادًا من دون الله يحبونهم كحب الله إشراكًا بالله، وعبادة لغير الله، وعداوة لله ولرسوله، والصالحين من عباده كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [المائدة: 116، 117].
الشيخ: نعم، يقول المؤلف هنا: محبة الصالحين نعم دين وقربى، لكن بماذا تحصل محبة الصالحين؟ هل محبة الصالحين معناها أنك تعبدهم من دون الله؟ لا، توافقهم، توافقهم وتقتدي بهم في أعمالهم الطيبة، لا أن تعبدهم وأن تصرف لهم حق الله، تعطيهم حق الله الذي هو العبادة، لأن محبة الصالحين [00:17:58] قُربى ودين، لكن تحصل بموافقتهم واتباعهم، ومحبتهم، لا باتخاذهم أندادًا من دون الله، ولا بصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله.
ثم استدل المؤلف بالآية: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ الناس عبدوا عيسى وأمه، فقال الله له: ﴿يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ [المائدة: 116].
فيه إثبات النفس لله، وأن لله نفسًا لا تشبه نفوس المخلوقين.
ثم قال: ﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [المائدة: 117-118]. نعم.
المقدم: ونحن مع هذا لا ننكر شفاعة رسوله r والأنبياء والصالحين، فقد صح أن الأنبياء يشفعون، والأولياء يشفعون، والأفراط يشفعون، لكن لا نطلب الشفاعة منهم ولكن نطلبها من الله، فلا يشفع أحد إلا بإذن الله له، كما قال تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة: 255]، وهو سبحانه تعالى لا يأذن إلا لمن رضي الله قوله وعمله، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ [الأنبياء: 28] فنقول: اللهم لا تحرمنا شفاعة نبيك، اللهم شفعه فينا، وأمثال هذا.
الشيخ: نعم يقول المؤلف: نحن ما ننكر الشفاعة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- هو الشافع المُشفع في المحشر، والأنبياء يشفعون، والأفراط يشفعون، لكن لا تطلبها منهم اطلبها من الله، اللهم شفع فينا نبيك، اللهم ارزقنا شفاعته ما تقول: يا رسول الله اشفع لي، اطلبها من الله الذي يملكها، ﴿قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا﴾ [الزمر: 44]، الذي يعطيها: الله، يعطيها للنبي -صلى الله عليه وسلم- تكريمًا له، فأنت لا تطلبها من الرسول ولا من الأنبياء، ولا من ...، وإنما تطلبها من الله.
وإلا فقد صح أن الأنبياء يشفعون، وأن الأفراط يشفعون، لكن لا تطلب إلا من الله، والشفاعة لها شرطان:
لا تكون إلا لأهل التوحيد، مَن مات على التوحيد من العصاة، قال: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي»، إذا مات العاصي وهو موحد له شفاعة، أما إذا مات على الشرك فلا شفاعة له.
قال تعالى: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ﴾ [البقرة: 254] هذه الشفاعة المنفية لأهل الشرك، أما أهل التوحيد لهم الشفاعة بشرطين:
الشرط الأول: أن يأذن الله للشافع أن يشفع؛ ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾[البقرة: 255].
الثاني: أن يرضى الله عن المشفوع، يرضى عملًا وقولًا، (00:20:51) ﴿وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾[الأنبياء:28]
وقد جمع الله هذين الشرطين في آية النجم، قال تعالى: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾[النجم: 26]، فلها هذان الشرطان لأهل التوحيد خاصة، أما أهل الشرك (00:21:13) فالشفاعة منفية في حقهم. نعم.
المقدم: قال: والأحياء يشفعون للميت إذا قاموا يصلون عليه بدعائهم له، كما في صحيح مسلم من حديث ابن عباس وغيره، أن رسول الله r قال: «ما من مسلم يموت فيقومون على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئًا إلا شفَّعهم الله فيه».
وكما في دعاء المصلين على الطفل المتوفى، فإنهم يقولون في دعائهم: «اللهم اجعل لوالديه فرطًا وأجرًا وشفيعًا مجابًا» فيسألون الله أن يقبل شفاعة هذا الفرط لوالديه، لا أنهم يطلبون الشفاعة من الفرط نفسه، لأن الشفاعة ملك لله، قال تعالى: ﴿قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الزمر: 44].
الشيخ: نعم فهمنا أن الأحياء يشفعون، يشفعون للميت، أن دعاءهم شفاعة له لحديث: «ما من مسلم يموت ويصلي عليه أربعون لا يشركون بالله شيئًا إلا شفعهم الله، وفيه: ومن صلى مائة لا يشركون بالله شيئًا إلا شفعهم الله فيه»، هذه شفاعة أن تشفع: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم كفِّر سيئاته، اللهم أدخله الجنة، هذه شفاعة.
وكذلك يقال للفرط: "اللهم اجعله ذخرًا لوالديه، وفرطًا وأجرًا وشفيعًا مجابًا" هذه شفاعة في الدنيا للميت يعني طلب من الله، بأن تدعو الدعوة لله، بأن يغفر له وأن يرحمه، والشفاعة هي ملك لله، هو الذي يملكها: ﴿قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا﴾[الزمر: 44]، يعني هو مالكها سبحانه وتعالى، فلا تُطلب إلا منه، فأنت عندما تطلبها للميت تطلبها من الله ما تطلبها من غيره. نعم.
المقدم:
فصل في توحيد الأسماء والصفات
هو: اعتقاد انفراد الله بالكمال المطلق من جميع الوجوه بنعوت العظمة والجلال، وذلك بإثبات ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله r من الأسماء والصفات من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، بل نعتقد أن الله ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، فلا ننفي عنه ما وصف به نفسه ولا نحرف الكلم عن مواضعه، ولا نلحد في أسماء الله وآياته.
الشيخ: توحيد السماء والصفات: هو إثبات الأسماء والصفات لله -عز وجل-الواردة في الكتاب والسنة، تُثبتها وتعتقد أن الله تعالى متصف بهذه الصفات ومسمى بهذه الأسماء التي أخبر بها عن نفسه في كتابه، أو أخبر بها عنه رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
والأسماء والصفات: الأسماء مشتملة على الصفات، كل اسم مشتمل على صفة؛ العليم مشتمل على صفة العلم، والقدير مشتمل على صفة القدرة، والحكيم مشتمل على صفة الحكمة وهكذا.
ومن ذلك قول الله تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)﴾ [الحشر: 22- 24].
هذه كلها تُثبت لله -تعالى-، وأنها مشتملة على الصفات، أسماء الله مشتقة وليست جامدة، عالم الغيب والشهادة، الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، العزيز، الحكيم، الخالق، البارئ، المصور، كل هذه الأسماء، العليم والغفور والودود والسميع والبصير.
كذلك الصفات؛ مثل صفته بالعلم، بالقدرة، بالمشيئة، وبالمحبة، وبالغضب، وبالرضا كل هذا (00:25:07) على ما يليق بجلاله وعظمته.
قال المؤلف: هو اعتقاد انفراد الله بالكمال المطلق من جميع الوجوه بنعوت العظمة والجلال، تعتقد أن الله منفرد عن غيره بالكمال المطلق، المخلوق ليس له كمال مطلق، له كمال نسبي، والله تعالى له الكمال المطلق بنعوت الجلال والعظمة، وذلك بإثبات ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله من الأسماء والصفات من غير تحريف؛ لا تحريف لفظي ولا تحريف معنوي.
التحريف اللفظي؛ مثل ما بعض الجهمية أراد أن يُحرّف الآية: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾[النساء: 164]، هو ينكر أن يكون الله يتكلم فحرف فقال: وكلم اللهَ موسى تكليمًا؛ حتى يكون موسى هو المتكلِم والله هو المُكلَّم، يريد ينفي الكلام عن الله، قال: وكلم اللهَ موسى تكليمًا، يقول: الله: منصوبة على التعظيم، وموسى (00:26:15).
فقال له بعض أهل على السنة: يا عدو الله هب أنك حرَّفت هذا، فكيف تقول في قوله: ﴿وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ﴾[الأعراف: 143]، ما فيه حيلة، فقال: معناه جرَّحه بأظافير الحكمة؛ فكلمه ليس معنى الكلام وإنما الجرح، يقال: فلان كلْمه يدمى.
هذا تحريف لفظي، ولا تحريف معنوي؟ حرفه تحريفًا معنويًّا.
من غير تكييف فيقول: كيفية الصفة كذا وكذا، تماثل كيفيته على كيفية المخلوق، على كيفية كذا، والتمثيل؛ أن يقول: أن صفاته مثل صفات المخلوق، من غير تكييف ولا تحريف ولا تمثيل تعطيل؛ تعطيل: نفي الأسماء والصفات.
بل نعتقد أن الله ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، فلا ننفي عنه ما وصف به نفسه ولا نحرّف الكلم عن مواضعه، ولا نُلحد في أسماء الله وآياته. نعم.
المقدم: قال: فمن صفات الله التي وصف بها نفسه الاستواء:
فقال عزَّ من قائل في سورة الأعراف: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الأعراف: 54]، وقال في سورة يونس: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [يونس: 3]، وقال في سورة الرعد: ﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الرعد: 2]، وقال في سورة طه: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: 5].
وقال في سورة الفرقان: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ﴾ [الفرقان: 59]، وقال في سورة السجدة: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [السجدة: 4]، وقال في سورة الحديد: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الحديد: 4].
فهذه سبعة مواضع أخبر فيها سبحانه أنه على العرش. وروى أبو هريرة t قال: سمعت رسول الله r يقول: «إن الله -عز وجل- كتب كتابًا قبل أن يخلق الخلق: إن رحمتي سبقت غضبي، فهو عنده فوق العرش».
وقد سُئل الإمام مالك -رحمه الله- عن قوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾[طه: 5] كيف استوى، فأطرق مالك وعلته الرحضاء –يعني العرق– وانتظر القوم ما يجيء من فيه، فرفع رأسه إليه وقال: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأحسبك رجل سوء" وأمر به فأُخرج.
وهذا الجواب من مالك –رحمه الله– في الاستواء كاف شافٍ في جميع الصفات مثل النزول، والمجيء، واليد، والوجه، وغيرها، فيقال في النزول: النزول معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
وهكذا يقال في سائر الصفات الواردة في الكتاب والسنة. ولا يجوز تأويل الاستواء على العرش بالاستيلاء، لأنه لو كان كذلك لم يكن ينبغي أن يخص العرش بالاستيلاء عليه دون سائر خلقه، إذ هو مستولٍ على العرش، وعلى الخلق، ليس للعرش مزية.
الشيخ: نعم، يقول المؤلف: من الصفات التي وصف الله بها نفسه: الاستواء في سبعة مواضع: كما في سورة الأعراف، في سورة الرعد، في سورة طه، في سورة الفرقان، في سورة الحديد، في سورة السجدة، في سورة الفرقان سبعة مواضع كما ذكرها المؤلف -رحمه الله-، كلها جاء فيها الاستواء، الاستواء على العرش. في لفظ على[1] الذي يدل على العلو والفوقية.
ومعنى استوى في اللغة العربية لها أربع معاني، معنى استوى في اللغة: استقر، وعلا، وصعد، وارتفع.
ومعنى الاستواء يدور على هذه المعاني الأربعة، تفسير السلف تفسير الاستواء يدور على هذه المعاني الأربعة، ومعنى الاستواء: العلو والارتفاع والاستقرار، فالله مستوٍ على العرش حقيقة بهذه المعاني الأربعة على ما يليق بجلاله وعظمته، ولكن الكيفية غير معلومة، ما نعلم كيفية استواء الله، لكن نعلم معناها في اللغة.
ولهذا الإمام مالك لما سأل هذا الرجل، جاء رجل قال: يا مالك، ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾[طه: 5]، كيف استوى؟ ومالك كبُر عليه الأمر، شق عليه هذا الأمر، فطأطأ برأسه وجعل يتصبب عرق، علته الرحضاء، ثم بعد مدة رفع رأسه وقال: الاستواء معلوم (أي معلوم المعنى في اللغة عربية)، والكيف مجهول؛ كيفية استواء الله، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا رجل سوء، فأمر به وأُخرج من مجلسه.
وهذا كما قال المؤلف: جواب كافٍ شافٍ، يقال في جميع (00:31:23)، تلقته الأمة بالقبول في جميع الصفات؛ من صفات النزول والمجيء، إذا قال ... النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا» كيف النزول؟ قال: النزول معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنده بدعة.
وهكذا إذا قال: رضي الله عنه وأرضاه، ما معنى كلمة الرضا؟ يقال: الرضا معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنده بدعة. هذا تلقته الأمة بالقبول فلا يُكيَّف، الاستواء الآن، معلوم كيفية استواء المخلوق إذا استوى المخلوق على الدابة لأنه محتاج إلى الدابة، بمعنى أنها لو سقطت الدابة سقط لأنه محتاج إليها.
لكن الرب سبحانه لا يحتاج إلى العرش ولا لغيره، هو الحامل للعرش العظيم بقوته وقدرته، على كيفية الله يعلمها [00:32:25]
ولهذا انقسم الناس إلى ثلاثة أقسام:
- أهل السنة والجماعة أهل الحق أثبتوا الاستواء على العرش على ما يليق بجلاله وعظمته، لم يُكيفوا.
- والمشبهة -قبحهم الله- كفار، قالوا: إن الله استوى على العرش كاستواء المخلوق، يقول أحدهم: لله يد كيدي، واستواء كاستوائي، ورحمة كرحمتي، كفار.
قال نعيم بن محمد شيخ البخاري: من شبه الله بخلقه كفر.
- والمُعطلة، طائفة المعطلة الذين أنكروا الاستواء، أنكروا الصفات ونفوها، المعتزلة والجهمية، هؤلاء معطلة، عطلوا معظم الصفات.
قال نعيم بن محمد شيخ البخاري: مَن شبه الله بخلقه كفر، ومَن نفى ما وصف الله به نفسه كفر، من شبه الله بخلقه، المشبه كفر، ومن نفى ما وصف الله به نفسه ووصف به رسوله كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا فيما وصفه به رسوله بذلك تشبيه، نعم.
المقدم: قال الإمام أبو بكر بن خزيمة -رحمه الله-: (من لم يُقر بأن الله على عرشه استوى فوق سبع سماوات، بائن من خلقه، فهو كافر، يستتاب، فإن تاب، وإلا ضربت عنقه، وألقي على مزبلة لئلا يتأذى بريحه أهل القبلة وأهل الذمة).
الشيخ: نعم، يعني الإمام ابن خزيمة في صحيحه قال: من لم يؤمن بأن الله استوى ... من لم يؤمن بأن الله فوق العرش مستوٍ عليه بائن من خلقه يستتاب، فإن تاب، وإلا قتل، ضُربت عنقه، تجعل عنقه على مزبلة حتى لا يتأذى به أهل السنة، أهل المسلمين، ولا أهل الذمة؛ حتى ولا واليهود والنصارى (00:34:24) أكثر من اليهود والنصارى، حتى لا يتأذى به أهل الذمة اليهود والنصارى، ولا يتأذى به المسلمون؛ لأنه دل على أنه مرتد يكون أشد، أشد كفرًا من اليهود والنصارى، نسأل الله العافية والسلامة. نعم.
المقدم: كما أن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن الله سبحانه وتعالى فوق سماواته، بائنٌ من خلقه، قال الله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: 10]، وقال تعالى: ﴿يا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ [آل عمران: 55]. ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 158]. ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ﴾ [الملك: 16].
وفي حديث أبي سعيد الخدري t: أن النبي r قال: «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء»، وفي حديث معاوية بن الحكم السُّلمي t: أن النبي r قال للجارية: «أين الله؟»، قالت في السماء، قال: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله، قال: «اعتقها فإنها مؤمنة» رواه مسلم وأبو داود والنسائي.
الشيخ: نعم، بيَّن المؤلف-رحمه الله تعالى- أن أهل السنة يعتقدون أن الله –سبحانه- فوق العرش، فوق عرشه بائن من خلقه ليس مختلط بالمخلوقات، والجهمية طائفتان:
جهمية، طائفة قالوا: إن الله مخلط بالمخلوقات، واستدلوا ببعض الآيات التي تشابهت عليهم قالوا: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾[الحديد: 4]، يعني مختلط بالمخلوقات.
فبيَّن لهم أهل السنة أن المعية معناها معكم، المعية ليس معناها الاختلاط، المعية تفيد المصاحبة، والعرب تقول: ما زلنا نسير والقمر معنا، والقمر أين هو؟ بعيد عنك، ما زلنا نسير والقمر معنا، القمر معك، والشمس معنا وهي مرتفعة، فالمعية معناها المصاحبة، وهو معهم بعلمه واطلاعه وإحاطته، وهو فوق العرش سبحانه وتعالى.
والإنسان يطلّع على ابنه وهو يبكي، وهو في الدور الرابع والخامس وابنه يبكي في الأرض، فيقول: يا ابني أنا معك، لا تبكِ، فيسكت، وبينه وبينه مسافة، ليس محاذيًّا له، فلا يلزم من المعية في لغة العرب الاختلاط، لا معناها المصاحبة، ولا تفيد الاختلاط بوجه من الوجوه.
من الأدلة على العلو:
قول الله تعالى: ﴿يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾[آل عمران: 55]، والرفع يكون من أسفل إلى أعلى فدل على أن الله في العلو، قال: ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ﴾ [النساء: 158] والرفع يكون من أسفل إلى أعلى، [00:36:55].
في الحديث: «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء» المراد بالسماء هنا العلو يعني مَن في العلو، وإذا أُريد بها الطباق المبنية، فتكون في بمعنى على.
وفي حديث معاوية بن الحكم السُّلمي: أن النبي قال للجارية: «أين الله؟»، قالت في السماء، قال: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله، قال: «فاعتقها فإنها مؤمنة»؛ شهد لها بالإيمان.
وأهل البدع يخطئون الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: سأل الجارية، قال: أين؟ ما يسأل عن أين، أنا في مكان، والله يقول ليس له مكان، يعني أهل الجهمية يقولون: الله ليس له مكان، وإذا رفعت إصبعك عند جهمي قطع إصبعك، احذر أن ترفع إصبعك عن جهمي وما عندك أحد يقطع إصبعك في الحال، يقول: أنت مشبه مجسم، تجعل الله في جهة معينة محصور هذا تحقير هذا تنقُّص له، تجعله محبوس في جهة واحدة، هو في جميع الجهات في كل مكان، هكذا يقول.
فإذا قلت: إن الله في السماء، قالوا: هذا ... أنت مشبه، ويقطعون إصبعك، فإن قيل له قال الرسول: «أين الله؟» أين يسأل بها عن المكان، قال: الرسول خاطب الجارية العجمية على قدر عقلها، سألها سؤال فاسد، وأجابها بجـ ... وأقرها على الجواب الفاسد، الرسول ما يريد أن يقول ... يسأل عن المكان، يريد أن يقول: مَن الله؟ ولكن قال: أين الله؛ لأنها جارية عجمية، ما تفهم إلا هذا، الرسول أفصح الناس ما يعرف يقول: مَن الله! يقول: مراد الرسول مَن الله، وليس مراده أين، لماذا أين؟ يقول: أين يُسأل بها عن المكان، والله ليس له مكان، ولما قالت: في السماء، قال: أقرها على جواب فاسد، سألها سؤال فاسد، وأقرها على جواب فاسد، مراعاة لعقلها وعُجمتها، (00:38:51)
المقدم: قال: ومنكر أن يكون الله في جهة العلو بعد هذه الآيات والأحاديث مخالف لكتاب الله، ومنكر لسنة رسول الله r .
قال مالك بن أنس: «الله في السماء، وعلمه في كل مكان، لا يخلو من علمه مكان».
الشيخ: يعني يقول المؤلف –رحمه الله-: إن المنكر منكر أن يكون الله في جهة؛ قال هذا ماذا؟ مخالف للكتاب والسنة، بينما السلف، والأئمة كفَّروا من أنكر العلو، قالوا: من أنكر العلو فهو كافر، ومن أنكر رؤية الله فهو كافر، ومن قال: القرآن مخلوق فهو كافر، وهذا التكفير في العموم.
لكن الشخص المعين ما يكفر حتى تقوم عليه الحجة، (39:49) الشروط، وتنتفي الموانع، لكن يقال: مَن أنكر علو الله كفر، ومَن أنكر الرؤية كفر، لكن فلان بن فلان أنكر العلو هل يكفر؟ يقول: لا، ما ندري عن فلان، يمكن متأول، يمكن جاهل، يمكن تاب، ما نكفر المعين، ما ندري حتى نجلس معه جلسة، نناقشه، نقيم عليه الحجة، فإذا أصر بعد إقامة الحجة كفر، واضح هذا؟ هذه قاعدة أهل السنة والجماعة. نعم.
قال مالك بن أنس: "الله في السماء وعلمه في كل مكان، لا يخلو من علمه مكان"؛ الله في السماء في العلو، وعلمه في كل مكان. نعم.
المقدم: وقال عبد الله بن المبارك: نعرف ربنا فوق سبع سماوات بائنًا من خلقه، ولا نقول كما قالت الجهمية إنه ها هنا وأشار إلى الأرض، بل نعتقد أن الله -سبحانه وتعالى- فوق سماواته مستوٍ على عرشه، وأنه ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا، فيجب الإيمان والتسليم لذلك، وترك الاعتراض عليه، وإمراره من غير تكييف ولا تمثيل ولا تأويل، ولا نفي لحقيقة النزول.
وروى أبو هريرة t أن رسول الله r قال: «ينزل ربنا -عز وجل- كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فاغفر له؟ حتى يطلع الفجر».
وفي لفظ: «ينزل الله -عز وجل-» ولا يصح حمله على نزول القدرة ولا الرحمة، ولا نزول ملك، لما روى مسلم -بإسناده- عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عن أبي هريرة t عن رسول الله r قال: «ينزل الله -عز وجل- إلى سماء الدنيا حين يمضي ثلث الليل الأول، فيقول: أنا الملك أنا الملك، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ حتى يضيء الفجر».
وروى رفاعة بن عروبة الجهني أن رسول الله r قال: «إذا مضى نصف الليل أو ثلث الليل ينزل الله -عز وجل- إلى سماء الدنيا، فيقول: لا أسأل عن عبادي أحدًا غيري، من ذا الذي يستغفرني أغفر له؟ من ذا الذي يدعوني أستجيب له؟ من ذا الذي يسألني أعطيه؟ حتى ينفجر الصبح» رواه الإمام أحمد، وهذان الحديثان يقطعان تأويل كل متأول، ويدحضان حجة كل مبطل.
الشيخ: نعم، يعني المؤلف نقل عن العلماء إثبات صفة العلو، قال عبد الله بن المبارك: (نعرف ربنا فوق سبع سماوات بائنًا من خلقه، ولا نقول كما قالت الجهمية: إنه هاهنا، وهاهنا، وأشار إلى الأرض)، هذا قول الجهمية، نعرف بأن الله مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، نعتقد أن الله -سبحانه وتعالى- فوق السماوات على العرش، وأنه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، نزولًا يليق بجلاله وعظمته، لا يعرف الكيفية، ينزل وهو فوق العرش كما يشاء سبحانه وتعالى، نزول المخلوق معلوم، لكن نزول الخالق غير معلوم لا نعلم كيفيته، الله أعلم بالكيفية.
إثبات النزول لله -عز وجل- من غير تكييف، ولا تمثيل، ولا تعطيل، ولا ننفي حقيقة النزول.
ثم ذكر حديث أبي هريرة: «ينزل الله -عز وجل- إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له حتى يطلع الفجر». وهذا الحديث من الأحاديث المتواترة التي بلغت حد التواتر، وأن الرب سبحانه ينزل في آخر الليل في أي مكان من الأرض إذا جاء ثلث الليل هذا وقت تنزل الله، ثلث الليل الآخر، والمؤلف-رحمه الله- يقول: إن هذه الأحاديث تقطع تأويل كل متأول.
[1] - لا أدري قصد الشيخ (على أم علا) حيث أن لفظ الآية (على)