بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين.
نقرأ في كتاب مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة للإمام ابن القيم رحمه الله اختصره الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله.
(فعليك بحفظ العموم فإنه يخلصك من أقوال كثيرة باطلة وقد وقع فيها مدعو الخصوص بغير برهان من الله وأخطأوا من جهة اللفظ والمعنى، أما من جهة اللفظ فلأنك تجد النصوص التي اشتملت على لا وعيد أهل الكبائر مثلا في جميع آيات القرآن خارجة بألفاظها مخرج العموم المؤكد المقصود عمومه كقوله {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً} [الفرقان19] وقوله {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ} [الأنفال16] وقوله {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء93] و {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة8 , 7]
وقد سمى النبي هذه الآية جامعة فاذة أي عامة فذة في بابها وقوله {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى} [طه74 , 75] وقوله {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى} وقوله {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} [الفرقان68]
وأضعاف أضعاف ذلك من عمومات القرآن المقصود عمومها التي إذا أبطل عمومها بطل مقصود عامة القرآن).
قال الشيخ: الآن اتضح المعنى وضبط الكلام.
(وأما خطؤهم من جهة المعنى فلأن الله سبحانه إنما علق الثواب والعقاب على الأفعال المقتضية له اقتضاء السبب لمسببه وجعلها عللا لأحكامها والاشتراك في الموجب يقتضي الاشتراك في موجبه، والعلة إذا تخلف عنها معلولها من غير انتفاء شرط أو وجود مانع فسدت بل يستحيل تخلف المعلول عن علته التامة وإلا لم تكن تامة، ولكن غلط ها هنا طائفتان من أهل التأويل الوعيدية حيث حجرت على الرب تعالى بعقولها الفاسدة أن يترك حقه ويعفو عمن يشاء من أهل التوحيد).
قال الشيخ: هؤلاء الخوارج والمعتزلة، يقولون إن الله توعد العاصي فليس له أن يعفو عنه حجروا على الرب الرحمن لا يخلف وعيده وعد العاصي بالنار لابد أن يدخله النار، الله كريم قد يعفو عنه والوعيد على العموم هذا يسمونه الوعيدية، الخوارج والمعتزلة.
(وأوجبوا عليه أن يعذب العصاة ولا بد).
قال الشيخ: قالت الخوارج يجب على الله أن ينفذ وعيده في العصاة وليس له أن يعفو عنهم لأن الله لا يخلف الميعاد. هكذا يقولون.
(وقالوا إن العفو عنهم وترك تعذيبهم إخلال بحكمته وطعن في خبره وقابلتهم الطائفة الأخرى فقالوا لا نجزم بثبوت الوعيد لأحد فيجوز أن يعذب الله الجميع وأن يعفو عن الجميع، وأن ينفذ الوعيد في شخص واحد يكون هو المراد من ذلك اللفظ، ولا نعلم هل هذه الألفاظ للعموم أو للخصوص وهذا غلو في التعطيل والأول غلو في التقييد، والصواب غير المذهبين، وأن هذه الأفعال سبب لما علق عليها من الوعيد والسبب قد يتخلف عن مسببه لفوات شرط أو وجود مانع، والموانع متعددة منها ما هو متفق عليه بين الأمة كالتوبة النصوح)
قال الشيخ: العاصي توعده الله بالنار لكن قد يتخلف يوجد من أسباب التوبة إذا تاب فإن الله لا يعذبه، ومنها الحسنات الماحية.
(ومنها الحسنات الماحية والمصائب المكفرة وما يلحق العبد بعد موته من ثواب تسبب إلى تحصيله أو دعاء أو استغفار له أو صدقة عنه، ومنها شفاعة بإذن الله فيها لمن أراد أن يشفع فيه ومنها رحمة تدركه من أرحم الراحمين يترك بها حقه قبله ويعفو عنه وهذا لا يخرج العموم عن مقتضاه وعمومه ولا يحجر على الرب تعالى حجر الوعيدية والقدرية)
تعليق: العقوبة على الذنوب في الآخرة تندفع بأسباب منها ما ذكره المؤلف، ويزيد عليه: أو أن يغفر له بفضل سابقة في الدين، أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم وهو يشفع لأمته أو ابتلاء ببلاء في الدنيا كفارة عنه أو يبتلى به في قبره، من الضرب وفتنة الملكين، ومنها الاقتصاص لبعضهم من بعض بعد عبور الصراط حتى يذهبوا. انظر هذه الأوجه بتوسع في منهاج السنة النبوية والعقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية.
(والمقصود أن الأقسام الثلاثة التي تضمنها القرآن وهي الأعم والعام والأخص كل منها يفيد العلم بمدلوله ولا يتوقف فهم المراد منه على العلم بانتفاء المخصص والإضمار والحذف والمجاز فإن ذلك يبطل أحكام تلك الأقسام العشرة.
إنك تجد عند كثير من المعروفين بالتفسير من رد كثير من ألفاظ القرآن عن العموم إلى الخصوص نظير ما تجده من ذلك عند أرباب التأويلات المستنكرة ومتى تأملت الحال فيما سوغوه من ذلك وجدتها عائدة من الضرر على الدين بأعظم مما عاد من ضرر كثير من التأويلات وذلك لأنهم بالقصد إلى ذلك فتحوا لأرباب التأويلات الباطلة السبيل إلى التهافت فيها)
طالب: يقولون أيضاً إن أهل السنة أيضاً يؤولون النص على عمومه ويقولون أنه...
قال الشيخ: بدليل لو جاء بدليل
قال تعالى: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم) هذا خصوص معروف سبب النزول.
طالب: يعني أتوا بدليل.
قال الشيخ: إذا أتوا بدليل هذا تأويل بدليل.
طالب: المحظور الذي وقعوا فيه أنهم ما تبعوا النصوص وأخذوه.
طالب: هذا قول المعتزلة أم من؟
قال الشيخ: الجبرية يقولون إن الله يتصرف في خلقه بما يشاء والعبد مجبور يتصرف في خلقة بما يشاء لأن الظلم عندهم صرف الأمر في غير وجهه أو مخالفة الآمر والله ليس بآمر والصواب مثل ما قال أهل السنة والجماعة، الصواب أن الإنسان له قدرة وله اختيار والله تعالى لا يعذب أحداً إلا بذنب، والظلم وضع الشيء في غير موضعه كأن يأخذ من حسناته ويحولها إلى جرائم.