بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين.
نقرأ في كتاب مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة للإمام ابن القيم رحمه الله اختصره الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله.
(فإذا تأملت طريقته وجدتها طريقة مخاطبة ملك الناس كلهم لعبيده وهذا أحد الدلائل الدالة على أنه كلامه، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم وبين كلامه وكلام الله مالا يحصره نسبة فكيف يجوز في الأوهام والعقول أن تحمل جوامع كلمات الرب تعالى على ما يناقض عمومها. بل الواجب أن يقال إن خطاب الله عز وجل في كل ما أمر به ونهى عنه وحمد أو ذم عليه ووعد عليه بثوابه وعقابه خرج في ذلك كله مخرجا عاما كليا بحسب ما تقتضيه جلالة الربوبية ومرتبة الملك والسلطان العام لجميع الخلق.
ولو ترك المتأولون ألفاظه تجري على دلائلها الكلية وأحكامها العامة وظواهرها المفهومة منها وحقائقها الموضوعة لها لأفادتهم اليقين وجزموا بمراد المتكلم بها ولانحسمت بذلك مواد أكثر التأويلات الباطلة والتحريفات).
قال الشيخ:أهل الباطل يقولون إن ألفاظ النصوص ظواهر لفظية لا تفيد اليقين أهل البدع ما الذي يفيد اليقين القواعد؟ تفيد اليقين للسهولة أما النصوص من الكتاب والسنة هذه ظواهر لفظية تحتمل احتمالات ومجازات متعددة هذا مقتضى كلامهم.
(والإضمار ثلاثة أنواع نوع يعلم انتفاؤه قطعا وهو حال أكثر الكلام فإنه لو سلط عليه الإضمار فسد التخاطب وبطلت العقود والأقارير والطلاق وغيره؛ إذ يمكنه أن يضمر كلمة تغير المعنى ولا يدل المخاطب عليها).
قال الشيخ: مثلاً: إذا طلقها زوجها قال له طالق فيقول: ايه إن كانت موافقتي أو كانت أطاعت أمري هذا معنى ما قال. أقول بعتك إن إن سلفتني الثمن في الحال فيبطل العقد وهذا عقد باطل.
(الثاني ما يشهد السياق والكلام به فكأنه مذكور وإن حذف اختصارا كقوله تعالى {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ} [الشعراء63] فكل واحد يعلم أن المعنى فضربه فانفلق فذكره نوع من بيان الواضحات فكان حذفه أحسن فإن الوهم لا يذهب إلى خلافه).
قال الشيخ: الثاني الإضمار واضح، {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ} [الشعراء63] التقدير فضرب فانفلق. هذا واضح فيه اضمار فيه حذف.
الأول لا يصلح إضماراً والثاني لابد منه.
(وكذلك قوله تعالى: {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ} [يوسف 62 , 63] فكل أحد يفهم من هذا السياق أنهم جعلوها في رحالهم وأنهم وصلوا بها إلى أبيهم، ومثل هذا في القرآن كثير جدا.
الثالث: كلام يحتمل الإضمار ويحتمل عدمه فهذا إذا قام الدليل على أن المتكلم به عالم ناصح مرشد قصده البيان والهدى والدلالة والإيضاح بكل طريق، وحسم مواد اللبس ومواقع الخطأ، وأن هذا هو المعروف المألوف من خطابه وأنه اللائق بحكمته لم يشك السامع في أن مراده ما دل عليه ظاهر كلامه إلا أن يجوز عليه أنه أراد منه ذلك وكلفه ما لا يطيقه وعرضه للعناء والمشقة والعزلة)
الطالب: انتهى هذا الوجه السادس والثلاثون.
قال الشيخ: الأول ما لا احتمال مالا يحتمله الإضمار، يبطل الكلام، والثاني لابد من إضمار ما يضمر، والثالث على حسب السياق وحسب المعاني.
(ثم قال: ونظم الكلام الطبيعي المعتاد الذي علمه الله للإنسان نعمة منه عليه أن يكون جاريا على المألوف المعتاد منه، فالمقدم مقدم والمؤخر مؤخر، فلا يفهم أحد قط من المضاف والمضاف إليه في لغة العرب إلا تقديم هذا وتأخير هذا، وحيث قدموا المؤخر من المفعول ونحوه وأخروا المقدم من الفاعل ونحوه فلا بد أن يجعلوا في الكلام دليلا على ذلك لئلا يلتبس الخطاب، فإذا قالوا ضرب زيدا عمرو لم يكن في هذا التقديم والتأخير إلباس، فإذا قالوا ضرب موسى عيسى لم يكن عندهم المقدم إلا الفاعل، فإذا أرادوا بيان أنه المفعول أتوا بما يدل السامع على ذلك من تابع منصوب يدل على أنه مفعول، فلا يأتون بالتقديم والتأخير إلا حيث لا يلتبس على السامع ولا يقدح في بيان مراد المتكلم، كقوله تعالى {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} [البقرة124]. وقوله {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا} [الحج37].)