نقرأ في كتاب مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة للإمام ابن القيم رحمه الله اختصره الإمام محمد بن عبد الوهاب-رحمهم الله-:
[ومن هذا الاستفهام الإنكاري كقوله تعالى {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ} وقوله: {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} وقوله: {أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُون} فهذا إذا قدم الاسم فيه استحال الكلام من إنكار الفعل إلى الإنكار في الفاعل مثل قوله: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} و{آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} وقول أهل النار {أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى} فهذا سؤال عن فعل وقع فتوجه الإنكار إلى نسبته إلى الفاعل الذي نسب إليه].
وقوله: {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} إذا قدم الاسم اسم الإنكار على الفاعل إنكار الفعل {أصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِين} يعني الله تعالى يعني خصكم فإذا كان الإنكار على الفاعل أأنت فعلت هذا به إنكار عليه إنكار لفعل إبراهيم كسر الأصنام هو إنكار فعل لكن لما قدم الاسم صار إنكار على إبراهيم أأنت فعلت هذا.
الطالب: تقديم آخر شيء وصلنا له [من فعل كبيرهم هذا {أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا} فلم يكن مرادهم السؤال عن الفعل هل وجد أم لا ولو أرادوا ذلك لقالوا أكسرت أصنامنا? وإنما مرادهم السؤال عن الفاعل ولهذا كان الجواب قوله:
{قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا ومن هذا استفهام الإنكار كقوله تعالى {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِين} وقوله:{أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} وقوله: {أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} فهذا إذا قدم الاسم فيه استحال الكلام من إنكار الفعل إلى الإنكار في الفاعل
استحال يعني تحول الكلام من إنكار عن الفعل إلى إنكار عن الفاعل تحول الكلام من تكسير الأصنام إلى الإنكار على إبراهيم نعم.
"أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ" "آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ" وقول أهل النار{ أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى} فهذا سؤال عن فعل وقع فتوجه الإنكار إلى نسبته إلى الفاعل الذي نسب إليه وأما قوله تعالى: {آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنْثَيَيْنِ} فإن الإنكار وإن توجه إلى نفس التحريم والمراد إنكاره من أصله فإنه خطاب لمن قد أثبت تحريما في أشياء وحل في نظائره فسئل عن المحرم أهو هذا فيشمل التحريم نظيره مما حلله أو الآخر فيشمل نظيره أيضا فكأنهم قيل لهم أخبرونا عن هذا التحريم الذي زعمتم فيم هو أفي هذا أم في ذاك أم في الثالث؟ ليتبين بطلان قولهم وتظهر فريتهم على الله وهذا كما تقول لمن يدعي أمرا وأنت تنكره متى كان هذا أفي الليل أم النهار؟ وكذلك تقول من أمرك بهذا؟ أو من أذن لك فيه؟ وأنت لا تريد أن آمرا أمره
هو أمره يقول أنت فعلت من أمرك بهذا أنت ما تريده باعتبار الأمر تريد إنكار الفعل ما تريد الأمر إنما تريد إنكار الفعل ما تريد أن فيه آمر أمره إنما تريد إنكار الفعل.
[ولكن أخرجت الكلام مخرج من كأنه قد نزل مع مخاطبه ذلك قد كان ثم طالبه ببيان عينه ووقته ومكانه والآمر به لكي يضيق عليه الجواب ويظهر كذبه حيث لا يمكنه أن يحيل على شيء مما سئل عنه فيفتضح وكذلك إذا قلت أأنت تفعل هكذا؟ كنت مستفهما له عن كونه هو الفاعل فقوله تعالى {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} فمخرجه غير مخرج قوله {أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} وقوله {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ} وقوله "أنلزمكموها وأنتم لها كارهون" فأنت تجد تحت قولك أأنت الذي تقهرني؟ أن القاهر لي غيرك لا أنت وكذلك قوله {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ} {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ} وكذلك الشأن في تقديم المفعول وتأخيره كقوله تعالى {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً} {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً} وقوله {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُون}فلو أخر لكان الاستفهام عن مجرد الفعل فلما قدم كان الاستفهام عن الفعل وكون المفعول المقدم مختصا به وقوله {أَبَشَراً مِنَّا وَاحِداً نَتَّبِعُهُ} لما كان الإنكار متوجها إلى كون المتبوع بشرا وأنه منهم وأنه واحد قدموه ولم يقع إنكارهم على مجرد الاتباع بل في قوة كلامهم أنه لو كان ملكا أو من غيرنا لا تلحقنا غضاضة برئاسته علينا أو عصبة كثيرة لا يمتنع من متابعتهم لأتباعهم وكذلك التقديم و التأخير في النفي فإذا قلت ما فعلت كنت قد نفيت عنك الفعل ولم تتعرض لكونه فعل أو لم يفعل].
كونه فعل أو لم يفعل يقول ما فعلت أنت تقول الفعل أنت الآن تنفي عن نفسك.
[وإذا قلت ما أنا فعلت كنت قد نفيته عن نفسك مدعيا بأن غيرك فعله ومن ها هنا كان ذلك تعريضا بالقذف يوجب الحد في أصح القولين وبه عمل الصحابة في قول القائل ما أنا زنيت كما رفع إلى عمر بن الخطاب رجل لاحى آخر فقال ما أنا بزان ولا أمي بزانية فضربه الحد وكذلك إذا قلت ما ضربت زيدا كنت قد نفيت الضرب لزيد عنك ولم تتعرض لضرب وقع منك على غيره نفيا وإثباتا].
نفيته ما ضربته معناه ضربه غيري.
سؤال: كيف يقوم الحد ويقول ما زنيت وما أمي زانية؟
الشيخ: كأنه قال في غيره يعني.
سؤال: ما أنا بزان وما أمي بزانية يعني فيه حد آخر؟
الشيخ: نعم قال فغيره الصحابة في نظر كونه أقام عليه الحد بهذا ما عين أحدا
[وإذا قلت ما زيدا ضربت كنت مفهما أن الضرب قد وقع منك على إنسان غير زيد].
ما زيد ضربت يعني ضربت عمرو وما ضربت زيد.
الطالب: يقول ما زيدا ضربت ولكن ضربت عمرو
الشيخ: نعم.
[ما ضربت زيدا كنت قد نفيت الضرب لزيد ولم تتعرض لضرب وقع منك على غيره نفيا وإثباتا وكذلك الأمر في المبتدأ أو الخبر فهذا التقديم والتأخير يرجع إلى إرادة الكلام على مقتضى الحال التي يقصدها المتكلم وكذلك أن الله سبحانه هدى البهائم والطير أن يعرف بعضهم بعضا مراده بأصواتها كما.. يشاهد بأجناس الحيوان والطيور فالديك يصوت فيعرف الدجاج مراده والفرس يصهل يعرف الخيل والدجاجة تعرف أفراخها مرادها بصوتها والهر تموء فتعرف أولادها مرادها وهذا من تمام عناية الخالق سبحانه بخلقه وهدايته العامة كما قال موسى: قَالَ {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} وقال تعالى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى}].
قف على هذا