والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين.
نقرأ في كتاب مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة للإمام ابن القيم رحمه الله اختصره الإمام محمد بن عبد الوهاب رحم الله الجميع.
(وَهُوَ نَظِيرُ كَوْنِ الْقِيَامَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ فِي الْكِتَابِ، إِنَّمَا ذَلِكَ أَسْمَاؤُهَا وَالْخَبَرُ عَنْهَا، وَأَمَّا كَوْنُ كَلَامِهِ فِي الْمُصْحَفِ وَالصُّدُورِ فَهُوَ نَظِيرُ كَوْنِ كَلَامِ رَسُولِهِ فِي الْكِتَابِ وَفِي الصُّدُورِ، فَمَنْ سَوَّى بَيْنِ الْمَرْتَبَتَيْنِ، فَهُوَ مُلْبِسٌ أَوْ مَلْبُوسٌ عَلَيْهِ).
قال الشيخ: القيامة والجنة والنار في القرآن ما معناها؟ أي ذكرهما والخبر عنهما، وكلام الله في القرآن غير ذكر الجنة والنار، ذكر الجنة والنار في القرآن يعني خبرهم والإخبار عنهم، وكلام الله في القرآن يعني كلام الله حقيقة، مثل كلام الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن.
(فَمَنْ سَوَّى بَيْنِ الْمَرْتَبَتَيْنِ، فَهُوَ مُلْبِسٌ أَوْ مَلْبُوسٌ عَلَيْهِ، يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَ أَنَّ الْقُرْآنَ فِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ فِي صُحُفٍ مُطَهَّرَةٍ يَتْلُوهَا رُسُلُهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَوْنَهُ فِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ لَيْسَ مِثْلُهُ كَوْنَهُ فِي الْمُصْحَفِ الَّذِي عِنْدَنَا، وَفِي الصُّحُفِ الَّتِي بِأَيْدِي الْمَلَائِكَةِ، فَإِنَّ وُجُودَهُ فِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ هُوَ ذِكْرُهُ وَالْخَبَرُ عَنْهُ كَوُجُودِ رَسُولِهِ فِيهَا).
قال الشيخ: قال الله تعالى: وإنه لفي زبر الأولين. يعني كتب الأولين، ما معنى القرآن في زبر الأولين يعني ذكره والخبر عنه أخبر الله في كتب الأولين عن القرآن، يعني ذكره والخبر عنه، وكذلك: في صحف مكرمة، ذكره في الصحف المكرمة.
الطالب: صحف مكرمة يقصد بأيدي الملائكة.
قال الشيخ: نعم، فهذا ذكره والخبر عنه، أما القرآن الذي بأيدينا فهذا كلام الله هو كلام الله، تكلم الله به، وهو القرآن الذي نقرؤه، فالقرآن الذي نقرؤه هو كلام الله وأما ذكره والخبر عنه فهو الموجود في زبر الأولين. ما أنزل الله القرآن على الأولين أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم.
(قَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} [الأعراف: 157] فَوُجُودُ الرَّسُولِ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَوُجُودُ الْقُرْآنِ فِيهِ وَاحِدٌ، فَمَنْ جَعَلَ وُجُودَ كَلَامِ اللَّهِ فِي الْمُصْحَفِ كَذَلِكَ فَهُوَ أَضَلُّ مِنْ حِمَارِ أَهْلِهِ).
قال الشيخ: يعني الرسول ذكره في كتب الأولين، يعني أخبر الله في التوراة والإنجيل عن محمد نبي هذه الأمة. {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} [الأعراف: 157]، مكتوبا يعني ذكره والخبر عنه.
(فَمَنْ جَعَلَ وُجُودَ كَلَامِ اللَّهِ فِي الْمُصْحَفِ كَذَلِكَ فَهُوَ أَضَلُّ مِنْ حِمَارِ أَهْلِهِ).
قال الشيخ: يعني لا يقال إن القرآن في المصحف المراد ذكر القرآن، لا، كلام الله، كلام الله القرآن نفسه في المصحف.
(وَقَدْ عُلِمَ بِذَلِكَ أَنْ لَا يُحْتَاجَ إِلَى حَذْلَقَةِ مُتَحَذْلِقٍ يَقُولُ: إِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَذْفٍ وَإِضْمَارٍ وَتَقْدِيرُهُ (عِبَارَةُ كَلَامِ اللَّهِ فِي الْمُصْحَفِ أَوْ حِكَايَتُهُ) فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ: فِي هَذَا الْكِتَابِ كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَفْهَمُ الْمُرَادَ بِذَلِكَ، وَلَا يَتَوَقَّفُ فَهْمُهُ عَلَى حَذْفٍ وَإِضْمَارٍ كَمَا لَا يَذْهَبُ وَهْمُهُ إِلَى أَنَّ صِفَةَ الْمُتَكَلِّمِ).
قال الشيخ: هذا كلام الأشاعرة أن القرآن عبارة عن كلام الله، والطائفة الأخرى يقولون حكاية عن كلام الله، لا يقول القرآن كلام الله، بل يقول هذا عبارة عن كلام الله؛ لأن كلام الله عندهم قائم في نفسه.
يقولون القرآن قائم في النفس ليس بحروف وأصوات، يقولون الحروف ليس بكلام الله كلام الله في نفسه مثل العلم، ما يسمع هذا قول الأشاعرة.
طالب: ثم ما الفائدة بعد قول هذا القول؟
قال الشيخ: أنكروا، أنكروا أن يكون في المصحف كلام الله، يقولون هذا المصحف ليس به كلام الله تأدى به كلام الله، هذا باطل.
(كَمَا لَا يَذْهَبُ وَهْمُهُ إِلَى أَنَّ صِفَةَ الْمُتَكَلِّمِ وَالْقَوْلَ الْقَائِمَ بِهِ الصَّوْتُ وَاللَّفْظُ الْمَسْمُوعُ مِنْهُ فَارَقَ ذَاتَهُ، وَانْفَصَلَ مِنْ مَحَلِّهِ، وَانْتَقَلَ إِلَى مَحَلٍّ آخَرَ).
قال الشيخ: يقول ما يحتاج إلى تقدير عبارة عن كلام الله أو حكاية عن كلام الله، لا يحتاج تقديراً القرآن فيه كلام الله نفس القرآن هو كلام الله ليس حكاية عن كلام الله أو عبارة كما يقول الأشاعرة.
(هَذَا كُلُّهُ أَمْرٌ مَحْسُوسٌ مَشْهُودٌ لَا يُنَازِعُ فِيهِ مَنْ فَهِمَهُ إِلَّا عِنَادًا، لَكِنْ قَدْ لَا يَفْهَمُهُ بَعْضُ النَّاسِ لِفَرْطِ بَلَادَةٍ وَعَمَى قَلْبٍ أَوْ غَلَبَةِ هَوًى.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ كَتَبَ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كِتَابًا مُفَصَّلًا مُحِيطًا بِالْكَائِنَاتِ، وَأَخْبَرَنَا بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ، فَالْخَبَرُ عَنْهَا مَكْتُوبٌ فِي الْمَصَاحِفِ فِي قَوْلِهِ: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس: 12] وَالْإِمَامُ هُوَ الْكِتَابُ، وَمَعْلُومٌ قَطْعًا أَنَّ كِتَابَتَهَا فِي الْكِتَابِ السَّابِقِ لَيْسَ هُوَ مِثْلَ كِتَابَتِهَا فِي الْقُرْآنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كِتَابَةٌ مُفَصَّلَةٌ وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنْهَا، فَكِتَابَةُ اسْمِ الْقُرْآنِ فِي رَقٍّ أَوْ غَيْرِهِ لَيْسَ هُوَ مِثْلَ كِتَابَةِ مَعَانِيهِ، وَإِذَا كُتِبَ كَلَامُ الْمُتَكَلِّمِ فِي كِتَابٍ لَمْ تَكُنِ الْحُرُوفُ الْمَكْتُوبَةُ مِنْ جِنْسِ الْحُرُوفِ الْمَلْفُوظَةِ لَا مِنْ حَيْثُ الْمَادَّةِ وَلَا مِنْ حَيْثُ الصُّورَةِ حَتَّى يُقَالَ انْتَقَلَتْ تِلْكَ الْحُرُوفُ بِمَادَّتِهَا وَصُورَتِهَا وَحَلَّتْ فِي الْكِتَابِ، وَلَا يَتَوَهَّمُ هَذَا سَلِيمُ الْعَقْلِ وَالْحَوَاسِّ.
فَصْلٌ
وَكَلَامُ الرَّبِّ تَعَالَى، بَلْ كَلَامُ كُلِّ مُتَكَلِّمٍ، تُدْرَكُ حُرُوفُهُ وَكَلِمَاتُهُ بِالسَّمْعِ تَارَةً وَبِالْبَصَرِ تَارَةً، فَالسَّمْعُ نَوْعَانِ: مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ)
قال الشيخ: يعني مثلاً كتب الله مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ، أليس كذلك؟ وهو في القرآن، في القرآن المقادير، ما معنى كتابة المقادير في القرآن؟ يعني الخبر في القرآن قال تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر). أخبر الله أن المقادير مكتوبة لكن المقادير المكتوبة في اللوح المحفوظ تفاصيلها وأوقاتها وزمانها فكتابة المقادير في اللوح المحفوظ غير كتابتها في القرآن، كتابتها في المقادير هذا تفصيل متى تقع متى تكون وأما كتابة القرآن فالمراد خبره.
كذلك أيضاً الألفاظ والكتابة تختلف في الصورة وفي اللفظ يتلفظ الإنسان غير ما يكتب، كلام الله في القرآن يدركه بسمعه يسمع كلام الله كما سمع موسى كلام الله مثل محمد صلى الله عليه وسلم في المعراج، والمكتوب يراه ببصره.