بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
سوف نشرح إِنْ شَاءَ اللهُ في هذه الدورة هذه الرسالة المُباركة في عقيدة أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح ابن عثيمين-رَحِمَهُ اللهُ-وغفر له وجمعنا إياه وإياكم في جنته وفي الفردوس الأعلى, وفضيلته -رَحِمَهُ اللهُ-معروفٌ بنصِحه وصِدقه ومعروفٌ أَيْضًا بتحقيقه وبحثه في البحوث التي يبحثها -رَحِمَهُ اللهُ-.
وقد درست معه كثيرًا وجالسته كثيرًا أحببته في الله, فمن حقه علينا أن ندعو له وأن نترحم عليه وأن نشرح دعوى مؤلفاته, وهذه العقيدة التي كتبها -رَحِمَهُ اللهُ-عقيدة أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ أدلتها واضحة من الكتاب والسنة, هو لم يأتي بشيء من نفسه وإنما بينَّ عقيدة أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ من كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم–.
نبدأ الرسالة
(المتن)
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين, قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-وأسكنه فسيح جناته: الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين, وأشهد وأن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وحده لا شريك له الملك الحق المبين, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خاتم النبيين وإمام المتقين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين, أما بعد.
(الشرح)
هذه خُطبة المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ-خُطبة هذه الرسالة, ابتدئها بالحمد لله رب العالمين, افتتحها بالبسملة ثم ثنى بالحمد لله رب العالمين, تأسيًا بالكتاب العزيز, فإن الله عَزَّ وَجَلَّ افتتح كتابه بالحمد لله رب العالمين, {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2], سورة الفاتحة.
وافتتح بعض السور بالحمد لله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا} [الكهف: 1], {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [فاطر: 1], {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: 1].
"الحمد لله", وال للاستغراق استغراق جميع المحامد, والحمد هو الثناء على المحمود بصفاته الحميدة, الثناء على المحمود لما له من الصفات الحميدة التي يستحقها للحمد, فالله تعالى هو مُستحق للحمد وهو مالك بجميع أنواع المحامد ولما له من الصفات العظيمة ولما له من النعم العظيمة على عباده وهو محمود - سبحانه وَتَعَالَى- وهو مُستحق للحمد.
وجميع أنواع المحامد كلها مِلك لله ومُستحقة لله, كلها لله مُلكًا واستحقاقًا لاتصافه بالصفات العظيمة لأنه البر, الرحيم, الرءوف, الملك, القدوس, الحميد, المجيد, العليم, القدير, السميع, البصير, مالك السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام, الضار والنافع, المُعطي, المانع, القابض, الباسط, الخافت, الرافع.
ولأنه - سبحانه وَتَعَالَى-هو الذي أوجد الخلائق من العدم ورباهم بنعمه: { وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ } [النحل: 53], وهو مُستحق للحمد, الحمد لله, والحمد أكمل من المدح, فإن الحمد الثناء على المحمود وصفاته الاختيارية بجميع أنواع حبه وإجلاله وتعظيمه, ثناءٌ مع حب وإجلال وتعظيم.
ثناء بالصفات الاختيارية التي يفعلها باختياره, أنت تُثني على الإنسان بالصفات الاختيارية التي تكون باختياره كالكرم والجود والإحسان والإيثار والشجاعة والإقدام هذه صفات اختيارية.
أما المدح؛ فإنه ثناءً على الشيء بوصفه الذي هو فيه وقد يكون لا اختيار له فيه, فَإِذاْ مدحتُ إنسان بأنه طويل وبأنه أبيض اللون هذا مدح لأن لا اختيار له في الطول ولا في البياض وإذا مدحت الأسد بأن قوي وبأنه ملك الحيوانات وأنه مفتول الساعدين, هذا لا اختيار له صفات اختيارية تُسمى مدح.
أما المدح؛ فإنه ثناء بالصفات الاختيارية التي يفعلها باختياره مع الحب والإجلال, والمدح قد تمدح الشيء ولا تحبه وإنما تُثني عليه بأن تمدحه في الصفات التي هي فيه, ولهذا فالحمد أكمل, الحمد جاء في حق الرب عَزَّ وَجَلَّ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2], {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [فاطر: 1].
وبهذا أمدح الله, الحمد لله, الله علم على الذات الإلهية, علمٌ الله عَزَّ وَجَلَّ اسم لا يُسمى به غير أعرف المعارف نقول: جل جلاله الله هو أعرف المعارف وجميع الأسماء تأتي بعده أوصاف الله, الحمد لله مثلًا, الملك, القدوس, السلام, {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2], الحمد لله الخالق الرازق وهكذا.
فالله علمٌ على الذات الإلهية, اسم الله الذي لا يُسمى به غيره, أصل الله الإله على وزن فعال, الهمزة فاء الكلمة, واللام عين الكلمة, والهاء لام الكلمة, إله على وزن فعال, الهمزة التي هي فاء الكلمة فالتقت اللام التي هي أول كلمة باللام الأولى الزائدة.
فَشُدِدت اللام وفخمت وتُنطق الله الإله هو المألوف التي تألفه القلوب محبةً وإجلال وتعظيمًا وخوفًا ورجاءً وتوكلًا ورغبةً ورهبة, وفي قول ابن عباس -رَحِمَهُ اللهُ-: الله له الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين, فالله هو المألوف التي تألهه القلوب وتحبه وتخاف وترجوه وتتوكل عليه وترهب إليه وتخاف منه.
"رب العالمين", هو المُربي عَزَّ وَجَلَّ الذي مربيهم وخالق لهم ومُربيهم بنعمه, وهو مُوجد لهم من العدم, العالمين جمع عالم وهو كل ما سوى الله, كل ما في هذا الكون من مخلوقات هو عالم, وأنا وأنت واحد من ذلك العالم, والله رب الجميع.
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الفاتحة: 2], والعاقبة للمتقين, والله تعالى رب العوالم كلها المعنى أنه خلقهم وأوجدهم من العدم ورباهم بنعمه, ولا وجود لهم إلا به - سبحانه وَتَعَالَى-, ولا (.....) إلا طرفة عين, والعاقبة للمتقين المتقي هو المؤمن المُوحد الذي أدى الواجبات وترك الحرمات.
سمي متقىً لأنه أتقى الله وترك الحرام لتوحيده وإخلاصه وأداءه الواجبات وتركه للمحرمات, هؤلاء المتقون تكون العاقبة لهم في الدنيا وفي الآخرة, في الدنيا يفرج الله قرباتهم وييسر لهم أمورهم وينصرهم على أعدائهم ويكفر سيئاتهم, في الآخرة يكفر الله سيئاتهم ويدخلهم الجنات.
فالعاقبة الحميدة للمتقين, وإذا حصل لهم في أول الأمر ما حصل, فالعاقبة لهم ففي مقدمة المتقين الأنبياء والرسل هم أتقى الناس ونبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو إمام المتقين, الرسل أئمة المتقين, فالعاقبة الحميدة للرسل وأتباعه وإن حصل له في أول ما حصل ولهذا فإن الرسل تُبتلى في أول أمرها ثم تكون العاقبة لها.
"الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين", الظالم هو الذي تجاوز حده, فالظالم لا عدوان إلا عليه, بسبب ظلمة وتجاوزه الحد, وعدوانه يجازى بمثل عمله, جزاء وفاقا فَإِذاْ تجاوز الحد يُعتدى عليه ويُعاقب.
وفي قوله الله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126], ولا عدوان إلا على الظالمين, والظلم ثلاثة أنواع: ظلم الشرك فالمشرك وهذا أعظم الظلم, المشرك ظالم لأنه وضع العبادة في غير محلها, الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه, خلقه الله لعبادته فعبد غيره فوقع في أعظم الظلم.
والنوع الثاني: ظلم العباد, ظلم الناس في دمائهم, أو أموالهم وأعراضهم, يجور على الناس في الدماء أو يجور على الناس في الأموال أو يجور على الناس في الأعراض,
والنوع الثالث: ظلم الإنسان نفسه فيما بينه وبين الله بالمعاصي, فالظالم هو الذي سبب في عقوبته فلا عدوان إلا على الظالمين.
ثم قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ-: "وأشهد وأن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وحده لا شريك له الملك الحق المبين", أشهد يعني أُقر وأعترف أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وحده لا شريك له, هذه كلمة التوحيد, أشهد أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وأقر وأعترف بأنه لا معبود حقٍ إلا الله, معنى لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله وهذه الكلمة هي كلمة توحيد.
وهي كلمة التقوى التي تقي قائلها الشرك, وهي الامتداد لخلق الله الخلق وأرسل الرسل وأنزل الكتب ومن أجلها خُلقت الجنة والنار وقام صوت بالجهاد وأنقسم الناس إلى شقي وسعيد والمقصود بهذه الكلمة معناها والعمل بمقتضاها ليس المقصود بهذه الكلمة مجرد النطق فقط لا يكفي مجرد النطق.
بل لابد من معرفة معناها والعمل بمقتضاها والبعد عما يناقضها مع النطق بها, لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ معناها لا معبود حقٍ إلا الله, فالإله هو المعبود, لا نافية للجنس من أخوات إنَّ تنصب الاسم وترفع الخبر إله اسمها هو الإله والمعبود والخبر محذوف تقديره حقٌ لَا إِلَهَ حقٌ لله, يعني لا معبود بحق إلا الله هذا هو الصواب في معناها.
وقد غلت أهل البدع ففسروها بتوحيد الربوبية, وقال: إن معنى لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ لا خالق إلا الله, ما قادر على الاختراع إلا الله, وهذا باطل لأنه لو كان معناها لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ لا خالق إلا الله لصار أبو جهل مؤمنًا وصاروا كفار قريش مؤمنين, لأنهم يقولون لا خالق إلا الله ولا رازق إلا الله, لكن غلت بعض الطوائف من الصوفية والأشعرية وغيرهم من البدع وفسروها بتوحيد الربوبية.
وقالوا: معنى لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ لا خالق إلا الله, قالوا ما له القدرة على الاختراع وهذا من أبطل الباطل, ولا يتبين عظمة هذه الكلمة وأنها كلمة التوحيد وأنها تنفي الشرك وتثبت العبادة لله وحده إلا إذا فُسر الإله بالمعبود, لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ لا معبود بحقٍ إلا الله, والخير يأخذونها بحق.
أما تفسيرها بأن لَا إِلَهَ خالق هذا باطل ولهذا فإن المشركين في زمن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعرفون معناها, رفضوا قولها, يرفضون قولها إلا إذا أسلم, إذا أسلم واحد منهم قالها, وأما غير مسلم يمتنع, لأنه يعلم أنه إذا قال: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ترك الأصنام والأوثان, ترك المعبودات التي يعبدها, ولهذا لما طلب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قريش أن يقولوا: هذه الكلمة قولوا كلمة يملكون بها العرب ويدينون بها العجم.
قال أبو جهل: ما هي هذه الكلمة, وإنما غير كلمة التوحيد, قالوا: (.....) وأصلك وأمثالك فقالوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ, فامتنع رفض ونكس على عاقبيه وهو ينفض بيديه ويقول: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5], عرف المعنى.
يعني يقول: يريد منا أن نجعل الإله إله واحد, يريد منا أن نترك الأصنام والأوثان, يريد أن نترك ما عليه آبائنا وأجدادنا وأن نشهد عليهم بالكفر فأزال الله لمقالتهم: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} [ص: 1 - 6].
يُوصي بعضهم بعض بالصبر على المعبودات, أما كثيرٌ من الناس في هذا الزمن من الذين يتعلقون بالقبور وأصحاب القبور ويصرفون لها النذور والدعاء والذبح فلا يعرفون معنى هذه الكلمة, ما يعرفون معناها.
فلذا تجدهم يقولونها بألسنتهم وينقضونها بأفعالهم, يقول: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ بلسانه ثم ينقضها بفعله, فيذهب ويطوف على القبر ويذبح لصاحب القبر وينذر له, لأنه ما يعرف معناها, ولهذا قال الإِمَامِ المجدد -رَحِمَهُ اللهُ-الشيخ: محمد بن عبد الوهاب -رَحِمَهُ اللهُ-في رسالة كشف الشبهات وفي غيرها.
فلا خير في رجلٍ كفار قريش أعرف منه بمعنى لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ, هم يعرفون معناها لا يقولونها إلا إذا أسلموا وتركوا الأصنام والأوثان, أما عباد القبور هم يقولونها وهم لا يعرفون معناها ولهذا ينقضونها بأفعالهم, حتى أنه سُمع بعض الناس وهو يطوف بالبيت الحرام, يطوف بالكعبة ويقول: يا رسول الله, يا رسول الله وهو يطوف بالكعبة, -نَسأَلُ اللهَ السلامة العَافِيَةَ-.
مشرك بالله ما يعرف معناها, الشرك والتوحيد وأشهد وأن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وحده لا شريك له, وحده لتأكيد لأن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ تفيد الوحدانية, الوحدة للتأكيد, لا شريك له أَيْضًا تأكيد, يعني لا شريك له سبحانه في الإلوهية والعبادة كما أنه لا شريك له في الربوبية ولا شريك له في الخلق والرزق والإماتة ولا شريك له في الأسماء والصفات والأفعال.
لا شريك له في الألوهية كما أنه لا شريك في الربوبية والأسماء والصفات, الملك من أسمائه - سبحانه وَتَعَالَى-الملك, كما قال الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ} [الحشر: 23].
الحق من أسمائه أَيْضًا, الملك, الحق, المبين, المبين الواضح ثم قال: وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, هذه الشهادة الثانية, الشهادة الأولى أشهد أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ هذه الشهادة الثانية, وأشهد معناها أقر وأعترف بأن محمدًا هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشي العربي المكي ثم المدني أشهد أنه عبد الله ورسوله.
عبده أي عبد الله ورسوله, عبد أي ليس إلهًا يُعبد فهو عبد لله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورسول هو عبد ورسول فليس إلهًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى يُعبد ولكنه نبيًا كريم ورسول كريم هو عبد لله وهو يعبد الله فلا يستحق العبادة لأن العبادة حق الله والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حقه الطاعة والمحبة والتعظيم والإتباع والتصديق.
وحق الله العبادة والطاعة والمحبة وأشرف مقامات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العبودية الخاصة والرسالة, ولهذا فإن الله سبحانه وتعالى وصف نبيه محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالعبودية والرسالة في أشرف المقامات, وصفه بالعبودية في مقام التحدي: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ } [البقرة: 23], مقام التحدي وصفه بالعبودية.
وفي مقام الإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى } [الإسراء: 1], وفي مقام الدعوى وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا فأشرف المقامات العبودية والرسالة, ولهذا قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أنا عبد الله ورسوله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلةِ التي أنزلني الله».
قال بعض الناس في بعض الغزوات: يا سيدنا ويا خيرنا, قال: «أيها الناس قولوا بقولكم، أو بعض قولكم، ولا يَستَجْرِيَنَّكم الشيَطان أنا عبد الله ورسوله», أخرجه أبو داود, وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَا تطروني كَمَا أطرت النصارى عِيسَى ابْن مَرْيَم، إنما أنا عبد فَقُولُوا: عبد الله وَرَسُوله ».
والإطراء هو مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه, وقوله: أشهد أن محمدًا عبده هذا فيه الرد على الغلاة الذين عبدوا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأن في بعض الناس عبدوا الرسول وجعلوه إله ومن الناس من قال: أنه جزء من الله والعياذ بالله.
ومنهم من قال: أنه نور من نور الله, ومنهم من قال: أن الرسول يعلم الغيب هذا رد عليهم قوله: عبده عبد الله ورسول كما قال النبي: «إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله», ورسوله رد على من أنكر رسالته وتنقص صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووصفه بصفة النقص فهو رسول ونبيًا كريم وهاتان الشهادتان وهما الشهادة لله تعالى بالوحدانية والثانية الشهادة للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالرسالة هما أصل الدين وأساس الملة.
الشهادة لله تعالى بالوحدانية, والشهادة لنبيه محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالرسالة وهما مفتاح الجنة, مفتاح دار السلام وبهما يدخل الإنسان في الإِسْلَامِ وهما هاتان الشهادتان متلازمتان لا تصلح احدهما بدون الأخرى, فمن شهد أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ولم يشهد أن محمد رسول الله لم تُقبل منه.
ومن شهد أن محمد رسول الله ولم يشهد أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ لم تُقبل منه, فهما شهادتان متلازمتان, وإذا أُطلقت احدهما دخلت فيها الأخرى, فالحديث حديث أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أنه سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله, فقال: من قال لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ خالصًا من قلبه», يعني من شهد أ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ عند صدق وإخلاص ومن شهد أن محمد رسول الله لابد من هذا.
والمقصود بشهادة أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ كما سبق المعنى والعمل, يعلم أشهد أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ عن علم ويعلم أنها مُشتملة على النفي والإثبات, أشهد أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ على ركنين النفي والإثبات وأنها تنفي الألوهية عن غير الله, يعني المنافقين هم يقولونها بألسنتهم وقلوبهم مُكذبة ولابد من المحبة لهذه الكلمة ولأهلها والسرور بذلك.
لابد من الانقياد بحكم هذه الكلمة, وهي الأعمال الواجبة الصلاة والصيام والزكاة والحج وترك المُحرمات هذه حقوق هذه الكلمة ولابد من القبول, فقد يقولها بعض الناس ولكن لا يقولها ممن دعوا إلى تكبرًا وتعصبًا.
ولابد من الكفر بما يُعبد من دون الله, كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من قال: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وكفر بما يعبد من دون الله خرب ماله ودمه وحسابه على الله», وأشهد وأن محمدًا عبده ورسوله خاتم النبيين وإمام المتقين, الرسول خاتم النبيين لا نبي بعده.
قال الله تعالى: { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40], وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«أعطيت خمس», وفي رواية «أُعطيت ستً لم تعط لأحد قبلي», وذكر منها وقال: «وخُتم بي النبيون», فهو - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ–خاتم النبيين لا نبي بعده.
فمن ادعى أو اعتقد أن بعده نبي فهو كافر بإجماع أهل السنة, فهو كافر مرتد خارج عن الملة, من قال أن بعده نبي, ولهذا فإن القادينية كفار الذين يقولون: أنه غلام مرز أحمد أنه نبي, القادينية طائفة منحرفة, طائفة خارجة عن الإِسْلَامِ خرجت في الهند ويعظمون البلد قاديان ويزعمون أنها معظمة وقد يزعمون فيها حجًا ينتسبون إلى غلام مرز أحمد كما نوه عليها أهل العلم.
كما بينت وصدر بيان عن رابطة العالم الإسلامي, أن القاددينية فرقة خارجة عن ملة الإِسْلَامِ لأنهم يزعمون أن نبيهم مرز غلام أحمد في الهند ومن أدعى أن هناك نبي بعد نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو كافر, كما أن من لم يؤمن بأن محمد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسول الله إلى العرب والعجم والجن والأنس فهو كافر.
لأن نبوته ورسالته أعم, الله تعالى يقول: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1], وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}[سبأ:28], فرسالته عامة للثقلين الجن والأنس, العرب والعجم.
ثم من قال: أنه خاص بالعرب أو البعض دون بعض فهو كافر, ومن قال: أن بعده نبي فهو كافر, خاتم النبيين وإمام المتقين, الإِمَامِ هو المُقدم, هو إمام المتقين كما سبق, المتقين الذين اتقوا الله والثواب والشرك والبدع والمعاصي.
صلى الله عليه, هذا خبر بمعنى الدعاء والمعنى اللهم صلي عليه وصلاة الله على نبيه أصح ما قيل فيها ما رواه البُخَارِيّ على أبو العلية أنه قال: «صلاة الله على عبده ثناءه عليه في الملأ الأعلى», فأنت لما تصلي الله عليه, فأنت تسأل ربك أن يثني على نبيه في الملأ الأعلى.
وقال بعضهم: تسأل له الرحمة, وقيل: تشمل الأمرين إلا إذا اجتمعا صلى الله عليه, يعني اللهم أثنى عليه في الملأ الأعلى, وعلى آله سأل الله الصلاة عليه وعلى آله والآل آل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيل فيهم أقوال.
قيل: هم أقاربه المسلمون, أقاربه, ذريته, وعمه العباس وحمزة وعلي وفاطمة والحسن والحسين, ويدخل في آله أزواجه وقيل بآله أتباعه على دينه وهذا هو الصواب أتباعه على دينه ويدخل في أتباعه على دينه دخولًا أوليًا ذريته وأقاربه المسلمون, أما غير المسلمون فلا يدخلون فأبو جهل وأبو لهب ما يدخلون.
ويدخل في ذلك الصحابة, فَإِذاْ عُطف الصحابة على آل يكون هذا عطف الخاص على العام, يكون ذكره مرتين مرة في دخولهم الآل ومرة في انفرادهم وعلى آله وأصحابه, جمع صاحب جمع صحابي والصحابي أصح ما قيل في كلمة الصحابي أنه من لقي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مؤمنًا ومات على الإِسْلَامِ, هذا هو الصحابي.
فيشمل أطفال الصحابة الذين لقوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحنكهم هؤلاء صحابة ويشمل أَيْضًا عبد الله بن أم مكتوم وإن كان أعمى لكنه لقي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولهذا, تعبير لقي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أدق من التعبير برى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأن عبد الله ابن أم مكتوم لم يرى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكونه أعمى, لكنه لاقاه يكون صحابيًا, أما من لم يُسلم إلا بعد وفاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا يُسمى صاحبي.
ولو كان رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حياته, إذا كان رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حياته لكن لم يُسلم إلا بعد وفاته لا يُسمى صاحبي, يُسمى مخضرم حُكمه حُكم التابعين.
الصحابي لابد فيه من أمرين:
أولًا: أن يلقى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مؤمنًا في حياته.
ثانيًا: أن يموت على الإسلام.
قال: آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان. من تبع الصحابي بإحسان. تبعهم بإحسان لا بإساءة، فمن تبعهم بإساءة كأن يسب الصحابة كالروافض الذين يسبون الصحابة أو يكفرونهم أو يتنقصونهم، هؤلاء ما تبعونهم بإحسان، هؤلاء أساءوا، فلا يشملهم هذا الدعاء؛ لأن الروافض يكفرون الصحابة ويتنقصونهم، وهذا كفر وضلال، لأن الله زكاهم وطهرهم ووعدهم الجنة، فمن كفرهم فقد كذب الله، ومن كذب الله فقد كفر.
الصحابة حملوا الدين، ولأن الصحابة نقلوا لنا الشريعة والدين. إذا كانوا كفار كيف يوثق بدين يحمله الكفار؟ نعوذُ بالله.
قال: «آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين» إلى يوم الدين: إلى يوم القيامة. يوم الدين هو يوم القيامة، سُمي الدين لأنه يوم الجزاء والحساب، وهو يوم القيامة. فقوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4]، يوم الجزاء والحساب، سُمي الدين لأن الناس يدانون ويحاسبون.
والدين له معاني: منها الجزاء والحساب، ومنها العبادة، الدين العبادة. يقول تعالى: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف: 29]، يعني مخلصين له العبادة.
يطلق الدين على العبادة، ويطلق على الجزاء والحساب.
ثم قال: «أما بعد»
كلمة أما بعد يؤتى بها للانتقال من شيء إلى شيء، للدخول في صلب الموضوع، لما انتهى من الخطبة أراد أن يدخل في صلب الموضوع فقال:أما بعد. وها كلمة "أما بعد" النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيأتي بها كثيرًا في خطبه وفي رسائله، فكان في خطبة الجُمُعة عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إذا خطب يقول: «أما بعد، فإن أحسن الحديث كتابُ الله وخير الهدي هدي محمدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
وكان إذا كتبَ كُتبه إلى ملوك والرؤساء يقول: «أما بعد» كما كتب كتاب هرقل قال فيه: «من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلامٌ على من اتبع الهُدى، أما بعد: أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإن عليك إثم الأريثيين، {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ} [آل عمران: 64] الآية».
واختلف في أول من قال: أما بعد. قيل أول من قالها: داود عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وقيل أول من قالها القس بن ساعدة، وقيل غير ذلك.
وكلمة أما بعد، أولى من قول: وبعد. أما بعد أحسن.
نعم
(المتن)
أحسن الله إليك.
فإن الله تعالى أرسل رسوله محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالهدى ودين الحق رحمةً للعالمين، وقدوةٌ للعاملين، وحجةٌ على العبادِ أجمعين.
(الشرح)
نعم، يقول المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: "فإن الله تعالى أرسل رسوله محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالهدى ودين الحق" الهدى هو العلمُ النافع، ودين الحق هو العملُ الصالح، وهذا اقتباس من قول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الفتح: 28].
أرسل رسوله محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالهدى، بالعلم النافع والعمل الصالح، هذه رسالة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشتملة على العلم النافع والعمل الصالح، لا خير إلا دل الأمة عليه ولا شر إلا حذرها منه، رحمةً للعالمين، الله تعالى رحم الناس ببعثة محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبعثه بالهدى والحق، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، وهذا عام، رحمة للعالمين، مؤمنهم وكافرهم، أما المؤمنون فإن الله أنقذهم برسالته من ظلمات الجهل والكفر إلى نور العلم والإيمان واليقين، أنقذهم به من النار.
وأما الكفار فإنه رحمةٌ لهم يدعوهم إلى الله، فمن قبل وأسلم حصلت له الرحمة وصار من أهل الجنة والكرامة، ومن لم يقبل فإنه يُقاتل ويجاهد؛ لأن الله شرع الجهاد. فإما أن يُسلم فينقذ نفسه من النار، وإما أن يُقتل فيخف عذابه؛ لأنه إذا استمر على الكفر زاد عذابه، كلما زاد الكفر زاد العذاب.
فالرسول صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، ومنهم الكافرين، لأن الكافر إما أن يستجيب لدعوة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيسلم من النار، وإما أن يُقتل فيخف عذابه حتى لا يستمر في كفره، فهو رحمة للعالمين.
"وقدوةً للعاملين". الرسول قدوة، يعني أسوة يقتدى به، قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } [الأحزاب: 21].
"وحجة على العباد أجمعين"، حجة وذلك لأن الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لما بعثه الله عَزَّ وَجَلَّ أقام الحجة على عباده فلم تكن لهم حجة ولم يكن لهم عذر، فلا يهلك على الله إلا هالك. إِذًاْ الله تعالى بين الحق على ألسنة رُسله، وبين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الحق برسالة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوضح الحق وبان، فمن هلك فلا عذرَ له. قامت عليه الحُجة، فإذا عُذب عذبه الله، فإنه يكون قد قامت عليه الحجة وزال عذره، ليس له على الله الحجة، قال الله تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، فهو حجة على العباد أجمعين. حُجةٌ عليهم، قامت الحُجة عليهم، فلا عُذرَ لهم، فمن هلك فلا عذرَ له. نعم
(المتن)
أحسن اللهُ إليكم.
بين به وبما أنزلَ عليه من الكتاب والحكمةِ كُلَ ما فيه صلاح العباد، واستقامة أحوالهم في دينهم ودنياهم من العقائد الصحيحة والأعمال القويمة والأخلاق الفاضلة والآداب العالية، فترك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغُ عنها إلا هالك.
(الشرح)
نعم، بين الله تعالى بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبما أنزل عليه من الكتاب وهو القُرآن، الكتاب العزيز، والحكمة السُّنّة، هي السُّنّة ما جاء به من السُّنّة، قال تعالى: {وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ} [البقرة: 231]، بين به وبما أنزل عليه من الكتاب والحكمة، الحكمة السُّنّة المنزلة لأنه وحيٌ ثاني، قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} [النجم: 3، 4]، وقال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «ألا إني أُتيت القُرآن ومثله معه». فالسُّنَّة وحي، كما أن القُرآن وحي. إلا أن القُرآن لفظه ومعناه من الله تكلم اللهُ به، والسُّنّة معناها من الله ولفظها من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا الحديث القدسي فإن لفظه ومعناه من الله مثل القُرآن.
كما في حديث أبي ذر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما روى عن ربه عَزَّ وَجَلَّ أنه قال: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي» هذا من كلام الله لفظًا ومعنىً.
بين الله بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبما أنزل على عليه من الكتاب والحكمة والسُّنّة كل ما فيه صلاح العباد واستقامة أحوالهم في دينهم ودنياهم. قال الله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38]، بين الله في هذا الكتاب ما فيه صلاح العبادة واستقامتهم في دينهم ودنياهم.
بين في القُرآن ما يُصلح العباد وما تستقيم به أحوالهم في دينهم، وما تستقيم به أحوالهم في دنياهم. من أي شيء؟ من العقائد الصحيحة بين الله العقيدة في القُرآن: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } [البقرة: 136].
{وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ } [البقرة: 177].
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } [القمر: 49].
بين الله من العقائد، العقائد جمع عقيدة، الصحيحة، والأعمال القويمة المستقيمة، أمرَ الله بالعبادات، الصلاة والصيام والزكاة والحج، وأمرَهم بالبر، خصال البر. من الأعمال القويمة التي أمرَ الله بها قوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } [البقرة: 177].
هذه من الأعمال القويمة، خصال البر.
والأخلاق الفاضلة، كذلك بين الله في الكتاب العزيز والسُّنّة المطهرة الأخلاق الفاضلة. تعامل الإنسان فيما بينه وبينَ والديه، وبينه الأخلاق الفاضلة فيما يتعامل به بينه وبين والديه، بينه وبين زوجته ، بينه وبين أولاده، بينه وبين جيرانه وإخوانه، بينه وبين الناس، التعامل في البيع والشراء والأخذ والإعطاء والعقود والعهود والنكاح والطلاق والرجعة إلى غير ذلك.
الأخلاق الفاضلة والآداب العالية، الآداب الرفيعة سموها وعلوها وبعدها عن سفاسف الأمور.
فترك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ترك أُمته على الصراط المستقيم. لأنه لا خير إلا دل الأُمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه. نعم
(المتن)
أحسن الله إليك.
فسار على ذلك أمته الذين استجابوا لله ورسوله، وهم خيرة الخلق من الصحابةِ والتابعين، والذين اتبعوهم بإحسان، فقاموا بشريعته وتمسكوا بسُّنته، وعضوا عليها بالنواجزِ عقيدةً وعبادةً وخُلقًا وأدبًا، فصاروا هم الطائفة الذين لا يزالون على الحقِ ظاهرين لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتيَ أمرُ اللهِ تعالى وهم على ذلك.
(الشرح)
نعم، يقول المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: "فسار على ذلك أمته الذين استجابوا لله والرسول" ساروا على النهج القويم وعملوا بالكتاب والسُنة فاستقامت أحوالهم في دينهم ودنياهم لكونهم استقاموا على العقيدة الصحيحة والأعمال القويمة والأخلاق الفاضلة، هؤلاء المؤمنين الذين استجابوا لله والرسول ساروا على هذا المنهج، وهم خيرة الخلق، من الصحابة والتابعين والذين اتبعوهم بإحسان. هؤلاء هم خيرة الخلق، استقاموا على دين الله وشرعه.
الصحابة والتابعون ثم من بعدهم، فقاموا بشريعة الله، قاموا بشريعته وتمسكوا بسُّنته وعضوا عليها بالنواجز، هؤلاء هم أهل الحق. قاموا بالشريعة يعني عملوا بها، القائم بالشيء العامل به، يقال: فلان قام بالأمر يعني عمل به.
قاموا بالشريعة وتمسكوا بسُّنته، تمسكوا بالسُّنّة ولم يحيدوا عنها، وعضوا عليها بالنواجز. هذا فيه تأكيد للتمسك بالسُّنّة. الشيء الذي تريده أن يثبت تعضُ عليه، تعض عليه حتى لا يضيع. والنواجز جمعُ ناجز، وهي الأسنان التي تلي الأدراس، الإنسان له أدراس وله نواجز. أما الأسنان التي أمامك تسمى ثنايا.
وهذا المقصودُ به: الحث على التمسك. "عضوا عليها بالنواجز" بمعنى أنهم تمسكوا بها، كما أن الإنسان يعض بناجزه وبسنهِ على الشيء الذي يُريدُ أن يبقيه حتى لا يضيع، فكذلكَ أهل السُّنّة وأهل الحق تمسكوا بالكتاب والسُّنّة، تمسكوا بالسُّنّة ولم يحيدوا عنها وعضوا عليها بالنواجز عقيدةً وعبادةً وخُلقًا وأدبًا. لأنها الشريعة، الشريعة عقيدة يعتقد في ربه، وعبادة كالصلوات الخمس، وخُلقًا التعامل. وأدبًا أَيْضًا. هذا آدبًا عاليًا رفيعًا.
قال: "فصاروا هم الطائفة الذين لا يزالون على الحقِ ظاهرين. لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمرُ اللهِ تعالى وهم على ذلك".
هذا اقتباس من حديث وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تزالُ طائفةٌ من أُمتي على الحقِ منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمرُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى».
هؤلاء هم الطائفة المنصورة، وهم الصحابة والتابعون ومن بعدهم أهل السُّنّة والجماعةِ، الطائفة المنصورة هم أهلُ الحق، هم أهل السُّنّة والجماعة، هم الصحابة والتابعون ومن بعدهم. هم منصورون بالحجة والبيان، لأنهم على الحق، كما أنهم منصورون بالسيفِ والسنان.
هم منصورون بالحجة، يعني يأمرون الناس بالحجة والبيان كما أنهم ينصرون أَيْضًا بالجهاد، بالجهاد ينصرهم الله على أعدائهم، لأن العاقبة للمتقين. «لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمرُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى» والمراد حتى يأتي أمرُ اللهِ تعالى وهي الريح الطيبة التي تقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات في آخر الزمان، إذا كان هناك فتن وصارت علامات الساعة الكبار، قبل قيام الساعة يبعث الله ريحًا طيبة من جهة اليمن تقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات.
وفي الحديث: «حتى لو كان أحدكم في كبد جبلٍ لدخلت عليه حتى تقبضه» وذلك بعد ظهور أشراط الساعة، فحينئذٍ إذا قبضت أرواح المؤمنين والمؤمنات لا يبقى إلا الكفرة فعليهم تقومُ الساعة.
فهذا العالم لا يخرب ولا تنكدر النجوم، ولا تسجر البحار، ولا تشقق السماء ولا تسير الجبال إلا إذا خلى من التوحيد والإيمان، فإذا خلا من التوحيد والإيمان بقبض أرواح المؤمنين لا يبقى إلا الكفرة، وهم في ذلك الوقت في آخر الزمان حسر رزقهم ضار بعيشهم، فيتمثل لهم الشيطان يقول: ألا تستجيبون لي. فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان والأصنام، فعليهم تقومُ الساعة. والعياذُ بالله.
قال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد».
نعم
أحسن الله إليك
(المتن)
ونحنُ ولله الحمد على آثارهم سائرون وبسيرتهم المؤيدة للكتاب والسُّنّة مهتدون، نقول ذلك تحدثًا بنعمة اللهِ تعالى، وبيانًا لما يجب أن يكون عليه كل مؤمن. ونسأل الله تعالى أن يثبتنا وإخواننا المسلمين بالقول الثابتِ في الحياةِ الدنيا وفي الآخرة، وأن يهبَ لنا منه رحمته إنه هو الوهاب.
(الشرح)
نعم المؤلف رحمه الله يبين عقيدته وأنها عقيدته هي عقيدة السلف الصالح، هي عقيدة أهل السُّنّة والجماعة، قال: "ونحنُ ولله الحمد" هذه جملة اعتراضية، الثناء على الله. ولله الحمد. جملة مكونة من مبتدأ وخبر، ولله خبر مقدم، جار ومجرور، الحمد مبتدأ مؤخر.
"ونحن ولله الحمد على آثارهم"، على آثار الصحابة والتابعين، وأتباعهم. ونحن ولله الحمد على آثارهم سائرون، سائرون معنىً، يعني نحنُ نسلك طريقهم في العقيدة والعمل. والمراد هنا السير المعنوي، ليس المراد السير الحسي، وإن كان أراد السير الحسي وهو له معنى أن الإنسان، الناس يموتون ويتبع بعضهم بعضًا.
لكن المراد "على آثارهم سائرون" يعني في العقيدة والعمل متمسكون معتقدون ما يعتقدون، "ونحنُ ولله الحمد على آثارهم سائرون وبسيرتهم المؤيدة للكتاب والسُّنّة مهتدون " يعني مهتدون بسيرتهم، لكن ما هي هذه السيرة؟ المؤيدة للكتاب والسُّنّة، هذه طريقتهم ومنهجهم.
نحنُ على آثار السلف سائرون، يعني ماضون، وبسيرة السلف المؤيد للكتاب والسُّنّة مهتدون، نهتدي بها.
يقول: "نقول ذلك تحدثًا بنعمة الله تعالى، وبيانًا لما يجب أن يكون عليه كل مؤمن" تحدث المؤلف رَحِمَهُ اللهُ بأنه على طريقة أهل السُّنّة وأوصى بأمرين:
الأمر الأول: التحدث بنعمة الله عملًا بقوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11].
و الثاني: بيان لما يجب أن يكون عليه كل مؤمن.
ثم دعا المؤلف فقال: "ونسأل الله تعالى أن يثبتنا وإخواننا المسلمين بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يهبَ لنا من رحمته إنه هو الوهاب".
هذا دعاء، دعاء سؤال الله التثبيت والقول الثابت، وسؤال الله أن يهب الرحمة، ثم التوسل إليه باسمه، قال: إنه هو الوهاب، الوهاب اسمٌ من أسماء الله. والإنسان يتوسل إلى الله باسمٍ من أسمائه الذي يناسب الحاجة، فلما سألَ هبة الرحمة توسل باسم الوهاب، وأن يهب لنا منه رحمته، يناسب هبة الرحمة اسم الوهاب.
فأنت إذا أردت تسأل الله المغفرة تقول يا غفار اغفر لي. يا رحمن ارحمني. فأنت إذا أردت أن تسأل الله الرزق: يا رزاق ارزقني.
هنا: يا وهاب هب لي الرحمة، وهكذا، لأنه هنا نلاحظ أنه الوهاب. نعم
(المتن)
أحسن الله إليكم.
ولأهمية هذا الموضوع وتفرق أهواء الخلق فيه أحببتُ أن أكتب على سبيل الاختصار عقيدتنا، عقيدة أهل السُّنّة والجماعة، وهي: الإيمان بالله وملائكته وكُتبه ورسلهِ واليوم الآخرِ والقدرِ خيره وشرهِ، سائلًا الله تعالى أن يجعلَ ذلك خالصًا لوجهه موافقًا لمرضاته، نافعًا لعباده.
(الشرح)
نعم، يقول المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: لأهمية هذا الموضوع وتفرق الأهواء، أهواء الخلق فيه، هذا بيان لسبب تأليف هذا "الرسالة العقيدة"، سببها أهمية علم العقيدة، هذا الأمر الأول.
الأمر الثاني: تفرق الأهواء، أهواء الخلق فيه. اختلاف الناس، الأهواء أهل البدع تفرقوا وانحرفوا عن الجادة، فلهذا المؤلف رحمه الله كتب هذه الرسالة في بيان عقيدة أهل السُّنّة والجماعة لأمرين:
الأمر الأول: أهمية علم العقيدة.
الأمر الثاني: تفرق أهواء الخلق فيه، يعني تفرق الناس في الاعتقاد، تفرقوا شيعًا وأحزابًا.
فأراد المؤلف رَحِمَهُ اللهُ أن يكتب رسالة مختصرة في عقيدة أهل السُّنّة والجماعة، ولذلك قال: أحببت أن أكتبَ على سبيل الاختصار: عقيدتنا. عقيدة أهل السُّنّة والجماعة.
فالمؤلف رَحِمَهُ اللهُ على عقيدة السلف، على عقيدة أهل السُّنّة والجماعة، على عقيدة السلف الصالح.
قال: "وهي الإيمان بالله وملائكته وكُتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره". هذه هي عقيدة أهل السُّنّة والجماعة باختصار، إجمالًا هذه عقيدة أهل السُّنّة والجماعة، مبنية على ستة أصول:
الأصل الأول: الإيمانُ بالله.
الأصل الثاني: الإيمان بالملائكة.
والأصل الثالث: الإيمان بالكُتب المنزلة.
والأصل الرابع: الإيمانُ بالرسل.
والأصل الخامس: الإيمانُ باليوم الآخر.
والأصل السادس: الإيمانُ بالقدر خيره وشره.
هذه هي عقيدة أهل السُّنّة والجماعة باختصار، مأخوذة من الكتاب والسُّنّة، فالدليل من الكتاب العزيز قول الله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة: 177] هذه خمسة أصول، طيب الأصل السادس وهو الإيمان بالقدر وهو قول الله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]، {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2].
وأما الدليل من السُّنّة فحديث جبرائيل الذي رواه عمر بن الخطاب رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه، في سؤالاته للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لما جاءه في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يعرفه أحد، فجلس إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذه وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام، ثم قال أخبرني عن الإيمان؟
فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكُتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره.
فأصول الإيمان وأركانه هي ستة:
الأصل الأول: الإيمانُ بالله.
الأصل الثاني: الإيمانُ بالملائكة.
الأصل الثالث: الإيمان بالكُتب المنزلة.
الأصل الرابع: الإيمانُ بالرُسل.
الأصل الخامس: الإيمانُ باليوم الآخر.
الأصل السادس: الإيمان بالقدر خيره وشره.
هذه أصول الإيمان الستة، وهذه أركان الإيمان الستة التي دل عليها الكتاب والسُّنّة وأجمع عليها المسلمين، أجمع عليها المسلمون ولم يجحد شيئًا منها إلا من خرج عن دائرة الإسلام وصار من الكافرين.
من أنكر أصلًا من هذه الأصول فهو كافر. من لم يؤمن بالله فهو كافر، من لم يؤمن بالملائكة فهو كافر، من لم يؤمن بالكُتب المنزلة فهو كافر، من لم يؤمن بالرُسل فهو كافر، من لم يؤمن باليوم الآخر فهو كافر، من لم يؤمن بالقدر خيره وشره فهو كافر.
هذه هي العقيدة. إِذًاْ العقيدة مأخوذة من أي شيء؟ من الكتاب والسُّنّة. عرفتم دليلها. وكل ما يكتبه الناس في العقائد كله تفصيل لهذه الأركان الستة، هذه الرسالة كلها تفصيل لهذه الأركان الستة.
الآن عرفت عقيدة السُّنّة والجماعة إجمالًا، بعد ذلك يأتي التفصيل على كل أصل، وكل ما يكتبه الناس في العقائد تفصيل لهذه الأركان الستة.
الطحاوية، شرح الطحاوية من أولها إلى آخرها تفصيل لهذه الأركان الستة كلها، وهذه الرسالة تفصيل لهذه الأركان الستة.
إِذًاْ عقيدة أهل السُّنّة والجماعة مأخوذة من أي شيء؟ من الكتاب والسُّنّة، الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
قال المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: "سائلًا الله تعالى أن يجعلَ ذلك خالصًا لوجهه"، هذا سؤال المؤلف أن يجعل ما كتبه خالصًا لوجهه، يعني أراد به وجه الله، ليس فيه رياء ولا سُمعة.
"موافقًا لمرضاته" سأل ربه أن يكون موافقًا لما يُرضي الرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
"نافعًا لعباده"
سأل الله ثلاثة أسئلة، ثلاثة أدعية:
الدعاء الأول: أن يجعل هذا العمل خالصًا لله، خالصًا لوجهه الكريم، ليس فيه رياء وسمعة.
الدعاءُ الثاني: أن يجعل هذا العمل موافقًا لما يُرضيه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
الدعاءُ الثالث: أن يجعل هذا العمل نافعًا لعباده.
وبهذا نكون انتهينا من المقدمة، وبعد ذلك ندخل في صلب هذه العقيدة.