الحمد لله رب العالمين, وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد؛ اللهم أغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: فصل
ونؤمن بالقدر خيره وشره، وهو تقدير الله تعالى للكائنات حسبما سبق به علمه واقتضته حكمته.
وللقدر أربع مراتب:
المرتبة الأولى: العلم، فنؤمن بأن الله تعالى بكل شيء عليم، علم ما كان وما يكون وكيف يكون بعلمه الأزلي الأبدي، فلا يتجدد له علم بعد جهل، ولا يلحقه نسيان بعد علم.
المرتبة الثانية: الكتابة، فنؤمن بأن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ، ما هو كائن إلى يوم القيامة: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي عقيدة أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}.
المرتبة الثالثة: المشيئة، فنؤمن بأن الله تعالى قد شاء كل ما في السماوات والأرض، لا يكون شيء إلا بمشيئته، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
المرتبة الرابعة: الخلق، فنؤمن بأن: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ}.
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد؛
القدر هو الأصل السادس من أصول الدين, والركن السادس من أركان الإيمان كما قال الله تعالى في آية البر وكما قال تعالى في كتابه العظيم: { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49], وقال: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2].
وفي حديث جبريل لما سأله عن الإيمان قال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره», فلابد من الإيمان بالقدر من لم يؤمن بالقدر فهو كافر, والإيمان بالقدر هو الإيمان بمراتبه الأربعة له أربع مراتب:-
المرتبة الأولى: مرتبة العلم, وهي الإيمان بأن الله علم الأشياء قبل كونها بالأزل, علم ما يكون في الماضي في الأزل وعلم ما يكون في الحاضر ويعلم ما يكون في المستقبل ويعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون.
الشيء الذي لا يكون يعلمه لو كان كما قال الله تعالى عن الكفار لما طلبوا العودة إلى الدنيا, قال الله: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: 28], علم ما سيكون لو كان: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: 28], وقال عن الكفار: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال: 23]. يعني علم الله ما لم يكون لو كان
وقال عن المنافقين الذين تخلفوا في غزوة تبوك: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} [التوبة: 47], هم ما خرجوا لكان يعلم الله ما يحصل لو خرجوا: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [التوبة: 47].
يعني لابد من الإيمان بالعلم, العلم الأزلي في الماضي والعلم في الحاضر وعلم ما يكون في الحاضر, علم ما مضى أزلًا وعلم ما يكون في الحاضر وفي المستقبل وما لم يكن لو كان وكيف يكون.
المرتبة الثانية: مرتبة الكتابة وهي الإيمان بأن الله كتب كل شيء وقدر المقادير وكتبها في اللوح المحفوظ, كتب الذوات والصفات والأفعال والحركات والسكون كل شيء مكتوب, كل شيء قدره الله, الذوات والصفات والأفعال والحركات والسكون والسعادة والشقاوة والعز والذل والفقر والغنى والآجال والأعمار كل شيء مكتوب.
قال الله تعالى في كتابه العظيم: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ} [الحج: 70], وهو اللوح المحفوظ هذه الآية في إثبات المرتبتين: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ} [الحج: 70], وقال الله - سبحانه- عن اللوح المحفوظ: { وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس: 12] وهو اللوح المحفوظ.
وفي الحديث يقول: «وكتب في الذكر كل شيء», وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ} [الحديد: 22], في اللوح المحفوظ, وثبت في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي r قال: «كتب الله المقادير والخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء», فلابد من الإيمان بالعلم والكتابة.
المرتبة الثالثة: الإرادة والمشيئة وهو الإيمان بأن كل شيئًا في هذا الوجود لا يقع إلا إذا أراد الله وقوعه, لأنه لا يقع في مُلك الله ما لا يريد هل يقع في مُلك الله شيئًا وهو لا يريده ما يمكن, يعني كونًا وقدرًا كل ما يقع في هذا الكون أراد الله وجوده الكفر والمعاصي والخير والشر كله أراد الله وقوعه.
أراده كونًا وقدرًا, لكن الله لا يريد المعاصي دينًا وشرعًا, فرقٌ هناك إرادة كونية قدرية هذه عامة كل شيء في هذا الوجود لابد أن يقع بمقتضى الإرادة الكونية, أما الإرادة الدينية الشرعية الله -تَعَالَى- لا يريد الكفر ولا المعاصي ولا يحب الفساد.
والله تعالى أراد وقوع الكفر والمعاصي لما يترتب عليها من الحكم هي مراده لغيرها, مرادة بما سيكون في المعاد لما ترتب عليها من الحكم ومن الحكم في وقوع المعاصي والكفر ظهور قدرة الله في وجود متقابلات فالكفر يقابله الإيمان والمعصية تقابل الطاعة وخلق إبليس والشياطين يقابل خلق الملائكة والرسل والأنبياء وهو قدرة الله على وجود المتقابلات.
وكذلك حصول عبوديته المتنوعة, لولا خلق الله لإبليس ولولا خلق الله للمعاصي والكفر لفاتت عبوديات متنوعة محبوبة لله, لو كان الناس كلهم مؤمنين أين عبودية الجهاد في سبيل الله, أين عبودية الولاء والبراء, أين عبودية الحب في الله والبغض في الله, أين عبودية الدعوى إلى الله, أين عبودية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
كذلك ظهور آثار أسماء الله القهرية, الجبار, والمتكبر, ظهور آثار أسماء الرحمة, أسماء الله الغفور والرحيم والتواب, هذه كلها من الحكم والأسرار, والذي يضاف إلى الله للخلق فهو من داعي الحكمة فيكون خيرًا والذي يضاف إلى العبد مباشرة المعاصي والكفر فيكون شرًا بالنسبة إليه.
فهذه الإرادة قال الله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } [البقرة: 253], {إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [هود: 34], وهي مرادفة المشيئة, ما شاء الله كان وما شاء فيكون: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام: 137], { وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [التكوير: 29].
المرتبة الرابعة: الخلق والإيجاد وهي الإيمان بأن كل شيء في هذا الوجود فالله خلقه, خلق الذوات والصفات والحسنات والسيئات والكفر والإيمان خلق كل شيء والذوات والصفات والأفعال, ومن الأدلة على الكتابة في اللوح المحفوظ, قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59].
كل شيء مكتوب الرطب واليابس, والخير والشر ومن الأدلة على الخلق لله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: 16], وقال: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا } [الفرقان: 2], فلابد من الإيمان بهذه المراتب الأربع, من لم يؤمن بهذه المراتب الأربعة فهو كافر.
كما ثبت في صحيح مسلم وهو أول حديث في صحيح مسلم, حديث حميد الطويل ويحيى بن يعمر قالوا: أنه ظهر قِبلنا في البصرة أُناس يتقفرون العلم في آخر عصر الصحابة يتقفرون العلم وينكرون القدر, فقلنا: لو وُفق لنا أحد من أصحاب النبي r حتى نسأله عن هؤلاء, قال يحيى بن يعمر: فخرجنا حاجين أو معتمرين فوُفق لنا عبد الله بن عمر صاحب رسول الله, فاكتنفته أنا وصحابي وظننت أنه سيوكل الحديث إليّ, فقلت أبا عبد الرحمن: إنه ظهر قَبلنا أناسٌ يعني في البصرة يتقفرون العلم يعني ينكرون العلم ويزعمون أن الأمر آُنف يعني جديد ومستأنف لا يسبقه علم الله.
فقال عبد الله بن عمر: إذا لقيت هؤلاء فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برءاه مني, والذي نفس ابن عمر بيده لو أنفق أحدهم مثل أُحد ذهبًا ما قبله الله منه حتى يؤمن بقدره خيره وشره, ثم روى الحديث حديث عمر في سؤلات جبريل عن الإيمان وقال: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر, وتؤمن بالقدر خيره وشره», فهذا ابن عمر يرى كفر من أنكر القدر.
وفي المسند والسنن عن ابن الديلمي أنه قال: يا بني من لم يؤمن بالقدر خيره وشره أحرقه الله بالنار, يا بني إنك لن تجد طعم الإيمان حتى تعلم أنه ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطئك لم يكن ليصيبك, يا بني سمعت رسول الله يقول: «من لم يؤمن بالقدر خيره وشره أحرقه الله بالنار», فلابد من الإيمان بهذه المراتب الأربعة.
فهذه المراتب الأربعة آمن بها المسلمون وأجمعوا عليها, وخالف في ذلك القدرية والقدرية طائفتان:-
الطائفة الأولى: الغلاة, الذين خرجوا في أواخر عصر الصحابة, أنكروا المرتبتين الأوليين العلم والكتابة, فقالوا: إن الله لا يعلم بالأشياء قبل كونها ولا يكتبها في اللوح المحفوظ فهؤلاء كفار كفرهم الصحابة, هم الذين قال فيهم ابن عمر كفرهم ابن عمر وغيرهم.
وهم الذين قال فيهم الإِمَامِ الشافعي: ناظر القدرية بالعلم فَإِذاْ قروا به خُسروا وإن أنكروا كفروا. وهؤلاء انقرضوا وانتهوا
الطائفة الثانية: عامة القدرية وهم مبتدعة آمنوا بالمرتبة الأولى وهي العلم, وآمنوا بالمرتبة الثانية وهي الكتابة لكنهم أنكروا عموم المرتبة الثالثة وعموم المرتبة الرابعة, أنكروا عموم الإرادة والمشيئة, فقالوا: إنها لا تشمل أعمال العباد وقالوا: إن الله أراد كل شيء في هذا الوجود إلا أعمال العباد ما أرادها خيرها وشرها.
فالعباد هم الذين أرادوا أفعالهم الطاعات والمعاصي, وكذلك أنكروا عموم الخلق, قالوا: إن الله خلق كل شيء إلا أفعال العباد ما خلقها, بل هم الذي خلقوها فالعباد هم الخالقون لأفعالهم وهذه الشبهة التي حصلت لهم.
قالوا لو قلنا: إن الله خلق أفعال العباد وأدوا ما عليهم صار ظالمًا فهم يقولون: إن العباد هم الذين خلقوا أفعالهم, وإذا قالوا: إن المطيع يستحق الثواب على الله كما يستحق الأجير أجرته, والعاصي يستحق العقوبة, ويجب على الله أن يعذبه وليس له أن يرحمه ولا أن يعفو عنه أعوذ بالله.
فهؤلاء حصلت لهم شُبهة فلذلك صاروا مبتدعة, نقول لهم: كيف يقع في ملك الله ما لا يريد, إذًا سيقع في ملك الله ما لا يريد على قولك، ويجب أن تغلب مشيئة العاصي مشيئة الله أعوذ بالله, أما كون المعاصي خلقها الله فهو خلقها لحكم وأسرار تترتب عليها والذي يسويها الخلق لحكمة مثل ما سبق.
قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ-: وللقدر أربع مراتب, أن نؤمن بالقدر خيره وشره، والقدر هو تقدير الله تعالى للكائنات, يعني تقدير الله للمخلوقات, حسبما سبق به علمه واقتضته حكمته, قدر الله الكائنات وفق علمه وحكمته, وللقدر مراتب:
المرتبة الأولى: العلم، عرفنا أنها عامة وشاملة, "فنؤمن بأن الله تعالى بكل شيء عليم، علم ما كان وما يكون وكيف يكون بعلمه الأزلي الأبدي، فلا يتجدد له علم بعد جهل، ولا يلحقه نسيان بعد علم".
المرتبة الثانية: "الكتابة"، في اللوح المحفوظ.
المرتبة الثالثة: "المشيئة, نؤمن بأن الله تعالى قد شاء كل ما في السماوات والأرض، ولا يكون شيء إلا بمشيئته، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن".
المرتبة الرابعة: "الخلق"، فنؤمن بأن: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ}. نعم
أحسن الله إليكم
(المتن)
وهذه المراتب الأربعة شاملة لما يكون من الله تعالى نفسه ولما يكون من العباد، فكل ما يقوم به العباد من أقوال أو أفعال أو تروك فهي معلومة لله تعالى، مكتوبة عنده، والله تعالى قد شاءها وخلقها: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}، ولقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}، وقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}، وقوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}.
(الشرح)
يعني "وهذه المراتب الأربعة" كما قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ-, "شاملة لما يكون من الله تعالى نفسه ولما يكون من العباد"، يعني إن الله تعالى علم وكتب في اللوح المحفوظ وأراد ما خلق ما يكون من نفسه وما يكون من العباد .
"فكل ما يقوم به العباد من أقوال أو أفعال أو تروك فهي معلومة لله تعالى، مكتوبة عنده، والله تعالى قد شاءها وخلقها", كما دلت على ذلك النصوص. نعم
(المتن)
ولكننا مع ذلك نؤمن بأن الله تعالى جعل للعبد اختيارًا وقدرة، بهما يكون الفعل, والدليل على أن فعل العبد باختياره وقدرته أمور: الأول: قوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، وقوله: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً}، فأثبت للعبد إتيانًا بمشيئته وإعدادًا بإرادته.
الثاني: توجيه الأمر والنهي إلى العبد، ولو لم يكن له اختيار وقدرة لكان توجيه ذلك إليه من التكليف بما لا يطاق، وهو أمر تأباه حكمة الله تعالى ورحمته، وخبره الصادق في قوله: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاّ وُسْعَهَا}.
الثالث: مدح المحسن على إحسانه، وذم المسيء على إساءته، وإثابة كل منهما بما يستحق. ولولا أن الفعل يقع بإرادة العبد واختياره لكان مدح المحسن عبثا، وعقوبة المسيء ظلما، والله تعالى مُنزّه عن العبث والظلم.
الرابع: أن الله تعالى أرسل الرسل: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}، ولولا أن فعل العبد يقع بإرادته واختياره ما بطلت حجته بإرسال الرسل.
الخامس: أن كل فاعل يحس أنه يفعل الشيء أو يتركه بدون أي شعور بإكراه، فهو يقوم ويقعد، ويدخل ويخرج، ويسافر ويقيم بمحض إرادته، ولا يشعر بأن أحدًا يُكرهه على ذلك، بل يفرق تفريقا واقعيا بين أن يفعل الشيء باختياره وبين أن يكرهه عليه مكره. وكذلك فرق الشرع بينهما تفريقا حكيما، فلم يؤاخذ الفاعل بما فعله مكرها عليه فيما يتعلق بحق الله تعالى.
(الشرح)
نعم, كما قال المؤلف: "الله تعالى قدر المقادير وجعل للعبد اختيارًا وقدرة, بهما يكون الفعل", فالعبد مُختار له القدرة وله اختيار, خلافًا للجبرية الذين قالوا: إن العبد مجبور على أفعاله وخلافًا للقدرية الذي قالوا: إن العبد يخلق أفعاله, فالناس ثلاث طوائف:
الجبرية قالوا: العبد مجبور على أفعاله, وأفعاله كلها اضطرارية فهو مجبور عليها كحركات مرتعش وحركات الأشجار كما تحركها الريح ونبض العروق.
وقالوا: إن الأفعال هي أفعال الله والعبد وعاء للأفعال, قالوا: إن الله هو المصلي والصائم هذه الأفعال أفعال الله والعبد وعاء, فالعباد كالكوز الذي يُصب فيه الماء والله كصباب الماء فيه فالعبد ما له اختيار, وقال قائلهم: كيف أن الله يقدر على عبده المعاصي ويعذبه عليها وهو ما له اختيار
ألقاه في اليم مكتوفًا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
هذا باطل من أبطل الباطل.
كما ذكر المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ- وبالأدلة العبد مختار وله مشيئة أثبت الله له مشيئة لكنها تعود على مشيئة الله: قال الله تعالى: { وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رب العالمين} [التكوير: 29], وليس مجبورًا ولهذا فإن العاجز لا يُكلف, المريض الذي لا يستطيع القيام رخص الله أن يصلي قاعدًا لحديث أبي هريرة عن النبي r: «صل قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا فإن لم تستطع فعلى جنب».
والذي يعجز عن الصوم لا يصوم، والذي لا يسمى عاقل لا يُكلف, كيف يكون الإنسان مجبور أين الجبر, الإنسان يحس بنفسه أنه يفعل باختياره وإرادته يحس الإنسان بنفسه أنت تحس بنفسك أنت تخرج من البيت تحضر الدرس وإن لم تستطيع أن تدرس فلا تحضر هذا من أبطل الباطل قولهم بأنه: مجبور.
الطائفة الثانية: القدرية الذين يقولون: العبد هو الذي يخلق فعل نفسه استقلالًا.
الطائفة الثالثة: أهل الحق, أهل السنة قالوا: إن العبد ليس مجبورًا له قدرة واختيار ولم يخلق فعل نفسه, بل الله هو الذي خلق العباد وخلق أفعالهم, ولهم مشيئة واختيار تابعة لمشيئة الله, كما قال الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96], فالجبرية ضلوا والقدرية ضلوا. فهما في طرفي نقيض
الجبرية معهم حق وهو القول بأن الله تعالى خلق الأفعال, خلق العباد وخلق أفعالهم ومعهم باطل وهو القول: بأنه مجبور, والقدرية معهم حق وهو القول بأن العبد له قدرة وله اختيار ومعهم باطل وهو القول بأن أن العبد هو الذي يخلق فعل نفسه, وأهل السنة أخذوا الحق اللي مع الجبرية ونفوا الباطل.
وأخذوا الحق اللي مع القدرية ونفوا الباطل, فخرج مذهب أهل السنة من بين فرث ودم لبنًا خالصًا للصائغين, لبن خالصًا للشاربين, قالوا: إن الله تعالى خلق العباد وخلق أفعالهم والعباد لهم قدرة واختيار, المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ- قال:"ولكننا مع ذلك نؤمن بأن الله تعالى جعل للعبد اختيارًا وقدرة، بهما يكون الفعل".
الله تعالى جعل للعبد قدرة واختيار ليكون بهما الفعل وإن كان الله خلق العبد وخلق أفعاله, ثم ذكر المؤلف الأدلة على أن العبد له اختيار وقدرة وهذه الأدلة فيها الرد على الجبرية الذين يقولون: إن العبد مجبور أولًا الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى-قال: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، ووجه الدلالة قال: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ}.
ولو كان الإنسان مجبور لما أُمر, قال: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً}، "فأثبت للعبد مشيئة وإرادة".
الثاني: "توجيه الأمر والنهي إلى العبد، ولو لم يكن له اختيار وقدرة لكان توجيه ذلك إليه من التكليف بما لا يطاق"، والله تعالى يقول: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاّ وُسْعَهَا}.
الثالث: "مدح المحسن على إحسانه، وذم المسيء على إساءته، وإثابة كل منهما بما يستحق", ولو كان العبد ليس له فعل كيف يمدح هذا الشيء الذي لا فعل له, وكيف إذا فعل شيئًا وهو ليس له فينسب إليه, وكيف يُثاب على فعلٍ ليس منسوبًا إليه وكيف يُعاقب على فعلٍ ما يستطيعه هذا من أبطل الباطل, لأنه من العبث والله تعالى مُنزّه عن العبث.
الرابع: "أن الله تعالى أرسل الرسل مبشرين ومنذرين قال: { لِئَلاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}، ولو كان العبد ليس له فعل, لما قامت الحجة على الناس بإرسال الرسل, ولهذا قال المؤلف: "ولولا أن فعل العبد يقع بإرادته واختياره ما بطلت حجته بإرسال الرسل".
الخامس: "أن كل فاعل يحس أنه يفعل الشيء أو يتركه بدون أي شعور بإكراه"، أنت تحس بنفسك أنت تقوم تقعد تأكل تشرب تذهب وتأتي ما تحس بأحد يُكرهك يملي عليك شيء, "فهو يقوم ويقعد، ويدخل ويخرج، ويسافر ويقيم بمحض إرادته".
فالإنسان يفرق بين أن يفعل شيء باختياره وبين أن يُكره عليه, فيفرق بين أن يكون باختياره وبين أحد يجبره ويقول له افعل ولذلك فالشرع فرق بينهم فالمُكره يسقط عن التكليف إذا كان ملجئًا, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «غُفر لأمتي الخطأ وما اُستكرهوا عليه», فالمُكره معذور وأما غير المكره فلا يعذر. نعم
أحسن الله إليكم
(المتن)
ونرى أنه لا حجة للعاصي على معصيته بقدر الله تعالى، لأن العاصي يقدم على المعصية باختياره من غير أن يعلم أن الله تعالى قدرها عليه، إذ لا يعلم أحد قدر الله تعالى إلا بعد وقوع مقدوره: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا}، فكيف يصح الاحتجاج بحجة لا يعلمها المحتج بها حين إقدامه على ما اعتذر بها عنه؟.
وقد أبطل الله تعالى هذه الحجة بقوله: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاّ تَخْرُصُونَ}.
(الشرح)
هذه مناقشة للعاصي الذي يحتج بالقدر على المعصية ورد ما عليه, "ويرى أنه لا حجة للعاصي على معصيته بقدر الله تعالى، لأن العاصي يقدم على المعصية باختياره", الشارب شارب الخمر يقدم على المعصية باختياره ولا يعلم ما قدر الله, هل يعلم ما سيكون؟ ما يعلم, يقدم على المعصية وما يدري القدر ولا يعذر بالقدر.
يقدم على المعصية باختياره لا يعلم أن الله قدر عليه, ما يعلم إلا بعد وقوع المعصية, قال الله تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا}، فكيف يصح الاحتجاج بحجة لا يعلمها المحتج بها حين إقدامه عليها؟
ثم أورد الله تعالى الاحتجاج بالقدر على المعاصي هذا من حجة المشركين ولـأي إنسان يتشبه بالمشركين الله تعالى أبطل حجتهم, فاحتجوا على شركهم بأنه مقدر عليهم, قال الله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا}, جعل الله هذا تكذيب ولا يجب للإنسان يحتج بحجة المشركين. نعم
أحسن الله إليكم
(المتن)
ونقول للعاصي المحتج بالقدر: لماذا لم تقدم على الطاعة مقدرًا أن الله تعالى قد كتبها لك، فإنه لا فرق بينها وبين المعصية في الجهل بالمقدور قبل صدور الفعل منك؟. ولهذا لمَّا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة "بأن كل واحد قد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار" قالوا: أفلا نتكل وندع العمل؟، قال: "لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له".
(الشرح)
نعم، هذا أَيْضًا في مناقشة العاصي,: "ونقول للعاصي المحتج بالقدر: لماذا لم تقدم على الطاعة مقدرًا أن الله تعالى قد كتبها لك، فإنه لا فرق بينها وبين المعصية في الجهل بالمقدور", أنت ما تدري ماذا قُدر أنت تريد أن تقبل على المعصية أقدم على الطاعة وقدر أن الله كتب لك الطاعة.
أنت ما تدري ما كتب الله, ما يعلم الإنسان حتى يقع فالعاصي يقدم على المعصية مقدرًا أن الله تعالى قد كتبها له نقول: العاصي يقبل على المعصية ولا يدري ماذا كتب الله له؟ نقول: اقبل على الطاعة وقدر أن الله كتبها لك لعل الله كتبها لك, ولهذا لمَّا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة «بأن كل واحد قد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار" فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله، هل نحن الآن نعمل في شيء يستقبل أم شيء فرغ منه؟ قال: بل شيء فرغ منه، قالوا: يا رسول الله ففيم العمل؟ ما دام كل شيء مكتوب الأعمال والسعادة والشقاوة قال: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له».
أما أهل السعادة فسييسرون لعمل أهل السعادة, وأما أهل الشقاوة فسييسرون لعمل أهل الشقاوة ثم قرأ رسول الله r: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } [الليل: 5 - 10] .
وقد جيء بسارق إلى عمر بن الخطاب t فاعتذر وقال: يا أمير المُؤْمِنِيْنَ سرقت بقدر الله مكتوب عليّ, لما أراد إقامة الحد عليه, قال: يا أمير المُؤْمِنِيْنَ مكتوب عليّ وقد قدر المسروق, فقال عمر: ونحن نقطع يدك بقدر الله، أَيْضًا نقطع يدك، مكتوب نقطع يدك، فقطع يده، قال: نقطع يدك بقدر الله. سرقت بقدر الله، نقطع يدك بقدر الله. ولذا نقول: وهذه من المناقشة التي لا يذكرها المؤلف نقول له: أنتَ الآن إذا وقت في معصية تُب إلى الله، أدفع قدر بقدر، المعصية مقدرة، والتوبة مقدرة، أدفع قدر بقدر، ادفع قدر المعصية بقدر التوبة، وأدفع قدر السيئة بقدر الحسنة، هذه المناقشة.
نقول له: أنت الآن لا تحتج بالقدر، لكن عليك ما دام وقعت في المعصية تُب إلى الله، ادفع قدر بقدر، أنتَ لا تخرج عن القدر، فالمعصية مقدرة والتوبة مقدرة، والسيئة مقدرة والحسنة مقدرة، ادفع قدر بقدر، فلا تستسلم لا تستسلم للشيطان وللمعاصي، وقعتَ في المعصية وهي مقدرة عليك، ادفع هذا القدر بقدر، لا تخرج عن القدر، ولهذا لما قال أبو عبيدة لعمر بن الخطاب رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه حينما قدمَ بجيشهِ إلى الشام وقيل له إنه وقع في الشام طاعون عمواس عام ثمانية عشرة، واستشار الصحابة ثم رجع بالجيش.
فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين تفرَ من قدر الله؟
كيف تفر من قدر الله؟ ترجع بالجيش بعيدًا عن الطاعون، تفر من قدر الله؟
فقال عمر كلمةً مشهورة: "لو غيركَ قالها يا أبا عبيدة" نعم أفرُ من قدر الله إلى قدر الله. كما أن إقدامه مكتوب فأيضًا رجوعه مكتوب.
لو كان لك عدوتان إحداهما مذنبة والأخرى مخصبة، يعني أرض فيها جدب وفيها نبات وفيها حشيش وأرض ما توجد فيها شيء، أين ترعى دابتك؟ تراعها في الأرض المخصبة أم ترعاها في الأرض المجدبة؟ قال: أرعاها في الأرض المخصبة. قال: أليس إذا رعيتها في الأرض المخصبة ذلك بقدر الله، وإذا رعيتها في الأرض الأخرى بقدر الله؟ هذا مقدر وهذا مقدر.
يقال للعاصي: لا تحتج بالقدر، أنت الآن وقعت في المعصية، أدفع المعصية والسيئة بالحسنة. أدفع قدر بقدر، أدفع قدر المعصية بقدر إيش؟ التوبة، وأدفع قدر السيئة بقدر الحسنة. نعم
(المتن)
ونقول للعاصي المحتج بالقدر: لو كنت تريد السفر لمكة وكان لها طريقان، أخبرك الصادق أن أحدهما مخوف صعب، والثاني آمن سهل، فإنك ستسلك الثاني، ولا يمكن أن تسلك الأول، وتقول: إنه مقدر عليّ، ولو فعلت لعدك الناس في قسم المجانين.
(الشرح)
يعني عندما نناقش العاصي، نقول له: لو أراد الإنسان سفر إلى أي جهة، مكة أو غيرها، وأخبركَ الصادق يعني الذي لا يُجرب عليه الكذب، أخبركَ شخصٌ ثقة وقال لك: هذا الطريق مخوف وفيه خطورة، والطريق الثاني سليم، أو قال لك أن هذا الطريق مُتعب في مطاب وفيه كذا ربما يكسر السيارة، وتحل المسامير، والثاني مزفلت مريح، أيهما تسلك؟ تسلك الطريق المريح. وإذا فعلت وسلكت الطريق المتعب لعدكَ الناس سفيه من السُفهاء.
لو قال بدلًا من لعده الناس من قسم المجانين، لعده الناس في قسم السفهاء لكان أحسن، أوضع في العبارة.
ولو سلكت الطريق الأول وتقول أنه مقدر عليّ ولو فعلت لعدكَ الناس في قسم المجانين. نقول: لو قال رَحِمَهُ اللهُ: لعدك الناس في قسم السفهاء. لكان أوضح في العبارة، نعم، لأنه قد يسلكه ولو لم يكن مجنون، لكن سفيه. نعم
(المتن)
ونقول له أيضا: لو عرض عليك وظيفتان، إحداهما ذات مرتب أكثر، فإنك سوف تعمل فيها دون الناقصة، فكيف تختار لنفسك في عمل الآخرة ما هو الأدنى ثم تحتج بالقدر؟.
(الشرح)
نعم، هذا أيضًا نناقشه: إنسان خير بين وظيفتان أو عملان أحدهما أكثر أُجرة، فلاشك أنك تختار الأكثر أجرة. فكيف تحتج بالقدر؟
ثم أَيْضًا مما يناقش به، يقال: القدر من شئون الله ومغيبٌ عنك كيف تحتج به وهو مغيبٌ عنك؟ لا تدري، أنت مأمورٌ بالعمل، مأمورٌ بالعبادة، مأمورٌ بالطاعة. القدر من شئون الله ليس من اختصاصك، وإنما هو من شئون الله عَزَّ وَجَلَّ، فأعمل لما خلقتَ له، ولا تنظر إلى القدر الذي هو من شئون الله. نعم
(المتن)
ونقول له أيضا: نراك إذا أصبت بمرض جسمي طرقت باب كل طبيب لعلاجك، وصبرت على ما ينالك من ألم عملية الجراحة وعلى مرارة الدواء، فلماذا لا تفعل مثل ذلك في مرض قلبك بالمعاصي؟.
(الشرح)
نعم هذا فيه أن الإنسان إذا أصيب بمرض جسمي يتعالج، ولكن قلبه إذا مرض لا يعالج قلبه. مرض القلب هو الشُبه التي ترد عليه حتى تجعله يفعل المعاصي ويترك الطاعات، عالج نفسك. كما أنك تعالج جسمك عالج قلبك وتُب إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. نعم
أحسن الله إليك
(المتن)
ونؤمن بأن الشر لا ينسب إلى الله تعالى لكمال رحمته وحكمته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «والشر ليس إليك» رواه مُسلم، فنفس قضاء الله تعالى ليس فيه شر أبدًا، لأنه صادر عن رحمةٍ وحكمةٍ.
وإنما يكون الشر في مقضياته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء القنوت الذي علمه الحسن: «وقني شر ما قضيت» ، فأضاف الشر إلى ما قضاه، ومع هذا فإن الشر في المقضيات ليس شرًا خالصا محضا، بل هو شر في محله من وجه، خير من وجه، أو شر في محله خير في محل آخر.
(الشرح)
نعم هذا واضح، المؤلف يقول: ونؤمن بأن الشر لا ينسب إلى الله تعالى لكمال رحمته وحكمته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «والشر ليس إليك»، المراد بالشر الشر المحض الذي لا حكمةَ في تقديرهِ وإيجادهِ، هذا لا يوجد، «الشرُ ليس إليك»، أي الشر المحض الذي لا حكمةَ في إيجاده وتقديره، ما في شر محض، إنما الشرور الموجودة كلها شرور نسبية، فالشرُ المحض الذي لا حكمةَ في إيجادهِ وتقديرهِ لا يوجد، لأنَ ما خلق الله مبني على الحكمة والرحمة، لكن الشرور بما هو نسبي، فهو بالنسبة للعبد الذي باشرَ المعاصي والكُفر فهو شرٌ بالنسبة إليه، لأنه باشرها وضرته وعُذبَ عليها.
وأما بالنسبةِ إلى الله فيضاف إلى الله الخلق، والخلق مبنيٌ على الرحمة والحكمة.
فالشر كما قال المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: فنفس قضاء الله تعالى ليس فيه شر؛ لأنه فعله سبحانه وتعالى وهو مبني على الحكمة والرحمة، وإنما يكون الشر في مقضياته فيما يقضيه، مضياته يعني في مخلوقاته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء القنوت الذي علمه الحسن: «وقني شر ما قضيت»، مخلوقاته، فالعبد حينما يُباشر الكُفر والمعاصي فهو شرٌ بالنسبةِ إليه، لأنه باشره أو فعله فعُذبَ عليه.
وبالنسبةِ إلى الله فهو خلق، والخلق مبني على الحكمة والرحمة، ومع ذلك يقول المؤلف: فإن الشر في المقضيات ليس شرًا محضًا خالصًا، بل هو شر في محله من وجه، خير من وجه، يعني المقضيات، المخلوقات لا تكونُ شرًا من جميع الوجوه، شرًا محضًا من جميع الوجوه، بل هو شرور نسبية، شرٌ في محله من وجه، خير من وجه، أو شرٌ في محله خير في محل آخر، وسيمثل المؤلف له رحمه الله. نعم
أحسن الله إليكم
(المتن)
فالفساد في الأرض: من الجدب والمرض والفقر والخوف شر، لكنه خير في محل آخر، قال الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [سورة الروم، الآية: 41].
وقطع يد السارق ورجم الزاني شر بالنسبة للسارق والزاني في قطع اليد، وإزهاق النفس، لكنه خير لهما من وجه آخر، حيث يكون كفارة لهما، فلا يجمع لهما بين عقوبتي الدنيا والآخرة. وهو أيضا خير في محل آخر، حيث إن فيه حماية الأموال والأعراض والأنساب.
(الشرح)
نعم، الفساد الذي في الأرض: من الجدب والمرض والفقر والخوف شر، فالجدب شر لمن أصابهم الجدب، والمرض شر لمن أصابهم المرض، والفقر كذلك والخوف، لكنه خير في محل آخر، فالجدب وإن كان شرٌ لبعض الناس لكن خير بالنسبة إلى كون الناس يضرعون إلى الله ويدعونه ويتوجهونَ إليه ويفتقرونَ إليه ويتعبدونَ له.
وكذلك المرض شرٌ من وجه لكنه خيرٌ من وجه آخر حيث أنه تُرفع درجاته وتُكفر سيئاته، ويبتهل إلى الله وترقُ نفسهُ. وكذلك الفقر، الفقير، الفقر هذا شرٌ من وجه وخيرٌ من وجهٍ آخر، إنه يصبر على الفقر ويثيبه الله ثواب الصابرين، وكذلك الخوف شر وقد يكون خيرٌ من جهةٍ أخرى، يخاف ويرجع ويضرعُ إلى الله، ويتعبد لله ويدعو على الظالم، ويسأل الله أن يكفيه شرهُ.
ثم استشهد لما ذكر بقوله: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [سورة الروم، الآية: 41].
وقطع يد السارق ورجم الزاني شر بالنسبة للسارق والزاني، هذا كونه تقطع يده، وكونه يُرجم، هذا فيه ضرر عليه وكذلك قتل القاتل، لكنه خير لهما من وجه آخر، حيث أن إقامة الحد كفارة لهما، فلا يُعذب يوم القيامة ولا يُجمع لهما بين عقوبتين ، فيكونُ خيرًا. وهو أيضا خيرٌ من جهةٍ أُخرى لأن قطع يد السارق وقتل القاتل فيه حماية للأموال والأعراض؛ لأن الناس إذا أقيمت عليهم الحدود أردتعوا. نعم
(المتن)
فصلٌ:
فالإيمان بالله تعالى وأسمائه وصفاته: يثمر للعبد محبة الله وتعظيمه الموجبين للقيام بأمره واجتناب نهيه، والقيام بأمر الله تعالى واجتناب نهيه يحصل بهما كمال السعادة في الدنيا والآخرة للفرد والمجتمع: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة النحل، آية: 97].
(الشرح)
المؤلف رَحِمَهُ اللهُ عقد هذا الفصل بعد أن انتهى من الكلام على الأصول الستة لبيان ثمرات هذه العقيدة، ثمرات الإيمان بهذه الأصول، كلُ أصلٍ له ثمرة، الأصلُ الأول وهو الإيمانُ بالله تعالى وأسمائه وصفاتهِ وأفعالهِ يُثمر للعبد محبة الله وتعظيمه، فهذا ثمرته تعظيمه. إذا آمن الإنسان بربهِ ملكًا وإلهًا ومعبودًا بالحق وآمن بأسمائهِ وصفاتهِ وأفعالهِ أثمرَ في القلب محبة الله وتعظيمه وإجلاله، وخوفه ورجاءه، فتنبعث الجوارح على طاعة الله، وتنكف الجوارح عن معصية الله.
فهذا ثمرة تعظيمهِ، تثمر محبة الله وتعظيمهِ وإجلالهِ وحينئذٍ يقومُ بحقهِ، يمتثل الأوامر ويجتنبُ النواهي، ويقفُ عند حدود الله ويستقيمُ على دين الله، هذه ثمرةٌ عظيمة.
قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [سورة النحل، آية: 97]، إِذًاْ تحصل له الحياة الطيبة في الدُنيا والسعادة في الآخرة. نعم
(المتن)
ومن ثمرات الإيمان بالملائكة:
أولًا: العلم بعظمة خالقهم تبارك وتعالى وقوته وسلطانه.
ثانيا: شكره تعالى على عنايته بعباده، حيث وكل بهم من هؤلاء الملائكة من يقوم بحفظهم وكتابة أعمالهم، وغير ذلك من مصالحهم.
ثالثا: محبة الملائكة على ما قاموا به من عبادة الله تعالى على الوجه الأكمل، واستغفارهم للمؤمنين.
(الشرح)
نعم، ذكر المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: من ثمرات الإيمان بالملائكة ثلاث ثمرات:
الثمرة الأولى: العلم بعظمة خالقهم تبارك وتعالى وقوته وسلطانه. إذا علم الإنسان عظمة الملائكة استدل بها على عظمة الخالق، فإذا كان جبريل له ستمائة جناح، كلُ جناحٍ يملأُ ما بين السماء والأرض؛ هذا خلقٌ عظيم، والخالق أعظم وأعظم.
وفي الحديث: «أُذنَ لي أن أُحدث عن ملكٍ من حملة العرش ما بين شحمة أُذنهِ وعاتقهِ مسيرة ثلاثينَ عامًا»، ثلاثين سنة، ما بين شحمة الأُذن والكتف مسيرة ثلاثين عام. هذا المخلوق العظيم، كيف يتصوره الإنسان. هذا المخلوق، والخالق أعظم وأعظم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
العرش الذي هو سقفُ المخلوقات وأعظمُ المخلوقات يدلُ على عظمة الخالق.
هذه المخلوقات كلها لا تساوي شيء بالنسبة للخالق، لا تساوي خردلة في يدِ أحِدنا، ولهذا في الحديث: «ما السماوات السبع والأرضون السبع في كفِ الرحمن إلا كخردلةٍ في يدِ أحدكم».
الثمرة الثانية: شكر اللهِ تعالى على عنايته بعباده، حيث وكل بهم ملائكته يقومون بحفظهم وكتابة أعمالهم، فيشكر الإنسان ربه حيث هيئ هؤلاء الملائكة الكرام الكاتبين يعتنون بعباد الله، يحفظونهم ويكتبونَ أعمالهم، ويدعونَ لهم أَيْضًا، فهم يدعونَ لهم كما قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أنظر إلى دعاء الملائكة: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} ماذا يقولون؟ يقولون: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)} [غافر: 7، 9].
إِذًاْ عليهم الصلاة والسلام لهم عناية في بني آدم، يدعونَ لهم. فيشكر الإنسان ربه على عنايته بعباده حيث وكلَ بهم هؤلاء الملائكة الكرام.
الثمرة الثالثة: محبة الملائكة على ما قاموا به من عبادة الله تعالى على الوجه الأكمل، واستغفارهم للمؤمنين.
فيكون ثلاث ثمرات:
* العلم بعظمة الخالق.
* شكر اللهِ تعالى.
* محبة الملائكة. نعم
أحسن الله إليكم
(المتن)
ومن ثمرات الإيمان بالكتب:
أولًا: العلم برحمة الله تعالى وعنايته بخلقه، حيث أنزل لكل قوم كتابا يهديهم به.
ثانيا: ظهور حكمة الله تعالى، حيث شرع في هذه الكتب لكل أمة ما يناسبها، وكان خاتم هذه الكتب القرآن العظيم مناسبا لجميع
الخلق في كل عصر ومكان إلى يوم القيامة.
ثالثا: شكر نعمة الله تعالى على ذلك.
(الشرح)
نعم، هذه من ثمرات الإيمان بالكتب المنزلة:
أولًا: العلم برحمة الله تعالى وعنايته بخلقه، حيث أنزل لكل قوم كتابا يهديهم به. يعلم الإنسان رحمة ربه حيث أنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أنزلَ لكل قومٍ كتابٍ يهديهم به، ويهتدون إلى الصراط المستقيم، فيثيبهم الله عَزَّ وَجَلَّ ويجازيهم ويكرمهم بدار كرامته.
الثمرة الثانية: ظهور حكمة الله تعالى، حيث شرع في هذه الكتب لكل أمة ما يناسبها، وكان خاتم هذه الكتب القرآن العظيم مناسبا لجميع الخلق في كل عصر ومكان إلى يوم القيامة. واللهُ تعالى حكيم شرع لكل أمُة ما يناسبها وختم هذه الكُتب بهذا القُرآن العظيم.
الثالث: شكر نعمة الله تعالى على ذلك.
ثلاث حكم:
* العلمُ برحمة الله.
* ظهور حكمة الله.
* شكر نعمة الله. نعم
أحسن الله إليكم
(المتن)
ومن ثمرات الإيمان بالرسل:
أولًا: العلم برحمة الله تعالى وعنايته بخلقه، حيث أرسل إليهم أولئك الرسل الكرام للهداية والإرشاد.
ثانيا: شكره تعالى على هذه النعمة الكبرى.
ثالثا: محبة الرسل وتوقيرهم والثناء عليهم بما يليق بهم، لأنهم رسل الله تعالى وخلاصة عبيده، قاموا بعبادته وتبليغ رسالته، والنصح لعباده، والصبر على أذاهم.
(الشرح)
نعم، من ثمرات الإيمان بالرسل، ذكر المؤلف رَحِمَهُ اللهُ ثلاث ثمرات:
الثمرة الأولى: العلم برحمة الله تعالى وعنايته بخلقه، حيث أرسل إليهم الرسل حيث أرسل إليهم هؤلاء الرسل الكرام للهداية والإرشاد. فيعلم الإنسان رحمة ربه عز وجل وأنه رحيمٌ بعباده.
ثانيا: شكر الله تعالى على هذه النعمة الكبرى. حيث أن الله رحم عباده وأرسل إليهم الرسل يبينوا لهم طريق الحق ويحذروهم من طرق الضلالة والغواية.
ثالثا: محبة الرسل عليهم الصلاة والسلام وتوقيرهم والثناء عليهم بما يليق بهم، لأنهم رسل الله تعالى وخلاصة عبيده، قاموا بعبادته وتبليغ رسالته، والنصح لعباده، والصبر على أذاهم، فيحبهم ويوقرهم ويصدق أخبارهم، ولاسيما ونحنُ حظنا من الرسل نبينا وإمامنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فمن ثمرات ذلك:
* محبة الرسل، وتوقيره وتعظيمه، وتصديق أخباره، وطاعته فيما أمر واجتناب ما عنه نهى وزجر. كل هذا من الثمرات، من ثمرة الإيمان بالرُسل. نعم
أحسن إليكم
(المتن)
ومن ثمرات الإيمان باليوم الآخر.
أولًا: الحرص على طاعة الله تعالى رغبة في ثواب ذلك اليوم، والبعد عن معصيته خوفا من عقاب ذلك اليوم.
ثانيا: تسلية المؤمن عمّا يفوته من نعيم الدنيا ومتاعها بما يرجوه من نعيم الآخرة وثوابها.
(الشرح)
نعم، ومن ثمرات الإيمان باليوم الآخر، ذكر المؤلف ثمرتان:
الثمرة الأولى: الحرص على طاعة الله تعالى رغبة في ثواب ذلك اليوم، والبعد عن معصيته خوفا من عقاب ذلك اليوم. إذا آمن المسلم باليوم الآخر وعلمَ أن الله سيُجازيه ويحاسبه، حرصَ على طاعة الله وابتعدَ عن معصيتهِ رغبةً في الثواب وخوفًا من العقاب.
الثانية: تسلية المؤمن عمّا يفوته من نعيم الدنيا ومتاعها بما يرجوه من نعيم الآخرة وثوابها. يتسلى المؤمن، الفقير إذا كان مستقيم على طاعة الله يتسلى ويصبر ويعلم أنه سينتقل إلى دار اللذة والسرور ويزول هذا الفقر.
وكذلك المريض يتسلى بالمرض ويصبر، يتسلى بما أعده الله له من الثواب في الآخرة، ويعلم أنه سينتقل عن هذه الدار إلى دار الراحة والعافية.
وكذلك الذليل يتسلى ويعلم أنه سينتقل إلى دارِ العز، وهكذا نعم.
أحسن الله إليكم
(المتن)
ومن ثمرات الإيمان بالقدر:
أولًا: الاعتماد على الله تعالى عند فعل الأسباب، لأن السبَبَ والمسبب كلاهما بقضاء الله وقدره.
ثانيا: راحة النفس وطمأنينة القلب، لأنه متى علم أن ذلك بقضاء الله تعالى، وأن المكروه كائن لا محالة، ارتاحت النفس، واطمأن القلب، ورضي بقضاء الرب، فلا أحد أطيب عيشا وأريح نفسا وأقوى طمأنينة ممن آمن بالقدر.
ثالثا: طرد الإعجاب بالنفس عند حصول المراد، لأن حصول ذلك نعمة من الله بما قدره من أسباب الخير والنجاح، فيشكر الله تعالى على ذلك، ويدع الإعجاب.
رابعا: طرد القلق والضجر عند فوات المراد أو حصول المكروه، لأن ذلك بقضاء الله تعالى الذي له ملك السماوات والأرض، وهو كائن لا محالة، فيصبر على ذلك، ويحتسب الأجر. وإلى هذا يشير الله تعالى بقوله: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [سورة الحديد، الآيتان: 22 ـ 23].
فنسأل الله تعالى أن يثبتنا على هذه العقيدة، وأن يحقق لنا ثمراتها، ويزيدنا من فضله، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.
(الشرح)
نعم، هذه من ثمرات الإيمان بالقدر، ذكر المؤلف رَحِمَهُ اللهُ لها أربع ثمرات، الإيمان بالقدر وأن الله علمَ الأشياء وكتبها في اللوحِ المحفوظ وأراد كل شيء في هذا الوجود وخلقه، له ثمرات، من ثمراته:
أولًا: الاعتماد على الله تعالى عند فعل الأسباب، لأن السبَبَ والمسبب كلاهما بقضاء الله وقدره. تعتمد على الله حينما تفعل السبب، حينما تطلب الرزق عن طريق مثلًا حرث الأرض وزرعها، حينما تحرث الأرض وتشقها وتبذرها وتسقيها الماء تعلم أن هذا سبب، وتعلم أن السبب والمسبب قدره الله. السبب مثل حرث الأرض وبذرها وزرعها، والمسبب خروج الحبوب والثمار. فهذا السبب مقدر، قدر الله أن تفعل هذا، أن تحرث وتبذر وهيأك لذلك، وقدر أن هذه الحبوب تخرج وتُثمر فيكونُ غذاءً لك وتبيع وتشتري.
كذلك حينما تبيع وتشتري وتطلب الرزق تعلم أن الله تعالى هو الذي قدرَ لكَ أن تبيع وتشتري، وقدرَ لكَ الربح الذي سيحصل لك، فحينئذٍ تعتمد على الله، تعلم أن الله هو الذي خلق السبب والمسبب.
ثانيا: راحة النفس وطمأنينة القلب، لأنه متى علم أن ذلك بقضاء الله تعالى وقدره، وأن المكروه كائن لا محالة، ارتاحت النفس، واطمأن القلب، ورضي بقضاء الرب، فلا أحد أطيب عيشا وأريح نفسا وأقوى طمأنينة ممن آمن بالقدر. الذي يؤمن بالقدر يكون عنده راحة نفس، طمأنينة قلب، لأنه إذا أصابته مصيبة قال الله قدرها وهو حكيم، إذا حصل له فقد الأحبة، موت الأولاد قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، الله تعالى قدر ذلك فأنا راضي، واللهُ له الخيرة، فأرضى بما اختار الله.
إذا أصيب بالفقر قال: قضاء الله وقدره، أرضى بما قدر الله، وهكذا تجده مرتاح مطمئن، ترتاح نفسه ويطمئن قلبه، ولاسيما إذا تذكر ما أعد اللهُ له من الثواب.
ثالثا: طرد الإعجاب بالنفس عند حصول المراد، لأن حصول ذلك بنعمة من الله بما قدره من أسباب الخير والنجاح، فيشكر الله تعالى على ذلك، ويدع الإعجاب. إذا حصل للإنسان مثلًا: باع واشترى وحصل له كسب فلا ينسب هذا لنفسه ويقول إن هذا بحذقه وعنايتهِ، لا، بل يعلم أن الله قدرَ ذلك، فيطرد الإعجاب عن نفسه؛ لأن حصول النعمة بما قدر الله من الأسباب، من أسباب الخير والنجاح، فيدعوه ذلك إلى أن يشكر الله، يكون سببًا في طرد الإعجاب وشكر الله على ما قدره.
رابعا: طرد القلق والضجر عند فوات المراد أو حصول المكروه، إذا حصل للإنسان مصيبة، فالمؤمن لا يقنط ولا ينزعج لأنه يعلم أن الله قدر ذلك فيقول:إنا لله وإنا إليه راجعون.
وكذلك إذا فات المراد حرص الإنسان على المكسب والغنيمة، حرص الإنسان على المكسب في التجارة، ولكن ما حصل كسب، ما بقي إلا رأس المال، فما يقلق، ويعلم أن الله ما قدر له ذلك، والله حكيمٌ عليم.
وحينئذٍ يطرد القلق والضجر عند فوات المراد وحصول المطلوب لأن ذلك بقضاء الله وقدره وهو الذي له ملك السماوات والأرض، وهو كائن لا محالة، فيصبر على ذلك، ويحتسب الأجر عند الله.
والصبر على قدر الله له أقسام الثلاثة:
* الصبر على طاعة الله.
* والصبر على ما حرم الله.
* والصبر على أقدار الله المؤلمة. كما قال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} ثم قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [سورة الحديد، الآيتان: 22 ـ 23].
بين الله أن ما أصاب من مصيبة إلا وقدرها وكتبها، ثم بين الحكمة فقال: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}. يعني إذا علمت أيها المؤمن أن اللهَ قدرَ كل شيء وأن ما أصاب من مصيبةٍ في الأرض أو في النفوس إلا واللهُ كتبها، ما الحكمة؟ قال الله: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} إذا فاتك شيء ما تتأسى، {وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} ولا تفرح بما آتاك، الشيء الذي فاتك مقدر، تعلم أنه مقدر، ما قدرَ الله عليك فترضى عليه، ولا تفرح بما آتاك، ما آتاك من خير ونعمة لا تفرح، اللهُ قدره، فاشكر الله على ذلك. هذه من الثمرات العظيمة.
ثم دعا المؤلف رَحِمَهُ اللهُ في ختام هذه الرسالة فقال: فنسأل الله تعالى أن يثبتنا على هذه العقيدة، وأن يحقق لنا ثمراتها، ويزيدنا من فضله، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب. هذا دعاءٌ عظيم ختم به المؤلف رَحِمَهُ اللهُ هذه الرسالة، فنسأل اللهَ أن يستجيب الدعاء، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم لتحقيق التوحيد وتخليصهِ من شوائب الشرك والبدع والمحدثات، ونسألهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يملأ قلوبنا بخشيته وطاعته وتعظيمهِ وإجلالهِ، وأن يثبتنا على الاعتقاد الصحيح والتوحيد الخالص، والدين الحق، وأن يمتنا على ذلك، إنه وليُ ذلك والقادرُ عليه.
وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.