بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العربي المكي ثم المدني رسول رب العالمين وخاتم النبيين وإمام المتقين صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين, ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فإني أحمد الله إليكم وأثني عليه الخير كله وأسأله المزيد من فضله, وأسأله سبحانه وتعالى أن يُصلح قلوبنا وأعمالنا ونياتنا وذرياتنا, كما أسأله سبحانه وتعالى أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعًا مرحومًا, وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقًا معصومًا وألا يجعل فينا ولا منا شقيًا ولا محرومًا.
كما أسأله سبحانه وتعالى أن يجعل جمعنا هذا جمع خيرٍ وعلمٍ ورحمة تنزل عليه السكينة وتغشاه الرحمة وتحفه الملائكة ويذكره الله فيمن عنده, فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده».
(المتن)
الحمد لله الذي غرس شجرة الإيمان في قلوب عباده الأخيار.
(الشرح)
قال: (الحمد لله الذي غرس شجرة الإيمان في قلوب عباده الأخيار) فضمن المؤلف رحمه الله موضوع الرسالة في الخطبة, وهذا من حُسن تأليفه, أن يضمن الإنسان موضوع حديثه في الخطبة.
كذلك أيضًا خطيب الجمعة ينبغي أن يضمن الخطبة موضوعها, إذا أراد أن يتحدث مثلًا عن تحريم الريم يبدأ يقول: الحمد لله الذي حرم الربا على عباده مثلًا, إذا أراد أن يتحدث عن موضوع الخبائث ومنها الخمر, يقول: الحمد لله الذي حرم الخبائث ومنها الخمر, وهكذا.
المؤلف رحمه الله هذه الرسالة سماها "شجرة الإيمان" وضمنها هذا الموضوع في خطبته قال: (الحمد لله الذي غرس شجرة الإيمان في قلوب عباده الأخيار) وأصل هذه الشجرة كلمة التوحيد: لا إله إلا الله, هذه أصل هذه الشجرة؛ لأنها أصل الدين وأساس الملة: لا إله إلا الله, فإن معناها لا معبود حقٌ إلا الله, والله سبحانه وتعالى غرس شجرة الإيمان في قلوب أحبابه وعباده الأخيار فضلًا منه وإحسانًا, ومنعها آخرين وحرمهم حكمة منه وعدل سبحانه وتعالى.
وله الحكمة البالغة؛ لأنه سبحانه عليم بالمحال التي تصلح لخلق كرامته فغرس فيها شجرة الإيمان, وعليمٌ بمن ليس أهلًا ولا محلًا فيخذلها ولا يوفقها فلا تكون محلًا لغرس كراماته.
(المتن)
وسقاها وغذاها بالعلوم النافعة، والمعارف الصادقة.
(الشرح)
سقى هذه الشجرة وغذاها بالعلوم النافعة والمعارف الصادقة, وهي العلوم التي جاءت بها النصوص: علوم التوحيد, علوم الفقه, الفقه الأكبر والفقه الأصغر, وما يتبع ذلك من العلوم, كذلك ما أنعم الله على عبده من المعارف فيعرف ربه بأسمائه وصفاته وأفعاله؛ فيوفقه للعمل الصالح, وللعمل الخالص من شوائب الشرك والرياء.
(المتن)
واللهج بذكره آناء الليل والنهار.
(الشرح)
كذلك وفق سبحانه وتعالى من شاء باللهج بذكره آناء الليل وأطراف النهار, هذا توفيقٌ من الله سبحانه وتعالى فضلًا منه وإحسانًا, يوفقهم للهج بذكره, واللهج بذكره عام؛ يعني: يلهج بذكره بقلبه, بتعظيم الله تعالى وإجلاله, ويلهج بذكره بلسانه, بالثناء عليه سبحانه واستغفاره وتحميده وتقديسه، وتلاوة كتابه بتدبرٍ وخضوعٍ وخشوعٍ ورغبة ورهبة, هذا من اللهج في الذكر, أن تلهج بذكره فتقرأ كلامه آناء الله وآناء النهار, وتسبح به, وتكثر من تسبيحه وتحميده وتهليله.
ومن الاثنين الذين يُحسدان حسد غِبطة: رجلٌ أتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار؛ هذا من اللهج بذكره.
(المتن)
وجعلها تؤتي أكلها وبركتها كل حين من الخيرات والنعم الغزار.
(الشرح)
جعل هذه الشجرة تؤتي أكلها كل حين من الخيرات, فتثمر هذه الشجرة الأعمال الصالحة, والتعبد لله تعالى وخدمته، بالصلاة, والزكاة, والصوم, والحج, وبر الوالدين, وصلة الرحم, والإحسان إلى الناس, وبذلك المعروف, وكف الأذى؛ كل هذا من آثار ثمار هذه الشجرة المباركة, وهي شجرة التوحيد والإيمان في القلب.
(المتن)
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الواحد القهار، الكريم الرحيم الغفار.
(الشرح)
ثنى بعد الحمد لله بالشهادة لله تعالى بالوحدانية, (وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له) يعني: أقر وأعترف بأنه لا معبود بحق إلا الله الواحد الأحد, الفرد الصمد, (الواحد القهار، الكريم الرحيم الغفار) فهو معبودٌ بحق, وغيره معبودٌ بالباطل, فهذا إطراق وإقرار وشهادة لله تعالى بالوحدانية وهذه أعظم شهادة, أعظم شهادة هي هذه الشهادة: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن لا معبود بحقٍ إلا الله.
(المتن)
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الرسول المصطفى المختار.
(الشرح)
ثم ثلث بالشهادة لنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة, (وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الرسول المصطفى المختار) والشهادة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة لا بد منها في صحة الشهادة لله بالوحدانية, فهما شهادتان لا تصلح إحداهما بدون الأخرى, ومن شهد أن لا إله إلا الله ولم يشهد أن محمدًا رسول الله لم تُقبل منه, ومن شهد أن محمدًا رسول الله ولم يشهد أن لا إله إلا الله لم تُقبل منه, شهادتان اثنتان في الأعيان, وهما شهادة واحدة في المعنى والحكم لا بد منهما, وإذا قلت إحداهما دخلت فيها الأخرى, فالشهادة لله تعالى بالوحدانية تثبت فيها الشهادة لرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة, ومن لم يشهد أن محمدًا رسول الله لا تصح منه الشهادة وشهادته باطلة, إيمانه باطل ويكون كافرًا.
ولهذا لما كان أهل الكتاب من اليهود والنصارى يزعمون أنهم يؤمنون بالله ولكنهم لا يشهدون لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة, أبطل الله إيمانهم ونفاه, قال: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ)[التوبة/29].
نفى عنهم الإيمان مع أنهم في الظاهر يشهدوا أن لا إله إلا الله, لكن لما لم يشهدوا أن محمدًا رسول الله بطلت الشهادة, وبطل ذلك.
(المتن)
اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه البررة الأخيار.
(الشرح)
(اللهم صل وسلم على محمد) الصلاة من الله سبحانه وتعالى أصح ما قيل فيها بمعنى الصلاة ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي العالية رحمه الله أنه قال: «صلاة الله على عبده ثناؤه عليه في الملأ الأعلى» فأنت تسأل الله أن يُثني على محمد صلى الله عليه وسلم في الملأ الأعلى: (اللهم صل وسلم على محمد) اللهم أثن عليه, وفي ضمن ذلك المغفرة والرحمة, يعني: تدعو له أن يُثني الله عليه في الملأ الأعلى وأن يغفره وأن يرحمه.
(اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه البررة الأخيار) فنبينا صلى الله عليه وسلم هو المصطفى المختار من البشرية وصحابته هم المصطفون بعد الأنبياء, والسلام: دعاءٌ له بالسلامة, فأنت تسأل الله أن يثني على عبده وتسأل الله أن يسلمه, يعني يسلمه من النقائص والعيوب.
وهذا دليل على أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لا يستحق العبادة, وإنما يستحقها الله عز وجل؛ لأنه يُدعى له بالسلامة والذي يُدعى له بالسلامة بشر ناقص, بخلاف الإله فالإله كامل لا يلحقه نقص ولا ضعف وليس فوقه أحد يسأل السلامة له, ولهذا جاء في الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «كنا نقول قبل أن يُفرض علينا التشهد: السلام على الله, السلام على جبريل وميكائيل, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام, ولكن قولوا: اللهم أنت السلام ومنك السلام».
فلا يُقال: السلام على الله؛ لأن السلام دعاء, فإذا قلت: السلام على الله كأنك تسأل السلامة لله, والله تعالى ليس فوقه أحد حتى تسأل له السلامة, وهو سبحانه وتعالى لا يلحقه نقص ولا عيب وليس فوقه أحد يسأل حتى تقول: السلام على الله, ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم تُسأل له السلامة؛ لأنه بشر, والبشر يلحقهم النقص, ليس إله, فيستدل بالسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ليس ربًا ولا إلهًا, وأنه لا يستحق العبادة والعبادة حق الله عز وجل.
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم رسولٌ كريم يُطاع ويُتبع ولا يُعبد فالعبادة حق الله, فالصلاة من الله هي ثناؤه عليه في الملأ الأعلى, وتسأل الله أن يسلمه, تدعو له بالسلامة ودعاء له بالسلامة هذا يدل على أنه ليس إلهًا؛ لأن الذي يُدعى له ليس إله, فالإله يُدعى ولا يُدعى له, والمخلوق يُدعى له؛ لأنه ليس إله, فلما سأل السلامة للنبي صلى الله عليه وسلم دل على أنه ليس إله وأنه لا يصرف له شيء من العبادة وإنما العبادة بجميع أنواعها حق الله عز وجل.
(المتن)
أما بعد.
(الشرح)
(أما بعد) هذه كلمة يؤتى بها للانتقال من شيء إلى شيء وللدخول في صلب الموضوع, كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي بها في خطبه, في رسائله, كان إذا خطب الناس يوم الجمعة يقول: أما بعد: فإن أحسن الحديث كتاب الله, وكذلك إذا كتب كتبه لما كتب لهرقل: من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم السلام على من اتبع الهدى؛ أما بعد: أسلم تَسلم, واُختلف في أول من قالها فقيل أول من قالها داوود عليه السلام, وقيل أول من قالها قس بن ساعدة, والمقصود أنه يُشرع للإنسان أن يأتي بهذه الكلمة في الخطب وفي الرسائل, ولهذا المؤلف رحمه الله قال: (أما بعد) وانتقل من الخطبة إلى الدخول في صلب الموضوع.
(المتن)
فهذا كتاب يحتوي على مباحث الإيمان.
(الشرح)
(فهذا كتاب) يعني: هذه الرسالة, (تحتوي على مباحث الإيمان) يعني: المباحث التي تتعلق بالإيمان, والإيمان هو الإقرار والتصديق بأن الله واحدٌ في ربوبيته, وواحدٌ في ألوهيته, وواحدٌ في أسمائه وصفاته؛ هذا الإيمان: التصديق بأن الله ليس له شريكٌ في ملكه, ولا في ربوبيته, ولا في أسمائه وصفاته, ولا في أفعاله, ولا في ألوهيته وعبادته, فهذا الإيمان له مباحث, هذه الرسالة تشتمل على مباحث الإيمان.
(المتن)
التي هي أهم مباحث الدين، وأعظم أصول الحق واليقين.
(الشرح)
(التي هي أهم مباحث الدين) لأن الإيمان هو الأساس التي ترتكز عليه الأعمال وتُبنى عليه الأعمال, فلذلك صارت مباحثه من أهم مباحث الدين، فأهم مباحث الدين مباحث الإيمان.
(وأعظم أصول الحق واليقين) لأن المباحث إنما تشرف بشرف الموضوع, والإيمان هو أصل الدين وأساس الملة, وهو أشرف شيء فشرفت مباحثه.
(المتن)
مستمدًا ذلك من كتاب الله الكريم.
(الشرح)
يعني يقول المؤلف رحمه الله: إن مباحث الإيمان التي سنتحدث عنها أستمدها وآخذها من الكتاب والسنة, من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(المتن)
الكفيل بتحقيق هذه الأصول تحقيقًا لا مزيد عليه ومن سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
(الشرح)
يعني يقول: إن هذه المباحث ما أتيت بها من عند نفسي, وإنما أخذتها من القرآن الكريم والسنة المطهرة.
(المتن)
التي توافق الكتاب وتفسره، وتعبر عن كثير من مجملاته، وتفصل كثيرًا من مطلقاته.
(الشرح)
يعني: السنة هي التي تفسر القرآن وتوضحه وتبين وتفصل المجمل, فالسنة المطهرة لها أحوال مع القرآن الكريم, فأحيانًا تأتي بأحكام تفصل الأحكام التي جاءت في القرآن مجملة, مثلما جاء في القرآن الكريم ذكر الصلاة, لكن ما قيل كم عدد ركعات الظهر, عدد ركعات العصر, فجاءت السنة المطهرة وفسرت هذا, وبينت أن صلاة الظهر أربع ركعات, وأن صلاة المغرب ثلاث ركعات, وصلاة الفجر ركعتان.
وكذلك أيضًا جاء القرآن الكريم ببيان وجوب الزكاة, ثم جاءت السنة بتفصيل هذا وبيان متى تجب الزكاة وتحديد النصاب, واشتراط الحول, إلى غير ذلك, فالسنة المطهرة أحيانًا تأتي تفصل الأحكام التي أجملت في القرآن الكريم, وأحيانًا تأتي تقيد المطلق, وتخصص العام, وأحيانًا تأتي بأحكامٍ جديدة كما في تحريم الجمع بين المرأة وخالتها في النكاح, هذا جاء في السنة ولم يأتي في القرآن, ومثلما جاء في تحريم كل ذي نابٍ من السباع, وتحريم كل ذي مخلبٍ من الطير, هذا جاء في السنة المطهرة.
- فالسنة لها أحوالٌ ثلاثة مع القرآن:
- إما أن تفصل الأحكام المجملة.
- وإما أن تقيد المطلق وتخصص العام.
- وإمام أن تأتي بأحكامٍ جديدة.
(المتن)
مبتدئًا بتفسيره، مثنيًا بذكر أصوله ومقوماته, ومن أي شيء يستمد؟.
(الشرح)
(مبتدئًا بتفسيره) تفسير الإيمان, (مثنيًا بذكر أصوله ومقوماته, ومن أي شيء يستمد؟) يعني: يبدأ بتفسير الإيمان, ثم بيان أصوله, ثم بيان استدلاله.
(المتن)
مثلثا بفوائده وثمراته.
(الشرح)
وبين بعد ذلك الثمرات والفوائد, فالمؤلف رحمه الله يقول: أنا أبين في هذا:
أولًا: تعريف الإيمان وحقيقته.
وثانيًا: أصوله.
وثالثًا: ما يُستمد منه.
ورابعًا: ثمراته وفوائده.
(المتن)
وما يتبع هذه الأصول.
(الشرح)
يعني وما يتبع ذلك من الأمور التي تلحق بها.
(المتن)
قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)[إبراهيم: 24-25].
(الشرح)
هذه الآية فيها ضرب الله تعالى بالمثل: ((أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً)[إبراهيم: 24]) وهي كلمة كشجرة طيبة وهي كلمة التوحيد, كلمة التوحيد إذا غُرست في القلب أثمرت الأعمال الصالحة، (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ)، النخلة، (أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)، كلمة التوحيد إذا غرست في القلب أثمرت الأعمال الصالحة.
(المتن)
فمثل الله كلمة الإيمان التي هي أطيب الكلمات بشجرة هي أطيب الأشجار، موصوفة بهذه الأوصاف الحميدة؛ أصولها ثابتة مستقرة، ونماؤها مستمر، وثمراتها لا تزال كل وقت وكل حين، (.....) على أهلها وعلى غيرهم المنافع المتنوعة، والثمرات النافعة.
(الشرح)
شجرة الإيمان مثلها الله تعالى بالشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء, كالنخلة مثلًا في العلو, أصلها ثابت وفرعها في العلو, النخلة الآن فيها فوائد في كل وقت وفي كل حين ولا يضيع منها شيء فهي لا تزال يُنتفع منها, فهي تُثمر الرطب والتمر والبسق, ومع ذلك يُنتفع منها بجميع ما يخرج من العُسب, والخوص, يُستفاد منها تُعمل حبال وزنابيب, والعُسب يُستفاد منها في سقف البيوت, والليف يُستفاد منه, والشوك يُستفاد منه, كل شيء وليس فيها شيء ييبس ويضيع, فهي منافعها وثمراتها مستمرة.
فكذلك المؤمن إذا غُرست شجرة الإيمان في قلبه أثمرت الأعمال الصالحة, القاصرة والمتعدية، تجده يعمل الأعمال الصالة: يؤدي ما أوجب الله عليه, وينتهي عما حرم الله عليه, ويتعدى نفعه إلى الآخرين, ينفع الناس بماله ينفق ويُحسن, ينفع الناس ببدنه يُعين ويساعد, ينفع الناس بتوجيهه وإرشاده وينفع الناس بشفاعته, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير».
فهو كالنخلة التي يُنتفع منها في كل وقت, فكذلك المؤمن إذا غُرست شجرة الإيمان في قلبه أثمرت الأعمال الصالحة القاصرة والمتعدية.
(المتن)
وهذه الشجرة متفاوتة في قلوب المؤمنين تفاوتًا عظيمًا.
(الشرح)
تفاوت في قلوب المؤمنين تفاوتًا عظيمًا على حسب قوة هذه الشجرة, ولهذا أنوار لا إله إلا الله يوم القيامة تظهر بين أيديهم على حسب قوة الإيمان وقوة ثبات هذه الشجرة, كلمة التوحيد إذا قويت في قلب صاحبها أحرقت جميع الشهوات والشبهات فلا يبقى ولا شبهة, وإذا ضعفت جاءت الشهوات والشبهات وفعل الإنسان المعاصي, تجد المؤمن إذا ضعف الإيمان في قلبه وضعف التوحيد في قلبه جاءت المعاصي, يتعامل الربا, قد يفعل الزنا, يغتاب الناس, ينم, يأكل أموال الناس بالباطل, وإذا قويت هذه الكلمة لا يمكن أن تقع الشهوات, تحرق جميع الشهوات والشبهات، ما يمكن أن يرابي إذا قوي إيمانه ولا يمكن أن يغش ولا يخادع ولا يأكل أموال الناس بالباطل, إنما تأتي هذه المعاصي وهذه الشهوات والشبهات بسبب ضعف الإيمان, وضعف هذه الكلمة في قلبه.
(المتن)
وهذه الشجرة متفاوتة في قلوب المؤمنين تفاوتًا عظيمًا بحسب تفاوت هذه الأوصاف التي وصفها الله بها, فعلى العبد الموفق أن يسعى لمعرفتها.
(الشرح)
ويشع النور من هذه الكلمة على حسب قوة الإيمان في قلب العبد, ويمثل لهذا بالأنوار الحسية, فمن الناس من نور الإيمان في قلبه كالشمس تحرق كل شيء, ومنهم من نور الإيمان والتوحيد في قلبه كالقمر, ومنهم كالنجم, ومنهم من نور كالسراج, ومنهم من يضعف كالسراج الضعيف وهكذا, فالناس يتفاوتون بقوة إيمانهم على حسب قوة التوحيد والإخلاص في القلب.
(المتن)
فعلى العبد الموفق أن يسعى لمعرفتها.
(الشرح)
لمعرفة كلمة التوحيد وشجرة الإيمان.
(المتن)
ومعرفة أوصافها وأسبابها، وأصولها وفروعها؛ ويجتهد في التحقق بها علمًا وعملًا, فإن نصيبه من الخير والفلاح، والسعادة العاجلة والآجلة بحسب نصيبه من هذه الشجرة.
(الشرح)
بحسب نصيبه من شجرة الإيمان, لا بد أن يتحقق أصول هذه الشجرة, ثم تأتي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر, هذه أصول الإيمان, وثمراتها ومنافعها.
(المتن)
ويجتهد في التحقق بها.
(الشرح)
يجتهد في معرفة أصول هذه الكلمة وفروعها وهي الأعمال الصالحة, ويجتهد في ما ينميها ويقويها ويمدها ويزيدها.
(المتن)
فإن نصيبه من الخير والفلاح، والسعادة العاجلة والآجلة بحسب نصيبه من هذه الشجرة.
(الشرح)
لأن الأعمال إنما هي ثمرات للإيمان, نصيبه من الخير على حسب نصيبه من هذه الشجرة.
(المتن)
قال رحمه الله: الفصل الأول.
في حد الإيمان وتفسيره.
حدود الأشياء وتفسيرها الذي يوضحها، تتقدم أحكامها؛ فإن الحكم على الأشياء فرع عن تصورها, فمن حكم على أمر من الأمور قبل أن يحيط علمه بتفسيره، ويتصوره تصورًا يميزه عن غيره أخطأ خطأ فاحشًا.
(الشرح)
يعني: الحكم على الشيء فرعٌ عن التصور, حد الشيء يعني تعريفه, فأنت تعرف الشيء ثم تحكم عليه, فأنت تعرف هذا الشيء الذي تريد أن تحكم عليه لا بد أن تعرفه, فإذا عرفته حكمت عليه, فحدود الشيء تتقدم على الحكم عليه, أما أن تحكم على الشيء وأنت لا تعرفه لا يمكن, لا بد من المعرفة أن تتقدم وتعرف هذا الشيء ثم بعد ذلك تحكم عليه, فالحكم على الشيء فرعٌ عن التصور, والتصور إنما يكون بمعرفة حقيقته.
فالمؤلف رحمه الله يقول:
أولًا: لا بد أن نعرف الإيمان, أن نعرف حقيقة الإيمان ثم بعد ذلك تأتي الحكم عليه, الإيمان معرفة حقيقة الإيمان أولًا وقبل كل شيء, ثم بعد ذلك تأتي أحكامه وثمراته.
(المتن)
أما حد الإيمان وتفسيره، فهو التصديق الجازم، والاعتراف التام بجميع ما أمر الله ورسوله بالإيمان به.
(الشرح)
هذا هو الإيمان: (التصديق الجازم، والاعتراف التام بجميع ما أمر الله ورسوله بالإيمان به) يعني تصدق تصديقًا جازمًا وتعترف اعترافًا تامًا، الإيمان بالتصديق بما أمر الله ورسوله من الأوامر, أمر الله بالصلاة تعتقد عقيدة جازمة وتصدق تصديقًا تامًا بأن الصلاة واجبة, أمر الله بالزكاة كذلك تعتقد اعتقادًا جازمًا بأن الزكاة أمرٌ واجب, أمر الله بصوم رمضان فتعتقد اعتقادًا جازمًا بأن الصوم واجب, فإن شك الإنسان أو تردد انتقض وبطل إيمانه, هذه لا بد منها ولا يتم الإيمان إلا بها, لا بد أن تصدق تصديقًا جازمًا وتعترف اعترافًا تامًا بأن الله أوجب الصلاة وأوجب الزكاة وأوجب الصوم وأوجب الحج.
وكذلك تعترف اعتراف تام وتصدق تصديق جازم بأن ما نهى الله عنه محرم ولا يجوز فعله, نهى الله عن الزنا تعتقد اعتقادًا جازمًا أن الزنا حرام وأنه لا يجوز فعله, حرم الله الربا تعتقد أن الربا حرام وأنه لا يجوز للإنسان فعله, حرم الله الرشوة, حرم الله عقوق الوالدين, حرم الله قطيعة الرحم, حرم الله العدوان على الدماء, حرم الله العدوان على الأموال, حرم الله العدوان على الأعراض بغير حق, وهكذا, فهذا هو الإيمان: التصديق الجازم، والاعتراف التام بما أمر الله ورسوله وبما نهى الله عنه ورسوله.
(المتن)
والانقياد ظاهرًا وباطنًا.
(الشرح)
هذا الأمر الثاني, أولًا: التصديق, ثانيًا: الانقياد, تصدق بوجوبه ثم تنقاد, ومعنى تنقاد يعني تفعل, تصدق تصديقًا تامًا جازمًا وتعترف اعترافًا تامًا بأن الله أوجب الصلاة, ثم تأتي المرتبة الثانية أن تنقاد بأمر الله, بمعنى أنك تنفذ وتصلي, تصدق بأن الصلاة واجبة ثم تنفذ, تصدق بأن الزكاة واجبة ثم تنفذ, تصدق بأن الصوم الذي فرضه الله واجب تنفذ وتصوم, تصدق بأن الزنا حرام ثم تنفذ وتنتهي, تكف نفسك عن الزنا, تصدق بأن الربا حرام وتنتهي, تكف نفسك وهكذا, لا بد من الانقياد.
أما إذا ادعى الإنسان أنه مؤمن ولكن لا ينقاد فهذا ما يتحقق له الإيمان, لا يتحقق الإيمان إلا بالاثنين, مثل ذلك إيمان فرعون, فرعون مصدق بالباطن, لكن ما انقاد, فما نفعه إيمانه, قال الله تعالى عن آل فرعون: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ)[النمل/14].
إبليس معترف لكن ما نفعه, قال: (ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ)[ص/79].
ولما قال الله للملائكة: اسجدوا لآدم, ومعهم إبليس, إبليس ما أنكر الأمر ولا رد الأمر لكن ما نفذ, قابل أمر الله بالإنكار وعدم الانقياد, قابل أمر الله بالاستكبار وعدم الانقياد, استكبر, وقال: أنا ما يمكن أسجد لآدم؛ لأن آدم مخلوق من الطين وأنا عنصري النار والنار أفضل من الطين فلا يمكن أن يسجد الفاضل للمفضول.
إذًا البلاء الذي جاء به إبليس هو الاستكبار وعدم الانقياد, لكنه مصدق بالباطن ما أنكر الأمر, الأمر أمامه واضح ومعترف بأن هذا أمر الله, لكن البلاء إنما جاء من عدم الانقياد, عارض أمر الله بالاستكبار, قابل أمر الله بالإباء، والاستكبار وعدم الانقياد فصار كافرًا, نسأل الله السلامة والعافية, إذًا لا بد من الإيمان أولًا ثم الانقياد ثانيًا, تؤمن ثم تنقاد.
(المتن)
والانقياد ظاهرًا وباطنًا.
(الشرح)
في الظاهر وفي الباطن, فأنت تصلي في الظاهر وتؤدي الصلوات, وتنقاد في الباطن باعتقادك أنها فريضة الله على عباده, وأن الله أوجبها, وأن لها ثمرات عظيمة, فلا بد من الانقياد باطنًا وظاهرًا مع التصديق, تصدق ثم تنقاد ظاهرًا وباطنًا.
(المتن)
فهو تصديق القلب واعتقاده المتضمن لأعمال القلوب وأعمال البدن, وذلك شامل للقيام بالدين كله.
(الشرح)
الإيمان هو التصديق, ثم تنقاد الجوارح الظاهرة والباطنة, يعمل بجوارحه باطنًا وظاهرًا؛ هذا هو الإيمان.
(المتن)
ولهذا كان الأئمة والسلف يقولون: الإيمان قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح, وهو قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية.
(الشرح)
هذا هو الإيمان الذي عرفه الأئمة، الإيمان قول وعمل: (قول القلب وقول اللسان، وعمل القلب وعمل الجوارح).
- أربعة:
- قول القلب: هو تصديقه واعترافه.
- وعمل القلب هو: النية والإخلاص.
- وقول اللسان: هو النطق, يعني: النطق بالشهادتين, ويتكلم بما أمره الله التكلم به.
- وعمل الجوارح: كالصلاة, والصيام, والزكاة, والحج.
وهذا هو ما يقوله السلف: الإيمان قولٌ باللسان, واعتقادٌ بالجنان: يعني القلب, وعملٌ بالأركان, يعني الجوارح, (يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية) إذا فعل الإنسان الطاعة زاد إيمانه وصلى وصام زاد إيمانه, وإذا فعل المعصية نقص إيمانه, وإذا فعل الأعمال الخيرية زاد إيمانه, ولهذا يقول بعض السلف: اجلس بنا نؤمن ساعة, يعني: يزداد إيماننا, فيذكرون الله ويقرؤون القرآن, إذا جلسوا وذكروا الله زاد إيمانهم, وإذا عصى الإنسان ربه نقص إيمانه وضعف إيمانه.
فالإيمان: قولٌ باللسان وتصديقٌ بالقلب وعمل بالجوارح, وعملٌ بالقلب أيضًا وإقرارٌ بالقلب يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية, هذا هو الذي عليه السلف قاطبة خلافًا للمرجئة الذين يقولون: الإيمان هو تصديق القلب, المرجئة ما يُدخلون أعمال القلوب ولا أعمال الجوارح بالإيمان ولا أقوال اللسان, يقولون: الإيمان هو تصديق القلب, وهذا باطل, والصواب أن الإيمان: تصديق القلب وعمل القلب, وقول اللسان وعمل الجوارح, وأنه يزيد وينقص.
كما سيأتي أن الله تعالى بين أن الإيمان يزيد: ( ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﮁ)[الفتح/4].
( ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﯪ)[المدثر/31].
(المتن)
فهو يشمل عقائد الإيمان، وأخلاقه، وأعماله.
(الشرح)
عقائد الإيمان: من المحبة, والخوف, والرجاء, وأعمال الإيمان: أعمال القلوب وأعمال الجوارح, كله داخل في مسمى الإيمان.
(المتن)
فالإقرار والاعتراف بما لله تعالى من الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا، والأفعال الناشئة عن أسمائه وصفاته هو من أعظم أصول الإيمان.
(الشرح)
من أصول الإيمان: الإقرار والتصديق بالباطن بما لله من الأسماء والصفات والأفعال, فأنت تثبت الأسماء التي أثبتها الله لنفسه في كتابه أو أثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم, الله تعالى سمى نفسه: الله, أعرف المعارف لفظ الجلالة لا يُطلق إلا على الله, وهو مشتمل على الألوهية, الرحمن: سمى الله نفسه الرحمن, هكذا اسم الله الرحمن مشتملٌ على صفة الرحمة, الرحيم, الملك, القدوس, السلام, المؤمن, المهيمن, العزيز, الجبار, المتكبر, الخالق, البارئ, المصور, كل هذه من أسمائه, وهي مشتملة على الصفات, تثبتها لله؛ لأن هو أثبتها لنفسه.
وتثبت ما ثبت في السنة المطهرة: «فإن الله حييٌ ستير» ستير: من أسماء الله؛ لأن الرسول أطلقها, «إن الله جميلٌ يحب الجمال» جميل من أسماء الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلقها على ربه, فما جاء إطلاقه على الله من الأسماء والصفات نثبتها لله, الأسماء والصفات توقيفية, والله تعالى وصف نفسه بالعلم: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﰍ)[الأنعام/59].
(ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ)[غافر/19].
تثبت أن من أسمائه: العليم, ومن صفاته: العلم, وهكذا, نثبت الأسماء والصفات التي وردت في الكتاب والسنة, ونُثبت الأفعال من أفعال الله: الخلق, الرزق, الإماتة, الإحياء؛ لأنه أثبتها لنفسه, فنثبتها لله عز وجل.
(المتن)
وكذلك الاعتراف بما لله من الحقوق الخاصة وهو التأله والتعبد لله ظاهرا وباطنًا من أصول الإيمان.
(الشرح)
من أصول الإيمان أن تعترف بأن التأله والتعبد باطنًا وظاهرًا لله, ولا يصلح لغيره لا لملكٍ مقرب ولا لنبي مرسل فضلًا عن غيرهما, التأله والتعبد هذا خاصًا بالله, هو الذي يستحق العبادة, تتأله وتتعبد لله بالصلاة, بالزكاة, بالصوم, بالحج, بالدعاء, بالذبح, بالنذر, التأله والتعبد حق الله, ما يستحقه غيره, فإذا صرفه الإنسان للرسول أشرك, أو لملك أو لجني أشرك بالله, التأله والتعبد محض حقٍ لله, الله تعالى له حق: لا يشرك به غيره, وهو التأله والتعبد.
والرسول صلى الله عليه وسلم له حق المحبة والتعظيم, والإتباع, والامتثال لأوامره, واجتناب نواهيه, والتعبد لله بما شرعه, ومحبته أعظم من محبة النفس والمال والولد, هذا حقه صلى الله عليه وسلم لكن لا يُعبد, التعبد والتأله حق الله لا يعطى للرسول صلى الله عليه وسلم, فالله له حق, والرسول له حق صلى الله عليه وسلم, والمؤمنون لهم حق وهكذا, كلٌ له حق وكلٌ يعطى حقه.
فالرب حقه العبادة والطاعة والمحبة, والرسول حقه الطاعة والمحبة والإتباع, والمؤمنون حقهم المحبة والاقتداء بهم في الأعمال الصالحة, ولا يجوز للإنسان أن يخلط بين الحقوق.
(المتن)
والاعتراف بما أخبر الله به عن ملائكته وجنوده، والموجودات السابقة واللاحقة؛ والإخبار باليوم الآخر، كل هذا من أصول الإيمان.
(الشرح)
من أصول الإيمان: الاعتراف بالملائكة, تعترف بالملائكة وأن لله ملائكة وأنهم أشخاص وذوات محسوسة تنزل وتصعد وتُرى وتجيء وتخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم, ولهم أعمال ووظائف وظفهم الله, فتؤمن بهذا على حسب ما ورد في الكتاب والسنة, الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله, منهم الموكل بالجبال, الموكل بالنبات, الموكل بالقطر, الموكل بالشمس, الموكل بالقمر, الموكل بالجنة, والموكل بالنار, والموكل بالنطفة حتى يتم خلقها, والموكل بكتابة الأعمال, والموكل بحفظ العباد, والموكل بالسموات والتعبد لله في السموات, وهكذا.
فكل حركة في السموات والأرض فهي ناشئة عن الملائكة بإذن الله الكوني, فلا بد من الإيمان بهذا, الإيمان بالملائكة, والإيمان بما يكون باليوم الآخر, الإيمان بالبعث والنشور والجزاء والحساب, وما يتبع ذلك من أمور البرزخ, سؤال منكر ونكير, وعذاب القبر ونعيمه, إلى غير ذلك من الأمور التي تتعلق باليوم الآخر, وبالجنة والنار, والحساب, والشفاعة, والصراط, والميزان, والحوض؛ والجنة والنار كل هذا لا بد من الإيمان به.
(المتن)
وكذلك الإيمان بجميع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم.
(الشرح)
كذلك هذا من أصول الإيمان, الإيمان بالرسل, نؤمن بأن الله تعالى أرسل رسلًا إلى الخلق لإنقاذهم من الظلمات؛ من ظلمات الشرك إلى نور العلم والإيمان واليقين, وأن رسالتهم خيرٌ وهدى, ونؤمن بما سمى الله في كتابه بأسمائهم, ومن لم يسمى فإنا نؤمن به إجمالًا, الله تعالى سمى لنا رسل في سورة الأنعام, وفي سورة النساء, سمى الله منهم خمسًا وعشرين, قال تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ)[الأنعام/83-86].
وقال في سورة النساء: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ)[النساء/163-164].
فما ذُكر في الكتاب والسنة نؤمن بأسمائهم, وما لم يُذكر نؤمن بهم إجمالًا وأن لله ملائكة ورسل أرسلهم إلى الخلق لهدايتهم لا يعلم أسمائهم عددهم إلا هو سبحانه وتعالى.
(المتن)
وما وصفوا به في الكتاب والسنة من الأوصاف الحميدة؛ كل هذا من أصول الإيمان.
(الشرح)
ما وُصف به الرسل عليهم السلام بأنهم أفضل الناس وخير الناس وأتقى الناس وأعبد الناس, وأفضلهم نبينا صلى الله عليه وسلم قال: «أنا أخشاكم لله وأتقاكم له», فنبينا صلى الله عليه وسلم أتقى الناس, وأزهد الناس, وأفضل الناس, وأشجع الناس بجميع صفاتهم صلى الله عليه وسلم, ثم يليه إخوانه من الأنبياء والمرسلين, ثم الصحابة رضوان الله عليهم أفضل الناس بعد الأنبياء, فلا بد من الإيمان بهذا.
(المتن)
كما أن من أعظم أصول الإيمان؛ الاعتراف بانفراد الله بالوحدانية والألوهية.
(الشرح)
هذا أيضًا من أصول الإيمان؛ (الإيمان بانفراد الله بالوحدانية والألوهية) وأنه واحد سبحانه وتعالى في ذاته ليس له مثيل, لا يشبه ذاته شيءٌ من الذوات, وهو واحدٌ في صفاته وأسمائه لا يشبه صفاته صفات المخلوقين, وأسمائه لا تشبه أسماء المخلوقين, واحدٌ في ألوهيته فلا يستحق العبادة غيره, وواحدٌ في أفعاله لا تشبه أفعال المخلوقين, وهكذا فلا بد من الإيمان بهذا, والواحدانية هي: وحدانية ربوبيته وأسمائه وصفاته وأفعاله.
(المتن)
وعبادة الله وحده لا شريك له، وإخلاص الدين لله.
(الشرح)
كل هذا منفردٌ به الله, إخلاص الدين يكون لله, والألوهية لله عز وجل, ولا يُتأله غيره سبحانه وتعالى.
(المتن)
والقيام بشرائع الإسلام الظاهرة، وحقائقه الباطنة, كل هذا من أصول الإيمان.
(الشرح)
(والقيام بشرائع الإسلام الظاهرة) من الصلاة, والزكاة, والصوم, والحج, (وحقائق الإيمان الباطنة) من التوكل, والرغبة، والرهبة, والخوف, والرجاء, والإنابة, كلها خاصة بالله عز وجل لا يشاركه فيها أحد.
(المتن)
ولهذا رتب الله على الإيمان دخول الجنة والنجاة من النار.
(الشرح)
(رتب الله على الإيمان دخول الجنة والنجاة من النار) وإذا كان الإيمان كامل يفعل المسلم الواجبات وينتهي عن المحرمات صار من أهل الجنة والكرامة ودخل الجنة من أول وهلة, وكفر الله سيئاته ورفع درجاته، قال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ)[الأنفال/2-4]؛ هذه أوصاف المؤمنين الكُمل, وعدهم الله بالدرجات (أولئك لهم درجات عند ربهم) في الجنة, ومغفرة لذنوبهم, ورزق كريم.
(المتن)
ورتب عليه رضوانه والفلاح والسعادة, ولا يكون ذلك إلا بما ذكرنا من شموله للعقائد وأعمال القلوب، وأعمال الجوارح.
(الشرح)
هذا شاملٌ لهذا, العقائد: عقيدة الإنسان في ربه بأنه هو مستحق العبادة, وأنه الواحد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله, وكذلك العقائد عقائد الإيمان أن يعتقد الإنسان في الملائكة, وفي الكتب المنزلة والرسل, والبعث واليوم الآخر, والقدر, وكذلك أيضًا الأعمال التي جاء بها الشرع, الأعمال الواجبة يفعلها المسلم, والمحرمات يكف نفسه عنها خوفا وتعظيمًا وإجلالًا لله عز وجل وطمعًا فيما عنده.
(المتن)
لأنه متى فات شيء من ذلك حصل من النقص وفوات الثواب، وحصول العقاب بحسبه.
(الشرح)
إذا فات شيءٌ من ذلك فات الإنسان الثواب وحصل على العقوبة بحسب هذا النقص, فإذا نقص الإنسان شيءٌ من الأعمال يعني أن قصر في بعض الواجبات تعرض لسخط الله وعقوبته, أو فعل شيء من المحرمات كالزنا, والسرقة, وشرب الخمر, أو الغش أو الربا تعرض لعقوبة الله, وفاته شيءٌ من الثواب وتعرض لسخط الله وعقوبته؛ لأنه انتقص شيءٌ من أعمال الإيمان, إما قصر في بعض الواجبات أو ارتكب شيء من المحرمات.
(المتن)
بل أخبر الله تعالى أن الإيمان المطلق تنال به أرفع المقامات في الدنيا، وأعلى المنازل في الآخرة فقال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ)[الحديد: 19].
والصديقون هم أعلى الخلق درجة بعد درجة الأنبياء في الدنيا، وفي منازل الآخرة.
(الشرح)
الإيمان المطلق تُنال به أرفع الدرجات, والإيمان المطلق المراد به إذا أُطلق الإيمان المطلق هو الذي يشمل امتثال الأوامر واجتناب النواهي, هذا الإيمان المطلق, الإيمان المطلق هو الذي يمتثل صاحبه جميع الأوامر وينتهي عن النواهي, وصفهم الله بالصديقية: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭧ)[الحديد/19].
والصديق: صيغة مبالغة, والمعني: الصديق الذي قوي تصديقه وإيمانه بالله ورسوله فدفعه هذا التصديق والإيمان القوي إلى امتثال الأوامر واجتناب النواهي, والصديقون مرتبة تلي مرتبة الأنبياء, أرفع مراتب الناس الأنبياء, ثم تليهم الصديقون, ثم يليهم الشهداء, ثم يليهم الصالحون: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮌ)[النساء/69].
ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه يومًا: «إن أهل الجنة يتفاوتون في مراتبهم, وإن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف العالية فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق في المشرق أو المغرب» لبعد ما بينهم, فالجنة درجات وكل درجة عليا أعظم نعيم من التي في الأسفل, بعض أهل الجنة يرى الغرف العالية مثل ما نرى الكوكب في السماء، الغابر في المشرق أو في المغرب.
فقال الصحابة: «يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم, فقال: بلى والذي نفسي بيده رجالٌ آمنوا بالله وصدقوا المرسلين» يعني: ينال هذه المراتب رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين, فقوله: «آمنوا بالله» هذا الإيمان المطلق, آمنوا بالله يعني إيمانًا يشمل امتثال الأوامر واجتناب النواهي, إذا أُطلق الإيمان شمل أداء الواجبات والانتهاء عن المحرمات: «بلى والذي نفسي بيده رجالٌ آمنوا بالله وصدقوا المرسلين».
كما في هذه الآية الكريمة: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭧ)[الحديد/19].
أعطاهم درجة الصديقية لأنهم أتوا بالإيمان المطلق الذي يشمل امتثال الأوامر واجتناب النواهي.
(المتن)
وأخبر في هذه الآية أن من حقق الإيمان به وبرسله، نال هذه الدرجة.
(الشرح)
لاشك أن من حقق الإيمان بالله ورسله نال درجة الصديقية, ولهذا نالها أبو بكر رضي الله عنه صديق هذه الأمة أبو بكر, أفضل الناس بعد الأنبياء أبو بكر الصديق, سمي الصديق لقوة تصديقه, وذلك أن إيمانه وتصديقه قوي أحرق جميع الشهوات والشبهات, فلا يأتي على شبهة إلا أحرقها, ولا شهوة إلا أحرقها, فكمل إيمانه وتصديقه فصار ممتثلًا للأوامر ومجتنبًا للنواهي.
ومن قوة تصديقه رضي الله عنه أنه في أول البعثة كان هو أول من آمن بالنبي من الرجال رضي الله عنه, ولما أُسري بالنبي صلى الله عليه وسلم وعُرج به, أُسري به من مكة إلى بيت المقدس على البراق في ليلة واحدة, وكان البراق دابة فوق الحمار ودون البغل, ويضع حافره في منتهى الطرف, ولهذا قطع المسافة بين مكة وبيت المقدس في ساعات, ثم أتي بالمعراج وعرج به عليه الصلاة والسلام، وتجاوز السبع طباق, وبين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام, وأصبح في هذه الليلة, في ليلة واحدة، أُسري به إلى بيت المقدس وعُرج به, ولما أخبر قريش صاروا يتعجبون ويستهزئون ويسخرون, قالوا: انظر إلى محمد يزعم أنه ذهب إلى القدس في ليلة واحدة ونحن الآن عيرنا يمضي عليها مسافة شهر, ما كانت مواصلات الآن, كانوا على الإبل والخيل, ويزعم أنه وصل إلى السماء, وجعلوا يسخرون به، ويتهكمون به.
ثم جاءوا إلى أبي بكر وقالوا: ألم تعلم ماذا يقول صاحبك؟ إنه يقول كذا وكذا وأنه أتى بيت المقدس وأنه أتى إلى السماء, فقال رضي الله عنه: «إن كان قد قال ذلك فقد صدق» ولذلك سمي الصديق, ولم يتلكأ رضي الله عنه، لقوة إيمانه وتصديقه.
(المتن)
ويفسر ذلك ويوضحه ما ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم، قال: «إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف في الجنة، كما تراءون الكوكب الشرقي أو الغربي في الأفق؛ لتفاضل ما بينهم, فقالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم, قال: بلى
والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين».
(الشرح)
هذا الشاهد: «رجال آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين» آمنوا بالله: هذا إيمان مطلق, المراد آمنوا بالله وأدوا الواجبات وانتهوا عن المحرمات التي هي حقوق الإيمان.
(المتن)
وإيمانهم بالله وتصديقهم للمرسلين في ظاهرهم وباطنهم.
(الشرح)
يعني: إيمانهم وتصديقهم في الظاهر وفي الباطن, في الباطن يعتقدون في قرارة نفوسهم ويصدقون تصديقًا جازمًا وتامًا بأن هذا حق, وأن الله هو المستحق للعبادة, وجوارحهم تعمل, الباطن مصدق والظاهر يعمل, الجوارح الظاهرة تعمل، والباطن مصدق، جمعوا بين الأمرين، تصديق في الباطن وعمل في الظاهر.
(المتن)
في عقائدهم وأخلاقهم وأعمالهم.
(الشرح)
في العقائد: من الإيمان بالله, وملائكته, وكتبه, ورسله, واليوم الآخر والقدر.
والأعمال: الصلاة, والزكاة, والصوم.
الأخلاق: أيضًا ما يعاملون به الناس من حُسن الخلق, وبذل المعروف, وكف الأذى, وبسط الوجه, إلى غير ذلك.
(المتن)
وفي كمال طاعتهم لله ولرسله, فقيامهم بهذه الأمور، به يتحقق إيمانهم بالله وتصديقهم للمرسلين.
(الشرح)
يتحقق إيمانهم بالعمل, لكن الذي لم يعمل لا يتحقق إيمانه, ولهذا لما ادعى فرعون الإيمان وأنه مصدق في الباطن, لما لم يعمل ما تحقق إيمانه وصار مستكبرًا, وكذلك إبليس لما كان معترفًا لكن لم يتحقق إيمانه صار كافرًا, الإيمان في الباطن لا بد له من عمل يتحقق به, بعض الناس يقول: إذا قلت يا فلان اتقِ الله اترك هذا, قال: الإيمان في القلب, أنا قلبي فيه إيمان, نقول: إذا كان في قلبك إيمان لا بد أن تظهره بالجوارح, الكفر في القلب أيضًا, والنفاق في القلب, والمعاصي في القلب, والبدع في القلب, إذا كان الإيمان في القلب لا بد أن تنبعث الجوارح على العمل.
(المتن)
وقد أمر الله في كتابه بهذا الإيمان العام الشامل، وما يتبعه من الانقياد والاستسلام، وأثنى على من قام به؛ فقال في أعظم آيات الإيمان: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)[البقرة: 136].
(الشرح)
هذا أمرٌ بالإيمان: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﮂ) [البقرة/136].
هذا أمرٌ بالإيمان ويتبعه الاستسلام والانقياد بالعمل؛ لأن الإيمان في الباطن يبعث على الانقياد في الظاهر, فإذا لم يبعث على الانقياد في الظاهر ما نفع, وما تحقق, كإيمان إبليس وفرعون لما لم يكن عندهم انقياد بالعمل لم يتحقق هذا الإيمان وصار لاغيًا باطلًا لا قيمة له, نسأل الله السلامة والعافية.
(المتن)
فأمر الله عباده بالإيمان بجميع هذه الأصول العظيمة.
(الشرح)
(ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﮂ)[البقرة/136].
وفي قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﮈ)[البقرة/177]؛ هذه الأصول: الإيمان بالله, والكتاب, والملائكة, والنبيين.
وقال تعالى: ( ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ)[النساء/136].
فالكفر بهذه الأصول، تدل على أن الإيمان هو الإيمان بهذه الأصول, مع قوله: (ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ)[القمر/49].
هذه أصول الإيمان: الإيمان بالله, الإيمان بالملائكة, الإيمان بالكتب, الإيمان بالرسل, الإيمان باليوم الآخر, الإيمان بالقدر.
(المتن)
والإيمان الشامل بكل كتاب أنزله الله، وبكل رسول أرسله الله.
(الشرح)
هذا لا بد منه وهذا من أصول الإيمان, كل كتاب أنزله الله نؤمن به إجمالًا, وما ذُكر في القرآن تفصيلًا نؤمن به تفصيلًا: القرآن, التوراة, الإنجيل, الزبور, وصحف إبراهيم, وصحف موسى, هذه سميت فنؤمن بها بأسمائها, وما لم يذكر نؤمن به إجمالًا, وكذلك الرسل نؤمن بهم إجمالًا وتفصيلًا, تفصيلًا فيما سمى الله في كتابه وعلى لسان رسوله, وإجمالًا بما لم يسمى.
(المتن)
وبالإخلاص والاستسلام.
(الشرح)
بإخلاص العمل لله, والاستسلام يعني الانقياد للأوامر والنواهي, يفعل المسلم الأوامر ويترك النواهي.
(المتن)
والانقياد له وحده بقوله: (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)[البقرة: 136].
(الشرح)
له: يعني نخصه وحده, له لا لغيره: ( ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ)[البقرة/133].
نحن له: لله مسلمون لا لغيره, فلا يدخل في ذلك أي ملك, نحن له مسلمون منقادون مستسلمون منقادون لله لا لغيره من ملكٍ أو نبيٍ أو غيره, نحن له لا لغيره، لله, الاستسلام والانقياد لله بالتوحيد, والانقياد له بالطاعة, والبراءة من الشرك وأهله.
(المتن)
كما أثنى على المؤمنين في آخر السورة بالقيام بذلك فقال: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)[سورة البقرة: 285].
(الشرح)
هذا الثناء على المؤمنين, إيمانٌ بالله وملائكته وكتبه ورسله.
(المتن)
فأخبر أن الرسول ومن معه من المؤمنين، آمنوا بهذه الأصول ولم يفرقوا بين أحد من الأنبياء بل آمنوا بهم جميعًا، وبما أوتوه من عند الله؛ وأنهم التزموا طاعة الله، فقالوا: سمعنا وأطعنا وطلبوا من ربهم أن يحقق لهم ذلك وأن يعفو عن تقصيرهم ببعض حقوق الإيمان، وأن مرجع الخلائق كلهم ومصيرهم إلى الله يجازيهم بما قاموا به من حقوق الإيمان، وما ضيعوه منها, كما قال تعالى عن أتباع الأنبياء عيسى وغيره إنهم قالوا:(رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)[آل عمران: 53].
(الشرح)
الله أثنى على المؤمنين في إيمانهم بالله وملائكته وكتبه ورسله: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﯖ)[البقرة/285] .
وأثنى عليهم بالانقياد: ( ﮭ ﮮ ﮯ ﯖ)[البقرة/285].
ثم سألوا الله المغفرة عن التقصير، وأن إلى الله المرجع والمصير.
وكذلك أثنى على الحواريين أتباع عيسى وهم خواصه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ)[آل عمران/53].
(المتن)
فآمنوا بقلوبهم، والتزموا بقلوبهم.
(الشرح)
يعني التزموا بحقائق الإيمان, (آمنوا بقلوبهم) صدقوا والتزموا أيضًا بالقلوب وبالجوارح بأن أتوا بحقائق الإيمان من المحبة, والخوف, والرجاء, والرغبة, والرهبة, وكذلك أعمال الجوارح.
(المتن)
وانقادوا بجوارحهم وسألوا الله أن يكتبهم مع الشاهدين له بالتوحيد وأن يحقق لهم القيام به قولًا، وعملًا، واعتقادًا.
(الشرح)
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ)[آل عمران/53].
(المتن)
وقال تعالى: (إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)[الأنفال: 2 - 4].
(الشرح)
هذا وصف المؤمنين الكُمل, وصفهم الله بأعمال القلوب وأعمال الجوارح: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭸ) [الأنفال/2].
وصفهم بأنهم أوجلوا القلوب عند ذكر الله, وهذا من عمل القلب: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭸ)[الأنفال/2]؛ زيادة الإيمان عند تلاوة القرآن.
( ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ)[الأنفال/2]؛ وصفهم بالتوكل على الله والاعتماد على الله بقلوبهم مع فعل الأسباب.
(ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ)[الأنفال/3]؛ هذه من أعمال الجوارح.
ثم حكم عليهم بالإيمان قال: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮌ)[الأنفال/4]؛ فهم المؤمنون الكُمل.
ثم وعدهم على ذلك, قال: ( ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ)[الأنفال/4].
لهم درجات في الجنة ومغفرة لذنوبهم, ورزق كريم: وهو ما يعطونه من النعيم في الجنة, نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.
(المتن)
فوصف الله المؤمنين بهذه الصفات المتضمنة للقيام بأصول الدين وفروعه، وظاهره وباطنه, فإنه وصفهم بالإيمان به إيمانا ظهرت آثاره في عقائدهم وأقوالهم وأعمالهم الظاهرة والباطنة، وأنه مع ثبوت الإيمان في قلوبهم يزداد إيمانهم كلما تليت عليهم آيات الله، ويزداد خوفهم ووجلهم كلما ذُكر الله وهم في قلوبهم وسرهم متوكلون على الله، ومعتمدون في أمورهم كلها عليه، ومفوضون أمورهم إليه, وهم مع ذلك يقيمون الصلاة فرضها ونفلها يقيمونها ظاهرًا وباطنًا ويؤتون الزكاة، وينفقون النفقات الواجبة والمستحبة, ومن كان على هذا الوصف فلم يبق من الخير مطلبًا، ولا من الشر مهربًا.
(الشرح)
هذا كله شرح للآية كما سبق.
(المتن)
ولهذا قال: (أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا).
(الشرح)
هذا حق, حكم عليهم بكمال الإيمان: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮌ)[الأنفال/4]؛ بخلاف العاصي فلا يقال أنه مؤمن, بل يُقال: ليس بمؤمن حقًا, ليس بصادق الإيمان, بخلاف المؤمن المطيع يُقال: هو مؤمن بإطلاق, أما العاصي فلا يُقال مؤمنًا, بل لا بد أن تقيد ولا تقول: ليس بمؤمن, العاصي الذي يرتكب الكبائر لا تقول: مؤمن, ولا تقول: ليس بمؤمن, إذا قلت مؤمن تكون غلطان, وإذا قلت ليس بمؤمن تكون غلطان, إذا ماذا تعمل؟ قيد في الإثبات وفي النفي.
في الإثبات قل: مؤمنٌ ناقص الإيمان, مؤمنٌ ضعيف الإيمان, مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرة.
وفي النفي لا تقل: ليس بمؤمن؛ لأن هذا مذهب الخوارج, لأنك لو نفيت عنه الإيمان كفرته مثل حكم الخوارج, العاصي لا يكفر, بل تقول: ليس بصادق الإيمان, ليس بمؤمنٍ حقًا, أما المؤمن المطيع تقول: هو مؤمن حقًا, مؤمنٌ صادق الإيمان.
(المتن)
ولهذا قال: (أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) الذين يستحقون هذا الوصف على الحقيقة، ويحققون القيام به ظاهرًا وباطنًا, ثم ذكر ثوابهم الجزيل.
(الشرح)
كقوله: ( ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ)[الأنفال/4].
(المتن)
ثم ذكر ثوابهم الجزيل المتضمن لزوال كل شر ومحذور، ورفعة الدرجات عند ربهم، والرزق الكريم المتضمن من النعم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
وقال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[المؤمنون: 1 - 11].
(الشرح)
هذه أوصاف المؤمنين: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [المؤمنون/1]؛ وصفهم بهذه الصفة, وهي الفلاح.
(ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ)[المؤمنون/3]؛ كل ما يسمى لغو من الرفث، والغناء وغيره.
(ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ)[المؤمنون/4]؛ الزكاة الواجبة والمنقية لنفوسهم.
(ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [المؤمنون/6]؛ إلا من استثناهم الله.
(ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ)[المؤمنون/9]؛ ست صفات.
ثم قال: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ)[المؤمنون/11].
هذه صفاتهم ورثوا الفردوس بالإيمان وهذه الصفات, وهذه الأعمال التي هي ثمرة الإيمان, هذه ثمرة الإيمان, فورثوا الفردوس بالإيمان وثمراته.
(المتن)
ففسر الله الإيمان في هذه الآيات بجميع هذه الخصال, فإنه أخبر بفلاح المؤمنين، ثم وصفهم بقوله: (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)، إلى آخر الآيات المذكورة, فمن استكمل هذه الأوصاف فهو المؤمن حقًا, ومضمونها القيام بالواجبات الظاهرة والباطنة، واجتناب المحرمات والمكروهات, وبتكميلهم للإيمان استحقوا وراثة جنات الفردوس التي هي أعلى الجنات.
(الشرح)
كمل هذه الصفات فلا بد أن يأتي ببقية الأعمال, ومن انتقص شيئًا منها فاته من الربح بقدر ما فاته من هذه الخصال وهذه الأعمال.
(المتن)
كما أنهم قاموا بأعلى الكمالات, وهذه صريحة في أن الإيمان يشمل عقائد الدين، وأخلاقه، وأعماله الظاهرة والباطنة, ويترتب على ذلك؛ أنه يزيد بزيادة هذه الأوصاف والتحقق بها، وينقص بنقصها، وأن الناس في الإيمان درجات متفاوتة بحسب تفاوت هذه الأوصاف.
(الشرح)
كل هذا صحيح, الإيمان يزيد وينقص, والناس يتفاوتون في الإيمان على حسب تفاوتهم في الأعمال, والقيام بأعمال الإيمان.
(المتن)
ولهذا كانوا ثلاث درجات: سابقون مقربون، وهم: الذين قاموا بالواجبات والمستحبات، وتركوا المحرمات والمكروهات، وفضول المباحات.
ومقتصدون، وهم: الذين قاموا بالواجبات، وتركوا المحرمات.
وظالمون لأنفسهم، وهم: الذين تركوا بعض واجبات الإيمان، أو فعلوا بعض المحرمات، كما ذكرهم الله بقوله.
(الشرح)
- هذه الأقسام الناس, ثلاثة أقسام:
- سابقون ويقال لهم المقربون.
- مقتصدون يُقال لهم أصحاب اليمين.
- ظالمين لأنفسهم.
فالسابقون المقربون هم الذين أدوا الفرائض والواجبات, وتركوا المحرمات والمنهيات, ثم زادوا صار عندهم نشاط، بعد أن أدوا الواجبات فعلوا المستحبات، والنوافل, أدوا الفرائض: الصلوات, يؤدون النوافل: السنن الرواتب, صلاة الضحى, صلاة الليل, الصيام, يصوموا رمضان, ثم يفعلون بعض النوافل: يصوموا الاثنين والخميس, أو ثلاثة أيام من كل شهر, وستة أيام من شوال وما أشبه ذلك, والزكاة يؤدنها, ثم يتصدقون، وهكذا.
فإذًا أدوا الواجبات ثم فعلوا المستحبات والنوافل, وتركوا المحرمات, تركوها، وتركوا مع ذلك المكروهات كراهة تنزيه, وتركوا فضول المباحات؛ التوسع في المباحات حتى لا يقعوا في المكروهات, درجة عالية، هؤلاء في أعلى الجنة.
ثم تأتي الطبقة الثانية من المؤمنين: يسمون أصحاب اليمين المقتصدون, أدوا الواجبات وتركوا المحرمات, لكن ما صار عندهم نشاط مثل الأولين السابقين يفعلون المستحبات والنوافل لا, اقتصروا على أداء الواجبات والنوافل ما صار عندهم نشاط, وتركوا المحرمات ما يفعلونها لكن قد يفعلون بعض المكروهات كراهة تنزيه, وقد يتوسعوا في المباحات, فدرجتهم أقل من درجة أولئك, لكن كلٌ من الصنفين يدخل الجنة؛ لأنه أدى ما أوجب الله عليه وترك ما حرم الله عليه.
ثم تأتي الطبقة الثالثة: الظالمون لأنفسهم, وهم الذين قصروا في بعض الواجبات أو فعلوا بعض المحرمات, لكن هم موحدون ما وقعوا في الشرك, موحدون مؤمنون مصدقون ما وقعوا في الشرك الأكبر ولا في النفاق الأكبر ولا في الكفر الأكبر, لكن وقعوا في المعاصي, قد يفعل الزنا, تغلبه نفسه فيزني, قد تغلبه نفسه فيتعامل بالربا وهو يعتقد أنه حرام لا يعتقد أنه مباح.
لو اعتقد أن الزنا حلال أو الربا حلال صار مرتد, وصار كافرًا, لكن تغلبه حب المال فيتعامل بالربا, أو يأكل الرشوة, أو يغش في البيع والشراء, تغلبه نفسه فيقع في الزنا أو في الغيبة أو في النميمة هؤلاء على خطر؛ الظالمون لأنفسهم, منهم من يُعفى عنه, ومنهم من تصيبه أهوال وشدائد الذنوب، ومنهم من يُعذب في قبره كما في قصة الرجلين في حديث ابن عباس, أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال: «إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير, أما أحدهما: فكان يمشي بالنميمة, وأما الآخر: فكان لا يستنزه من البول».
ومنهم من تصيبه أهوال وشدائد في موقف القيامة, ومنهم من يستحق دخول النار فيُشفع فيه, ومنهم من يعفو الله عنه, ومنهم من يدخل النار, ولا بد أن يدخل النار جملة منهم, تواترت الأخبار أنه يدخل النار جملة من أهل الكبائر مؤمنون, مصدقون, موحدون, مصلون أيضًا, ولا تأكل النار وجوههم, لكن دخلوها بالمعاصي والكبائر, هذا دخلها بأنه مات على الزنا من غير توبة, وهذا مات على الربا من غير توبة, هذا مات على الرشوة من غير توبة, هذا مات على عقوق الوالدين, هذا مات على قطيعة الرحم, يعذبون على حسب جرائمهم.
وبعضهم يطول مكثه فيها لشدة جرائمه وكثرتها؛ كالقاتل نسأل الله السلامة والعافية, ثم يخرجون منها بشفاعة الشافعين, يشفع فيهم نبينا صلى الله عليه وسلم أربع شفاعات في كل مرة يحد الله له حدا, وكذلك الأنبياء يشفعون, والأسباط يشفعون, والشهداء يشفعون, والصالحون يشفعون, والملائكة يشفعون, فتبقى بقية لا تنالهم الشفاعة, فيخرجهم رب العالمين برحمته, وفي النهاية لا بد أن يخرجوا, يقول الرب عز وجل شفعت الملائكة وشفع النبيين فلم يبقى إلا رحمتي وأنا أرحم الراحمين, فيخرج قومًا من النار لم يعملوا خيرًا قط, يعني: زيادة على التوحيد والإيمان.
لا يبقى أحد, في النهاية جميع الموحدين يُخرجون, ويخرجون منها وقد امتحشوا، صاروا فحم, فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل, فإذا هُذبوا ونُقوا قيل لهم: ادخلوا الجنة, فإذا تكامل خروج عصاة الموحدين, أطبقت النار على الكفرة بجميع أقسامها لا يخرجون منها أبد الآباد, من اليهود والنصارى, والوثنيين, والشيوعيين, والملاحدة, والمنافقون في الدرك الأسفل من النار, كما قال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ)[الهمزة/8]يعني: مطبقة مغلقة.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ)[المائدة/37].
وقال تعالى: ( ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ)[البقرة/167].
(ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ)[النبأ/23]؛ وهي مدد متطاولة، كل ما انتهى حقب من السنين، يعقبه حقب إلى ما لا نهاية.
وقال سبحانه: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ)[الإسراء/97].
من مات على الكفر والشرك لا حيلة فيه, ولا تنفعه شفاعة أحد, ولا يدفع عنه عذاب الله أحد, ولو كان له ملء الأرض ذهبا ما نفع، لا حيلة فيه أما من مات على التوحيد فهذا من أهل الجنة والكرامة, ولكن من مات على توحيدٍ سالم من الشرك والبدع والكبائر دخل الجنة من أول يوم, وإن مات على إيمان ضعيف ملطخ بالكبائر والمعاصي فإنه على خطرٍ من العذاب.
(المتن)
قال الله تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)[سورة فاطر: 32].
(الشرح)
هذه أصناف المؤمنين: ( ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭺ)[فاطر/32].
ثم بين أنهم يدخلون الجنة, قال: (ﭻ ﭼ ﭽ ﮉ)[فاطر/33].
كل الأصناف الثلاثة, والصنف الرابع: الكفرة, ليسوا منهم.
(المتن)
وقد يعطف الله على الإيمان الأعمال الصالحة أو التقوى أو الصبر، للحاجة إلى ذكر المعطوف, لئلا يظن الظان أن الإيمان يكتفي فيه بما في القلب, فكم في القرآن من قوله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ).
(الشرح)
يقول: قد يعطف العمل على الإيمان، وهو من الإيمان لكن لأهميته.
(المتن)
ثم يذكر خبرًا عنهم, والأعمال الصالحات: من الإيمان، ومن لوازم الإيمان.
(الشرح)
يعني: جزء من الإيمان ومن ثمرة الإيمان, الأعمال الصالحة: الصلاة, الزكاة, الصوم, الحج, بر الوالدين, صلة الرحم, إحسانه إلى الناس, كف الأذى, كل هذه من ثمرات الإيمان وهو جزء من الإيمان ومن لوازم الإيمان.
(المتن)
وهي التي يتحقق بها الإيمان.
(الشرح)
لا يتحقق الإيمان إلا بها, من يدعي أنه مؤمنٌ بقلبه ولكنه ما يعمل ما تحقق الإيمان, وصار إيمانه كإيمان إبليس وفرعون, لا بد تعمل, تنقاد, فإذا ما عملت صار إيمان هذه المدة كإيمان إبليس وفرعون؛ لأن إبليس مدعي أنه مؤمن بالباطن, وكذلك فرعون, لكن ما في انقياد ولا عمل, ما صار إيمان، ما تحقق الإيمان.
(المتن)
فمن ادعى أنه مؤمن وهو لم يعمل بما أمر الله به ورسوله من الواجبات، ومن ترك المحرمات فليس بصادق في إيمانه.
(الشرح)
هذه دعواه, والدعاوي لا بد لها من دليلٍ يدل عليها ويُثبتها, فمن ادعى أنه مؤمن لكن ما يعرف, الشخص هذا مؤمن إيمان بالقلب إذا قلت له: تصلي؟ يقول: لا, تصوم؟ يقول: لا, تزكي؟ يقول: لا, تترك المحرمات؟ لا, كيف تكون؟ قال: إيماني في القلب, قلنا هذا الذي في القلب ما ندري عنه, وما تحقق لا بد من أعمال يتحقق بها, حتى تكون لا تكون كاذب في دعوتك.
(المتن)
كما يقرن بين الإيمان والتقوى، في مثل قوله تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)[يونس: 62 - 63].
(الشرح)
قرن بها بين الإيمان والتقوى.
(المتن)
فذكر الإيمان الشامل لما في القلوب من العقائد والإرادات الطيبة، والأعمال الصالحة, ولا يتم للمؤمن ذلك حتى يتقي ما يسخط الله من الكفر والفسوق والعصيان, ولهذا حقق ذلك بقوله: (وَكَانُوا يَتَّقُونَ).
(الشرح)
يعني: لا بد في الإيمان من الاعتقادات والإرادات والأعمال؛ أعمال القلوب, ولا بد أن يتم ذلك حتى يتقي غضب الله وسخطه, بترك المعاصي وأداء الواجبات.
(المتن)
كما وصف الله بذلك خيار خلقه، بقوله: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[الحجرات: 7 - 8].
(الشرح)
وهذا من فضله وإحسانه, حبب إليهم الإيمان وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان, فهي نعمة دينية خص الله بها المؤمن, ولهذا قال: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮘ)[الحجرات/8].
والكافر خذله الله عدلًا منه وحكمة, فلم يوفق للإيمان.
(المتن)
فهذه أكبر المنن: أن يحبب الله الإيمان للعبد، ويزينه في قلبه، ويذيقه حلاوته، وتنقاد جوارحه للعمل بشرائع الإسلام، ويبغض الله إليه أصناف المحرمات, والله عليم بمن يستحق أن يتفضل عليه بهذا الفضل، حكيم في وضعه في محله اللائق به.
(الشرح)
يعني: أن هذا التوفيق من الله تعالى للعبد المؤمن وتحليه بالإيمان وتزيينه في قلبه هذا فضلًا منه وإحسانًا؛ لأنه سبحانه عليم بالمحل الذي يصلح لغرس شجرة الإيمان فيوفقه, وأما الكافر فإن الله خذله عدلًا منه وحكمة ولا يكن هذا ظلمًا؛ لأن الله ما منعه شيئًا يستحقه, فالإيمان ملكه سبحانه وتعالى, إنما الظلم أن تمنع الإنسان من حقه, الظلم الذي نزه الله نفسه عنه: ( ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ)[فصلت/46].
أن يمنع أحدًا من ثواب عمله أو يحمله أوزار غيره, هذا هو الظلم, والله تعالى إذا ما خذل الكافر فهذا عدلًا منه وحكمة؛ لأن الإيمان ملكه سبحانه وتعالى يعطيه من يشاء وفق علمه وحكمته, ويمنعه من يشاء حكمةً منه وعدلًا.
فالله تعالى خذل الكافر حكمة وعدل وهو عليم بأن الكافر لا يصلح لغرس شجرة الإيمان, وذاته غير صالحة, وغير قابلة, فلذلك خذله, وأما المؤمن فإن الله تعالى غرس في قلبه شجرة الإيمان فضلًا منه ومِنة لعلمه سبحانه وتعالى أن ذاته تصلح لغرس شجرة الكرامة.
(المتن)
كما ثبت في الصحيح من حديث أنس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم، قال: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يرجع عن دينه، كما يكره أن يقذف في النار».
(الشرح)
هذا رواه البخاري في الصحيح عن أنس؛ لأن هذه الثلاث من وجدت فيه وجد لذة الإيمان وحلاوة الإيمان: «أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما, وأن يحب الشخص لا يحبه إلا لله» لا لأجل الدنيا ولا لأجل مصالح, ولا لأجل قرابة ولا نسب, «وأن يكره أن يعود للكفر كما يكره أن يُقذف في النار» هذه الثلاث من وُجدت فيه وجد لذة الإيمان وحلاوة الإيمان في قلبه.
(المتن)
فذكر أصل الإيمان الذي هو محبة الله ورسوله.
(الشرح)
ذكر أصل الإيمان وهو: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما, هذا أصل الإيمان, أن يكون الله أحب إليه من كل شيء, ثم ذكر تفريغ هذه المحبة, مما يضادها قال: «وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله» يعني: جميع الأشياء التي تنافي المحبة هي فيه, تكون محبته لله, يحب المرء لا يحبه إلا لله, لا لأجل الدنيا ولا لأجل نسب, ولا لأجل قرابة, يحبه لأنه مستقيم على طاعة الله ولو كان أبعد الناس، ولو كان في المشرق أو المغرب, سواءً كان عربيًا أو أعجميًا, قريبًا أو بعيدًا, يحبه لاستقامته محبة دينية.
ويبغض الكافر ولو كان (.....) من النسب بغضا دينيًا, ولا ينافي هذا الإحسان الدنيوي لكن يبغضه بغضًا دينيًا, ثم ذكر ما يُضاد المحبة فقال: «وأن يكره أن يعود للكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذف في النار»، فذكر أصل الإيمان، ثم ذكر تفريغ هذه المحبة مما يضادها, ثم تفريغها مما ينافيها, ثم ذكر ما يضادها, فلذلك قال: هذه الثلاث من وُجدت فيه وجد لذة الإيمان وحلاوة الإيمان؛ لأنه ادعى أصل المحبة, وفرغ قلبه من كل ما سواه, ودفع كل ما يضاد ويناقض الإيمان.
(المتن)
ولا يُكتفي بمطلق المحبة، بل لا بد أن تكون محبة الله مقدمة على جميع المحاب, وذكر تفريغها بأن يحب لله ويبغض لله, فيحب الأنبياء والصديقين، والشهداء والصالحين؛ لأنهم قاموا بمحاب الله، واختصهم من بين خلقه, وذكر دفع ما يناقضه وينافيه، وأنه يكره أن يرجع عن دينه أعظم كراهة، تقدر أعظم من كراهة إلقائه في النار.
وأخبر في هذا الحديث أن للإيمان حلاوة في القلب، إذا وجدها العبد سلته عن المحبوبات الدنيوية.
(الشرح)
يعني: إذا وجد بهذه المحبة لذة الإيمان يسلو بها عن محبة الأمور الدنيوية, أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما, من أحب الله فإن هذه المحبة إذا قويت في قلبه سلته عن جميع محاب الدنيا, وكل الدنيا ما تساوي شيء, «أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما» مما سواهما من جميع ما في هذا الكون من مخلوقات, فيكون الله ورسوله أحب إليه من جميع ما سواهما.
(المتن)
وأخبر في هذا الحديث أن للإيمان حلاوة في القلب، إذا وجدها العبد سلته عن المحبوبات الدنيوية, وعن الأغراض النفسية، وأوجبت له الحياة الطيبة.
فإن من أحب الله ورسوله لهج بذكر الله طبعًا فإن من أحب شيئًا أكثر من ذكره واجتهد في متابعة الرسول، وقدم متابعته على كل قول.
(الشرح)
إذا أحب الله لا بد أن يلهج بذكره, كل محب يلهج بذكر محبه, ولهذا فإن الطفل يلهج بذكر أمه دائمًا؛ لأنه يحبها, فكذلك من أحب الله لا بد أن يلهج بذكره وتقديسه وتسبيحه وتلاوة كتابه, والقيام بمراضيه, والانتهاء عن مساخطه, والاشتغال بخدمته, هذا إذا امتلأ القلب بمحبة الله.
(المتن)
وعلى إرادة النفوس وأغراضها, من كان كذلك؛ فنفسه مطمئنة مستحلية للطاعات، قد انشرح صدر صاحبها للإسلام.
(الشرح)
(مستحلية للطاعات) يعني: يرى أن الطاعات حلوة ولذيذة, وينشرح صدره ويأتي براحة وطمأنينة يُقدم على الطاعة, بخلاف من يأتي وهو متكره للعبادة متسخط لها.
(المتن)
فهو على نور من ربه, وكثير من المؤمنين لا يصل إلى هذه المرتبة العالية: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا)[الأنعام: 132].
(الشرح)
لا يصل إلى هذه الدرجة؛ لأنه لم يصل إلى هذه اللذة, لم تكن عنده هذه المحبة التي توصله إلى هذه اللذة.
(المتن)
كذلك في الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق, والحياء شعبة من الإيمان».
(الشرح)
(.....) .
(المتن)
وهذا صريح أن الإيمان يشمل أقوال اللسان، وأعمال الجوارح، والاعتقادات والأخلاق، والقيام بحق الله، والإحسان إلى خلقه.
(الشرح)
(.....).
(المتن)
فجمع في هذا الحديث بين أعلاه وأصله وقاعدته وهو قول لا إله إلا الله اعتقادًا، وتألها، وإخلاصًا لله.
(الشرح)
(.....) .
(المتن)
وبين أدناه: وهو إماطة العظم والشوكة وكل ما يؤذي، عن الطريق, فكيف بما فوق ذلك من الإحسان!
وذكر الحياء والله أعلم؛ لأن الحياء به حياة الإيمان، وبه يدع العبد كل فعل قبيح, كما به يتحقق كل خُلق حسن.
(الشرح)
(.....) .
(المتن)
وهذه الشعب المذكورة في هذا الحديث هي جميع شرائع الدين الظاهرة والباطنة.
(الشرح)
(.....) .
(المتن)
وهذا أيضًا صريح في أن الإيمان يزيد وينقص.
(الشرح)
(.....) .
(المتن)
وهذا أيضًا صريح في أن الإيمان يزيد وينقص بحسب زيادة هذه الشرائع والشعب، واتصاف العبد بها أو عدمه, ومن المعلوم أن الناس يتفاوتون فيها تفاوتًا كثيرًا.
(الشرح)
(.....) .
(المتن)
فمن زعم أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فقد خالف الحس، مع مخالفته لنصوص الشارع كما ترى.
(الشرح)
(.....) .
(المتن)
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام والإيمان في حديث جبريل المشهور، حيث سأله جبريل بحضرة الصحابة عن الإيمان، فقال: «أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر والقدر» وفسر الإسلام بالشرائع الخمس الظاهرة؛ لأنه كما تقدم إذا قُرن بالإيمان غيره، فسر الإيمان بما في القلب من العقائد الدينية والإسلام أو الأعمال الصالحة بالشرائع الظاهرة, وأما عند الإطلاق إذا أطلق الإيمان، فقد تقدم أنه يشمل ذلك أجمع.
(الشرح)
المعنى أن الإيمان إذا أُطلق (.....) .
لا ينبغي أن تطلق الإيمان بالأعمال الباطنة فقط (.....) .
(المتن)
وفي الصحيحين من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين».
(الشرح)
قال: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين» يعني: لا يصلح الإيمان الكامل الواجب حتى تكون محبة الرسول صلى الله عليه وسلم أكبر من محبته لوالده وولده والناس أجمعين.
أما إذا قدم محبة الوالد أو الولد على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم فإن إيمانه يكون ناقص, (.....) فالذي يحب الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم من محبته لنفسه ووالده والناس أجمعين هذا إيمانه كامل, والذي يقدم محبة الولد أو الوالد على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم يكون ناقص الإيمان (.....) ولهذا توعد الله (.....) .
في قوله عز وجل: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ)[التوبة/24].
إذا كان أبنائهم أو آبائهم أو إخوانهم أو أزواجهم أحب لهم من محبة الله ورسوله هؤلاء توعدهم الله بذلك الوعيد في الآخرة, فلا بد تقدم محبة الله ورسوله على أي أحد (.....) .
ولهذا قال: ( ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ)[التوبة/24].
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين».
(.....) .
(المتن)
فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه إذا تعارضت المحبتان، فإن قدم ما يحبه الرسول كان صادق الإيمان، وإلا فهو ناقص الإيمان.
(الشرح)
(.....) شخص تعامل بالربا ولم يلتفت لتحذير النبي صلى الله عليه وسلم من الربا, فهذا قدم محبة المال على محبة النبي صلى الله عليه وسلم, (.....) ومن قال: لا أتعامل مثلًا بالربا فهذا قدم محبة النبي صلى الله عليه وسلم على محبة المال.