بسم الله الرحمن الرحيم
(المتن)
ومن دواعي الإيمان وأسبابه: الدعوة إلى الله وإلى دينه، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين وصلى الله وسلم وبارك عَلَى عبد الله ورسوله نبينا محمد, وَعَلَى آله وصحبه أجمعين؛ أَمَّا بعد: ...
فالمؤلف رحمه الله تعالى يعدد الأسباب والدواعي الَّتِي تزيد الإيمان وتفيده وسبق عدد أسباب ودواعي ابتدأها بالتدبر فِي الْقُرْآن, تدبر الآيات القرآنية, ثُمَّ التدبر بالآيات الكونية, ثُمَّ التدبر بالأحاديث النبوية.
وعدد أسباب ودواعي ثُمَّ قَالَ: ومن الأسباب والدواعي الدعوة إِلَى الله عز وجل والصبر عَلَى الأذى فيه والتحمل, وَهَذِهِ هِيَ طريقة الرسل وأتباعهم الدعوة إِلَى الله هُوَ سبيل الرسل وأتباعهم, هَذِهِ من أقوى الأسباب الَّتِي تزيد الإيمان, وهِيَ من الأسباب العظيمة الَّتِي قام بها أنبياء الله ورسوله, وهم أكمل النَّاس إيمانًا, قَالَ تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ)[يوسف/108] .
الدعوة إِلَى الله وإلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة, من الأسباب العظيمة والدواعي في زيادة الإيمان وتنميته وتقويته, قال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯠ)[النحل/125] .
وقال سُبْحَانَهُ: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ)[فصلت/33] .
فالداعية مقتدٍ ومتأسٍ بالأنبياء والرسل الكرام عَلَيْهِم الصلاة والسلام, وأفضلهم وأعظمهم نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بْنَ عبد الله عَلَيْهِ وَعَلَى سائر إخوانه من النَّبِيِّينَ والمرسلين أفضل الصلاة وأتم التسليم, وهو كما قَالَ عنه ربه سبحانه وتعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ)[يوسف/108] .
فالداعية يتأسى بالرسل ومقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ساعي في إصلاح الناس وإرسال الخير إليهم, ودعوتهم إِلَى سبيل النجاة والسعادة, فيرتبط الداعية الموقف بهذا الخلق العظيم وبهذه المهنة العظيمة والمقام الذي شرفه الله به؛ وَلَـكِن لَا بُدَّ للداعية من علم يميز به بين الْحَقّ والباطل؛ حَتَّىَ يعلم أَن هَـذَا الأَمْر الَّذِي يَدْعُو إليه من الْحَقّ ومن الدين, ويعلم أَن هَـذَا الشيء الَّذِي ينهى عنه من الباطل ومن الإثم ومن العدوان؛ لَا بُدَّ من هَـذَا؛ ولا بد أَن يعلم حال المدعوين؛ حَتَّىَ يوقع دعوته مناسبةً لحال المدعوين.
ولهذا لَمَّا بعث النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم معاذ إِلَى اليمن أعلمه بحال المدعوين, قَالَ له عليه الصلاة والسلام, لَمَّا بعث النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم معاذا داعيًا ومعلمًا ومرشدًا قَالَ: «إنك تأتي قومًا أهل كتاب, فليكن أَوَّل ما تدعوهم إليه شهادة ألا إِلَهَ إِلاَّ الله»؛ يَعْنِي استعد فِي مناظرتهم ومجالستهم لِأَنَّهُمْ أهل علم, أخبره بحالهم؛ حَتَّىَ يوقع الدعوة مناسبة لحال المدعوين, قَالَ: إنك تأتي قوم أهل كتاب عندهم علم عندهم جدل ليس جهالًا, استعد فِي مجادلتهم ومناظرتهم.
ولا بد أيضًا من حلم يتخلق به الداعية فِي حال الدعوة؛ حَتَّىَ لاَّ يعجل وَحَتَّى لاَّ يتصف بالطيش والعجلة, ولا بد للداعية من صبر وتحمل عل الأذى بعد الدعوة, الداعية يشترط فهي شرط قبل الدعوة وشرط فِي حال الدعوة وشرط بعد الدعوة.
فقبل الدعوة قبل أَن يدعوهم يشترط فيه أَن يكون عالمًا بما يَدْعُو إليه, عالمًا بحال المدعوين, عالمًا بما يدعوا إليه هَلْ هُوَ من المعروف أو من المنكر؟ عالمًا بحال المدعوين حَتَّىَ تكون دعواه مناسبةً لحالهم.
ويشترط فِي الداعية أيضًا شرط في حال الدعوة وَهُوَ الحلم الَّذِي يختص به فِي حال دعوة المدعوين, فِي حال الدعوة, ولا بد من شرط فِي حال الدعوة, وَهُوَ الصبر والتحمل؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يصبر انقطع.
والداعية العامل بعلمه الصابر عَلَى الأذى من الرابحين؛ الَّذِينَ سلموا من الخسران, وَقَدْ أقسم ربنا سبحانه وتعالى فِي كتابه العظيم أَن الإنسان فِي خسارة إِلاَّ من اتصف بالإيمان المبني عَلَى العلم, ثُمَّ عمل بعلمه ثُمَّ دعا إِلَى الله وتواصى مع إخوانه عَلَى الْحَقّ, وصبر عَلَى الأذى وتواصى بالصبر, قَالَ سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ)[العصر/1-3] .
فهذه صفات الرابحين من استكملها وكملها كمل ربحه, ومن ضعيها كمل خسرانه, ومن فاته شيء منها وانتقص شيء منها فاته من الربح بقدر ما فاته منها.
(المتن)
والدعوة إلى أصل الدين، والدعوة إلى التزام شرائعه.
(الشرح)
نعم الدعوة إِلَى الله وإلى دينه ولا بد أَن بالحكمة, والتواصي بِالْحَقِّ والتواصي بالصبر, هَذِهِ شروط لَا بُدَّ منها فِي الداعية.
(المتن)
والدعوة إلى أصل الدين، والدعوة إلى التزام شرائعه.
(الشرح)
الدعوة إِلَى أصل الدين وَهُوَ توحيد الله, وَهُوَ الدعوة إِلَى الإيمان والتوحيد؛ لِأَنَّهُ أصل الدين وأساس الْمَلَّة, وإلى الإلتزام بالشريعة, يَدْعُو إِلَى أصل الدين, أصل الدين وأساس الْمَلَّة أَن يعبد الله وحده لاَّ شريك له, أَن تعبد الله وتخلص له الدين, هَـذَا هُوَ أصل الدين وأساس الْمَلَّة, ثُمَّ بعد ذَلِكَ يَدْعُو إِلَى الإلتزام بالشريعة, الإلتزام بالأوامر والواجبات, وأداء الفرائض والواجبات والانتهاء عَنْ المحرمات, دعوته أولًا إِلَى أصل الدين وأساس الْمَلَّة وَهُوَ التوحيد والإيمان, ثُمَّ دعوته إِلَى الإلتزام بالشريعة وهِيَ فعل الحلال وترك الحرام, فعل الواجبات وترك المحرمات, أداء الفرائض وترك المنهيات.
(المتن)
والدعوة إلى أصل الدين، والدعوة إلى التزام شرائعه بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر, وبذلك يكمل العبد بنفسه، ويكمل غيره, كما أقسم تعالى بالعصر.
(الشرح)
الإنسان يكمل نفسه بتعلم العلم الشرعي, العلم ثُمَّ بالعمل ثُمَّ بالدعوة إِلى الله ثُمَّ بالصبر عَلَى الأذى, وَبِهَذَا يكون كمل نفسه وكمل غيره, ونفع نفسه ونفع غيره, ليكن من الطائفة الَّتِي انتفعت بالعلم الَّذِي بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم كما فِي حديث أبي موسى الأشعري t, قَدْ ثَبِّتْ فِي الصحيح عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: « مَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ, كَمَثَلِ غَيْثٍ مطر أَصَابَ أَرْضًا, فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ, َأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ, وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ, وَكَانَ مِنْهَا طائفة أَجَادِبُ, أَمْسَكَتْ الْمَاءَ, فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ, فسَقَوْا, وَزرعَوْا, وكان منها طائفة إنما هي أجادب, لَا تُمْسِكُ مَاءً, وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً, فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ, وَنَفَعَهُ بِمَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ, فَعَلِمَ وَعَلَّمَ, وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا, وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ» أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
فَهَذَا الداعية إِلَى الله الَّذِي كمل نفسه وكمل غيره من الطائفة الأولى الَّتِي قبلت ما بعث الله به نبيه من الهدى والعلم, ففقهت فِي دين الله, وانتفعت به فعلمت وعلمت.
(المتن)
كما أقسم تعالى بالعصر أن جنس الإنسان لفي خسر، إلا من اتصف بأربع بصفات: الإيمان والعمل الصالح اللذين بهما تكميل النفس، والتواصي بالحق الذي هو العلم النافع والعمل الصالح والدين الحق وبالصبر على ذلك كله؛ يكمل غيره.
(الشرح)
يَعْنِي بالعلم والعمل يكمل نفسه, وبالدعوة إِلَى الله والصبر عليها يكمل غيره.
(المتن)
وذلك أن نفس الدعوة إلى الله والنصيحة لعباده، من أكبر مقومات الإيمان وصاحب الدعوة لا بد أن يسعى بنصر هذه الدعوة.
(الشرح)
نعم نفس الدعوة إِلَى الله تحفظ مقامات الإحسان, من أعظم المقامات.
(المتن)
وذلك أن نفس الدعوة إلى الله والنصيحة لعباده، من أكبر مقومات الإيمان.
(الشرح)
نعم نفس الدعوة إِلَى الله من أكبر مقومات الإيمان لاشك؛ لأنها طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وطريقة أصحابه, (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ)[يوسف/108] .
فإذا علم الإنسان وعمل بعلمه ثم دعا غيره وصبر على الأذى فلا شك أن هَذَا من أعظم مقومات الإيمان.
(المتن)
ويقيم الأدلة والبراهين على تحقيقها.
(الشرح)
نعم صاحب الدعوة إِلَى الله لا بد من هَـذَا, لَا بُدَّ أَن يسعى فِي نصر دين الله, والدعوة إِلَى الله من أعظم أسباب نصر دين الله, الدعوة إِلَى الله ونشر دين الْإِسْلَام, والتعليم, والإرشاد, وَالأَمْرُ بالمعروف والنهي عَنْ المنكر من أعظم النصر لدين الله.
(المتن)
ويأتي الأمور من أبوابها، ويتوصل إلى الأمور من طرقها, وهذه الأمور من طرق الإيمان وأبوابه, وأيضًا: فإن الجزاء من جنس العمل، فكما سعى إلى تكميل العباد ونصحهم وتوصيتهم بالحق، وصبر على ذلك لا بد أن يجازيه الله من جنس عمله، ويؤيده بنور منه، وروح وقوة إيمانه، وقوة التوكل؛ فإن الإيمان وقوة التوكل على الله.
(الشرح)
يَعْنِي أَن الله يجازي الداعية الَّذِي سعى فِي نصح عباد الله وتعليمهم وإرشادهم ونصر دين الله, الله تعالى يجازيه ويؤيده ويعينه بروح وقوة منه سبحانه وتعالى, وتوكل عَلَيْهِ واعتماد عَلَيْهِ, وتصويب أموره كلها إليه سبحانه وتعالى, (ﯡ ﯢ ﯣ)[النبأ/26] .
(المتن)
ويؤيده بنور منه، وروح وقوة إيمانه، وقوة التوكل؛ فإن الإيمان وقوة التوكل على الله يحصل به النصر على الأعداء، من شياطين الإنس، وشياطين الجن.
(الشرح)
لِأَنَّ التوكل عَلَى الله هُوَ الاستعانة بالله, الإيمان هَـذَا هُوَ التوحيد, والتوكل عَلَى الله استعانة بالله, فالمؤمن يوحد الله ويستعين بالله, (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ)[الفاتحة/5]؛ هذه أعظم آية في القرآن (إياك نعبد), لا نعبد إلا إياك يا الله, وإياك نستعين, يعني لا نستعين إلا بك ولا نتوكل إلا عليك.
(إياك نعبد), هَذَا توحيد الله بأفعال العباد, (وإياك نستعين), هَذَا توحيد في إثبات توحيد الربوبية, الاستعانة بالله والتوكل عليه والاعتماد عليه, وتفويض الأمور كلها إليه, واعتقاد أنه هُوَ المدبر, وأن بيده الأمور.
(إياك نعبد), توحيد الله في الأفعال أيها العبد أَن توحد الله في أفعالك وأن تتقرب إليه بالعبادة, (وإياك نستعين), تفوض الأمور إِلَى الله وتستعين بالله وتوحد الله بأفعاله سُبْحَانَهُ وتعالى.
(المتن)
كما قال الله تعالى: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)[النحل/ 99] .
(الشرح)
يَعْنِي الشَّيْطَان, الشَّيْطَان ليس له سلطان عَلَى الَّذِينَ آمنوا وَعَلَى ربهم يتوكلون, قَالَ: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ)[النحل/100].
أما المؤمنون الموحدون المعتمدون على الله, الذين وحدوا الله في العبادة, ووحدوا الله في الربوبية ليس له سلطان عليهم, ليس له سلطان عَلَى الَّذِينَ آمنوا وهم الَّذِينَ وحدوا الله بأنواع العبادة كلها, (وَعَلَى ربهم يتوكلون), وحدوا الله فِي الربوبية واعتمدوا عَلَيْهِ, فَهَذِهِ الآية مثل قوله: (إياك نعبد وإياك نستعين), لا نعبد إِلاَّ إياك ولا نستعين إِلاَّ بك.
فليس للشيطان سلطانًا عَلَى الَّذِينَ آمنوا, عَلَى الموحدين الَّذِينَ وحدوا الله وعبدوه, (وَعَلَى ربهم يتوكلون), هَذِهِ الاستعانة والتوكل والاعتماد عَلَى الله, وتفويض الأَمْر إِلَيْهِ؛ (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ)[النحل/100].
(المتن)
وأيضا: فإنه متصد لنصر الحق، ومن تصدى لشيء، فلا بد أن يفتح عليه فيه.
(الشرح)
يَعْنِي الداعية متصدي لنصر الْحَقّ, ومن تصدى لشيء فلا بد أَن يفتح له فيه, من تصدى لشيء وَقَالَ جازمًا وسلك الأبواب الموصلة إليها, وسلك الطرق الَّتِي توصل إليها فلا بد أَن يفتح له فيها, فَإِن من قرع الباب لَا بُدَّ أَن يلج, ومن قرع الباب يوشك أَن يلجه, فَمَنْ سعى فِي نصر دين الله عَنْ إخلاص وصدق وإرادة وعزم وسلك الطرق الموصلة إليه فلا بد أَن يفتح له.
(المتن)
فلا بد أن يفتح عليه فيه من الفتوحات العلمية والإيمانية بمقدار صدقه وإخلاصه.
(الشرح)
لاَّ بأس أَنَّهُمْ يتفاوتون عَلَى حسب الصدق والإخلاص, من صدق مع الله صدقه الله, ومن أخلص لله أثابه الله ورزقه اليقين الجازم.
(المتن)
الحادي عشر: ومن أهم مواد الإيمان ومقوياته: توطين النفس على مقاومات جميع ما ينافي الإيمان من شعب الكفر والنفاق، والفسوق والعصيان.
(الشرح)
من أهم مقويات الإيمان ومواده توطين النَّفْسِ عَلَى دفع الأسباب النافية للإيمان والتوحيد, الكفر والفسوق والعصيان, يدفع شعب الكفر وشعب النفاق وشعب الفسوق, الإيمان الَّذِي رزقك الله إياه أيها العبد؛ هناك أمورٌ تضاده وتنافيه وتضعفه فلا بد أَن تدفعها وتقاومها, شعب الفسق كثيرة الطعن فِي النسب والنياحة عَلَى الميت والاستسقاء بالنجوم, والفخر بالأحساب كُلّ هَذِهِ من شعب الكفر؛ فلا بد أَن تقاومها, قَالَ عليه الصلاة والسلام: «اثنان فِي النَّاس هما بهم كفر الطعن فِي النسب والنياحة عَلَى الميت», وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «أربعٌ فِي أُمَّتِي من أمر الجاهلية لاَّ يتركونهن الفخر بالأحساب والطعن فِي الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة عَلَى الميت», هَذِهِ من شعب الكفر, من شعب الكفر الحلف بغير الله «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك».
من شعب الفسق الكذب (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ)[الحجرات/6] .
من شعب النفاق الكذب في الحديث والخلف في الوعد, والخيانة في الأمانة, والفجور في الخصومة, والغدر في العهود, في حديث عائشة: «آية المنافق ثلاثة إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان وإذا خاصم فجر وإذا عاهد غدر».
فلا بد من مقاومة هَذِهِ الشعب حَتَّىَ يبقى الإيمان سليمًا من المواد الَّتِي تضعفه؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشعب شعب الكفر وشعب الفسوق وشعب الشرك يَعْنِي مواد تضعف الإيمان كالأمراض الَّتِي تصيب الإنسان, إِذَا قاومها العبد سلم الجسد وصار صحيحًا قويًا, وإن لَمْ يقاوم المرض وَلَمْ يدافع بقي ضعيفًا, تفتك به الأمراض حَتَّىَ تقضي عَلَيْهِ, وكذلك الفسوق شعب الكفر وشعب النفاق تضعف الإيمان؛ حَتَّىَ تقضي عَلَيْهِ, فكما أَن المرض بريد الموت, فكذلك المعاصي بريد الكفر, تضعفه حَتَّىَ توصله إِلَى الكفر والعياذ بالله.
فلا بد من مقاومتها ومدافعتها ومنعها؛ حَتَّىَ يبقى الإيمان قويًا صحيحًا سليمًا من المواد الَّتِي تضعف الإيمان.
(المتن)
فإنه كما أنه لا بد في الإيمان من فعل جميع الأسباب المقوية المنمية له، فلا بد مع ذلك من دفع الموانع والعوائق وهي: الإقلاع عن المعاصي، والتوبة مما يقع منها، وحفظ الجوارح كلها عن المحرمات، ومقاومة فتن الشبهات القادحة في علوم الإيمان، المضعفة له، والشهوات المضعفة لإرادات الإيمان.
(الشرح)
نعم كُلّ هَذِهِ الأمور لَا بُدَّ من دفعها, دفع الشبهات الَّتِي تعرض للإيمان, والشهوات الَّتِي تعرض للإنسان, الشبهات توجد الشكوك فِي الأمور العلمية الاعتقادية, والشهوات تضاد الأعمال, يقع الإنسان فِي المعاصي والكبائر, فلا بد من دفعها؛ حَتَّىَ يبقى الإيمان صحيحًا سليمًا.
(المتن)
فإنه كما أنه لا بد في الإيمان من فعل جميع الأسباب المقوية المنمية له، فلا بد مع ذلك من دفع الموانع والعوائق وهي: الإقلاع عن المعاصي، والتوبة مما يقع منها، وحفظ الجوارح كلها عن المحرمات، ومقاومة فتن الشبهات القادحة في علوم الإيمان.
(الشرح)
يَعْنِي أَن الإيمان لَا بُدَّ فيه من أمرين:
الأَمْر الأول: تنميته وتقويته بالأمور الَّتِي تزيده وتقويه, بتدبر الْقُرْآن, وبتدبر الحديث, والنظر فِي آيات الله الكونية, كما سبق, ولا بد من دفع الموانع الضارة الأشياء الضارة الَّتِي تضعف الإيمان, كالبعد عَنْ المعاصي والحذر منها والتوبة مما حصل من العبد, ومحاسبة النَّفْسِ, ودفع الشبهات والشهوات, الشبهات الَّتِي تشكك الإنسان, والشهوات الَّتِي تجعل الإنسان يقدم عَلَى المعاصي, فلا بد من هَذِهِ الأمور؛ حَتَّىَ يبقى الإيمان سليم, لَا بُدَّ من العناية بالأمور الَّتِي تقوي الإيمان وتنميه الأسباب الَّتِي تنميه.
تدبر النصوص وتدبر الآيات الكونية, ولا بد من الحذر عَنْ المعاصي ودفع الشبهات والشهوات؛ حَتَّىَ يبقى الإيمان سليمًا, وكل شَيْء له أمور تقويه, وله أمور تضعفه, فلا بد من العناية بالأمور الَّتِي تقويه ولا بد من الحذر من الأمور الَّتِي تضعفه.
(المتن)
فلا بد مع ذلك من دفع الموانع والعوائق وهي: الإقلاع عن المعاصي، والتوبة مما يقع منها، وحفظ الجوارح كلها عن المحرمات، ومقاومة فتن الشبهات القادحة في علوم الإيمان, المضعفة له، والشهوات المضعفة لإرادات الإيمان.
(الشرح)
الشبهات ترد عَلَى العلوم علوم الإيمان والشهوات ترد عَلَى الإرادات, والشبهة ترد عَلَى العلم الَّذِي يعلمه والعقيدة الَّتِي يعتقدها ترد عَلَيْهِ شبهة, فلا بد من دفعها, والشهوات ترد عَلَى الإرادات, إرادة فعل الخير تأتي الشهوات وتمنعه عَنْ فعل الخير, من الخير أَن تمتنع عَنْ المحرمات وعن المسكرات, فتأتي الإرادة إرادة الشهوات فتمنعه من الالتزام فيقع فِي شهوة ويقع فِي شرب الخمر, ويقع في الزنا وفي السرقة.
بخلاف الشبهات فإنها ترد عَلَى العلوم, وَعَلَى الاعتقادات, والشهوات ترد عَلَى الإرادات.
(المتن)
فإن الإرادات التي أصلها الرغبة في الخير ومحبته، والسعي فيه لا تتم إلا بترك إرادات ما ينافيها من رغبة النفس في الشر، ومقاومة النفس الأمارة بالسوء.
(الشرح)
لَا بُدَّ من هَـذَا لَا بُدَّ من مقاومة إرادة الشر وإرادة السوء؛ لأنها تعارض إرادة الخير, إرادة الشر تعارض إرادة الخير؛ فلا بد من دفع الإرادات السيئة حَتَّىَ تبقى إرادة الخير سليمة.
(المتن)
فمتى حفظ العبد من الوقوع في فتن الشبهات، وفتن الشهوات تم إيمانه، وقوي يقينه، وصار مثل بستان إيمانه.
(الشرح)
إِذَا حفظ الإنسان من الشهوات والشبهات تم إيمانه وقوي يقينه, ومثله مثل البستان الَّذِينَ يتعاهده صاحبه, ثُمَّ ينميه ويقويه ويمده ويقيمه من الماء والهواء والتربة الصالحة, ويبعد عنه ما ينافيه ويضعفه ويسبب فساده؛ من النباتات الضارة والحشرات الضارة وغير ذَلِكَ.
فالإيمان كذلك, كما أَن البستان والزرع لَا بُدَّ فيه من العناية بما يمده ويقويه ويقيمه من الماء والتربة الصالحة؛ والشمس والهواء, فلا بد أَيْضًا من إبعاد ما يضره, من الحشرات والمواد الَّتِي تضعفه, والنبات الردئية الَّتِي تكون حوله وتقضي عَلَيْهِ, فكذلك الإيمان, لَا بُدَّ من أَن يتعاهد الإيمان بما يقويه وينميه, ولا بد أَن يدفع ما ينافي الإيمان من الشبهات والشهوات, الشبهات الَّتِي ترد عَلَى العلوم والاعتقادات والشهوات الَّتِي ترد عَلَى الإرادات.
(المتن)
وصار مثل بستان إيمانه (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[البقرة/265] .
(الشرح)
نعم هَـذَا مثل ضربه الله تعالى (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ)[البقرة/265] .
هَذَا مثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله, ابتغاء ثوابه, أنها مقبولة ونافعة على كل حال, فالجنة البستان الَّذِي بربوة (.....) ,,, وجاهد فِي دفاع ما يضره يبقى سليم.
(المتن)
ومتى كان الأمر بالعكس بأن استولت عليه النفس الأمارة بالسوء، ووقع في فتن الشبهات أو الشهوات، أو كليهما, انطبق عليه هذا المثل وهو قوله تعالى: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)[البقرة/266] .
(الشرح)
هَـذَا مثل آخر, مثل الَّذِي لاَّ يتعاهد إيمانه ولا يدفع عنه ما يكون سببًا فِي نقصه وضعفه من الشهوات والشبهات يترك الشبهات ترد عَلَيْهِ, تتقوى الشبه فيقع فِي البدع, ولا يدفع الإرادات السيئة فتأتي الشهوات فيرتكب الكبائر, كالزنا والسرقة والتعامل بالربا وغير ذَلِكَ, كُلّ هَـذَا من تعالى الشهوات, الربا والرشوة إِنَّمَا نشأ عَنْ حب المال, شهوة المال, فَإِذا لَمْ يدفع الإرادة السيئة, إرادة حب المال وجمع المال من أي طريق؛ لَا بُدَّ من دفع هَذِهِ الإرادة, يكون المسلم كسبه مقيد بالشرع, يكبح جماح نفسه.
كذلك الشهوة الجنسية إِذَا لَمْ يكبح نفسه وقع فِي الزنا, وكذلك الشبهات إِذَا ما دفعها وقع فِي الزنا, فينطبق عَلَيْهِ هَـذَا المثل الَّذِي ذكره الله فِي الْقُرْآن الكريم(ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ)[البقرة/266] .
هل يريد أحد هَذَا؟ لا يريده أحد, يقول: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﮒ)[البقرة/266] .
بستان من نخيل وأعناب, له فيها من كل الثمرات, أثمر هَذَا البستان من نخيل وأعناب ثمرًا عظيمًا, وصاحب البستان كبير السن, وله ذرية ضعفاء, ما عنده رجال كبار, عنده أولاد صغار ضعفاء, وليس لهم كاسب هُوَ كاسبهم, وينفق عليهم من هَذَا البستان, هَذَا البستان الذي فيه جميع ثمار النخيل والأعناب وكل الثمرات, أينعت وآتت أكلها وأثمرت فهو الآن يعد العدة؛ للاستفادة من ثماره وبيعه, والإنفاق على هذه الذرية والأكل منه, ماذا صارت حاله؟ أصابها إعصار فيه نار فاحترقت.
أصابها إعصار وفيه نار فاحترق هَذَا البستان, ماذا تكون حاله؟ حاله سيئة جدًا, كبير السن وليس له أولاد كبار, وله ذرية ضعفاء من نساء وأطفال, ليس له كاسب, وليس بيده إلا هَذَا البستان, وهذا البستان لما أينع ثماره أصابها إعصار فيه نار فاحترقت, هل يود أحد أَن تكون هذه حاله؟ أيود أحدكم هَذَا؟ فكذلك الإنسان إذا لم يتعهد إيمانه لما وفقه الله إِلَى الإيمان ضيع إيمانه, فصار لا يتعاهد إيمانه بما ينميه ويقويه من الجد والنشاط في العمل وتدبر الْقُرْآن الكريم, وتدبر الآيات الكونية, وتدبر الأحاديث النبوية, إِلَى غير ذَلِكَ من الأسباب المعينة, أهمل إيمانه, وَلَمْ يدفع المؤذيات الَّتِي ترد عَلَى هَـذَا الإيمان وتضعفه من الشهوات والشبهات, ترك الشبهات ترد عَلَى علومه واعتقاداته, والشهوات ترد عَلَى إراداته, فوقع فِي الشبهات ووقع فِي الشهوات.
الشبهات عنده بدع فِي علوم الاعتقاد, يعمل البدع يبتدع فِي صلاته فِي صومه فِي عباداته, يبتدع بدعة المولد, بدعة الطلاق, بدع فِي الأذكار, والشهوات ترد عَلَيْهِ, ترد عَلَيْهِ شهوة المال, شهوة الفرج, يقع فِي الزنا, يقع فِي أكل المال بالباطل, فِي التعامل بالربا إِلَى غير ذَلِكَ.
فلا تزال هَذِهِ الشهوات والشبهات تأتي عَلَى الإيمان حَتَّىَ تقضي عَلَيْهِ, وَقَدْ أهمل أيضًا الأسباب الَّتِي تنميه, الأسباب الَّتِي تنميه وتقويه أهملها, والأسباب الَّتِي تدفع عنه المؤذيات تركها وأهملها, فضعف إيمانه لعدم وجود ما ينميه, وتسلطت عَلَيْهِ الشهوات والشبهات فقضت عَلَى البقية الباقية منه, فضعف إيمانه وسقط إيمانه, وأوصله إِلَى الكفر نعوذ بالله.
فيكون حاله كحال من؟ صاحب الجنة الَّذِي له بستان أينعت ثماره وله ذرية ضعفاء وَهُوَ كبير السن فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت.
(المتن)
فالعبد المؤمن الموفق لا يزال يسعى في أمرين:
أحدهما: تحقيق أصول الإيمان وفروعه والتحقق بها علمًا، وعملاً، وحالًا.
والثاني: السعي في دفع ما ينافيها وينقضها أو ينقصها من الفتن الظاهرة والباطنة، ويداوي ما قصر فيه من الأول، وما تجرأ عليه من الثاني بالتوبة النصوح، وتدارك الأمر قبل فواته.
(الشرح)
- يَعْنِي لَا بُدَّ من هذين الأمرين:
- السعي فِي تنمية إيمانه وتقويته.
- ودفع ما يضاد الإيمان وينافيه أو يناقضه.
لا يستقيم الإيمان إِلاَّ بِهَذَا, تقويته ينميه ويقويه من الأسباب الَّتِي تقوي إيمانه وتعينه, ودفع المكروهات ودفع الأشياء الضارة الَّتِي تضعف الإيمان أو تنقض الإيمان أو تقضي عَلَى الإيمان, تنقصه أو تضعفه.
(المتن)
فالعبد المؤمن لا يزال يسعى في أمرين:
أحدهما: تحقيق أصول الإيمان وفروعه والتحقق بها علمًا، وعملاً، حالًا.
(الشرح)
يَعْنِي تحقيق أصول الإيمان والتحقق بأصول الإيمان علمًا وعملاً, يَعْنِي حقق أصول الإيمان وأن إيمانه علمًا وعملاً وحالًا عَلَى الاستقامة, ثُمَّ بعد ذَلِكَ يبقى ما يكون سببًا فِي نقصه أو نقضه, وما قصر فيه يتوب إِلَى الله منه ويبادر بالتوبة؛ حَتَّىَ تصلح حاله.
(المتن)
والثاني: السعي في دفع ما ينافيها وينقضها أو ينقصها من الفتن الظاهرة والباطنة.
(الشرح)
لا يتعرض لأسباب الفتن, وأسباب الفتن كثيرة الآن, فِي هَـذَا الزمن صارت الفتن لا تعدى ولا تحصى, فتن الشبهات, فتن الشهوات, فتن الفضائيات الآن, الدش والشبكة العالمية الانترنت, فتن يرقق بعضها بعضًا, هَذِهِ كلها من الفتن الَّتِي إِنَّ لَمْ يدفعها الإنسان صارت سببًا فِي القضاء عَلَى الإيمان.
وَهَذِهِ ما يعرف بالفضائيات بالدعوة إِلَى اليهودية والنصرانية والدعوة إِلَى العري والتفسق, هَذِهِ فتن تقضي عَلَى الإيمان ولاسيما عِنْدَ الإكثار والمداومة والنظر, وينشر فِي الدش الدعوة إِلَى دين اليهود, الدعوة إِلَى دين النصارى, الدعوة إِلَى اليهودية والنصرانية, الدعوة إِلَى التثليث وإيجاد الشبه وإثارة الشكوك والشبه فِي دين الْإِسْلَام, وأن الْحَقّ ما عَلَيْهِ النصارى من القول بالتثليث, إِذَا كان شاب مراهق ويتكرر عَلَيْهِ سماع هَـذَا ماذا تكون حاله؟!
وكذلك أيضًا يشككون فِي الله وفي ملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر, شكوك فِي الجنة والنار وتنشر قصص فيها أَن بعض النَّاس جاء إِلَى خازن النار مالك؛ وَأَنَّهُ لَمَّا دخلوا النار جاءوا فاستغفلوه فوجدوه مغفلاً وخرجوا من النار.
هَـذَا ينشر فِي الدش وفي غيره, الطعن فِي الجنة والنار, التشكيك فِي اليوم الآخر, هَذِهِ من الفتن, كذلك فتن الشهوات, فتن العري تنشر المرأة عارية فِي التلفاز وفي الشبكة, كيف يكون حال المراهق والمراهقة والمرأة والزوج حَتَّىَ كبير السن؟ امرأة عارية تنشر أمامه, هَذِهِ الفتن الَّتِي تقضي عَلَى بقية المرء من الإيمان, تقضي عَلَى الحشمة.
فتن هَـذَا الزمان لاَّ توجد فِي أزمنة مضت, هَذِهِ الفضائيات تعرض الْمُسْلِمِين للشبه العظيمة وتشككهم فِي دينهم, كان النَّاس فِي عافية من ذَلِكَ, كان قبل الفضائيات لو كان الإنسان كافر وجاء إِلَى بلاد الْمُسْلِمِين, أو جماعة من الكفار قَالُوا: أَنتُمْ دينكم ليس بصحيح, دينكم فيه كذا وكذا, هَلْ يقبل مِنْهُم أحد؟ يقاتلونهم, يقتلون فِي الحال.
لَـكِن الآن صارت تدخل عَلَى النَّاس فِي بيوتهم من الفضائيات وتدخل الشبه عَلَيْهِم ولا أحد يعارضهم, رأيتم كيف وصلت الحال؟ .
فِي الأول لو جاء جماعة من النصارى أو عوائل من النصارى أو اليهود إِلَى بلاد الْمُسْلِمِين, ومعهم نساء عاريات أو غير متحجبات وأرادوا الدخول إِلَى بلاد الْمُسْلِمِين قاتلوهم وَلَمْ يسمحوا لهم, لَـكِن المرأة العارية تدخل فِي كُلّ بيت الآن ولا أحد يمنعها.
قَالَ لي بعض النَّاس أَنَّهُ يوجد امرأة فِي الدش أو فِي الشبكة تأتي عارية كما ولدتها أمها, وتضع إحدى رجليها عَلَى الأخرى, كيف يكون هَذِهِ الأمة؟ كيف تكون حال الشابة والشابة بَلْ والشيخ؟ حَتَّىَ الشيخ يهتز ويتأثر من هَذِهِ الفتنة فكيف بالشاب؟.
وجد فتن فِي هَـذَا الزمان لَمْ توجد فِي الأزمنة الماضية, وَهَذِهِ الفتن تقضي عَلَى الإيمان قَدْ توصل إِلَى الكفر نعوذ بالله نسأل الله السلامة والعافية, فلا بد من دفع هَذِهِ الفتن ومدافعتها, فَإِن لَمْ يدافع الإنسان قضت عَلَيْهِ, قضت عَلَى إيمانه قضت عَلَى أخلاقه, قضت عَلَى حشمته قضت عَلَى مروءته, قضت عَلَى غيرته.
قضت عَلَى أخلاقها والأمة بأخلاقها ودينها, وَإِنَّمَا الأمم الأخلاق ما بقيت فَإِن ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
(المتن)
ويداوي ما قصر فيه من الأول، وما تجرأ عليه من الثاني بالتوبة النصوح، وتدارك الأمر قبل فواته.
(الشرح)
يَعْنِي يداوي التقصير الَّذِي حصل فِي تنمية إيمانه وبالتوبة مما فعله من المعاصي.
(المتن)
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)[الأعراف/201]؛ أي: مبصرون الخلل الذي وقعوا فيه، والنقص الذي أصابهم من طائف الشيطان، الَّذِي هو أعدى الأعداء للإنسان، فإذا أبصروا تداركوا هذا الخلل بسده، وهذا الفتق برتقه.
(الشرح)
هَـذَا حال الْمُؤْمِنِينَ الموفقين (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ)[الأعراف/201] .
إذا أصابهم طائفة من الشيطان أصابتهم غفلة تذكروا فإذا هم مبصرون, أبصروا الحق, فعند ذلك يتداركون ما فاتهم, ويسدون الخلل أو النقص الذي حصل منهم.
(المتن)
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)[الأعراف/201]؛ أي: مبصرون الخلل الذي وقعوا فيه، والنقص الذي أصابهم من طائف الشيطان، الَّذِي هو أعدى الأعداء للإنسان، فإذا أبصروا تداركوا هذا الخلل بسده، وهذا الفتق برتقه, فعادوا إلى حالهم الكاملة، وعاد عدوهم حسيرًا ذليلاً: (وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ)[الأعراف/202].
(الشرح)
نعم هَـذَا حال الموفق, الموفقين قَدْ يحصل مِنْهُم غفلة وَلَـكِن سرعان ما يتداركون مع فرط مِنْهُم, إِذَا مسهم طائف من الشَّيْطَان تذكروا فَإِذا هم مبصرون فأبصروا الخلل, سدوا هَـذَا الخلل, وتداركوا هَـذَا النقص, وَأَمَّا إخوانهم الشياطين فإنهم يمدونهم فِي الغي ثُمَّ لاَّ يبصرون, وكما قَالَ تعالى فِي الآية الأخرى فِي وصف المتقين: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﮄ)[آل عمران/135] .
إِذَا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم فِي وقت غفلة سرعان ما يتذكرون ويبادرون بالتوبة, ليس من شأن من المتقين أَنَّهُ لا يقع فِي الزلل والخطأ, بَلْ يقع لَـكِن ليس من شأنه الإصرار؛ بَلْ من شأنه المبادر بالتوبة, والذين إِذَا فعلوا فاحشة المقصود المتقين, (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ)[آل عمران/135] .
هَذَا وصف المتقين, إذا وقعوا في هفوة أو ذلة أو غفلة ذكروا الله وبادروا بالتوبة, ولا يصرون على المعاصي؛ بل يبادرون بالتوبة, وفي هذه الآية الكريمة بيان أنهم إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون, بادروا في سد الخلل, وتدارك التقصير.
(المتن)
الشياطين لا تقصر عن إغوائهم وإيقاعهم في أشراك الهلاك.
(الشرح)
إخوان الشياطين يمدونهم فِي الغي ثُمَّ لاَّ يقصرون, هم لاَّ يقصرون فِي إمدادهم بأسباب الهلاك, لاَّ يقصرون فِي إبعادهم عَنْ دينهم؛ لِأَنَّ الشَّيْطَان عدو الإنسان, (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ)[فاطر/6] .
فالشياطين لا يقصرن ولا يأولون جهدًا في إمدادهم بالغي, ولا يأولون جهدًا ولا يقصرون في ذلك, بل هم جادون مستمرون لا يملون ولا يسأمون.
(المتن)
والمستجيبون لهم لا يقصرون عن طاعة أعدائهم، والاستجابة لدعوتهم حتى يقعوا في الهلاك، ويحق عليهم الخسار.
(الشرح)
المستجيبون لهم يلبون رغباتهم وينفذون طلباتهم فلا يلبسوا أَن يقعوا فِي الهلاك, والخسار, فيندموا ولات ساعة مندم, لاَّ يفيقون من غفلتهم إِلاَّ إِذَا جَاءهُمُ الموت, فَإِذا جاء الموت فلا حيلة انتهى الأَمْر, إِذَا بلغت الروح الحلقوم انتهى الأَمْر, «إِنَّ الله يقبل توبة العبد ما لَمْ يغرغر».
(ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ)[النساء/18] .
(المتن)
الفصل الثالث
في فوائد الإيمان وثمراته
كم للإيمان الصحيح من الفوائد والثمرات العاجلة والآجلة، في القلب والبدن والراحة، والحياة الطيبة، والدنيا والآخرة.
(الشرح)
نعم فوائد الإيمان وثمراته تكون فِي القلب فِي الطمأنينة فِي الدنيا وفي الآخرة, فالإيمان له ثمرات, ثمرات عَلَى القلب وفوائد, وثمرات عَلَى الجسد, ثمرات لطمأنينة القلب وراحته, وثمرات فِي الدنيا وثمرات فِي الآخرة.
(المتن)
وكم لهذه الشجرة الإيمانية من الثمار اليانعة، والجني اللذيذ، والأكل الدائم، والخير المستمر، أمور لا تحصى، وفوائد لا تستقصى. ومجملها أن خيرات الدنيا والآخرة، ودفع الشرور كلها من ثمرات هذه الشجرة.
(الشرح)
هَـذَا مجمل, مجمل ثمرات الإيمان كُلّ خير فِي الدنيا والآخرة فَهُوَ من ثمرات الإيمان, وكل شر فِي الدنيا والآخرة فَهُوَ من ثمرات الكفر والمعاصي, هَـذَا الثمرات إجمالًا كُلّ خير فِي الدنيا والآخرة إِنَّمَا يحصل للعبد بسبب الإيمان, بسبب الإيمان بالله ورسوله, وكل شر فِي الدنيا والآخرة إِنَّمَا سببه الكفر والفسوق والمعاصي.
(المتن)
وذلك أن هذه الشجرة إذا ثبتت وقويت أصولها، وتفرعت فروعها، وزهت أغصانها، وأينعت أفنانها عادت على صاحبها وعلى غيره، بكل خير عاجل وآجل.
(الشرح)
ذكر أَن شجرة الإيمان إِذَا قويت قوي أصلها ونمت فروعها وتعاهدها صاحبها؛ أثمرت الثمار اليانعة من الأعمال الصالحة, والإحسان بعبادة الخالق والإحسان إِلَى النَّاس كُلّ هَـذَا من ثمرات الإيمان.
(المتن)
فمن أعظم ثمارها: الاغتباط بولاية الله الخاصة، التي هي أعظم ما تنافس فيه المتنافسون، وأجل ما حصله الموفقون.
(الشرح)
نعم هَذِهِ من أعظم الثمار ولاية الله, ولاية الله الَّتِي هِيَ أفضل ما يتنافس فِيه المتنافسون وأفضل ما يحصله المحصلون ولاية الله, أعظم ثمار الإيمان أَن تكون وليًا لله, وإِذَا كنت وليًا لله فأبشر بكل خير واعلم أَن كُلّ شر مندفع عنك, من أعظم ثمار الإيمان أَن تكون وليًا لله, والولي هُوَ المحب وَهُوَ المحبوب لله, ومن أحبه الله حصل عَلَى كُلّ خير, وولي الله هُوَ محبوب الله, ولي الله هُوَ الَّذِي يوافق الله فِي محابه ومسخاطه, يحب ما يحبه الله ويبغض ما يبغضه الله, ويكره ما يكرهه الله, ويوالي فِي الله ويعادي فِي الله, ويعطي لله ويمنع لله, ولا يخاف إِلاَّ الله وينذر إِلاَّ لله, هَـذَا هُوَ ولي الله.
قَالَ تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ)[يونس/62-63] .
من هُوَ ولي الله؟ هُوَ المؤمن التقي, ولي الله هُوَ المؤمن التقي, أولياء الله هم المتقون والمؤمنون, وليس الولي كما يزعمه بعض الصوفية, بعض من يؤلهونهم ويسودونهم يَقُول: هَـذَا ولي, هَـذَا يتصرف فِي الكون هَـذَا يسقطت عنه التكاليف هَـذَا ولي الشَّيْطَان وليس ولي لله ما يزعمه الصوفية من ... أعوذ بالله.
ولي الله هو المؤمن التقي, ولاية الله موافقة الله فِي محابه وفي مساخطه, أَن توافق الله فِيما يحبه وفيما يكره, فتحب ما يحبه الله من شخص أو فعل أو (.....) وتكره ما يكره الله من شخص أو فعل أو(.....) , هَذِهِ هِيَ الولاية, ولاية الله موافقة الولي الحميم فِي محابه ومساخطه, ولي الله هُوَ الَّذِي يوافق الله فِي محابه ومساخطه، فيحب ما يحبه الله, الله تعالى يحب الإيمان ويحب الْمُؤْمِنِينَ, ويحب أوليائه, فالله تعالى يبغض الكفار والفساق والعصاة, والفسق والكفر والعصيان يبغضه لِأَنَّ الله يبغضه, يوافق ربه فيما يحبه وفيما يسخطه, فما يحبه الله يوافقه الولي فيحبه, وما يبغضه الله ويسخطه يوافقه الولي فيبغضه ويسخطه, هَذِهِ أعظم ثمرات الإيمان أن تكون وليًا لله؛ لِأَنَّ ولي الله هُوَ الْمُؤْمِن التقي, فليغتبط الْمُؤْمِن بهذه الثمرة العظيمة وهذه الولاية, (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ)[يونس/58]؛ وَهَذَا من الفرح بفضل الله ورحمته.
- الفرح فرحان:
- فرح محمود.
- وفرح مذموم.
فالفرح المحمود الفرح بفضل الله ونعمته, تفرح بأن الله وفقك للإيمان والإسلام وتعلم القرآن وحفظه, وتعلم العلم وتعليمه, هَذَا فرح محمود, وهو داخل في قول الله تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ)[يونس/58] .
والثاني: فرح الأشر والبطر, هَذَا هُوَ المذموم, فرح الكفار, الأشر والبطر, يبطر نعمة الله ويعتدي عَلَى أولياء الله, وهو فرح أهل النار, قَالَ تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ)[غافر/75-76] .
وَقَالَ تعالى عن قارون أَنَّهُ نصحه قومه, (ﮦﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ)[القصص/76]؛ لا تفرح فرح الأشر والبطر إن الله لا يحب الفرحين.
(المتن)
قال تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) ثم وصفهم بقوله: (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [سورة يونس/ 62-63] .
(الشرح)
هَذِهِ أوصاف أولياء الله لهم وصفان الإيمان والتقوى, كُلّ مؤمن تقي فهو ولي لله, من هُوَ ولي الله؟ هُوَ الْمُؤْمِن التقي, كُلّ مؤمن تقي فهو ولي الله, أولياء الله هم المتقون والمؤمنون.
(المتن)
فكل مؤمن تقي، فهو لله ولي ولاية خاصة، من ثمراتها ما قاله الله عنهم: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) [سورة البقرة/257] .
(الشرح)
هَذِهِ من خصائصهم أن الله يخرجهم من الظلمات إِلَى النور, من ظلمات الجهل والشرك والكفر إِلَى العلم والإيمان واليقين والطاعة.
(المتن)
أي: يخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، ومن ظلمات الجهل إلى نور العلم، ومن ظلمات المعاصي إلى نور الطاعة، ومن ظلمات الغفلة إلى نور اليقظة والذكر. وحاصل ذلك: أنه يخرجهم من ظلمات الشرور المتنوعة، إلى ما يرفعها من أنوار الخير العاجل والآجل.
(الشرح)
نعم هَذِهِ من ثمراتهم أن الله يخرجهم من جميع الشرور إِلَى الخيرات.
(المتن)
وإنما حازوا هذا العطاء الجزيل: بإيمانهم الصحيح، وتحقيقهم هَذَا الإيمان بالتقوى. فإن التقوى تمام الإيمان، كما تقدم تحقيقه.
(الشرح)
نعم حازوا هَذَا العطاء بالإيمان والتقوى, الإيمان هُوَ أصل الدين وأساس الْمِلَّة, والتقوى هِيَ الأعمال الصالحة.
(المتن)
ومن ثمرات الإيمان: الفوز برضا الله، ودار كرامته.
(الشرح)
نعم هَذِهِ من ثمرات الإيمان بالفوز برضا الله والتمتع بدار كرامته في الجنة, فالمؤمنون المتقون هم أهل الجنة, وفي الحديث أن النَّبِيِّ r أمر منادي ينادي: «ألا يدخل الجنة إِلَّا نفس مؤمنة», فالجنة دار الْمُؤْمِنِينَ الطيبين, وهي حرام عَلَى الكافرين, فمن ثمرات الإيمان دخول الجنة, والتمتع بدار كرامته وجنته؛ الَّتِي فِيهَا ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر عَلَى قلب بشر, قَالَ تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ)[السجدة/17] .
التمتع بأنواع المآكل والمشارب التمتع بأنواع الفواكه وأنواع المأكولات وأنواع المشروبات, والزوجات من الحور العين ومن نساء أهل الدنيا الصَّالِحَات, والقصور تلك القصور العظيمة الَّتِي ليست مبنية من الطين أو اللبن أو الإسمنت وَإِنَّمَا هِيَ من الفضة والذهب؛ هَذِهِ الجنة, قصورها لبنة فضة ولبنة ذهب.
وتراب المسك الأصفر, ما في تراب غبار ولا طين لا, مسك أصفر, وكذلك الأنهار أَنَّهَا الجنة تجري أَنَّهَا الماء ولا تتغير ما طول المكث كماء الدنيا, وأنار اللبن تجري ولا يتغير طعمه, الدنيا ما فِيهَا أنهار لبن, الجنة فِيهَا أنهار لبن, اللبن يؤخذ في الدنيا من الحيوانات ولا في أنهار تجري, لَكِن الجنة فِيهَا أنهار لبن, أنهار من اللبن تجري ولا يتغير طعمه بالمحوضة كلبن الدنيا.
وأنهار من خمر ليست كخمر الدنيا, خمر الدنيا خبيثة, تغتال العقول تسكر تذهب العقل وسيئة المذاق, خمر الآخرة ليس كذلك, لا تذهب العقل وليست كريهة المذاق وهي حلال لأهل الجنة, في الدنيا حرام عَلَى اَلْمُسْلِم أن يشرب الخمر في الدنيا, ومن شرب الخمر في الدنيا لَمْ يشربها في الآخرة, ولكنها حلال لأهل الجنة خمر طيب تجري أنهار, وتجري أنهار من العسل أيضًا, في الدنيا ما في أنهار عسل, العسل يخرج من النحل, ما في أنهار, لَكِن الجنة فِيهَا أنهار من عسل, وَهَذَا الأنهار ما تجري في تراب ولا حصباء مسك, مسك أصفر هُوَ التراب.
وأعظم نعيم يلقاه أهل الجنة النظر إِلَى وجه الله الكريم, فَإِذَا كشف الرب سبحانه وتعالى الحجاب عن وجهه الكريم؛ ونظر إليه أهل الجنة نسوا جميع ما هم فِيهِ من النعيم, أعظم نعيم أُعطاه أهل الجنة النظر إِلَى وجه الله الكريم, نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم منهم.
فهذه من ثمرات الإيمان, ثمرات الإيمان دخول الجنة والتمتع بدار كرامته, والنظر إِلَى وجه الله الكريم سبحانه وتعالى.
(المتن)
قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [سورة التوبة/ 71- 72] .
(الشرح)
هَذِهِ أوصاف الْمُؤْمِنِينَ, أوصاف الْمُؤْمِنِينَ, الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ أولياء بعض, الْمُؤْمِن ولي أخي ينصره ويؤيده ويعنيه, ويدفع عنه ما يسوئه ويكرهه؛ لِأَنَّهُ وليه الْمُؤْمِن وليه, والولي يدافع عَنْ وليه, ولي قدير حميم, الْمُؤْمِن ولي أخيه, ليس عدوًا, ضد الولي العدو, الْمُؤْمِن ولي أخيه, ليس عدوًا له, والولي يجب الخير لوليه ويدفع عنه الشر, ومن أوصافهم يأمرون بالمعروف وينهون عَنْ المنكر, ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله, أولئك سيرحمهم الله, سيرحمهم الله بهذه الصفات, هَذِهِ هِيَ أسباب الرحمة, أسباب الرحمة الأمر بالمعروف والنهي عَنْ المنكر وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله, من كَانَ فِيهِ هَذِهِ الصفات فهو من أهل الرحمة.
ثُمَّ ذكر جزاءهم قَالَ: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ)[التوبة/72] .
هل فيه شيء أعظم من هَذَا؟ هَذِهِ من ثمرات الإيمان, (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯨ)[التوبة/72] .
جنات تجري من تحتها الأنهار, أنهار الماء, وأنهار اللبن, وأنهار الخمر, وأنهار العسل, (ﯗ ﯘ ﯨ)[التوبة/72]؛ ماكثين لا يموتون ما في موت مثل الدنيا, في الدنيا في موت, ولا في نوم؛ لِأَنَّ النوم أخو الموت, ولا في مرض, الدنيا فِيهَا مرض, ولا فِيهَا شيخوخة وهرم, ولا فِيهَا هموم ولا أحزان, ولا بول ولا غائط ولا مخاط, وبالنسبة للمرأة لا حيض ولا نفاس, وَإِنَّمَا صحة كاملة وشباب كامل وطهارة كاملة, وراحة كاملة وطمأنينة كاملة.
ينزع ما في صدور الْمُؤْمِنِينَ من الغل, بَعْدَ أن يقتص بَعْضُهُمْ من بعض ينزع ما في صدورهم من غل, فيدخلون الجنة عَلَى غاية من الصفاء وسلامة الصدر, قَالَ تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ)[الحجر/47] ، نسأل الله (.....) .
هَذِهِ ثمرة الإيمان، ومع ذلك خالدين, ما يموت ولا يمرضون (ﯙ ﯚﯨ)[التوبة/72]؛ وصفها الله بأنها طيبة, وهو الطيب سبحانه وتعالى.
(في جنات عدن) الإقامة, ثُمَّ قَالَ: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ)[التوبة/72]؛ خبر من الله أن هَذَا هو الفوز العظيم, هُوَ الفوز العظيم الَّذِي لا أعظم منه, هَذَا هُوَ الفوز ليس الفوز في مباراة كما يدعي بعض النَّاس في الدنيا, مباراة في كرة القدم الَّتِي جاءت إلينا من أعدائنا, وما كان الْمُسْلِمِين يعرفون هَذَا, ولا يعظمون الكرة ولا يعيرونها اهتمامًا, وَإِنَّمَا الكرة للصبيان يلعبون بها ويتهلون, صارت الآن الكرة هِيَ الَّتِي تشغل النَّاس وتأخذ حيزًا كبيرًا من أوقاتهم وأفكارهم وأموالهم.
أو الفوز في تجارة دنيوية لا, الفوز العظيم هُوَ الفوز بطاعة الله U, الفوز بدار كرامته وجنته؛ الَّتِي هِيَ من ثمرات الإيمان هَذَا هُوَ الفوز العظيم.
(المتن)
فنالوا رضا ربهم ورحمته، والفوز بهذه المساكن الطيبة بإيمانهم الذي كملوا به أنفسهم، وكملوا غيرهم بقيامهم بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فاستولوا على أجل الوسائل، وأفضل الغايات وذلك فضل الله.
ثالثا: ومنها: أن الإيمان الكامل يمنع من دخول النار، والإيمان ولو قليلاً يمنع من الخلود فيها.
(الشرح)
نعم هَذِهِ من ثمرات الإيمان أن الإيمان إِذَا كَانَ كاملاً منع من دخول النار أصلاً لا يدخلون النار أبدًا, أَمَّا إِذَا كَانَ الإيمان ضعيفًا وناقصًا فإنه قَدْ يدخل النار وَلَكِن يمنعه هَذَا الإيمان ولو قليل من الخلود في النار.
فالمؤمن كامل الإيمان هُوَ الموحد لله الَّذِي أدي الواجبات وانتهى عَنْ المحرمات يدخل الجنة من أول وهلة, فضلاً من الله تعالى ولا يدخل النار أبدًا؛ لِأَنَّهُ أدى الواجب ولم يصر عَلَى محرم ولا يصر عَلَى كبيرة, أَمَّا الإيمان الضعيف الناقص فَهَذَا الَّذِي يفعل صاحبه الكبيرة, قَدْ يقع في الزنا, إِذَا ضعف الإيمان يقع في الزنا يزني, هُوَ لا يستحل الزنا, إن استحله كفر, انتهى الإيمان, إن قَالَ الزنا الحلال كفر وانتهى الإيمان.
قَدْ يقع صاحب الإيمان الضعيف في الربا في التعامل بالربا, قَدْ يقع في الرشوة, قَدْ يقع في عقوق الوالدين, قَدْ يقع في قطيعة الرحم, قَدْ يقع في الغش, قَدْ يقع في شهادة الزور, قَدْ يقع في العدوان عَلَى النَّاس في دمائهم, قَدْ يقع في العدوان عَلَى النَّاس في المال, قَدْ يقع في العدوان عَلَى النَّاس في الأعراض؛ لَكِن إن استحل ذَلِكَ كفر وصار مرتدًا وانتهى الإيمان.
أَمَّا إِذَا لَمْ يستحله وَلَكِن زنا غلبته الشهوة, يعلم أن الزنا حرام فَهَذَا عاصي مرتكب كبيرة, أَمَّا إِذَا قَالَ الزنا حلال كفر, كذلك يتعامل بالربا ويعلم أن الربا حرام؛ لَكِن غلبه حب المال والجشع والطمع فرابى, هَذَا ضعيف الإيمان مرتكب لكبيرة محارب لله ورسوله, لَكِن إِذَا قَالَ الربا حلال كفر, انتهى الإيمان.
كذلك عقوق الوالدين, عقوق الوالدين غلبه العقوق فعق والديه, لَكِن إِذَا استحله كفر, فهؤلاء ضعيفوا الإيمان, هَذَا خطر منهم من يعذب في قبره, ومنهم تصيبه أهوال وشدائد يوم القيامة ومنهم من يدخل النار, ومنهم من يمكث فِيهَا مدة طويلة وَلَكِن ما يخلد, يخرج بالإيمان ولو كَانَ إيمانه قليل ولو كَانَ مثقال ذرة, ثبت في الحديث الصحيح أن النَّبِيِّ r قَالَ: «يخرج من النار من كَانَ في قلبه مثقال ذرة من إيمان».
وثبت عَنْ النَّبِيِّ r يشفع في عصاة الموحدين, ويحد الله له حدًا, يَقُولُ له في المرة الأولى: أخرج من في قلبه مثقال شعيرة من إيمان, وفي بعضها مثال برة من إيمان, وفي المرة الثانية: أخرج من في قلبه نصف مثقال خبة من خردل, وفي المرة الثالثة: أخرج من كَانَ في قلبه أدنى مثقال حبة من خردل, وفي مرة أخرى: أخرج من كَانَ في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان, فمن كَانَ في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان لا يخلد في النار.
والمعاصي ولو كثرت لا تقضي عَلَى الإيمان؛ لَكِن تضعفه, متى ينتهي الإيمان؟ إِذَا وجد الكفر, إِذَا فعل الكفر الأكبر أو الشِّرْك الأكبر انتهى الإيمان.
أَمَّا إِذَا كَانَ موجدًا ولم يقع أعمال الشِّرْك الأكبر ولا الكفر الأكبر لَكِن ضعف بالمعاصي, هَذِهِ المعاصي تضعف, تضعف وتنقص وحتى ما يبقى إِلَّا مثقال حبة من خردل, فيخرج من النار بمثقال الحبة من خردل, يخرج من النار ولو طال مكثه, قَدْ يمكث مدة طويل بسبب كثرة جرائمه وضعف إيمانه, لَكِن في النهاية لا بد من الخروج ودخول الجنة.
أَمَّا إِذَا انتهى الإيمان ولم يبق منه شيء هَذَا لا حيلة فِيهِ هَذَا يخلد في النار, لا ينتهي الإيمان إِلا إِذَا وجد الكفر الأكبر, سب الله وسب الرسول انتهى الإيمان, أو استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله انتهى الإيمان, أو عبد الصنم انتهى الإيمان, أو شك في الجنة أو في النار أو في البعث أو في الجزاء, أو شك في ربوبية الله وإلهيته انتهى الإيمان.
أو أنكر أمرا معلوم من الدين بالضرورة قَالَ: الصلاة ليست واجبة انتهى الإيمان, أو جحد وجوب الزكاة, أو وجوب الحج, أو جحد تحريم الزنا قَالَ: الزنا ما هُوَ حرام انتهى الإيمان, أو قَالَ: الربا حلال انتهى الإيمان, أو قَالَ: الخمر حلال ينتهي الإيمان.
إِمَّا إِذَا لَمْ يستحله وَلَكِن فعله طاعة للهوى والشيطان فَهَذَا يكون عاصي يكون إيمانه ضعيف ناقص قليل, هَذَا ما ينتهي الإيمان, ولا يخلد في النار.
فإن من ثمرات الإيمان وفوائد أَنَّهُ إِذَا كَانَ كامل يمنع من دخول النار أصلاً, ما يمكن أن يدخل النار أبدًا, الْمُؤْمِن كامل الإيمان لا يدخل النار أبدًا, أَمَّا إِذَا كَانَ الإيمان ضعيفًا بالمعاصي, أضعفته المعاصي وصار ضعيفًا فَهَذَا يمعنه إيمانه ولو كَانَ قليلاً من الخلود في النار, لَكِن قَدْ لا يمنعه من دخلوها, لا يمنعه من الدخول لَكِن يمنعه من الخلود والبقاء فِيهَا, لا بد من معرفة هَذَا الأمر، مهم هذا الأمر.
(المتن)
فإن من آمن إيمانًا أدى به الواجبات، وترك المحرمات فإنه لا يدخل النار, كما تواترت بذلك الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأصل. كما تواتر عنه أنه «لا يخلد في النار من في قلبه شيء من الإيمان ولو يسيرًا».
(الشرح)
نعم هَذَا هُوَ الإيمان الكامل, الإيمان الكامل هُوَ الَّذِي يؤدي صاحبه الواجبات والعبد عَنْ المحرمات, هَذَا لا يدخل النار أبدًا, موحد كمل إيمانه أدى ما أوجب الله عليه وابتعد عما حرم الله عليه لا يدخل النار إطلاقًا, إِنَّمَا يدخلها متى؟ إِذَا ضعف الإيمان وجاءت المعاصي, جاءت الشبهات والشهوات, إِذَا كمل الإيمان أحرق الشهوات والشبهات, وما يبقى شيء من المعاصي, ولا يمكن أن يقع في المعصية؛ لِأَنَّ قوة الإيمان تحرق, تحرق الشبهات والشهوات, إِذَا ضعف الإيمان جاءت الشبهات وأضعف الإيمان الشهوات.
(المتن)
قال: ومن ثمرات الإيمان: أن الله يدافع عن المؤمنين جميع المكاره، وينجيهم من الشدائد. كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) [سورة الحج: 38].
(الشرح)
من ثمرات الإيمان أن الله يدفع عَنْ الْمُؤْمِن المكاره وينجيه من الشدائد, هَذِهِ من ثمرات الإيمان, قَالَ: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ)[الحج/38] .
وَقَالَ سبحانه: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ)[الطلاق/2]؛ من يتق الله يَعْنِي بالإيمان, تقوى الله تكون بالإيمان والعمل الصالح, فالمؤمن التقي إذا أصابته شدة لا بد أن ينجيه الله, (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ)[الطلاق/2]؛ هَذِهِ من ثمرات الإيمان, دفع المكاره والنجاة من الشدائد والكروبات, فالمؤمن ينجيه الله من كروبات الدنيا وكروبات الآخرة.
(المتن)
أي: يدفع عنهم كل مكروه، يدفع عنهم شر شياطين الإنس وشياطين الجن، ويدفع عنهم الأعداء، ويدفع عنهم المكاره قبل نزولها، ويرفعها أو يخففها بعد نزولها.
(الشرح)
نعم هَذِهِ من ثمرات الإيمان يدفع الله عنه الأعداء ويدفع عنه الكروبات والشدائد قبل نزولها أو يخففها بَعْدَ نزولها.
(المتن)
ولما ذكر تعالى ما وقع فيه يونس عليه الصلاة والسلام وأنه (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) ، قال: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) [سورة الأنبياء/87-88].
(الشرح)
يونس عليه السلام نبي من أنبياء الله, أرسله الله إِلَى قوم فدعاهم إِلَى الله وأمرهم بتوحيده فردوا عليه دعوته, فغضب وذهب وتركهم وركب البحر, فركب في سفينة فامتلأت السفينة وثقلت, قَالُوا: لا بد أن نخفف منها, وَإِلَّا هلكت السفينة, فساهموا من الَّذِي ينزل من السفينة؛ فوقع السهم عَلَى يونس, فَلَمَّا قفز صار في فم الحوت, بلعته الحوت ووصل إِلَى بطنها في الحال, فوقع في كربة وشدة عظيمة, في شدة وكربة وجعل يسبح في بطن الحوت, قَالَ تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ)[الصافات/143-144] .
والبحر أمواج ظلمات بعضها فوق بعض, وقد يكون في الليل تكون ظلمات, (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ)[الأنبياء/87] .
قَالَ الله: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ)[الأنبياء/88]؛ ليس خاصًا بيونس, فكما نجى الله يونس ينجي سائر الْمُؤْمِنِينَ.
جاء في بعض الآثار قَدْ يكون من الإسرائيليات أن الملائكة قالوا: يا ربنا نسمع صوتًا معروفًا من مكانٍ منكر, صوت هم يسمعوه نبي الله, لَكِن أين المكان؟ في بطن الحوت في قعر البحار.
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أخرجه الله وأنبت له شجرة اليقطين وهي شجرة قِيلَ: الحكمة في ذَلِكَ والله أعلم أَنَّهُ لَمَّا كان في بطن الحوت صار جسمه رقيقًا لا يتحمل الشمس؛ حَتَّى يحتاج إِلَى أن يتعود عَلَى الهواء, فلو وقع عَلَى جسمه وكان ضعيفًا ظل في بطن الحوت مدة, لو وقعت حشرة جرحته, فأنبت الله له في الحال شجرة اليقطين الَّتِي لا يقع عليها شيء من الدواب؛ حَتَّى يتقوى جسمه, ويتعود عَلَى الهواء, ويتصلب، وَهَذَا من تربية الله وعنايته بنبي الله يونس.
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أرسله الله إِلَى قومه, قومه ندموا وتمنوا أَنَّهُ يرجع إليهم, فرجع إليهم فدعاهم إِلَى الله فآمنوا في الحال, وكانوا مائة ألف أو يزيد, قَالَ تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ)[الصافات/140]؛ يَعْنِي الملئان (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ)[الصافات/141-148] .
(المتن)
إذا وقعوا في الشدائد، كما أنجينا يونس. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعوة أخي يونس ما دعا بها مكروب إلا فرج الله عنه كربته (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)».
(الشرح)
نعم دعوة أخي يونس؛ لِأَنَّ الأنبياء أخوة لعلات, دعوة أخي يونس ما دعا بها مكروب إِلَّا نجاه الله من كربته, ما هِيَ دعوته؟ لا إله إِلَّا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين, فَهَذَا توسل بكلمة التوحيد لا إله إِلَّا الله, وتوسل باعترافك أيها العبد بظلمك لنفسك, أنت تتوسل بأنه لا معبود بحق إِلَّا الله, تتوسل بالتوحيد, وتتوسل باعترافك بتقصيرك وظلمك وأنك ضال, لا إله إِلَّا أنت يا الله, ولا معبود بحق سواك, إني كنت من الظالمين, ظالم لنفسي بالمعاصي فاغفر لي.
وجاء في الحديث: «من قَالَ أنا خير من يونس بْنُ متى فقد كذب», وَذَلِكَ أن بعض النَّاس قَدْ يتوهم نقص في حق نبي الله يونس؛ لِأَنَّهُ ذهب وترك قومه, فمن قَالَ إنه خير من يونس فقد كذب؛ لِأَنَّهُ نبي من أنبياء الله والأنبياء أفضل النَّاس, والذي يَقُولُ أَنَّهُ أفضل من يونس كذاب؛ لِأَنَّ يونس أفضل منه وهو نبي, فمن قَالَ أنا خير من يونس بْنُ متى فقد كذب؛ ولا يمكن أن يَقُولُ هَذَا نبي وإنما يقوله شخص جاهل.
(المتن)
وقال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ) أي: بالقيام بالإيمان ولوازمه، (يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) [سورة الطلاق: 2] أي: من كل ما ضاق على الناس: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [سورة الطلاق: 4] .
(الشرح)
من يتق الله بالإيمان والأعمال الصالحة يجعل له مخرجًا من كُلّ ضيق, من كل ما ضاق على الناس وَهَذَا بشارة للمؤمن التقي أن الله ينجيه من الشدائد والكروبات؛ في الدنيا والآخرة.
(المتن)
فالمؤمن المتقي ييسر الله أموره وييسره لليسرى.
(الشرح)
كذلك من ثمرات الإيمان التقوى, (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ)[الطلاق/4]؛ وفي الآية الأخرى: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ)[الطلاق/5] .
وفي الآية الأخرى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ)[الأنفال/29] .
فالمتقي موعود بأن يقذف الله في قلبه نور يفرق بِهِ بين الْحَقّ والباطل, موعود بتكفير السيئات ورفع الدرجات وتفريج الكروبات وتيسير أموره, كُلّ هَذَا من ثمرات الإيمان والتقوى.
(المتن)
فالمؤمن المتقي ييسر الله أموره وييسره لليسرى ويجنبه العسرى، ويسهل عليه الصعاب ويجعل له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ويرزقه من حيث لا يحتسب. وشواهد هذا كثير، من الكتاب والسنة.
(الشرح)
كُلّ هَذِهِ من ثمرات الأيمان ويرزقه من حيث لا يحتسب, فالتقوى من أسباب الرزق, ومن أسباب تيسير الأمور وتفريج الكروبات وتكفير السيئات ورفع الدرجات, والعلم والنور الَّذِي يفرق بِهِ بين الحق والباطل.
(المتن)
خامسا: ومنها: أن الإيمان والعمل الصالح الذي هو فرعه يثمر الحياة الطيبة في هذه الدار، وفي دار القرار.
(الشرح)
العمل الصالح ثمرة الإيمان, يثمر الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة, فالحياة الطيبة في الدنيا طمأنينة القلب, وراحة الضمير, والأنس بالله وبتوحيده وعبادته وطاعته, والحياة الطيبة في الآخرة دخول الجنة والتمتع بدار كرامته, والنظر إِلَى وجه الله الكريم, هَذِهِ من ثمرات الإيمان والتقوى.
(المتن)
قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [سورة النحل: 97] .
وذلك أن من خصائص الإيمان، أنه يثمر طمأنينة القلب وراحته، وقناعته بما رزق الله، وعدم تعلقه بغيره. وهذه هي الحياة الطيبة. فإن أصل الحياة الطيبة راحة القلب وطمأنينته، وعدم تشوشه مما يتشوش منه الفاقد للإيمان الصحيح.
(الشرح)
وهذه لاشك أَنَّهَا من أعظم النعم, راحة النفس وطمأنينة القلب تجعل الإنسان مرتاح, ويعيش عيشة هنيئة, حَتَّى ولو كَانَ مريضًا, ولو كَانَ فقيرًا ولو كَانَ يسكن في كوخ, إِذَا رزقه الله طمأنينة في القلب وراحة النفس صار أسعد النَّاس, وألذ النَّاس عيشًا, ولو كَانَ يسكن في كوخ ولا يأكل إِلَّا الملح هُوَ أسعد النَّاس, بسبب ما رزقه الله من طمأنينة القلب وراحة النفس, قَدْ يكون مريض عَلَى الفراش وقد رزقه الله الإيمان.
أَمَّا إِذَا لَمْ يرزق الطمأنينة ولم يرزق الراحة يكون أشقى النَّاس ولو كَانَ ملكًا من الملوك, ولو كَانَ أكثر النَّاس مالًا, تجد الكثير من التجار وأصحاب الأموال؛ الَّذِينَ عندهم جشع وطمع, ويجمعون المال من الحلال والحرام, عندهم ألاف مؤلفة والمليارات كما يقال في هَذَا الزمان, ولكنهم في شقاء في تعاسة, مَعَ عنده طمأنينة ولا راحة ولا يهنأ بعيش ولا بنوم, انظر إِلَى الكثير من التجار الآن يتمنى أن يستريح ساعتين ثلاثة في الْيَوْم ولا يحصل هَذَا.
إِذَا جلس تجد عنده أربع تليفونات خمسة عنده في اليوم, وعنده هم وقلق في تجاراته وفي الأموال هل تخسر هل تربح؟ وما هِيَ وجوه التجارة والربح؟ ثُمَّ أَيْضًا كيفية تنميتها وحراستها, هُوَ يحرس المال ويبقى في شقاء وفي تعاسة وفي هم وفي قلق وليس عنده راحة ولا طمأنينة ولا يهنأ بنوم ولا بأكل ولا بشرب.
وَلَكِن بعض المتقين الْمُؤْمِنِينَ الموفقين الموفق إِلَى الإيمان والعمل الصالح تجده فقير يسكن في بيت متواضع, يسكون في كوخ لَكِن عنده راحة وطمأنينة, ينام مرتاح ويأكل مرتاح ويذهب إِلَى العبادة مرتاح, عنده راحة وطمأنينة نفس, ولذة عيش, لا يجد حلاوتها الملوك, ولهذا قَالَ بعض السلف الَّذِي وفقوا إِلَى العمل الصالح ولذة العيش وراحة النفس وطمأنينتها؛ يتلذذون بالعبادة, يتلذذون بتلاوة القرآن في الليل, ألذ من أهل اللهو في لهوهم وأهل الطرب في طربهم, يَقُولُ بَعْضُهُمْ: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نَحْنُ فِيهِ من اللذة لجالدونا عليه بالسيوف.
ما يدرون ولا يجدون هَذِهِ اللذة والراحة الَّتِي نَحْنُ فِيهَا, ولو علموا ما نَحْنُ فِيهِ من السعادة واللذة, لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نَحْنُ فِيهِ من اللذة والطمأنينة واللذة والسعادة لجالدونا عليها بالسيوف, نَحْنُ مرتاحون وهم في هم دائم وقلق وانزعاج عدم طمأنينة وراحة بال لا في نوم ولا في شرب ولا أكل وهؤلاء مرتاحون, هَذِهِ من ثمرات الإيمان.
ليست السعادة في جمع المال, ليست السعادة في المال وليست السعادة في المنصب, وليست السعادة في كثرة المال ولا كثرة الولد, ولا في الزعامة ولا في الرياسة ولا في المنصب, السعادة في طاعة الله U, السعداء هم المؤمنون والمتقون, هم أهل الحياة الطيبة, (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ)[النحل/97] نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.
(المتن)
ومنها: أن جميع الأعمال والأقوال إنما تصح وتكمل بحسب ما يقوم بقلب صاحبها من الإيمان والإخلاص.
(الشرح)
الأعمال والأقوال لا يصححها إِلَّا الإيمان, كُلّ عمل وكل قول لا ينبني عَلَى إيمان فهو باطل, أعمال العبد إِنَّمَا تكون نافعة ومقبولة وصحيحة بالإيمان والعمل الصالح, ولهذا فإن الكافر لو عمل أيْ عمل فهو مردود عليه ما ينفعه.
قَالَ تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ)[الفرقان/23] .
وَقَالَ الله تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ)[الأنعام/88] .
إذا انتفى الإيمان بطلت الأعمال وحبطت, والكافر لا ينفع منه عمل, إذا فعل الكافر حسنة في الدنيا, يجازى عليها في الدنيا, إذا وصل رحمه أو فعل خير معروف يجازى بِهِ في الدنيا, صحة في بدنه ومالًا وولدًا, ثُمَّ يفضي إِلَى الآخرة ولا حسنات له فيكون إِلَى النار والعياذ بالله.
لِأَنَّ أعماله ما تنفع من دون الإيمان, إذا فعل شيء من الطاعات ما تصح؛ لَكِن يجازى بها في الدنيا, تكون أجرها عاجل له في الدنيا, أَمَّا في الآخرة إِلَى النار نعوذ بالله.
(المتن)
ولهذا يذكر الله هذا الشرط الذي هو أساس كل عمل مثل قوله: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ) [الأنبياء/94] أي: لا يجحد سعيه، ولا يضيع عمله.
(الشرح)
الْمُؤْمِن لا كفران لسعيه ولا يرد عمله إِذَا كَانَ مؤمنًا هَذَا الشرط.
(المتن)
بل يضاعف بحسب قوة إيمانه.
(الشرح)
وَهَذَا الشرط الإيمان شرط لجميع الأعمال, (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮜ)[النحل/97] .
وَقَالَ تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ)[الإسراء/19]؛ وهو مؤمن لا بد من الإيمان.
(المتن)
وقال: (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) [الإسراء/19] .
(الشرح)
نعم اشترط الإيمان.
(المتن)
والسعي للآخرة، هو العمل بكل ما يقرب إليها، ويدني منها من الأعمال التي شرعها الله على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
(الشرح)
السعي للآخرة السعي إِلَى كُلّ عمل يقربه إِلَى الله, من الأعمال والأقوال الَّتِي شرعها الله في كتابه وعلى لسان رسوله r.
(المتن)
فإذا تأسست على الإيمان، وانبنت عليه، كان السعي مشكورًا مقبولًا مضاعفًا.
(الشرح)
نعم إِذَا أسست الأعمال والأقوال عَلَى الإيمان وانبنت عليه صارت بناء؛ وصار الإيمان هُوَ الأساس والأعمال هِيَ البناء, تتأسس عَلَى الإيمان وتنبني عليه, يكون الإيمان هُوَ الأساس, والبناء هِيَ الأعمال والأقوال, صارت مقبولة ونافعة, الأساس هُوَ الإيمان والتوحيد, والأقوال والأعمال هِيَ البناء؛ الَّتِي فوق الأساس, أَمَّا أعمال وأقوال بدون أساس ما تصلح بدون إيمان ما تصح, كما لو بنى الإنسان بيتًا فلم يحفر له أساسا على وجه الْأَرْض ماذا يكون البناء؟ ينهار ويقع في الحال.
(المتن)
لا يضيع منه مثقال ذرة, وأما إذا فقد العمل الإيمان، فلو استغرق العامل ليله ونهاره، فإنه غير مقبول.
(الشرح)
إِذَا فقد الأساس لو يعمل الليل والنهار من الطاعات لا تنفع, لو فقد الإيمان ما ينفع لو عمل ليل نهار, أقوال حسنة وأعمال حسنة يصلي في الليل والنهار, يصوم النهار يعمل أعمالًا طيبة لَكِن ما عنده إيمان ما تنفع, تكون كلها هباءً منثورًا, ما تصح إِلَّا بالإيمان.
(المتن)
قال تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) [الفرقان/23] .
وذلك؛ لأنها أسست على غير الإيمان بالله ورسوله، الذي روحه الإخلاص للمعبود، والمتابعة للرسول.
(الشرح)
- الإيمان لا بد فِيهِ من أمرين:
- الإخلاص لله تعالى.
- والمتابعة لرسوله r.
إخلاص يريد بعمله وجه الله, والثاني المتابعة للنبي r بأن يكون العمل موافق للشرع.
(المتن)
وقال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا) [الكهف/ 103 - 105]؛ فهم لما فقدوا الإيمان، وحل محله الكفر بالله وآياته، حبطت أعمالهم.
(الشرح)
حبطت يَعْنِي بطلت, بطلت بسبب الكفر وفقد الإيمان, فبين أن الشِّرْك يحبط الأعمال ويبطلها.
(المتن)
وقال تعالى: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [سورة الزمر: 65]. (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام/ 88] .
(الشرح)
وَهَذَا في حق الأنبياء لو أشركوا لحبط عنهم ما كَانُوا يعملون؛ وهم معصومون من الشِّرْك, وقال لنبيه: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ)[الزمر/65] .
والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الشِّرْكَ, لَكِن هَذَا شرط تقديري, شرط مقدر لا يكون, المراد بِهِ بيان عظم الشِّرْكَ وأن الشِّرْكَ يحبط الأعمال, ولو أَنَّهُ أشرك من أشرك أيْ إنسان كان أيْ شخص كان لو أشرك حبط عمله؛ حَتَّى ولو كان نبينًا, لَكِن النَّبِيِّ معصوم من الشِّرْكَ.
(المتن)
ولهذا كانت الردة عن الإيمان تحبط جميع الأعمال الصالحة.
(الشرح)
إِذَا ارتد اَلْمُسْلِم عَنْ دينه لحبط عمله, بشرط أن يموت عَلَى الكفر, أَمَّا إِذَا ارتد ثُمَّ منَّ الله عليه بالرجوع إِلَى الإسلام قبل الموت فلا تحبط أعماله؛ بل تبقى له في حين عاد إِلَى الإسلام, أَمَّا إِذَا مات عَلَى الكفر حبطت نعوذ بالله, قَالَ تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ)[البقرة/217] .
فاشرط لحبوط العمل أن يموت عَلَى الكفر, (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮮ)[البقرة/217]؛ اشترط الرب سبحانه وتعالى لحبوط العمل أن يموت عَلَى الكفر, أَمَّا إذا ارتد ثُمَّ منَّ الله عليه بالإسلام ومات عَلَى الإسلام فَإِنَّهُ يحرز أعماله السابقة في إسلامه ولا تحبط.
(المتن)
كما أن الدخول في الإسلام والإيمان يجبُّ ما قبله من السيئات وإن عظمت، والتوبة من الذنوب المنافية للإيمان والقادحة فيه، والمنقصة له تجبُّ ما قبلها.
(الشرح)
يَعْنِي الإسلام يجب ما قبله إذا أسلم الكافر إسلامه يجب ما قبله, والتوبة من الذنوب والمعاصي إذا كانت عامة كفر الله بها جميع السيئات, وَهَذَا إذا حسن إسلامه, إذا حسن إسلامه يعني تاب من الكفر وتاب من المعاصي كفر الله بهذا الإسلام جميع الذنوب.
أَمَّا إذا ساء إسلامه وَلَمْ يتب من جميع المعاصي فإنها تبقى عليه المعاصي, إذا كان هُنَاكَ كافر يشرب الخمر, ثُمَّ تاب من الكفر ومن شرب الخمر هَذَا حسن إسلامه, كفر الله بتوبته جميع المعاصي, أَمَّا إذا تاب من الكفر وَلَكِن ما تاب من الخمر, فإن توبته من الكفر صحيحة ويؤاخذ بشرب الخمر في السابق واللاحق.
وكذلك التوبة إذا كان الإنسان يشرب الخمر ويعق والديه وتاب من شرب الخمر وَلَمْ يتب من عقوق الوالدين صحت توبته من شرب الخمر وبقيت عليه عقوق الوالدين, وإِذَا تاب توبة عامة من جميع الذنوب والمعاصي صارت التوبة مكفرة لجميع الذنوب والسيئات, وفق الله الجميع لطاعته ورزقهم العمل النافع والعمل الصالح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.