شعار الموقع

شرح كتاب التوضيح والبيان لشجرة الايمان_6

00:00
00:00
تحميل
110

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام عَلَى نبينا محمد.

(المتن)

(.....) ومن ثمرات الإيمان ولوازمه من الأعمال الصالحة ما ذكره الله بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا)[مريم/96], أي بسبب إيمانهم وأعمال الإيمان، يحبهم الله ويجعل لهم المحبة في قلوب المؤمنين.

ومن أحبه الله وأحبه المؤمنون من عباده حصلت له السعادة والفلاح والفوائد الكثيرة من محبة المؤمنين من الثناء والدعاء له حيًا وميتًا، والاقتداء به، وحصول الإمامة في الدين.

(الشرح)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أَمَّا بَعْدَ: ...

فهذه من ثمرات الإيمان, من ثمرات الإيمان والفوائد العظيمة أن الله تعالى يحب عبده الْمُؤْمِن ويجعل في قلوب عباده محبةٌ له, كما قَالَ الله سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ)[مريم/96] .

إن الَّذِينَ آمنوا: صدقوا واعترفوا بقلوبهم في الباطن, وعملوا بجوارحهم الصَّالِحَات, (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ)[مريم/96]؛ أيْ محبة الود هُوَ المحبة, يجعل الله له ودًا ومحبةً يحبه هُوَ سبحانه وتعالى ويجعل في قلوب عباده محبةً له, وَهَذَا من ثمرات الإيمان العظيمة.

وفي الحديث الصحيح «أن الله تعالى إذا أحب عبدًا أخبر جبرائيل بأن الله يحبه, فيحبه جبريل, ثُمَّ ينادى جبرائيل في أهل السماء إن الله يحب فلان فأحبوه, فيحبه أهل السماء, ثُمَّ يوضع له القبول في الأرض, وأن الله تعالى إذا أبغض عبدًا نادى جبرائيل أن الله يبغضه فيبغضه جبريل, فينادى جبرائيل في أهل السماء إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه ثُمَّ توضع له البغضاء في الأرض».

من ثمرات الإيمان وفوائده العظيمة أن الله تعالى يحب عبده الْمُؤْمِن ويجعل في قلوب عباده حبًا له وسرورًا ويضع له القبول في الأرض, ويكون إمامًا في الدين إذا كان عالمًا, تكون له الإمامة في الدين بسبب صبره ويقينه, فإن الإمامة في الدين تنال بالصبر واليقين, كما قَالَ سبحانه: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ)[السجدة/24] .

يكون إمامًا يقتدى بِهِ في الخير ويتأسى بِهِ في العمل الصالح, ويدعا له ويثنى عليه, الأخيار يثنون عليه ويدعون له حيًا وميتًا, وَهَذَا فوائد عظيمة.

                                (المتن)

وهذه أيضًا من أجل ثمرات الإيمان، أن يجعل الله المؤمنين الذين كملوا إيمانهم بالعلم والعمل لسان صدق ويجعلهم أئمة يهتدون بأمره كما قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) [السجدة/24] .

(الشرح)

هَذِهِ فوائد عظيمة لما كملوا أنفسهم بالعلم والعمل صاروا أئمة في الدين, يقتدى بهم ويتأسى بأفعالهم الحسنة.

(المتن)

 فبالصبر واليقين اللذين هما رأس الإيمان وكماله نالوا الإمامة في الدين.

تاسعا: ومنها: قوله تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة/11] .

فأهل الإيمان والعلم يرفعهم الله في الدنيا والآخرة.

(الشرح)

هَذِهِ من ثمرات الإيمان من ثمرات الإيمان العلم؛ فإن الْمُؤْمِن لا يزال يتعلم ويترقى حَتَّى يكون إمامًا في الخير وقدوة في الدين فيرفعه الله درجة في الدنيا والآخرة؛ كما قَالَ سبحانه: ( ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ)[المجادلة/11] .

قَالَ عز وجل: ( ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ)[الزمر/9] .

وهم أهل الخشية الكاملة العلماء من خواص الْمُؤْمِنِينَ, وهم أهل الخشية التامة: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ)[فاطر/28] .

يَعْنِي إِنَّمَا يخشى الله الخشية التامة, وإلا فكل مؤمن يخشى الله من لَمْ يخشى الله فليس بمؤمن, كُلّ الْمُؤْمِنِينَ عندهم أصل الخشية؛ وَلَكِن العلماء أكمل النَّاس خشية, ( ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ)[فاطر/28]؛ وفي مقدمتهم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام, في مقدمة العلماء الأنبياء والرسل, هم أعظم النَّاس خشية لله U, وأكثر النَّاس خشية, وأعظمهم خشيةً أولي العزم الخمسة, نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام, وأعظم أولي العزم خشية هما الخليلان إبراهيم ومحمد عليهم الصلاة والسلام, وأعظم الخليلين خشية نبينا ومولانا وقدوتنا محمد بْنِ عبد الله, فهو أخشى النَّاس وأتقى النَّاس, وأعظم النَّاس, وأزهد النَّاس وأشجع النَّاس وأفضلهم في جميع الصفات الحميدة.

قَالَ عليه الصلاة والسلام: «أَمَّا والله إني لأعلمكم بالله وأخشاكم له», أو كما قَالَ عليه الصلاة والسلام.

(المتن)

وإنما نالوا هذه الرفعة بإيمانهم الصحيح وعلمهم ويقينهم والعلم.

(الشرح)

نالوا هَذِهِ الرفعة بالإيمان والعلم واليقين.

(المتن)

عاشرا: ومن ثمرات الإيمان: حصول البشارة بكرامة الله، والأمن التام من جميع الوجوه.

كما قال تعالى: (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)[البقرة/223] فأطلقها؛ ليعم الخير العاجل والآجل، وقيدها في مثل قوله تعالى: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)[البقرة25] فلهم البشارة المطلقة والمقيدة.

(الشرح)

نعم وهذه ثمرة الإيمان حصولهم عَلَى البشارة في كُلّ خير في الدنيا والآخرة, قَالَ تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ)[البقرة/223] .

يَعْنِي بشرهم بكل خير, بشرهم بالرفعة والسعادة والسيادة والعز والتمكين في الدنيا وبشرهم بالثواب العظيم والأجر الكبير, المبشر بِهِ يعم كُلّ خير في الدنيا والآخرة, وبشر الْمُؤْمِنِينَ بكل خير, بالرفعة والتمكين والعز والغلبة والنصر والقوة, وبشرهم في الآخرة بالثواب, وفي الآيات الأخرى قيد البشارة بالجنة, قَالَ: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭸ)[البقرة/25] .

 ومن البشارة الثناء الحسن من الْمُؤْمِنِينَ في الدنيا, والرؤى الصالحة الَّتِي تُرى للمؤمن بَعْدَ موته, كما قَالَ سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ)[يونس/62-63] .

جاء في تفسير هَذِهِ الآيات الكريمة أن البشرى في الدنيا بالثناء الحسن, وبالروية الصالحة الَّتِي يراها الْمُؤْمِن أو تُرى له, وفي الحديث الصحيح أن النَّبِيِّ r قَالَ: «ذهبت النبوة وَلَمْ يبق إِلَّا مبشرات, قِيلَ وما المبشرات يا رسول الله؟ قَالَ: الرؤية الصالحة يراها الْمُؤْمِن أو تُرى له».

(المتن)

ولهم الأمن المطلق في مثل قوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)[ الأنعام/82] .

(الشرح)

هَذِهِ من فوائد وثمرات الإيمان أن لهم الأمن ولهم الهداية, وكل مؤمن موحد مات عَلَى التوحيد فله الأمن وله الهداية, كما قَالَ سبحانه: (ﭑ ﭒﭜ)[الأنعام/82] .

الَّذِينَ آمنوا يَعْنِي وحدوا, ( ﭓ ﭔ ﭜ)[الأنعام/82]؛ أيْ لَمْ يخلطوا(ﭕ ﭜ)؛ أيْ توحيدهم, ( ﭖ ﭜ)؛ أيْ بشك.

(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭜ)[الأنعام/82]؛ أيْ الَّذِينَ وحدوا الله وَلَمْ يخلطوا توحيدهم بشرك( ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ)[الأنعام/82] .

لهم الأمن من العذاب في الآخرة ولهم الهداية في الدنيا, وَهَذَا الأمن الَّذِي ثبت لهم في الآخرة عَلَى نوعين:

النوع الأول: أمنٌ من دخول النار وأمنٌ من العذاب, وَهَذَا للمؤمنين الكمل, الَّذِينَ كملوا إيمانهم بالأعمال الصالحة, ووحدوا الله وأدوا الفرائض والواجبات وانتهوا عَنْ المحرمات, هؤلاء لهم الأمن من دخول النار, فهم مؤمنون من دخول النار, مؤمنون من الشرور مؤمنون من العذاب, مؤمنون من أهوال يوم القيامة, مؤمنون من عذاب القبر؛ لِأَنَّهُمْ كمل إيمانهم فكمل لهم الأمن, فصار لهم الأمن الكامل.

ولهم الهداية الكاملة في الدنيا, الهداية الكاملة في الدنيا وأمنهم تام في الآخرة, فهم مؤمنون من الشرور من شرور الدنيا والآخرة, فلا يصيبهم عذاب في البرزخ ولا يصيبهم أهوال وشدائد يوم القيامة, ولا يدخلون النار ويدخلون الجنة فضلاً من الله تعالى وإحسان.

والنوع الثاني: أمن ناقص, وَهَذَا لعصاة الموحدين, فلهم الأمن من الخلود في النار؛ لَكِن ليس لهم الأمن من دخلوها, وليس لهم الأمن من عذابها, قَدْ يعذب بسبب نقص إيمانه, الَّذِي نقص إيمانه فقصر في بعض الواجبات أو اجترح بعض المحرمات فصار له الأمن الناقص, لهم الأمن من الخلود في النار, وَلَكِن قَدْ يعذب في قبره كما في قصة الرجلين الَّذِينَ مر بهما النَّبِيِّ r كما في حديث اِبْن عباس, فَقَالَ: «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أَمَّا أحدهما فكان لا يستنزه من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة, ثُمَّ أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين وغرز في كُلّ قبر واحدة وقال لعله يخفف عنهما ما لَمْ ييبسا».

هذان الرجلان حصل لهم عذاب في القبر وقد تصيبه أهوال وشدائد في موقف القيامة وقد يعذب في النار مدة ثُمَّ في النهاية يخرج, إِذَا طهر من العذاب خرج؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِن من أهل الجنة وليس من أهل النار, لَكِن لما أصبه القذر بسبب المعاصي احتاج إِلَى الطهارة, احتاج إِلَى التطهير, فمن عفا الله عنه فهو بعفو الله, ومن لَمْ يعفو الله عنه لا بد أن يدخل النار, ومن دخل النار يطهر عَلَى قدر معاصيه وجرائمه, ثُمَّ يخرج منها في النهاية إِلَى الجنة.

فهؤلاء العصاة والموحدون لهم أمر ناقص, لهم الأمن من الخلود وليس لهم الأمن من دخول النار, قَدْ يدخلونها وقد يعفى عنهم, وقد يعذبون في قبورهم وقد لا يعذبون, وقد تصيبهم أهوال وشدائد يوم القيامة وقد لا تصيبهم هم عَلَى خطر, لَكِن في النهاية لهم الأمن من الخلود في النار.

(المتن)

ولهم الأمن المقيد.

(الشرح)

نعم الأمن المقيد لمن ليس معه إيمانًا كاملاً.

(المتن)

 في مثل قوله تعالى: (فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[ الأنعام/48] . فنفى عنهم الخوف لما يستقبلونه، والحزن مما مضى عليهم. وبذلك يتم لهم الأمن.

(الشرح)

الآية ليس فِيهَا أمن مقيد؛ بل أمن مطلق الآية هَذِهِ, ( ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ)[الأنعام/48]؛ والإيمان إذا أطلق دخل فِيهِ العمل, الإيمان المقيد إِنَّمَا هُوَ للعصاة, العصاة لهم أمنٌ ليس مطلقًا بل أمنٌ ناقص, كما أن هدايتهم ليست تامة, وفي هَذِهِ الآية أمنٌ مطلق( ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ)[الأنعام/48]؛ والإيمان إذا أطلق شمل الأعمال الصالحة, فمن آمن إيمانًا تامًا فعمل الصَّالِحَات أدى الفرائض وابتعد عن المحارم فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون, وكما في الحديث أن النَّبِيِّ r قَالَ: «بلى والذي نفسي بيده رجالٌ آمنوا بالله وصدقوا المرسلين», الإيمان إذا أطلق دخل فِيهِ العمل.

الأمن المقيد إِنَّمَا هُوَ للعصاة الَّذِينَ ماتوا عَلَى كبائر من غير توبة, هؤلاء لهم أمن مقيد ولهم هداية غير تامة, هدايتهم غير تامة, بخلاف الْمُؤْمِنِينَ الكمل فإن أمنهم تام وهدايتهم تامة.

(المتن)

فالمؤمن له الأمن التام في الدنيا والآخرة، أمن من سخط الله وعقابه، وأمن من جميع المكاره والشرور. وله البشارة الكاملة بكل خير، كما قال تعالى: (لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ)[ يونس/ 64] .

 ويوضح هذه البشارة قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ)[ فصلت/ 30 - 32] .

(الشرح)

هَذِهِ الآية فِيهَا بشارة عظيمة للمؤمنين, في المواقف والأماكن الحرجة الصعبة لهم هَذِهِ البشارة العظيمة يؤمنون عِنْدَ الموت ويوم القيامة, (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭤ)[فصلت/30]؛ أيْ معبودنا وإلهنا الْحَقّ هُوَ الله, فآمنوا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد r نبينا ورسولًا ثُمَّ استقاموا بالعمل.

(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭤ)[فصلت/30]؛ هَذَا هُوَ الإيمان ثُمَّ استقاموا عَلَى العمل, تتنزل عليهم الملائكة بثلاث بشارات عِنْدَ الموت:

البشارة الأولى: إِلَّا تخافوا.

البشارة الثانية: إِلَّا تحزنوا.

البشارة الثالثة: وأبشروا بالجنة.

البشارة الأولى: نفي الخوف عنهم في المستقبل, يَعْنِي لا تخافوا في المستقبل من عذاب القبر, لا تخافوا مِمَّا أمامكم من عذاب القبر, ولا تخافوا من أهوال يوم القيامة ولا تخافوا من عذاب النار فأنتم مأمنون.

البشارة الثانية: نفي الحزن لا تحزنوا عَلَى ما خلفتم في الدنيا من أموال وأولاد فَنَحْنُ نخلفكم في أولادكم.

البشارة الثالثة: البشارة بالجنة ( ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ)[فصلت/30]؛ أبشروا بدخول الجنة، نسأل الله (.....) .

(المتن)

وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[ الحديد: 28] .

(الشرح)

وهذه خير بشارة للمؤمنين في مضاعفة الأجر, (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯢ)[الحديد/28] .

ثلاث بشارات إيتاء الأجر مرتين مضاعف وإعطائهم نورًا يمشون بِهِ, والمغفرة من الله, ثلاثة بشارات, يعطيهم الله نورًا في الدنيا يفرقون بِهِ بين الْحَقّ والباطل, فيعلمون الْحَقّ فيوفقهم الله إِلَى العلم بِالْحَقِّ ثُمَّ العمل بِهِ.

وفي الآخرة يكون لهم نور يمشون بِهِ, ويحتاجون في الطريق الحسي حينما ينطفئ نور المنافقين, قَالَ سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ)[الحديد/12] .

والمنافقون يكون لهم نور في أول الْأَمْرِ ويمشون مَعَ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا معهم في الدنيا فظنوا أَنَّهُمْ سيستمرون معهم, ثُمَّ يمكر بِهِم والعياذ بالله, فينطفئ نور المنافقين فيبقون في الظلمات, فيقولون للمؤمنين: ( ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ)[الحديد/13]؛ بينما المؤمنون يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم.

(المتن)

فرتب على الإيمان حصول الثواب المضاعف، وكمال النور الذي يمشي به العبد في حياته، ويمشي به يوم القيامة (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)[ الحديد/ 12] فالمؤمن يمشي في الدنيا بنور علمه وإيمانه، وإذا طفئت الأنوار يوم القيامة، مشى بنوره على الصراط حتى يجوز به إلى دار الكرامة والنعيم.

(الشرح)

وَهَذَا بفضل الله تعالى وإحسانه عَلَى عباده, أن الله تعالى يعطيه في الدنيا نور وهو نور العلم والإيمان, فيهتدي إِلَى الحق ويعمل بِهِ, وفي الآخرة يعطيه الله نورًا حسيًا يمشي بِهِ حَتَّى يجوز عَلَى الصراط المنصوب عَلَى ظهر جهنم فيتجاوزه إِلَى الجنة, بينما المنافقون في شك وحيرة في الدنيا ليس عندهم نور وإنما عندهم شكوك وريب, وعدم ثبات وعدم طمأنينة, وفي حرج وقلق وفي الآخرة تنطفئ أنوارهم فيبقون في الظلمة, نسأل الله السلامة والعافية.

(المتن)

وكذلك رتب المغفرة على الإيمان، ومن غفرت سيئاته سلم من العقاب، ونال أعظم الثواب.

(الشرح)

يَقُولُ تعالى: ( ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ)[الحديد/28] .

فرتب الله عَلَى الإيمان مغفرة الذنوب, والمعنى أن الله يغفر ذنبوهم ويسترها فلا يعاقبون عليها ولا يصيبهم منها شر لا في الدنيا ولا في الآخرة, يغفرها ويسترها عليهم فلا يحاسبون بآثارها وشرورها.

(المتن)

الحادي عشر: ومن ثمرات الإيمان: حصول الفلاح الذي هو إدراك غاية الغايات، فإنه إدراك كل مطلوب، والسلامة من كل مرهوب والهدى الذي هو أشرف الوسائل.

(الشرح)

من ثمرات الإيمان حصولهم عَلَى الفلاح, والفلاح إدراك كُلّ مطلوب, والنجاة من كُلّ مرهوب, والحصول عَلَى الهداية التامة؛ كما قَالَ سبحانه وتعالى في الْمُؤْمِنِينَ: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ)[البقرة/2-5] .

وَقَالَ سبحانه في آية لقمان: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ)[لقمان/3-5] .

فلهم الهداية التامة ولهم الفلاح, هداية تامة بسبب إيمانهم واستقامتهم عَلَى دين الله وشرعه, والفلاح هُوَ أن يحصل الإنسان عَلَى كُلّ ما يطلبه, ويؤمن من كُلّ ما يخاف منه, وأعظم ما يطلبه الْمُؤْمِن رضا الله U والتنعم في دار كرامته وجنته والنظر إِلَى وجهه الكريم, وهذا حاصل، وأعظم شيء يخافه الْمُؤْمِن غضب الله وسخطه ومن النار, فهو مؤمن من غضب الله وسخطه ومن النار.

(المتن)

كما قال تعالى بعد ذكره المؤمنين بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل على من قبله، والإيمان بالغيب، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة اللتين هما من أعظم آثار الإيمان قال: (أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[ البقرة/ 5]؛ فهذا هو الهدى التام، والفلاح الكامل.

فلا سبيل إلى الهدى والفلاح اللذين لا صلاح ولا سعادة إلا بهما إلا بالإيمان التام بكل كتاب أنزله الله، وبكل رسول أرسله الله. فالهدى أجل الوسائل، والفلاح أكمل الغايات.

الثاني عشر: ومن ثمرات الإيمان: الانتفاع بالمواعظ والتذكير والآيات.

قال تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)[ الذرايات: 55].

(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ)[سورة الحجر: 77] .

(الشرح)

هَذَا من فوائد الإيمان أن الْمُؤْمِن يوفق للانتفاع بالمواعظ والذكرى, قَالَ سبحانه: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ)[الذاريات/55] .

وَقَالَ تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ)[الأعلى/10] .

أخبر أن الَّذِي يخشى الله هُوَ الَّذِي يتذكر وينتفع, وأخبر أن الذكرى تنفع الْمُؤْمِنِينَ, الْمُؤْمِن يوفقه الله فينتفع بالمواعظ؛ الَّتِي تلقى عليه والتي يسمعها فيعمل بها فيثيبه الله U, فإن الْمُؤْمِن يَقُولُ سمعنا وأطعنا فينتفع بقلبه وبلسانه, قَالَ تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ)[النور/51] .

بخلاف من لَمْ يوفق إِلَى الإيمان من الْكَفَرَة واليهود والنصارى؛ فإنهم لا ينتفعون بالمواعظ ولا تؤثر فيهم, ولا يسمعون ولا يطيعون, كما قَالَ سبحانه وتعالى عنهم: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﮃ)[النساء/46] .

هَذِهِ صفة الكفار يَقُولُونَ سمعنا وعصينا, وأما صفة الْمُؤْمِنِينَ فإنهم يَقُولُونَ: سمعنا وأطعنا.

قَالَ: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ)[الأعلى/10] .

(ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ)[الذاريات/55] .

(المتن)

وهذا؛ لأن الإيمان يحمل صاحبه على التزام الحق واتباعه علمًا وعملاً.

(الشرح)

لاشك أن الإيمان الصحيح يحمل الإنسان عَلَى الإلتزام بالحق والعمل بِهِ, والبعد عَنْ الشر واجتنابه.

(المتن)

 وكذلك معه الآلة العظيمة، والاستعداد لتلقي المواعظ النافعة والآيات الدالة على الحق.

(الشرح)

نعم لِأَنَّ الْمُؤْمِن عنده الإيمان والإيمان هُوَ آلة, هُوَ وعاء لتلقي الخير وقبوله والعمل بِهِ.

(المتن)

 وليس عنده مانع يمنعه من قبول الحق، ولا من العمل به.

(الشرح)

لِأَنَّ الإيمان صبغة الخير, وصار قابلاً لكل خير.

(المتن)

وأيضًا فالإيمان يوجب سلامة الفطرة، وحسن القصد ومن كان كذلك انتفع بالآيات.

(الشرح)

ولاشك فِي هَذَا أن الْمُؤْمِن قصده حسن, فهو موفق للخير ولقبول الخير.

(المتن)

وأيضًا فالإيمان يوجب سلامة الفطرة، وحسن القصد ومن كان كذلك انتفع بالآيات ومن لم يكن كذلك.

(الشرح)

الفطرة كُلّ إنسان مفطور عَلَى الخير, قَالَ عليه الصلاة والسلام: «ما من مولود إِلَّا ويولد عَلَى الفطرة, فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه», يَعْنِي أبواه ينقلانه إِلَى اليهودية أو النصرانية أو المجوسية, ولم يقل: أو يسلمانه؛ لِأَنَّهُ مفطور عَلَى الإسلام.

الْمُؤْمِن تبقى فطرته سليمة والكافر تنحرف فطرته؛ يأتيها ما يغيرها ويفسدها, فالمؤمن عنده سلامة الفطرة وحسن القصد, فيكون قابلاً لكل خير مبتعدًا عَنْ كُلّ شر.

(المتن)

 ومن لم يكن كذلك فلا يستغرب عدم قبوله للحق، واتباعه له.

(الشرح)

من فسدت فطرته أو ساء قصده فلا يستغرب عدم قبوله للشرع, عمله بالشرع.

(المتن)

ولهذا يذكر الله في سياق تمنع الكافرين من تصديق الرسول، وقبول الحق الذي جاء به السبب الذي أوجب لهم ذلك، وهو الكفر الذي في قلوبهم, يعني؛ لأن الحق واضح وآياته بينة واضحة، والكفر أعظم مانع يمنع من اتباعه. أي فلا تستغربوا هذه الحالة، فإنها لم تزل دأب كل كافر.

(الشرح)

هكذا الكافر الكفر يمنعه من قبول الحق والعمل بِهِ؛ لِأَنَّ الكافر مطبوع عَلَى قلبه, عَلَى قلبه الكفر وغلاف وران عَلَى قلبه, قَالَ سبحانه: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ)[المطففين/14]؛ وَقَالَ سبحانه: ( ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ)[النساء/155].

قَالَ سبحانه: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ)[فصلت/5] .

فقلوبهم مقفلة عليها قفل عليها غلاف وعليها طبع وعليها أكنة؛ فلا ينفذ إليها شيء من الخير, فلا يدخل شيء من الخير ولا يخرج منها شيء من الشر نعوذ بالله.

(المتن)

فإنها لم تزل دأب كل كافر.

(الشرح)

يَعْنِي شأنه وعادته وحاله.

(المتن)

الثالث عشر: ومنها: أن الإيمان يحمل صاحبه على الشكر في حالة السراء، والصبر في حالة الضراء، وكسب الخير في كل أوقاته.

(الشرح)

الإيمان يحمل صاحبه عَلَى الشكر عِنْدَ الرخاء وعلى الصبر عِنْدَ الشدة والبأساء وعلى التوبة عِنْدَ الذنب والمعصية, وهذه الثلاثة هِيَ عنوان السعادة, عنوان السعادة أن يوفق الإنسان للشكر عِنْدَ الرخاء, وأن يوفق للصبر عِنْدَ الضراء والبأساء, ويوفق للتوبة عِنْدَ الوقوع في المعصية, هَذِهِ علامة السعادة عنوان السعادة؛ لِأَنَّ الإنسان يتقلب بين هَذِهِ الأمور الثلاثة.

  1. إِمَّا في نعمة فيحتاج إِلَى الشكر.
  2. إِمَّا في مصيبة وشدة فيحتاج إِلَى الصبر.
  3. إِمَّا أن وقع في معصية فيحتاج إِلَى التوبة.

فَإِذَا وفق العبد للشكر عِنْدَ الرخاء وللصبر عِنْدَ الضراء والبأساء وللتوبة عِنْدَ وقوع الذنب كَانَ هَذَا دليلاً وعنوانًا عَلَى السعادة, هؤلاء الثلاثة عنوان السعادة, أن يوفق الإنسان أن يكون ممن إِذَا أعطي شكر, وإذا ابتلي صبر, وإذا أذنب تاب واستغفر.

(المتن)

كما ثبت في الصحيح، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «عجبًا لأمر المؤمن! إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن».

(الشرح)

وَهَذَا حديث صحيح, النَّبِيِّ r قَالَ: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له وإن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وليس ذلك إلا للمؤمن».

(المتن)

 والشكر والصبر هما جماع كل خير، فالمؤمن مغتنم للخيرات في كل أوقاته، رابح في كل حالاته.

(الشرح)

هَذَا الْمُؤْمِن الموفق, الْمُؤْمِن الموفق الَّذِي يوفق للصبر عِنْدَ الشدة والضر, ويوفق للشكر عِنْدَ الرخاء ويوفق للتوبة عِنْدَ الإلمام بالذنب, هَذَا عنوان السعادة وعلامة السعادة.

(المتن)

وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: «لا يصيب المؤمن من هم، ولا غم ولا أذى إلا كفر الله عنه بها من خطاياه» .

(الشرح)

وَهَذَا من فضل الله تعالى وإحسانه, وفي اللفظ الآخر: «ما يصيب الْمُؤْمِن من نصب ولا وصب ولا هم ولا غم إِلَّا كفر الله من خطاياه؛ حَتَّى الشوكة يشاكها».

(المتن)

فيجتمع للمؤمن عند النعم والسراء، نعمتان: نعمة حصول ذلك المحبوب، ونعمة التوفيق للشكر الذي هو أعلى من ذَلِكَ, وبذلك تتم عليه النعمة.

(الشرح)

هَذَا من نعم الله عَلَى عبده الْمُؤْمِن؛ أَنَّهُ عِنْدَ السراء تجتمع له نعمتان:

النعمة الأولى: حصول المحبوب ما يحبه من النعم, حيث أن الله أنعم عليه.

النعمة الثانية: توفيقه للشكر.

(المتن)

 ويجتمع له عند الضراء، ثلاث نعم: نعمة تكفير السيئات، ونعمة حصول مرتبة الصبر التي هي أعلى من ذلك، ونعمة سهولة الضراء عليه؛ لأنه متى عرف حصول الأجر والثواب، والتمرن على الصبر، هانت عليه وطأة المصيبة، وخف عليه حملها.

(الشرح)

هكذا الْمُؤْمِن يوفق للصبر, فيكفر الله سيئاته يوفقه لمرتبة الصابرين ويسهل عليه المصيبة, ويجعله إمامًا في الدين إِذَا كَانَ مَعَ هَذَا الصبر يقين, ويثيبه أيضًا عَلَى هَذِهِ المصيبة يكفر الله سيئاته وإن احتسب أثابه الله درجات, والصبر يحصل له هَذِهِ الفوائد العظيمة, ويسهل الله عليه المصيبة ويكفر الله سيئاته ويوفقه لمرتبة الصابرين وباليقين مَعَ الصبر يجعله الله إمامًا في الدين, كما قَالَ الله سبحانه وتعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ)[السجدة/24]؛ وإِذَا رضي بهذه المصيبة وشكر الله عليها أثابه الله درجات مَعَ تكفير السيئات.

(المتن)

الربع عشر: ومنها: أن الإيمان يقطع الشكوك التي تعرض لكثير من الناس فتضر بدينهم, قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا)[الحجرات/15]؛ أي: دفع الإيمان الصحيح الذي معهم الريب والشك الموجود.

(الشرح)

الإيمان الصحيح يزيل الشكوك الَّتِي تكون في القلوب والقلق والحيرة والاضطراب, فإن المنافق ليس عنده طمأنينة, بل في قلبه شك وريب (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮐ)[البقرة/10].

وصف الله الْمُؤْمِنِينَ بنفي الريب (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯠ)[الحجرات/15]؛ لَمْ يشكوا ليس عندهم شك, بخلاف المنافق فَإِنَّهُ يكون عنده شك وحيرة وقلق, وعدم طمأنينة وعدم راحة.

(المتن)

 وأزاله بالكلية، وقاوم الشكوك التي تلقيها شياطين الإنس والجن، والنفوس الأمارة بالسوء. فليس لهذه العلل المهلكة دواء إلا تحقيق الإيمان.

(الشرح)

وَهَذَا من فضل الله تعالى وإحسانه عَلَى عبده الْمُؤْمِن.

(المتن)

ولهذا ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله؟ فمن وجد ذلك، فليقل: آمنت بالله ولينته، وليتعوذ بالله من الشيطان» .

(الشرح)

هَذَا من الشكوك الَّتِي يلقيها الشيطان في قلوب بعض النَّاس, هَذَا الحديث صحيح حديث أبي هريرة أن النَّبِيِّ r قَالَ: «لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله؟ فمن وجد ذلك، فليقل: آمنت بالله ولينته، وليتعوذ بالله من الشيطان».

هَذَا دواء هذه الشكوك والخواطر الردئية أن يَقُولُ: آمنت بالله, وفي اللفظ الآخر: «آمنت بالله ورسله ولينه», ولينته يقطع التفكير, وفي اللفظ الآخر يَقُولُ: «آمنت بالله ولينته وليستعيذ بالله من الشيطان الرجيم», هَذَا دواء وعلاج هَذِهِ الشكوك.

وفي اللفظ الآخر يَقُولُ: «آمنت بالله ورسله», وفي اللفظ الآخر يَقُولُ: «الله أحد الله الصمد لَمْ يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحدًا وليستعيذ بالله من الشيطان الرجيم»؛ ويقطع التفكير هَذَا علاج الشكوك والأوهام, والمؤمنين ليس عندهم هَذِهِ الشكوك.

(المتن)

فذكر صلى الله عليه وسلم، هذا الدواء النافع، لهذا الداء المهلك، وهي ثلاثة أشياء، الانتهاء عن هذه الوساوس الشيطانية، والاستعاذة من شر من ألقاها وشبه بها، ليضل بها العباد، والاعتصام بعصمة الإيمان الصحيح الذي من اعتصم به كان من الآمنين.

(الشرح)

إِذَا وجد هَذِهِ الشكوك في نفسه, فإنه عليه أولًا: أن ينتهي يقطع التفكير لا يستمر معها ولا يسترسلها, يفكر في أموره وفي أحواله, وعليه أن يعتصم بالله يَقُولُ: آمنت بالله ورسله, الله أحد الله الصمد, وأمر ثالث: أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم, أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ألقى هَذِهِ الشبه في قلبك.

  • هَذَا العلاج مكون من ثلاثة أشياء:
  1. قطع التفكير والانتهاء عنها.
  2. الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
  3. الاعتصام بالله.

(المتن)

وذلك؛ لأن الباطل يتضح بطلانه بأمور كثيرة أعظمها: العلم أنه مناف للحق، وكل ما ناقض الحق فهو باطل.

(الشرح)

يعلم أن الباطل منافي للحق, فَإِذَا علم أَنَّهُ مناف للحق تركه.

(المتن)

قَالَ تعالى: (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ) [يونس/32] .

الخامس عشر: ومنها: أن الإيمان ملجأ المؤمنين في كل ما يلم بهم من سرور وحزن وخوف وأمن وطاعة ومعصية وغير ذلك من الأمور التي لا بد لكل أحد منها.

(الشرح)

الإيمان ملجأ الْمُؤْمِنِينَ في كُلّ ما يلم بالمؤمن, في كُلّ ما يعرض له, فهو ثابت عَلَى إيمانه في حال الشدة ثابت عَلَى إيمانه يصبر, وفي حال الرخاء ثابت عَلَى إيمانه ويشكر, وفي حال حصول الذنب ثابت عَلَى إيمانه ويبادر بالتوبة, وهكذا, فالمؤمن ثابت عَلَى إيمانه في جميع الأحوال.

(المتن)

فعند المحاب والسرور، يلجئون إلى الإيمان فيحمدون الله، ويثنون عليه، ويستعملون النعم فيما يحب المنعم, وعند المكاره والأحزان يلجؤون إلى الإيمان من جهات عديدة يتسلون بإيمانهم وحلاوته، ويتسلون بما يترتب على ذلك من الثواب، ويقابلون الأحزان والقلق براحة القلب، والرجوع إلى الحياة الطيبة المقاومة للأحزان والأتراح.

ويلجؤون إلى الإيمان عند الخوف فيطمئنون إليه، ويزيدهم إيمانًا وثباتًا، وقوة وشجاعة ويضمحل الخوف الذي أصابهم. كما قال تعالى عن خيار الخلق: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ) [آل عمران/173-174] .

(الشرح)

هكذا الإنسان الموفق يلجأ إِلَى الإيمان في جميع أحواله, في حال السراء في حال الضراء, في حال المعصية, ثابت عَلَى إيمانه في جميع الأحوال, بسبب تثبيت الله تعالى له, فيكسبه ذَلِكَ العلم بالحق ثُمَّ العمل بِهِ.

(المتن)

 لقد اضمحل الخوف من قلوب هؤلاء الأخيار وخلفه قوة الإيمان وحلاوته، وقوة التوكل على الله، والثقة بوعده.

(الشرح)

هَذَا من فضل الله تعالى وإحسانه عَلَى الْمُؤْمِن أَنَّهُ أزال عنه الخوف, وثبت عنده اليقين والعلم والبصيرة, والاعتماد عَلَى الله والتوكل عليه والاستعانة بِهِ في جميع الأمور.

(المتن)

ويلجؤون إلى الإيمان عند الأمن فلا يبطرهم، ولا يحدث لهم الكبرياء بل يتواضعون.

(الشرح)

عِنْدَ الخوف يثبت ثابت على إيمانه موفق، وعند الأمن أيضًا كذلك ثبات فلا تبطره النعمة بِهِ هُوَ شاكر, ثابت على إيمانه عِنْدَ النعمة والسراء فلا يبطر نعم الله, (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯭ)[القصص/58]؛ وثابت عِنْدَ الشدائد والمصائب فلا تزعزه, فهو ثابت عَلَى إيمانه في السراء والضراء.

 

(المتن)

ويعلمون أنه من الله، ومن فضله وتيسيره, فيشكرون الذي أنعم بالسبب والمسبب.

(الشرح)

الله تعالى أنعم بالسبب والمسبب, السبب هُوَ الإيمان والتوحيد أنعم الله عليك بهما, والمسبب الآثار الَّتِي نزلت عَلَى الإيمان وهو الثواب العظيم هُوَ دخول الجنة, فالذي أنعم عليك بالسبب هُوَ الله وفقك إِلَى الإيمان والتوحيد, ثُمَّ أنعم عليك بالمسبب الَّذِي (.....)  هُوَ الثواب ودخول الجنة وتكفير السيئات, فالله تعالى أنعم السبب والمسبب, فالله تعالى هُوَ المسبب, الله تعالى هُوَ مسبب الأسباب, وهو المنعم بالسبب والمسبب.

(المتن)

فيشكرون الذي أنعم بالسبب والمسبب الأمن وأسبابه. ويعلمون أنه إذا حصل لهم ظفر بالأعداء وعز، أنه بحول الله وقوته وفضله، لا بحولهم وقوتهم.

(الشرح)

هكذا الْمُؤْمِن ينسب النعم إِلَى الله ويضيفها إليها, إِذَا حصل ظفر وتمكين عَلَى الأعداء أضاف ذَلِكَ إِلَى فضل الله وإحسانه وتوفيقه, لولا توفيق الله تعالى لما ظفرت بعدوك ولما تمكنت منه, لَكِن الله هُوَ الَّذِي مكنك.

(المتن)

ويلجؤون إلى الإيمان عند الطاعة والتوفيق للأعمال الصالحة، فيعترفون بنعمة الله عليهم بها، وأن نعمته عليهم فيها أعظم من نعم العافية والرزق.

(الشرح)

نعم هكذا الْمُؤْمِن في حال الطاعة يعترف بأن الله هُوَ الَّذِي وفقه, هُوَ الَّذِي وفقه إِلَى الطاعة حَتَّى عمل بها, ثُمَّ وفقه إِلَى الثواب عليها.

(المتن)

فيعترفون بنعمة الله عليهم بها، وأن نعمته عليهم فيها أعظم من نعم العافية والرزق, وكذلك يحرصون على تكميلها، وعمل كل سبب لقبولها، وعدم ردها أو نقصها. ويسألون الذي تفضل عليهم بالتوفيق لها أن يتم عليهم نعمته بقبولها، والذي تفضل عليهم بحصول أصلها أن يتمم لهم منها ما انتقصوه منها.

(الشرح)

وَهَذَا من فضله وإحسانه, الْمُؤْمِن يعترف بالنعم وبالطاعة, ثُمَّ توفيق الله بالثبات عليها، والاستمرار عليها والإثابة عليها.

(المتن)

ويلجأون إلى الإيمان إذا ابتلوا بشيء من المعاصي بالمبادرة إلى التوبة منها، وعمل ما يقدرون عليه من الحسنات لجبر نقصها.

(الشرح)

أَنَّهُمْ إِذَا وقعوا في المعاصي والسيئات لجئوا إِلَى التوبة والاستغفار, ولا يصرون عَلَى المعصية, كما قَالَ الله تعالى في وصف المتقين: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ)[آل عمران/135] .

ثُمَّ ذكر ثوابهم وجزائهم من ربهم (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ)[آل عمران/136] .

(المتن)

قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) [الأعراف/201] .

وقال صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمن ومثل الإيمان كالفرس المربوط في آخيته يجول ما يجول، ثم يعود إلى آخيته» .

(الشرح)

يَعْنِي أَنَّهُ مهما عمل الْمُؤْمِن فإنه مرجعه إِلَى الإيمان, حَتَّى لو صدر منه بعض الهفوات يبادر بالتوبة ويرجع إِلَى أصله وهو الإيمان, يراجع هَذَا الحديث في النهاية لابن الأثير في غريب الحديث.

(المتن)

كذلك المؤمن يجول ما يجول في الغفلة والتجرؤ على بعض الآثام، ثم يعود سريعًا إلى الإيمان الذي بنى عليه أموره كلها.

فالمؤمنون في جميع تقلباتهم وتصرفاتهم ملجؤهم إلى الإيمان، ومفزعهم إلى تحقيقه، ودفع ما ينافيه ويضاده. وذلك من فضل الله عليه، ومنه.

السادس عشر: ومنها: أن الإيمان الصحيح يمنع العبد من الوقوع في الموبقات المهلكة.

كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن» الحديث.

(الشرح)

الإيمان الكامل يمنع الْمُؤْمِن من الوقوع في الكبائر في الموبقات, وإنما تقع الكبائر مَعَ ضعف الإيمان ونقصه, أَمَّا كمال الإيمان فلا يمكن, أن يقع مَعَ الإيمان الصحيح الكامل ينفى وقوع الكبائر, ولذلك قَالَ النَّبِيِّ r في الحديث الصحيح: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن», يَعْنِي ما هُوَ مؤمن إيمانًا كامل, وَإِلَّا الزاني ليس بكافر, إِلَّا إِذَا استحلله, إِذَا استحلله كفر؛ لِأَنَّهُ أنكر أمر معلوم من الدين بالضرورة.

«ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن»، يَعْنِي وهو مؤمن الإيمان الكامل, لَكِن قَدْ يسرق وإيمانه ضعيف, لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن, يَعْنِي الإيمان كامل؛ لَكِن حينما يزني إيمانه ضعيف, يمكن وقوع الزنا مَعَ الإيمان الضعيف, ولا يمكن وقوعه مَعَ الإيمان الكامل, «ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن», يَعْنِي الإيمان الكامل, لَكِن قَدْ يشرب الخمر عَلَى الإيمان الضعيف إِذَا ضعف الإيمان, «ولا ينتهب نهبة يرفع النَّاس إِلَيْهِ فِيهَا أبصارهم حين ينتبهم», ينتهب يخطف شيء بغير حق, هَذَا ما يصدر من الْمُؤْمِن كامل الإيمان؛ لَكِن يصدر من الْمُؤْمِن ضعيف الإيمان.

(المتن)

ومن وقعت منه فإنه لضعف إيمانه، وذهاب نوره وزوال الحياء ممن يراه حيث نهاه. وهذا معروف مشاهد.

والإيمان الصادق الصحيح، يصحبه الحياء من الله، والحب له، والرجاء القوي لثوابه، والخوف من عقابه، والنور الذي ينافي الظلمة.

(الشرح)

هَذَا كله من ثمرات الإيمان, الحياء من الله U فلا يقدم عَلَى معصية, والحب لله تعالى والإجلال والتعظيم, والبعد عَنْ الأسباب الَّتِي تنقص الإيمان وتضعفه.

(المتن)

 وهذه الأمور التي هي من مكملات الإيمان لا ريب أنها تأمر صاحبها بكل خير، وتزجره عن كل قبيح.

فأخبر؛ أن الإيمان إذا صحبه عند وجود أسباب هذه الفواحش؛ فإن نور إيمانه يمنعه من الوقوع فيها؛ فإن النور الذي يصحب الإيمان الصادق، ووجود حلاوة الإيمان، والحياء من الله الذي هو من أعظم شعب الإيمان، بلا شك يمنع من مواقعة هذه الفواحش.

(الشرح)

نعم الإيمان الكامل لَكِن قَدْ يفعل بعض الفواحش مَعَ الإيمان الضعيف.

(المتن)

السابع عشر: ومنها: أنه ثبت عنه r في الصحيحين من حديث أبي موسى رضي الله عنه أنه قال: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن، كمثل الأترجة طعمها طيب، وريحها طيب. ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن، كمثل التمرة طعمها طيب، ولا ريح لها» .

وهؤلاء القسمان هم خير الخليقة؛ فإن الناس أربعة أقسام:

الأول: خير في نفسه، متعد خيره إلى غيره. وهو خير الأقسام. فهذا المؤمن الذي قرأ القرآن، وتعلم علوم الدين. فهو نافع لنفسه، متعد نفعه إلى غيره؛ مبارك أينما كان. كما قال الله تعالى عن عيسى عليه السلام : (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ) [مريم/ 31] .

(الشرح)

هَذَا الحديث حديث أبي موسى t ثابت في الصحيح أن النَّبِيِّ r قَالَ: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن، كمثل الأترجة طعمها طيب، وريحها طيب, ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن، كمثل التمرة طعمها طيب، ولا ريح لها» .

«ومثل المنافق الَّذِي يقرأ القرآن مثل الريحانه طمعها مر وريحها طيب, ومثل المنافق الَّذِي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طمعها خبيث ورائحتها خبيثة», بل النَّاس عَلَى هَذِهِ الأقسام الأربعة, الْمُؤْمِن الَّذِي يقرأ القرآن مثل الأترجة طمعها طيب وريحها, عنده إيمان طعمه طيب هَذَا الإيمان, وريحه طيب هَذَا القرآن, ومثل المؤمن الَّذِي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة, طعمها طيب هَذَا هُوَ الإيمان, ولا ريح لها؛ لِأَنَّهُ لا يقرأ القرآن.

ومثل المنافق الَّذِي يقرأ القرآن كمثل الريحانة طمعها خبيث وريحها طيب, طعمها مر وريحها طيب, الطعم مر لِأَنَّهُ منافق, وريحها طيب لِأَنَّهُ يقرأ القرآن, ومثل المنافق الَّذِي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها؛ لِأَنَّهُ ليس عنده قرآن وليس عنده إيمان نعوذ بالله.

(المتن)

قال: والثاني : طيب في نفسه، صاحب خير. وهو المؤمن الذي ليس عنده من العلم، ما يعود به على غيره, فهذان القسمان هما خير الخليقة؛ والخير الذي فيهم عائد إلى ما معهم من الإيمان القاصر، والمتعدي نفعه إلى الغير بحسب أحوال المؤمنين.

(الشرح)

الْمُؤْمِن الَّذِي يقرأ القرآن نفعه متعدي, والمؤمن الَّذِي لا يقرأ القرآن نفعه قاصر.

(المتن)

والقسم الثالث : من هو عادم للخير، ولكنه لا يتعدى ضرره إلى غيره.

(الشرح)

هَذَا مثل المنافق الَّذِي لا يؤذي الْمُؤْمِنِينَ ولا يصد عَنْ سبيل الله, والرابع من هُوَ شرٌ في نفسه وشر عَلَى غيره, هُوَ الكافر الَّذِي ضر نفسه بالكفر وضر غيره؛ بأن صد عَنْ سبيل الله وَعَنْ عبادة الله.

(المتن)

والرابع : من هو صاحب شر على نفسه، وعلى غيره. فهذا شر الأقسام: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ) [النحل/88] .

(الشرح)

فهو شر في نفسه؛ لِأَنَّهُ كافر وشر عَلَى غيره؛ لِأَنَّهُ صد عَنْ سبيل الله.

(المتن)

فعاد الخير كله إلى الإيمان وتوابعه، وعاد الشر إلى فقد الإيمان، والاتصاف بضده. والله الموفق.

(الشرح)

الخير يعود كله إِلَى الإيمان وثوابه, الشر يعود إِلَى الكفر وثوابه, الخير عائد إِلَى الإيمان وثوابه بالأعمال الصالحة, من بر وتقوى وإحسان, وأداء الوجبات, والشر كله عائد إِلَى الكفر وثوابه من الفسوق والمعاصي وشعب الكفر وشعب النفاق, والله الموفق للصواب والهادي إِلَى سواء السبيل.

(المتن)

وشبيه بهذا المعنى، قوله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير» .

فقسم صلى الله عليه وسلم المؤمنين، إلى قسمين: قسم قوي في عمله وقوة إيمانه، وفي نفعه لغيره. وقسم ضعيف في هذه الأشياء, ومع ذلك، ففي كل من القسمين خير؛ لأن الإيمان وآثاره كله خير، وإن تفاوت المؤمنون في هذا الخير.

(الشرح)

اشترط (.....)  في الإيمان, لكنهما بينهما تفاوت, هَذَا من فوائد الإيمان أن الْمُؤْمِن يوفق للانتفاع بالمواعظ والذكرى, قَالَ: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ)[الذاريات/55] .

وَقَالَ سبحانه: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ)[الأعلى/10] .

أخبر أن الَّذِي يخشى الله هُوَ الَّذِي يتذكر وينتفع, وأخبر أن الذكرى تنفع الْمُؤْمِنِينَ, الْمُؤْمِن يوفقه الله فينتفع بالمواعظ؛ الَّتِي تلقى عليه الَّتِي يسمعها فيعمل بها فيثيبه الله U, فإن الْمُؤْمِن يَقُولُ: سمعنا وأطعنا فينتفع بقلبه وبلسانه, قَالَ سبحانه: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ)[النور/51] .

بخلاف الَّذِي لَمْ يوفق للإيمان من الْكَفَرَة واليهود والنصارى فإنهم لا ينتفعون بالقرآن ولا تؤثر فيهم, ولا يَسمعون ولا يُسمعون, كما قَالَ الله سبحانه وتعالى عنهم: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﮃ)[النساء/46] .

 هَذِهِ صفة الكفار يَقُولُونَ سمعنا وعصينا, وأما صفة الْمُؤْمِنِينَ فإنهم يَقُولُونَ: سمعنا وأطعنا.

(المتن)

وقال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤمِنِين)[الحجر/77] .

(الشرح)

وقال سبحانه: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ)[الأعلى/10] .

(ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ)[الذاريات/55] .

(المتن)

ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم» .

(الشرح)

نعم «المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم» .

لِأَنَّ الَّذِي يخالط النَّاس وينصحهم ويدلهم عَلَى الخير ويرشدهم ويوجههم؛ وَلَكِن لا بد أن يصيب أذى إِمَّا بالقول أو بالفعل؛ لِأَنَّ النَّاس يتفاوتون في هَذَا, لاسيما لهم رغبات, الناصح الداعية المرشد يقف في وجوه رغبات لا بد أن يصيبه أذى من قول أو فعل وهو يصبر, كما حصل للأنبياء والرسول عليه الصلاة والسلام ثُمَّ الدعاة المصلحين, وَهَذَا هُوَ الْمُؤْمِن القوي الَّذِي يتعدى نفعه الآخرين توجيه والإرشاد والتعليم أو بالشفاعة أو بنفع النَّاس في بدنهم أو بالنفقات المالية, إطعام الجائع الإنفاق عليه؛ هَذَا هُوَ الْمُؤْمِن القوي, بخلاف الْمُؤْمِن الَّذِي يقتصر نفعه عَلَى نفسه فهو الْمُؤْمِن الضعيف, وإن كَانَ كلٌ من الْمُؤْمِن القوي والمؤمن الضعيف اشتركا في الإيمان, والإيمان أصل كُلّ خير إِلَّا أن الْمُؤْمِن الَّذِي يتعدى نفعه إِلَى الآخرين خير وأحب إِلَى الله؛ كما قَالَ عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «الْمُؤْمِن القوي خيرٌ وأحب إِلَى الله من الْمُؤْمِن الضعيف وفي كلٍ خير, احرص عَلَى ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز».

(المتن)

ومفهوم هذه النصوص الصحيحة المحكمة أن فاقد الإيمان لا خير فِيهِ.

(الشرح)

نعم لاشك هَذَا هُوَ الَّذِي تدل عليه النصوص؛ أن فاقد الإيمان لا خير فِيهِ, فقد الخير كله, الخير كله في الإيمان والشر كله في الكفر, فمن حصل عَلَى الإيمان حصل عَلَى الخير كله, ومن فقد الإيمان وصل إِلَى الكفر وحصل عَلَى الشر كله, والجنة دار الْمُؤْمِنِينَ والنار دار الكافرين, والخير كله بحذافيره في الجنة, والشر كله بحذافيره في النار, فالجنة دار الْمُؤْمِنِينَ ودار الطيبين ودار المهتدين, والنار دار الكفار ودار الفساق ودار العصاة, ودار الخبثاء والخبيثين نسأل الله السلامة والعافية.

(المتن)

 لأنه إذا عدم الإيمان، فإما أن يكون الشخص أحواله كلها شر وضرر على نفسه، وعلى المجتمع من جميع الوجوه، وإما أن يكون فيه بعض الخير الذي قد انغمر بالشر؛ وغلب شره خيره. والمصالح إذا انغمرت واضمحلت في المفاسد، صارت شرًا.

(الشرح)

الكافر إِمَّا أن يكون شر كله بأن يكون صادًا عَنْ سبيل الله ومؤذٍ لعباد الله, أو يكون فِيهِ بعض الخير, وإن كَانَ كافرًا لَكِن لا يؤذي عباد الله ولا يصد النَّاس عَنْ دين الله وفيه خير؛ ولكنه خير قليل مغمور, كأن يكون ينفع النَّاس بشيء من المال, يحسن من صله للرحم وبر الوالدين وأعمال ينتفع بها النَّاس لَكِن لا تنفع مَعَ الإيمان, فهو خير ضعيف مغمور يجازى بِهِ في الدنيا ويطعم بِهِ في الدنيا طعمة ثُمَّ يفضي إِلَى الآخرة ولا حسنات له فتكون دار الحسرة نسأل الله السلامة والعافية.

(المتن)

لأن الخير الذي معه، يقابله شر نظيره فيتساقطان، ويبقى الشر الذي لا مقابل له من الخير يعمل عمله.

(الشرح)

يَعْنِي الكافر إن كَانَ فِيهِ خير أو نفع لبعض النَّاس إِلَّا أن فِيهِ صفات سيئة وعاصي يقابل هَذَا الخير الَّذِي له, يتعارضان ويتساقطان ويبقى الشر المطلق الَّذِي هُوَ الكفر, فيدخل النار نعوذ بالله.

(المتن)

قال رحمه الله: الخاتمة: فتبين مما تقدم أن هذه الشجرة المباركة شجرة الإيمان أبرك أشجار وأنفعها وأدومها.

(الشرح)

هَذِهِ الخاتمة خلاصة لما سبق, تلخيص لما سبق في الرسالة, الخاتمة خلاصة تلخيص وزبدة لما سبق الكلام عليه من أول الرسالة إِلَى آخره.

(المتن)

فتبين مما تقدم أن هذه الشجرة المباركة شجرة الإيمان أبرك أشجار وأنفعها وأدومها.

(الشرح)

نعم شجرة الإيمان أبرك الأشجار وأدومها وأنفعها؛ وفيها بركة لِأَنَّهَا تثمر الأعمال الصالحة, وأدومها لِأَنَّهَا مستمرة ثابتة, فَهِيَ أبرك الأشجار وأدومها يَعْنِي أكثرها بقاءً, بخلاف شجرة الكفر فإنها أخبث الأشجار, وأشدها شؤمًا وبلاءً وشرًا.

(المتن)

 وأن عروقها وأصولها وقواعدها الإيمان وعلومه ومعارفه.

(الشرح)

هَذَا هُوَ عروقها وأصولها الإيمان ومعارفه, من العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله, العلم بشرعه الَّذِي ألزم بِهِ عباده والعلم بما يحصل لمن استقام عَلَى هَذَا الشرع من الثواب في الآخرة.

(المتن)

وساقها وأفنانها شرائع الإسلام.

(الشرح)

ساق هَذِهِ الشجرة وأغصانها شرائع الإسلام, الصلاة, الزكاة, الصوم, والحج, وبر الوالدين, وصلة الرحم.

(المتن)

 والأعمال الصالحة، والأخلاق الفاضلة.

(الشرح)

كُلّ هَذِهِ من فروعها.

(المتن)

 المؤيدة والمقرونة بالإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله r.

(الشرح)

لِأَنَّ الإخلاص والمتابعة للنبي لا بد منها ولا يصح أيْ عمل إِلَّا بهما, أن يكون العمل خالص لوجه الله وأن يكون صوابًا عَلَى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كما قَالَ سبحانه: (ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ)[الكهف/110] .

(المتن)

وأن ثمارها وجناها الدائم المستمر، السمت الحسن.

(الشرح)

هَذِهِ ثمارها وجناها الَّذِي يجنى, ثمار هَذِهِ الشجرة شجرة الإيمان السمت الحسن, بألا يكون عِنْدَ الإنسان خروج عما أمره الله بِهِ بالاستقامة عليه, فلا يتدخل في شئون الآخرين, ولا يعمل شيئًا لا يعنيه, بل هُوَ عنده سمت حسن وإسلام حسن كما قَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».

(المتن)

 والهدي الصالح.

(الشرح)

كذلك الهدي الصالح يهتدي بالعمل الصالح الَّذِي شرعه الله ويعمل بالسنة, فعنده سمت حسن وهدي صالح, عمل صالح موافق للشرع.

(المتن)

والخلق الحسن.

(الشرح)

كذلك عنده خلق حسن؛ بأن يبذل المعروف في النَّاس, ويكف أذاه عنهم ويبسط وجهه للناس, هَذَا هُوَ الخلق الحسن, بذل المعروف وكف الأذى وبسط الوجه.

(المتن)

 واللهج بذكر الله وشكره.

(الشرح)

كذلك هَذَا من حسن الخلق أن يلهج بذكر الله وتلاوة كتابه, وتسبيحه وتقديسه والدعوة إِلَيْهِ والأمر بالمعروف والنهي عَنْ المنكر.

(المتن)

 والثناء عليه.

(الشرح)

الثناء عَلَى الله بما هُوَ أهله.

(المتن)

 والنفع لعباد الله بحسب القدرة.

(الشرح)

كذلك النفع لعباد الله بحسب مقدرته بتوجيهه وإرشاده أو بنفقته وإطعامه أو ببدنه وإعانته.

(المتن)

 والنفع لعباد الله بحسب القدرة نفع العلم والنصح، ونفع الجاه والبدن، ونفع المال. وجميع طرق النفع.

(الشرح)

نعم النفع بالجاه والنصح ونفع البدن نفع التوجيه والتعليم, نفع المال ببذل المال والإنفاق.

(المتن)

 وحقيقة ذلك كله: القيام بحقوق الله، وحقوق خلقه.

(الشرح)

هَذَا هُوَ الَّذِي يشملها, يشملها أَنَّهُ قام بحقوق الله وقام بحقوق الخلق, قام بحقوق الله فأحسن عبادته ربه أدى ما أوجب الله عليه؛ من واجبات من صلاة, وزكاة, وصوم, وحج, وانتهى عما حرم الله عليه وقام بحقوق الخلق, بر والديه ووصل رحمه وأنفق عَلَى زوجه وأولاده, وأنفق عَلَى من عنده من الأيتام ومن الحيوانات, وكذلك ربى أولاده وعلمهم, كُلّ هَذَا من الإحسان إِلَى الخلق.

(المتن)

وأن هذه الشجرة في قلوب المؤمنين متفاوتة تفاوتًا عظيمًا.

(الشرح)

نعم شجرة الإيمان في قلوبهم متفاوتة كالأمواج ظلمات بعدها فوق بعض, وقد يكون في الليل تكون ظلمات, ( ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ)[الأنبياء/87] .

قَالَ الله: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ)[الأنبياء/88] .

ليس خاصًا بيونس, فكما نجى الله يونس ينجي سائر الْمُؤْمِنِينَ, ( ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ)[الأنبياء/88] .

جاء في بعض الآثار قَدْ يكون من الإسرائيليات أن الملائكة قالوا: يا ربنا نسمع صوتًا معروفًا من مكان منكر, صوت يونس معروف نبي الله, لَكِن المكان أين المكان؟ في بطن الحوت في قاع البحار.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد