شعار الموقع

رسالة في القضاء والقدر والاستواء على العرش_2

00:00
00:00
تحميل
76

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

(المتن)

قال العلامة الشيخ: عبد الرحمن بن حسن في رسالته في الإجابة على أسئلة في الاسم والقضاء والقدر والاستواء، قال رحمه الله: ونذكر بعض الأحاديث الصريحة في المعنى، فمن ذلك ما في الصحيح عن النواس بن سمعان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر، أو إذا تكلم بالوحي أخذت السماوات منه رجفة، أو قال: رعدة شديدة؛ خوفًا من الله عز وجل، فإذا سمع ذلك أهل السماوات صعقوا، وخروا له سجدًا، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل، فيكلمه الله من وحيه ما أراد، ثمَّ يمرُّ جبريل على الملائكة كلما مرَّ على سماء سألته ملائكتها: ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول جبريل: قال الحق وهو العلي الكبير، فيقولون مثل ما قال جبريل، فينتهي جبريل بالوحي حيث أمره الله عز وجل»؛ ففي هذا الحديث التصريح بأن جبريل ينزل بالوحي من فوق السماوات السبع، فيمر بها كلِّها نازلًا إلى حيث أمره الله؛ وهذا صريح بأنَّ الله تعالى فوق السماوات على عرشه بائنٌ من خلقه؛ كما قال عبد الله بن المبارك لما قيل له: بما نعرف ربنا؟.

قال: بأنه على عرشه بائن من خلقه؛ وهذا قول أئمة الإسلام قاطبة خلافًا للجهمية الحلولية، والفلاسفة أهل الوحدة، وغيرهم من أهل البدع، فرحم الله أهل السنة والجماعة المتمسكين بالوحيين.

(الشرح)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد: ...

هذه الرسالة للإمام الشيخ: عبد الرحمن بن حسن؛ ابن الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله؛ حفيد الإمام، هذه الرسالة أجاب فيها على أسئلة، قال: (ونذكر بعض الأحاديث الصريحة في المعنى)؛ يعني فيه إثبات الصفات وإثبات العلو واستواء الله على عرشه، قال: (فمن ذلك ما في الصحيح)؛ المقصود به صحيح البخاري؛ وهو أصح الكتب بعد كتاب الله (عن النواس بن سمعان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر، أو إذا تكلم بالوحي أخذت السماوات منه رجفة، أو قال: رعدة شديدة؛ خوفًا من الله عز وجل)؛ إذا أراد الله أن يوحي بالأمر؛ فيه من الصفات إثبات الإرادة لله عز وجل.

  • وإرادة الله نوعان:
  1. إرادة خلقية كونية قدرية: لا يتخلف مراده.
  2. وإرادة دينية أمرية شرعية: قد يحصل مراده وقد لا يحصل.

الإرادتان؛ الكونية، والدينية تجتمعان في حق المؤمن وتنفرد الإرادة الكونية في حق الكافر، الإرادة الكونية مثل قوله{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام: 125]؛ يعني كونًا وقدرًا، ولكن الله يشاء ما يريد؛ هذه إرادة كونية، والإرادة الدينية، كقوله{تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [الأنفال: 67]؛ (..).

 وقال: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] ؛ يعني دينًا وشرعًا, وقوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] ؛ هذه إرادة دينية شرعية مقصدها الأولى إثبات الإرادة لله، قوله: (أن يوحي بالأمر)؛ هذا فيه إثبات أن جبريل ينزل بالوحي من فوق السماوات؛ فيه إثبات العلو لله، (يوحي بالأمر)؛ يوحي من عند الله، يوحي إلى من؟ إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، هو ينزل بوحي من الله على قلب محمد صلى الله عليه وسلم؛ كما قال سبحانه وتعالى في القرآن العظيم: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194)} [الشعراء: 193، 194].

الله فوق السماوات والأرض، ومحمد في الأرض وجبريل الواسطة بين الله وبين النبي ينزل بالوحي من عند الله؛ فيه إثبات العلو؛ لأن جبريل ينزل بالوحي، وفيه إثبات النبوة والرسالة للنبي صلى الله عليه وسلم أن الله ينزل عليه الوحي، وفيه تكليف العباد، وأن العباد مكلفون بالوحي، بالعبادة{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].

يوحي الله على أنبيائه بما أحبه وبما أراده، وبما شرعه{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى } [القيامة: 36].

لا يأمر، ويترك في الدنيا، ولا يوجد العقاب في الآخرة{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى } [القيامة: 36]. {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون: 115].

«إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر، أو إذا تكلم بالوحي أخذت السماوات منه رجفة، أو قال: رعدة شديدة؛ خوفًا من الله عز وجل»؛ هذا فيه إثبات عظمة الله عز وجل، وأن السماوات مع عظمها إذا تكلم الله بالوحي أصابها رجفة، أو رعدة شديدة خوفًا من الله عز وجل.

إذا كانت السماوات على عظمها وكبر أجسامها تخاف من الله، إذا تكلم الله بالوحي أصابها رعدة، أو رجفة، فكيف بابن آدم يا عجب لابن آدم الذي قلبه مضغة مرة؛ قطعة أقسى من الحجارة؟!.

السماوات هذه الضخمة على عظمها وسعتها، وكبر أجسامها تخاف من الله ويصيبها رجفة، أو رعدة شديدة إذا تكلم الله بالوحي، وابن آدم لا يرعوي، ولا يخاف، قال الله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 74].

فيها إثبات عظمة الله سبحانه وتعالى، فالسماوات يصيبها رجفة، ورعدة شديدة خوفًا من الله، الملائكة يسمعون كلام الله صعقوا وخروا د لله سجدًا؛ هذه من عظمة الرب سبحانه وتعالى، فإذا سمع ذلك أهل السماوات صعقوا وخروا لله سجدًا؛ الخر هو الصعق, يغشى عليهم فيخرون لله سجدًا، فيكون أول من يرفع رأسه جبريلفيه فضل  جبريل عليه السلام، جبريل هو ملك الوحي، من أفضل الملائكة، قال صلى الله عليه وسلم: «منزلته من الله كمنزلة الحاجب من الملك».

هو من أفضل الملائكة عليه الصلاة والسلام؛ ولهذا من فضائل جبريل أنه أول من يرفع رأسه، أول من يزول عنه الصعق، الملائكة يصعقون يصيبهم صعق، فيغشى عليهم، ثمَّ يزول الصعق والغَشي، أول من يزول عنه جبريل، فيرفع رأسه، فإذا رفع رأسه فيكلمه الله من وحيه ما أراد؛ فيه إثبات الكلام لله عز وجل، فهو يتكلم بحرف وصوت يسمع، خلافًا للمعتزلة الذين أنكروا كلام الله، وخلافًا للأشاعرة الذين قالوا: إن كلام الله بمعنى (.....) لا بحرف ولا صوت، كلمه الله بحرف وصوت يسمعه، لا يشبه حرف المخلوق، وأصوات المخلوقين؛ فهو كلام يليق بجلاله وعظمته.

فقد ثبت في الحديث الصحيح أن الله تعالى ينادي يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك؛ إذًا فيه صوت، فدل على إثبات الصوت في كلام الله، قد تكلم بحرف وصوت يُسمع سبحانه وتعالى, «فيكلمه الله بالوحي، ثم يمر جبريل على الملائكة، كلما مرَّ على سماء سأله ملائكتها: ماذا قال ربنا يا جبريل؟»؛ فيه إثبات القول لله عز وجل، «فيقول جبريل: قال الله الحق، وهو العلي الكبير»؛ فيه أن قول الله هو الحق، لا يقول الله إلَّا الحق؛ ذلك لأن الله هو الحق، وليعلمون أن الله هو الحق، وهو العلي الكبير؛ فيه إثبات اسم العلي والكبير، وأنهما اسمان من أسماء الله عز وجل؛ من أسماءه العلي، ومن أسمائه الكبير، فالرسول صلى الله عليه وسلم أطلقهما على الله.

وفيه إثبات صفة العلو، وصفة الكبر والكبرياء؛ لأن أسماء الله مشتقة ليست جامدة، كل اسم مشتمل على صفة، العلي يشتمل على صفة العلو، والكبير مشتمل على صفة الكِبْر والكبرياء والكِبَر، العليم مشتمل على صفة العلم، القدير مشتمل على صفة القدرة، وهو العلي الكبير.

(فيقولون مثل ما قال جبريل: سيأتي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله عز وجل)، المؤلف استنبط، الشيخ عبد الرحمن بن حسن استنبط، فقال في هذا الحديث التصريح بأن جبريل ينزل بالوحي من فوق السماوات السبع، فيمر بها كلها، نازلًا إلى حيث أمره الله، وهذا صرح بأن الله تعالى قال: فوق السماوات على عرشه، بائنٌ من خلقه.

جبريل ينزل بالوحي من عند الله والله تعالى فوق العرش ينزل جبريل إلى الأرض إلى محمد صلى الله عليه وسلم, هذا فيه إثبات أن الله فوق السماوات، وأن الله على عرشه، بائنٌ من خلقه.

قال: (كما قال عبد الوهاب بن مبارك)، العالم الفاضل الورع الزاهد الجواد الكريم المبارك، عبد الله بن المبارك وصفه الحافظ في التقريب بأوصاف عظيمة، قال: العالم، الجواد، الكريم، الشجاع، وصفه بصفاتٍ عظيمة، التقي.

كما قال عبد الله بن مبارك لما قيل له: بما نعرف ربنا؟ قال: بأنه على عرشه، بائنٌ من خلقه، بائنٌ من خلقه يعني مفصل، ليس مختلط بالمخلوقات، أعلى المخلوقات وسقفها عرش الرحمن، انتهت المخلوقات، نهايتها وسقفها عرش الرحمن، والله فوق العرش، مستوى على العرش استواء يليق بجلال عظمته ليس كاستواء المخلوق.

المخلوق إذا استوي على الدابة، محتاج إلى الدابة، فإذا سقطت الدابة سقط المخلوق، لكن ربنا ما يحتاج إلى العرش، هو الحامل للعرش، واللي يحمل العرش بقدرته وقوته, كيف يستوي؟ لا تقل كيف، الله أعلم، لا يعلم كيفية الاستواء إلا هو، كما لا يعلم قدرة الله، ما نعلم كيف هو مستوي على عرشه، ما نعلم، وهو مستوي عليه استواء يليق بجلاله وعظمته، وهو غير محتاج إليه، هو الحامل له، ولحملة العرش بقدرته سبحانه وتعالى، نعرف ربنا بأنه على عرشه، بائنٌ من خلقه، يعني من فوق المخلوقات.

قال: (وهذا قول أئمة الإسلام قاطبة)، أئمة الإسلام كلهم يقولون: أن الله فوق العرش، وليس مختلط بالمخلوقات، قال: خلافًا الجهمية، الجهمية أتباع الجهم بن صفوان، الذي ينكرون أن يكون الله في العلو، قبحهم الله، أين ربنا؟ يقولون في كل مكان والعياذ بالله، جعلوه مختلط المخلوقات؛ حتى قالوا: إن بطون السباع، وفي أجواف الطيور في كل مكان، تعال الله عما يقولون علو كبيرًا؛ وهذا كفر وضلال، خلاف الجهمية الحلولية، معنى الحلولية: يقولون: حال في كل مكان، نعوذ بالله، حتى الأماكن القذرة لم ينزهوه منها، قبحهم الله، حلولية، يعني يقولوا حالٌ في كل مكان، في كل مكان يقولون: الرب موجود، هذا كفر وضلال، فالله فوق العرش، علمه في كل مكان، وأما ذاته فهو فوق العرش.

والفلاسفة، أي الملاحدة اللذين أنكروا ذات الله في العلو، وأهل الوحدة، أهل الوحدة الوجود (......)، الذين أنكروا أن يكون بهذا الكون مدبر، هو الرب، ما عندهم رب وعبد الوجود واحد، ما تراه هو الرب وهو العبد, يقولون: أنت الرب وأنت العبد، وأنت الخالق، وأنت المخلوق، ما في غيرك، أعوذ بالله، في وحدة الوجود لابن عربي، يقول: الرب عبد، والعبد رب, يا ليت شعري من هو المكلف، إن قلت عبد فذاك ربٌ ميت، وإن قلت رب أنى يكلف، اختلط عليه الأمر, ما يدري هل هو الرب أم العبد نعوذ بالله, هذا كفر وضلال، أنكر الرب.

ثم أهل الوحدة يقولون: الوجود واحد، ما في خالق ومخلوق، لا، واحد ما تراه هو الخالق والمخلوق، وهم أعظم الناس كفرًا نعوذ بالله، وصولوا أنهم أنكروا وجود الله، إذًا المشركين أخف كفرًا؛ لأن المشرك يثبت وجود الله، ويثبت خالق لكن يشرك معه غيره، أما هؤلاء أنكروا وجود الخالق، أهل الوحدة هم أعظم الناس كفرًا.

وغيرهم من أهل البدع، قال: رحم الله أهل السنة والجماعة، المتمسكين بالوحيين، الوحيين: الكتاب والسُنة، الكتاب وحي، والسُنة وحي، قال الله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} [النجم: 3، 4].

وقال: «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه».

(المتن)

وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة t أنه قال: «إن الله كتب كتابًا قبل أن يخلق الخلق، إن رحمتي سبقت غضبي، فهو مستوي فوق العرش»، وفي حديثٍ آخر.

(الشرح)

في حديث أبي هريرة: «إن الله كتب كتابًا قبل أن يخلق الخلق»، ما هو هذا الكتاب؟ مكتوب فيه «إن رحمتي سبقت غضبي».

وفي لفظٍ: «تغلب غضبي»، فهو عنده فوق العرش؛ هذا الحديث استنبط منه فوائد، قد يستنبط فيه صفات لله المتعددة، ما هي هذه الصفات؟.

الصفة الأولى: صفة الكتابة: «إن الله كتب كتابًا» وهي صفة فعلية، إثبات صفة الكتابة لله، لكن هل هي ككتابة المخلوق؟ لا، كما يليق بجلاله وعظمته من الصفات الفعلية.

«إن الله كتب كتابًا قبل أن يخلق الخلق، إن رحمتي سبقت غضبي»، فيه إثبات صفة الرحمة لله، هذه الصفة الثانية، «سبقت غضبي»؛ فيه إثبات الغضب، هذه الصفة الثالثة كما يليق بجلاله وعظمته، «فهو عنده فوق العرش»، إثبات الفوقية لله، وأن الله فوق العرش.

كم صفة؟ نعم، صفة الكتابة، صفة الرحمة، صفة الغضب، صفة الفوقية والعلو، فهو فوق العرش.

بقي إشكال، وهو أن هذا الكتاب عند الله فوق العرش، كيف الجمع بين هذا وبين أن العرش سقف المخلوقات، وهذا الكتاب فوق العرش، فهو عندهم فوق العرش، كيف نجيب على هذا؟ كيف نجمع بينهما؟ العرش سقف المخلوقات، آخرها، وهذا الحديث فيه أن فوقه كتاب، هذا الكتاب أين مكانه؟ فوق العرش، والعرش سقف المخلوقات، كيف في ذلك نقول: هذا مستثنى، العرش سقف المخلوقات، يستثنى منه هذا الكتاب، نعم.

(المتن)

وفي حديث عباس بن عبد المطلب t، الذي رواه أبي داوود والترمذي وابن ماجة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر سبع سماواتٍ وما بينها، ثم قال: وفوق ذلك بحرٌ أعلاه وأسفله، كما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال، ما بين أظلافهن وركبهن كما بين سماءٍ إلى سماء، كما فوقهم العرش، ما بين أعلاه وأسفله، كما بين سماءٍ إلى سماء، والله تعالى فوق ذلك».

(الشرح)

نعم هذا حديث عباس بن عبد المطلب فيه بعض الضعف ولكن له شواهد كثيرة, الأدلة التي تثبت علو الله على خلقه كما ذكر العلامة ابن القيم، أدلة تزيد عن ألف دليل، الأدلة التي تثبت علو الله، وأنه فوق مخلوقاته أفرادها إذا أردت أن تعدها تزيد على ألف دليل من الكتاب والسنة، ومع ذلك أنكرها أهل البدع، أنكروا الله فوق المخلوقات، وقالوا: إنه في كل مكان، تعالى الله عما يقولون ألف دليل أنكروا.

فهذا الحديث فيه بعض الضعف لكن له شواهد, الحديث فيه، حديث عباس بن عبد المطلب الذي رواه أبو داود ذكر السبع سموات وما بينها, يعني ذكر أنه بين السماء وبين الأرض مسيرة خمسمائة عام, ثم بين السماء الدنيا، والسماء التي تليها خمسمائة عام، ثم بين السماء الثانية والثالثة خمسمائة عام، وما بين السماء الثالثة والرابعة خمسمائة عام, ثم بين الرابعة والخامسة خمسمائة، بين السادسة والسابعة خمسمائة عام، ثم فوق السماء السابعة بحرٌ أعلاه وأسفله كما بين السماء والأرض مسافة خمسمائة عام كما بين السماء إلى سماء.

ثم فوق ذلك فوق البحر: (ثمانية أوعال), يعني ملائكة على صورة أوعال، يحملون العرش، ثمانية أوعال يعني ملائكة على صورة ماذا؟ على صورة أوعال.

هؤلاء الملائكة ما بين أظلافهن وركبهن، يعني ما بين طرف رجله إلى الركبة كما بين السماء والأرض، مسافة طويلة خمسمائة عام، ما أظلافهن وركبهن كما بين السماء إلى سماء, ثم فوق ظهورهم العرش، ما بين أعلاه وأسفله كما بين السماء والأرض، والله فوق ذلك، الحديث فيه صفات أثبات العلو، الله فوق ذلك، فوق العرش، وفيه الرد على من أنكر علو الله على خلقه.

(المتن)

وفي حديث ابن مسعود الذي رواه عبد الرحمن بن مهدي شيخ الإمام أحمد عن حماد بن سلمة عن عاصم عن زيد عن عبد الله بن مسعود قال: «بين السماء الدنيا، والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم».

(الشرح)

نعم حديث ابن مسعود الذي رواه عبد الرحمن المهدي شيخ الإمام أحمد عن حماد بن سلمة عن عاصم عن زيد، قال: «بين السماء الدنيا»؛ يعني السماء القريبة، «والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء خمسمائة عام»، كم الجميع يكون؟ مسافة خمسمائة عام، خمسمائة عام هذا بسير الدواب في ذلك الوقت، يعني لو كان ما بين السماء الدنيا إلى السماء، ما بين الأرض والسماء الدنيا مسافة في الأرض ستمشي، لقطعها على الدواب خمسمائة سنة، شوف الإنسان يمشي ما يصل إلى طرفها إلى بعد خمسمائة عام, لو مشى من الأرض لا يصل إلى السماء على بعد خمسمائة عام.

وبين كل سماء إلى سماء خمسمائة عام، وهي سبع سماوات، كم الجميع؟ ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة، طيب وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام صار أربعمائة ألاف، وبين الكرسي والماء خمسمائة عام، كم هذه؟ أربعة آلاف وخمسمائة، والعرش فوق الماء، وجاء (.....) كل سماء خمسمائة عام.

ذكر ابن القيم رحمه الله: أنه في يوم القيامة تزول هذه السماوات، تزول، تقع، وتكون بين الأرض، وبين العرش مسافة خمسين ألف سنة،{فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4].

والله تعالى فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالهم، بين السماء السبعة وكرسيه خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء خمسمائة عام، والعرش مسافته من أسفل إلى أعلى خمسمائة عام.

والله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالهم، هذا من حيث إثبات العلو، وأن الله تعالى فوق العرش، الجهمية يقول المؤلف: (جحدوا هذه النصوص).

(المتن)

والجهمية جحدوا هذه النصوص وعاندوا بالتكذيب، فصاروا في ذلك كفارًا عند أكثر أهل السنة والجماعة، وهذا القدر الذي ذكرناه كاف في بيان ما عليه أهل السنة والجماعة، من علو الله تعالى على جميع المخلوقات، واستواءه على عرشه، وقد تضاعفت الأدلة من الكتاب والسنة على ذلك، ولو ذهنا نذكر ما ورد في ذلك لاحتمل مجلدًا، فالحمد لله الذي حفظ على الأمة دينها في كتابه وسنة رسوله، وبنقل العلماء الذين هم بهذه الأمة كأنبياء بني إسرائيل، وهادانا إلى ذلك، فأبطل الله بالعلماء كل بدعةٍ وضلالة حدثت في هذه الأمة، فيا لهذه النعمة، ما أجلها في حفظ من تلقى الحق بالقبول، وعرفه، ورضي به، نسأل الله أن يجعلنا شاكرين لنعمة مثنين بها عليه، فله الحمد لا نحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه، وفوق ما يثني عليه خلقه.

(الشرح)

نعم يقول المؤلف رحمه الله: (والجهمية جحدوا هذه النصوص وعاندوا بالتكذيب، فصاروا في ذلك كفارًا عند أكثر أهل السنة والجماعة)، الجهمية أتباع جهم بن صفوان، ومذهبهم نفي الأسماء والصفات لله، إنكار الأسماء والصفات، وإذا أنكر الأسماء والصفات، أنكروا وجود الله؛ لأنه إذا نفيت الأسماء والصفات فلا وجود، لا وجود لشيءٍ إلا بالأسماء والصفات, فالشيء الذي ليس له أسماء ولا صفات لا وجود له.

مثلاً الإنسان، الإنسان له أسماء وصفات، الإنسان من صفاته: أنه مركب من لحم ودم وعظم وشعر وله طول وعرض وعمق وعينين ويدين ورجلين، لو لت لك: رجل من بني آدم ليس له طول ولا عرض ولا عمق ولا عينين ولا يدين، ولا رجلين، ولا لحم ولا عظام ولا لون، ماذا يكون؟ عدم, لابد أن تثبت الصفات وإلا صار عدم, هذا مثل الجهمية, الجهمية عندهم نفوا صفات الله، قالوا أنه ليس بعليم ولا سميع، ولا بصير ولا فوق ولا تحت ولا فوق العالم ولا تحته ولا مباين ومحايد ايش يكون؟ عدم؛ هذا مذهب الجهمية ولهذا قال: (كفَّرهم أكثر أهل العلم)، ذكر العلامة ابن القيم إنه كفر الجهم خمسمائة عالم.

ولقد تقلد كفرهم خمسون
 

 

في عشر من العلماء في البلدان
 

 

     خمسين في عشرة بخمسمائة، أكثر أهل العلم كفَّرهم بعض العلماء كفروا غلاتهم وعلماؤهم من الأدلة العامة؛ لأنهم جحدوا النصوص التي فيها إثبات الصفات لله عز وجل وعاندوا فصاروا كفارًا.

قال المؤلف: (وهذا القدر الذي ذكرناه كافي في بيان ما عليه أهل السنة والجماعة من علو الله تعالى على جميع مخلوقاته والاستواء على العرش)؛ يعني هذه الأدلة التي ذكرها المؤلف هي كافية في إثبات الأسماء والصفات والعلو والاستواء، وقال: (وتظاهرت الأدلة من الكتاب والسنة)؛ (تظاهرت الأدلة)؛ يعني تعاضدت يقوى بعضها بعضًا, تظاهرت الأدلة يعني: تكاثرت وقوى بعضها بعضًا في إثبات الأسماء والصفات والعلو والاستواء.

قال: (فالحمد لله، ولو أرادنا أن نذكر الأدلة لاحتاج إلى مجلد)؛ يقول: لو أردنا أن نذكر الأدلة لاحتاج إلى مجلد، فالحمد لله الذي حفظ على الأمة دينها في كتابه وسنة رسوله، وبنقل العلماء الذين هم في هذه الأمة كأنبياء بني إسرائيل، الله جلَّ وعلا حفظ الدين في أي شيء؟ في الكتاب العزيز والسنة النبوية, وبنقل العلماء، فالعلماء في هذه الأمة كأنبياء بني إسرائيل، بنو إسرائيل كثر فيهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي.

وإذا ذهب الرسول بعث الله أنبياء، مثلًا موسى عليه السلام رسول بعث إلى أمته، هذا جاء بعده أنبياء بني إسرائيل كلهم يحكمون بالتوراة, {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ} [المائدة: 44].

 (داود، وسليمان، وزكريا، ويحيي)، مدة طويلة الكتابة على الأنبياء يحكمون بالتوراة، حتى بعث الله عيسى، هذه الأمة ما فيها أنبياء، آخرها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، هو آخر الأنبياء خاتم الأنبياء.

جعل الله العلماء هم ورثة الشريعة هم بمنزلة أنبياء بني إسرائيل، علماء هذه الأمة بمنزلة أنبياء بني إسرائيل، أنبياء بني إسرائيل كلما هلك نبي خلفه نبي، هذه الأمة ختم الأنبياء بنبيها محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء، فصار العلماء هم ورثة الشريعة بمثابة أنبياء بني إسرائيل، كأنبياء بني إسرائيل.

قال: (وهدانا الله إلى ذلك)؛ فأبطل الله بالعلماء كل بدعةٍ وضلالة حدثت لهذه الأمة؛ لأن العلماء ورثة الأنبياء، يبينون البدع والمحدثات في الدين، ويبينون ما يدل على بطلانها من النصوص.

قال: (فيا لهذه النعمة، ما أجلها في حفظ من تلقى الحق بالقبول، وعرفه).

هذه النعمة وهي نعمة حفظ الله لهذه الأمة دينًا في كتابه وسنة رسوله، وبالعلماء هي نعمة عظيمة نسأل الله أن يجعلنا شاكرين للنعم مثنين بها عليه، فلله الحمد لا نحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه وفوق ما يثني عليه خلق؛ يعني له الحمد سبحانه وتعالى فهو أهل الحق، وأهل الحمد وهو مستحق للحمد{لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 70].

(المتن)

فأهل السنة والجماعة عرفوا ربهم بما تعرَّف به إليهم من صفات كماله اللائقة بجلال الله، فأثبتوا له تعالى ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله إثباتًا بلا تمثيل، وتشبيهًا بلا تعطيل، وعرفوه بأفعاله وعجائب مخلوقاته، وبما أظهره لهم من عظيم قدرته، وبما أسبغه عليهم من عظيم نعمه، فعبدوا ربهم ربًا أحدًا صمدًا إلهًا واحدًا، وهو الله الذي الإلهية وصفه, فالخلق خلقه والملك ملكه لا شريك له في إلهيته، ولا في ربوبيته، ولا في ملكه تعالى وتقدس, كما قال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3)} [الناس: 1 - 3].

ونزهوه عما تنزه وعن كل ما فيه عيبٌ نقص، وعن كل ما وصفته به الجهمية وأهل البدع مما لا يليق بجلاله وعظمته، فعطلوه من صفات الكمال، وصاروا إنما يعبدون عدمًا؛ لأنهم وصفوهم بما ينافي الكمال ويوقع في النفس العظيم, وشبهوه بالناقصات تارة وبالمعدومات تارة، وهو ما (......) أهل التشبيه كما عرفت من حالهم وضلالهم ومحالهم.

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله: إن أهل السنة والجماعة هم يعرفونه؛ لأنهم لزموا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولأنهم استمعوا إلى الحق (عرفوا ربهم بما تعرَّف به إليهم من صفات كماله اللائقة بجلال الله)؛ الله تعالى تعرف عليه عباده، فأخبر عن نفسه بأسمائه وصفاته،{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [الحشر: 22]؛ إذًا تعرف عليه، فعرف أنه عالم الغيب والشهادة، وأنه الرحمن الرحيم،{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [الحشر: 23]؛ كل هذه أسماء سمى بها نفسه عرفنا به، عرفنا بأنه الملك، وأنه القدوس، وأنه السلام، وأنه المؤمن، وأنه المهيمن، وأنه العزيز، وأنه الجبار، وأنه المتكبر،{هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الحشر: 24]؛ {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المجادلة: 22] ؛ فيه إثبات الرضا{وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الفتح: 6]؛ إثبات صفة الغضب, {سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [المائدة: 80] ؛ صفة الغضب, {كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} [التوبة: 46] ؛ إثبات صفة الكراهة, {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [يونس: 3] ؛ إثبات صفة الاستواء, وفي الحديث: «ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا»؛ إثبات صفة النزول ولكنه يليق بجلاله وعظمته، إذًا أهل السنة عرفوا ربهم بما تعرف به من صفات كماله اللائقة بجلاله، فأثبتوا له يعني أثبتوا لله ما أثبته لنفسه، وأثبته له رسوله إثباتًا بلا تمثيل، أثبت لنفسه العلم فنثبت له العلم، بلا تمثيل، لا نقول: أن علم الله يشبه علم المخلوق لا، كما يليق بجلاله وعظمته، أثبت لنفسه العلو فنثبت له العلو، لكن ليس كعلو المخلوقين، فهو يليق بجلاله وعظمته، وتنزيهًا بلا تعطيل؛ يعني ننزهه سبحانه وتعالى عن النقائص والعيوب، وعن مشابهة المخلوقات لكن بلا تعطيل ولا تمثيل.

ننزهه مع الإثبات فنثبت لله الصفة، نقول: أن الله له العلو لكن لا يشبه علو المخلوقين، وصف نفسه بالعلم لكن يشبه المخلوق, وصف نفسه بالكلام لكن لا يشبه كلام المخلوق, تنزيه بلا تعطيل، ننزهه عن المشابهة لكن لا نعطل الصفة.

(وعرفوه بأفعاله وعجائب مخلوقاته)؛ عرفناه بأفعاله فهو سبحانه الخالق الخلاق الرزاق, المحيي, المميت, المدبر لهذا الكون، عرفناه بعجائب المخلوقات, هذه المخلوقات السماوات والأراضين والبحار والأشجار والأنهار؛ عجائب تدل عليه على عظمة الله، على عظمة مبدعها وخالقها.

(وبما أظهره لهم من عظيم قدرته)؛ عظيم قدرته سبحانه وتعالى في خلقه، خلق البحار خلق الأنهار خلق الأشجار، خلق الليل والنهار، وبما أظهره من عظيم قدرته، وبما أظهره عليهم من عظيم نعمه, من نعمة الخلق، نعمة الإيمان، نعمة الإسلام، نعمة الرزق، نعمة العافية، نعمة الشمس والقمر، نعم عظيمة.

قال: (عبدوه ربًا أحدًا صمدًا إلهًا واحدًا)، (عبدوه ربًا أحدًا)؛ يعني متوحد، لا شريك ولا مثيل له، (صمدًا)؛ تصمد إليه الخلائق لحوائجها وهو لا يحتاج إلى أحد، (إلهًا)؛ يعني معبودًا (واحدًا)؛ ليس له شريك، وهو الله الذي الإلهية وصفة, وصف الإله الله, هو الله الذي لا إله إلا هو الإلهية وصفه؛ لأنه هو المستحق للعبادة.

(فالخلق خلقه والملك ملكه لا شريك له في إلهيته ولا في ربوبيته ولا في أسمائه ولا في صفاته)؛ هذا الخلق خلقه، السموات والأراضين والإنس والجن والحيوان، والملك ملكه هو ملك السموات والأرض لا شريك له في إلهيته؛ يعني في العبادة، ولا في ربوبيته، فهو الرب ليس معه ربٌ آخر يدبر في هذا الكون، ولا في ملكه ليس له شريك في الملك تعالى وتقدس.

(كما قال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3)} [الناس: 1 - 3] ؛ فالله هو ربُّ الناس، ملك الناس ومالكهم، إله الناس ومعبودهم، ونزهوه عمَّا تنزه عنه وعن كل ما فيه عيب ونقص، نزهوه عما تنزه نفسه عنه، تنزه عن الصاحبة تنزه عن الولد، تنزه عن الشريك نزه نفسه عن العيوب والنقائص.

وعن كل ما وصفته به الجهمية، الجهمية وأهل البدع مما لا يليق بجاهه وعظمته، فعطلوه من صفات الكمال، أهل البدع والجهمية نفوا الأسماء والصفات والعلم والقدرة والسمع والبصر، عطلوه من صفات الكمال، وصاروا يعبدون إنما يعبدون عدمًا.

الجهمية الذين قالوا: إن الله ليس بعليم، ولا سميع ولا بصير ولا قدير ولا ينزل، ولا يغضب، ولا يسخط ولا يكره, ماذا أثبتوا؟ أثبتوا عدم, يعبدون عدم فالمعطل يعبد عدم، ما عندهم إله، ولا رب؛ لأن الرب الذي ليس له أسماء ولا صفات، ما يعبد إذا في الذهن، ما في رب، ما في شيء يدل على الأسماء والصفات إلا في الذهن، والذهن صور المحال، فهم يعبدون عدمًا.

لأنهم وصفوه بما ينافي الكمال، ويوقع في النقص العظيم، وفيه نفي الكمال, حينما ينفوا الكلام هو لا يتكلم ولا يسمع ولا يبصر ولا يغضب ولا يرضى؛ هذا ينافي الكمال، ويوقع في النفس النقص العظيم، شبهوه بالجمادات تارة لا يتكلم ولا يسمع له صوت, يشبه الجمادات، جماد والجماد ما يعبد، وبالمعدوم تارة، أحيانًا يشبهوه بالمعدوم، المعدوم هو الذي ليس أسماء وصفات, (......) أهل التشبيه كما عرفت من حالهم وضلالهم ومحالهم, فالمعطل يعبد عدمًا، والمشبه الذي يشبه الله بخلقه يعبد صنمًا، والموحد يعبد إلهًا واحدًا فردًا صمد.

(المتن)

وأما ما أورده هذا الجهمي الجاهل من آيات العلم كقوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4].

وقوله: {مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: 7].

فلا منافى تبين استوائه على عرشه، وإحاطة علمه بخلقه، والسياق يدل على ذلك، أما الآية الأولى: فهي مسبوقةٌ بقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} [الحديد: 4] ؛ ذكر استوائه على عرشه، وذكر إحاطة علمه بما في الأرض والسموات ثم قال: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4] ؛ أي بعلمه المحيط بما كان وما يكون.

وأما الآية الثانية: فهي كذلك مشقوقةٌ بالعلم وختمها تعالى به فقال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: 7] ، إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: 7] ، فَعُلِمَ أن المراد علمه بخلقه، وأنه لا يخفى عليه شيءٌ من أعمالهم كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12].

(الشرح)

وهذا فيه بيان الجمع بين نصوص العلو والفوقية ونصوص المعية، الله تعالى متصفٍ بالعلو، وأدلة وصف الله بالعلو تزيد على ألف دليل كل دليل يدل على استوائه على العرش هذا دليلٌ على العلو، كل دليل على أن الله في السماء{ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 17]؛ يدل على صفة العلو.

كل دليل يشير إلى الصعود{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10]؛ هذا فيه الدليل على أن الصعود يكون من الأسفل إلى الأعلى.

{بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء: 158]؛ فيه دليل على العلو أن الرفع يكون من الأسفل إلى أعلى, كل دليل فيه إثبات صفة العلو{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [الشورى: 4]؛ دليل على إثبات العلو,  طيب هذا وصف الله بالعلو.

وصف الله نفسه بالمعية، في قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ } [الحديد: 4] ؛ هل هناك تنافي بين الوصفين؟.

نعم لا تنافي، لا تنافي بين الوصفين؛ لأن المراد بالمعية هنا: مطلق المصاحبة {وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحديد: 4]؛ ليس معكم مثل باقي المخلوقات، لا، هو فوق العرش, يكون معهم بعلمه واطلاعه وإحاطته، هو مع المخلوقات بأي شيء؟ بعلمه واطلاعه وإحاطته، ونفوذ قدرته ومشيئته، وتدبيره ولكن فوق العرش.

أهل البدع ماذا عملوا؟ ضربوا النصوص بعضها ببعض، أبطلوا نصوص الفوقية والعلو التي تزيد على ألف دليل بنصوص المعية، وقالوا: أن نصوص المعية تدل أنه مختلط بالمخلوقات، طيب أين نصوص العلو أكثر من ألف دليل؟! ضربوا به عرض الحائط، وضربوا النصوص بعضها ببعض؛ هذا كفر وضلال، كلام الله لا يتناقض، فأهل السنة جمعوا بين النصوص، وقالوا: هو فوق العرش حقيقة وهو مع المخلوقات حقيقة، كيف؟.

قالوا: ليس معنى المعية الاختلاط بالمخلوق؟ لا، المعية لا تدل على الاختلاط، المعية في اللغة العربية مطلق المصاحبة.

كقول العرب: مازلنا نسير والقمر معنا، هل هو مصاحب لهم؟ لا هو فوق رأسك, هل هو مختلط بالمخلوقات؟ لا، ما زلنا نسير والقمر معنا، ما زلنا نسير والنجم معنا، المعية هي مطلق المصاحبة.

وتقول: فلان زوجته معه، وهو في المشرق، وهي في المغرب، كيف؟ فلان زوجته معه وهي بالمشرق وهو بالمغرب، هل هي الآن معه؟ لا، هي معه في عصمته، وهكذا.

إذًا المعية لا تفيد الاختلاط والامتزاج إنما هي تدل على مطلق المصاحبة، وتقول: المتاع معي وهو فوق ظهرك، ويبكي الصبي فيطلع عليه أبوه من الدور الرابع أو الخامس أو السابع فيقول: أنا معك، فيسكت الصبي، كيف صار؟ هو ليس معه, الصبي أين هو هناك فاصل بينه وبين الأب في الدور السابع والصبي في الأرض يبكي, فإذا تطلع إليه

وقال: أنا معك سكت، ما معنى أنا معك؟ أي مختلطٌ به؟ لا؛ أنا أراقبك مطلع عليك، معتني بك، لا يصيبك أذى وأنا أراقبك، وأنا مصاحبٌ لك معتني بك، فالمعية لا تدل على الاختلاط، لكن هؤلاء المبتدعة قالوا: لا، قالوا: الله يختلط بالمخلوقات في كل مكان، وضربوا النصوص بعضها ببعض، وأبطلوا نصوص الفوقية والعلو التي تزيد على ألف دليل في نصوص المعية، فكفروا بذلك، أعوذ بالله.

المؤلف أجاب فقال: (وأما ما أورده هذا الجهمي الجاهل الضال من آيات العلم كقوله: { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ } [الحديد: 4] ، وقوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ } [المجادلة: 7] ، فلا منافاة بين استوائه على عرشه، وإحاطة علمه بخلقه، والسياق يدل على ذلك، أما الآية الأولى)؛ آية الحديد، وآية المجادلة.

آية الحديد: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: 4] ؛ قال المؤلف: (الآية مسبوقة بالعلم)؛ أين العلم؟ {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ} [الحديد: 4].

ثم قال: { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ } [الحديد: 4]؛ فدل على أن المعية معية علم، ليست معية اختلاط وامتزاج قال: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ } [الحديد: 4] ؛ {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الحديد: 4] ؛ ذكر العلو.

ثم ذكر العلم قال: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } [الحديد: 4] ؛ ثم قال: { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ } [الحديد: 4] ؛ يعني معكم بعلمه المحيط بما كان وبما يكون، هل هذا تأويل؟ لا ما هو بتأويل، هذا من الآية.

أما الآية الثانية وهي آية المجادلة: قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [المجادلة: 7].

إذًا ما هذه المعية هذه، معية اختلاط؟ لا معية علم, وما الدليل؟ الدليل: أن الله افتتح الآية بعلم وختمها بالعلم، فدل على أنها معية العلم.

كيف؟ في الآية: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ } [المجادلة: 7] ؛ وفي آخر الآية: { إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: 7] ؛ إذًا فدل على القول: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ } [المجادلة: 7] ؛ معهم بعلمه واطلاعه وإحاطته ونفوذ قدرته وهو فوق العرش.

هذا معنى قول المؤلف: (وأما الآية الثانية فهي كذلك مشقوقة بالعلم وختمها تعالى به فقال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى } [المجادلة: 7] ، إلى قوله: { إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: 7] ، فَعُلِمَ أن المراد: علمه بخلقه، وأنه لا يخفى عليه شيءٌ من أعمالهم كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12]).

(المتن)

وهذا المعنى الذي ذكرناه هو الذي عليه المفسرون من الصحابة والتابعين، والأئمة، وجميع أهل السنة والجماعة، وأما الجهمية وأهل البدع، فحرموا معرفة الحق لانحرافهم عنه وجهلهم به وبالقرآن والسنة، كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في الكافية الشافية: ثقل الكتاب عليهم لما رأوا تقييده بشرائع الإيمان، ومن المعلوم: أنه لا يقبل الحق إلا من طلبه، وأما أهل البدع فأشربوا في قلوبهم ما وقعوا فيه من البدع والضلال وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق، فأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون).

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله تعالى: (هذا المعنى الذي ذكرناه)؛ يعني من الجمع بين الآيتين وأن المعية ليست معية اختلاط، وإنما معية مصاحبة، وأن الله مصاحبٌ للخلق، معهم بعلمه وإحاطته وهو فوق العرش؛ هذا هو الذي ذكره المفسرون، الذي فسروا القرآن من الصحابة والتابعين، وجميع أهل السنة والجماعة.

الجهمية قالوا: معية اختلاط، أيهم الذي يأخذ بقوله؟ هل يؤخذ بكلام الصحابة؛ تفسير الصحابة والتابعين والأئمة؟ أو بتفسير الجهمية الذين حدثوا؟ تفسير الصحابة، القرآن يفهم بفهم الصحابة والتابعين، هم الذي شاهدوا التنزيل، وهم الذين عاشوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وعرفوا معاني القرآن والسنة، وعرفوا أسباب النزول، فالقرآن يفسر بفهم الصحابة والتابعين والأئمة، والنصوص، لا بفهم الجهمية، وأهل البدع؛ ولهذا قال المؤلف: (وهذا المعنى الذي ذكرناه هو الذي عليه المفسرون من الصحابة والتابعين، والأئمة، وجميع أهل السنة والجماعة، وأما الجهمية وأهل البدع، فحرموا معرفة الحق)، حرمهم الله معرفة الحق، لماذا؟ لانحرافهم عنه، وجهلهم به، وبالقرآن والسنة، وحرموا لماذا؟ عقوبة الله لهم، لماذا؟ لأنهم عدلوا عن الحق، وتركوا الحق عن بصيرة، فحرموا عقوبةٌ لهم، قال الله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5].

وقال: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [الأنعام: 110]   ؛ عقوبة من الله؛ لأنهم تركوا الحق بعد الوضوح فعاقبهم بالزيغ، وصرف قلوبهم عن الحق.

قال المؤلف: (وأما الجهمية وأهل البدع، فحرموا معرفة الحق لانحرافهم عنه وجهلهم به وبالقرآن والسنة، كما فقال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في الكافية الشافية: ثقل الكتاب عليهم لما رأوا تقييده بشرائع الإيمان), ثقل الكتاب عليهم أي: يقيدهم: يمنعهم من الأهواء والشهوات, فلما صار القرآن يقيدهم ويمنعهم من شهواتهم، يمنعهم من المحرمات، ثقل الكتاب عليهم فتركوه، ثقل الكتاب؛ يعني القرآن، (ثقل الكتاب عليهم لما رأوا تقييده بشرائع الإيمان)، فأهل البدع ما يتقيدون بالقرآن والسنة، لماذا؟ لأنه يقيدهم، يمنعهم من المحرمات، يمنعهم من شهواتهم، فثقل عليهم فتركوه (ثقل الكتاب عليهم لما رأوا تقييده بشرائع الإيمان، ومن المعلوم: أنه لا يقبل الحق إلا من طلبه), الذي يطلب الحق، ويريد الحق؛ هذا هو الذي يقبل، أما الذي ينصرف عن الحق، ولا يريد الحق؛ هذا لا حيلة فيه، الذي لا يريد الحق هذا لو جاءه الحق ما قبله؛ لأنه ما عنده إرادة بخلاف الذي يريد الحق ويطلبه؛ هذا هو الذي يقبله، يبحث عن الحق، يسأل عن الحق، فإذا وجده عمل به، أما الذي لا يريد الحق؛ هذا لا حيلة فيه، {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا } [المائدة: 41] ؛ الذي لا يريد الحق، تقول له هذا حق، وهو لا يريده، ما في حيلة مصروف عن الحق.

قال المؤلف: (وأما أهل البدع فأشربوا في قلوبهم ما وقعوا فيه من البدع والضلال)؛ يعني تمكنت البدع والضلالات من قلوبهم، كالثوب الذي أشرب الماء، فالثوب الذي أشرب الماء كيف تطلع الماء؟ ما في حيلة، يجب تعصره حتى ينزل الماء، فهؤلاء أشربوا البدع والضلالات، كما أن بني إسرائيل الذين عبدوا العجل أشربوا في قلوبهم العجل؛ يعني أشربوا في قلوبهم حب العجل حتى عبدوا عجلًا من دون الله عجلاً له خوار, لما ذهب موسى عليه السلام لميقات ربه وترك عندهم أخاه هارون وكان نبيًّا، ماذا صنع لهم السامري؟ عجل من الذهب, صورة عجل وصار يدخل فيه الهواء يصير له خوار, قال: هذا إلهكم فعبدوه من دون الله.

فهم أشربوا حب العجل، وهم الآن خرجوا مع نبيهم، ويرون أن الله أهلك فرعون وهم يشاهدون بعيونهم، وخرجوا من البحر؛ هذه خلاصة، ولما مروا بأناس يعبدون أصنام، قالوا: يا موسى أجعل لنا إله كما لهم آلهة، قال إنكم قوم تجهلون، فلما ذهب إلى ميقات ربه، ورجع وجدهم يعبدون العجل، قال: { وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ } [البقرة: 93] ؛ حب العجل أشربوا في قلوبهم.

وهؤلاء أشربوا في قلوبهم البدع والضلالات، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق، قال المؤلف: (فأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون)؛ فأبى الله تعالى إلا أن يظهر الحق، وأن يتم نوره، ولو كره الكافرون.

(المتن)

فإذا عرفت ذلك فيتعين أن نسأل هذا الجهمي وغيره من المبتدعة عن أمور لا يسع مسلم أن يجهلها؛ لأن الإسلام يتوقف على معرفتها، فمن ذلك: ما معنى كلمة الإخلاص؛ لا إله إلَّا الله؟ وما الإلهية المنفية بلا النافية للجنس، وما خبرها، وما معنى الإلهية التي ثبتت لله وحده دون ما سواه؟ وما أنواع التوحيد، وألقابه، وأركانه؟ وما معنى الإخلاص الذي أمر الله به عباده، وأخبرهم أنَّه له وحده؟ وما تعريف العبادة التي خلقوا لها؟ وما أقسام العلم النافع الذي لا يسع أحدًا جهله؟ وما معنى اسم الله تعالى الذي لا يسمى بهذا الاسم غيره؟ وما صفة اشتقاقه من المصدر الذي هو معنى؟ فالجواب عن هذا هو المطلوب، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.

(الشرح)

المؤلف في ختام هذه الرسالة وجه أسئلة إلى الجهمي يقول هذه الرسالة جواب عن أسئلة وردت إلى المؤلف الجهمي، الجهم هو الذي ينتسب إلى الجهم بن صفوان، وجهم بن صفوان أنكر الأسماء والصفات، واشتهر بعقائد، منها عقيدة نفي الصفات، وتلقَّها عن المعتزلة، واشتهر بعقيدة الجبر، وقال: إن الإنسان مجبور وأخذها من الجبرية، واشتهر بعقيدة الإرجاء وأخذها من المرجئة، واشتهر بقول فناء الجنة والنار؛ أربعة عقائد خبيثة كلها اشتهر بها الجهم.

العقيدة الأولى: عقيدة نفي الأسماء والصفات، وورثه عنه المعتزلة.

العقيدة الثانية: عقيدة الجبر، وقول إن الإنسان مجبور على أفعاله, وأنه كالريشة في الهواء, وأن الفاعل هو الله؛ الله هو المصلي والصائم، والعبد مجبور، تلقَّاها من الجبرية.

العقيدة الثالثة: الإرجاء؛ وهو القول بأن الأعمال غير مطلوبة، وهنا يكفي التصديق بالقلب، وتلقاها من المرجئة.

العقيدة الرابعة: القول بفناء الجنة والنار، يقول: الجنة والنار يفنيان يوم القيامة لا يوجد جنة ولا نار، قبحه الله.

قال المؤلف: (فإذا عرفت ذلك فيتعين أن نسأل هذا الجهمي وغيره من المبدعة عن أمور لا يسع مسلم أن يجهلها؛ لأن الإسلام يتوقف على معرفتها), المؤلف وجه أسئلة، قال: أيها الجهمي أسألك عن هذه الأسئلة، هذه الأسئلة لا يسع مسلم أن يجهلها؛ كل مسلم لا بد أن يعرفها؛ لأن الذي لا يعرفها لا يعرف الإسلام، الإسلام يتوقف على معرفتها، إن أجبت عن هذه الأسئلة فأنت مسلم، وإن لم تجب فأنت ما عرفت الإسلام، بعض هذه الأسئلة جمعها المؤلف في مواضع، وبعضها معروف.

السؤال الأول: ما معنى كلمة الإخلاص؛ لا إله إلا الله؟ هذا السؤال موجه من الشيخ عبد الرحمن بن حسن إلى الجهم، ما معنى كلمة الإخلاص؛ لا إله إلَّا الله؟ الجواب: معناها: لا معبود حق إلا الله، الإله هو المعبود.

السؤال الثاني: ما الإلهية المنفية بلا الجنس؛ يعني في كلمة التوحيد؛ لا إله إلا الله؛ لا: نافية للجنس، التقدير: لا إله حق إلا الله، لا معبود حق إلا الله، فلا نافية للجنس، لجنس الإله الحق، لا إله حق إلا الله.

إذًا ما الإلهية المنفية بلا النافية للجنس؟ الإلهية: هي العبادة، (لا إله) لا عبادة حق إلا عبادة الله، فهي العبادة الحق.

السؤال الثالث: وما خبرها؟ خبر ماذا؟ كلمة: لا إله، خبرها محذوف تقديره: لا إله حق إلا الله، لا نافية للجنس من أخوات إن تنصب الاسم، وترفع الخبر، إله: اسمها، والخبر: حقٌّ، وإلا الله: هذا بدل، الله بدل من الخبر.

السؤال الرابع: وما معنى الإلهية التي تثبت لله وحده دون سواه؟ الإلهية: هي العبادة، العبادة هي التي تثبت لله وحده دون سواه، كل عبادة خاصة بالله، الصلاة عبادة، والصوم، والزكاة، والحج، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، بر الوالدين، وصلة الأرحام، والدعاء، الخوف، والذبح، والنذر، والرجاء؛ كل العبادات لا تصرف إلا لله، من صرفها لغير الله فقد أشرك.

وما أنواع التوحيد؟ أنواع التوحيد ثلاثة، وما ألقابه؛ توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، وتوحيد الأسماء والصفات.

توحيد الربوبية: توحيد الله بأفعاله هو، الخلق والإماتة، والإحياء.

توحيد الإلهية: توحيد الله بأفعال العباد، كالدعاء، والصلاة والنذر، والذبح، والصيام.

توحيد الأسماء والصفات: الإيمان بأسماء الله وصفاته الواردة في الكتاب والسنة.

أنواع التوحيد؛ هذه الأسماء الثلاثة، وألقابه؛ توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، وتوحيد الأسماء والصفات.

أركانه: وما أركان التوحيد؟ نفي وإثبات، ليس هناك توحيد إلا بالنفي والإثبات؛ لا إله إلا الله، الركن الأول: النفي، والركن الثاني: الإثبات؛ ركنان هذا في توحيد العبادة، توحيد الإلهية، أو العبادة له ركنان؛ النفي والإثبات؛ نفي العبادة لغير الله، وإثبات العبادة لله، وأما توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات فله ثلاثة أركان، ما هي هذه الأركان؟.

الأصل الأول: إثبات الأسماء والصفات لله.

الأصل الثاني: تنزيه الله عن النقائص والعيوب، والمثيل والشبيه.

الأصل الثالث: قطع الطمع عن المراد بالكيفية.

وما تعريف العبادة التي خلقوا لها؟ العبادة أربعة أنواع، شيخ الإسلام قال: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة، والظاهرة، وكيفية ما أمر به شرعًا, (......) بالعرف ولا (......) هي الأوامر والنواهي، فافعل الأوامر تعبدًا لله، وإخلاصًا له, سواء كان أمر محرم أو أمر استبحاب,  وتترك النواهي، سواء كان نهي تحريم أو نهي تنزيه, خوفًا من الله وتعبدًا له.

(وما أقسام العلم النافع الذي لا يسع أحدًا جهله؟), سبق أن ذكر ابن القيم أن العلم النافع، كما ذكر العلماء ثلاثة أقسام:

القسم الأول: العلم بأسماء الله وصفاته، وأفعاله؛ هذا القسم الأول.

القسم الثاني: العلم بالأوامر والنواهي؛ وهو دين الله الذي شرعه.

القسم الثالث: العلم بالجزاء يوم القيامة، جزاء الموحدين المؤمنين غير جزاء الكفار، جزاء أهل التوحيد الجنة، ورضا الله، وجزاء من ترك التوحيد وأشرك بالله النار وغضب الله وسخطه؛ ولهذا يقول ابن القيم رحمه الله:

والعلم أقسام ثلاث ما لها
 

 

من رابع والحق ذو تبيان
 

علم بأوصاف الإله وفعله
 

 

وكذلك الأسماء للرحمن
 

والأمر والنهي الذي هو دينه
 

 

وجزاؤه يوم المعاد الثاني
 

العلم أقسام ثلاث ما لها من
 

 

رابع والحق ذو تبيان
 

علم بأوصاف الإله وفعله
 

 

وكذلك الأسماء للرحمن
 

 

علم بأوصاف الله وأفعاله، وأسمائه.

والثاني: والأمر والنهي الذي هو دينه؛ الأوامر والنواهي اللي هو دين الله, الأوامر والنواهي هي الحلال والحرام، وجزاؤه يوم المعاد.

الجزاء الثالث: العلم بالجزاء يوم القيامة، والجزاء جزاء المؤمنين الجنة، وجزاء الكفار النار {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } [الزلزلة: 7، 8]؛ هذه أقسام العلم النافع، وما معنى اسم الله الذي لا يسمى بهذا الاسم غيره؟.

اسم الله لا يسمى به غيره الله, لفظ الجلال لا يسمى به غيره, وكذلك الرحمن لا يسمى به غيره، وكذلك الخالق، والرازق، عالم الغيب والشهادة، ربُّ العالمين؛ كل هذه أسماء خاصة به.

  • وأسماء الله نوعان: 
  1. أسماء خاصة بالله لا يسمى بها غيره، كما في القرآن.
  2. وأسماء مشتركة؛ مثل: الرحيم، والعليم، والسميع، والبصير، والحي، والملك.

 فالله من أسماءه الملك، والمخلوق يسمى (......) من أسماء الله الرحيم، والرؤوف.

وقال الله عن نبيه: { بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128].

من أسماء الله السميع البصير، وقال: { إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا } [الإنسان: 2].

ومن أسماء الله الحي القيوم، والمخلوق يسمى حي, {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [يونس: 31] ؛ هذه مشتركة.

السؤال الأخير: وما صفة اشتقاقه من المصدر الذي هو معناه؟.

الاشتقاق من المصدر الذي هو معناه ليس المراد أن هذا مأخوذ من هذا، المراد الالتقاء، المراد التقاء المعنى، وتوافق الحروف؛ العليم مشتق من العلم؛ يعني أن العليم يلتقي في العين واللام والميم؛ يتفقان في الحروف، وليس المراد أن هذا مأخوذ من هذا، وأنه مشتق منه كما يشتق الشيء من الشيء.

قال المؤلف: (الجواب عن هذا هو المطلوب، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا).

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد