شعار الموقع

شرح رسالة في النزول والمعية_2

00:00
00:00
تحميل
103

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين, ولا عدوان إلا على الظالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين:

أيها الأحبة نرحب بفضيلة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله الراجحي, في هذا اللقاء الثاني في شرح رسالة شيخ الإسلام ابن تيمية "النزول والمعية وإثبات الأسماء والصفات" فهو يعتبر اللقاء الثاني السنوي, وقد زارنا الشيخ العام الماضي وهذي الزيارة الثانية فأسأل الله العلي العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى واسمه الأعظم الذي أن يكتب الأجر للشيخ وألا يحرمه وإياه ووالديه والإخوة جميعًا الأجر والثواب.

(المتن)

قال المصنف رحمه الله:

فإن قال المتفلسف: أنا أتأوَّل هذا كله، وأتأوَّل ما وردَ في معادِ الأبدان.

قيل له: فتأوَّلْ ما وردَ في معادِ الرُّوح ونعيمها، وما ورد في إثباتِ واجب الوجود وعنايتِه وإبداعِه وعلمِه الكلّي ونحو ذلك، فالخطاب الوارد فيما نفيتَه أصرحُ من الخطاب الوارد فيما أثبتَه.

(الشرح)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد: ...

سبق في الليلة الماضية الكلام على أول هذه الرسالة في النزول والمعية وإثبات الصفات لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, وسبق أن قرأنا أول الرسالة وأنها جواب عن سؤال سُئل عنه المؤلف رحمه الله وهو في الديار المصرية: أن طائفة تأولت هذه الآيات وأمثالها من الصفات؟ وأن طائفة أخرى قالت: إذا تأولنا هذه الآيات احتملت هذه الأحاديث التأويل, فما الحجة في تأويل الآيات وإمرار الأحاديث؟.

  • أجاب المؤلف رحمه الله من وجوه, فقال:

الوجه الأول: أنه يجب إتباع طريقة السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم, ولا يجوز لأحدٍ أن يخالفهم لا في الأصول ولا في الفروع, وقد أجمع الصحابة ومن بعدهم على أن هذه الآيات في المعية قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[المجادلة/7].

أنها معية العلم, وأن الله تعالى افتتح الآية بالعلم وختمها بالعلم, دل على أنها معية علم, ليست معية اختلاط وامتزاج كما يقول أهل البدع, وأن كلمة "مع" في اللغة العربية توافق المصاحبة, ولا تقتضي اختلاطًا ولا امتزاجًا ولا محاذاةً عن اليمين ولا عن الشمال, وإنما تقتضي مع المصاحبة المقاربة في أمرٍ من الأمور.

ومن ألوان المعية: أن يكون الشخص نفسه معك, أو يكون رئيسه معك, أو يكون اهتمامه وعنايته معك, فيما غير ذلك من أنواع المعية, فقد تكون المعية وبنيهما مسافة في الزمان كما سبق بالأمس, قد يقول: فلان زوجته معه وهي في المشرق وهو في المغرب, هذا لون من ألوان المعية, والمعية تعني: مطلق المصاحبة, تقول العرب: ما زلنا نسير والقمر معنا, والقمر فوقهم, ما زلنا نسير والنجم معنا.

ونقل المؤلف رحمه الله نقول عن أهل العلم عن أبي عمر بن عبد البر أن المعية معية علم, ونقل أيضًا عن الشيخ أبو بكر الآجري في كتاب الشريعة إثبات العلو لله عز وجل وأن الله فوق العرش, وأنه يطلع علي أعمال العباد وأن المعية معية علم, ونقل أيضًا عن عبد الله ابن بطة أن المعية معية علم, ثم بين الوجه الثاني أن الكلام في الآيات والأحاديث هو على طريقة واحدة, وأن التأويل الذي ذمه السلف وهو التحريف وإخراج الكلام عن مواضعه, وإخراج كلام الله ورسوله عما دل عليه.

وبين المؤلف رحمه الله في هذا الوجه أن المعية لا تقتضي الملازمة ولا الاختلاط ولا توجب التيامن ولا التياسر, ثم ناقش المؤلف رحمه الله المعتزلة الذين يثبتون الأسماء وينفون الصفات, ويقولون على الله عز وجل أنه حيٌ بلا حياة, عليمٌ بلا علم, قديرٌ بلا قدرة, وأن هذا باطلٌ من ثلاثة وجوه:

أحدها: أنه يلزمه في الأسماء ما يلزمه في الصفات.

الثاني: أن إثبات الاسم بلا صفة يخالف صريح العقل.

الثالث: أن خصومه يخالفونه في هذا, فإن الخصوم المثبتة للصفات سواءً الأشاعرة أو من أهل السنة كلهم يخالفونه في أن إثبات الصفات ليس فيه تجسيم.

وكذلك خصومه من القرامطة النفاة القرامطة الذين ينفون النقيضين, يقولوا: لا موجود ولا ليس بموجود, لا حي ولا ليس بحي, ولا عليم ولا ليس بعليم, فيكون التجسيم يلزم لإثبات الأسماء كما يلزم لإثبات الصفات.

ثم قال المؤلف رحمه الله هنا: (فإن قال المتفلسف: أنا أتأوَّل هذا كله، وأتأوَّل ما وردَ في معادِ الأبدان) هذا فلاسفة القرامطة, فلاسفة القرمطة يقولون: نتأول هذا كله, نتأول الصفات ونتأول معاد الأبدان؛ لأن أهل الكلام: المعتزلة والأشاعرة يثبتون المعاد, المراد بالمعاد يعني: بعث البدن, وأنهم يرون أنه أصلٌ من أصول الإيمان وأن من أنكر المعاد فهو كافر بإجماع المسلمين وبنص القرآن, وقد أمر الله نبيه أن يُقسم على البعث في ثلاث مواضع من كتابه, قال سبحانه: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)[التغابن/7]؛ أمره أن يُقسم على البعث.

قال تعالى في سورة يونس: (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ)[يونس/53].

وقال في سورة سبأ: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)  [سبأ/3].

أمر الله نبيه أن يُقسم على البعث في ثلاث مواضع, فمن أنكر البعث فهو كافر بإجماع المسلمين, من أنكر بعث الأجساد والفلاسفة أنكروا بعث الأجساد؛ فهم كفرة, يقولون: المعاد إنما هو بعث للأرواح, لتبعث الروح وأما البدن لا يُبعث, فهذا كفر بإجماع المسلمين, الروح ما تموت, أما الإنسان إذا مات خرجت الروح ثم تنقل روحه إلى الجنة, والكافر تُنقل روحه إلى النار, وليس لها صلة بالجسد, وأن الجسد يبلى ولا يبقى إلا عجب الذنب ثم يبعث, يعيد الله الذرات التي استحالت, فإذا أمر الله إسرافيل بالنفخ في الصور عادت الأرواح إلى أجسادها.

فالفلاسفة يقولون: المعاد للأرواح, (فإن قال المتفلسف) يعني: من القرامطة, (أنا أتأوَّل هذا كله) يشير إلى الصفات والأسماء, أتأول الأسماء وأتأول الصفات, وأتأول مع ذلك المعاد, يعني: يُنكر معاد الأبدان, وأقول: إن المعاد للروح لا للسجم؛ وهذا كفر.

قيل له في الجواب قول المؤلف رحمه الله: (فتأوَّلْ ما وردَ في معادِ الرُّوح ونعيمها، وما ورد في إثباتِ واجب الوجود وعنايتِه وإبداعِه وعلمِه الكلّي ونحو ذلك، فالخطاب الوارد فيما نفيتَه أصرحُ من الخطاب الوارد فيما أثبتَه) يقول: إذا كنت تتأول الصفات وتتأول بعث الأجساد تأول بعث الروح, وتأول أيضًا ما ورد في واجب الوجود وهو الله سبحانه وتعالى.

  • هو واجب؛ لأن أهل الكلام اصطلحوا على أن الوجود نوعان:
  1. واجب الوجود؛ هذا وجود الله.
  2. منكر الوجود؛ وهو وجود المخلوق.

يقول المؤلف: إذًا إذا كنت تتأول البعث وتتأول الصفات تأول بعث الأرواح, وتأول أيضًا ما ورد في إثبات الرب سبحانه وتعالى هو واجب الوجود, فتأول وجود الرب, وتأول عنايته, وتأول إبداعه وتأول علمه الكلي, العلم الكلي يقابله العلم الجزئي, الفلاسفة يقولوا: إن الله يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات, ما هي الكليات: يجب أن تقولوا الله تعالى يعلم النجوم, يعلم الجن, يعلم الإنس, يعلم كذا, لكن عددها ما يعلمها؛ الجزئيات, قالوا: لأنه إذا علم ذلك يقول ابن سيناء للحقه الخلل (    ) بتصور المعلومات ولكان كاملا في غيره لا بنفسه

يقول المؤلف: تأولوا هذا: إذا كنتم تتأولون بعث الأجساد تأولوا معاد الأرواح, ثم إثبات واجب الوجود وهو الله, وتأولوا إبداعه, وتأولوا علمه الكلي.

(فإن الخطاب الوارد فيما نفيتَموه أصرحُ من الخطاب الوارد فيما أثبتَموه) يعني: الخطاب الوارد,, ما هو الشيء اللي نفوه؟ الشيء اللي نفوه؛ الصفات وبعث الأبدان, والخطاب الوارد في إثبات الصفات وإثبات البعث أصرح من الخطاب الوارد في معاد الأرواح ونعيمها, وفي إثبات علم الله وفي إثبات الصفات, علم الله بالجزئيات.

(المتن)

فإن قال: ما نفيتُه يَستلزِمُ تركيبَ واجب الوجود.

قيل له: وكذلك ما أثبتَّه، ولا فرق، فإن الوجود والوجوب والعناية والعقل وأمثالَ ذلك مَعانٍ متميزة في العقل كتميُّزِ ما أثبتته الصفاتيةُ.

وقيل له: فتأوَّل العباداتِ كما تأوَّلَها القِرمطي.

فإن قال: العبادات قد عُلِمَ بالاضطرار أن الرسولَ أوجَبَها، أو ليس فيها ما يُنافي العقلَ.

قيل له: منازعوك من النفاةِ والمثبتةِ يقولون لك ذلك، فالمعتزلة وغيرهم يقولون: إن معادَ الأبدان قد عُلِمَ بالاضطرار أن الرسولَ قد أخبرَ به، والصفاتية يقولون: إن إثباتَ الصفات مما عُلِمَ بالاضطرار أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرَ به، ويقولون لك: ليس في العقل منافاة لما أثبته من هذه الجزئيات، كما ليس في العقل منافاة لما أثبتَه من العلميات.

والقرامطة ينازعونك فيما أثبتَه حتى في النفس، فيقولون: لا يُقال هو لا موجودٌ ولا معدومٌ، لأن في هذا تشبيهًا له بالموجودات والمعدومات.

(الشرح)

المؤلف رحمه الله يُجيب عن شبهة القرمطي المتفلسف.

فإن قال على شكل اعتراض وجواب (فإن قال: أي المتفلسف ما نفيتُه يَستلزِمُ تركيبَ واجب الوجود) ما نفيته: يعني من الصفات لأنهم ينفوا الصفات والأسماء, لأن إثباته (يَستلزِمُ تركيبَ واجب الوجود) واجب الوجود: هو الله, يقول: ما أثبت أن له سمع وبصر وعلم وقدرة, هذه تركيب من الصفات والأسماء, والرب واحد هو الأحد ليس مركبًا, فأنا نفيت الصفات لأنها جاءت من تركيب, والتركيب محال على الله فلذلك لا لوم عليك في نفي الصفات.

المؤلف تغزل معه قال: (قيل له: وكذلك ما أثبتَّه، ولا فرق) يستلزم التركيب, أنت تثبت واجب الوجود وتثبت العناية وتثبت الإبداع وتثبت العلم على التركيب وهو ليس فيه فلا فرق بين ما تثبته وبين ما نفيته!

أنت أثبت مثل ما نثبت كيف تقول نفيت صفات التركيب, أنت أثبت أشياء مثل الصفات, أثبت الإبداع, وأثبت العلم, وأثبت العناية والعلم الكلي, هذا التركيب؛ لأن هذه معاني متميزة في العقل, الإبداع معنى والعناية معنى, والعلم معنى مثل ما تتميز به والعلم معنى, والقدرة معنى، والسمع معني, والبصر معنى.

قوله (وكذلك ما أثبتَّه، ولا فرق فإن الوجود والوجوب والعناية والعقل وأمثالَ ذلك مَعانٍ متميزة في العقل كتميُّزِ ما أثبتته الصفاتيةُ) الصفاتية التي هي الصفات يشبه الأشاعرة وأهل السنة, كما أن أهل السنة أثبتوا الصفات وهي معاني متميزة فأنت أثبت العبادة والإبداع وهذه معان متميزة لا فرق

(وقيل له أيضا: إذا مازلت تتأوَّل العباداتِ كما تأوَّلَها القِرمطي) أنت تأولت الصفات في التركيب التي تأولها القرمطي, القرمطي تأول الصفة قال: الصلاة هي أسماء مشايخهم, الصلوات الخمس معناها خمسة أسماء تحفظها: علي, فاطمة, حسن, حسين, محسن, هذا عند القرامطة, والصيام, كتمان أسرار المشايخ, والحج؛ السفر لشيوخهم, هذه طريقتهم يتأولوا. فقيل له تتأول العبادات كما تأولها القرمطي

(فإن قال) أجاب قال: لا العبادات ما أتأولها وما أقدر أتأول العبادات, إذا سئل لماذا قال :هذه معلوم بالضرورة في الإسلام, معلوم أن من ترك الصلاة والصيام كفر.

  • وسبق أن العلم نوعان:
  1. علم ضروري.
  2. علم نظري.

العلم الضروري: هو الذي لا يستطيع الإنسان إنكاره مثل طلوع الشمس لا يستطيع أن ينكر أحد أن الشمس طالعة مرئى العين لأنه ضروري

 و العلم النظري هو الذي يحتاج إلى تأمل واستدلال وتفكير

فهو يقول: العبادات لا أتأولها؛ لأنه ضروري العلم فيها ضروري.

(فإن قال: العبادات قد عُلِمَ بالاضطرار أن الرسولَ صلى الله عليه وسلم أوجَبَها، أو ليس فيها ما يُنافي العقلَ.

قيل له: كذلك منازعوك من النفاةِ والمثبتةِ يقولون لك ذلك، يقولون نحن نقول الصفات ثبتت بالاضطرار لماذا لا تتأول العبادات تأول الصفات معلوم بالاضطرار؟! كل إلاه معلوم بالاضطرار

قيل (منازعوك من النفاةِ والمثبتةِ يقولون لك ذلك) يقولون أنه معلوم بالاضطرار (فالمعتزلة وغيرهم يقولون: إن معادَ الأبدان قد عُلِمَ بالاضطرار أن الرسولَ قد أخبرَ به, والصفاتية) سبق أنهم من يثبتون الصفات ومنهم أهل السنة والأشاعرة.

 (و يقولون: إن إثباتَ الصفات مما عُلِمَ بالاضطرار أن الرسول أخبرَ به) إذًا مالك حيلة, أن تقول: المعاد معلوم بالاضطرار أخص من أن تقول الصفات معلومة بالاضطرار والمعاد معلوم بالاضطرار

(ويقولون لك: ليس في العقل منافاة لما أثبته من هذه الجزئيات) يقول: العقل ما ينافي كونك تثبت السمع والبصر والعلم والقدرة, تثبت علم الله بالأشياء.

 (كما أن العقل لا  ينافي ما أثبتَه من العلميات) العلميات: ما يعتقده الإنسان ويعلمه, من الإيمان بالله, والملائكة, والكتب, والرسل, واليوم الآخر, والجنة والنار؛ هذه علميات يقينيات, فكما أن العقل لا ينافي ما أثبت من الجزئيات, فكذلك العقل لا ينافي ما أثبت من العلميات.

(والقرامطة ينازعونك فيما أثبتَه) نفس القرامطة اللي يُنكرون ويؤولون الصلوات والصيام ومثلها؛ ينازعونك فيما أثبته, فأنت الشيء اللي تثبته ينازعونك, أنت تثبت المعاد يقولون: لا, تأول المعاد, المعاد متأول ما في معاد, هذا تخيير, ما في بعث ولا جنة ولا نار, هؤلاء القرامطة.  

ينازعونك حتى في النفس يعني في نفس الرب فيقولون: لا موجودٌ ولا معدومٌ لأنك إذا أثبت الوجود تشبهه بالموجودات, وإذا أثبتنا العدم شبهناه بالمعدوم, فينازعونك في هذا وفي هذا في النفي والإثبات, (لأن في هذا تشبيهًا له بالموجودات والمعدومات) فينازعوك يقولون لا موجود ولا معدوم لأن هذا تشبيه له بالمعدومات

 

(المتن)

فإن قلت: هذا خروج عن النقيضَيْن، وهذا خروج عن العقل، وهو مخالفٌ لما عُلِمَ بالاضطرار من السمع.

قيل له: وهكذا حال جميع النفاة، فإنهم لابُدَّ أن يجمعوا بين النقيضَيْن أو يَسْلُبوا النقيضَيْن كالقِرمطي، فمن قال: لا هو مباين ولا مُحايِثٌ ولا داخل ولا خارج، كان بمنزلة من يقول: لا قائم بنفسِه ولا بغيره، ولا قديم ولا محدَث، ولا موجود ولا معدوم، ومن قال: إنه وجود مطلق ليس له حقيقة وراء الوجود المطلق. وقد تقرر في المنطق أن المطلق بشرطِ إطلاقِه لا يُوجَد في الخارج بل في الذهن، كالجسم المطلق والحيوان المطلق، فإن جَعلَ المطلقِ بشرطِ الإطلاقِ يَثبُتُ في الخارج جَمْع بين النقيضين.

وهذا قد بسطناه في غير هذا الموضع، وبَيَّنا أن هؤلاء أهل التأويلات المبتدعة الذين ينفون الصفات ليس لأحدٍ منهم قانونٌ مستقيم في التأويل، بل يتناقضون.

(الشرح)

المؤلف رحمه الله يجيب على جواب القرامطة الذين ينازعون من ينفي الصفات, يقول: إذا قال إن القرامطة اللذين ينفون وجود العدم يقولون: لا موجود ولا معدوم, نقول: (هذا خروج عن النقيضَيْن) والخروج عن النقيض مستحيل, لا يوجد شيء لا موجود ولا معدوم.

لأن القاعدة عن أهل العقل جميعًا: أن النقيضان لا يرتفعان ولا يجتمعان, النقيضان معروف بالضرورة عند جميع العقلاء, النقيضان لا يجتمعون فما يمكن تقول: هذا الشيء معدوم وموجود في آن واحد, ما يمكن, هو إما موجود وإما معدوم؛ نقيضان: إذا ثبت الوجود انتفى العدم, وإذا ثبت العدم انتفى الوجود, فلا يجتمعان ولا يرتفعان لا تقول هذا الشيء موجود معدوم ولا تقول ليس بموجود وليس بمعدوم بل لابد أن تثبت أحدهم نفيا وإثباتا إذا نفيت الموجود ثبت العدم وإذا نفيت العدم ثبت الوجود

وإذا أثبت الوجود نفيت العدم وإذا أثبت العدم نفيت الوجود هذين نقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان

 فقوله: لا موجود ولا معدوم, هذا نقيضين هذا خروج عن النقيضين ما وافق القرامطة في قولهم لا موجود ولا معدوم؛ لأن هذا نقيضان والنقيضان لا يرتفعان ولا يجتمعان, وهذا خروج عن العقل وجميع العقلاء يُدركون هذا الغى عقله الآن ما صار من العقلاء

فيقول (هذا خروج عن النقيضين وهذا خروج عن العقل، وهو مخالفٌ لما عُلِمَ بالاضطرار من السمع) يعني: رفع النقيضين أو جمع النقيضين خروج عن العقل، وهو مخالفٌ لما عُلِمَ بالضرورة من السمع, السمع: الأدلة السمعية من الكتاب والسنة, تسمى بأدلة السمع لأنها مسموعة.

فإذا قال هذا يقول المؤلف (قيل له: وهكذا حال جميع النفاة فإنهم لابُدَّ أن يجمعوا بين النقيضَيْن) ما خص القرامطة, من ينفي الصفات عن الله, ينفي السمع عن الله معناه يثبت نقيضه وهو الصمم, واللي ينفي البصر يثبت العمى, واللي ينفي الكلام يثبت البكم والخرس.

 يقول (قيل له: وهكذا حال جميع النفاة فإنهم لابُدَّ أن يجمعوا بين النقيضَيْن أو يَسْلُبوا النقيضَيْن كالقِرمطي، فمن قال: لا هو مباين ولا مُحايِثٌ ولا داخل ولا خارج) هذه مقولة الجهمية المتأخرون.

  • الجهمية طائفتان:

الأولى: طائفة ينفون علو الله على عرشه ويقولون: هو مختلط بالمخلوقات.

الثانية: ينفون النقيضين وهما أشد كفرًا, يقولون: لا داخل العالم ولا خارجه, ولا مباين له ولا محايثٌ له, ولا متصل به ولا منفصل عنه, ماذا يكون؟ يقولون لا هو مباين ولا محايث كلمة محايث يعني داخل مقابل مباين يقولن الرب ليس منفصل عن العالم وليس داخل العالم ايش يكون شيء لا داخل العالم ولا خارجه هل هو موجود لا مباين ولا محايد ولا داخل ولا خارج . 

يقول المؤلف (كان بمنزلة من يقول: لا قائم بنفسِه ولا بغيره) شيء لا قائم بنفسه ولا قائم بغيره؟ الجدار قام بنفسه والبياض قام بغيره, البياض الآن البويه الآن تقوم بالجدار والجدار قام بنفسه, الجدار قام بنفسه والبياض قام بغيره فإذا قال شخص: لا قائم بنفسه ولا قائم بغيره, ماذا يكون؟ لا وجود له.

(ولا قديم ولا محدَث، ولا موجود ولا معدوم) هذا معناه نقيضين لا يمكن هذا هذا معلوم بالضرورة فساده .

(ومن قال: إنه وجود مطلق ليس له حقيقة وراء الوجود المطلق) المراد بالوجود المطلق هنا: الوجود الذي يكون في الذهن, مطلق يعني لم يُقيد باسم ولا صفة, والذي لم يقيد باسم ولا صفة لا يكون إلا في الذهن

هذا معنى قوله ومن قال: إنه وجود مطلق ليس له حقيقة وراء الوجود ماله حقيقة ايش يكون في الذهن .

الإنسان يتصور بحر بين السماء والأرض, في وسط البحر قصور, في وسط القصور جواهر, هل هذا له وجود ولا خيال في الذهن؟ هذا وجود ذهني, هؤلاء وصفوه, معبودهم اللي يعبدوه خيال في الذهن, يقولون يعبدون رب ليس له سمع, ولا بصر ولا علم, ولا قدرة, ولا داخل العالم ولا خارجه, ولا فوقه ولا تحته, ولا مباين له ولا محايث عنه, ماذا يكون؟ في الذهن, هذا الوجود الذهني, تتصوره في الذهن لكن لا وجود له.

(ومن قال: إنه وجود مطلق ليس له حقيقة وراء الوجود المطلق وقد تقرر في المنطق أن المطلق بشرطِ إطلاقِه لا يُوجَد في الخارج بل في الذهن، كالجسم المطلق) في الذهن, (والحيوان المطلق) في الذهن, عرفنا كلمة المطلق وهو: سلب جميع الأسماء والصفات هذا المطلق هذا لا يكون إلا في الذهن.

 (فإن جَعلَ المطلقِ بشرطِ الإطلاقِ يَثبُتُ في الخارج جَمْع بين النقيضين) إذا قال شخص: أنا أثبت وجودًا لكن بشرط الإطلاق, وأثبت أنه يثبت بالخارج, أثبت وجود وشرطت الإطلاق معناه أثبت جميع الأسماء والصفات فصار في الذهن, وقلت: أنا أثبته بالخارج, معناه هنا نقيض كيف تثبت شيء في الخارج وتقول: إنه مطلق وبشرط الإطلاق؟! لا يجتمعان نقيضان اللي في الخارج غير اللي في الذهن, واللي في الذهن غير اللي في الخارج.

(فإن جَعلَ المطلقِ بشرطِ الإطلاقِ يَثبُتُ في الخارج جَمْع بين النقيضين وهذا قد بسطناه في غير هذا الموضع) بسطه في كثير من كتبه كما بين الحاشية: الفتاوي, درأ التعارض.

 يقول: (وبَيَّنا أن هؤلاء أهل التأويلات المبتدعة الذين ينفون الصفات ليس لأحدٍ منهم قانونٌ مستقيم في التأويل، بل يتناقضون) يتناقضون يعني بعضهم يتناقض

(المتن)

فيقال لهم: إذا تأوَّلتم هذا فتأوَّلوا هذا، أو لا تتأوَّلوا شيئًا.

فإن قالوا: ما دلَّ العقلُ على إثباتِه لم نَتأوَّلْه كالإرادة، بخلاف ما لم يَدُلَّ على إثباته كالغضب.

كان الجوابُ من وجوهٍ:

أحدها أن يقال: عَدَمُ الدليلِ ليس دليلاً على العَدَم، فهَبْ أنكم لم تعلموا بالعقلِ ثبوتَ صفةٍ أُخرى، فمن أين لكم نفيُها بلا دليلٍ والسمعُ قد دلَّ عليها؟!

الثاني أن يقال: فهذا عَزْلٌ للرسول صلى الله عليه وسلم عن الإخبار بصفاتِ مُرسِلِه، فإنكم لم تُثبتُوا إلا ما علمتم بعقولكم، وما لم تُثبته عقولكم نفيتُموه، فبَقِي كلامُ الَرسولِ صلى الله عليه وسلم عديمَ الفائدةِ في باب أسماءِ الله وصفاتِه.

الثالث: أن يُبيَّن لهم أن العقلَ يدلُّ على ما نَفَيتُموه نظيرَ دَلالتِه على ما أثبتموه، وأن ما في الوجود من الإحسان يدلُّ على الرحمة، كما أن ما فيه من التخصيصات يدل على الإرادة، وما فيه من العقوبات للمكذبين يدلُّ على الغضب، كما قد بُسِطَ في غيرِ هذا الموضع.

(الشرح)

المؤلف رحمه الله هنا يناقش الأشاعرة, والأشاعرة معروف أنهم يثبتون سبع صفات وينفون بقية الصفات, يثبتون سبع صفات: الحياة, الكلام, البصر, السمع, العلم, القدرة, الإرادة, وما عداها ينفونها, ينفون المحبة, والغضب, والرضا, والكراهة, والسخط, والضحك, والنزول, والاستواء, والرحمة, كل الصفات ينفونها ما عدا الصفات السبع.

ما هي شبهتهم؟ يقولون: الصفات السبع هذه دل عليها الشرع والعقل نثبتها, وبقية الصفات دل عليها الشرع فقط ولذلك ننفيها, ما نُثبت إلا ما دل عليه العقل.

المؤلف رحمه الله يناقشهم يقول: (فيقال لهم: إذا تأوَّلتم هذا فتأوَّلوا هذا، أو لا تتأوَّلوا شيئًا) إذا تأولتم هذا, يعني: ما عدا الصفات السبع, فتأولوا هذا: الصفات السبع, أو لا تتأولوا شيئا يعني أنتم متناقضون يقول المؤلف, أنتم متناقضون, وبين المؤلف يقول: الذين ينفون الصفات ليس لأحدٍ منهم مستقيم في التأويل, بل يتناقضون وهذا من تناقضهم.

يبين المؤلف تناقض الأشاعرة, تناقضهم؛ أنهم أثبتوا سبع صفات ونفوا بقية الصفات, فقال: أنتم متناقضون لماذا تثبتون السبعة وتنفون بقية الصفات؟ أليست كلها دل عليها القرآن والسنة! المحبة, والغضب, والرضا, أما جاءت في الكتاب والسنة؟ ألستم مسلمين؟ لماذا تثبتون سبع صفات وتنفون بقية الصفات تثبتون الحياة والكلام والبصر والسمع وتنفون المحبة والغضب والرضا والكراهة والسخت والفرح والعجب والنزول والاستواء والحكمة والرحمة أليس هذا ما دل عليه القرآن والسنة ألستم مسلمين لماذا تفرقون بين الأسماء والصفات؟ تتأولون بقية الصفات ولا تتأولون هذا, يقول: إذا تأولتم المحبة, والغضب, والرضا, تأولوا الحياة, والكلام, والسمع؛ حتى لا تتناقضون, وإلا لا تتأولوا لا هذا ولا هذا أثبتوها كلها, حتى لا تتناقضون أما أن تؤولوا بعض الصفات ولا تتأولون بعض الصفات هذا تناقض, إما أن تأول الجميع وإما لا تتأولوا شيئًا حتى لا تناقضون أنت الآن متناقضين أيها الأشاعرة

ماذا قالوا؟ (فإن قالوا: هذا جوابهم يعني في العقل اختلافهم في صفات العقل ما دلَّ العقلُ على إثباتِه لم نَتأوَّلْه كالإرادة، الإرادة من صفات السمع بخلاف ما لم يَدُلَّ على إثباته كالغضب) قالوا: نحن لسنا متناقضين, قالوا: الصفات السبع دل عليها العقل مع الشرع نثبتها, وبقية الصفات ما دل عليها إلا الشرع فلذلك نؤولها.

قال المؤلف: 

   الجوابُ من وجوهٍ عدة وجوه

الوجه الأول أن يقال: (عَدَمُ الدليلِ ليس دليلاً على العَدَم، فهَبْ أنكم لم تعلموا بالعقلِ ثبوتَ صفةٍ أُخرى، فمن أين لكم نفيُها بلا دليلٍ والسمعُ قد دلَّ عليها؟!) يقول: أنتم تقولون الصفات السبع وتقولوا دل عليها العقل, وبقية الصفات ما دل عليها ما دل عليها العقل, يقول لهم: سلمنا جدلًا أن ما دل عليهم العقل, لكن يمكن ثبوتها بدليل آخر الأدلة متعددة ليست الأدلة خاصة بالعقل العقل دليل, والشرع دليل, والحس دليل, والفطرة دليل, أدلة أخرى متعددة, سلمنا جدلًا أن العقل ما دل على بقية الصفات, لكن دل عليها دليل آخر وهو السمع, الأدلة السمعية, والسمع الطمأنينة فيه في باب الاعتقاد أقوى من الطمأنينة في باب العقل.

هب أنكم لم تعلموا بالعقل لنفرض ( هب نفرض ) لم تعلموا بالعقل ثبوت الصفات الأخرى, فمن أين لكم نفيها بلا دليل والسمع قد دل عليها؟! لأن هذا دليل آخر السمع دليل والعقل دليل, أنتم الآن تدعون أنكم مسلمون وأنكم تعملون بخبر النبي, كيف عدلتم عن خبر الرسول, الرسول أخبر قال: «يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة» لماذا لم تثبتوا الضحك.

عدلتم عن إخبار الرسول الرسول أخبر عن صفات مُرسله وهو الله سبحانه وتعالى, فكيف تعدلون عن إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم مع أنكم مسلمون؟.

فإنكم لم تُثبتُوا إلا ما علمتم بعقولكم، وما لم تُثبته عقولكم نفيتُموه، فبَقِي كلامُ الَرسولِ عديمَ الفائدةِ في باب أسماءِ الله وصفاتِه) ما الفائدة إذًا من كلام الله وكلام رسوله, إذا كنتم ما تثبتون كلام الله ورسوله, كيف تدعون الإسلام وتزعمون أنكم مسلمون ولا تقبلوا كلام الله وكلام رسوله, لا تقبلوا إلا ما دل عليه العقل؟!

تجدون المناقشة حادة قوية

الجواب الثالث أنتم تدعون أن الصفات السبع دل عليها العقل, نحن نثبت لكم أن بقية الصفات دل عليها العقل, ما خاصًا بالصفات السبع, هم قالوا: كيف الصفات السبع دل عليها العقل؟ قالوا: إن التخصيصات تدل على أي شيء؟ تدل على الإرادة, تخصيص الله بعض الأشياء ببعض, خص هذا بالعلم, خص هذا بالطول, خص هذا بالقصر خص هذا بالمال, هذه يدل على الإرادة.

وكذلك أيضًا الحوادث المتجددة: هذا يولد, وهذا يموت, وهذا كذا, وهذا سعيد, وهذا فقير, هل تدل على القدرة؟!

وكذلك أيضًا العلم ثبت فيه أيضًا كذلك العلم ثبت بما تدل عليه الأشياء من الخصائص, منها: القدرة, الإرادة, العلم, هذه القدرة, والإرادة, والعلم تستدعي الحياة, لابد أن يكون حيًا, والحي لابد له من السمع والبصر والكلام فثبت أنها صفة سبع, هذا هما أثبتوا الصفات السبع.

المؤلف يقول: نحن نثبت بقية الصفات بالعقل أيضًا:

(أن يُبيَّن لهم أن العقلَ يدلُّ على ما نَفَيتُموه نظيرَ دَلالتِه على ما أثبتموه) الذي هو العقل نقول لكم: الرحمة, الرحمة ينفونها, يقولوا: ما دل عليها العقل, يقول المؤلف: نحن الآن نثبت لكم أن العقل دل على الرحمة, (وأن ما في الوجود من الإحسان يدلُّ على الرحمة)

ما في الوجود من الإحسان والإنعام الذي أنعم به الله يدل على رحمته.

( كما أن ما فيه من التخصيصات يدل على الإرادة) مثل ما أنك تقول: التخصيص يدل على الإرادة, نحن نقول: الإحسان الذي في الوجود يدل على الرحمة عقلًا, كذلك العقوبات للمكذبين تدلُّ على أن الله غضب عليه ويبغضه نصر الله لأوليائه المؤمنين يدل على محبته لهم, يعني ثبت المحبة بالعقل, وثبت الغضب بالعقل, وثبت الرحمة بالعقل, وجميع الصفات, الحكم: الغايات المحمودة في مفعولات الله تدل على الحكمة, إذًا جميع الصفات ثابتة بالعقل, فلماذا تثبتون سبع صفات وتنفون بقية الصفات مع أن الجميع كلها ثابتة بالعقل؟! هذا تحكم.

(المتن)

فإن قال: إنما نتأوَّلُ ما عُلِمَ نفيُه بدليلٍ قَطعي من العقل أو النقل.

قيل له: ونحن نُسلم لك أن ما عُلِمَ نَفْيُه بصريحِ المعقول أو صحيح المنقول فإنه يجب نفيُه عن الله، لكن دعواكم أن هذا المنصوصَ يدلُّ على ما يُخالِفُ صريحَ المعقولِ وصحيحَ المنقولِ قولٌ غير مقبولٍ.

(الشرح)

يعني المؤلف يقول: الآن لما أُلجم على الأشعري, الآن الاشعري أحرج ماله مخرج الآن ألجم! الآن أثبت له أن الصفات كلها تدل على العقل, ويقول: أنا حجتي العقل, ويثبت أن جميع الصفات يدل عليها العقل, ماذا لجأ؟ قال: (إنما نتأوَّلُ ما عُلِمَ نفيُه بدليلٍ قَطعي من العقل أو النقل) أنا ما أنفي شيء إلا إذا دل الدليل العقلي القطعي على نفيه أو الدليل الشرعي, ما أثبت شيء إلا بالدليل القطعي سواء من النقل أو من العقل فالذي أؤوله هو الذي يثبت بالدليل القطعي سواءً من العقل أو النقل نفي أنا انفيه, أنا ماني متساهل, إذا كان عندي قطع مئة في المائة دليل قطعي قاطع ما فيه مجال للشك ولا الارتياب ولا بالظن, دليل قاطع سواء من الشرع أو العقل نفاه أنا انفيه, لا تظنوا أني متساهل.

(قيل له: ونحن نُسلم لك أن ما عُلِمَ نَفْيُه بصريحِ المعقول أو صحيح المنقول فإنه يجب نفيُه عن الله) يعني: نسلم لك أن الشيء الذي ينفيه العقل الصريح أو النقل الصحيح نحن معك يجب نفيه, (لكن دعواكم أن هذا المنصوصَ يدلُّ على ما يُخالِفُ صريحَ المعقولِ وصحيحَ المنقولِ قولٌ غير مقبولٍ) دعواك إن العقل الصريح أو النقل الصحيح ينفي بقية الصفات السبع ما نوافقك, لكن نوافقك أن الشيء الذي ينفيه العقل الصريح أو النقل الصحيح هذا يجب نفيه ونحن معك.

لكن في هذه المسألة: دعواك أن بقية الصفات ينفيها العقل الصريح أو النقل الصحيح لا نوافقك, ليس هناك عقل صريح ينفيها ولا نقل صحيح, بل العقل الصريح يثبتها والنقل الصحيح يثبتها.

وهنا ما سبق إلا ثلاثة أجوبة, لعل المؤلف سقط منه الجواب الرابع ذكر المحشي قال: أن هذا فيه سقط أو أنه متداخلة. ( وقد سبق التنبيه على أجوبة الثاني والثالث أنها متداخلة .... )

(المتن)

الجواب الخامس:

أن يقال: التأويل الذي هو صرفُ اللفظِ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح، للمُثبِتةِ فيه ثلاثةُ مسالكَ:

أحدُها: أن يَنفُوه مطلقًا، ويقولوا: لا حاجةَ إليه، وتمام ذلك بأن يثبِتوا تَنزُّهَ القرآنِ والحديث عن الدلالةِ على المعاني الفاسدة.

المسلك الثاني: أن يقولوا بالتأويل الذي قام عليه دليلٌ شرعي، مثل أن يكون نفيُ ذلك المعنى قد بَيَّنَه الشارع في مواضع أخرى، فيكون وقد بيَّن كلامَه بكلامِه، فلا يكون كلامُ الله ورسولِه صلى الله عليه وسلم محتاجًا في البيان إلى ما يُحدِثُه المُحدِثون.

(الشرح)

الجواب الخامس:

أن يقال: (التأويل الذي هو صرفُ اللفظِ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح، للمُثبِتةِ فيه ثلاثةُ مسالكَ) المثبتة: اللي هم يثبتون الأسماء والصفات وهم أهل السنة, يقول له: أنت تقول: التأويل مقصودك للتأويل الذي هو صرفُ اللفظِ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح، العلماء المثبتون لهم ثلاث أجوبة وثلاث مسالك:

المسلك الأول: (أن يَنفُوه مطلقًا) يقول نحن الآن ننفيه اللفظ التأويل الذي يصرفه اللفظ من الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح هذا باطل لا تنصرف له, ابقى على احتمال راجح لا تصرفه إلى احتمال مرجوح.

الجواب الثاني: أن نقول: لا حاجة إلى هذا التأويل, والقرآن منزه وكذلك الحديث منزه عن الدلالة عن المعاني الفاسدة.

المسلك الثاني: (أن يقولوا بالتأويل الذي قام عليه دليلٌ شرعي) نحن نقول بالتأويل صوف الاحتمال الراجح الى الاحتمال المرجوح إذا جاء دليل يدل عليه, إذا جاء دليل يدل عليه سواء من نفس الحديث أو من حديث آخر لا بأس, مثال ذلك الحديث القدسي يقول الله تعالى: «عبدي مرضت فلم تعدني, قال: يا ربِ كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلان مرض فلو عدته لوجدتني عنده, عبدي جعت فلم تطعمني, قال: ربِ كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلان جاع فلو أطعمته لوجدتني عنده, عبدي استسقيتك فلم تسقني, قال: يا ربِ كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلان استسقاك فلو أسقيته لوجدت ذلك عندي».

فأهل البدع يقولون: أن هذا الحديث دل على معنى فاسد, ما هو المعنى الفاسد؟ أن الرب مرض وجاع, وعطش, هذه معاني فاسدة لابد أن أؤولها, نقول لهم: لا, هذا الآن جاء في نفس الحديث ما يبينه, إذا جاء في الحديث ما يبينه ما يسمى تأويل, في آخر الحديث بين الذي مرض هو العبد, والذي جاع هو العبد, والذي عطش هو العبد, وأن الله جعل جوعه جُوعه, ومرضه مرضه؛ لبيان فضل عيادة المريض وإطعام الجائع وسقاء الظمآن, فهذا لا يسمى تأويل؛ لأن النفس هو الذي بينه.

(بالتأويل الذي قام عليه دليلٌ شرعي) وهذا قام عليك دليل شرعي, وقد يكون يبينه الحديث الآخر, الحديث الآخر في مكان آخر فالحديث يفسر الحديث, في الحديث: «الجار أحق بسقبه» هذا فيه دليل على أن الجار يشفع مع الشفعاء, لكن جاء حديث جابر: «فإذا وقعت الحدود وصُدفت الطرق فلا شُفعة» دل على أن المراد بالجار الشريك, بدليل الحديث الآخر: «فإذا وقعت الحدود وصُدفت الطرق فلا شفعة» فهذا لا يسمى تأويل؛ لأنه بينه الحديث الآخر, هذا تأويله دل عليه الدليل.

فنقول: (أن يقولوا بالتأويل الذي قام عليه دليلٌ شرعي مثل أن يكون نفيُ ذلك المعنى قد بَيَّنَه الشارع) قد بين الشارع أن الرب لم يمرض وإنما الذي مرض هو العبد, فيكون هو وقد بيَّن كلامَه بكلامِه الرب في هذا الحديث القدسي بين كلامه بكلامه, «عبدي مرضت» ثم بينه: «أما علمت أن عبدي فلانًا مرض», «عبدي جعت» ثم بينه بأن الذي جاع هو العبد, «عبدي استسقيتك» ثم بين أن الذي عطش هو العبد, فيكون هو قد بين كلامه بكلامه.

 (فلا يكون كلامُ الله ورسولِه صلى الله عليه وسلم محتاجًا في البيان إلى ما يُحدِثُه المُحدِثون).

(المتن)

المسلك الثالث: أن يُسلَّموا أن كل تأويل قام عليه دليلٌ سمعي أو عقليٌّ فإنه يجب قبولُه، لكن يطالبون منازعيهم بالدلائل القطعية فيما إذا حاجه إلى التأويل، ويُثبتون أن ذلك لم يُخالِفْ دليلاً قطعيًّا، لا عقليًّا ولا سمعيًّا، بل يُبيَّن أن العقل الصريح يُقرِّر ما أثبتَه السمعُ، وأن العقل الصريح لا يخالف النقلَ الصحيح أصلاً، كما يُبيَّن أن ما دلَّ عليه القرآنُ من أن اللهَ مُباينٌ لمخلوقاتِه إذ هو بدو العلم قد دلَّ عليه العقلُ، وأنّ العقلَ يُثبتُ مباينتَه للمخلوقات، والسمعُ زادَ على ذلك وأثبتَ الاستواءَ علىَ العرش، وذلك لا يُعلَم بالعقل، فالسمعُ أثبتَ ما عَلِمَ العقل وزادَ عليه وفَصَلَه، لأن الرُّسُلَ بُعِثَتْ بتكميلِ الفطرة وتقريرِها، لا بتحويلِ الفطرةِ وتغييرها, والله أعلم.

تمت بحمد الله وعونِه وحُسنِ توفيقه، وصلواته على سيّدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم وصحبِه وسلّم تسليمًا كثيرًا، بتاريخ خامس شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين وسبعمائةٍ.

(الشرح)

المؤلف يبين المسلك الثالث يقول: (أن يُسلَّموا) يعني: المثبتة وهم الذين يثبتون الأسماء والصفات, يسلموا للمؤولين (أن كل تأويل قام عليه دليلٌ سمعي أو عقليٌّ فإنه يجب قبولُه) يقول: نسلم لكم التأويل, أولوا لكن بشرط أن هذا التأويل عليه دليل سواءٌ من السمع أو من العقل, من الشرع أو العقل, إذا وُجد الدليل من الشرع أو العقل مثل حديث: «عبدي مرضت» أولنا أن المريض هو العبد لكن الدليل نفس الحديث, وحديث: «الجار أحق بسقبه» فسرنا الجار بالشريك بدليل الحديث الآخر: «فإذا وقعت الحدود وصُدفت الطرق فلا شُفعة».

إذا وُجد دليلًا يدل على التأويل فعلى العين والرأس, نحن نسلم لكم أيها المؤولين نسلم لكم التأويل ونُجيز لكم التأويل بشرط أن يقوم عليه دليلٌ من الشرع أو من العقل, دليل واضح مثل الشمس من العقل أو من الشرع, هذا معنى المسلك الثالث: أن يسلموا أن كل تأويل قام عليه دليلٌ سمعي أو عقليٌّ فإنه يجب قبولُه .

(لكن يطالبون منازعيهم بالدلائل القطعية فيما إذا كانت حاجةٌ إلى التأويل) إذا قال: أنا أؤول هذه, نقول: هات الدليل القطعي على تأويلك, إن جئت بالدليل القطعي سواء من الشرع أو من العقل قبلنا, وإن لم تأتي رددناه.

(لكن يطالبون منازعيهم بالدلائل القطعية فيما إذا كانت حاجةٌ إلى التأويل ويُثبتون أن ذلك لم يُخالِفْ دليلاً قطعيًّا، لا عقليًّا ولا شرعيا) لو جاء يؤول نقول: هات الدليل على تأويلك, وأثبت أن التأويل لا يخالف دليلًا قطعيًا لا عقليًا ولا شرعيًا.

(بل يُبيَّن أن العقل الصريح يُقرِّر ما أثبتَه السمعُ) يعني: العقل الصريح هو الذي ليس فيه شبهة ولا شهوة, هذا صريح, سلم من الشبهة والشهوة هذا صريح يوافق الشرع, ولا يمكن أن يخالف العقل الصريح دليلًا شرعيًا.

  • فإذا وُجد دليلان متعارضان: دليل عقلي أو دليل شرعي فهو بين أحد أمرين:

الأول: إما العقل غير صريح وفيه شبهة وشهوة.

الثاني: أو النقل غير صحيح.

أما عقلٌ صريح ونقل صحيح لا يتعارضان أبدًا, ولهذا ألف شيخ الإسلام رحمه الله كتاب عظيم سماه: "موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول", وبعضهم سماه: كتاب العقل والنقل, لا يتعارض العقل مع النقل, إذا تعارضا فيكون من أحدهما: إما العقل غير صريح, أو النقل غير صحيح, أما عقل صريح ونقل صحيح فلا تعارض هذا معنى قوله: (بل يُبيَّن أن العقل الصريح يُقرِّر ما أثبتَه السمعُ) السمع يعني: الأدلة الشرعية.

(وأن العقل الصريح لا يخالف النقلَ الصحيح أصلاً، كما يُبيَّن يعني العقل أن ما دلَّ عليه القرآنُ من أن اللهَ مُباينٌ لمخلوقاتِه قد دلَّ عليه العقلُ) دل العقل على أن الله منفصل عن المخلوقات وأنه فوق العرش, فالذي يقول: إن الله مختلط بالمخلوقات خالف العقل والشرع, فالعقل الصحيح يبين أن الله مباين لمخلوقاته وكلمة "بدو العلم" هذه زائدة يعني زيادة توضيح وحذفها أولى لأن الكلام يستقيم بدونها قد دل عليه العقل

(وأنّ العقلَ يُثبتُ مباينتَه يعني الرب للمخلوقات، والسمعُ زادَ على ذلك) يعني: العقل أثبت أن الله فوق المخلوقات وأن الله مباين للمخلوقات, هذا دل عليه العقل والشرع والفطرة, لكن السمع زاد على ذلك وأثبت الاستواء على العرش, الاستواء على العرش هذا ما عُلم بالعقل, لولا أن الله أخبرنا أنه مستوٍ على العرش ما علمنا, لكن كون الله فوق المخلوقات هذا ثابت في العقل والفطرة, زيادة على الشرع, يعني فطر الله الخلائق والبهائم والحيوانات ترفع رأسها إلى السماء, أما السمع علوٌ خاص, الاستواء علوٌ خاص على العرش أما علو الله على المخلوقات هذا ثبت بالدليل العقلي والشرعي والفطري أما السمع زيادة على ذلك فأثبت الاستواء على العرش وهو علو خاص ولذلك لا يعلم بالعقل الاستواء على العرش . 

(وأثبتَ الاستواءَ علىَ العرش، وذلك لا يُعلَم بالعقل) يعني: الاستواء على العرش, (فالسمعُ أثبتَ ما عَلِمَ العقل) السمع يعني: الأدلة السمعية المسموعة من الكتاب والسنة.

(فالسمعُ أثبتَ ما عَلِمَ العقل) وهو ماذا؟ أن الله فوق المخلوقات, (وزادَ عليه وفَصَلَه) زاد عليه: إثبات الاستواء على العرش, يفصله لماذا؟ (لأن الرُّسُلَ بُعِثَتْ بتكميلِ الفطرة وتقريرِها) الله تعالى فطر الخلائق على أن الله فوق المخلوقات, والشريعة والأدلة الشرعية بُعثت لتكميل الفطرة وتقريرها وإثبات ما دل عليه.

لا بتحويلِها الفطرةِ وتغييرها عما خُلقت عليه, الأدلة الشرعية الشريعة جاءت بتكميل الفطرة, وتقريرها لا بتحويلها وتغييرها عما فٌطرت عليه.

والله أعلم, وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

 

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد