شعار الموقع

شرح كتاب منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات_1

00:00
00:00
تحميل
116

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله من خلقه، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين؛ أما بعد: ...

فإني أحمد الله إليكم، وأثني عليه الخير كله، وأسأله المزيد من فضله، وأسأله سبحانه وتعالى أن يصلح قلوبنا وأعمالنا، ونياتنا وذرياتنا، وأسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا جميعًا العلم النافع، والعمل الصالح، وأسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا جميعًا الإخلاص في العمل، والصدق في القول، ونحمد الله سبحانه وتعالى على عقد مجالس العلم، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يشرح صدورنا لقبول ما يُلقَى في الدروس العلمية.

 أيها الإخوان إنها لفرصة للشباب أن يحرصوا على مجالس الذكر، ويتتبعوها في مجالس العلم، ويحضروها، ويحافظوا عليها، فإن طلب العلم وتعلم العلم، وتعلمه وتعليمه من أفضل القروبات وأجل الطاعات، والله تعالى نوّه ن شأن العلم والعلماء، رفع مكانة أهل العلم.

قال الله تعالى في كتابه العظيم: (ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰖ[المجادلة/11].

 وقال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ[الزمر/9].

والله تعالى قرن شهادة أهل العلم بشهادته، وبشهادة ملائكته على أجل مشهود به، وهو الشهادة لله تعالى بالوحدانية, قال الله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ[آل عمران/1].

فالمسلم الذي يطلب العلم ويتعلم العلم ويسلك طريق العلم إنما يسلك الطريق إلى الجنة، إذا سلك وأخلص وكان مؤمنًا بالله ورسوله، قال عليه الصلاة والسلام: «ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة».

والله تعالى أمر نبيه قال: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ[طه/114]، ولم يقل: قل ربِ زدني ملكًا أو جاهًا أو مالاً أو سلطانًا، والعلم هو ورثة الأنبياء: «الأنبياء إنما ورثوا العلم، ولم يرثوا دينارًا ولا درهمًا، فمن أخذه أخذ بحظٍ وافر».

والعلماء قرروا أن طلب العلم أفضل من نوافل العبادة، أفضل من نوافل العبادة، إذا تعارض طلب العلم مع صلاة الضحى، أو صلاة الليل، مما زاد عن الفريضة، طلب العلم مقدم وأفضل، يتعارض طلب العلم مع الصيام النفل، صيام الاثنين والخميس، أو صيام الثلاث أيام من كل شهر فطلب العلم مقدم، إذا تعارض طلب العلم مع حد النفل فطلب العلم مقدم.

فطلب العلم أفضل من نوافل العبادة؛ وما ذاك إلا لأن المتعلم الذي يتعلم العلم ويتبصر ويتفقه في شريعة الله يعبد الرب على بصيرة، يرفع الجهل عن نفسه، ومن ثم يرفع الجهل عن غيره، قيل للإمام أحمد رحمه الله ماذا ينوي طالب العلم؟ قال: ينوي رفع الجهل عن نفسه، ورفع الجهل عن غيره؛ لأن الأصل في الإنسان أنه لا يعلم، قال الله تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [النحل/78].

فينبغي للشباب أن يحرصوا على الدروس العلمية ومجالس العلم، والتبصر والتفقه في شريعة الله من الوسائل المختلفة، وسائل العلم الآن متعددة والحمد لله، من وسائل العلم التفسير في المعاهد الشرعية، وفي الكليات الشرعية، يدرس العلم ويتعلم، منها حضور الدروس العلمية التي تُلقى في المساجد، وإذا لم يتيسر يستطيع أن يتابع الدروس في الشبكة المعلوماتية، وما يسمى بالإنترنت، وكذلك أيضًا يستطيع الإنسان أو طالب العلم أن يسمع الدروس المشجعة لأهل العلم، ولأهل البصيرة.

كذلك يستطيع أن يسأل أهل العلم مشافهةً أو مهاتفة، كذلك أيضًا يطلب العلم عن طريق سماع الندوات والمحاضرات العلمية، والبرامج المفيدة في إذاعة القرآن الكريم، كذلك أيضًا يقرأ الإنسان في كتب أهل العلم، أهل البصيرة، وأهل المعتقد السليم، العلماء القدامى والمعاصرين؛ هذه كلها وسائل متعددة.

فعلى المسلم وعلى الشاب بالخصوص أن يحرص على طلب العلم ما دام أتيحت هذه الأسباب، فإنه قد يأتي وقت لا يتيسر للإنسان أن يطلب العلم، ولا يستطيع، وترون الآن يأتي أسئلة في بلدان متعددة في شتى أنحاء العالم, يقول: ما نسمع عن العلم ولا ندري ماذا نفهم واستفادوا مما يُنقل في الشبكة المعلوماتية، وما أدري أحد يفهم، ولا أحد عنده بصيرة أو عنده علم، حتى يبصرنا ويفيدنا، فعليكم أن تغتبطوا بهذه النعمة وتستغلوا هذه الفرص وتحرصوا عليها.

نسأل الله سبحانه وتعالى للجميع العلم النافع والعمل الصالح، وفي هذه الدورة إن شاء الله كما هو معلوم وكما أعلن نتكلم على ما يتيسر من الرسالة التي بين أيديكم، وهي رسالة "منهج ودراسات الأسماء والصفات" للشيخ الفاضل العلامة/ محمد بن الأمين الشنقيطي رحمه الله.

وهي رسالة جيدة في بابها، بين فيها رحمه الله القواعد التي يرتكز عليها، والأسس التي يرتكز عليها في توحيد الأسماء والصفات عند أهل السنة والجماعة، استفاد من كلام أهل العلم بالخصوص "شيخ الإسلام ابن تيمية في الرسالة التدمرية"، نقل عنه كثيرًا كما سيتبين إن شاء الله.

ونقرأ أيضًا ما تيسر من "كتاب الاعتصام" للإمام البخاري رحمه الله, وإن كان كتاب الاعتصام طويل، ولكن نقرأ ما تيسر منه، نحاول أن ننهي الرسالة هذه إن شاء الله ونقسمها ثلاث أيام أو أربعة أيام، والدورة مدتها ثلاثة أيام أو أربعة أيام، في كل يوم بعد العشاء من الساعة التاسعة إلى الساعة العاشرة، وقد تزيد وقد تنقص, فنبدأ الآن على بركة الله, فيقرأ القارئ من "منهج دراسات الأسماء والصفات".

(المتن)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا، وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين؛ أما بعد:

فيقول الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي غفر الله لنا وإياه، المولود سنة خمس وعشرين وثلاثمائة وألف من الهجرة، والمتوفى سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة وألف من الهجرة، في محاضرته التي ألقاها للجامعة الإسلامية، في الثالث عشر من رمضان سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة وألف للهجرة.

الْحَمد لله رب الْعَالمين وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على نَبينَا مُحَمَّد r وعَلى آله وَأَصْحَابه وَمن تَبِعَهُمْ بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الدّين؛ أما بعد:

فَإنَّا نُرِيد أَن نوضح لكم مُعْتَقد السّلف وَالطَّرِيق الَّذِي هُوَ المنجي نَحْو آيَات الصِّفَات, أَولا: اعلموا أَن كَثْرَة  الْخَوْض والتعمق فِي الْبَحْث فِي آيَات الصِّفَات وَكَثْرَة الأسئلة فِي ذَلِك الْمَوْضُوع من الْبدع الَّتِي يكرهها السّلف, اعلموا أَن مَبْحَث آيَات الصِّفَات دلّ الْقُرْآن الْعَظِيم أَنه يتركز على ثَلَاثَة أسس من جَاءَ بهَا كلِّهَا فقد وَافق الصَّوَاب، وَكَانَ على الاعتقاد الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم  وَأَصْحَابه وَالسَّلَف الصَّالح، وَمن أخل بِوَاحِد من تِلْكَ الأسس الثَّلَاثَة فقد ضل، وكل هَذِه الأسس الثَّلَاثَة يدل عَلَيْهَا قُرْآن عَظِيم.

أحد هَذِه الأسس الثَّلَاثَة هُوَ تَنْزِيه الله جلّ وَعلا عن أَن يشبه بِشَيْء من صِفَاته شَيْئا من صِفَات المخلوقين، وَهَذَا الأَصْل يدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: (لَيْسَ كمثله شَيْء)[الشورى/ 11], (وَلم يكن لَهُ كفوا أحد)[الْإِخْلَاص/ 4], (فَلَا تضربوا لله الْأَمْثَال)[النَّحْل/ 74].

 الثَّانِي من هَذِه الأسس هُوَ الْإِيمَان بِمَا وصف الله بِهِ نَفسه؛ لِأَنَّهُ لَا يصف الله أعلم بِاللَّه من الله: (ءأنتم أعلم أم الله)[الْبَقَرَة/ 14], وَالْإِيمَان بِمَا وَصفه بِهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه لا يصف الله بعد الله أعلم من الله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم  الَّذِي قَالَ فِي حَقه: (وَمَا ينْطق عَن الْهوى إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى)[النَّجْم/ 43].

(الشرح)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه، هذه الرسالة كما سمعتم محاضرة ألقاها فضيلة الشيخ العلامة/ محمد الأمين الشنقيطي في الجامعة الإسلامية، في تاريخ الثالث عشر من رمضان سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة وألف للهجرة النبوية.

وهذه المحاضرة في موضوع الأسماء والصفات، منهج ودراسة لآيات الأسماء والصفات، أو الأسماء والصفات نقلاً وعقلاً، ابتدأها بـ(الْحَمد لله رب الْعَالمين)، ثم ثني بالصلاة على مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم.

 اقتداءً بالكتاب العزيز فإن الله تعالى افتتح كتابه بالبسملة، والحمد لله رب العالمين "الفاتحة"، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والحمد: هو الثناء على المحمود بالصفات الاختيارية، مع حبه وإجلاله وتعظيمه، والحمد أكمل من المدح, فالمدح هو أن تذكر صفات الموصوف وتُثني عليه بها، ولا يهم ذلك أن يكون هناك محبة؛ ولأن الثناء على الممدوح قد يكون بصفاته الجبلية التي جُبل عليها وليس له فيها اختيار.

فأنت تصف الأسد بأنه قوي، قوي العضلات، وأنه ملك الحيوانات، وأنت لا تحبه، وأيضًا تصفه بصفاته الجبلية التي خلقه الله عليها، بخلاف الحمد، فيكون على الصفات الاختيارية التي يفعلها الإنسان باختياره وهي: الشجاعة، والإقدام، والكرم، والإحسان، ويكون مع الحمد ومع الصفات محبة وإجلال.

فالحمد لله، فالحمد هو الثناء على الرب سبحانه وتعالى بصفاته الاختيارية، مع حبه وإجلاله وتعظيمه, والحمد لله تثني عليه بما له من الأسماء والصفات العظيمة التي سمى بها نفسه، ووصف بها نفسه، ولما له من النعم العظيمة على عباده: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰇ[النحل/53].

و"ال" للاستغراق والمعنى جميع أنواع المحامد كلها مستغرقة لله، موقن استحقاقًا، والحمد لله: الله لفظ الجلالة، أعرف المعارف، اسم الله، اسم الرب سبحانه، لا يسمى به غيره، ووصف الله الإله، الله الإله على وزن فِعال، حذفت الهمزة التي هي فاء الكلمة فالتقت اللام، لام الكلمة واللام الأولى التي هي الزائدة، وشُددت هاء فصارت الله، والله يعني هو المألوه، فِعال بمعنى مفعول، إله بمعنى مألوه، أي الذي تألهه القلوب، أي الذي تألهه القلوب محبةً، وإجلالاً، وتعظيمًا، وخوفًا، ورجاءً, فالله بالألوهية والعبودية على خلقه أجمعين كما قال ابن عباس رضي الله عنه.

الله: اسم الله، وأسماء الله لا يسمى بها غيره، وأسماء الله مشتقة ليست جامدة، كل اسم مشتمل على صفة، الله مشتمل على صفة الألوهية، الرحمن متضمن لصفة الرحمة، العليم متضمن لصفة العلم، القدير متضمن لصفة القدرة، السميع متضمن لصفة السمع، البصير متضمن لصفة الإضافة.

  • وأسماء الله نوعان:

النوع الأول: لا يسمى بها غيره، هي: الله، الرحمن، رب العالمين، خالق الخلق، مالك الملك، الخافض الرافع، المعطي المانع، لا يسمى بها غيره.

والنوع الثاني: مشترك، مثل السميع، البصير، العزيز، الرحيم، الحي, فهذه هي أسماء مشتركة إذا سُمِّيَ الله بها فله الكمال، وإذا سُمِّيَ بها المخلوق فله ما يليق به.

(الحمد لله رب العالمين) الرب رب العالمين بمعنى مربيهم، خالقهم ومربيهم بنعمه، والعالمين كل ما سوى الله  فهو عالم، والله تعالى رب الجميع، مربيهم وخالقهم ورازقهم ومدبر شؤونهم.

 (والصلاة والسلام على نبينا محمد) صلاة الله؛ أصح ما قيل في تعريف صلاة الله: ثناؤه على عبده في الملإ الأعلى، كما رواه البخاري عن أبي العالية أنه قال: «صلاة الله ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى» يعني: اللهم أثني على عبدك في الملأ الأعلى، والسلام دعاءٌ بالسلامة، فأنت تسأل، تدعو ربك وتسأل ربك أن يُثني على عبده، وتسأله أن يسلمه، سلام دعاءٌ بالسلامة.

وهذا فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس إلهًا يُعبَد، ولا ربًا ولكنه عليه الصلاة والسلام نبيٌّ كريم، يُطاع ويُتبع، ويُحَب، وتُصَدَّقُ أخباره، وتُنَفَّذ أوامره، ويُتعَبَّد لله بما شرع في كتابه وعلى لسان رسوله، ولا يُعْبَد فالعبادة حق الله؛ لأنه دعا له بالسلامة، والذي يُدعَى له بالسلامة مُحتاج إلى غيره، والمحتاج لا يكون إلهًا, هذا دليل على أنه ليس إله؛ لأنه دعا له بالسلامة.

(والصلاة والسلام على نبينا محمد) النبي هو الذي نبأه الله، والرسول الذي أرسله الله إلى أمة، إلى أمةٍ عظيمة فيؤمن به بعضهم ويرد دعوته بعضهم، وهو نبينا عليه الصلاة والسلام وهو رسول الله، النبي الرسول وهو خاتم النبيين، وهو آخر الأنبياء، ورسالته عامة إلى الثقلين: الإنس و الجن والعرب والعجم، فمن قال: أن بعده نبي فهو كافر، ومن قال: أن رسالته ليست عامة فهو كافر بإجماع المسلمين؛ ولهذا قال الله تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ)[الأحزاب/40].

وقال عليه الصلاة والسلام: «أعطيت ستًا» وذكر منها: «وخُتِمَ بي النبيون», (والصلاة والسلام على نبينا محمد) محمد اسم من الأسماء، اسم الرسول عليه الصلاة والسلام، محمد كثير المحامد، ألهم الله أهله فسموه محمد، وله أسماء كثيرة منها: أحمد، ومنها: الحاشر، ومنها: العاقب، ومنها: نبي الرحمة، ونبي التوبة، فله أسماء كثيرة, والله تعالى له أسماء كثيرة، والقرآن له أسماء كثيرة: القرآن، والشفاء، والهدى، بل إن بعض المخلوقات لها أسماء كثيرة، فالأسد له أسماء، يقال تبلغ خمسمائة اسم، وللسيف له أسماء متعددة.

(والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله) آله هم أصح ما قيل فيهم أنهم أتباعه على دينه، ويدخل فيهم ذريته المؤمنون، أقاربه المؤمنون، وزوجاته، وأصحابه جمع صحابي، والصحابي هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا ومات على الإسلام، ويكون عطف الصحابة على الآل عطف الخاص على العام، الصحابة ذكروا مرتين، مرة في الآل، ومرة على انفراد.

(ومن تبعهم بإحسان) يعني: من تبع الصحابة بإحسان، قوله بإحسان يُخرج مَنْ تبعهم بسوء، كالذين غيروا وبدلوا، فلا يدخلوا في هذا، مَنْ تبعهم بإحسان وصار على نهجهم فيصلى عليه.

(إلى يوم الدين) يوم القيامة، سمي يوم الدين يوم الجزاء والحساب، والدين له معاني: العبادة: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ[الزمر/11]، ويطلق الدين على  الجزاء والحساب مثل: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ[الفاتحة/4].

(أما بعد) كلمة يؤتى بها للدخول في صلب الموضوع، انتقل من الخطبة، من الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله إلى الدخول في صلب الموضوع, (أما بعد) كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي بها كثيرًا في خطبه، كان إذا خطب يأتي ويقول: أما بعد، وفي رسائله إلى الملوك والرؤساء، لما كتب إلى هرقل قال: «أما بعد، أسلِم تسلَم، يؤتك الله أجرك مرتين» واختُلِفَ في أول من قالها، فقيل أول من قالها: قس بن ساعدة الإيادي، وقيل أول من قالها: داود، وقيل غير ذلك. وأما بعد، أولى من قول: وبعد.

قال  المؤلف رحمه الله: )فَإنَّا نُرِيد أَن نوضح لكم مُعْتَقد السّلف وَالطَّرِيق الَّذِي هُوَ المنجي نَحْو آيَات الصِّفَات( إذًا المؤلف رحمه الله بين موضوع هذه الرسالة، وموضوع هذه الخطبة، وموضوع هذه المحاضرة, ما هو موضوع هذه المحاضرة؟ توضيح معتقد السلف والطريق الذي يُنجي نحو آيات الصفات, إذًا موضوع المحاضرة عقيدة السلف في آيات الصفات، عقيدة السلف في آيات الصفات وهو الطريق المنجي من  العذاب، الطريق السليم، الطريق الصحيح الذي هو عقيدة السلف في آيات الصفات.

 قال المؤلف رحمه الله: (أَولا اعلموا أَن كَثْرَة  الْخَوْض والتعمق فِي الْبَحْث فِي آيَات الصِّفَات وَكَثْرَة الأسئلة فِي ذَلِك الْمَوْضُوع من الْبدع الَّتِي يكرهها السّلف) لماذا؟ لأن التعمق والخوض، والبحث في آيات الصفات وتشقيقها يولد الشُّبَه، والشكوك، والأوهام, والشكوك والشُّبه تولد في نفس الإنسان حيرة، فيبقى الإنسان يكون عنده حيرة، والواجب على المسلم أن تكون عقيدته سليمة، وأن تكون عقيدة ثابتة، يكون عنده ثبات ويقين فيما يعتقده بربه من أسمائه وصفاته.

فالخوض والتعمق والبحث يولد الشكوك والشُّبَه، فلهذا السبب كانوا يكرهونه، يكرهون الخوض والتعمق فيها ويرون هذا من البدع، لكن العلماء اضطروا إلى الكلام في الأسماء والصفات والبحث فيها، اضطروا إلى ذلك بسبب الشُّبَه التي ألقاها أهل البدع، لما تكلم أهل البدع في الوساوس والشكوك اضطر العلماء إلى أن يردوا عليهم، يردوا الباطل.

كان السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم إذا جاءت شكوك أو وساوس  في نفوسهم كتموها ولم يتفوهوا بها، ولم يكتبوها, ولم يتلفظوا بها؛ فسلموا منها وحاربوها، ولهذا وإلا الشكوك عرضت للصحابة، ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الصحابة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: «يا رسول الله، إن أحدنا يجد في نفسه» من الشكوك والخواطر, «ما أن يخر إلى السماء خير له مِنْ أن يتكلم به» يقولون: نتمنى أن يسقط الإنسان من السماء ولا يتكلم بها، لخبثها وشرها.

وفي لفظٍ: «ما لا أن يكون حممة خير له من أن يتكلم به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان» ذاك صريح الإيمان، ليس الوساوس صريح الإيمان، بل المراد كتم الوساوس ومحاربتها، وعدم التكلم بها صريح الإيمان.

كتم الوساوس والشكوك ومحاربتها وعدم  التلفظ بها صريح الإيمان، الصحابة حاربوها ودافعوها وكتموها ولم يتكلموا بها، ولهذا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: «يود الواحد منا أن يسقط من السماء خير له من أن يتكلم بها، ويود الإنسان أن يكون حممة ولا يتكلم بها» فسلموا من الشكوك.

أما المتأخرون الذين جاءوا بعد الصحابة، ماذا عملوا؟ لما حصلت لهم الشكوك والشبه تكلموا بها، وتلفظوا بها، وكتبوها، وجعلوها في مؤلفاتهم، فصارت أقوال باطلة وشبه مؤثرة تُفسد العقول، وتُفسد الدين، فاضطر العلماء إلى الرد على هذه الشبه، تكلمت الجهمية أنكروا الأسماء والصفات، والمعتزلة أنكروا الأسماء والصفات، تكلم القدرية في القدر أنكروا القدر، تكلمت الخوارج والمعتزلة، وهكذا، والمرجئة تكلموا بالباطل.

فاضطر العلماء إلى الرد للضرورة, اضطروا إلى هذا، فقد بيَّن عثمان بن سعيد الدارِمي رحمه الله في رده على بشر المريسي، بيِّن في أول الرد وقال: أن العلماء السابقين والسلف كانوا في عافية من هذه الشكوك وهذه الشبه، ولا نحب أن نتكلم فيها, ولكنا اضطررنا إلى ذلك اضطرارًا لما تكلم أهل البدع بالباطل، وتكلموا بالشبه فاضطررنا إلى أن نرد عليهم.

ولذا قال المؤلف رحمه الله: (اعلموا أَن كَثْرَة  الْخَوْض والتعمق فِي الْبَحْث فِي آيَات الصِّفَات وَكَثْرَة الأسئلة فِي ذَلِك الْمَوْضُوع من الْبدع الَّتِي يكرهها السّلف) نعم يكرهونها مثل ما يوقع الشيطان من الشُّبَه؛ ولما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يأتي الشيطان أحدكم، فيقول له: مَنْ خلق كذا؟ مَنْ خلق كذا؟ مَنْ خلق كذا؟ حتى يقول: مَنْ خلق الله؟ قال: فإذا وجد ذلك، فلينتهي وليقل: آمنت بالله وبرسوله» وفي لفظ: «وليستعذ بالله، ولينتهي» يعني:  يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، آمنت بالله ورسوله، آمنت بالله ورسوله، يقطع التفكير ويفكر في شؤونه وفي أحواله.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (اعلموا أَن كَثْرَة  الْخَوْض والتعمق فِي الْبَحْث فِي آيَات الصِّفَات وَكَثْرَة الأسئلة فِي ذَلِك الْمَوْضُوع من الْبدع الَّتِي يكرهها السّلف). ثم قال المؤلف رحمه الله: (اعلموا أن مبحث الآيات والصفات دل القرآن العظيم أنه يتركز على ثلاث أسس) إذًا بين المؤلف رحمه الله أن مبحث الآيات والصفات دل القرآن أنه يتركز على ثلاث أسس، ما هي هذه الأسس الثلاثة؟ يقول المؤلف رحمه الله: (الأساس الأول: تنزيه الله عز وجل، عن أن يشبه شيئًا من صفاته شيء من صفات خلقه وأن يشبه شيئًا من أسماء خلقه شيء من أسمائه سبحانه وتعالى).

هذا هو الأساس الأول: تنزه الرب سبحانه وتعالى عن أن يشبه شيء من صفات الرب شيء من صفات المخلوقين، أو أن يشبه شيءٌ من أسماء الرب شيئًا من أسماء المخلوقين، هذا الأساس الأول.

الأساس الثاني: الإيمان بما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم في كتاب الله وسنة رسوله.

 الأساس الثالث: نفي إدراك الكيفية، نفي إدراك كيفية صفات الرب وأسمائه وكنهه على ما هي عليه، أو كما قال المؤلف: (قطع الطمع عن إدراك كيفية الأسماء والصفات) هذه هي الأسس التي دل عليها القرآن، اضبطوها.

  • ثلاث كلمات:

الكلمة الأولى: تنزيه الله عن مشابهة المخلوقين، تنزيه الله عن مشابهة المخلوقين في شيء من أسمائه وصفاته.

الكلمة الثانية: الإيمان بأسماء الله وصفاته التي وردت في الكتاب والسنة.

الكلمة الثالثة: نفي الكيفية، نفي كيفية أسماء الرب وصفاته، أو قطع الطمع عن إدراك الكيفية.

الكيفية لا يعلمها إلا هو، لا يعلم ذاته إلا هو، ولا يعلم كيفية ذاته إلا هو، ولا يعلم كيفية أسماء الله، ولا يعلم كيفية صفاته إلا هو، واضح هذا؟ هذه الأسس التي تقوم عليها عقيدة أهل السنة والجماعة للأسماء والصفات.

الأساس الأول: تنزيه الله عن مشابهة خلقه في شيء من أسمائه أو صفاته.

الأساس الثاني: الإيمان بأسماء الله وصفاته التي وردت في الكتاب والسنة، والاعتقاد أنها حقيقة ليست مجاز.

الأساس الثالث: نفي إدراك كيفية أسماء الله وصفاته، أو قطع الطمع عن إدراك كيفية أسماء الله وصفاته.

لا يعلم كيفية الله إلا الله، ولا يعلم كيفية أسماء الله إلا الله، ولا يعلم كيفية صفاته إلا الله، المخلوقون لا يستطيعون إدراك الكيفية، كما قال الإمام مالك رحمه الله لما سأله رجل وهو يدرِّس في الحلقة بالمسجد النبوي جاء رجل إلى مالك رحمه الله قال: يا مالك الرحمن على العرش استوى كيف استوى؟

فسكت مالك رحمه الله والإمام، وأطرق حتى علته الرحضاء والعرق، ثم قال: أين السائل؟ فأشاروا إليه، فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة, ثم قال للرجل أخرجوه عني فإنه رجل سوء.

قال الاستواء معلوم: يعني معلوم معناه في اللغة العربية، الاستواء معناه في اللغة العربية، الاستقرار، والعلو، والصعود، والارتفاع، استقر، وعلا، وصعد، وارتفع.

والكيف مجهول: كيفيته ما نعلم كيفية الاستواء، ما يعلمه إلا الله.

والإيمان به واجب: لأنه جاء في الكتاب والسنة, قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ)[طه/5].

والسؤال عنه: يعني عن الكيفية بدعة.

  • فهذه الأسس التي تقوم عليها عقيدة أهل السنة والجماعة في أسماء الرب وصفاته:

الأساس الأول: تنزيه الرب سبحانه وتعالى عن أن يشبه أحدًا من خلقه في شيء من أسمائه أو صفاته.

الأساس الثاني: الإيمان، والإقرار، والاعتراف بما وصف الله به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله من الأسماء والصفات، واعتقاد أنها حقٌّ على حقيقتها وليست مجازًا.

الأساس الثالث: نفي إدراك الكيفية، كيفية أسماء الرب وصفاته، وقطع الطمع عن إدراك الكيفية، فلا يعلم كيفية ذاته أو أسمائه وصفاته إلا هو سبحانه وتعالى، قال تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ)[طه/110].

هذه هي الأسس اضبطوها وكل الكلام، وكل الرسالة تدور على هذا، على هذه الأسس الثلاثة، أو كل المحاضرة تدور على هذا، على هذه الأسس، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (اعلموا أن مبحث آيات الصفات دل القرآن العظيم أنه يتركز على ثلاثة أسس، من جاء بها كلها فقد وافق الصواب) من جاء بهذه الأسس الثلاثة التي سمعتم فقد وافق الصواب.

(وكان على الاعتقاد الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح) إذًا مَنْ جاء بهذه الأسس الثلاثة التي سمعتم فقد وافق الصواب، وكان على الاعتقاد الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح.

(وَمن أخل بِوَاحِد من تِلْكَ الأسس الثَّلَاثَة فقد ضل) من أخل بالأسس: من لم ينزه الله عن مشابهة المخلوقين في أسمائهم وصفاتهم هذا ضال، أو نزه الله ولكن ما آمن بالأسماء والصفات التي وردت بالكتاب والسنة فهو ضال, أو نزه وآمن ولكنه يكيف أسماء الله وصفاته فهو ضال، لابد من الإتيان بهذه الأسس الثلاثة، من أخل بواحد منها فهو ضال.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (من جاء بها كلها فقد وافق الصواب، وكان على الاعتقاد الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح) ومن أخل بواحد من تلك الأسس الثلاثة فقد ضل.

قال: (وكل هَذِه الأسس الثَّلَاثَة يدل عَلَيْهَا القُرْآن عَظِيم، أحد هَذِه الأسس الثَّلَاثَة)، هذا الأساس الأول: (هُوَ تَنْزِيه الله جلّ وَعلا على أَن يشبه بِشَيْء من صِفَاته شَيْئا من صِفَات المخلوقين، قال: وَهَذَا الأَصْل يدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى).

إذًا الدليل والأصل الأول ما هو؟ (ﭡ ﭢ ﭣ ﭨ) [الشورى/11] هذا دليل.

دليل آخر قوله تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الإخلاص/4], هذا دليل آخر.

دليل ثالث قال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭬ) [النحل/74].

دليل رابع: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ[مريم/65] والأدلة في هذا كثيرة، كلها دلت على هذا الأصل.

الأساس الثاني وهو الإيمان بما وصف الله به نفسه، يعني على الحقيقة، قال: (لأنه لَا يصف الله أعلم بِاللَّه من الله)  نعم، الله تعالى هو أعلم بنفسه، وبخلقه، ولهذا قال الله تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯸ)[البقرة/140]   الله وصف نفسه بهذه الصفات، فنقول لأهل البدع الذين جاءوا، أهل البدع قالوا: نفوا الأسماء والصفات، قالوا نفوا السمع، نفوا البصر، نفوا العلم، نفوا القدرة، قالوا لا تليق بالله.

إذا كان المخلوق يتكلم، والخالق يتكلم، إذًا شبه الخالق بالمخلوق، إذًا نقول لا؛ لا يتكلم.

 (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ[الشورى/11] قال: الله ما يسمع، لماذا؟ قال: لأن المخلوق يسمع، فإذا قلنا المخلوق يسمع والخالق يسمع، شبه الخالق بالمخلوق، إذا نفيتم الصفات شبهتم الله بماذا؟ بالجماد, إذًا لا يتكلم أعظم وأعظم، بل شبهتم الله بالمعدوم، المعدوم هو الذي ليس له أسماء ولا صفات.

ثم أيضًا نقول: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯸ) [البقرة/140] , أليس الله هو الذي وصف بنفسه؟ هو الذي وصف نفسه، هو أعلم بنفسه وبخلقه.

كيف تنفون الأسماء والصفات والله هو الذي وصف نفسه بنفسه، الله يصف نفسه بهذه الأسماء وبهذه الصفات وأنتم بعد ذلك تعودون تنفونها، هذه محادة لله ولرسوله، هذه جرأة على الله وعلى رسوله، ولهذا قال الله تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯸ)[البقرة/140]  .

قال المؤلف: (والإيمان بما وصف به رسوله) بمعنى الإيمان بما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى، الرسول لا يأتي بشيء من عنده، الرسول عليه الصلاة والسلام أتى بالسنة، والسنة وحي ثاني، قال الله تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ)[النجم/3-4].

فهي وحي من الله، السنة وحي من الله, وإن كان معناه من الله واللفظ هذا للرسول عليه الصلاة والسلام إلا الحديث القدسي فلفظه هذا من الله مثل القرآن.

قال: (وَالْإِيمَان بِمَا وَصفه بِهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه لا يصف الله بعد الله أعلم من الله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الَّذِي قَالَ فِي حَقه) (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ[النجم/3-4].

(المتن)

     فَيلْزم كل مُكَلّف أَن يُؤمن بِمَا وصف الله بِهِ نَفسه أَو وَصفه بِهِ رَسُوله الله صلى الله عليه وسلم، وينزه ربه جلّ وَعلا عَن أَن تشبه صفته صفة المخلوقين، وَحَيْثُ أخل بِأحد هذَيْن الْأَصْلَيْنِ وَقع فِي هوة ضلال؛ لِأَن من تنطع بَين يَدي رب السَّمَوَات وَالْأَرْض وتجرأ على الله بِهَذِهِ الجرأة الْعَظِيمَة، وَنفى عَن ربه وَصفا أثْبته لنَفسِهِ فَهَذَا مَجْنُون.

فَالله جلّ وَعلا يثبت لنَفسِهِ صِفَات كَمَال وجلال فَكيف يَلِيق بمسكين جَاهِل أَن يتَقَدَّم بَين يَدي رب السَّمَوَات وَالْأَرْض وَيَقُول هَذَا الَّذِي وصفت بِهِ نَفسك لَا يَلِيق بك وَيلْزمهُ من النَّقْص كَذَا فَإِنَّهُ أؤوله وألغيه وَآتِي بِبَدَلِهِ من تِلْقَاء نَفسِي من غير استناد إِلَى كتاب وَسنة، سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم، وَمَنْ ظن أَن صفة خَالق السَّمَوَات وَالْأَرْض تشبه شَيْئا من صِفَات الْخلق فَهَذَا مَجْنُون جَاهِل ملحد ضال، وَمن آمن بِصِفَات ربه جلّ وَعلا منزها ربه عَن مشابهة صِفَاته لصفات الْخلق فَهُوَ مُؤمن منزه سَالم من ورطة التَّشْبِيه والتعطيل.

(الشرح)

     المؤلف رحمه الله يقول: (يلزم كل مُكَلَّف أن يؤمن بما وصف الله به نفسه، أو وصف به رسوله عليه الصلاة والسلام, وينزه نفسه جل وعلا على أن تشبه صفته صفة المخلوقين) هذين الأساسين، فيلزم كل مكلف أن يؤمن بما وصف به نفسه، ووصف به رسوله صلى الله عليه وسلم هذا هو الأساس الثاني الإيمان، وينزه ربه جل وعلا عن أن تشبه صفته صفة المخلوقين، هذا هو الأساس الأول، ما عداهما.

    قال المؤلف رحمه الله: (وَحَيْثُ أخل بِأحد هذَيْن الْأَصْلَيْنِ) الأصلين هما الأساسان كما سبق، (وَقع فِي هوة ضلال) إذا أخل بواحدٍ من هذين الأصلين وقع في هوة ضلال، إذا أخل بالأصل الأول: وهو أنه لم ينزه ربه عن أن تشبه صفاته صفات خلقه، ماذا يقع؟ يقع في التكفير، يكون ممثل ومشبه، والمشبه معناه شبه الله بخلقه, ومَنْ شبه الله بخلقه فهو في الحقيقة لم يعبد ربه.

إذًا يقول المؤلف: (حيث أخل بواحد من هذين  الأصلين وقع في هوة ضلال)، نشوف الآن هذين الأصلين: الأصل الأول ما هو؟ تنزيه الله عن أن يشبه أحدًا من خلقه شيئًا من أسمائه وصفاته، إذا أخل بهذا الأصل، ماذا يقع؟ يكون شبه صفات الله بصفات خلقه، وشبه أسماؤه بأسماء خلقه، وحينئذٍ إذا شبه أسماء الله بأسماء خلقه، وشبه صفاته بصفات خلقه، أصبح مشبهًا، والمشبه في الحقيقة ما عبد الله، وإنما عبد وثنًا صوره له خياله، ونحته له فكره، فهو من عُبَّاد الأوثان لا من عُبَّاد الرحمن، كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله في النونية الكافية الشافية:

لسنا نشبه وصفه بصفاته

 

إن المشبه عابد الأوثان

 

إذًا إذا أخل بالأصل الأول وهو التنزيه، وقع في التشبيه، والمشبه يعبد وثن، ما عبد الله، المشبه يقول: الخالق مثل المخلوق، علم الخالق مثل علم المخلوق، سمع الخالق مثل سمع المخلوق، كلام الخالق مثل كلام المخلوق، هذا معناه ما عبد الله، عبد وثن، أو صور وثن في ذهنه، تصور وثنًا في ذهنه وعبده، إذًا عبد شيئًا يشبه المخلوق، والله لا يشبه المخلوق، هو عبد معبودًا تصوره في ذهنه أنه يشبه المخلوق، فلم يكن عبد الله وإنما عبد هذا الوثن اللي يتصوره.

لسنا نشبه وصفه بصفاته

 

إن المشبه عابد الأوثان

 

وأيضًا وقع في مشابهة النصارى؛ فأن النصارى عبدوا المسيح، وقالوا: هو ابن الله، فشبهوا المخلوق بالخالق، رفعوا عيسى من مقام النبوة والرسالة إلى مقام الألوهية، فقالوا: أنه ابن الله، والمشبه ماذا عمل؟ شبه الخالق فجعله يشبه المخلوق، والنسبة بين النصارى وبين المشبهة عكسية، نسبة عكسية كل مَنْ هو مشبه، النصارى شبهوا المخلوق بالخالق، رفعوا عيسى إلى مقامه، شبهوا المخلوق وهو عيسى بالخالق وهو الله فجعلوه ابن الله.

والمشبهة شبهوا الخالق فجعلوه مثل المخلوق، فالنسبة بينهما عكسية، النصارى شبهوا المخلوق بالخالق، والمشبهة شبهوا الخالق بالمخلوق، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله في الكافية الشافية:

من شبه الله العظيم بخلقه

 

فهو النسيب المشرك النصراني

 

يعني: مثل النصارى، مشابه للنصارى إلا أن النسبة بينهما عكسية هذا ما يقوله المؤلف رحمه الله: (وَحَيْثُ أخل بِأحد هذَيْن الْأَصْلَيْنِ وَقع فِي هوة ضلال) هذا إذا أخل بالأصل الأول.

إذا أخل بالأصل الثاني: وهو الإيمان بما وصف الله به نفسه من الأسماء والصفات، إذا لم يؤمن بأسماء الله وصفاته، معناه ماذا يكون؟ ما هي الضلال الذي وقع فيه، ما هي الهوة التي وقع فيها ، إذا الشخص نفى أسماء الرب، ونفى صفاته، ليس بعليم، ولا سميع ولا بصير ولا يستوي على العرش، ولا يتكلم، صار ماذا؟ معطل، عطل الله من أسمائه وصفاته، وإذا عطل الرب من أسمائه وصفاته، صار ماذا؟ الذي ليس له اسم ولا صفات ماذا يكون؟ لا وجود له، ليس هناك شيء ليس له أسماء وصفات، حتى الجماد، الجماد التي عندي الآن لها أسماء وصفات، من صفاتها أنها مربعة، وأنها لها طول، ولها عرض، ولها عمق، فإذا نفيت الأسماء والصفات انتفت الذات.

فإذا قلت عندي ناقة الآن ليس لها طول، ولا عرض، ولا عمق، ولا ملمس، ولا توصف بأي وصف، وليس لها لون ولا سُمك وليست فوق الأرض ولا تحت الأرض، ولا فوق السماء، ولا تحت السماء، وليست داخلة ولا خارجة، ماذا تكون؟ عدم، هذا عدم, هؤلاء الملاحدة والذين عطلوا أسماء الله من الجهمية والغلاة، نفوا الأسماء والصفات عن الرب كلها، قالوا: الرب ليس بسميع, ولا عليم، ولا قدير، وليس له أي صفة، بل إنهم قالوا: لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا محايد له ولا متصل به، ولا منفصل عنه، ماذا يكون؟ يكون معدوم، بل يكون ممتنع.

فإذا إذا أخل بالأصل الأول وهو أنه لم يؤمن بأسماء الله وصفاته، معناه: عطل الرب، وإذا عطل الرب من أسمائه وصفاته وإذا نُفيت الأسماء والصفات انتفت الذات، صار معدوم, شيء ليس له اسم ولا صفة لا وجود له إلا في الذهن، ما فيه شيء ليس له اسم ولا صفات إلا في الذهن أبدًا، حتى الجماد، حتى كل شيء، لابد من إثبات الأسماء والصفات، فإذا نفيت جميعها حتى صفة الوجود الشيء الموجود لابد أن يُوصف بالوجود، فإذا قلت لا يوصف بأي صفة، انتفت الذات فصار معدومًا، وإذا صار معدوم معناه صار لا يوجد إله.

فصار المعطلة الذين أخلوا بالأصل الأول يعبدون ماذا؟ يعبدون عدمًا، ما فيه، معدوم، إلههم الذين يعبدونه في أذهانهم، يقدرونه، يفرضونه، يفرضون المحال، ما فيه  لهم إله إلا في الخيال، والخيال يمكن للإنسان يفرض المحال، تتخيل أنت الآن هناك بحر بين السماء والأرض، في وسط البحر قصور، لكن هل له وجود؟ ما له وجود، حينما تفرض في الذهن، هؤلاء يفرضون أن لهم إله ليس له أسماء ولا صفات، وهذا يكون في الذهن، ولذلك هؤلاء المعطلة الذين لا يؤمنوا بالأصل الأول وقعوا في هوة الضلال في التعطيل؛ فصاروا معطلة، فصاروا يعبدون عدم، والمشبهة الذين أخلوا بالأصل الأول، يعبدون أوثان.

ولهذا قال العلماء: المشبه يعبد صنمًا، والمعطل يعبد عدمًا، والموحد يعبد إلهًا واحدًا فردًا صمدًا، فهذه أقسام الناس الثلاثة، المشبهة أخلوا بالأساس الأول فصاروا يعبدون صنمًا وثنًا، والمعطلة أخلوا بالأساس الثاني فصاروا يعبدون عدمًا، وأهل السنة أثبتوا الأساسين فصاروا يعبدون إلهًا واحدًا فردًا صمدًا، فصار أقسام الناس كم؟ ثلاثة، مشبهة أخلوا بالأساس الأول فصاروا يعبدون صنمًا، ومعطلة أخلوا بالأساس الثاني فصاروا يعبدون عدمًا، وأهل الحق المسلمون أهل السنة والجماعة أثبتوا الأساسين فصاروا يعبدون إلهًا واحدًا فردًا صمدًا، واضح هذا؟!

فهذا ما يقوله المؤلف: (وَحَيْثُ أخل بِأحد هذَيْن الْأَصْلَيْنِ وَقع فِي هوة ضلال لِأَن من تنطع بَين يَدي رب السَّمَوَات وَالْأَرْض وتجرأ على الله بِهَذِهِ الجرأة الْعَظِيمَة وَنفى عَن ربه وَصفا أثْبته لنَفسِهِ فَهَذَا مَجْنُون) المؤلف يتكلم عن أي الطائفتين الآن؟ عن المعطلة أو عن المشبهة؟ عن المعطلة، الذين أخلوا بأي الأساسين؟ أخلوا بالأساس الثاني.

إذًا المؤلف عندما يقول: (من تنطع بَين يَدي رب السَّمَوَات وَالْأَرْض) كيف تنطع بين يدي السموات والأرض؟ لأن رب السموات والأرض يثبت لنفسه الأسماء والصفات، وهذا تنطع فنفاها، فإذًا (تنطع بَين يَدي رب السَّمَوَات وَالْأَرْض وتجرأ على الله بِهَذِهِ الجرأة الْعَظِيمَة) ما هي الجرأة؟ نفى الأسماء والصفات.

(وَنفى عَن ربه وَصفا أثْبته لنَفسِهِ)، قال: (فَهَذَا مَجْنُون) يعني: ليس مجنون من جهة أمور دنياه، ولكنه مجنون من جهة دينه، لو قال المؤلف هذا ملحد أو هذا ضال، كان أولى، لكن مقصوده أن هذا الشخص فقد العقل الذي ينفعه، والذي يُرشده إلى طريق النجاة والسعادة، إلى السعادة، إلى الطريق الموصل إلى السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة, كالمجنون الذي فقد عقله فلا يعقل الأمور على ما هي عليه.

كما أن المجنون فقد عقله، فلا يعرف الأشياء ولا يدركها، فهذا فقد العقل الذي يُرشده إلى طريق السعادة والنجاة، فصار الصلة بين المجنون وبينه ماذا؟ هذا مجنون ماذا؟ في أمور دنياه، مجنون جنونًا حسيًا، وهذا مجنون جنونًا معنويًا، الذي نفى الأسماء والصفات المجنون جنونًا معنويًا، فقد العقل الذي يُرشده إلى طريق السعادة، وإن كان عنده عقل معيشي في أمور دنياه، واضح هذا؟! فهذا مجنون.

قال المؤلف رحمه الله: (فالله جلّ وَعلا يثبت لنَفسِهِ صِفَات كَمَال وجلال) لأنه سبحانه وتعالى هو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته، فالأسماء التي أثبتها لنفسه أسماء كمال، قال: وهي الحسنى بلغت في الحسن الغاية: (ﭳ ﭴ ﭵ)[الأعراف/180].

 كما أن الصفات التي وصف بها نفسه بلغت الكمال، بلغت الكمال في الجلال والعظمة، قال الله تعالى: ( ﮘ ﮙ ﮚ) [النحل/60] يعني: وصف كامل, وقال: (ﭳ ﭴ ﭵ)[الأعراف/180].

يقول المؤلف رحمه الله: (فالله جلّ وَعلا يثبت لنَفسِهِ صِفَات كَمَال وجلال فَكيف يَلِيق بمسكين جَاهِل أَن يتَقَدَّم بَين يَدي رب السَّمَوَات وَالْأَرْض وَيَقُول هَذَا الَّذِي وصفت بِهِ نَفسك لَا يَلِيق بك) هذا المعطل يتجرأ على هذا، معطل تجرأ على هذا، فكيف يليق بالمسكين الجاهل، وهو المعطل، أن يتقدم بين يد رب السموات والأرض، فهؤلاء المعطلة مساكين وجهال، مساكين لأنهم ضلوا عن الصراط المستقيم وانحرفوا، فمن جهة يرحمهم الإنسان، مساكين، ضلوا عن الطريق السوي، تنكبوا الجادة وهم جهال، وصفهم بأنهم مساكين وجهال، فكيف يليق بمسكين جاهل أن يتقدم بين يدي رب السموات والأرض، ويقول: هذا الذي وصفت به نفسك لا يليق بك، هذا لسان حالهم، لسان حالهم يقولون هذا، بل يقولون بلسان المقال.

بل صرحوا قالوا: أن الأسماء والصفات، التي في الكتاب والسنة، بل صرحوا المعطلة والجهمية وغيرهم قالوا: إننا لو أثبتنا الأسماء والصفات على ظاهرها، لكان كفرًا، قالوا: من أثبت الاستواء لله والعلم فهو كافر، كافر! لماذا؟ قالوا: لأنه شبه الله بخلقه، ومن شبه الله بخلقه كفر، فإذا قلت صفات الاستواء للرب، والعلم والقدرة، والمخلوق له استواء وعلم وقدرة، هذا تشبيه لله بخلقه، وهذا كفر وضلال، فإن المعطلة يقولون: ظاهر الكتاب والسنة الكفر، هكذا يقولون.

لو أثبتنا ظاهر النصوص التي في الكتاب والسنة كفر، إذًا يلزمهم يقولوا ظاهر الكتاب والسنة الكفر، قالوا: فيجب علينا أن ننفي الكفر عن الله، بأن نؤول الصفات والأسماء حتى لا نقع في الكفر، لو أجرينا النصوص على ظاهرها، قالوا لكان كفرًا، هكذا صرحوا، قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [طه/5].

قالوا: لو أجرينا الآية على ظاهرها وقلنا الله استوى على العرش لكان كفرًا، لماذا؟ قالوا: لأن المستوي على الشيء هذا المخلوق، هذا محصور، ومحدد، ومتحيز، تحصر الله فوق الأرض، تجعله محدود ومتحيز في جهة واحدة، هذا تنقص لله، كيف تحصره في جهة معينة في جهة العلو!

كيف تجعله مستوي على العرش يكون محدود، محدود ومتحيز، وجسم! لا يكون الشيء على الشيء إلا إذا كان جسمًا محدودًا ومتحيزًا، فإذا أجريت الآية على ظاهرها، وأثبت الاستواء على العرش، استواء الله على عرشه معناه كفرت، حيث جعلت الله جسمًا محدودًا متحيزًا في جهة واحدة، وهذا كفر، إذًا قالوا واجب ننفي الاستواء، نقول: الله ليس مستوي على العرش، كيف معنى الاستواء؟ قال: استولى، أين الله؟ قالوا: ذاهب في كل الجهات، ما تجعله في جهة معينة، اتجاهه محدود، متحيز، كيف تحصره؟ هذا كفر وضلال.

إذًا ماذا تعمل، قالوا: هو ذاهب في جميع الجهات، حتى قالوا: إنه مع خلقه في كل مكان، حتى قالوا: أنه في بطون السباع، وفي أجواف الطيور وفي كل مكان، تعالى الله عما يقولون، أرأيتم كيف وصلت بهم الحال إلى هذا! وصلت بهم الحال إلى أن يقولوا: إن ظاهر الكتاب والسنة كفر، فلو أثبتنا ظاهر النصوص التي أثبتت صفة الله؛ لوقعنا في الكفر، ففرارًا من ذلك أولوا ونفوا الأسماء والصفات عن الله، نفوا الاستواء، نفوا العلو، أرأيتم كيف وصلت بهم الحال إلى هذا؟ نعوذ بالله من الزيغ والضلال.

قال المؤلف رحمه الله: (فَكيف يَلِيق بمسكين جَاهِل أَن يتَقَدَّم بَين يَدي رب السَّمَوَات وَالْأَرْض وَيَقُول هَذَا الَّذِي وصفت بِهِ نَفسك لَا يَلِيق بك وَيلْزمهُ من النَّقْص كَذَا) هذا كلامهم، (فَأنا أؤوله وألغيه وَآتِي بِبَدَلِهِ من تِلْقَاء نَفسِي) كيف يأتي ببدله من تلقاء نفسه؟ قال: استوى ألغيها، نأتي بدل لها استولى، استوى استولى، رضي الله عنهم ورضوا عنه، قالوا: لاما يصلح الرضا، يرضى، أكيد رضي الله عنهم: أثابهم، يثيبهم من عنده، غضب الله عليهم: قالوا: لا ما نصف الله بالغضب، ما يليق به، كيف غضب الله؟ يعني: عاقبهم بالعقوبة، يفسرونها بالعقوبة، الرحمن الرحيم: قال الرحمة ما تليق بالله يفسرها بالإنعام، وهكذا.

إذًا هؤلاء يقولون: هذا الذي وصفت به نفسك لا يليق بك يا الله، ويلزمه النقص، فأنا أؤوله وألغيه وآتي ببدله من تلقاء نفسي، (من غير استناد إلى كتاب وسنة)، قال المؤلف رحمه الله: (سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم)

 ثم قال المؤلف رحمه الله: (وَمن ظن أَن صفة خَالق السَّمَوَات وَالْأَرْض تشبه شَيْئا من صِفَات الْخلق) هذا انتقل المؤلف إلى ماذا؟ إلى المشبهة، المشبهة الذين أخلوا بالأساس الأول، انتقل من المعطلة الذين أخلوا بالأساس الثاني، إلى المشبهة الذين أخلوا بالأساس الأول، يقول: (وَمَنْ ظن أَن صفة خَالق السَّمَوَات وَالْأَرْض تشبه شَيْئا من صِفَات الْخلق فَهَذَا مَجْنُون جَاهِل ملحد ضال).

كم وصف وصفه؟ أربعة أوصاف، مجنون لأنه ضل، لأنه ليس عنده عقل يرشده إلى طريق السعادة، التي هي الطريق التي توصله للسعادة، طريق السعادة اتجه إلى الله، وهذا سلك طريق التشبيه الذي يوصله إلى النار، إذًا كأنه فاقد العقل، كما أن فاقد العقل لا يعقل الأشياء على ما هي عليه، فهذا فقد العقل الذي يوصله إلى طريق السعادة، فلهذا وصفه بالجنون، فهذا مجنون، جاهل أيضًا، جاهل لأنه ما عرف ربه، ملحد؛ لأنه مال عن الحق إلى الباطل، الإلحاد معناه الميل، ومنه اللحد الذي في القبر، سمي اللحد لأنه مائل عن القبر، مال عن الحق إلى الضلال.

وقد توعد الله الملحدين بالوعيد الشديد، قال الله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ)[فصلت/40].

ثم تهددهم فقال: ( ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [فصلت/40].

وقال سبحانه: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ)[الأعراف/180]. فهذا مجنون، جاهل، ملحد، ضال، ضال يعني: منحرف، ضال عن الصواب.

ثم قال المؤلف رحمه الله: (وَمن آمن بِصِفَات ربه جلّ وَعلا منزها ربه عَن مشابهة صِفَاته لصفات الْخلق فَهُوَ مُؤمن منزه سَالم من ورطة التَّشْبِيه والتعطيل) هذا انتقلنا إلى الطائفة الثالثة: وهم  من هم؟ أهل السنة والجماعة.

إذًا الطائفة الأولى الذين عطلوا الرد تكلم عليهم المؤلف رحمه الله, ثم تكلم عن الطائفة الثانية المشبهة، ثم تكلم عن الطائفة الثالثة وهم مَنْ؟ أهل الحق، الذين آمنوا بصفات الرب جل وعلا، يعني آمنوا بها على حقيقتها، ونزهوا الرب عن مشابهة صفات خلقه.

فقال: (وَمن آمن بِصِفَات ربه جلّ وَعلا منزها ربه عَن مشابهة صِفَاته لصفات الْخلق) إذًا آمن بالأصلين، آمن هذا الأساس الأول والذي يسمى الأساس الثاني، آمن بصفات الرب جل وعلا.

ثانيًا: نزه الرب، منزه للرب عن مشابهة صفاته بصفات خلقه، فهو مؤمن منزه سالمٌ من ورطة التشبيه والتعطيل، كم وصف وصفه؟ ثلاث أوصاف: مؤمن؛ لأنه آمن بأسماء الله وصفاته، منزه: نزه ربه عن مشابهة المخلوقين، سالم: من ورطة التشبيه؛ لأنه ما شبه الله بخلقه، وسالم من ورطة التعطيل؛ لأنه لم ينفي الأسماء والصفات.

نقف على هذا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد