بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, اللهم اغفر لنا ولشيخنا وعلمنا ما ينفعنا وأنفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين؛ أما بعد: ...
(المتن)
فيقول الشيخ الشنقيطي رحمنا الله تعالى وإياه وهذا التحقيق هو مضمون قوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)[الشورى/11] فهذه الآية هي تعليم عظيم يحل جميع الإشكالات, ويجيب عن جميع الأسئلة حول الموضوع ، ذلك لأن الله قال: (وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)بعد قوله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ).
ومعلوم أن السمع والبصر من حيث هما سمع ٌ وبصر يتصف بهما جميع الحيوانات, فكأن الله تعالى يشير للخلق أن لا ينفوا عنه صفة سمعه وبصره بادعاء أن الحوادث تسمع وتبصر وأن ذلك تشبيه بل عليهم أن يثبتوا لهم صفة سمعه وبصره على أساس (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ).
فالله جل وعلا له صفات لائقةٌ بكماله وجلاله, والمخلوقات لهم صفات مناسبة لحالهم وكل هذا حق ثابت لا شك فيه؛ إلا أن صفة رب السموات والأرض أعلى وأكمل من أن تشبه صفات المخلوقين, فمن نفى عن الله وصفًا أثبته لنفسه فقد جعل نفسه أعلم بالله من الله سبحانك هذا بهتانٌ عظيم! ومن ظن أن صفة ربه تشبه شيئًا من صفة الخلق فهذا مجنونٌ ضالٌ ملحدٌ لا عقل له يدخل في قوله تعالى عن المشركين: (تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)[الشعراء/98] ومن يسوي رب العالمين بغيره فهو مجنون .
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف رحمه الله: (وهذا التحقيق هو مضمون قوله) (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الشورى/11].
فالمراد بالتحقيق تنزيه الرب سبحانه وتعالى عن أن يشبه أحدًا من خلقه في شيءٍ من أسمائه وصفاته مع إثبات الأسماء والصفات لله عز وجل التي جاءت في الكتاب والسنة على وجه الحقيقة لا المجاز, هذا التحقيق هو مضمون الآية وهو تنزيه الرب سبحانه وتعالى عن أن يشابه أحدًا من خلقه في شيء من أسمائه وصفاته مع إثبات الأسماء والصفات التي أثبتها الله لنفسه, أو أثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنة على جهة الحقيقة لا المجاز.
هذا التحقيق أيضًا هو مضمون قوله سبحانه وتعالى قوله: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الشورى/11], ففي قوله: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [الشورى/11] هذا تنزيه, وقوله: (ﭥ ﭦ ﭧ) [الشورى/11] هذا الإثبات.
- أساسان:
الأساس الأول: التنزيه.
والأساس الثاني: الإثبات.
أنت تنزه الرب عز وجل عن مشابهة المخلوقات، وتثبت الأسماء والصفات لله سبحانه وتعالى الواردة في الكتاب والسنة على جهة الحقيقة لا المجاز.
قال المؤلف رحمه الله: (وهذا التحقيق هو مضمون قوله تعالى) (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الشورى/11].
قال المؤلف رحمه الله: (فهذه الآية فيها تعليمٌ عظيم؛ يحل جميع المشكلات؛ ويجيب عن جميع الأشياء حول الموضوع) نعم, هذه الآية الله تعالى نزه نفسه عن المماثلة وأثبت لنفسه الأسماء والصفات: (ﭡ ﭢ ﭣ) [الشورى/11]
لا في ذاته ولا في أسمائه, ولا في صفاته, ولا في أفعاله لماذا ؟ لأنه واحد لا يشبه شيء من خلقه لا في ذاته, ولا في أسمائه, ولا في صفاته, ولا في أفعاله.
(ﭥ ﭦ ﭧ) [الشورى/11] أثبت لنفسه السمع والبصر, (ﭥ ﭦ ﭧ) [الشورى/11] السميع اسم من أسماء الله (اسم الله السميع) والبصير (اسم الله البصير) والسميع مشتملة على صفة السمع, والبصير مشتمل على صفة البصر.
فأسماء الرب سبحانه مشتقة ليست جامدة كل اسم متضمنٌ لصفة، السميع متضمن لصفة السمع, البصير صفة البصر, العليم صفة العلم, القدير صفة القدرة, الله صفة الألوهية, الرحمن صفة الرحمة وهكذا؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (هذه الآية هي تعليم عظيم يحل جميع الإشكالات ويجيب عن جميع الأسئلة حول الموضوع).
ثم بين ذلك لأن الله قال: (ﭥ ﭦ ﭧ) بعد قوله: (ﭡ ﭢ ﭣ)
ثم قال المؤلف رحمه الله: (ومعلومٌ أن السمع والبصر من حيث هما سمعٌ وبصر يتصف بهما جميع الحيوانات) ذات سمع وبصر؛ جميع الحيوانات من الأدميين وغيرهم والحيوانات كلها لها أسماع ولها أبصار قال المؤلف: (فكأن الله يشير للخلق أن لا ينفوا عنه صفة سمعه وبصره بادعاء أن الحوادث تسمع وتبصر).
يعني إذا كانت الحيوانات تسمع وتبصر فلا يدعوكم ذلك إلى أن تنفوا السمع والبصر عن الله لماذا؟ لأن الله (ﭡ ﭢ ﭣ) [الشورى/11]؛ يعني لا يماثل خلقه في سمعه وبصره، فالمخلوقات: المخلوق له سمعٌ وبصر يليق به, والخالق له سمع وبصر يليق به. لذلك قال المؤلف: (فكأن الله يشير للخلق ألا ينفوا عنه صفة سمعه وبصره بادعاء أن الحوادث تسمع وتبصر وأن ذلك تشبيه)
ثم قال رحمه الله: (بل عليهم أن يثبتوا له صفة سمعه وبصره على أساس) (ﭡ ﭢ ﭣ) [الشورى/11] يعني: يثبت السمع والبصر مع عدم المماثلة.
ثم قال: (فالله جل وعلا له صفات لائقة بكماله وجلاله, والمخلوقات لهم صفات تناسب كل حالهم وكل هذا حق وثابت لاشك فيه) نعم, الله سبحانه وتعالى له صفات تليق بجلاله فالله كامل في ذاته فصفاته كاملة, والمخلوق ناقص فصفاته ناقصة تناسب حاله, سمع المخلوق ناقص وضعيف مخلوق من عدم, وكذلك بصره ناقص لا يبصر كل شيء ولا يسمع كل شيء, أما الله فسمعه كامل, وبصره كامل؛ لأن ذاته كاملة.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (فالله جل وعلا له صفات لائقة بكماله وجلاله, والمخلوقات لهم صفات مناسبة لحالهم وكل هذا حق ثابت لاشك فيه).
ثم قال رحمه الله: (إلا أن صفة رب السموات والأرض أعلى وأكمل من أن تشبه صفة المخلوقين).
نعم وهذا معلوم, قال: (فمن نفى عن الله وصف ثم أثبته لنفسه فقد جعل نفسه أعلم بالله من الله) الذي ينفي عن الله السمع والبصر نقول له أنت أعلم من الله ؟! الله يقول أنه هو السميع البصير يقول عن نفسه (ﭥ ﭦ ﭧ) (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﯾ) [البقرة/255].
فالذين ينفون صفة الحياة منه أأنت أعلم من الله ! (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯸ) [البقرة/140] .
ولهذا قال: (فمن نفي عن الله وصف وأثبته لنفسه فقد جعل نفسه أعلم بالله من الله سبحانك هذا بهتان عظيم, ومن ظن أن صفة ربه تشبه شيئًا من صفات الخلق فهذا مجنونُ, ضالُ, ملحُد لا عقل له) من ظن أن صفة الله تشبه صفة المخلوق فهذا مجنون؛ يعني: كما أن المجنون الآن فقد عقله فهذا فقد العقل الصحيح الذي يوصله إلى السعادة الذي يدرك به الأشياء وهذا فقد العقل الصحيح الذي يوصله إلى السعادة والنجاح.
ولهذا قال: (مجنون ضال) لكونه تنكب الصراط المستقيم حيث ظن أن صفة الخالق مثل صفة المخلوق, ملحد من الإلحاد وهو الميل؛ لأنه مال عن الحق والصواب إلى الباطل لا عقل له يهديه, يعني: لا عقل له يهديه إلى الطريق الحق الذي يوصله للسعادة وإن كان له عقل ضعيف يدخل في قوله تعالى على المشركين: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [الشعراء/97-98].
يعني المشركون في النار إذا دخلوا النار قال التابعون لمتبوعيهم: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮫ) [البقرة/166] فالكبراء والرؤساء اللي على الباطل تبعهم بعض الجهال.
فإذا تبعوهم صاروا كلهم في النار التابعون والمتبعون, فإذا دخلوا النار يقول المتبوعون الجهال للكبراء والرؤساء: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [الشعراء/97-98] كنا في الدنيا في ضلال كيف نسويكم برب العالمين؟ نسويكم بالمحبة يعني بالمحبة والتعظيم, كيف نسويكم برب العالمين! اعترفوا متى اعترفوا أنهم كانوا في ضلال؟ لما دخلوا النار, لكن في الدنيا ما يعترفون, لكن في الآخرة بان لهم الحق واتضح لهم الحق فعرفوا أنهم في باطل: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [الشعراء/97-98].
قال المؤلف: (ومن يسوي رب العالمين بغيره فهو مجنون) يعني: فاقد العقل الذي يهديه إلى طريق السعادة كالمجنون الذي فقد عقله الذي يدرك به الأشياء.
(المتن)
ثمَّ اعلموا أَن الْمُتَكَلِّمين الَّذين خَاضُوا فِي الْكَلَام وَجَاءُوا بأدلة يسمونها أَدِلَّة عقلية رَكبُوهَا فِي أقيسة منطقية قسموا صِفَات الله جلّ وَعلا إِلَى سِتَّة أَقسَام قَالُوا هُنَاكَ صفة نفسية وَصفَة معنى وَصفَة معنوية وَصفَة فعلية وَصفَة سلبية وَصفَة جَامِعَة
(الشرح)
المؤلف رحمه الله يريد أن يبين ما ذهب إليه المتكلمون من الخوض في الصفات قال: (ثم اعلموا أن المتكلمين) اعلموا يعني: تيقنوا, العلم: هو حكم الذهن الجازم؛ يعني: تيقنوا لا تشكوا, ولا تظنوا, ولا تتوهموا, فالأشياء المدركات إما علم يقين, وإما ظن, وإما شك, وإما وهم.
فالشيء الذي يتيقنه الإنسان يسمى علم, وإذا كان يتردد بين شيئين لا ترجيح لأحدهما على الآخر يسمى شك, فإن كان أحد الأمرين أرجح من الآخر فالراجح يسمى ظن والمرجوح يسمى وهم, على ماذا تكون المدركات؟ يقين, وشك, وظن, ووهم.
المؤلف يقول: (اعلموا) يعني: تيقنوا ولا تشكوا, ولا تظنوا, ولا تتوهموا, (ثمَّ اعلموا أَن الْمُتَكَلِّمين الَّذين خَاضُوا فِي الْكَلَام وَجَاءُوا بأدلة يسمونها أَدِلَّة عقلية رَكبُوهَا فِي أقيسة منطقية) المتكلمين سمو متكلمين؛ لأنهم خاضوا في الصفات وفي أسماء الرب بالكلام والنظر من غير دليل شرعي؛ لأنهم لا يعملون بالأدلة الشرعية وإنما يتكلمون بما تمليه لهم عقولهم, وآرائهم, وشهواتهم مع أقيسة أهل المنطق.
المناطقة: الذين ابتدعوا علم المنطق والحروف, ابتدعوها اخترعها أرسطو وهو المعلم الأول للفلاسفة المشاءين، وهو أول من ابتدع علم المنطق, وكان مشركًا يعبد الأصنام، وقال إن العالم قديم, أول من قال بقدم العالم خالف شيخه أفلاطون وهو فيلسوف, فإن أفلاطون والفلاسفة الذين قبله هم في الجملة يعظمون الشرائع والإلهيات حتى جاء أرسطو ابتدع القول بقدم العالم وخالف شيخه, وأما الفلاسفة الذين قبله فهم يقولون أن العالم محدث كائن بعد أن لم يكن ويعظمون الشرائع والإلهيات.
أما الفلاسفة المتأخرون الذين يتزعمهم أرسطو فإنه ابتدع القول بقدم العالم, وخالف أفلاطون, وابتدع علم المنطق: الحروف؛ حروف علم المنطق، ثم جاء بعده المعلم الثاني الفارابي فأخرج حروف المنطق إلى الصوت, ثم جاء ابن سينا، ثم جاء المتكلمون بعد ذلك أهل الكلام وأخذوا من الفلاسفة وأهل المنطق شيئًا من عقيدتهم وعلومهم. والمتكلمون: هم الذين يتكلمون في الأسماء والصفات بغير أدلة شرعية بل بعقولهم وأرائهم كالجهمية, والمعتزلة، والأشاعرة, وغيرهم ،كالكرامية هؤلاء المتكلمون وكذلك القدرية وغيرهم.
يقول المؤلف: (ثمَّ اعلموا أَن الْمُتَكَلِّمين الَّذين خَاضُوا فِي الْكَلَام وَجَاءُوا بأدلة يسمونها أَدِلَّة عقلية رَكبُوهَا فِي أقيسة منطقية) قسموا صفات الله جل وعلا إلى ستة أقسام قالوا: هناك صفة نفسية, وصفة معنى, وصفة معنوية, وصفة فعلية, وصفة سلبية, وصفة جامعة.
الصفة النفسية: هي الصفة الذاتية، سموها الصفة النفسية وهي الصفة الذاتية والتي لا تنفك عن الباري, وهذه الأقسام متداخلة مثل: اليد, والرجل, والعين, والسمع, والبصر وغير ذلك مما هو ملازم لذات الرب هذه يسمونها صفات نفسية أو صفات ذاتية.
وصفة معنى أو صفة معنوية: هي الصفات السبعة التي يوصي بها الأشاعرة الحياة, الكلام, البصر, السمع, العلم, القدرة, والإرادة فسموا صفات معنوية, وصفة المعنى والصفة المعنوية لا فرق بينهما, صفة المعنى والصفة المعنوية واحد.
والصفة الفعلية: هي التي تتعلق بالمشيئة والإرادة كالاستواء, والغضب, والرضا, والكلام صفة ذاتية فعلية، فهذه تسمى صفات فعلية تقابل الصفات الذاتية.
وصفة السلبية: عندهم هي الصفة الدالة على سلب ما لا يليق بالله عن الله، كما سيذكرها المؤلف رحمه الله بعد ذلك سيتكلم عنها أن الصفة السلبية: هي صفة دالة على سلب ما لا يليق بالله عن الله من غير أن تدل على معنًا وجوديًا قائمًا بالذات، وهي خمس صفات: القدم, والبقاء, الوحدانية, ومخالفة الخلق, والغنى المطلق ويسمونها القيام بالنفس، ويقصدون به: الاستغناء عن الحيز والمحل.
القدم, والبقاء, والوحدانية, ومخالفة الخلق, والغنى المطلق هذه يسمونها الصفات السلبية، الصفة السلبية: هي صفات دالة على سلب ما لا يليق بالله عن الله، من غير أن تدل على معنًا وجودي قائم بالذات وهي القدم, والبقاء, والوحدانية, ومخالفة الخلق, والغنى المطلق ويسمونها القيام بالنفس, ويقصدون بها: الاستغناء عن الحيز والمحل كما يصيغه المؤلف رحمه الله.
والصفة الجامعة: كالكبر والعظمة: (ﮎ ﮏ ﮐ) [الرعد/9], والعظمة: (ﭨ ﭩ ﭪ) [الشورى/4], والجبروت, والتكبر, والقوة, والعزة, والملك والعلو: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [سبأ/23], (ﭨ ﭩ ﭪ) [الشورى/4].
هذه تقسيمات أهل الكلام، ونحن نقول: أهل السنة والجماعة يقولون: يجب على كل مسلم أن يثبت لله ما هو أثبته لنفسه وينفي عنه ما نفاه عن نفسه, كل الصفات التي أثبتها الله لنفسه يجب على المسلم أن يثبتها لربه كما أثبتها الله لنفسه, وكذلك ما أثبته له الرسول صلى الله عليه وسلم ولا حاجة إلى التقسيم.
- لكن من باب الإيضاح أهل السنة يقولون: الصفات تنقسم إلى
قسمين:
القسم الأول: صفات ذاتية؛ ملازمة لذات الرب مثل: العلم, والقدرة, والسمع, والبصر, والعلو, والعظمة، والكبرياء.
القسم الثاني: وصفات فعلية؛ وهي التي تتعلق بالمشيئة والاختيار مثل: الاستواء، والمحبة، والغضب، والرضا، وما أشبه ذلك, والعجب، والضحك؛ يعني يغضب إذا شاء، يعجب إذا شاء، يحب ويرضى إذا شاء عن عبده.
أهل السنة أثبتوا هذه الصفات كلها لله عز وجل كما يليق بجلاله وعظمته, الجهمية نفوا الأسماء والصفات كلها, المعتزلة أثبتوا الأسماء ونفوا الصفات كلها, الأشاعرة أثبتوا الأسماء وسبع صفات وهي: الحياة, الكلام, البصر, السمع, العلم, القدرة، والإرادة، ونفوا الصفات الفعلية وكذلك الكلابية، الأشاعرة والكلابية نفوا الصفات الفعلية مثل: الغضب, والرضا, والمحبة, والعجب.
قالوا: إنا لو أثبتنا لله هذه الصفات للزم ذلك أن يكون الرب محل للحوادث, الغضب حادث يقولون, والرضا حادث, والمحبة حادثة, والعجب, والضحك فلو أثبتناها لله للزم أن يكون الرب محل للحوادث, وهذا من جهلهم وضلالهم, نقول: من قال لكم هذا؟ هذا يلزم للمخلوق، المخلوق هو الذي تحدث له الحوادث بذاته أما الرب فلا يشابه أحدًا من خلقه: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الشورى/11].
لله غضب يليق به لا يشبه غضب المخلوق, المخلوق غضبه يكمن في قلبه طلبًا للانتقام, لكن الرب لا يشبه المخلوق، الرب له غضبٌ يليق به, وله رضًا يليق به, صفاته تليق به لا تماثل صفات المخلوقين, أهل الحق يثبتون الأسماء والصفات الذاتية والفعلية كما يليق بجلال الله وعظمته على حد قوله: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الشورى/11].
(المتن)
أما الصِّفَات الإضافية فقد جعلوها أمورا اعتبارية لَا وجود لَهَا فِي الْخَارِج وسببوا بذلك إشكالات عَظِيمَة وضلالا مُبينًا، ثمَّ إِنَّا نبين لكم على تَقْسِيم الْمُتَكَلِّمين مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن الْعَظِيم من وصف الْخَالِق جلّ وَعلا بِتِلْكَ الصِّفَات وَوصف المخلوقين بِتِلْكَ الصِّفَات.
(الشرح)
المؤلف رحمه الله يقول: (الصفات الإضافية فقد جعلوها أمورًا اعتبارية لَا وجود لَهَا فِي الْخَارِج) يقولون: تضاف إلى الله ولكن لا يتصف بها, كما قال المعتزلة؛ المعتزلة يقولون: الصفات وإن أضيفت إلى الله فهي هنا كأمور اعتبارية، أضيفت إلى الله إضافة المخلوق إلى خالقه للتشريف والتكريم, فيقولون: إن هذه الصفات مخلوقة وهي صفات لخلقه, العلم, والقدرة, والسمع, والبصر هذه ليست صفات لله ولكنها صفات لخلقه فإذا قيل لهم كيف أضيفت إلى الله؟ قالوا من باب التشريف والتكريم كما أضيف العبد إلي الله, والناقة, والرسول والكعبة, وبيت الله, عبد الله, ناقة الله, رسول الله قالوا هذه مخلوقة وأضيفت إلى الله للتشريف والتكريم، فكذلك الصفات السمع, والبصر, والعلم, والقدرة, والإرادة مخلوقة وأضيفت إلى الله للتشريف والتكريم.
نقول لهم: كيف ما تفرقون بين المعاني وبين الأعيان؟ الأعيان القائمة بنفسها مثل العبد والرسول! العبد قائم بنفسه, البيت قائم بنفسه, هذه أعيان قائمة بنفسها، فإضافتها إلى الله إضافة المخلوق إلى خالقه للتشريف, وأما السمع والبصر والعلم هذه معاني ليست هي قائمة بنفسها, لا تقوم بنفسها, معاني تقوم بالموصوف.
فإذا كان المضاف معنًا يقوم بالمضاف إليه فهذا وصف يتصف به, أما إذا كان ذات قائم بنفسه فهذا مخلوق أضيف إلى خالقه مثل: رسول الله الرسول ذات قائمة بنفسها إذا أضفته إلى الله إضافة مخلوق إلى خالقه, عبد الله, العبد قائم, ذات قائمة إضافة تشريف, بيت الله, البيت قائم, ناقة الله عين قائمة بنفسها، إضافة مخلوق إلى خالقه, لكن السمع هل هو قائم بنفسه أو معنى؟ ما يقوم بنفسه, البصر ما يقوم بنفسه, العلم! ولهذا قال: (فقد جعلوها أمورا اعتبارية لَا وجود لَهَا فِي الْخَارِج وسببوا بذلك إشكالات عَظِيمَة وضلالا مُبينًا)
(المتن)
ثمَّ إِنَّا نبين لكم على تَقْسِيم الْمُتَكَلِّمين مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن الْعَظِيم من وصف الْخَالِق جلّ وَعلا بِتِلْكَ الصِّفَات، وَوصف المخلوقين بِتِلْكَ الصِّفَات، وَبَيَان الْقُرْآن الْعَظِيم؛ لِأَن صفة خَالق السَّمَوَات وَالْأَرْض حق، وَأن صفة المخلوقين حق، وَأَنه لَا مُنَاسبَة بَين صفة الْخَالِق وَبَين صفة الْمَخْلُوق فصفة الْخَالِق لائقة بِذَاتِهِ وَصفَة الْمَخْلُوق مُنَاسبَة لعَجزه وافتقاره، وَبَين الصّفة وَالصّفة من الْمُخَالفَة كَمَا بَين الذَّات والذات
(الشرح)
المؤلف رحمه الله يقول: (أبين لكم على تَقْسِيم الْمُتَكَلِّمين مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن الْعَظِيم من وصف الْخَالِق جلّ وَعلا بِتِلْكَ الصِّفَات) مثل: العلم, والقدرة، والسمع والبصر. (ووصف المخلوقين بتلك الصفات) فالله وصف نفسه بالعلم والسمع, والقهر والبصر, والقدرة والإرادة, ووصف المخلوقين بالعلم والسمع, والبصر والقدرة والإرادة أليس كذلك؟ (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الإنسان/2].
قال المؤلف: (وبيان القرآن العظيم؛ لأن صفة خالق السموات والأرض حق) صفة خالق السموات بالعلم والقدرة والسمع والبصر وصفة المخلوقين بالعلم والقدرة والسمع والبصر حق, لكن لا مناسبة بين صفة الخالق وبين صفة المخلوق لماذا؟ قال: (لأن صفة الخالق لائقة بذاته) ذاته كاملة فصفاته كاملة, (وصفة المخلوق مناسبة لعجزه وافتقاره) ذاته ناقصة لعجزه وافتقاره وصفاته كذلك فيها عجز ونقص وافتقار (وبين الصفة والصفة من المخالفة كمثل ما بين الذات والذات) مثل ما بين صفة الخالق وصفة المخلوق في المخالفة مثل ما بين ذات الخالق وذات المخلوق هذا واضح.
(المتن)
أما هَذَا الْكَلَام الَّذِي يدرس فِي أقطار الدُّنْيَا الْيَوْم فِي الْمُسلمين فَإِن أغلب الَّذين يدرسونه إِنَّمَا يثبتون من الصِّفَات الَّتِي يسمونها صِفَات الْمعَانِي سبع صِفَات فَقَط وَيُنْكِرُونَ سواهَا من الْمعَانِي, وَصفَة المعني عِنْدهم فِي الاصطلاح ضابطها هِيَ أَنَّهَا مَا دلّ على معنى وجودي قَائِم بِالذَّاتِ.
وَالَّذِي اعْتَرَفُوا بِهِ مِنْهَا سبع صِفَات هِيَ الْقُدْرَة والإرادة وَالْعلم والحياة والسمع وَالْبَصَر وَالْكَلَام، وَنَفَوْا غير هَذِه الصِّفَات من صِفَات الْمعَانِي الَّتِي سنبينها ونبين أدلتها من كتاب الله عز وجل، وَأنكر هَذِه الْمعَانِي السَّبْعَة الْمُعْتَزلَة وأثبتوا أَحْكَامهَا، فَقَالُوا: هُوَ قَادر بِذَاتِهِ سميع بِذَاتِهِ عليم بِذَاتِهِ حَيّ بِذَاتِهِ وَلم يثبتوا قدرَة وَلَا علما وَلَا حَيَاة وَلَا سمعًا وَلَا بصرا فِرَارًا من تعدد الْقَدِيم، وَهُوَ مَذْهَب كل الْعُقَلَاء يعْرفُونَ ضلاله وتناقضه وَأَنه إِذا لم يقم بِالذَّاتِ علم اسْتَحَالَ أَن تَقول هِيَ عَالِمَة بِلَا علم وَهُوَ تنَاقض وَاضح بأوائل الْعُقُول
(الشرح)
يقول المؤلف رحمه الله: (أن الذي يدرس فِي أقطار الدُّنْيَا الْيَوْم) يعني: في كثير من البلدان الذي درس مذهب الأشاعرة, مذهب الأشاعرة هذا هو الذي يدرس في كثير من الجامعات والكليات في سائر أقطار الدنيا خارج المملكة العربية السعودية, في الغالب الذي يدرس مذهب الأشاعرة أو مذهب المعتزلة.
ولهذا يقول المؤلف رحمه الله: (أما هَذَا الْكَلَام الَّذِي يدرس فِي أقطار الدُّنْيَا الْيَوْم فِي الْمُسلمين فَإِن أغلب الَّذين يدرسونه إِنَّمَا يثبتون من الصِّفَات الَّتِي يسمونها صِفَات الْمعَانِي سبع صِفَات فَقَط وَيُنْكِرُونَ سواهَا من الْمعَانِي) ما هي صفة المعنى عندهم؟ قال: (وَصفَة المعني عِنْدهم فِي الاصطلاح ضابطها هِيَ أَنَّهَا مَا دلّ على معنى وجودي قَائِم بِالذَّات وَالَّذِي اعْتَرَفُوا بِهِ مِنْهَا سبع صِفَات) الكلام, والبصر, والسمع, والعلم, والقدرة, والإرادة, مجموعها في بيت: هي الكلام والبصر سمع ٌ علمٌ إرادة ٌ فاقتدر, البيت قريب من هذا فهي الإرادة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام، هي الكلام والبصر سمع ٌ علمٌ إرادة ٌ فاقتدر؛ هذه السبع صفات التي تدرس وهي مذهب الأشاعرة .
وبعد ذلك يقول المؤلف: (ما دل على معنًا وجودي قائمٌ بالذات) مثلًا السمع دل على معنًا وجودي قائم بالذات, هذا المعنى الوجودي السمع قائم بذات الرب, البصر دل على معنًا وجودي قائم بذاته وهو البصر, العلم دل على معنًا وجودي قائمًا بذات الرب وهو العلم, الحياة دل على معنًا وجودي قائم بالذات وهي الحياة, الكلام معنا وجودي قائم بالذات وهو الكلام, الإرادة معنّا وجودي قائمًا بذاته وهي الإرادة وهكذا. هذه معاني؛ الإرادة معنى, والكلام معنى, والسمع معنى, والبصر معنى، والعلم معنى, والحياة معنى كل هذه المعاني قائمة بالذات.
قال المؤلف: (ونفوا غير هذه الصفات من صفات المعاني التي سنبينها ونبين أدلتها من كتاب الله, وَأنكر هَذِه الْمعَانِي السَّبْعَة الْمُعْتَزلَة) المعتزلة أنكروا هذه المعاني السبعة كلها؛ لأنهم لا يثبتون إلا الأسماء، المعتزلة لا يثبتون شيئاً من الصفات لا يثبتون إلا الأسماء لكنهم أثبتوا أحكامها، فما يثبتون هذه الصفات ولكن أثبتوا أحكامها, فقالوا: هو قادر بذاته لا بالصفة, قادر بذاته, سميع بذاته, عليم بذاته, حي بذاته.
لكن لا يثبتون قدرةً, ولا علمّا, ولا حياة, ولا سمعًا, ولا بصرًا لماذا؟ قال: (فرارّا من تعدد القديم) قالوا: لو قلنا أن الله له سمعٌ قديم, وبصرٌ قديم, وعلمٌ قديم صار الخالق متعدد صار الخالق متعدد، صارت الآلهة متعددة صار الرب متعدد, فيلزم من ذلك أن يكون: العلم رب, والقدرة رب, والسمع رب, والبصر رب فتكون أرباب متعددة ففرارًا من ذلك قالوا: لا، لا يوجد صفات قديمة, فالرب ذاته قديم, الرب ذاته عليم, الرب ذاته سميع لكنا لا نثبت علمًا ولا قدرةً ولا إرادة, فرارًا من أي شيء؟ فرارًا من تعدد القديم، فرارا من تعدد الرب، من تعدد الخالق.
يقول المؤلف: (وهذا مذهبٌ كل العقلاء يعرفون ضلاله وتناقضه) كل العقلاء يعرفون أن هذا مذهب ضال وأنه متناقض وأنه إذا لم يقم بالذات علم استحالة أن تقول هي عالمة! إذا لم يقم بالذات علم كيف تقول الذات عالمة! وهي لم يقم بها علم! هم يقولون: الذات لم يقم بها علم ولا قدرة ولكن قالوا: هو قادرٌ بالذات، عليمٌ بالذات، لكن الذات لا يقوم بها علم, هذا تناقض كيف قادر بالذات والذات لا يقوم بها قدرة؟!
قال المؤلف رحمه الله: (وهذا مذهبٌ كل العقلاء يعرفون ضلاله وتناقضه) وأنه إذا لم يقم بالذات علم استحالة أن تكون هي عالمةٌ بلا علم وهذا تناقضٌ واضح (لأوائل العقول) يعني: تدركه العقول لأول وهلة
(المتن)
فَإِذا عَرَفْتُمْ هَذَا فسنتكلم على صِفَات الْمعَانِي الَّتِي أقرُّوا بهَا فَنَقُول:
أولًا: وصفوا الله تَعَالَى بِالْقُدْرَةِ وأثبتوا لَهُ الْقُدْرَة وَالله جلّ وَعلا يَقُول فِي كِتَابه: (إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍقَدِيرٌ)[البقرة/20], وَنحن نقطع أَنه تَعَالَى متصف بِصفة الْقُدْرَة على الْوَجْه اللَّائِق بِكَمَالِهِ وجلاله.
كَذَلِك وصف بعض المخلوقين بِالْقُدْرَةِ قَالَ: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ)[المائدة/34]فأسند الْقُدْرَة لبَعض الْحَوَادِث ونسبها إِلَيْهِم.
وَنحن نعلم أَن كل مَا فِي الْقُرْآن حق، وَأَن للْمولى جلّ وَعلا قدرَة حَقِيقِيَّة تلِيق بِكَمَالِهِ وجلاله، كَمَا أَن للمخلوقين قدرَة حَقِيقِيَّة مُنَاسبَة لحالهم وعجزهم وفنائهم وافتقارهم، وَبَين قدرَة الْخَالِق وقدرة الْمَخْلُوق من الْمُنَافَاة والمخالفة كَمثل مَا بَين ذَات الْخَالِق وَذَات الْمَخْلُوق وحسك بونا بذلك.
(الشرح)
المؤلف رحمه الله يقول: (فَإِذا عَرَفْتُمْ هَذَا فسنتكلم على صِفَات الْمعَانِي الَّتِي أقرُّوا بهَا) يستعرض الصفات السبع واحدة بعد واحدة ويبين أن الصفة اتصف بها الخالق والمخلوق ولكن ما في مماثلة, الخالق له صفةٌ تليق به, والمخلوق له صفةٌ تليق به. وأولًا بدأ بصفة القدرة قال: (وصفوا الله تعالى بالقدرة وأثبتوا له القدرة) والله جل وعلا يقول: في كتابه: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [البقرة/20], إذًا وصف نفسه بالقدرة.
قالوا: (وَنحن نقطع أَنه تَعَالَى متصف بِصفة الْقُدْرَة على الْوَجْه اللَّائِق بِكَمَالِهِ وجلاله) يعني: هو سبحانه متصف بالقدرة على الوجه اللائق بجلاله وكماله، له الكمال، (ووصف بعض المخلوقين بالقدرة) فقال: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ) [المائدة/34] إذًا هو وصف المخلوق بالقدرة, فأثبت لهم القدرة في بعض الحوائج ونسبها إليهم.
ثم قالوا: (ونحن نعلم أن كل ما في القرآن حق) إذًا المخلوق له قدرة تليق به والخالق له قدرة، الخالق موصوف بالقدرة والمخلوق موصوف بالقدرة لكن هل توجد مماثلة؟ لا, قالوا: (وَأَن للْمولى جلّ وَعلا قدرَة حَقِيقِيَّة تلِيق بِكَمَالِهِ وجلاله كَمَا أَن للمخلوقين قدرَة حَقِيقِيَّة مُنَاسبَة لحالهم وعجزهم وفنائهم وافتقارهم) إذًا الخالق له قدرة كاملة لأن ذاته كاملة والمخلوق له قدرة ناقصة لأن ذاته ناقصة.
قال: (وبين قدرة الخالق وقدرة المخلوق من المنافاة والمخالفة كمثل ما بين ذات الخالق وذات المخلوق وحسبك بونًا) يعني: فرقًا بينهما, إذًا ما الفرق بين قدرة المخلوق وقدرة الخالق؟ قال: مثل الفرق بين ذات الخالق وذات المخلوق.
(المتن)
ثانيا وثالثا: ووصف نفسه بالسمع والبصر في غير ما آيةٍ من كتابه قال: (إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)[الحج/75].
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)[الشورى/11].
ووصف بعض الحوادث بالسمع والبصر قال تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا)[الإنسان/2].
(أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا )[مريم/38], وَنحن لَا نشك أَن مَا فِي الْقُرْآن حق فَللَّه جلّ وَعلا سمع وبصر حقيقيان لائقان بجلاله وكماله، كَمَا أَن للمخلوق سمعًا وبصرًا حقيقيين مناسبين لحاله من فقره وفنائه وعجزه وَبَين سمع وبصر الْخَالِق وَسمع وبصر الْمَخْلُوق من الْمُخَالفَة كَمثل مَا بَين ذَات الْخَالِق والمخلوق.
(الشرح)
هذه الصفة الثانية والثالثة: السمع والبصر، الله وصف نفسه بالسمع والبصر ووصف المخلوقين بالسمع والبصر, فقال عن نفسه سبحانه: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ)[الحج/75].
(ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الشورى/11].
ووصف المخلوقين بالسمع والبصر فقال: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الإنسان/2] فوصف الإنسان بأنه سميع بصير, وقال: (ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰑ) [مريم/38].
فالسمع والبصر يتصف به الخالق اتصافًا حقيقيًا، ويتصف به المخلوق اتصافًا حقيقيًا، لكن هل هناك مماثلة؟ لا, فسمع الخالق وبصره كامل, سمع الخالق كامل وبصره كامل لأن ذاته كاملة، وسمع المخلوق ناقص وبصره ناقص لأن ذاته ناقصة، ليس هناك مماثلة.
ولهذا قال: (ونحن لا نشك أن ما في القرآن حق وَنحن لَا نشك أَن مَا فِي الْقُرْآن حق فَللَّه جلّ وَعلا سمع وبصر حقيقيان لائقان بجلاله وكماله، كَمَا أَن للمخلوق سمعًا وبصرًا حقيقيين مناسبين لحاله من فقره وفنائه وعجزه) ما الفرق بين سمع الخالق وسمع المخلوق وبصر الخالق وبصر المخلوق؟ قال: (مثل الفرق الذي بين ذات الخالق وذات المخلوق) الفرق الذي بين سمع الخالق وسمع المخلوق, وبصر الخالق وبصر المخلوق, مثل الفرق الذي بين ذات الخالق وذات المخلوق.
(المتن)
رابعا: وَوصف نَفسه بِالْحَيَاةِ فَقَالَ: (الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم)[الْبَقَرَة/255], (هُوَ الْحَيّ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ)[غَافِر/ 65], (وتوكل على الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت)[الْفرْقَان 58].
ووصف أيضًا بعض المخلوقين بالحياة قال: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)[الأنبياء/30], (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا)[مريم/15], (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ)[الروم/19].
ونحن نقطع بأن لله عز وجل صفة حياةٍ حقيقية لائقةً بكماله وجلاله كما أن للمخلوقين حياةً مناسبةً لحالهم وعجزهم وفناءهم وافتقارهم, وبين صفة الخالق وصفة المخلوق من المخالفة كمثل ما بين ذات الخالق وذات المخلوق وذلك بون شاسع بين الخالق وخلقه.
(الشرح)
الصفة الرابعة: صفة الحياة؛ الله وصف نفسه بالحياة ووصف المخلوق بالحياة, ولكن هل حياة الخالق مثل حياة المخلوق؟ لا، حياة الخالق كاملة لم يسبقه عدم سبحانه وتعالى لا يلحقه عدم, ولا يلحق حياته نقص, ولا ضعف, ولا نوم, ولا نعاس, ولا بول, أما حياة المخلوق فهي ناقصة ضعيفة، سبقها العدم, ويعقبها الموت, ويعتريها النوم والنعاس.
إذًا ما في مشابهة، هل تشبه حياة الخالق حياة المخلوق؟ ما الفرق بين حياة المخلوق وحياة الخالق؟ الفرق بينهما مثل الفرق بين ذات الخالق وذات المخلوق، ولذلك قال المؤلف: (وَوصف نَفسه بِالْحَيَاةِ فَقَالَ: (الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم)[الْبَقَرَة/ 255]).
وقال: (هُوَ الْحَيّ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ)[غَافِر/ 65], (وتوكل على الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت) [الْفرْقَان/ 58].
(ووصف أيضا بعض المخلوقين بالحياة قال: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)[الأنبياء/30], (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا)[مريم/15], (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ)[الروم/19]).
قال: (ونحن نقطع بأن لله عز وجل صفة حياةٍ حقيقية لائقةً بكماله وجلاله كما أن للمخلوقين حياةً مناسبةً لحالهم وعجزهم وفناءهم وافتقارهم) فالمخلوق له حياة تناسب حاله تناسب عجزه, تناسب فنائه, تناسب افتقاره، والخالق حياته كاملة تناسب كماله, وتناسب دوامه, وتناسب غناه سبحانه وتعالى.
قال المؤلف: (وبين صفة الخالق وصفة المخلوق من المخالفة كمثل ما بين ذات الخالق وذات المخلوق وذلك بون شاسع) يعني: فرق فرقٌ شاسع بين الخالق والمخلوق.
(المتن)
خامسًا: وصف نفسه جل وعلا نفسه بالإرادة قال: (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ)[البروج/16], (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)[يس/82].
ووصف بعض المخلوقين بالإرادة قال: (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا)[الأنفال/67], (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ)[الصف/8].
ولا شك أن لله تعالى إرادةً حقيقيةً لائقّا بكماله وجلاله, كما أن للمخلوقين إرادةً مناسبةً لحالهم, وعجزهم, وفنائهم, وافتقارهم, وبين إرادة الخالق والمخلوق كمثل ما بين ذات الخالق المخلوق.
(الشرح)
هذا الوصف الخامس صفة الإرادة: الله وصف نفسه بالإرادة ووصف المخلوقين بالإرادة, لكن هل الإرادة هذه مثل الإرادة هذه؟ لا, إرادة الله كاملة وإرادة المخلوق ناقصة, والفرق بينهما مثل الفرق بين ذات الخالق وذات المخلوق, ولذلك قال المؤلف: (وصف جل وعلا نفسه بالإرادة) وقال: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [البروج/16], (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [يس/82].
(ووصف بعض المخلوقين بالإرادة) قال: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯱ)[الأنفال/67], (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ)[الأحزاب/13], (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [الصف/8].
قال المؤلف: (ولا شك أن لله تعالى إرادةً حقيقيةً لائقّا بجلاله وكماله, كما أن للمخلوقين إرادةً مناسبةً لحالهم, وعجزهم, وفنائهم, وافتقارهم) يقول: المخلوق له إرادة ناقصة تناسب عجزه, وفنائه, وافتقاره, والخالق له إرادة تناسب كماله وغناه سبحانه وتعالى وبين إرادة الخالق والمخلوق كمثل ما بين ذات الخالق وذات المخلوق.
(المتن)
خامسًا: وصف نفسه جل وعلا بالعلم قال: (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[النور/64], (لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ)[النساء/166], (فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ)[الأعراف/7].
ووصف بعض المخلوقين بالعلم قال: (لا توجل إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ)[الحجر/53], (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ)[يوسف/68].
ولا شك أن للخالق جل وعلا علمًا حقيقيًا لائقًاٌ بجلاله وكماله محيطّا بكل شيء. كما أن للمخلوقين علمًا مناسبًا لحالهم, وفناءهم, وعجزهم وافتقارهم. وبين علم الخالق وعلم المخلوق من المنافاة والمخالفة كمثل ما بين ذات الخالق وذات المخلوق.
(الشرح)
هذه الصفة السادسة: العلم، والله تعالى وصف نفسه بالعلم ووصف المخلوق بالعلم. فقال في وصف نفسه بالعلم: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [النور/64].
وقال: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [النساء/166].
وقال: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الأعراف/7].
ووصف بعض المخلوقين بالعلم فقال: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [الحجر/53] يعني: هذا في وصف إسحاق، ووصف إبراهيم بأنه حليم.
وقال: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯽ) [يوسف/68], ولكن هل العلم مثل العلم؟ لا, علم الله كامل يليق بجلاله، وعلم المخلوق ناقص مناسب لحاله، فالمخلوق له علمٌ محدود ويعتريه النسيان ويسبقه الجهل ويعقبه أيضًا الفناء, وأما الخالق فهو علمٌ كامل, ولا يعتريه النسيان, ولا الذهول, ولم يسبقه جهل, , ولا يعقبه نقص.
ولهذا قال المؤلف: (ولا شك أن للخالق جل وعلا علمًا حقيقيًا لائقًاٌ بجلاله وكماله محيطّا بكل شيء كما أن للمخلوقين علمًا مناسبًا لحالهم, وفناءهم, وعجزهم وافتقارهم) ما الفرق بين علم الخالق وعلم المخلوق؟ مثل الفرق بين ذات الخالق وذات المخلوق؛ ولهذا قال المؤلف: (وبين علم الخالق وعلم المخلوق من المنافاة والمخالفة كمثل ما بين ذات الخالق وذات المخلوق).
(المتن)
سابعًا: وصف نفسه جل وعلا بالكلام قال: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)[النساء/164], (فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ)[التوبة/6].
ووصف بعد المخلوقين بالكلام قال: (فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ)[يوسف/54], (وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ)[يس/65].
ولا شك أن للخالق تعالى كلامًا حقيقيًا لائقًاٌ بكماله وجلاله, كما أن للمخلوقين كلامًا مناسبًا لحالهم, وفناءهم, وعجزهم, وافتقارهم, وبين كلام الخالق وكلام المخلوق من المنافاة والمخالفة كمثل ما بين ذات الخالق وذات المخلوق.
(الشرح)
هذا الوصف السابع: وصف الله نفسه بالكلام ووصف المخلوق بالكلام, فقال في وصف نفسه بالكلام: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [النساء/164], وقال: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯹ) [التوبة/6].
ووصف المخلوقين بالكلام فقال: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ)[يوسف/54] يعني: العزيز، قال: (ﮤ ﮥ ﮫ) [يس/65].
وهل هناك مماثلة بين كلام الخالق وكلام المخلوق؟ لا, بل هناك فرق بينهما، فالخالق له الكمال، والمخلوق له ما يناسب حاله، ولهذا قال: (ولا شك أن للخالق تعالى كلامًا حقيقيًا لائقًاٌ بكماله وجلاله, كما أن للمخلوقين كلامًا مناسبًا لحالهم, وفناءهم, وعجزهم, وافتقارهم) ما الفرق بين كلام الخالق وبين كلام المخلوق؟ مثل الفرق ما بين ذات الخالق وذات المخلوق.
ولهذا قال: (وبين كلام الخالق وكلام المخلوق من المنافاة والمخالفة كمثل ما بين ذات الخالق وذات المخلوق).
(المتن)
هذه صفات المعاني سمعتم ما في القرآن من وصف الخالق بها ووصف المخلوق بها, ولا يخفى على عاقل أن صفات الخالق حق وأن صفات الخالق لائقة بجلاله وكماله, وصفات المخلوقين مناسبةٌ لحالهم, وبين الصفة والصفة كما بين الذات والذات، وسنبين مثل ذلك في الصفات التي يسمونها سلبية.
(الشرح)
المؤلف رحمه الله يقول: هذه الصفات السبع: الحياة, والسلام, والبصر, والعلم, والقدرة, والإرادة, هذه الصفات السبع يقول: (سمعتم ما في القرآن من وصف الخالق بها. ووصف المخلوق بها) لكن لا يخفى على العاقل أن صفات الخالق حق وصفات المخلوق أيضًا حق, لكن صفة الخالق تليق به فله الكمال, وصفة المخلوق تليق به فله ما يناسب حاله من النقص.
ولهذا قال: (ولا يخفى على عاقل أن صفات الخالق حق وأن صفات الخالق لائقة بجلاله وكماله, وصفات المخلوقين مناسبةٌ لحالهم. وبين الصفة والصفة من الفرق مثل ما بين الذات والذات).
ثم قال المؤلف رحمه الله: (ونبين مثل ذلك في الصفات التي يسمونها السلبية) نقف على هذا الكلام في الصفات السلبية, وإن شاء الله نكمل في الدرس القادم وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والآن مع الدرس الثالث.
(المتن)
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمدٍ وعلى أله وأصحابه أجمعين, اللهم اغفر لنا ولشيخنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.
قال الشيخ الشنقيطي رحمنا الله تعالى وإياه: الْكَلَام على الصِّفَات السلبية عِنْد الْمُتَكَلِّمين ضَابِط الصّفة السلبية عِنْد الْمُتَكَلِّمين هِيَ الصّفة الَّتِي دلّت على عدم مَحْض وَالْمرَاد بهَا أَن تدل على سلب مَا لَا يَلِيق بِاللَّه عَن الله من غير أَن تدل على معنى وجودي قَائِم بِالذَّاتِ وَالَّذين قَالُوا هَذَا جعلُوا الصِّفَات السلبية خمْسا لَا سادسة لَهَا وَهِي عِنْدهم الْقدَم والبقاء والمخالفة لِلْخلقِ والوحدانية والغنى الْمُطلق الَّذِي يسمونه الْقيام بِالنَّفسِ الَّذِي يعنون بِهِ الِاسْتِغْنَاء عَن الحيز وَالْمحل.
فَإِذا عَرَفْتُمْ هَذَا فاعلموا أَن الْقدَم والبقاء الَّذين وصف المتكلمون بهما الله جلّ وَعلا زاعمين أَنه وصف بهما نَفسه فِي قَوْله: (هُوَ الأول وَالْآخر)[الْحَدِيد/3], والقدم فِي الِاصْطِلَاح عبارَة عَن سلب الْعَدَم السَّابِق إِلَّا أَنه عِنْدهم أخص من الْأَزَل لِأَن الْأَزَل عبارَة عَمَّا لَا افْتِتَاح لَهُ سَوَاء كَانَ وجوديا كذات الله وَصِفَاته أَو عدميًا, والقدم عِنْدهم عبارَة عَمَّا لَا أول لَهُ بِشَرْط أَن يكون وجوديا كذات الله متصفة بِصِفَات الْكَمَال والجلال.
(الشرح)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
بعد أن تكلم المؤلف رحمه الله على الصفات المعرفية وهي الصفات التي يثبتها الأشاعرة، وهي: الحياة, والكلام, والبصر, والسمع, والعلم, والقدرة, والإرادة, والكلام. كما قال:
هي الحياة والكلام والبصر |
|
سمعٌ إرادةٌ وعلمٌ واقتدر
|
هذا البيت الذي ذكرناه بالأمس سبع صفاتٌ يذكرها الأشاعرة, سبع صفاتٍ كما وردت بالكتاب والسنة: الحياة, والكلام, والبصر, والسمع, والعلم, والقدرة, والإرادة. وأما الكلام فإنهم لا يثبتونه على حقيقته, يثبتون الكلام على معنًا نفسي قائمٌ بالنفس ليس بحرفٍ ولا صوت, فقالوا: إن الرب لا يتكلم بكلامٍ يُسمع حرفًا وصوت, وإن للكلام معنى قائم بنفسه كما العلم قائمٌ بنفسه.
وقال الأشاعرة: أن الله تعالى ما تكلم بهذا القرآن وسمعه منه جبرائيل, وإنما جبريل فهم المعني القائم بنفس الرب فسره الله؛ ففهم المعنى القائم بنفسه فعبر بهذا القرآن, هذا القرآن عبارة عبر بها جبريل عما في نفس الله، الكلام في النفس. يقول الأخطل النصراني:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما |
|
جعل اللسان على الفؤاد دليلًا
|
(...)بل هذا القرآن الله ما تكلم به, من الذي تكلم به؟ تكلم به جبريل. كيف تكلم به؟ قالوا: عبر عن المعنى الذي فهمه من نفس الله, فسره الله ففهم ما في نفسه فعبر بهذا الكلام.
وقال أحد من الأشاعرة: أن الذي عبر محمد، هو الذي عبر به, وقالت طائفةٌ ثانية: أن جبريل أخذ القرآن من اللوح المحفوظ ولم يسمع من الله ولا كلمة, هذه صفة الكلام الذي يثبتونها, إذًا ما أثبتوا كل الصفات، الصفة السابعة والكلام ما أثبتوه على حقيقته.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (تكلم على الصفات السلبية عند المتكلمين) لكن ضابط الصفة السلبية عند المتكلمين (هي الصفة التي دلت على عدم المحض والمراد بها : أن تدل على سلب ما لا يليق بالله عن الله من غير أن تدل على معنى وجودي قائمًا بالذات) هذه هي الصفة السلبية: الصفة السلبية التي تدل على عدم المحض.
قالوا: (المراد بها أن تدل على سلب مالا يليق بالله عن الله من غير أن تدل على معنى وجودي قائمًا بالذات) ليس مثل القدم الآن, القدم: دل على سلب ما لا يليق بالله مثل الحدوث, الحدوث ما لا يليق بالله, والقدم يسلب الحدوث سلب الحدوث إذًا الرب قديم ليس حادثًا كالمخلوق, فالصفة السلبية هي التي تدل على سلب ما لا يليق بالله من غير أن تدل على معنًا وجودي قائمًا بالذات؛ ما دلت على معنى وجودي لكن سلبت الحدوث.
صفة القدم سلبت الحدوث من غير أن تدل على معنًا قائمًا بالذات, ما في معنى قائم سوى القدم, هذا كلامهم, يقول المؤلف: (وَالَّذين قَالُوا هَذَا جعلُوا الصِّفَات السلبية خمْسا لَا سادسة لَهَا وَهِي عِنْدهم الْقدَم) الصفة الأولى، (والبقاء) الصفة الثانية, (والمخالفة لِلْخلقِ) هذه الصفة الثالثة, (والوحدانية) هذه الصفة الرابعة, (والغنى الْمُطلق) هذه الصفة الخامسة, هذه يسمونها الصفات السلبية فهي تسلب ما لا يليق بالله عن الله.
فالقدم يسلب الحدوث في الأولية والبقاء يسلب الحدوث في الآخرية, والمخالفة للخلق هذه الصفة الخامسة تدل على سلب ما يوافق الخلق في صفاتهم, والوحدانية كذلك تدل على سلب التعدد, والغنى المطلق تدل على سلب الحاجة, هذه الخمس يسمونها الصفات السلبية كل صفةٍ تدل على عدم النقص، وهي تدل على سلب ما لا يليق بالله عن الله.
فالقدم تسلب الحدوث في الماضي، هذا لا يليق بالله, والبقاء تسلب الحدوث في المستقبل, والمخالفة للخلق تسلب موافقة للخلق, والوحدانية تسلب التعدد, والغني المطلق تسلب الحاجة إلى أحدٍ من الخلق, والغني المطلق يسمونه القيام بالنفس؛ أي أنه قائمٌ بنفسه، والذي يعنون به الاستغناء عن الحيز والمحل, الحيز يعني المكان نحن الآن نقف في مكان اسمه حيز يحوذنا المسجد بجدرانه ومكانه، والمحل نحن الآن قائمين في محل, الرب يقولون:أنه لا يحتاج إلى محل، ولا يسعه ولا يحوزه شيئًا من المخلوقات, هو سبحانه فوق العرش بعدما تنتهي المخلوقات التي سقفها عرش الرحمن, سقفها عرش الرحمن والله فوق العرش, لا يحوزه شيء من المخلوقات وهو ليس له محل.
يقول المؤلف رحمه الله: (فإن عرفتم هذا فاعلموا أن القدم والبقاء الذين وصف المتكلمون بهما الله عز وجل) يعني: أنه وصف بهما نفسه في قوله: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯾ) [الحديد/3] يعني: الله تعالى يقول بأنه الأول والأخر.
ففسر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في الحديث الصحيح قال: «اللهم أنت الأول وليس قبلك شيء وأنت الآخر وليس بعدك شيء» إذًا الأول هو الذي ليس قبله شيء والآخر هو الذي ليس بعده شيء, هذا الكلام استبدلوا الأول والآخر بالقدم والبقاء, القدم هذا الأولية في الماضي، والبقاء الآخرية في المستقبل.
قال المؤلف رحمه الله: (والقدم فِي الِاصْطِلَاح عبارَة عَن سلب الْعَدَم السَّابِق إِلَّا أَنه عِنْدهم أخص من الْأَزَل لِأَن الْأَزَل عبارَة عَمَّا لَا افْتِتَاح لَهُ) عبارة عن الشيء الذي ليس له بداية، الله هو الأول من غير بداية, قال: (سَوَاء كَانَ وجوديًا) الأزل عندهم.
(والقدم فِي الِاصْطِلَاح عبارَة عَن سلب الْعَدَم السَّابِق إِلَّا أَنه عِنْدهم أخص من الْأَزَل لِأَن الْأَزَل عبارَة عَمَّا لَا افْتِتَاح لَهُ سَوَاء كَانَ وجوديا كذات الله وَصِفَاته أَو عدميًا) والقدم عندهم عبارة عن ما لا أول له بشرط أن يكون وجوديًا؛ يعني: هم الآن خالفوا النصوص, لو وصف الله بنفسه كان كذبوا من هذه الأوصاف التي أتوا بها من عند أنفسهم ولها ملازم ومحاريض، لماذا تقولون هذا في الله وهو متصفًا بصفات الجلال والكمال! نحن نقول: صفوا الله بما وصف به نفسه، الله تعالى قال في كتابه: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [الحديد/3].
هذه أربعة أسماء لله اثنان متقابلان واثنان متقابلان, اثنان بأوليته وأزليته واثنان بعلوه وفوقيته وعدم حجب شيء من المخلوقات له؛ ولذلك فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأسماء الأربع في الحديث الصحيح فقال: «اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء» إًذا الأول هو الذي ليس قبله شيء «وأنت الأخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء» إذًا الظاهر ما شيء فوقه «أنت الباطن فليس دونك شيء» باطن يعني لا يخفى عليه شيئًا من خلقه.
(المتن)
وَنحن الْآن نتكلم على مَا وصفوا بِهِ الله جلّ وَعلا من الْقدَم والبقاء وَإِن كَانَ بعض الْعلمَاء كره وَصفه جلّ وَعلا بالقدم كما يأتي فالله عز وجل وصف المخلوقين بالقدم قال: (تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ)[يوسف/95], (أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ)[الشعراء/76].
ووصف المخلوقين بالبقاء قال: (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ)[الصافات/77], (مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ)[النحل/96].
ولا شك أن ما وصف به الله عز وجل بهذه الصفات مخالفٌ لما وصف به الخلق نحو ما تقدم أن الله عز وعلا فلم يصف نفسه في كتابه نفسه بالقدم وبعض السلف كره وصفه بالقدم لأنه قد يطلق مع سبق العدم نحو: (كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ)[يس/39], (قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ)[يوسف/95], (أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ)[الشعراء/76].
وقد زعم بعضهم أنه قد جاء بحديث بعض العلماء يقول يدل على وصفه بهذا وبعضهم يقول لم يثبت أما الأولية والآخرية التي نفى الله عليهما في قوله: (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ)[الحديد/3], فقد وصف المخلوقين أيضًا بالأولية والآخرية قال: (ألم نهلك الْأَوَّلين ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ)[المرسلات/17].
ولا شك أن ما وصف الله به نفسه من ذلك لائقٌ بجلاله وكماله كما أن للمخلوقين أولية وآخرية مناسبةً لحالهم, وفناءهم, وعجزهم, وافتقارهم, ووصف نفسه بأنه واحد قال: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)[البقرة/163].
ووصف بعض المخلوقين بذلك قال: (يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ)[الرعد/4].
ووصف نفسه بالغنى قال: (فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ)[إبراهيم/8], (إن تكفرُوا أَنْتُم وَمن فِي الأَرْض جَمِيعًا فَإِن الله لَغَنِيّ حميد)[التغابن/ 6], (فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)[التغابن/6].
ووصف بعض المخلوقين بذلك قال: (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ)[النساء/6], (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ)[النور/32].
فَهَذِهِ صِفَات السَّلب جَاءَ فِي الْقُرْآن وصف الْخَالِق وَوصف الْمَخْلُوق بهَا وَلَا شكّ أَن مَا وصف بِهِ الْخَالِق مِنْهَا لَائق بِكَمَالِهِ وجلاله وَمَا وصف بِهِ الْمَخْلُوق مُنَاسِب لحاله وعجزه وفنائه وافتقاره
(الشرح)
المؤلف رحمه الله بين الصفات السلبية التي ذكروها جاءت في القرآن الكريم وصف الله بها نفسه ووصف بها المخلوقين, ولكن لا مماثلة فالله له الكمال لائقٌ بنفسه والمخلوق له ما يناسب حاله من فقره, وعجزه وفنائه, ولهذا قال: (وَنحن الْآن نتكلم على مَا وصفوا بِهِ الله جلّ وَعلا من الْقدَم والبقاء وَإِن كَانَ بعض الْعلمَاء كره وَصفه جلّ وَعلا بالقدم) كما يأتي الله جل وعلا وصف المخلوقين بالقدم فقال: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [يوسف/95].
في سورة يوسف لما جاء أخ يوسف وكان في منتصف الطريق قال: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [يوسف/94], قالوا له أبناءه: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [يوسف/95] فوصفوه بالقدم، والله تعالى هذه من الصفات التي وصف بها المخلوقون؛ الله تعالى وصف بها المخلوقين.
كذلك أيضًا قوله تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ) [يس/39], العرجون عرجون النخل البسر والرطب الشماريخ, هذا العرجون إذا جاء العرجون الجديد صار العرجون الماضي حق العام الماضي يسمى قديم: (ﯱ ﯲ ﯳ) [يس/39]هو قديم نسبي, قال: ( ﯱ ﯲ ﯳ) [يس/39].
وليس قديم بمعنى أزلي ولهذا لم يأتي في أسماء الله القديم وإنما جاء الأول: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [الصافات/77], (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الشعراء/76].
إذًا وصف المخلوق بالقدم والخالق أيضًا له قدم, ولكن الخالق له الكمال والقدم الذي ليس له أولية, وأما المخلوق فله وصف القدم ولكنه كقدمٌ نسبي له أول وله بداية. وكذلك البقاء فقد وصف المخلوق بالبقاء: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [الصافات/77], (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮈ) [النحل/96].
فهذا البقاء لكن بقاء نسبي له أول وأما بقاء الرب فهو بقاءٌ لا نهاية له, وأما المخلوق فله بقاء محدد له نهاية: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ)[الصافات/77], سينتهون، سينتهي بنو آدم.
قال المؤلف: (ولا شك أن ما وصف به الله عز وجل بهذه الصفات مخالفٌ لما وصف به الخلق نحو ما تقدم) الله له الكمال والمخلوق له ما يناسبه.
قال: (أما الله عز وجل فلم يصف في كتابه نفسه بالقدم) وبعض السلف كره وصفه بالقدم, لماذا كره؟ لأنه قد يطلق مع سبق العدم كرهوا أن يوصف بالقدم لأنه ما من قديم إلا وله بداية.
بخلاف الأول والآخر فإن الأول هو الذي لا بداية الله؛ ولأن الأول يُشعر بأن كل شيء عائدٌ إليه راجع إليه, مثال ذلك: (ﯱ ﯲ ﯳ) [يس/39] سمي العرجون القديم لما جاء العرجون الجديد، العرجون القديم هو البداية: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [يوسف/95], (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الشعراء/76].
كل هذا القدم له بداية, قالوا: لقد زعم بعضهم جاء في حديث بعض العلماء يقول هو يدل على وصفه بهذا وهم يقولون أنه لم يثبت, يعني يقول: أن هناك من وصف الله بأنه قديم طبقًا لما جاء في الحديث: «أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم» وإن كان وصفٌ للسلطان, ومن العلماء من لم يثبت وصف القديم.
قال: (أما الأولية والأخرية التي نص الله عليها في قوله) (ﯴ ﯵ ﯶ ﯾ)[الحديد/3] وصف المخلوق هنا بالأولية والآخرية, قال: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [المرسلات/16-17] فوصف المخلوق بالأول والآخر, لكن أولية المخلوق لها بداية. وآخرية المخلوق لها نهاية, أما أولية الرب فلا بداية لها وآخريته ليس لها نهاية.
ولهذا قال: (وَلَا شكّ أَن مَا وصف بِهِ الْخَالِق مِنْهَا لَائق بِكَمَالِهِ وجلاله وَمَا وصف بِهِ الْمَخْلُوقين مُنَاسِب لحالهم وعجزهم وفنائهم وافتقارهم) كذلك وصف الله نفسه بأنه واحد, فقال: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰇ) [البقرة/163], ووصف بعض المخلوقين بذلك قال: (ﮪ ﮫ ﮬ ﯛ) [الرعد/4].
كذلك وصف نفسه بالغنى فقال: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [إبراهيم/8], (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [التغابن/6]
إذًا وصف الله نفسه بالغنى, ووصف بعض المخلوقين بالغنى فقال: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﰏ) [النساء/6], (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭤ) [النور/32].
لكن غنى الله كامل لا يحتاج إلى أحدٍ من خلقه أما غنى المخلوق فهو نسبي محدد ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (صفات السلب جاءت في القرآن وصف الخالق ووصف المخلوق) لكن ما في مماثلة, ولذلك قال: (ولاشك أن ما وصف به الخالق منها لائقٌ بجلاله وكماله. وما وصف به المخلوق مناسب لحاله, وفنائه, وعجزه, وافتقاره).
(المتن)
الْكَلَام عَن الصِّفَات السَّبع ثمَّ نَذْهَب إِلَى الصِّفَات السَّبع الَّتِي يسمونها المعنوية، وَالتَّحْقِيق أَن عدد الصِّفَات السَّبع المعنوية الَّتِي هِيَ كَونه تَعَالَى قَادِرًا ومريدا وعالمًا وَحيًا وسميعًا وبصيرًا ومتكلمًا أَنَّهَا فِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا هِيَ كَيْفيَّة الاتصاف بالمعاني السَّبع الَّتِي ذكرنَا، وَمن عدهَا من الْمُتَكَلِّمين عدهَا بِنَاء على ثُبُوت مَا يسمونه الْحَال المعنوية الَّتِي يَزْعمُونَ أَنَّهَا وَاسِطَة ثبوتية لَا مَعْدُومَة وَلَا مَوْجُودَة.
وَالتَّحْقِيق أَن هَذِه خرافة وخيال وَأَن الْعقل الصَّحِيح لَا يَجْعَل بَين الشَّيْء ونقيضه وَاسِطَة الْبَتَّةَ، فَكل مَا لَيْسَ بموجود فَهُوَ مَعْدُوم قطعا، وكل مَا لَيْسَ بمعدوم فَهُوَ مَوْجُود قطعا، وَلَا وَاسِطَة الْبَتَّةَ كَمَا هُوَ مَعْرُوف عِنْد الْعُقَلَاء.
وَإذًا فقد مثلنَا لكَونه قَادِرًا وَحيًا ومريدًا وسميعًا وبصيرًا ومتكلمًا، وَلما جَاءَ فِي الْقُرْآن من وصف الْخَالِق بذلك، وَمَا جَاءَ فِي الْقُرْآن من وصف الْمَخْلُوق بذلك. وَبينا أَن صفة الْخَالِق لائقة بِكَمَالِهِ وجلاله وَأَن صفة الْمَخْلُوق مُنَاسبَة لحاله وفنائه وعجزه وافتقاره، فَلَا دَاعِي لِأَن يَنْفِي وصف رب السَّمَوَات وَالْأَرْض عَنهُ وَلَا نُشبههُ بِصِفَات المخلوقين، بل يلْزم أَن نقر بِوَصْف الله ونؤمن بِهِ فِي حَال كوننا منزهين لَهُ عَن مشابهة صفة الْمَخْلُوق
(الشرح)
المؤلف رحمه الله عاد مرةً أخرى يتكلم عن الصفات السبع وتسمى الصفات المعنوية وهي الصفات التي ذكرها الأشاعرة: الحياة, والكلام, والبصر, والسمع, والعلم, والقدرة, والإرادة, والكلام؛ ولهذا قال: (ثم نذهب إلى الصفات السبع التي يسمونها المعنوية وَالتَّحْقِيق أَن عدد الصِّفَات السَّبع المعنوية الَّتِي هِيَ كَونه تَعَالَى قَادِرًا، ومريدًا, وعالمًا, وحيًا, وسميعًا, وبصيرًا, ومتكلمًا) قال التحقيق أنها في الحقيقة إنما هي كيفية الاتصاف بالمعاني السبع التي ذكرنا. كيفية الاتصاف بالعلم ,كيفية الاتصاف بالقدرة.
قال: (وَمن عدهَا من الْمُتَكَلِّمين عدهَا بِنَاء على ثُبُوت مَا يسمونه الْحَال المعنوية الَّتِي يَزْعمُونَ أَنَّهَا وَاسِطَة ثبوتية لَا مَعْدُومَة وَلَا مَوْجُودَة) يعني: المتكلمون يسمونها الحالة المعنوية يعني يقولوا لها معاني وهذه المعاني يسمونها الحالة المعنوية (ويَزْعمُونَ أَنَّهَا وَاسِطَة ثبوتية لَا مَعْدُومَة وَلَا مَوْجُودَة).
يقول المؤلف: (وَالتَّحْقِيق أَن هَذِه خرافة وخيال) ما في شيء (وَاسِطَة ثبوتية لَا مَعْدُومَة وَلَا مَوْجُودَة) ما في شيء بين المعدوم والموجود إما المعدوم وإما الموجود، أما الشيء بين المعدوم والموجود هذا لا وجود له, خيال هذا، هذا خرافة.
فقولهم: إن كيفية الاتصاف بالمعاني بناءً على ثبوت الحالة المعنوية تكون واسطة ثبوتية بين المعدوم وبين الموجود يقول هذه خرافة ما في شيء بين المعدوم والموجود, الشيء إما معدوم وإما موجود, تقول هذا الشيء معدوم انتفى الوجود أو تقول هذا الشيء موجود انتفى العدم, أما الشيء بين المعدوم والموجود هذا لا يوجد واسطة بينهم.
ولهذا قال: (وَالتَّحْقِيق أَن هَذِه خرافة وخيال وَأَن الْعقل الصَّحِيح لَا يَجْعَل بَين الشَّيْء ونقيضه وَاسِطَة الْبَتَّةَ، فَكل مَا لَيْسَ بموجود فَهُوَ مَعْدُوم قطعًا وكل معدوم ليس بموجود) إذا قلت معدوم انتفى الوجود وإذا قلت موجود انتفى العدم, ما في واسطة بينهم كما هو معروف عند العقلاء.
قال المؤلف: (وَإذًا فقد مثلنَا لكَونه قَادِرًا وَحيًا ومريدًا وسميعًا وبصيرًا ومتكلمًا، وَلما جَاءَ فِي الْقُرْآن من وصف الْخَالِق بذلك، وَمَا جَاءَ فِي الْقُرْآن من وصف الْمَخْلُوق بذلك, وَبينا أَن صفة الْخَالِق لائقة بِكَمَالِ الله وجلاله وَأَن صفة الْمَخْلُوق مُنَاسبَة لحاله وفنائه وعجزه وافتقاره) يعني: هذه الصفات السبع يتصف بها الخالق وله الكمال ويتصف بها المخلوق وله ما يناسب حاله من النقص.
قال: (فَلَا دَاعِي لِأَن يَنْفِي وصف رب السَّمَوَات وَالْأَرْض عَنهُ وَلَا نُشبههُ بِصِفَات المخلوقين، بل يلْزم أَن نقر بِوَصْف الله) يعني: لا داعي بأن ينفى الوصف الذي وصف الله به نفسه, بل يلزم أن نقر بوصف الله ونؤمن به في حال كونه منزهين له عن مشابهة صفة المخلوق, الواجب على العبد أن يثبت الصفات لله عز وجل مع نفي المماثلة.
(المتن)
وَهَذِه صِفَات الْأَفْعَال جَاءَ فِي الْقُرْآن بِكَثْرَة وصف الْخَالِق بهَا وَوصف الْمَخْلُوق، وَلَا شكّ أَن مَا وصف بِهِ الْخَالِق مِنْهَا مُخَالف لما وصف بِهِ الْمَخْلُوق كالمخالفة الَّتِي بَين ذَات الْخَالِق وَذَات الْمَخْلُوق, وَمن ذَلِك أَنه وصف نَفسه جلّ وَعلا بِصفة الْفِعْل الَّتِي هِيَ أَنه يرْزق خلقه قَالَ جلّ وَعلا: (مَا أُرِيد مِنْهُم من رزق وَمَا أُرِيد أَن يطْعمُون (57) إِن الله هُوَ الرَّزَّاق ذُو الْقُوَّة المتين)[الذاريات/ 57-58].
(وَمَا أنفقتم من شَيْء فَهُوَ يخلفه وَهُوَ خير الرازقين)[سبأ/ 39], (قل مَا عِنْد الله خير من اللَّهْو وَمن التِّجَارَة وَالله خير الرازقين)[الْجُمُعَة/ 11].
وَوصف بعض المخلوقين بِصفة الرزق قَالَ: (وَإِذا حضر الْقِسْمَة أولُوا الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين فارزقوهم مِنْهُ)[النِّسَاء/ 8], (وَلَا تُؤْتوا السُّفَهَاء أَمْوَالكُم الَّتِي جعل الله لكم قيَاما وارزقوهم فِيهَا)[النِّسَاء/5], (وعَلى الْمَوْلُود لَهُ رزقهن)[الْبَقَرَة/233].
وَلَا شكّ أَن مَا وصف الله بِهِ من هَذَا الْفِعْل مُخَالف لما وصف بِهِ مِنْهُ الْمَخْلُوق كمخالفة ذَات الله لذات الْمَخْلُوق وَوصف نَفسه جلّ وَعلا بِصفة الْفِعْل الَّذِي هُوَ الْعَمَل قَالَ: (أَو لم يرَوا أَنا خلقنَا لَهُم مِمَّا عملت أَيْدِينَا أنعاما فهم لَهَا مالكون)[يس/ 71], وَوصف المخلوقين بِصفة الْفِعْل الَّتِي هِيَ الْعَمَل قَالَ: (إِنَّمَا تُجْزونَ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ)[الطّور/ 16].
وَلَا شكّ أَن مَا وصف بِهِ الْمَخْلُوق مُخَالف لَهُ كمخالفة ذَات الْخَالِق لذات الْمَخْلُوق وصف نَفسه بِأَنَّهُ يعلم خلقه: (الرَّحْمَن (1) علم الْقُرْآن (2) خلق الْإِنْسَان (3) علمه الْبَيَان)[الرَّحْمَن/ 1-4].
(اقْرَأ وَرَبك الأكرم (3) الَّذِي علم بالقلم (4) علم الْإِنْسَان مَا لم يعلم)[العلق/ 3-5], (وعلمك مَا لم تكن تعلم وَكَانَ فضل الله عَلَيْك عَظِيما).
وَوصف بعض خلقه بِصفة الْفِعْل الَّتِي هِيَ التَّعْلِيم أَيْضا قَالَ: (هُوَ الَّذِي بعث فِي الْأُمِّيين رَسُولا مِنْهُم يَتْلُوا عَلَيْهِم آيَاته ويزكيهم وَيُعلمهُم الْكتاب وَالْحكمَة)[الْجُمُعَة/ 2], وَجمع المثالين فِي قَوْله: (تعلمونهن مِمَّا علمكُم الله)[الْمَائِدَة/ 4]
وَوصف نَفسه جلّ وَعلا بِأَنَّهُ منبئ وَوصف الْمَخْلُوق بِأَنَّهُ ينبئ وَجمع بَين الْفِعْل فِي الْأَمريْنِ فِي قَوْله جلّ وَعلا: (وَإِذ أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا فَلَمَّا نبأت بِهِ وأظهره الله عَلَيْهِ عرف بعضه وَأعْرض عَن بعض فَلَمَّا نبأها بِهِ قَالَت من أَنْبَأَك هَذَا قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيم الْخَبِير)[التَّحْرِيم 3].
وَلَا شكّ أَن مَا وصف الله بِهِ من هَذَا الْفِعْل مُخَالف لما وصف بِهِ مِنْهُ العَبْد كمخالفة ذَات الْخَالِق لذات الْمَخْلُوق وَوصف نَفسه بِصفة الْفِعْل الَّذِي هُوَ الإيتاء قَالَ جلّ وَعلا: (يُؤْتِي الْحِكْمَة من يَشَاء)[الْبَقَرَة/ 269], (وَيُؤْت كل ذِي فضل فَضله)[هود/ 3].
وَوصف المخلوقين بِالْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الإيتاء قَالَ: (وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا)[النِّسَاء/ 20], (وَآتوا النِّسَاء صدقاتهن نحلة)[النِّسَاء/ 4], وَلَا شكّ أَن مَا وصف الله بِهِ من هَذَا الْفِعْل مُخَالف لما وصف لَهُ العَبْد من هَذَا الْفِعْل كمخالفة ذَاته لذاته.
(الشرح)
المؤلف رحمه الله هنا استعرض صفات الأفعال التي وصف بها نفسه ووصف بها المخلوق, ويبين أن الرب يتصف بالصفة لكن المخلوق يتصف بها, ولكن إذا اتصف بها الرب فله الكمال, وإذا اتصف بها المخلوق فله النقص المناسب لحاله, ولا يلزم من ذلك بالمماثلة، وهذه أخذها من رسالة التدمرية للشيخ ابن تيمية رحمه الله، المؤلف أخذها منه لأن ابن تيمية في رسالة التدمرية استعرض هذه الصفات وزاد عليها أيضًا؛ ولهذا المؤلف بين أن صفات الأفعال يوصف بها الرب ويوصف بها المخلوق ولكن لا مماثلة. كل له ما يليق به، المخلوق له ما يليق به والخالق له ما يليق به.
ولهذا قال المؤلف: (وَهَذِه صِفَات الْأَفْعَال جَاءَ فِي الْقُرْآن بِكَثْرَة) بكثرة جاءت في القرآن صفات الأفعال وصفات للخالق وصفات للمخلوق, وصف الخالق بها ووصف المخلوق بها، (وَلَا شكّ أَن مَا وصف بِهِ الْخَالِق مِنْهَا مُخَالف لما وصف بِهِ الْمَخْلُوق) معلوم ما يكون فعل الرب مثل فعل المخلوق لا يحصل كالمخالفة التي بين ذات الخالق وذات المخلوق.
هل هناك مماثلة بين ذات الخالق وذات المخلوق؟ ليس هناك مماثلة, إذًا لا يكون هناك مماثلة بين فعل الخلق وفعل المخلوق, ثم اختار من الأمثلة قال أولًا: الرزق قال: (وصف نَفسه جلّ وَعلا بِصفة الْفِعْل الَّتِي هِيَ أَنه يرْزق خلقه) قَالَ جلّ وَعلا: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الذاريات/58].
وقال: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [سبأ/39], وصف نفسه بأنه يرزق: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [الجمعة/11].
ووصف بعض الرازقين بصفة الرزق, فقال: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭳ) [النساء/8], يحتوي على مثل ما قال صفة الرازق لكن صفة الرازق هذه صفة الخالق الخلق صفة والرزق هو المخلوق (...) قال: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭳ) [النساء/8] إذًا وصفهم بأنهم مرزوقون، ووصف الرب نفسه بأنه يرزق لكن صفة الخالق غير صفة المخلوق.
كذلك: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯤ) [النساء/5], (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﰓ) [البقرة/233].
ثم قال المؤلف: (يبين عدم المماثلة ولا شك أن ما وصف به الله من هذا الفعل مخالف لما وصف به المخلوق.كمخالفة ذات الخالق لذات المخلوق).
في وصف العمل، وصف الله نفسه بالعمل ووصف المخلوق بالعمل, قال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭝ) [يس/71], ووصف المخلوق: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الطور/16] .
والوصف يختلف الخالق له الكمال والمخلوق له ما يناسبه؛ ولهذا قال: (ولا شك أن ما وصف به المخلوق مخالفٌ له كمخالفة ذات الخالق لذات المخلوق).
الصفة الثالثة: التعليم وصف الله نفسه بالتعليم ووصف المخلوق بالتعليم: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الرحمن/1-4], (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [العلق/1], (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [العلق/5], (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ)[النساء/113].
هذا وصف الله، وصف نفسه بأنه يعلم ووصف بعض خلقه بأنه يعلم قال: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯼ) [آل عمران/164], الرسول يعلم: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﯙ) [المائدة/4].
كذلك وصف آخر التنبئة، وصف الله نفسه بأنه منبئ ووصف المخلوق أنه ينبئ، وجمع بين الأمرين فقال: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [التحريم/3]
وصف نفسه بأنه ينبِئ ووصف المخلوق بأنه ينبَئ, والخالق له الكمال من التنبئة والمخلوق له ما يناسبه.
صفة ثالثة الإيتاء: وصف نفسه بصفة ثالثة وهي الإيتاء ووصف المخلوق بالإيتاء فقال: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯶ) [البقرة/ 269], (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯦ) [هود/3], وصف المخلوق: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭣ)[النساء/20], (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﯓ) [النساء/4].
ثم بين أن صفة الخالق له الكمال والمخلوق له ما يناسبه؛ ولهذا قال: (وَلَا شكّ أَن مَا وصف الله بِهِ من هَذَا الْفِعْل مُخَالف لما وصف لَهُ العَبْد من هَذَا الْفِعْل كمخالفة ذَاته لذاته).