شعار الموقع

شرح كتاب منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات_4

00:00
00:00
تحميل
106

بسم الله الرحمن الرحيم

   الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وعلمنا ما ينفعنا وأنفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، أما بعد: ...

(المتن)

   فيقول العلامة الشنقيطي رحمنا الله تعالى وإياه: التعطيل سَببه اعْتِقَاد التَّشْبِيه أَولًا فَاسْمَعُوا أَيهَا الإخوان نصيحة مُشفق، وَاعْلَمُوا أَن كل هَذَا الشَّرّ إِنَّمَا جَاءَ من مَسْأَلَة هِيَ نجس الْقلب وتلطخه وتدنسه بأقذار التَّشْبِيه.

فَإِذا سمع ذو الْقلب الْمُتَنَجس بأقذار التَّشْبِيه صفة من صِفَات الْكَمَال الَّتِي أثنى الله بهَا على نَفسه؛ كنزوله إِلَى السَمَاء الدُّنْيَا فِي ثلث اللَّيْل الْأَخير، وكاستوائه على عَرْشه، وكمجيئه يَوْم الْقِيَامَة وَغير ذَلِك من صِفَات الْجلَال والكمال أول مَا يخْطر فِي ذهن الْمِسْكِين أَن هَذِه الصّفة تشبه صفة الْخلق فَيكون قلبه متنجسًا بأقذار التَّشْبِيه, لَا يقدر الله حق قدره، وَلَا يعظم الله حق عَظمته، حَيْثُ يسْبق إِلَى ذهنه أَن صفة الْخَالِق تشبه صفة الْمَخْلُوق.

فَيكون أَولا: نجس الْقلب متقذر بأقذار التَّشْبِيه، فيدعوه شُؤْم هَذَا التَّشْبِيه إِلَى أَن يَنْفِي صفة الْخَالِق جلّ وَعلا عَنهُ بادعاء أَنَّهَا تشبه صِفَات الْمَخْلُوق فَيكون أَولًا مشبهًا وَثَانِيًا معطلاً فَصَارَ ابْتِدَاء أَو انْتِهَاء متهجما على رب الْعَالمين، يَنْفِي صِفَاته عَنهُ بادعاء أَن تِلْكَ الصّفة لَا تلِيق.

وَاعْلَمُوا أَن هُنَا قَاعِدَة أصولية أطبق عَلَيْهَا من يعْتد بِهِ من أهل الْعلم وَهِي أَن النَّبِي r لَا يجوز فِي حَقه تَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت الْحَاجة وَلَاسِيمَا فِي العقائد، وَلَو مشينا على فرضهم الْبَاطِل أَن ظَاهر آيَات الصِّفَات الْكفْر فالنبي r لم يؤول الاسْتوَاء بالِاسْتِيلَاء، وَلم يؤول شَيْئا من هَذِه التأويلات، وَلَو كَانَ المُرَاد بهَا هَذِه التأويلات لبادر النَّبِي r إِلَى بَيَانهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يجوز فِي حَقهِ تَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت الْحَاجة.

   فَالْحَاصِل أَنه يجب على كل مُسلم أَن يعْتَقد هَذَا الِاعْتِقَاد الَّذِي يحل جَمِيع الشّبَه ويجيب عَن جَمِيع الأسئلة؛ وَهُوَ أَن الْإِنْسَان إِذا سمع وَصفًا وصف بِهِ خَالق السَّمَوَات وَالْأَرْض نَفسه، أَو وَصفه بِهِ رَسُوله r فليملأ صَدره من التَّعْظِيم، ويجزم بِأَن ذَلِك الْوَصْف بَالغٌ من غايات الْكَمَال والجلال والشرف والعلو مَا يقطع جَمِيع علائق أَوْهَام المشابهة بَينه وَبَين صِفَات المخلوقين، فَيكون الْقلب منزهًا مُعظمًا لَهُ جلّ وَعلا غير مُتَنَجّسٍ بأقذار التَّشْبِيه، فَتكون أَرض قلبه قَابِلَة للْإيمَان والتصديق بِصِفَات الله الَّتِي تمدح بهَا وَأثْنى عَلَيْهِ بهَا نبيه r على غرار: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)[الشورى/11].

وَالشَّر كل الشَّرّ فِي عدم تَعْظِيم الله عز وجل، وَأَن يسْبق فِي ذهن الْإِنْسَان أَن صفة الْخَالِق تشبه صفة الْمَخْلُوق، فيضطر الْمِسْكِين أَن يَنْفِي صفة الْخَالِق بِهَذِهِ الدَّعْوَى الكاذبة الخائنة.

(الشرح)

   بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد: ...

   فإن المؤلف رحمه الله ذكر في هذا البحث نصيحة، نصيحة من مشفق, مشفقٍ على إخوانه المسلمين أنت تزل بهم القدم فيعطلوا الرب سبحانه وتعالى عن صفات الكمال.

  • وهذه النصيحة مكونة من أمرين:

   الأمر الأول: بيان أن الشر والفساد الذي دخل على أهل التعطيل، هو سببهُ أنهم إذا سمعوا صفات الله عز وجل، سمعوا ما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله r ظنوا أنها تشبه صفات المخلوقين، توهموا أنها تشبه صفات المخلوقين.

   فإذا سمعوا الله قال: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [طه/5]؛ قالوا استواء الله كاستواء المخلوق، استواء الله على عرشه كاستواء المخلوق على الدابة، فلما وقع في أذهانهم التشبيه قالوا: التشبيه ينزه عنه الرب، إذًا نعطل الصفة، فعطلوا الصفة.

   أولًا: وقع في أنفسهم التشبيه، فلما وقع في نفوسهم التشبيه عطلوه، ما معنى عطلوه؟ أي نفوا الصفة، لما سمعوا قول الله تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [طه/5]؛ قالوا: ما نعرف الاستواء إلا مثل استواء الإنسان على الدابة؛ بحيث إذا سقطت الدابة سقط الإنسان.

   فقيل كذلك: أن الرب لو كان مستويًا على العرش فسقط العرش وسقط الرب، هكذا يقولون، فلما توهموا أن صفة الخالق تشبه صفة المخلوق عطلوه، ما معنى عطلوها؟ نفوها، فقالوا إن الله ليس مستويًا على العرش.

   ولما نفوا الصفة كانوا لا يبالون يضعون مكانها ما يريدون، مكان الاستواء الاستيلاء، الرحمة قالوا لا تليق بالله نضع مكانها الإنعام، الغضب ما يليق بالله نضع مكانه الانتقام، الرضا ما يليق بالله نضع مكانه الثواب، وهكذا.

   يعني وقع في أنفسهم التشبيه أولًا، فلما وقع في أنفسهم التشبيه وظنوا أن الصفة التي وصف الله به نفسه، أو وصفها به رسوله r لما ظنوا التشبيه شبهوا أولًا فعطلوا ثانيًا نفوا الصفات.

   وحينما نفوا الصفة كانوا لا يبالون بأن يبدلوها مكانها أي صفةٍ شاءوا، فالرضا قالوا لا يليق بالله إذًا نفسره بالثواب، الغضب لا يليق بالله إذًا نفسره بالانتقام، الرحمة لا تليق بالله نفسرها بالإنعام، الاستواء لا يليق بالله نفسره بالاستيلاء، قد شبهوا أولًا، ثم عطلوا ثانيًا، هذه النقطة الأولى.

   النقطة الثانية: اعلموا أن عند أهل العلم قاعدة أصولية وهي أن لا يجوز (تَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت الْحَاجة)؛ فلو كان معنى الاستواء الاستيلاء ما سكت الرسول عليه الصلاة والسلام, الرسول مبُلغ عن الله، كيف يسكت ولا يبين؟! لو كان الاستواء بمعنى الاستيلاء لبينه و(لَا يجوز تَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت الْحَاجة)، هذا النصيحة (..).

   يقول: (فَاسْمَعُوا أَيهَا الأخوان نصيحة مُشفق وَاعْلَمُوا أَن كل هَذَا الشَّرّ إِنَّمَا جَاءَ من مَسْأَلَة هِيَ نجس الْقلب وتلطخه وتدنسه بأقذار التَّشْبِيه)؛ يعني شبه التشبيه المؤلف بالنجاسة.

   نعم؛ هي نجاسة معنوية ما هي نجاسة حسية، النجاسة الحسية هي التي تصيب الثوب، وتصيبه بالبلل، أي نجاسة حسية ترى سهلة دي أسهل, النجاسة الحسية كما النجاسة المعنوية؛ لأن النجاسة الحسية لو جاءت على الثوب أو البدن تغسلها وتطهر.

   لكن نجاسة القلب ما في حيلة، تحتاج إلى توبة وطهارة من الغِل والحِقد والحسد، فإذا تنجس القلب وتلطخ بالتشبيه لا حياة فيه.

   قال: (فَإِذا سمع ذو الْقلب الْمُتَنَجس بأقذار التَّشْبِيه صفة من صِفَات الْكَمَال الَّتِي أثنى الله بهَا على نَفسه كنزوله إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا)؛ قال ما يليق النزول، إذًا معناها نزول الرحمة.

   (وكاستوائه على عَرْشه)؛ كذلك ما يليق, بل هو الاستيلاء.

   (وكمجيئه يَوْم الْقِيَامَة وَغير ذَلِك من صِفَات الْجلَال والكمال أول مَا يخْطر فِي ذهن الْمِسْكِين أَن هَذِه الصّفة تشبه صفة الْخلق) فحينئذٍ يكون القلب متنجس بالتشبيه.

   (لَا يقدر الله حق قدره وَلَا يعظم الله يسْبق إِلَى ذهنه أَن صفة الْخَالِق تشبه صفة الْمَخْلُوق)؛ فحينئذٍ ماذا يعمل؟ (فيدعوه شُؤْم هَذَا التَّشْبِيه إِلَى أَن يَنْفِي صفة الْخَالِق)؛ ينفيها عن الله، ينفي صفة الاستواء ويفسرها كيف شاء، إذا نفاها فسرها بأي شيء.

   (فيدعوه شُؤْم هَذَا التَّشْبِيه إِلَى أَن يَنْفِي صفة الْخَالِق جلّ وَعلا عَنهُ بادعاء أَنَّهَا تشبه صِفَات الْمَخْلُوق فَيكون أَولا مشبها وَثَانِيا معطلا فَصَارَ)؛ في الابتداء مشبه وفي الانتهاء معطل، (متهجمًا على رب الْعَالمين يَنْفِي صِفَاته عَنهُ بادعاء أَن تِلْكَ الصّفة لَا تلِيق).

   النقطة الثانية قال: (وَاعْلَمُوا أَن هُنَا قَاعِدَة أصولية أطبق عَلَيْهَا من يعْتد بِهِ من أهل الْعلم وَهِي أَن النَّبِي r لَا يجوز فِي حَقه تَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت الْحَاجة وَلَا سِيمَا فِي العقائد، وَلَو مشينا على فرضهم الْبَاطِل أَن ظَاهر آيَات الصِّفَات الْكفْر فالنبي r لم يؤول الاسْتوَاء بالِاسْتِيلَاء).

   أهل البدع يقولون: ظاهر النصوص لو أجرينا الصفة على ظاهرها لكان ظاهرها الكفر، ظاهر الاستواء ما هو؟ (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [طه/5]؛ قالوا: ظاهره أن الرب مستوٍ على العرش. وما هو الاستواء؟.

   الاستواء معناه كون الذات على ذات، كون الذات على ذات، قالوا هذا ما يليق بالله، لو مشينا على هذا على ظاهر النص لوصف، فالذي يمشي على هذا ظاهر الكفر، يصل إلى الكفر، كيف ذلك؟.

   قالوا: لو مشينا على ظاهر النص لقلنا إن الرب مستوي على العرش، ومعناه مستوٍ على العرش بمعنى ذات على ذات، فيكون معنى ذلك أنه متحيز في جهة، ويكون مشابه للخلق، ويكون محدود، ويكون متحيز، وهذا كفر، من اتخذه فهو كافر.

   من اعتقد أن الرب أن ذات الرب على ذات العرش وأنه متحيز، وأنه محدود، وأنه في جهة، قالوا: فهذا كفر، إذًا ظاهر أنه كفر، الذي يجب تأويله قطعًا هكذا يقولون؛ لأن يعتقد الإنسان الكفر.

        اليد، (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭬ) [الفتح/10]؛ قالوا: لو أتينا اليد على ظاهرها لكان هذا كفر؛ لأن هذا فيه تشبيه، فمن قال أن يد الله مثل يد المخلوق كفر، إذا قلنا أنها يدٍ حقيقية هذا كفر، إذًا نروح نؤولها، اليد معناها القدرة أو النعمة وهكذا.

   وهذا معنى قول المؤلف: (وَلَو مشينا على فرضهم الْبَاطِل أَن ظَاهر آيَات الصِّفَات الْكفْر فالنبي r لم يؤول الاسْتوَاء)؛ نقول: الرسول ما أول، ما يعرف الرسول يؤول؟ الرسول أليس فصيحًا؟ من أفصح الناس، لماذا ما أول للأمة قال الاستواء استيلاء؟!.

   لماذا الرسول ما قال الاستواء معناها الاستيلاء؟ لماذالم يقول للأمة أن اليد معناها القدرة؟ لماذا ما قال للأمة الرحمة معناه الإنعام؟ لماذا ما قال للأمة الغضب معناها الانتقام؟ لماذا ما قال للأمة الرضا معناها الصواب؟ ما يعرف الرسول يقول هذا؟! أليس أفصح الناس؟ أليس أفصح الناس؟ أليس أعدل الناس؟ أليس أشجع الناس، لماذا لم يؤول!؟.

   إذًا أنتم خونتم الرسول، قلتم الرسول خائن، جعلتم الرسول خائن، جعلتم الرسول جبان ما يستطيع، جعلتم الرسول عنده عي ما يستطيع، كل هذه لازمةٌ له، لازمة لأهل البدع الذين أولوا الصفات.

   المؤلف قال الخلاصة: أنه (يجب على كل مُسلم أَن يعْتَقد هَذَا الِاعْتِقَاد الَّذِي يحل جَمِيع الشّبَه)؛ وهو أنه إذا سمع صفةً وصف الله بها نفسه.

   (فليملأ صَدره من التَّعْظِيم ويجزم بِأَن ذَلِك الْوَصْف بَالغ من غايات الْكَمَال والجلال والشرف والعلو مَا يقطع جَمِيع علائق أَوْهَام المشابهة بَينه وَبَين صِفَات المخلوقين)؛ إذا امتلأ صدر الإنسان بالتعظيم والإجلال قطع ما في نفسه من وهم التشبيه.

 (فَيكون الْقلب منزها مُعظما لَهُ جلّ وَعلا فَتكون أَرض قلبه قَابِلَة للْإيمَان والتصديق بِصِفَات الله الَّتِي تمدح بهَا) نفسه، على حد قول الله (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الشورى/11].

   (وَالشَّر كل الشَّرّ فِي عدم تَعْظِيم)؛ جاءه هذا من عدم تعظيم الله؛ لأنه سبق في أذهانهم (أَن صفة الْخَالِق تشبه صفة الْمَخْلُوق)، قال: (فيضطر الْمِسْكِين أَن يَنْفِي صفة الْخَالِق بِهَذِهِ الدَّعْوَى الكاذبة الخائنة).

(المتن)

   وَلَا بُد فِي هَذَا الْمقَام من نقط يتَنَبَّه إِلَيْهَا طَالب الْعلم, القَوْل فِي الصِّفَات جَمِيعهَا من بَاب وَاحِد.

أَولا: أَن يعلم طَالب الْعلم أَن جَمِيع الصِّفَات من بَاب وَاحِد إِذْ لَا فرق بَينهَا الْبَتَّةَ؛ لِأَن الْمَوْصُوف بهَا وَاحِد وَهُوَ جلّ وَعلا لَا يشبه الْخلق فِي شَيْء من صفاتهم الْبَتَّةَ، فَكَمَا أَنكُمْ أثبتم لَهُ سمعا وبصرا لائقين بجلاله لَا يشبهان شَيْئا من أسماع الْحَوَادِث وأبصارهم فَكَذَلِك يلْزم أَن تجروا هَذَا بِعَيْنِه فِي صفة الاسْتوَاء وَالنُّزُول والمجيء إِلَى غير ذَلِك من صِفَات الْجلَال والكمال الَّتِي أثنى الله بهَا على نَفسه، وَاعْلَمُوا أَن رب السَّمَوَات وَالْأَرْض يَسْتَحِيل عقلا أَن يصف نَفسه بِمَا يلْزمه مَحْذُور وَيلْزمهُ محَال أَو يُؤَدِّي إِلَى نقص كل ذَلِك مُسْتَحِيل عقلا، فَإِن الله لَا يصف نَفسه إِلَّا بِوَصْف بَالغ من الشّرف والعلو والكمال، مَا يقطع جَمِيع علائق أَوْهَام المشابهة بَينه وَبَين صِفَات المخلوقين على حد قَوْله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)[الشورى/11].

(الشرح)

   المؤلف رحمه الله يقول هنا: (نقط يتَنَبَّه إِلَيْهَا طَالب الْعلم), تنبيهات، المؤلف ينبه على مسائل أو بالأحرى قواعد، قواعد عند أهل السُنة والجماعة سماها نقط.

   قال: (وَلَا بُد فِي هَذَا الْمقَام من نقط يتَنَبَّه إِلَيْهَا طَالب الْعلم)؛ والأصل أنها قواعد، هذه قواعد عند أهل السُنة والجماعة..

   القاعدة الأولى: (القَوْل فِي الصِّفَات جَمِيعهَا من بَاب وَاحِد)؛ لأن الصفات كلها شيءُ واحد، القول في الصفات كالقول في البعض الآخر، (القَوْل فِي الصِّفَات جَمِيعهَا من بَاب وَاحِد).

   شيخ الإسلام ابن تيمية في التدمرية قال: (القول في الصفات كالقول في البعض الآخر)، القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر.

   المعنى: أن الصفات كلها من بابٍ واحد، يقال في واحدةٍ ما يقال في الجميع، ما يقال في الجميع يقال في واحدة، فمثلًا السمع هذه صفة لله، إذًا نقول يجب إثبات السمع لله على ما يقضي بجلال الله وعظمته من غير تجسيد ولا تمثيل.

   نقول: الله تعالى له صفة السمع ولا يشبه سمع المخلوقين، (..) بصفات المخلوقين، وهكذا يقال في البصر، كذلك ويقال في العلم، كذلك والقدرة، والاستواء، والضحك، والعذاب، والعلو، وسائر الصفات.

   القول في الصفات كالقول في البعض الآخر، لا فرق بينها، والمعتزلة والأشاعرة يقولون السمع والبصر صفتان حقيقيتان، لكن الغضب والرضا يقولون لا مجاز، الغضب يقول لا يليق بالله يفسره بالانتقام، والرضا يفسره بالثواب، وكذلك سائر الصفات.

   يقول المؤلف: لماذا السمع والبصر تقولون صفتان لا تليق بالله، ولا تقولون إن الغضب والرضا صفتان لا تليق بالله؟ الصفات واحد بابها واحد، الصفات بابها واحد وهذه القاعدة، الصفات بابها واحد، أو القول في الصفات كالقول في البعض، (القَوْل فِي الصِّفَات جَمِيعهَا من بَاب وَاحِد)؛ واضح هذا؟.

   يقول المؤلف: فكما أجريتم السمع والبصر، قلتم أنهما تليقان بالله فكذلك تقولون بقية الصفات كالاستواء، والنزول، والمجيء، ولا يظن هذا محذور، ما يظن هذا محذور.

   قال: (وَاعْلَمُوا أَن رب السَّمَوَات وَالْأَرْض يَسْتَحِيل عقلاً أَن يصف نَفسه بِمَا يلْزمه مَحْذُور)؛ ما يمكن يصف الرب نفسه بصفة وفيها محذور، أو تؤدي إلى محال، أو تؤدي إلى نقص، صفة الله ليس فيها محال، وليس فيها نقص؛ بل هي بالغة الكمال والحسن والجمال والدلال والعظمة، بالغة كل الكمال، ليست فيها نقص، وليس فيها محذور، ولا تؤدي إلى أي نقص، واضح هذا؟.

   على حد قَوْله: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الشورى/11].

(المتن)

   القَوْل فِي الصِّفَات كالقول فِي الذَّات.

الثَّانِي أَن تعلمُوا أَن الصِّفَات والذات من بَابٍ وَاحِد، فَكَمَا أننا نثبت ذَات الله جلّ وَعلا إِثْبَات وجود وإيمان لَا إِثْبَات كَيْفيَّة مكيفة محددة فَكَذَلِك نثبت لهَذِهِ الذَّات الْكَرِيمَة المقدسة صِفَات إِثْبَات وإيمان وَوُجُود لَا إِثْبَات كَيْفيَّة وتحديد.

(الشرح)

   هذه القاعدة الثانية: (القَوْل فِي الصِّفَات كالقول فِي الذَّات)؛ وبيان ذلك أن الله تعالى له ذاتُ لا تشبه الذوات، ذاتٌ حقيقية لا تشبه الذوات، وكذلك له الصفات الحقيقية التي لا تشبه الصفات هذه قاعدة.

   فإذا قيل: ما كيفية الصفات؟.

   فنقول: ما كيفية الذات؟ فإذا قال أنه لا يعرف كيفية الذات ما يعلمها إلا الله، فنقول نحن لا نعلم كيفية الصفات ما يعلمها إلا الله، (القَوْل فِي الصِّفَات كالقول فِي الذَّات).

   فلله ذاتٌ لا تشبه الذوات، وله صفاتٌ لا تشبه الصفات، فلله ذاتٌ لا نكيفها ولا نحددها، فكذلك له صفات لا نكيفها ولا نحددها، فإثباتنا للذات (إِثْبَات وجود وإيمان لَا إِثْبَات كَيْفيَّة مكيفة محددة فَكَذَلِك إثبات الصفات)، إثبات وجود وإيمان (لَا إِثْبَات كَيْفيَّة وتحديد).

(المتن)

   هَل آيَات الصِّفَات هِيَ من الْمُتَشَابه؟ وَاعْلَمُوا أَن آيَات الصِّفَات كثير من النَّاس يُطلق عَلَيْهَا اسْم الْمُتَشَابه، وَهَذَا من جِهَة غلط، وَمن جِهَة قد يسوغ كَمَا بَينه الإِمَام مَالك بن أنس بقوله: الاسْتوَاء غير مَجْهُول والكيف غير مَعْقُول وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب.

كَذَلِك يُقَال فِي النُّزُول النُّزُول غير مَجْهُول والكيف غير مَعْقُول وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب واضطراده فِي جَمِيع الصِّفَات؛ لِأَن هَذِه الصِّفَات مَعْرُوفَة عِنْد الْعَرَب إِلَّا أَن مَا وصف بِهِ خَالق السَّمَوَات وَالْأَرْض مِنْهَا أكمل وَأجل وَأعظم من أَن يشبه شَيْئا من صِفَات المخلوقين، كَمَا أَن ذَات الْخَالِق جلّ وَعلا حق والمخلوقون لَهُم ذَوَات وَذَات الْخَالِق جلّ وَعلا أكمل وأنزه وَأجل من أَن تشبه شَيْئا من ذَوَات المخلوقين.

فعلى كل حَال الشَّرّ كل الشَّرّ فِي تَشْبِيه الْخَالِق بالمخلوق وتنجيس الْقلب بقذر التَّشْبِيه، فالإنسان الْمُسلم إِذا سمع صفة وصف بهَا الله أول مَا يجب عَلَيْهِ أَن يعْتَقد أَن تِلْكَ الصّفة بَالِغَة من الْجلَال والكمال مَا يقطع علائق أَوْهَام المشابهة بَينه وَبَين صِفَات المخلوقين، فَتكون أَرض قلبه طيبَة طَاهِرَة قَابِلَة للْإيمَان بِالصِّفَاتِ على أساس التَّنْزِيه على نَحْو (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)[الشورى/11].

(الشرح)

هذه القاعدة الثالثة وهي: أن آيات الصفات هل هي من المتشابه، أو ليست من المتشابه؟ أو بالأحرى نصوص الصفة، يقول المؤلف: نصوص الصفات؛ حتى يشمل النصوص من الكتاب ومن السُنة.

   هل نصوص الصفات من المتشابه أو ليس من ا لمتشابه؟.

   الجواب: هي متشابهةُ من جهة وليست متشابهةُ من جهة، من جهة المعنى ليست متشابهة بل هي واضحة، ومن جهة الكيفية متشابهة لا يعلمها إلا الله، هذا خلاصة هذا الكلام، خلاصة هذه النصوص.

   هل نصوص الصفات متشابهة، ولا غير متشابهة؟.

   الجواب: متشابهة من وجه وغير متشابهةٍ من وجه، فالوجه الذي فيه غير متشابهة المعنى، المعنى واضح في القسم الثالث، والوجه الذي فيه متشابهة لا يعلمها إلا الله وهي الكيفية.      

   فمثلًا الاستواء، الاستواء المعنى غير متشابه، معناها كما قال الإمام مالك رحمه الله: الاستواء معلوم، معلوم في اللغة العربية معناه أربع معاني: استقر، وعلا، وصعد، وارتفع، هذا معنى الاستواء في اللغة.

   إذًا الاستواء معناه غير متشابه، لكن كيفية استواء الرب هذا متشابه لا يعلمه إلا الله، واضح هذا! هذا هو الاستواء.

   ولهذا قال المؤلف: (وَاعْلَمُوا أَن آيَات الصِّفَات كثير من النَّاس يُطلق عَلَيْهَا اسْم الْمُتَشَابه)؛ مثل ما قال الإمام مالك لما سُئل عن الاستواء، قال: الاستواء معلوم، يعني معلوم المعنى، والكيف مجهول هذا المتشابه، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (وَاعْلَمُوا أَن آيَات الصِّفَات كثير من النَّاس يُطلق عَلَيْهَا اسْم الْمُتَشَابه وَهَذَا من جِهَة غلط وَمن جِهَة قد يسوغ كَمَا بَينه الإِمَام مَالك بن أنس بقوله الاسْتوَاء غير مَجْهُول)؛ يعني معلوم، غير مجهول لأن معناه في اللغة العربية معلوم.

   (الكيف غير مَعْقُول)؛ يعني غير معلوم.

   (وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب، كَذَلِك يُقَال فِي النُّزُول النُّزُول غير مَجْهُول والكيف غير مَعْقُول وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب)؛ وكذلك يقال في العلم، العلم غير مجهول، والكيف غير معقول، وكذا يقال في القدرة، ويقال في السمع، ويقال في البصر، ويقال في العلو، وكثير من الصفات.

   قال: (واضطراده فِي جَمِيع الصِّفَات لِأَن هَذِه الصِّفَات مَعْرُوفَة عِنْد الْعَرَب)؛ معروف يعني معناها.

   (إِلَّا أَن مَا وصف بِهِ خَالق السَّمَوَات وَالْأَرْض مِنْهَا أكمل وَأجل وَأعظم من أَن يشبه شَيْئا من صِفَات المخلوقين كَمَا أَن ذَات الْخَالِق حق والمخلوقون لَهُم ذَوَات وَذَات الْخَالِق جلّ وَعلا أكمل وأنزه وَأجل من أَن تشبه شَيْئًا من ذَوَات المخلوقين)؛ يعني كما أن الخالق له ذات والمخلوقون لهم ذوات، وذات الخالق أكمل وأجل، فكذلك المخلوقون لهم صفات والخالق له صفات، وصفات الخالق أكمل وأجل.

   ثم بيّن المؤلف رحمه الله قال مرة ثانية كما بدأ قال: (فعلى كل حَال الشَّرّ كل الشَّرّ فِي تَشْبِيه الْخَالِق بالمخلوق وتنجيس الْقلب بقذر التَّشْبِيه، فالإنسان الْمُسلم إِذا سمع صفة وصف بهَا الله أول مَا يجب عَلَيْهِ أَن يعْتَقد أَن تِلْكَ الصّفة بَالِغَة من الْجلَال والكمال مَا يقطع علائق أَوْهَام المشابهة بَينه وَبَين صِفَات المخلوقين، فَتكون أَرض قلبه طيبَة طَاهِرَة قَابِلَة للْإيمَان بِالصِّفَاتِ على أساس التَّنْزِيه على نَحْو: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)[الشورى/11]), هذا أعاده المؤلف مرة ثانية.

(المتن)

   لَيْسَ ظَاهر الصِّفَات التَّشْبِيه حَتَّى تحْتَاج إِلَى تَأْوِيل وَهنا سُؤال لَا بُد من تَحْقِيقه لطَالب الْعلم أَولا اعلموا أَن الْمُقَرّر فِي الْأُصُول أَن الْكَلَام إِن دلّ على معنى لَا يحْتَمل غَيره فَهُوَ الْمُسَمّى نصا كَقَوْلِه مثلاً: (تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ)[البقرة/196].

فَإِذا كَانَ يحْتَمل مَعْنيين أَو أَكثر فَلَا يَخْلُو من حالتين:

إِمَّا أَن يكون أظهر فِي أحد الِاحْتِمَالَيْنِ من الآخر وَأما أَن يتساوى بَينهمَا فَإِن كَانَ الِاحْتِمَال يتساوى بَينهمَا فَهَذَا الَّذِي يُسمى فِي الِاصْطِلَاح الْمُجْمل كَمَا لَو قلت عدا اللُّصُوص البارحة على عين زيد فَإِنَّهُ يحْتَمل أَن تكون عينه الباصرة عوروها أَو عينه الْجَارِيَة غوروها أَو عينه ذهبه وفضته سرقوها.

   فَهَذَا مُجمل وَحكم الْمُجْمل أَن يتَوَقَّف عَنهُ إِلَّا بِدَلِيل على التفصيل، أما إِذا كَانَ نصًا صَرِيحًا فالنص يعْمل بِهِ وَلَا يعدل عَنهُ إِلَّا بِثُبُوت النّسخ، فَإِذا كَانَ أظهر فِي أحد الِاحْتِمَالَيْنِ فَهُوَ الْمُسَمّى بالظَّاهِر وَمُقَابِله يُسمى مُحْتملًا مرجوحًا، وَالظَّاهِر يجب الْحمل عَلَيْهِ إِلَّا لدَلِيلٍ صَارف عَنهُ؛ كَمَا لَو قلت رَأَيْت أسدا فَهَذَا مثلاً ظَاهر فِي الْحَيَوَان المفترس مُحْتَمل للرجل الشجاع.

   وَإِذًا فَنَقُول فَالظَّاهِر الْمُتَبَادر من آيَات الصِّفَات من نَحْو قَوْله: (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)[الفتح/10].

وَمَا جرى مجْرى ذَلِك هَل نقُول الظَّاهِر الْمُتَبَادر من هَذِه الصّفة هُوَ مشابهة الْخلق حَتَّى يجب علينا أَن نؤول ونصرف اللَّفْظ عَن ظَاهره أَو ظَاهرهَا الْمُتَبَادر مِنْهَا تَنْزِيه رب السَّمَوَات وَالْأَرْض حَتَّى يجب علينا أَن نقره على الظَّاهِر من التَّنْزِيه؟

   الْجَواب: أَن كل وصف أسْند إِلَى رب السَّمَوَات وَالْأَرْض فَظَاهره الْمُتَبَادر مِنْهُ عِنْد كل مُسلم هُوَ التَّنْزِيه الْكَامِل عَن مشابهة الْخلق، فَإِقْرَاره على ظَاهره هُوَ الْحق وَهُوَ تَنْزِيه رب السَّمَوَات وَالْأَرْض عَن مشابهة الْخلق فِي شَيْء من صِفَاته، فَهَل يُنكر عَاقل أَن الْمُتَبَادر للأذهان السليمة أَن الْخَالِق يُنَافِي الْمَخْلُوق فِي ذَاته وَسَائِر صِفَاته؟ لَا وَالله لَا يُعَارض فِي هَذَا إِلَّا مكابر.

(الشرح)

هذه المسألة، وهو هل ظاهر الصفات التشبيه حتى يحتاج إلى تأويل؟.

   المؤلف رحمه الله قال: نبين لكم الآن مسألة مقررة في الأصول، أقر مسألة أصولية وهي أن الكلام إن دلّ على معنًى لا يحتمل غيره:

  1. إما يدل على معنى واحد لا يحتمل غيره.
  2. وإما أن يدل على معنيين أحدهما أظهر من الآخر.
  3. وإما أن يدل على معنيين متساويين.

   فإن دلّ على معنى واحد فهذا يكون من النص، وإن دلّ على معنيين أحدهما أظهر من الآخر يسمى الظاهر، وإن دلّ على معنيين محتملين متساويين فهذا يسمى المجمل.

   كم صار الآن؟ ثلاثة، (أَن الْكَلَام إِن دلّ على معنى لَا يحْتَمل غَيره) يسمى إيه؟ النص، إن دلّ على معنيين أحدهما أظهر من الآخر يسمى الظاهر، إن دل على معنيين متساويين يسمى المجمل، طيب.

المثال الأول: النص قوله تعالى: (ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰣ) [البقرة/196]. هذا نصٌ في أن عشرة، هل يحتمل تسعة ولا يحتمل إحدى عشر؟ ما يحتمل نص كده(ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰣ) [البقرة/196]. طيب هذا مثال لماذا؟ النص الكلام الذي يدل على معنًا واحد.

   مثال الكلام الذي يحتمل معنيين أحدهما أظهر من الآخر إذا قلت: " رَأَيْت أسدًا " وسكت، يحتمل أنه المراد بالأسد المفترس، ويحتمل أن مراده الرجل الشجاع، لكن أيهما أظهر؟.

   على حسب الحيوان المفترس، إذا قال رأيت أسدًا يتبادر إلى ذهنك ما هو؟ الأسد المفترس، ويحتمل أنه الرجل الشجاع، لكن ذلك ضعيف، إذًا نحمله على أي شيء؟ نحمله على الظاهر.

   إلا إذا وجدت قرينة؛ كأن تقول: رأيت أسدًا يتكلم، رأيت أسدًا يتكلم وفي الفخر، هذا طبعًا المراد به الشجاع، رأيت أسدًا يقاتل الأعداء بسيفه، هذا الشجاع، وإذا قلت رأيت أسدًا يزأر على لبوته مثلًا، هذا ماهو؟ هذا لفظ، فيحتمل غير ما يحتمل، قال يكون من النوع الأول، طيب.

   المعنى الثالث: أن يكون ألا الكلام يحتمل معنيين متساويين مثاله؟ مثل ما مثل المؤلف يقول: قول الشخص: (عدا اللُّصُوص البارحة على عين زيد) ما المراد بالعين؟.

   العين تطلق على عين الباصرة، وتطلق على العين الذهب والفضة، وتطلق على العين عين الجاسوس، وتطلق العين عين العائل أيضًا، هذا محتمل ما في بينة، (عدا اللُّصُوص البارحة على عين زيد)؛ يقول: (إِنَّهُ يحْتَمل أَن تكون عينه الباصرة عوروها)؛ يعني فقعوا عينه.

   عدا اللصوص على عين زيد يعني عوروها جعلوها عوراء، ويحتمل أن تكون عينه ماذا؟ (الْجَارِيَة غوروها)؛ يعني سحبوا الماء اللي في العين الجارية، ويحتمل أن الذهب والفضة سرقوها، ما في دليل يدل على هذا؟.

   (فَهَذَا مُجمل وَحكم الْمُجْمل) ما هو؟ يتوقف إلا بدليل ما ندري، عدا اللصوص على عين زيد البارحة بس ما ندري، لابد يأتينا دليل يبين لنا، هل هي العين الباصرة، ولا عين الذهب والفضة، ولا العين الجارية؟

   نتوقف إلا بدليل، إذا كان يحتمل على أي واحد دون الآخر نحمله على أي شيء، نحمله على المعنى الظاهر إلا بدليل، مثل قلت: رأيت أسدًا تحمله على ماذا؟ على الحيوان المفترس إذا كان نص نحمله عليه.

   طيب؛ آية الصفات من أي هذه الأنواع؟ هل هي نص أو ظاهر أو ماذا؟ ولا مجمل؟ لما قال الرب: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [طه/5]. على أي الأنواع الثلاثة؟ هل هي مجمل ولا ظاهر ولا نص؟.

   ظاهرها إثبات الصفات، ظاهر، ولا يجوز لنا أن نصرفها عن ظاهرها إلا بدليل، وليس هناك دليل يدل على صرفها عن ظاهرها، توافق هذا.

   ولهذا لما ذكر المؤلف: (وَإِذا فَنَقُول فَالظَّاهِر الْمُتَبَادر من آيَات الصِّفَات من نَحْو قَوْله: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭬ) [الفتح/10]. وَمَا جرى مجْرى ذَلِك، هَل نقُول الظَّاهِر الْمُتَبَادر من هَذِه الصّفة هُوَ مشابهة الْخلق حَتَّى يجب علينا أَن نؤول ونصرف اللَّفْظ عَن ظَاهرهلا، ليس ظاهره مشابهة الخلق.

   (أَو ظَاهرهَا الْمُتَبَادر مِنْهَا تَنْزِيه رب)؛ نعم، ظاهرها المتبادر إلى الذهن هو رب السموات.

(والْجَواب أَن كل وصف أسْند إِلَى رب السَّمَوَات وَالْأَرْض فَظَاهره الْمُتَبَادر مِنْهُ عِنْد كل مُسلم هُوَ التَّنْزِيه الْكَامِل عَن مشابهة الْخلق، فَإِقْرَاره على ظَاهره هُوَ الْحق وَهُوَ تَنْزِيه رب السَّمَوَات وَالْأَرْض عَن مشابهة الْخلق، فَهَل يُنكر عَاقل أَن الْمُتَبَادر للأذهان السليمة أَن الْخَالِق يُنَافِي الْمَخْلُوق فِي ذَاته وَسَائِر صِفَاته؟ لَا وَالله لَا يُعَارض فِي هَذَا إِلَّا مكابر)، نعم.

(المتن)

   مناقشة الْمُتَكَلِّمين وإلزامهم الْحق بِمُقْتَضى قواعدهم، ثمَّ بعد هَذَا الْبَحْث الَّذِي ذكرنَا نحب أَن نذْكر كلمة قَصِيرَة لجَماعَة قرؤوا فِي الْمنطق وَالْكَلَام وظنوا نفي بعض الصِّفَات من أَدِلَّة كلامية كَالَّذي يَقُول مثلا لَو كَانَ مستويًا على الْعَرْش لَكَانَ مشابها للحوادث، لكنه غير مشابه للحوادث ينْتج فَهُوَ غير مستو على الْعَرْش. هَذِه النتيجة الْبَاطِلَة تضَاد سبع آيَات من الْمُحكم الْمنزل.

ولكننا الْآن نقُول فِي مثل هَذَا على طَرِيق المناظرة والجدل الْمَعْرُوف عِنْد الْمُتَكَلِّمين نقُول هَذَا قِيَاس استثنائي مركب من شَرْطِيَّة مُتَّصِلَة لزومية واستثنائية، اسْتثْنى فِيهِ نقيض التَّالِي فأنتج نقيض الْمُقدم حسب مَا يرَاهُ مُقيم هَذَا الدَّلِيل، وَنحن نقُول أَنه تقرر عِنْد عَامَّة النظار أَن الْقيَاس الاستثنائي الْمركب من شَرْطِيَّة مُتَّصِلَة لزومية يتَوَجَّه عَلَيْهِ الْقدح من ثَلَاث جِهَات:

الأولى: يتَوَجَّه عَلَيْهِ من جِهَة استثنائيته.

الثانية: وَيتَوَجَّهُ عَلَيْهِ من جِهَة شرطيته إِذا كَانَ الرَّبْط بَين الْمُقدم والتالي لَيْسَ بِصَحِيح.

الثالثة: وَيتَوَجَّهُ عَلَيْهِ القدح من جِهَة شرطيته معًا.

(الشرح)

الثالثة: ويتوجه عليه، عندكم ماذا؟ (من جهة شرطيته إِذا كَانَ الرَّبْط بَين الْمُقدم)، هذه اشطبوا عليها، اشطبوا على قول: (من جهة شرطيته إِذا كَانَ الرَّبْط بَين الْمُقدم) اكتبوا فوقهما القدح من جهتهما معًا، يتوجه عليه القدح من جهتهما معًا، نعم.

(المتن)

   وَهَذِه الْقَضِيَّة كَاذِبَة الشّرطِيَّة، فالربط بَين مقدمها وتاليها كَاذِب كذبًا بحتًا؛ وَلذَا جَاءَت نتيجتها مُخَالفَة لسبع آيَات، إيضاحه أَن نقُول قَوْلكُم لَو كَانَ مستويا على الْعَرْش لَكَانَ مشابها للحوادث هَذَا الرَّبْط بَين لَو وَاللَّام كَاذِب كَاذِب كَاذِب، بل هُوَ مستو على عَرْشه كَمَا قَالَ من غير مشابهة للحوادث، كَمَا أَن سَائِر صِفَاته وَاقعَة كَمَا قَالَ من غير مشابهة لِلْخلقِ وَلَا يلْزم استواءه.

(الشرح)

   ولا يلزم منه، أكتبوا ولا يلزم منه، نعم.

(المتن)

   وَلَا يلْزم منه استواءه على عَرْشه كَمَا قَالَ أَن يشبه شَيْئا من المخلوقين فِي صفاتهم الْبَتَّةَ، بل استواؤه صفة من صِفَاته وَجَمِيع صِفَاته منزهة عَن مشابهة الْخلق، كَمَا أَن ذَاته منزهة عَن مشابهة ذَوَات الْخلق ويطرد هَذَا فِي مثل هَذَا، وعَلى كل حَال فَالْجَوَاب عَن شَيْء وَاحِد من هَذَا يطرد فِي الْجَمِيع.

(الشرح)

   نعم، المؤلف رحمه الله ناقش (الْمُتَكَلِّمين وإلزامهم الْحق بِمُقْتَضى قواعدهم).

   ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (ثمَّ بعد هَذَا الْبَحْث الَّذِي ذكرنَا نحب أَن نذْكر كلمة قَصِيرَة لجَماعَة قرؤوا فِي الْمنطق وَالْكَلَام وظنوا نفي بعض الصِّفَات من أَدِلَّة كلامية كَالَّذي يَقُول)؛ انظر الدليل الذي يذكره المنطقي أهل الكلام، دليل منطقي.

   يقول: (لَو كَانَ)؛ الربُ، لو كان، لو كان هنا الرب، لو كان الرب (مستويًا على الْعَرْش لَكَانَ مشابها للحوادث), هذه المقدمة الأولى.

   المقدمة الثانية: لكن الرب (غير مشابه للحوادث)؛ فالنتيجة فالرب (غير مستو على الْعَرْش)؛ واضح الدليل عليها الآن؟.

   الدليل المنطقي مركبُ من مقدمتين ونتيجة، من ملازمة واستثنائية، المقدمة الأولى ملازمة، والمقدمة الثانية استثنائية.

   الملازمة: (مثلا لَو كَانَ الرب مستويًا على الْعَرْش لَكَانَ مشابها للحوادث)؛ لو كان لكان هذا ملازمة، الاستثناء استثني، (لكنه غير مشابه للحوادث) فالنتيجة فلا يكون مستويًا على العرش، واضح؟.

   الآن المؤلف يقول هذا اسمه: (هَذَا قِيَاس استثنائي مركب من شَرْطِيَّة مُتَّصِلَة لزومية واستثنائية)؛ الآن نوضح هذه النقطة.

   (قِيَاس)؛ لأنه هذا قياس عند المنطقيين؛ لأنه مركبُ من مقدمتين ونتيجة (هذا القياس)، مركب قياس، مركب من مقدمتين ونتيجة، ما هي المقدمتين؟.

   المقدمة الأولى: (لَو كَانَ الرب مستويًا على الْعَرْش لَكَانَ مشابهًا)؛ للمخلوقات أو للحوادث.

   المقدمة الثانية: استثنائية، لكن الرب (غير مشابه للحوادث)؛ النتيجة فلا يكون مستويًا (على الْعَرْش).

   فهذا الدليل اسمه قياس استثنائي، ليش استثنائي؟ لأنه قوله "لكن" هذا الاستثناء.

   (مركب من شَرْطِيَّة)؛ ما هي الشرطية؟ لو، (مُتَّصِلَة لزومية)؛ متصلة بما بعدها، متلازمتين.

   (لَو كَانَ الرب مستويًا على الْعَرْش لَكَانَ مشابها للحوادث)؛ هذه تسمى الشرطية ،"لو" الشرطية، (مُتَّصِلَة) بما بعدها، (لزومية) لازمة لها وهي قوله: (لَكَانَ مشابها للحوادث)؛ واضح هذا!.

   (واستثنائية)؛ ما هي الاستثنائية؟ (لكنه غير مشابه للحوادثاستثني فيها نقيض التالي، عندنا المقدمة وعندنا التالي:

المقدم: (لَو كَانَ الرب مستويا على الْعَرْش)؛ هذا اسمه مقدم.

وعندنا التالي: (لَكَانَ مشابها للحوادث).

   إذا عندنا مقدم وتالي، الاستثناء في قوله: لكن الرب (غير مشابه للحوادث)؛ استثني أي شيء؟ استثني نقيض التالي، التالي ما هو؟ (لَكَانَ مشابها للحوادث)؛ هات نقيضها (لكنه غير مشابه للحوادث)؛ (لكنه غير مشابه للحوادث).

   إذًا استثنينا نقيض التالي، التالي عندنا هو مقدم وتالي، والمقدم (لَو كَانَ الرب مستويا على الْعَرْش)؛ هات التالي (لَكَانَ مشابها للحوادث)؛ هات نقيض مشابه للحوادث؟ نقيضه غير مشابه، (لكنه غير مشابه للحوادث)؛ واضح هذا؟.

   النتيجة نقيض المقدم، ما هو المقدم؟ (لَو كَانَ الرب مستويًا على الْعَرْش)؛ نقيضها الرب غير مستوي على العرش، واضح هذا؟

   إذًا ركبوا دليل، (قِيَاس استثنائي مركب من شَرْطِيَّة مُتَّصِلَة لزومية واستثنائية اسْتثْنى فِيهِ نقيض التَّالِي فأنتج نقيض الْمُقدم).

   يقول المؤلف رحمه الله: (وَنحن نقُول أَنه تقرر عِنْد عَامَّة النظار أَن الْقيَاس الاستثنائي الْمركب من شَرْطِيَّة مُتَّصِلَة لزومية يتَوَجَّه عَلَيْهِ الْقدح من ثَلَاث جِهَات)؛ يقول الآن نقدح فيها من ثلاث جهات:

   القدح الأول: (من جِهَة استثنائيته)؛ لكنه إيه؟ غير مشابه للحوادث، لا هو بصرف النظر عن الدليل هذا، كل دليل فيه استثنائية يتوجه إلى القدح من جهة الاستثنائية "هذا واحد".

   ثانيًا: (وَيتَوَجَّهُ عَلَيْهِ من جِهَة شرطيته إِذا كَانَ الرَّبْط بَين الْمُقدم والتالي لَيْسَ بِصَحِيح)؛ ما هي الاستثنائية؟ (لَو كَانَ الرب مستويًا على الْعَرْش لَكَانَ مشابها للحوادث).

   نقول الربط بين المقدم والتالي باطل، الربط كاذب، الربط كاذب لو كان الرب مستويًا على العرش لكان مستوي على العرش هذا الربط الكاذب، من قال لكم أنه لو كان الرب مستويًا على العرش لكان مشابهًا للحوادث؟ بل الرب مستوى على العرش ليس مشابهًا للحوادث، فالربط كاذب، الربط بين ماذا؟ الربط بين المقدم والتالي كاذب.

   ثالثًا: (وَيتَوَجَّهُ عَلَيْهِ القدح من جِهَتهما معًا)؛ يقول لا نوافق لا من جهة الاستثنائية ولا من جهة الشرطية، وحينئذٍ يبطل الدليل.

   يقول المؤلف: (وَهَذِه الْقَضِيَّة)؛ يعني هذا القياس ( كَاذِبَة الشّرطِيَّة)؛ وين الشرطية؟ (لَو كَانَ الرب مستويًا على الْعَرْش لَكَانَ مشابها للحوادث)؛ هذا كاذب، هذا كاذب، فالربط بين المقدم والتالي كاذب.

   المقدم: (لَو كَانَ الرب مستويًا على الْعَرْش)؛ التالي: (لَكَانَ مشابها للحوادث)؛ إذًا الربط بينهما ربط كاذب، هذا ربط كاذب، (فالربط بَين مقدمها وتاليها كَاذِب). (كذبًا بحتًا)؛ ليه؟ لأنه مناقضٌ لسبع آيات في القرآن الكريم في سورة يونس، وفي سورة إيه؟ في سورة الأعراف، وفي سورة يونس، وفي سورة الرعد، وفي سورة طه، وفي سورة الفرقان، وفي سورة السجدة، وفي سورة الحديد، (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [طه/5]. كلها جاء فيها استواء الرب على العرش بأداة "على" التي تدل على العلو، كلها تناقض وتبطل هذا الدليل، فتكون هذا إيه؟ فيكون الربط بين مقدمها (كَاذِب كَاذِب كَاذِب).

   قال المؤلف كي نوضح: (إيضاحه أَن نقُول قَوْلكُم لَو كَانَ مستويًا على الْعَرْش لَكَانَ مشابها للحوادث هَذَا الرَّبْط بَين لَو وَاللَّام كَاذِب كَاذِب كَاذِب، بل هُوَ مستو على عَرْشه كَمَا قَالَ من غير مشابهة للحوادث، كَمَا أَن سَائِر صِفَاته وَاقعَة كَمَا قَالَ من غير مشابهة لِلْخلقِ، وَلَا يلْزم استواءه على عَرْشه كَمَا قَالَ أَن يشبه شَيْئا من المخلوقين فِي صفاتهم الْبَتَّةَ، بل استواؤه صفة من صِفَاته وَجَمِيع صِفَاته منزهة عَن مشابهة الْخلق، كَمَا أَن ذَاته منزهة عَن مشابهة ذَوَات الْخلق ويطرد هَذَا فِي مثل هَذَا. وعَلى كل حَال فَالْجَوَاب عَن شَيْء وَاحِد من هَذَا يطرد فِي الْجَمِيع)؛ الصفات، وبهذا بطل هذا الدليل الكاذب.

(المتن)

   وَآخر مَا نختتم بِهِ هَذِه الْمقَالة أَنا نوصيكم وأنفسنا بتقوى الله، وَأَن تلتزموا بِثَلَاث جمل من كتاب الله الأولى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)[الشورى/11]؛ فتنزهوا رب السَّمَوَات وَالْأَرْض عَن مشابهة الْخلق.

الثَّانِيَة: (وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)[الشورى/11]؛ فتؤمنوا بِصِفَات الْجلَال والكمال الثَّابِتَة فِي الْكتاب وَالسّنة على أساس التَّنْزِيه كَمَا جَاءَ (وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)[الشورى/11]. بعد قَوْله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)[الشورى/11].

الثَّالِثَة: أَن تقطعوا أطماعكم عَن إِدْرَاك حَقِيقَة الْكَيْفِيَّة؛ لِأَن إِدْرَاك حَقِيقَة الْكَيْفِيَّة مُسْتَحِيل، وَهَذَا نَص الله عَلَيْهِ فِي سُورَة طه حَيْثُ قَالَ: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا)[طه/110].

فَقَوله: (يُحِيطُونَ بِهِ)[طه/110]؛ فعل مضارع وَالْفِعْل الصناعي الَّذِي يُسمى بِالْفِعْلِ الْمُضَارع وَفعل الْأَمر وَالْفِعْل الْمَاضِي ينْحل عِنْد النَّحْوِيين عَن مصدر وزمن.

   كَمَا قَالَ ابْن مَالك فِي الْخُلَاصَة ... الْمصدر اسْم مَا سوى الزَّمَان من ... مدلولي الْفِعْل كأمن من أَمن ... وَقد حرر عُلَمَاء البلاغة فِي مَبْحَث الِاسْتِعَارَة التّبعِيَّة أَنه ينْحل عَن مصدر وزمن وَنسبَة.

فالمصدر كامن فِي مَفْهُومه إِجْمَاعًا فيحيطون تكمن فِي مفهومها (الْإِحَاطَة)، فيتسلط النَّفْي على الْمصدر الكامن فِي الْفِعْل فَيكون مَعَه كالنكرة المبنية على الْفَتْح، فَيصير الْمَعْنى لَا إحاطة للْعلم البشري بِرَبّ السَّمَوَات وَالْأَرْض، فينفي جنس أَنْوَاع الْإِحَاطَة عَن كيفيتها، فالإحالة المسندة للْعلم منفية عَن رب الْعَالمين، فَلَا يشكل عَلَيْكُم بعد هَذَا صفة نزُول وَلَا مَجِيء وَلَا صفة يَد وَلَا أَصَابِع وَلَا عجب وَلَا ضحك؛ لِأَن هَذِه الصِّفَات كلهَا من بَابٍ وَاحِد، فَمَا وصف الله بِهِ نَفسه مِنْهَا فَهُوَ حق وَهُوَ لَائِق بِكَمَالِهِ وجلاله لَا يشبه شَيْئا من صِفَات المخلوقين.

   وَمَا وصف بِهِ الْمَخْلُوق مِنْهَا فَهُوَ حق مُنَاسِب لعجزهم وفنائهم وافتقارهم، وَهَذَا الْكَلَام الْكثير أوضحه الله فِي كَلِمَتَيْنِ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)[الشورى/11]؛ لَيْسَ كمثله شَيْء تَنْزِيه بِلَا تَعْطِيل، وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير إِيمَان بِلَا تَمْثِيل.

فَيجب من أول الْآيَة وَهُوَ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)[الشورى/11]؛ التَّنْزِيه الْكَامِل الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تَعْطِيل، وَيلْزم من قَوْله: (وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)[الشورى/11]؛ الْإِيمَان بِجَمِيعِ الصِّفَات الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تَمْثِيل، فَأول الْآيَة تَنْزِيه وَآخِرهَا إِثْبَات.

وَمن عمل بالتنزيه الَّذِي فِي: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)[الشورى/11]؛ وَالْإِيمَان الَّذِي فِي قَوْله: (وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)[الشورى/11]؛ وَقطع النّظر عَن إِدْرَاك الكنه والحقيقة الْمَنْصُوص فِي قَوْله: (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا)[طه/110]. خرج سالمًا.

   وَقد ذكرت لكم مرَارًا أَنِّي أَقُول هَذِه الأسس الثَّلَاثَة الَّتِي ركزنا عَلَيْهَا الْبَحْث وَهِي:

  1. تَنْزِيه الله عَن مشابهة الْخلق.
  2. الْإِيمَان بِالصِّفَاتِ الثَّابِتَة بِالْكتاب وَالسّنة، وَعدم التَّعَرُّض لنفيها وَعدم التهجم على الله بِنَفْي مَا أثْبته لنَفسِهِ.
  3. وَقطع الطمع عَن إِدْرَاك الْكَيْفِيَّة.

لَو (متم) يَا إخْوَانِي وَأَنْتُم على هَذَا المعتقد أَتَرَوْنَ الله يَوْم الْقِيَامَة يَقُول لكم لم نزهتموني عَن مشابهة الْخلق ويلوموكم على ذَلِك؟ لَا وكلا وَالله لَا يلومكم على ذَلِك. أَتَرَوْنَ أَنه يلومكم على أَنكُمْ آمنتم بصفاته وصدقتموه فِيمَا أثنى بِهِ على نَفسه وَيَقُول لكم لم أثبتم لي مَا أثبت لنَفْسي، أَو أثْبته لي رَسُولي؟! لَا وَالله لَا يلومكم على ذَلِك، وَلَا تَأْتيكُمْ عَاقِبَة سَيِّئَة من ذَلِك، كَذَلِك لَا يلومكم الله يَوْم الْقِيَامَة وَيَقُول لكم لم قطعْتُمْ الطمع عَن إِدْرَاك الْكَيْفِيَّة وَلم تحددوني بكيفية مدركة، ثمَّ أَنا نقُول لَو تنطع متنطع.

(الشرح)

   يعني المؤلف رحمه الله هذا الكلام يتلخص في بيان الأسس التي يقوم عليها مبحث آيات الصفات، أو مبحث الإيمان بأسماء الله وصفاته، فعلى ثلاثة أسس الحديث كما قال المؤلف رحمه الله وأعاد في هذا:

   الأول: تنزيه الله عن أن يشبه شيءُ من صفاته شيء من صفات المخلوقين، أو أن يشبه شيء من أسمائه كأسماء المخلوقين.

   الثاني: الإيمان بالصفات التي وردت في الكتاب والسُنة.

   الثالث: جاء الكيفية يعني (وَقطع الطمع عَن إِدْرَاك الْكَيْفِيَّة)؛ يقول المؤلف رحمه الله، والمعنى أن الكيفية لا يعلمها إلا الله، يعني أن تكل علم الكيفية إلى الله.

   فالمؤلف قال: (وَقطع الطمع عَن إِدْرَاك الْكَيْفِيَّة)؛ هذه الأسس التي يقوم عليها الإيمان بتوحيد الأسماء والصفات.

   أولًا: تنزيه الله التخلية قبل التحلية، أولًا تخلية تنزه الله عن ما يقولون، ثم تحلي، تحلي الرب عما يصفون، يقولون: التخلية قبل التحلية، مثل كلمة التوحيد لا إله إلا الله، كلمة التوحيد لا إله إلا الله، تقوم على أساسين:

الأول: نفي العبادة عن غير الله سبحانه وتعالى.

والثاني: إثباتها لله، نفي جميع أنواع العبادة لغير الله هذا تخلية تنزيه، ثانيًا تحلية إثبات العبادة جميع أنواع العبادة لله، هنا تخلية التخلية أن تنزه الله عن أن يشبه شيء من صفاته، أو شيء من أسمائه شيء من صفات المخلوقين أو شيء من أسمائه (هذا التخلية).

   ثانيًا: تأتي التحلية، وهي تصف الله بكل ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله.

   ثالثًا: الكيفية تكل علمها إلى الله، وهو عن ما عبر عنه المؤلف (وَقطع الطمع عَن إِدْرَاك الْكَيْفِيَّة)؛ واضح هذا! هذه الأسس ها الكلام هذا يدل عليها، كله يبدي ويعيد، واضح هذا!.

   انظر الآن نقرأ الآن قال: (وَآخر مَا نختتم بِهِ هَذِه الْمقَالة أَنا نوصيكم وأنفسنا بتقوى الله)؛ هذه وصية من المؤلف، تقوى الله هي وصية الله للأولين والآخرين، قال الله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﯜ) [النساء/131].

وأصل التقوى توحيد الله، وإخلاص الدين له، وأداء الواجب، وترك المحرمات.

   فالمؤلف يوصينا بوصية الله، اتقوا الله، نوصيكم بتقوى الله، ومن اتقى الله فإنه ينزه الله عن مشابهة المخلوقين، ومن اتقى الله فإنه يصف الله بما وصف الله بنفسه، ومن اتقى الله فإنه يكل الكيفية إلى الله، اتقوا الله.

   وَأَن تلتزموا بِثَلَاث جمل من كتاب الله؛ الجملة الأولى (ﭡ ﭢ ﭣ ﭨ) [الشورى/11]. هذا التنزيه، فتنزهوا رب السَّمَوَات وَالْأَرْض عَن مشابهة الْخلق.

   الجملة الثَّانِيَة:( ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الشورى/11]؛ فآمنوا بجميع صفات الْجلَال والكمال الثَّابِتَة فِي الْكتاب وَالسّنة على أساس التَّنْزِيه كَمَا جَاءَ (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الشورى/11].بعد قَوْله: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭨ) [الشورى/11].

   الثَّالِثَة: (أَن تقطعوا أطماعكم عَن إِدْرَاك حَقِيقَة الْكَيْفِيَّة)؛ هذه معناها علم الكيفية يوكل إلى الله، كيفية الصفات، لا نعلم، كونه الصفات، كونه الذات، قال تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [طه/110].

   لا نعلم كيفية الصفات، ولا نعلم كيفية الذات، لا يعلمها إلا الله، هذا معنى قوله: (أَن تقطعوا أطماعكم عَن إِدْرَاك حَقِيقَة الْكَيْفِيَّة لِأَن إِدْرَاك حَقِيقَة الْكَيْفِيَّة مُسْتَحِيل)؛ ما يستطيع أحد، وَهَذَا نَص الله عَلَيْهِ فِي سُورَة طه حَيْثُ قَالَ: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [طه/110].

   ثم بعد ذلك المؤلف حلل كلمة يحيطون، تحليل لغوي على طريقة ماذا ؟ النحو، قال: (فَقَوله يحيطون بِهِ فعل مضارع) والفعل المضارع الذي يسمى (الْفِعْل الصناعي الَّذِي يُسمى بِالْفِعْلِ الْمُضَارع وَفعل الْأَمر وَالْفِعْل الْمَاضِي ينْحل عِنْد النَّحْوِيين عَن مصدر وزمن)؛ ما هو المصدر والزمن؟ الإحاطة، الإحاطة هذه مصدر، مصدر إحاطة، والإحاطة تكون في زمن.

   (كَمَا قَالَ ابْن مَالك فِي الْخُلَاصَة ... الْمصدر اسْم مَا سوى الزَّمَان من ... مدلولي الْفِعْل كأمن من أَمن؛ الْمصدر اسْم مَا سوى الزَّمَان من ... مدلولي الْفِعْل) مدلولي الفعل مصدر وزمن، هذا مدلولي الفعل.

   (كأمن من أَمن)؛ أمن مصدره الأمن، مثل يحيطون مصدرها الإحاطة، أمن مصدره الأمن.

   يقول: (وَقد حرر عُلَمَاء البلاغة فِي مَبْحَث الِاسْتِعَارَة التّبعِيَّة أَنه ينْحل عَن مصدر وزمن وَنسبَة فالمصدر كامن فِي مَفْهُومه إِجْمَاعًا ف يحيطون تكمن فِي مفهومها الْإِحَاطَة)؛ هذا المصدر.

   (فيتسلط النَّفْي على الْمصدر الكامن فِي الْفِعْل فَيكون مَعَه كالنكرة المبنية على الْفَتْح)؛ نكرة مبنية على الفتح كقول: لا رجل في الدار، لا رجل في الدار فالنص ماذا ؟ النفي على النكرة، هنا سلط النفي على الإحاطة، لا إحاطة، (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [طه/110]؛ لا إحاطة بعلم الله.

   (لَا إحاطة للْعلم البشري بِرَبّ السَّمَوَات وَالْأَرْض فينفي جنس أَنْوَاع الْإِحَاطَة عَن كيفيتها، فالإحالة المسندة للْعلم منفية عَن رب الْعَالمين).

   يقول المؤلف: قيسوا عليه كل هذه الصفات (فَلَا يشكل عَلَيْكُم بعد هَذَا صفة نزُول وَلَا مَجِيء وَلَا صفة يَد وَلَا أَصَابِع وَلَا عجب وَلَا ضحك)؛ كلها من باب واحد.

   نقول: نؤمن بهذه الصفات وننزه الله عن المشابهة ونكل الكيفية إلى الله، نقطع الطمع عن إدراك الكيفية، (لِأَن هَذِه الصِّفَات كلهَا من بَاب وَاحِد فَمَا وصف الله بِهِ نَفسه مِنْهَا فَهُوَ حق وَهُوَ لَائِق بِكَمَالِهِ وجلاله لَا يشبه شَيْئًا من صِفَات المخلوقين وَمَا وصف بِهِ الْمَخْلُوق مِنْهَا فَهُوَ حق مُنَاسِب لعجزهم وفنائهم وافتقارهم).

   قال: وَهَذَا الْكَلَام أوضحه الله فِي كَلِمَتَيْنِ (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الشورى/11]؛ كرر المؤلف رحمه الله هذا كثير (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭨ) [الشورى/11]؛تنزيه، (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الشورى/11]؛ إِيمَان بِلَا تَمْثِيل.

   وأعاد الكلام قال: (فَأول الْآيَة تَنْزِيه وَآخِرهَا إِثْبَات)؛ ثم قال: (وَقد ذكرت لكم مرَارًا). هَذِه الأسس الثَّلَاثَة:

   أولًا: (تَنْزِيه الله عَن مشابهة المخلوقين).

   ثانيًا: (الْإِيمَان بِالصِّفَاتِ) المثبتة (وَعدم التَّعَرُّض لنفيها وَعدم التهجم على الله بِنَفْي مَا أثْبته لنَفسِهِ).

   ثالثًا: (وَقطع الطمع عَن إِدْرَاك الْكَيْفِيَّة).

   تعبير المؤلف يقول: يا إخواني (لَو متم)؛ لو متم وأنتم على هذه العقيدة، نزهتم الله عن مشابهة المخلوقين، وآمنتم بالصفات، وفوضتم أمر الكيفية، هل ترون الله يلومكم يوم القيامة على هذا؟.

   يقول: (لم نزهتموني عَن مشابهة الْخلق ويلوموكم على ذَلِك يقول: كلا وَالله لَا يلومكم، أَتَرَوْنَ أَنه يلومكم على أَنكُمْ آمنتم بصفات الله وصدقتموه فِيمَا أثنى بِهِ على نَفسه وَيَقُول لكم لم أثبتم لي مَا أثبت لنَفْسي، أَو أثْبته لي رَسُولي لَا وَالله لَا يلومكم وَلَا تَأْتيكُمْ عَاقِبَة سَيِّئَة من ذَلِك، كَذَلِك لَا يلومكم الله يَوْم الْقِيَامَة وَيَقُول لكم لم قطعْتُمْ الطمع عَن إِدْرَاك الْكَيْفِيَّة وَلم تحددوني بكيفية مدركة).

(المتن)

   ثمَّ أَنا نقُول لَو تنطع متنطع.وَقَالَ نَحن لَا ندرك كَيْفيَّة (نزُول) منزهة عَن نزُول الْخلق وَلَا ندرك كَيْفيَّة (يَد) منزهة عَن أَيدي الْخلق وَلَا ندرك كَيْفيَّة (اسْتِوَاء) منزهة عَن استواءات الْخلق فبينوا لنا كَيْفيَّة معقولة منزهة تدركها عقولنا.

   فَنَقُول: أَولًا هَذَا السُّؤَال الَّذِي قَالَ فِيهِ مَالك بن أنس رحمه الله وَالسُّؤَال عَن هَذَا بِدعَة، وَلَكِن نجيب نقُول أعرفت أَيهَا متنطع السَّائِل الضال كَيْفيَّة الذَّات المقدسة الْكَرِيمَة المتصفة بِصفة النُّزُول وَصفَة الْيَد وَصفَة الاسْتوَاء وَصفَة السّمع وَالْبَصَر وَالْقُدْرَة والإرادة وَالْعلم، فَلَا بُد أَن يَقُول لَا.

   فَنَقُول معرفَة كَيْفيَّة الصّفة متوقفة على معرفَة كَيْفيَّة الذَّات إِذْ الصِّفَات تخْتَلف باخْتلَاف موصوفاتها ونضرب مثلًا وَللَّه الْمثل الْأَعْلَى، فَإِن الْأَمْثَال لَا تضرب لله، وَلَكِن الأحرويات لَا مَانع مِنْهَا كَمَا جَاءَ بهَا الْقُرْآن.

(الشرح)

   الأحرويات، عندكم الخاء تحذف النقطة، ولكن الأحرويات يعني الأحرى، نعم.

(المتن)

   فَنَقُول مثلاً كَمَا قَالَ الْعَلامَة ابْن الْقيم رَحمَه الله لَفْظَة (رَأس) الرَّاء والهمزة وَالسِّين رَأس هَذِه الْكَلِمَة أضفها إِلَى المَال وأضفها إِلَى الْوَادي وأضفها إِلَى الْجَبَل قل رَأس المَال رَأس الْوَادي رَأس الْجَبَل، فَانْظُر مَا صَار من الِاخْتِلَاف بَين هَذِه الْمعَانِي بِحَسب هَذِه الإضافات، وَهَذَا فِي مَخْلُوق ضَعِيف مِسْكين فَمَا بالك بالبون الشاسع الَّذِي بَين صفة الْخَالِق جلّ وَعلا وَصفَة الْمَخْلُوق.

   وختاما يَا إخْوَانِي نعود فنوصيكم وأنفسنا بتقوى الله وَأَن تتمسكوا بِهَذِهِ الْكَلِمَات الثَّلَاث:

  1. أَن تنزهوا ربكُم عَن مشابهة صِفَات الْخلق.
  2. أَن تؤمنوا بِمَا وصف بِهِ نَفسه أَو وَصفه بِهِ رَسُول الله r إِيمَانًا مَبْنِيا على أساس التَّنْزِيه على نَحْو: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)[الشورى/11].
  3. وتقطعوا الطمع فِي إِدْرَاك الْكَيْفِيَّة؛ لِأَن الله يَقُول: (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا)[طه/110].

(الشرح)

   المؤلف رحمه الله يقول في هذا الكلام: (لَو تنطع متنطع وَقَالَ)؛ أنا لا أعلم من نزول الرب، قوله: ينزل الرب إلى السماء الدنيا إلا مثل نزول المخلوق، ولا أعلم من كيفية استواء ثم استوى على العرش إلا كاستواء المخلوق، ما أعلم هذا! لا أعلم، لا أدرك كيفية النزول إلا مثل نزول الخلق، ولا أعلم استوائه إلا باستواء الخلق (فبينوا لنا كَيْفيَّة معقولة منزهة تدركها عقولنا)؛ فالمؤلف أجاب قال: (أَيهَا متنطع السَّائِل الضال)؛ السائل الضال (هَذَا السُّؤَال الَّذِي قَالَ فِيهِ مَالك بن أنس وَالسُّؤَال عَن هَذَا بِدعَة)؛ مالك الإمام ماذا قال؟ لما قالوا كيف الاستواء؟.

   قال: السؤال معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، أنت الآن سألت عن الكيفية، أنت تقول: بينوا لنا الكيفية، نقول: سؤالك هذا بدعة.

   اعلم (أَيهَا متنطع السَّائِل الضال كَيْفيَّة الذَّات المقدسة الْكَرِيمَة المتصفة بِصفة النُّزُول وَصفَة الْيَد وَصفَة الاسْتوَاء وَصفَة السّمع وَالْبَصَر وَالْقُدْرَة والإرادة وَالْعلم)؛ نقول له: هل تعلم كيفية الذات؟ فلابد أن يقول لا، فنقول له: إذًا كيفية الصفات متوقفة على ما يليق بالله.

   أنت لا تقول بينوا وأنا ما أعرف كيفيته؟ بينوا كيفية النزول، بينوا كيفية الاستواء، بينوا لي كيفية العلم، بينوا لي كيفية القدرة، ما هو كيفية علم الرب؟ نقول تعالى: هل تعرف كيفية ذات الرب؟ أتعرف؟ فيقول: لا، فنقول له الصفة ترجع للذات، إذا كنت لا تعرف كيفية الذات، فلا تنفي في الصفات، القول في الصفات كالقول في الذات، ثم أيضًا يقول: أضرب لكم مثلًا الآن، (والْأَمْثَال لَا تضرب لله).

   الآن كلمة (رأس) رأس الآن راء وألف وسين، هذه الكلمة بحسب المضاف إليه، إذا قلت رأس الوادي، وإذا قلت رأس الجبل، وإذا قلت رأس المال اختلف المعنى ولا ما اختلف؟.

   رأس المال يقول عندي رأس مال، عندي رأس مالي كذا، خلاص رأس المال يعني مال محددًا لشخص رأس ماله عشرة آلاف أو عشرين ألف، هذا رأس المال، وإذا قلت رأس الوادي قال طرف الوادي واضحة؟ وإذا قلت رأس الجبل يعني نهاية الجبل، كذلك الصفة إذا قلت علم الخالق أضفته إلى الخالق صار كاملاً، عِلم المخلوق صار ناقصًا، واضح هذا.

   ثم قال: (وختامًا)؛ مرة ثانية أوصيكم بهذه الثلاثة: نزهوا الرب عن مشابهة المخلوقات، اعملوا بما وصاكم به الله ووصاكم به رسوله، اقطعوا الطمع لإدراك الكيفية، نعم.

(المتن)

   مُقَارنَة بَين مَا سموهُ مَذْهَب السّلف وَمذهب الْخلف، ثمَّ أَنا نُرِيد إنهاء الْبَحْث بالمقارنة بَين مَا يسمونه مَذْهَب السّلف وَمذهب الْخلف، وَقَوْلهمْ إِن مَذْهَب السّلف أسلم وَمذهب الْخلف أحكم وَأعلم.

فَنَقُول أولًا: وصفوا مذهب السلف بأنه أسلم وهي صفة تفضيلٍ من السَّلامَة وَمَا كَانَ يفوق غَيره ويفضله فِي السَّلامَة فَلَا شكّ أَنه أعلم مِنْهُ وَأحكم.

ثَانِيًا: اعلموا أَن المؤولين ينطبق عَلَيْهِم بَيت الشَّافِعِي رَحمَه الله

           رام نفعًا فضر من غير قصد ... وَمن الْبر مَا يكون عقوقًا ...

وإيضاح الْمُقَارنَة أَن من كَانَ على مُعْتَقد السّلف الصَّالح إِذا سمع مثلا قَوْله تَعَالَى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [طه/5]؛ امْتَلَأَ قلبه من الإجلال والتعظيم والإكبار لصفة رب الْعَالمين الَّتِي مدح بهَا نَفسه وَأثْنى عَلَيْهِ بهَا، فَجزم بِأَن تِلْكَ الصّفات الَّتِي تمدح بهَا خَالق السَّمَوَات وَالْأَرْض بَالِغَة من غايات الْكَمَال والجلال مَا يقطع علائق أَوْهَام المشابهة بَينهَا وَبَين صِفَات الْخلق؛ لِأَن الصنعة لَا يُمكن أَن تشبه صانعها فِي ذَاته، وَلَا فِي شَيْء من صِفَاته؛ وبإجلال تِلْكَ الصّفة وتعظيمها وَحملهَا على أشرف الْمعَانِي اللائقة بِكَمَال من وصف بهَا نَفسه وجلاله يسهل ذَلِك على الْمُؤمن السلَفِي أَن يُؤمن بِتِلْكَ الصّفة.

(الشرح)

   (يسهل ذلك على المؤمن) فيه تقديم وتأخير، (يسهل ذلك على) أنت تقول: (يسهل على ذلك)، نعم.

(المتن)

   ويثبتها لله كَمَا أثبتها الله لنَفسِهِ على أساس التَّنْزِيه، فَيكون أَولًا: منزهًا سالمًا من أقذار التَّشْبِيه.

وَثَانِيا: مُؤمنا بِالصِّفَاتِ مُصدقا بهَا على أساس التَّنْزِيه، فَيكون سالمًا من أقذار التعطيل، فَيجمع بَين التَّنْزِيه وَالْإِيمَان بِالصِّفَاتِ على نَحْو (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)[الشورى/11].

فمعتقده طَرِيق سَلامَة مُحَققَة؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيّ على مَا تضمنته آيَة (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)[الشورى/11]. الْآيَة من التَّنْزِيه وَالْإِيمَان بِالصِّفَاتِ فَهُوَ تَنْزِيه من غير تَعْطِيل، وإيمان من غير تَشْبِيه وَلَا تَمْثِيل، وكل هَذَا طَرِيق سَلامَة مُحَققَة وَعمل بِالْقُرْآنِ فَهَذَا هُوَ مَذْهَب السّلف، وَأما مَا يسمونه مَذْهَب الْخلف فالحامل لَهُم فِيهِ على نفي الصِّفَات وتأويلها هُوَ قصدهم تَنْزِيه الله عَن مشابهة الْخلق، وَلَكنهُمْ فِي محاولتهم لهَذَا التَّنْزِيه وَقَعُوا فِي ثَلَاث بلايا لَيست وَاحِدَة مِنْهَا إِلَّا وَهِي أكبر من أُخْتهَا.

(الشرح)

   طيب، الآن المؤلف رحمه الله يريد أن يقارن بين ماذا ؟ مذهب السلف ومذهب الخلف، فالخلف يقولون عبارة متداولة يقولون: طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم.

   فيقولون: السلف طريقتهم أسلم؛ لأنهم لا يؤولون الصفات يتركونها على ظاهرها فهو قوم سذج يعني يسبون السلف يعني يذمونهم، يقولون: السلف قوم سذج ما يفهمون ولا يفهمون المعاني، طريقتهم أسلم يدرون على ظاهرها، أما طريقة الخلف أعلم وأحكم؛ لأنهم اخترعوا لها معاني وأولوها.

   المؤلف رحمه الله: يقول: (نُرِيد إنهاء الْبَحْث بالمقارنة بَين مَذْهَب السّلف وَمذهب الْخلف، وَقَوْلهمْ إِن مَذْهَب السّلف أسلم وَمذهب الْخلف أحكم وَأعلم فَنَقُول أولًا وصفوا مذهب السلف بأنه أسلم وهي صفة تفضيلٍ من السَّلامَة وَمَا كَانَ يفوق غَيره ويفضله فِي السَّلامَة فَلَا شكّ أَنه أعلم مِنْهُ وَأحكم).

   نقول: أنتم قلتم مذهب السلف أسلم هذه صيغة تفضيل، والشيء الذي أسلم هو الأعلم والأحكم، لا يمكن أن يكون الشيء أسلم ثم يكون أعلم وأحكم، فاجتمعت هذه الأوصاف كلها في مذهب السلف.

   ثانيًا: قال: (اعلموا أَن المؤولين ينطبق عَلَيْهِم بَيت الشَّافِعِي رَحمَه الله ... رام نفعا فضر من غير قصد ... وَمن الْبر مَا يكون عقوقا)؛ يعني يريدون الخير، لكن ماذا؟ لكن لم يهتدوا إلى الخير، ضروا، ضروا أنفسهم وضروا غيرهم.

   إيضاح ذلك يقول: (من كَانَ على مُعْتَقد السّلف الصَّالح إِذا سمع مثلا قَوْله تَعَالَى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [طه/5].عظم الله وأجله، وعلم أن هذه الصفة مدح الله بها نفسه، وأثنى عليه بها نفسه، وأنها بلغت الغاية في الكمال والجلال؛ وحينئذٍ لا يقع في نفسه شيء من التشبيه، فإذا أجل هذه الصفة وعظمها وحمل على نفسه المعاني سهل عليه أن يؤمن بهذه الصفة، سهل عليه أن يؤمن بهذه الصفة، ويثبتها لله.

   فيكون (أولًا منزها سالمًا من التشبيه).

ثَانِيًا: (مُؤمنا بِالصِّفَاتِ مُصدقا بهَا على أساس التَّنْزِيه فَيكون سالمًا من التعطيل فَيجمع) السلفي (بَين التَّنْزِيه وَالْإِيمَان) على حد قوله: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الشورى/11].

   فيكون معتقد هذا الاعتقاد (طَرِيق سَلامَة مُحَققَة) عظم الله وأثبت الصفة، فهو مبني على آية: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الشورى/11].

   (فَهُوَ تَنْزِيه من غير تَعْطِيل وإيمان من غير تَشْبِيه)؛ وَأما الحامل مذهب الخلف أولوا الصفات، ما هو الحامل لهم على نفي الصفات؟ (قصدهم تَنْزِيه الله عَن مشابهة) المخلوقات.

   الخلف أولوا الاستواء بالاستيلاء، ما قصدهم من هذا؟ ما قصدهم؟ قصدهم يريدون تنزيه الله عن مشابهة المخلوقات، يقول المؤلف: ولكنهم (وَقَعُوا فِي ثَلَاث بلايا)؛ كل بلية أكبر من أختها، ما هي هذه البلايا نقرؤها الآن، نعم الأولى.

(المتن)

   الأولى من هَذِه البلايا الثَّلَاث أَنهم إِذا سمعُوا قَول الله تَعَالَى: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)[السجدة/4]. زَعَمُوا أَن ظَاهر الاسْتوَاء فِي الْآيَة هُوَ مشابهة اسْتِوَاء المخلوقين فتهجموا على مَا وصف الله بِهِ نَفسه فِي مُحكم كِتَابه وَادعوا عَلَيْهِ أَن ظَاهره الْمُتَبَادر مِنْهُ هُوَ التَّشْبِيه بالمخلوقين فِي استوائهم، فكأنهم يَقُولُونَ لله هَذَا الاسْتوَاء الَّذِي أثنيت بِهِ على نَفسك فِي سبع آيَات من كتابك ظَاهره قذر نجس لَا يَلِيق بك؛ لِأَنَّهُ تَشْبِيه بالمخلوقين وَلَا شَيْء من الْكَلَام أقذر وأنجس من تَشْبِيه الْخَالِق بخلقه.

   سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم، وَهَذِه هِيَ البلية الأولى الَّتِي هِيَ التهجم على نُصُوص الْوَحْي وادعاء أَن ظَاهرهَا تَشْبِيه الْخَالِق بالمخلوق وناهيك بهَا بلية، ثمَّ لما تقررت هَذِه البلية فِي أذهانهم وتقذرت قُلُوبهم بأقذار التَّشْبِيه اضطروا بِسَبَبِهَا إِلَى نفي صفة الاسْتوَاء فِرَارًا من مشابهة الْخلق الَّتِي افتروها على نُصُوص الْقُرْآن أَنَّهَا هِيَ ظَاهرهَا.

وَنفي الصّفة الَّتِي أثنى الله بهَا على نَفسه من غير استناد إِلَى كتاب أَو سُنة هُوَ البلية الثَّانِيَة الَّتِي وَقَعُوا فِيهَا، فحملوا نُصُوص الْقُرْآن أَولا على معَان غير لائقة بِاللَّه، ثمَّ نفوها من أَصْلهَا فِرَارًا من الْمَحْذُور الَّذِي زَعَمُوا.

والبلية الثَّالِثَة: أَنهم يفسرون الصّفة الَّتِي نفوها بِصفة أُخْرَى من تِلْقَاء أنفسهم من غير استناد إِلَى وَحي، مَعَ أَن الصّفة الَّتِي فَسرهَا بهَا هِيَ بَالِغَة غَايَة التَّشْبِيه بالمخلوقين، فَيَقُولُونَ اسْتَوَى ظَاهره مشابهة اسْتِوَاء المخلوقين فَمَعْنَى اسْتَوَى استولى ويستدلون بقول الراجز فِي إِطْلَاق الاسْتوَاء على الِاسْتِيلَاء:

قد اسْتَوَى بشر على الْعرَاق
 

 

من غير سيف وَدم مهراق
 

 

  وَلَا يَدْرُونَ أَنهم شبهوا اسْتِيلَاء الله على عَرْشه الَّذِي زعموه باستيلاء بشر بن مَرْوَان على الْعرَاق، فَأَي تَشْبِيه بِصِفَات المخلوقين أكبر من هَذَا؟ وَهل يجوز لمُسلم أَن يشبه صفة الله الَّتِي هِيَ الِاسْتِيلَاء المزعوم بِصفة بشر الَّتِي هِيَ استيلاؤه على الْعرَاق، وَصفَة الِاسْتِيلَاء من أوغل الصِّفَات فِي التَّشْبِيه بِصِفَات المخلوقين؛ لِأَن فِيهَا التَّشْبِيه باستيلاء مَالك الْحمار على حِمَاره وَمَالك الشَّاة على شاته، وَيدخل فِيهَا كل مَخْلُوقٍ قهر مخلوقًا وَاسْتولى عَلَيْهِ، وَفِي هَذَا من أَنْوَاع التَّشْبِيه مَالا يُحْصِيه إِلَّا الله.

   فَإِن زعم من شبه أَولًا وعطل ثَانِيًا وَشبه ثَالِثا أَيْضًا أَن الِاسْتِيلَاء المزعوم منزه عَن مشابهة اسْتِيلَاء المخلوقين قُلْنَا لَهُ نَحن نَسْأَلك ونطلب مِنْك الْجَواب بإنصاف، أَيهمَا أَحَق بالتنزيه عَن مشابهة الْخلق الاسْتوَاء الَّذِي مدح الله بِهِ نَفسه فِي مُحكم كِتَابه وَهُوَ فِي نفس الْقُرْآن الَّذِي يُتْلَى ولتاليه بِكُل حرف مِنْهُ عشر حَسَنَات لِأَنَّهُ كَلَام الله أم الأحق بالتنزيه هُوَ الِاسْتِيلَاء الَّذِي جئْتُمْ بِهِ من تِلْقَاء أنفسكم من غير استناد إِلَى وَحي؟ وَلَا شكّ أَن الْجَواب الْحق أَن اللَّفْظ الْوَارِد فِي الْقُرْآن أَحَق بالتنزيه وَالْحمل على أشرف الْمعَانِي وأكملها من اللَّفْظ الَّذِي جَاءَ بِهِ معطل من كيسه الْخَاص لَا مُسْتَند لَهُ من الْوَحْي.

   وبهذه الْكَلِمَات القليلة يظْهر لكم أَن مَذْهَب السّلف أسلم وَأحكم وَأعلم، وَقد بسطنا هَذِه الْمُقَارنَة فِي غير هَذَا الْموضع، فاختصرناها هُنَا، وَالْعلم عِنْد الله تَعَالَى، وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل. وَصلى الله على مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم.

 مُحَمَّد الْأمين الشنقيطي.

(الشرح)

   هذه البلايا الثلاث التي وقع فيها الخلف الذين أولوا الصفات، وقعوا في ثلاث بلايا:

البلية الأولى: أنهم شبهوا، البلية الأولى أنهم شبهوا.

والبلية الثانية: أنهم عطلوا.

والبلية الثالثة: أنهم فسروا الصفة بصفة أخرى.

   كم بلية؟ ثلاث بلايا، البلية الأولى شبهوا لما سمعوا (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [طه/5]؛ قالوا استواء الله كاستواء المخلوق هذه بلية، يقول المؤلف: شبهوا استواء الخالق باستواء المخلوق، (فتهجموا على مَا وصف الله بِهِ نَفسه)، (وَادعوا عَلَيْهِ أَن ظَاهره الْمُتَبَادر مِنْهُ هُوَ التَّشْبِيه).

   فكأنهم يقولون لله كلمة إلى ربة، (هَذَا الاسْتوَاء الَّذِي أثنيت بِهِ على نَفسك فِي سبع آيَات من كتابك ظَاهره قذر نجس لَا يَلِيق بك)؛ هكذا يقول لله، كأنه يخاطب ربه، أنت يا رب لما قلت (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [طه/5]؛ هذا الظاهر ما يليق بك.

   ظاهر (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﮊ) [السجدة/4]؛ (ظَاهره قذر نجس لَا يَلِيق بك لِأَنَّهُ تَشْبِيه بالمخلوقين وَلَا شَيْء من الْكَلَام أقذر وأنجس من تَشْبِيه الْخَالِق بخلقه سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم، وَهَذِه هِيَ البلية الأولى الَّتِي هِيَ التهجم على نُصُوص الْوَحْي).

   البلية الثانية: (لما تقررت هَذِه البلية فِي أذهانهم وتقذرت قُلُوبهم بأقذار التَّشْبِيه اضطروا إِلَى نفي صفة الاسْتوَاء)؛ قالوا الله ليس مستوي على العرش، هذه هي البلية الثانية نفوا، نفوها.

   البلية الأولى: شبهوا، قالوا استواء الله كاستواء المخلوق.

البلية الثانية: نفوا استواء الرب، قالوا الرب ليس مستوي على العرش ولا حول ولا قوة إلا بالله، الله يقول: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [طه/5]؛ وهم يقولون لا، الرب ليس مستوي هذه مصادمة.

   يقول: (اضطروا بِسَبَبِهَا إِلَى نفي صفة الاسْتوَاء فِرَارًا من مشابهة الْخلق الَّتِي افتروها على نُصُوص الْقُرْآن أَنَّهَا هِيَ ظَاهرهَا وَنفي الصّفة الَّتِي أثنى الله بهَا على نَفسه من غير استناد إِلَى كتاب أَو سنة هُوَ البلية الثَّانِيَة، فحملوا نُصُوص الْقُرْآن أَولًا على معَان غير لائقة بِاللَّه ثمَّ نفوها من أَصْلهَا فِرَارًا من الْمَحْذُور)؛

   البلية الثالثة: فسروا الصفة بصفةٍ أخرى، أولًا قالوا الاستواء استواء الخالق يشبه استواء المخلوق، هذا البلية الأولى.

   البلية الثانية: نفوا الاستواء، قالوا الرب غير مستوي.

   البلية الثالثة: قالوا نفسر الاستواء بالاستيلاء، فيقول: استوى (يفسرون الصّفة الَّتِي نفوها بِصفة أُخْرَى من تِلْقَاء أنفسهم)؛ ما هو دليلكم على الاستيلاء؟ هل عندكم دليل أن الاستواء بمعنى الاستيلاء؟.

   ما عندهم دليل، الصفة التي نفوها بالغة التي نفوها جاء بها الوحي، والصفة التي أثبتوها من كيسهم، (فَيَقُولُونَ اسْتَوَى ظَاهره مشابهة اسْتِوَاء المخلوقين)، بمعنى نفسرها بالاستيلاء، ما هو دليلكم؟.

   دليلنا قول الراجل الشاعر:

قد اسْتَوَى بشر على الْعرَاق
 

 

من غير سيف وَدم مهراق
 

 

  من الذي قال هذا البيت؟ هذا مخلوق لا نعرف له صاحب، لا يعرف له صاحب، لا يعرف له قائل فهو باطن، ثم أيضًا نقول لهم حينئذٍ أنتم شبهتم باستيلاء الله على عرشه الذي زعموه باستيلاء بِشر بن مروان على العراق، نقول لهم قد شبهتم أيضًا، أنتم لماذا نفيتم الاستواء؟ فرار إيه؟.

   وفسرتم الاستواء بالاستيلاء، فسرتم استيلاء الله باستيلاء بِشرٍ على العراق، فالشيء الذي فررتم منه وقعتم فيه.

   يقول: (وَلَا يَدْرُونَ أَنهم شبهوا اسْتِيلَاء الله على عَرْشه الَّذِي زعموه باستيلاء بشر بن مَرْوَان على الْعرَاق فَأَي تَشْبِيه بِصِفَات المخلوقين أكبر من هَذَا؟ وَهل يجوز لمُسلم أَن يشبه صفة الله الَّتِي هِيَ الِاسْتِيلَاء المزعوم بِصفة بشر الَّتِي هِيَ استيلاؤه على الْعرَاق؟ وَصفَة الِاسْتِيلَاء من أوغل الصِّفَات فِي التَّشْبِيه بِصِفَات المخلوقين)؛ أنتم الآن؛ لأن فيها معناها: إذا قلتم معنى الاستواء الاستيلاء شبهتم استيلاء الله باستيلاء بِشرٍ على العراق.

   بل أنكم شبهتم الصفات (باستيلاء مَالك الْحمار على حِمَاره وَمَالك الشَّاة على شاته وَيدخل فِيهَا كل مَخْلُوق قهر مخلوقًا)، كل مخلوق قهر مخلوق شبهتم الله باستيلاء الله على العرش شبهتموه، استوى على العرش يعني قهر العرش، إذًا شبهتموه بكل مخلوقٍ قهر مخلوقًا.

   قال المؤلف: (فَإِن زعم من شبه أَولًا وعطل ثَانِيًا وَشبه ثَالِثا أَيْضا أَن الِاسْتِيلَاء المزعوم منزه)؛ هذه كفر، إذا قال: أنا أقول إن الله استولى على العرش استوى استيلاء، لكن أنا أقول: إن الله استولى استيلاءً لا يشابه استيلاء المخلوقين، إن الله استولى على العرش لا يشابه استيلاء المخلوقين.

   نقول له: نحن نقول لك من أول الأمر اثبتوا الاستواء الذي ثبت نفسه بغير مشابه المخلوقين، أثبت الاستواء، الاستواء الذي وصف الله نفسه أثبتهم غير مشابه المخلوقين، لماذا تنفيه وتأتي بالاستيلاء، وتقول: استيلاءه لا يشابه استيلاء المخلوقين؟ من الأساس أثبت الاستواء لله، وقل: ليس كاستواء المخلوقين.

   ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (نَحن نَسْأَلك ونطلب مِنْك الْجَواب بإنصاف أَيهمَا أَحَق بالتنزيه عَن مشابهة الْخلق الاسْتوَاء الَّذِي مدح الله بِهِ نَفسه فِي مُحكم كِتَابه وَهُوَ فِي نفس الْقُرْآن الَّذِي يُتْلَى ولتاليه بِكُل حرف مِنْهُ عشر حَسَنَات لِأَنَّهُ كَلَام الله أم الأحق بالتنزيه هُوَ الِاسْتِيلَاء الَّذِي جئْتُمْ بِهِ من تِلْقَاء أنفسكم من غير استناد إِلَى وَحي).

   الجواب: (وَلَا شكّ أَن الْجَواب الْحق أَن اللَّفْظ الْوَارِد فِي الْقُرْآن أَحَق بالتنزيه وَالْحمل على أشرف الْمعَانِي وأكملها من اللَّفْظ الَّذِي جَاءَ بِهِ معطل من كيسه الْخَاص لَا مُسْتَند لَهُ من الْوَحْي).

   (وبهذه الْكَلِمَات) يقول المؤلف: (يظْهر لكم أَن مَذْهَب السّلف أسلم وَأحكم وَأعلم وَقد بسطنا هَذِه الْمُقَارنَة فِي غير هَذَا الْموضع).

   هذه الرسالة الآن طبعت مرتين: أحدهما أقدم من الأخرى, هذه الطبعة الثانية الأخيرة هذه التي قرأناها فيها زيادة، يمكن ثلاث صفحات أو أربع صفحات، لكن النسخة الأولى فيها زيادة أيضًا كلام في آخره ليس موجودًا هنا، يمكنكم تنقلونه، نقرأه الآن: (ونريد أن نختم هذه المقالة).

(المتن)

   ونريد أن نختم هذه المقالة بنقطتين: إحداهما أنه ينبغي للمؤمنين أن ينظروا في قوله تعالى لليهود: (وَقُولُوا حِطَّةٌ)[البقرة/58]؛ فإنهم زادوا في هذا اللفظ المنزل نوناً فقالوا: حنطة فسمى الله هذه الزيادة تبديلاً.

فقال في البقرة: (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)[البقرة/59].

وقال في الأعراف (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ)[الأعراف/162].

   وكذلك المؤولون للصفات قيل لهم استوى، فزادوا لاماً، فقالوا: استولى. فانظر ما أشبه لامهم هذه التي زادوها بنون اليهود والتي زادوها، ذكر هذا ابن القيم.

   الثانية: أنه ينبغي للمؤمنين أن يتأملوا آيةً من سورة الفرقان وهي قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا)[الفرقان/59].

ويتأملوا معها قوله تعالى في سورة فاطر: (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)[فاطر/14]. فإن قوله في الفرقان: (فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا)[الفرقان/59]؛ بعد قوله: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ)[الفرقان/59].

يدل دلالةً واضحةً أن الله الذي وصف نفسه بالاستواء خبير بما يصف به نفسه، لا تخفى عليه الصفة اللائقة من غيرها ويفهم منه أن الذي ينفي عنه صفة الاستواء ليس بخبير، نعم هو والله ليس بخبير، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد r، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

(الشرح)

   هذه ليست عندكم هذه في النسخة..

   المؤلف يقول: (ونريد أن نختم هذه المقالة بنقطتين: إحداهما) إحدى هذه النقطتين: أن المؤولين شابهوا اليهود، شابهوا اليهود الذين أولوا الاستواء بالاستيلاء هذا هو اليهود، قال هذا ابن القيم.

   عن اليهود قال الله تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭦ) [البقرة/58].

الله تعالى وعدهم مع موسى أن يفتحوا بيت المقدس، إذا دخلوا بيت المقدس أحملوا جاهدوا أدخلوا والله واعدكم بأنكم ماذا ؟ بأنكم تنتصرون على الكفار، وإذا فتحتم بيت المقدس عظموا من الله قولًا وفعلًا، يقول: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭣ ﭦ) [البقرة/58]؛ تسجدون تعظيمًا لله، يعني ركوع، ادخلوها ركوعًا لله.

   والأمر الثاني: أن تقولوا حطة يا الله اغفر لنا، ماذا فعل اليهود قبحهم الله؟ غيروا القول بالفعل، استهزئوا بربهم، قال لهم: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭦ) [البقرة/58]؛ فدخلوا يزحفون على استاههم على أدبارها، غيروا على من عِدادها وعتوها، ومحاربتهم لله, دخلوا يزحفون على أدبارهم، قالوا ما ندخل نركع نعظم الله نعارض الله، عارضوا.

   فدخلوا يزحفون على استاههم وأما قول "حطة" استهزئوا قالوا حنطة، حنطة حبة في شعره، حنطة، قال: قولوا حطة, حط عنا ذنوبنا, فقالوا: حنطة.

الجهمية لما قال الله: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [طه/5]؛ زادوا لام قالوا استولى، فيقول ابن القيم: لام الجهمية في استولى مثل نون اليهود في حنطة.

   اليهود زادوا حنطة زادوا نون، والجهمية لام، فانظروا المشابهة بين الجهمية وبين اليهود، فاليهود قالوا لهم حطة زادوا إيه؟ نون، حنطة، والجهمية قال: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [طه/5]؛ فزادوا لام قالوا استولى، واضح هذا! هذه النقطة الأولى.

   النقطة الثانية: أن الله تعالى لما قال في سورة الفرقان: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الفرقان/59].

 وقالوا: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [فاطر/14]؛ فيها دليل على أن الله إذا وصف نفسه بالاستواء فهو خبير، خبير بالصفة التي تليق به.

   فقال: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الفرقان/59].

فالذي ينفي عن الله صفة الاستواء ليس بخبير، بل والله ليس بخبير، نعم هو الله الخبير، هذه النقطتين الآن.

   إن تحبون تنقلون هذه، أو نمليها عليكم؟ ولعل اليوم الآن يعتبر آخر الدروس، أنا قلت لكم إن الدورة مدتها أربع أيام وكان هذا هو الاتفاق بينا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد