(الشيخ)
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي { 00:17 } المكي ثم المدني أشهد أنه رسول الله العرب والعجم والثقلين الجن والإنس وأشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه من ربه اليقين وصلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوانهم النبيين والمرسلين وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين أما بعد:
فإني أحمد الله إليكم وأثني إليه الخير كله وأسأله أن يصلح قلوبنا وأعمالنا ونياتنا وذرياتنا كما أسأله أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعا مرحوما وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً وأن لا يجعل فينا ولا منا شقياً ولا مظلوما ً
(الطالب)
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والسامعين قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمنا الله تعالى وإياه
(المتن)
باب فضل الإسلام
وقول الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا {المائدة: 3} وقوله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ ۖ الآية {يونس: 104}، وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {الحديد: 28}.
( الشرح )
نعم هذا هو الباب الأول من أبواب الرسالة تسمى فضل الإسلام مثل كتاب التوحيد كتاب التوحيد بدلاً عن الكتاب الأول قال كتاب التوحيد.
والإسلام أصل مادة الاشتقاق السين واللام والميم وهو يدور معناه على الصحة والعافية والسلامة والإسلام هو الانقياد لأن المسلم يسلم من الإباء والامتناع وقيل في اللغة هو الدخول في السلم وهو أن يسلم كل واحد منهما من أن يناله أذى صاحبه في اللغة يسمى السلم إذا لقي صاحبه كل منهما يسلم من أن يناله ألم.
والإسلام بمعناه العام هو إسلام الوجه لله وهو التذلل والخضوع لله وطاعته بالجوارح ظاهرا وباطنا والخلوص من الشرك وأهله وهو إسلام الوجه والجسم والإخلاص إخلاص في الباطن وانقياد في الظاهر إخلاص في الباطن مع إسلام الوجه بالتذلل والطاعة والخضوع خلوص من الشرك الباطن خضوع وتوحيد وطاعته بالجوارح فهو الإسلام الاستسلام لله تعالى بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله ، الاستسلام استسلام لله تعالى بالتوحيد إخلاص الباطن وانقياد في الظاهر بالجوارح والبراءة من الشرك وأهله هذا هو الإسلام استسلام لله تعالى بالتوحيد في الباطن وانقياد بالطاعة بالظاهر الخضوع بالجوارح وانقيادها وبراءة من الشرك وأهله وهو يجمع أمرين استسلام في الباطن وانقياد في الظاهر استسلام في الباطن يعني إخلاص لله باطنه لا يوجد إلا الله متذلل خاضع لله موحد لله وفي الظاهر انقياد الجوارح تنقاد وتطيع وأمر ثالث البراءة من الشرك وأهله هذا هو دين الله الذي لا يقبل الله من أحد ديناً سواه هذا هو دين الله الذي لا يقبل الله من أحد ديناً سواه استسلام في الباطن لله تعالى بالتوحيد وانقياد في الظاهر وبراءة من الشرك وأهله.
والإسلام له معنيين معنى عام ومعنى خاص المعنى العام هو دين الأنبياء جميعاً مشترك دين الأنبياء جميعاً مشترك هو دين الأنبياء جميعا هو الإسلام ولا يقبل الله من أحد دينا غير الإسلام كما قال تعالى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ هو دين الله في الأرض هو الإسلام وقال تعالى وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ في كل وقت في كل زمان من ابتغى غير الإسلام ديناً فلن يقبل الله منه من لدن آدم إلى قيام الساعة لا يقبل الله إلا الإسلام والدين عند الله الإسلام.
الإسلام بمعناه العام الذي هو دين الأنبياء جميعا هو التوحيد توحيد الله والبراءة من الشرك وطاعة كل نبي في زمانه هذا هو الإسلام وهو دين الأنبياء جميعاً قال الله تعالى شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيه أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه هذا هو دين الإسلام فهو التوحيد وطاعة كل نبي في زمانه فالإسلام في زمن آدم هو توحيد الله وطاعة آدم فيما جاء به من الشريعة الشرائع تختلف الدين واحد لكن الشرائع تختلف كل نبي له شريعة أوامر ونواهي حلال وحرام قال تعالى لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا الشرائع تختلف والدين واحد الدين هو توحيد الله والبراءة من الشرك وأهله وطاعة كل نبي في زمانه بما جاء به من الشريعة توحيد الله وطاعة كل نبي بما جاء به من الشريعة فالإسلام في زمن آدم هو توحيد الله وطاعة آدم فيما جاء به من الشريعة والإسلام في زمن نوح هو توحيد الله وطاعة نوح فيما جاء به من الشريعة والإسلام في زمن هود هو توحيد الله وطاعة هود فيما جاء به من الشريعة والإسلام في زمن صالح هو توحيد الله وطاعة صالح فيما جاء به من الشريعة والإسلام في زمن إبراهيم هو توحيد الله وطاعة إبراهيم فيما جاء به من الشريعة والإسلام في زمن شعيب هو توحيد الله وطاعة شعيب فيما جاء به من الشريعة والإسلام في زمن موسى هو توحيد الله وطاعة موسى فيما جاء به من الشريعة والإسلام في زمن عيسى هو توحيد الله وطاعة عيسى فيما جاء به من الشريعة حتى جاء وبعث الله نبينا محمد ﷺ بالشريعة الخاتمة وانفرد الإسلام بمعناه الخاص وهو توحيد الله والعمل بالشريعة الخاتمة التي بعث بها نبينا محمد ﷺ والتي نسخت بها جميع الشرائع.
فالإسلام بمعناه الخاص هو ما عليه الأمة المحمدية توحيد الله والعمل بالشريعة التي جاء بها محمد ﷺ ليس عليها إلا أمة محمد ﷺ الإسلام بمعناه الخاص ليس عليه إلا أمة محمد ﷺ والإسلام بمعناه العام يشمل أديان الأنبياء جميعاً توحيد الله وطاعة نبيه فيما جاء به من الشريعة الشرائع تختلف من نبي إلى نبي فمثلاً في شريعة آدم عليه الصلاة والسلام كانت حواء زوج آدم تحمل في كل بطن ذكر وأنثى بتقدير الله في كل بطن ذكر وأنثى ثم ذكر وأنثى ثم ذكر وأنثى فحرم الله في شريعة آدم على الإنسان أن يتزوج أخته التي جاءت معه في بطن واحد لكن يجوز له أن يتزوج أخته التي جاءت في بطن سابق أو بطن لاحق حتى يتكاثر الناس ما كان فيه إلا آدم وذريته من أين يتزوج الناس ؟ فصار الأخ يجوز له أن يتزوج أخته التي جاءت في بطن سابق أو جاءت في بطن لاحق أما التي جاءت في بطن واحد فحرم الإسلام عليه ثم لما كثر الناس حرم الله نكاح الأخت، في شريعة يعقوب يجوز الجمع بين الأختين وفي شريعتنا لا يجوز تختلف الشرائع لكن التوحيد واحد دين واحد في زمن في شريعة التوراة التي أنزل الله على موسى يجب القصاص قتل القاتل يجب القصاص قتل القاتل وفي شريعة التوراة وفي شريعة الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى يجب العفو والتسامح ولهذا يقال في شريعة الإنجيل "من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر" تسامح وفي شريعتنا شريعة محمد ﷺ التي هي أكمل الشرائع يخير ولي القتيل أولياء القتيل يخيرون بين القصاص أو العفو إلى الدية أو العفو مجاناً قال الله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَىٰ بِالْأُنْثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ
بهذا الشرائع تختلف من شريعة إلى شريعة لكن الدين واحد الإسلام واحد توحيد الله وطاعة كل نبي فيما جاء به من الشريعة هذا الإسلام بمعناه العام والإسلام بمعناه الخاص هو العمل بالشريعة الخاتمة توحيد الله والعمل بالشريعة الخاتمة التي أنزلها الله على نبينا محمد ﷺ وكما سبق أن الإسلام له مرتبة ثالثة مرتبة الباطن وهو التوحيد والإخلاص والخضوع ومرتبة الظاهر هو الانقياد ويقع النزاع في الإسلام في هذه الأمة هل هو خاص بها أم يوصف بها من سبق من الأمم قيل في هذه المسألة قولان مشهوران كما ذكر شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله قال :
"وقد تنازع الناس فيما تقدم من أمة موسى وعيسى هل هم مسلمون أم لا وهو نزاع لفظي فإن الإسلام الذي بعث الله به محمد ﷺ المتضمن لتلاوة القرآن ليس إلا لأمة محمد ﷺ" يعني النزاع لفظي بعض العقال لا يسمون من سبق مسلمين لأن الإسلام بمعناه الخاص هو شريعة نبينا محمد ﷺ قال شيخ الإسلام : "والإسلام اليوم عند الإطلاق يتناول هذا يتناول الرسالة التي بعث الله بها نبينا محمد ﷺ أما الإسلام العام فهو يتناول كل شريعة بعث الله بها نبياً" إنه يتناول إسلام كل أمة متبعة لنبي من الأنبياء.
فضل الإسلام ما هو فضله فضل الإسلام فضل عظيم فضائله على الأفراد الجماعات فالمؤمن يحصل له بالإسلام الأنس والطمأنينة والسرور والراحة في الدنيا قال الله تعالى مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً لأن من فضائل الإسلام الحياة الطيبة في الدنيا وهي الطمأنينة والأمن والسرور وعدم القلق ولهذا تجد أن من لم يرزق الإسلام في البلدان العربية وغيرها عندهم التطور التكنولوجي وعندهم مظاهر الحياة من البذخ ومع ذلك ما عندهم طمأنينة ولا راحة ينتحرون تسمعون بالانتحارات لأنهم فقدوا طمأنينة القلب والمسلمون أعطاهم الله هذه الطمأنينة.
ومن فوائد الإسلام وفضله أن المسلم في الدنيا دمه معصوم وماله معصوم فلا يجوز لأحد أن يعتدي على بدنه بالقتل أو بالجرح أو قطع عضو أو حتى الترويع وإشهار السلاح في وجهه ولا يجوز لأحد الاعتداء على ماله عن طريق الغصب أو السرقة أو السلب و النهب أو الغش أو الخداع أو المعاملات المحرمة أو الرشوة وكذلك عرضه معصوم فلا يجوز للإنسان أن يسخر من أخيه ولا أن يستهزئ به ولا أن يهمزه أو يلمزه ولا أن يغتابه أو ينم عليه وكذلك العرض حرم الله الزنا واللواط والوسائل كالنظر إلى المرأة الأجنبية والخلوة بها من دون محرم والسفر بدون محرم قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشهدوا : أن لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ عَصَمُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ، إِلا بِحَقِّهَا ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ. إذا من فوائد الإسلام وفضله عصمة الدماء والأموال والأعراض.
ومنها من فوائد الإسلام وفضله حلول البركة ونزع أضدادها قال الله تعالى وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ.
ومن فوائد الإسلام أن الإسلام يدعو إلى الأخلاق الرفيعة الطيبة وينهى عن كل فحشاء ومنكر وخلق وضيع مع الأهل والأقارب وسائر الناس وفي المعاملات ينهى عن الظلم والغرر والربا لأنها تؤدي إلى العداوة والبغضاء وأكل المال بالباطل في الحدود يأمر بإقامتها ردعاً للفاعل وكفارة له.
والإسلام فضائله كثيرة ولا يأتي منه إلا الحياة الطيبة لا يأتي منه إلا انشراح الصدر والطمأنينة وعصمة الدم والمال.
ومن الفوائد في الآخرة الثواب العظيم والأجر الكبير وهو السبب في دخول الجنة هذا أفضل هذا أعظم فضائل الإسلام أن الإسلام والإيمان سبب في دخول الجنة وإلا دخول الجنة برحمة الله قال عليه الصلاة والسلام لن يدخل أحدكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل فدخول الجنة بالإيمان والإسلام وكما سبق الإسلام إذا أطلق دخل فيه الإيمان والإيمان إذا أطلق دخل فيه الإسلام فالإسلام يشمل الإيمان الإسلام هو الإيمان هو الدين هو البر هو التقوى إذا أطلق شمل هذه الأمور فمن أعظم الفوائد فوائد الإسلام في الآخرة أنه سبب في دخول الجنة قال عليه الصلاة والسلام لن يدخل أحدكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل فدخول الجنة برحمة الله ثم يتقاسم المؤمنون والمسلمون يتقاسمون درجات الجنة بأعمالهم.
وهو أيضاً سبب في رؤية الله يوم القيامة في الجنة المؤمن المسلم يرى ربه يوم القيامة والكافر محجوب قال الله تعالى كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ وهذا من أعظم العقوبات. هذه كلها من فضائل الإسلام.
والإسلام اختلف العلماء في الإسلام والإيمان هل هما شيء واحد أو يختلفان؟؟ على أقوال ثلاثة:
قيل القول الأول أن الإسلام هو الكلمة والإيمان هو العمل وهذا ما روي عن الزهري الإمام الزهري رحمه الله قال : الإسلام هو الكلمة أي النطق بالشهادتين والإيمان هو العمل.
القول الثاني أن الإسلام هو الأعمال الظاهرة والإيمان هو الأعمال الباطنة كما في حديث جبريل فسر الإسلام بالأعمال والظاهرة كالشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج وفسر الإيمان بالأعمال الباطنة وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره.
القول الثالث أن الإسلام والإيمان مترادفان لا فرق بينهما الإسلام والإيمان مترادفان عند الإطلاق وعند الاقتران وهذا قول طائفة من أهل السنة وهو اختيار البخاري رحمه الله في صحيحه وهو قول الخوارج والمعتزلة.
القول الراجح وهو قول المحققين من أهل العلم وهو اختيار شيخ الإسلام بن تيمية واختيار جمهور أهل السنة أن الإسلام تختلف دلالته في الإفراد والاقتران فإذا أفرد دخل فيه الأعمال الظاهرة والباطنة كقوله تعالى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وإذا قرن بالإيمان اختلف معناه فيفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة كما في حديث جبريل ويفسر الإيمان بالأعمال الباطنة في حديث جبريل لما سأل النبي ﷺ عن الإسلام قال :الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال رسول الله ﷺ أخبرني عن الإيمان قال الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأن تؤمن بالقدر خيره وشره ففسر الإسلام بالأعمال الظاهرة وفسر الإيمان بالأعمال الباطنة ولكن عند الإفراد يدخل أحدهما في الآخر مثل إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ يشمل الأعمال الظاهرة والباطنة أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ الإيمان يشمل الأعمال الظاهرة والباطنة لكن إذا قرن بينهما اختلف المعنى مثل قوله إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ هنا قرن بينهما اختلف فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة و الإيمان بالأعمال الباطنة هذا هو الصواب في هذه المسألة أن الإسلام والإيمان تختلف دلالتهما بالاقتران والإفراد فهما إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا إذا افترقا جاء الإسلام وحده وجاء الإيمان وحده اجتمعا يدخل فيه الأعمال الظاهرة والأعمال الباطنة وإذا اجتمعا افترقا اختلف المعنى صار الإسلام يفسر بالأعمال الظاهرة والإيمان الأعمال الباطنة {22:36}.
مثل الفقير والمسكين إذا أطلق الفقير دخل فيه المسكين وإذا أطلق المسكين دخل فيه الفقير وإذا اجتمعا كما في آية الصدقة إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ يفسر الفقير بأنه أشد حاجة وهو الذي لا يجد شيئا أو يجد أقل من نصف الكفاية والمسكين هو الذي يجد نصف الكفاية إلا أنه لا يجد الكفاية الكاملة والمراد بالكفاية سنة النفقة والسقيا والسكنى لأن الزكاة من العامة إلى العامة.
كذلك الربوبية والألوهية إذا أطلقت الربوبية دخلت الألوهية وإذا أطلقت الألوهية دخلت الربوبية وإذا اجتمعا فسرت الربوبية بتوحيد أفعال الرب والألوهية توحيد بأفعال العباد.
المؤلف رحمه الله ذكر في هذا الباب قوله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاَمَ دِيناً هذه الآية الكريمة نزلت على الرسول ﷺ وهو واقف في عرفة في حجة الوداع الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ يعني أن الدين كمل لا يحتاج إلى زيادة ولا نقص منه فمن زاد أو نقص فهو مبتدع لا يحتاج أن يزيد أو ينقص منه وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي بأن الله أتمم النعمة على عباده وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاَمَ دِيناً بأن الإسلام رضيه الله ولا {24:14 } أبداً وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاَمَ دِيناً
وروى مسلم في صحيحه عن طارق بن شهاب قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى عُمَرَ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إن في كتابكم آيَةٌ تَقْرَؤونَهَا ، لَوْ نزلت على مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا . قَالَ : " وَأَيَّةُ آيَةٍ ؟ قَال : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا
انظر فهم اليهود يعني اليهود فهموا المعنى ومع ذلك اليهودي الذي جاء إلى عمر يعرف ويفهم ولم يوفقوا إلى الإسلام قال آية عظيمة في كتابكم لو نزلت علينا لاتخذنا ذلك اليوم عيداً فقال عمر إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه والمكان الذي نزلت فيه نزلت على رسول الله ﷺ في عرفات في يوم عرفة وفي رواية نزلت في ليلة الجمع ونحن مع رسول الله ﷺ بعرفات قال الأول والمراد بقول {25:31} لاتخذنا ذلك اليوم عيداً من وجهين أنه يوم عرفة أو أنه يوم جمعة وكل منهما لأهل الإسلام أي كل منهما عيد لأهل الإسلام.
وقال القرطبي رحمه الله قوله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وذلك أن النبي ﷺ حين كان بمكة لم تكن إلا فريضة الصلاة وحدها فلما قدم إلى المدينة أنزل الله الحلال والحرام إلى الحج فلما حج وكمل الدين نزلت هذه الآية وقوله وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي أي بإكمال الشرائع والأحكام وإظهار دين الإسلام كما وعدتكم إذا قلت وليتم نعمتي عليكم وهي دخول مكة آمنين مطمئنين وغير ذلك مما تمم هذه الملة الحنفية إلى دخول الجنة برحمة الله تعالى.
هذه الآية الكريمة بين الله تعالى فيها أنه أكمل لنا الدين فليس يحتاج إلى نقص ولا زيادة وفيه أن الله أتم علينا النعمة فالنعمة تامة لا تحتاج إلى زيادة ورضي لنا الإسلام دينا فلا يسخطه أبدا وهذا هو الشاهد فضل الإسلام فضله أن الله رضي هذا الدين رضي الإسلام ديناً فلا يسخطه أبدا هذا هو الشاهد من الآية الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
من فوائد هذه الآية شمول الشريعة الإسلامية لكل متطلبات الحياة بقوله أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ كامل وشامل لكل شيء سواء كان ذلك في العقيدة أو في الأحكام أو في الأخلاق والسلوك أو في المنهج.
ومن فوائد هذه الآية أن من أحدث في هذه الأمور حدثا لم يرد لا في الكتاب ولا في السنة ولا عن السلف فقد طعن في القرآن من أحدث حدثا في العقيدة أو في الأحكام أو في المنهج أو في الأخلاق فقد طعن في القرآن.
ومن فوائد هذه الآية أن من أعظم نعم الله على المسلمين هذا الكتاب العظيم الذي اجتمع فيه الصدق في الأخبار والعدل في الأحكام قال تعالى وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا صدقاً في الأخبار وعدلاً في الأحكام لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ.
ومن فوائد هذه الآية أنه لا يجوز نسبة البدع والمحدثات إلى الدين الإسلامي لا يجوز نسبتها إلى الإسلام فهي ليست من الإسلام وإن انتسب أصحابها إليه.
والآية الثانية وهي قوله تعالى قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ الله تعالى يخاطب نبيه فيقول قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قل يا محمد إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الشاهد يقول لهم يا محمد إن كنتم في شك من ديني فأنا لا أعبد إلا الله ولا أعبد الذين تدعون من دونه ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت من ربي لأن أكون أول المسلمين ومحمد أول المسلمين من هذه الأمة وهذا هو الشاهد.
الشاهد من الباب أن النبي ﷺ مأمور بأن يكون أول المسلمين وهو {29:38} له فمن أعظم نعم الله على المسلمين هذا الكتاب العظيم من أعظم نعم الله على المسلمين هذا الكتاب العظيم الذي اشتمل على الصدق في الأخبار والعدل في الأحكام فمن أعظم نعم الله على المسلمين هذا الكتاب العظيم الذي اشتمل على الصدق في الأخبار والعدل في الأحكام ولا يجوز نسبة ومن أعظم نعم الله على هذه الأمة الإسلام يقول الله تعالى قُلْ يا محمد يَا أَيُّهَا النَّاسُ عموماً للناس عموما إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي وهذا لا يكون إلا من الكفار الشاك كافر الكفر يكون بالشك ويكون بالاعتقاد ويكون بالقول ويكون بالفعل يكون بالقول كمن سب الله أو سب الرسول أو سب الدين أو استهزأ بالله أو بكتابه ويكون بالفعل كمن عبد غير الله أو طاف بالقبر تقربا إليه أو ذبح لغير الله أو استهان بالمصحف أو وطئه بقدميه أو لطخه بنجاسة هذا كفر والكفر بالاعتقاد أن يعتقد أن لله صاحبة وولداً أو اعتقد أن هذا الدين غير صالح للزمان والمكان فيكون الشك كمن شك بالبعث والكتب المنزلة واليوم الآخر ويكون بالظن كالظن الذي ظنه المنافقون ظنوا أنه يقضى على هذا الدين وأنه لا تقوم له قائمة وأنه يقتل أصحاب النبي ﷺ يوم أحد هذا ظن السوء بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا وفي الآية الأخرى وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۖ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا
إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ قال وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ هذا هو الشاهد أن الرسول مأمور وأمته أن يكونوا من المسلمين الذي هو دين الله.
قال الحافظ بن كثير رحمه الله يقول الله لنبيه محمد قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من صحة ما جئتكم به من الدين الحديث الذي أوحاه الله إلي فأنا لا اعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله وحده لا شريك له وهو الذي يتوفاكم كما أحياكم ثم إليه مرجعكم فإن كانت آلهتكم التي تدعون من دون الله حق فأنا لا أعبدها فادعوها فإنها لا تضرني فهي لا تضر ولا تنفع وإنما الذي بيده الضر والنفع هو الله وحده لا شريك له وأمرت بأن أكون من المؤمنين.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن السعدي رحمه الله عن هذه الآية قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ أي في ريب واشتباه فإني لست في شك منه بل لدي العلم اليقين أنه الحق وأن ما تدعون من دونه الباطل ولي على هذا الأدلة الواضحة والبراهين الساطعة ولهذا قال فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ من الأنداد والأصنام وغيرها لأنها لا تخلق ولا ترزق ولا تدبر شيئا من الأمور وإنما هي مخلوقة مسخرة ليس فيها ما يقضي إلى عبادتها وَلَٰكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ أي هو الذي خلقكم وهو الذي يميتكم ثم يبعثكم ليجازيكم بأعمالكم وهو الذي يستحق أن يعبد ويصلى له ويركع ويسجد.
وقال المصنف رحمه الله في تفسير في ذكر مسائل هذه الآية قال الحالة الثانية أن كثيراً من الناس إذا عرف الشرك وأبغضه وتركه لا يحسن بما يريد الله من قلبه من إجلاله وإعظامه وهيبته فذكر هذه الحال وَلَٰكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ هذا كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
والشاهد في قوله إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي وذلك أن هذا الدين الذي جئت به وأوحاه الله إلي لا يمكن لعاقل منصف أن يشك في كماله وصحته وذلك أنه تضمن الدين الحنيف الذي جاءت به كل الرسل من قبلي مع كونه فاق الأديان السابقة بشموليته لجميع متطلبات الحياة.
والآية الثالثة قول الله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم هذا الخطاب في الآية الكريمة موجه إلى المؤمنين عموماً هذه الأمة وغيرها ويحتمل أنه خطاب لأهل الكتاب الذين آمنوا بموسى وعيسى بأن يتقوا الله ويؤمنوا برسوله محمد ﷺ وأنهم إن فعلوا ذلك أعطاهم الله كفلين من رحمته يعني نصيبين من الأجر نصيب على إيمانهم بالأنبياء الأقدمين ونصيب على إيمانهم بمحمد ﷺ ويحتمل أن يكون عاماً يدخل فيه أهل الكتاب وغيرهم ورجح هذا الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله حيث قال إن هذا الظاهر وأن أمرهم بالإيمان والتقوى الذي يدخل فيه جميع الدين ظاهره وباطنه وأصوله وفروعه وأنه يمتثل هذا الأمر العظيم أعطاهم الله كفلين من رحمته لا يعلم قدرهما إلا الله تعالى.
والشاهد من هذه الآية قوله يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وذلك أن المسلمين أجورهم مضاعفة على أجور غيرهم ممن تقدمهم من اليهود والنصارى فدل على ذلك على فضلهم وإنما ذكر الشيخ رحمه الله الحديث الذي يفسر أو الذي يتضمن معنى هذه الآية.
(المتن)
قال رحمه الله:
وفي الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أُجراء فقال: من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط ؟ فعملت النصارى، ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين؟ فأنتم هم فغضبت اليهود والنصارى، وقالوا: ما لنا أكثر عملاً وأقل أجرا؟ قال: هل نقصتُكم من حقكم شيئا ؟ قالوا: لا. قال: ذلك فضلي أوتيه من أشاء
( الشرح )
نعم هذا الحديث كما قال كما قال المؤلف رحمه الله رواه البخاري في الصحيح أخرجه في المواقيت وفي الإجارة وفي أحاديث الأنبياء وفي فضائل القرآن وفي التوحيد وأخرجه عبد الرزاق والترمذي كما ذكر المحقق والبيهقي وأبو يعلى والطبراني وغيرهم وهذا الحديث فيه ضرب المثل مثل النبي ﷺ هذه الأمة وأهل الكتابين اليهود والنصارى والمثل ينتقل فيه الإنسان من الأمر الحسي إلى الأمر المعنوي والله تعالى أكثر من ضرب الأمثال في القرآن العظيم وكذلك النبي ﷺ قال تعالى وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ وكان بعض السلف إذا لم يفهم المثل بكى وقرأ هذه الآية وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ
وقوله مثلكم ومثل أهل الكتابين والمراد بأهل الكتابين كما سبق اليهود والنصارى سموا بأهل الكتابين لأن الله أنزل عليهم التوراة والإنجيل التوراة على موسى والإنجيل على عيسى فاليهود هم أهل التوراة والنصارى هم أهل الإنجيل قوله ومثلكم ومثل الأنبياء قوله مثلكم ومثل أهل الكتاب فيه حذف تقديره مثلكم مع نبيكم ومثل أهل الكتاب مع أنبيائهم مثلكم مع نبيكم ومثل أهل الكتاب مع أنبيائهم كمثل رجل استأجر استأجر أجراء يعني عمالا كما في رواية أخرى فقال من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار غدوة يعني أول النهار الغدوة هي أول النهار على قيراط القيراط جزء من الدينار وفي رواية على قيراط قيراط فعملت اليهود ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط فعملت النصارى ثم قال من يعمل لي من صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين فأنتم هم ؟ فغضب اليهود والنصارى وقالوا ما لنا أكثر عملا وأقل أجراً اليهود طويل وقتهم من غدوة من أول النهار إلى نصف النهار من طلوع الشمس إلى الظهر هذا طويل والنصارى عملوا من الظهر إلى العصر وهذه الأمة من العصر إلى المغرب أقل الظهر أطول وأيضاً الأجرة أولئك على قيراط ،قيراط وهؤلاء أخذوا قيراطين قيراطين فغضبت اليهود والنصارى وقالوا مالنا أكثر عملاً وأقل أجراً قال هل نقصتكم من حقكم شيئاً ؟ قالوا لا .. قالوا ما نقص عملنا فترة طويلة والأجرة قليلة فقال : فذلك فضلي أوتيه من أشاء خلاص هذا اتفاق إذا اتفقت مع شخص ما يعترض عليه اتفقتم على أجرة على عمل معين تتفق مع الثاني أكثر أجرة ما يعترض عليه ليس له اعتراض عليه لأن لك أن تتفضل على هذا بالزيادة ولا حرج في هذا.
للحديث فوائد أن هذه الأمة أفضل من الأمم السابقة كونها عملت عملاً قليلاً وأجرت كثيراً وذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ وسبب تفضيلها على الأمم من قبلها لشرف دينها وهو الإسلام الخاص وقوة يقينها وشرف نبيها لشرف دينها ولقوة إيمانها ويقينها ولشرف نبيها هذا سبب فضل هذه الأمة لشرف دينها وقوة إيمانها ويقينها كما قال عمر إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله.
وفيه من الفوائد أن الثواب للأعمال ليس على قدر من النصب والتعب ولا على جهة الاستحقاق لأن العبد لا يستحق على مولاه لخدمته أجرة بل المولى يعطيه من فضله الثواب للأعمال ليس على قدر التعب ولا على جهة الاستحقاق بالعكس الذي يعمل لسيده لا يستحق شيئاً فإن أعطاه شيئاً فهذا من باب التفضل وإلا له أن لا يعطيه على خدمته أجراً لأنه عبده يتصرف فيه.
وفيه من الفوائد ضرب الأمثال وتقريب المعاني إلى الأذهان وهو كثير في الكتاب والسنة.
وفيما أفاد أن هذه الأمة كانت آخر الأمم لأنه ذكر اليهود والنصارى {42:35 } فهي آخر الأمم ودل عليه قوله ﷺ بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَة كَهَاتَيْنِ ويقرن بين إصبعيه السبابة والتي تليها.
وفيه من الفوائد أن أجر النصارى كان أكثر من أجر اليهود قالوا قيل ولعل ذلك لاعتبار ما حصل لمن آمن من النصارى بموسى وعيسى ما حصل لهم من الأجر مرتين هذا استنباط استنبطه المحقق.
وفيه من الفوائد أن الثواب من الله على سبيل الإحسان وفيه دليل من أهل السنة على أن الثواب من الله على سبيل الإحسان خلاف المعتزلة الذين يقولون إن الثواب أجرة على العمل {43:30}ويجب على الله عقلاً أن يثيب المطيع لأنه يستحق الأجرة يستحق الثواب على الله كما يستحق الأجير أجرته إذا العبد هو الذي يخلق فعل نفسه والعياذ بالله يقول ما لله منا في هذا نعوذ بالله يقولوا هو الذي خلق فعل نفسه كما أنهم يقولون يجب على الله أن يعذب العاصي وليس له أن يعصيه ولا أن يرحمه بل يجب أن يخلده في النار كما أنه توعده والله لا يخلف وعده هذا من جهلهم وضلالهم أولاً الثواب هذا من الله فضل من الله ومنة من الله هو الذي وفق العبد للعمل وهو الذي وفقه للثواب والعبد يستحق الثواب بفضل الله لأنه يستحق على الله وجوباً لأن الله هو المتفضل على عبده ولو حاسب الله العبد {44:23} عليه وعمل لأحاطت النعمة الواحدة بجميع عمله فالثواب من الله على سبيل الإحسان .
(المتن)
وفيه أيضاً عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وللنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة. نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة.
( الشرح )
نعم هذا الحديث أخرجه مسلم وجاء معه ابن ماجه وقد ورد بنص آخر نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له الناس لنا تبع اليهود غداً والنصارى بعد غد وهذا أخرجه البخاري ومسلم.
ومعنى أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا قال {46:01} قال ليس المراد أن يوم الجمعة فرض عليهم بعينه فتركوه لأنه لا يجوز لأحد أن يترك ما فرض الله عليه وهو مؤمن وإنما يدل والله أعلم على أنه فرض عليهم يوم من الجمعة وكل لاختيارهم ليقيموا فيه شريعتهم فاختلفوا في أي الأيام هو ولم يهتدوا ليوم الجمعة وذهبوا إلى غيره ... الفضل بن عياض وأيده بأنه لو كان فرض عليهم بعينهم لقيل فخالفوا بدل فاختلفوا فقال النووي رحمه الله يمكن أن يكونوا أمروا به صريحاً فاختلفوا هل يلزمهم تعيينه أم يسوغ إبداله بيوم آخر فاجتهدوا في ذلك فأخطؤوا وخالفهم العراقي رحمه الله فقال الظاهر والأرجح أنه فرض عليهم يوم الجمعة بعينه فخالف فيه بعضهم بغير حق ما ندري بالإبدال أو غيره من أوجه الغلط والمخالفة كثيرة وهو ظاهر الحديث قد أضل الله على الجمعة من كان قبلنا هذا ظاهر الحديث أنه فرض عليهم بعينه وفرض عليهم تعظيمه فاختلفوا فعوقبوا بالحرمان وهدانا الله له.
قوله نحن الآخرون يعني من أهل الدنيا والأولون يعني يوم القيامة معناه الآخرون في الوجود والزمان والسابقون في الفضل ودخول الجنة وهذا يدل على فضل هذه الأمة.
وفي الحديث العديد من الفوائد فضيلة هذه الأمة حيث هداهم الله لأفضل أيام الأسبوع وهو يوم الجمعة وهذا هو الشاهد من الحديث الثاني أن الله يهدي من يشاء بفضله ويضل من يشاء بعدله لا راد لما قضاه ولا معقب لأمره وهو يتفضل على من يشاء ويهدي من يشاء والهداية ملكه وليس ملكاً للعبد فإذا منعه فمن إرادة الله {48:17}.
ومن الفوائد فضيلة يوم الجمعة حيث اختاره الله تعالى لأمة محمد ﷺ.
وليوم الجمعة خصائص وفضائل كثيرة ذكر ابن القيم في زاد المعاد شيئاً منها:
منها أنه يستحق الصلاة على النبي ﷺ في يوم الجمعة {48:43}.
الساعة في يوم الجمعة لا يوافقها مسلم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه ورد فيها أربعين قولاً ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري أرجحها قولان أحدهما أنها من حين دخول الخطيب حتى تقضى الصلاة إذا قال متى أدعو ؟ نقول ادع إذا سكت الإمام بين الخطبتين وقبل أن يبدأ الخطبة وكذلك أيضاً الدعاء في آخر الخطبة وكذلك الدعاء في السجود وفي آخر التشهد، والساعة الثانية قيل آخر ساعة بعد العصر يوم الجمعة هذي كلها من خصائص يوم الجمعة خاصة أنه خلق فيه آدم وأهبط من الجنة وأخرج منها من خصائص يوم الجمعة.
أن القيامة لا تقوم إلا في الجمعة وله خصائص كثيرة .
(المتن)
قال رحمه الله تعالى:
وفيه تعليقاً عن النبي ﷺ أنه قال: أحبًّ الدين إلى الله الحنيفية السمحة انتهى.
( الشرح )
نعم هذا علقه البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان باب الدين يسر ووصله بالأدب المفرد ووصله أحمد في المسند {50:14} المحقق الطبراني عن طريق يزيد بن هارون والبزار {50:20} وغيرهم قال الحافظ ابن حجر إسناده حسن والمحقق يقول فيه نظر لأحد فيه تصحيح تحسين نظر لأنه في رواية محمد بن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن معروف المدلس معروف المدلس إذا عنعن تكون هذه علة والثاني أنه من رواية داود بن حسين عن عكرمة وهو روايته عنه منكرة يقول المحقق وهذا الحديث ضعيف في الإسناد وله شواهد يتقوى بها متعددة يتقوى بها يقول الحافظ ابن حجر محسنا بشواهده وعلىه فيكون الاعتراض اعتراض المحقق ليس بوجيه الحافظ يقول حسن يعني حسن بشواهده والمحقق يقول ضعيف لكن يتقوى بشواهده المعنى واحد الحديث له شواهد وذكر المحقق منها من شواهد هذا الحديث حديث عائشة قالت قال رسول الله ﷺ لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني بعثت بحنيفية سمحة أخرجه أحمد عن طريق عبد الرحمن بن {51:52}رواه أحمد بسند حسن.
ومنها حديث أبي أمامة يقول خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ مِنْ سَرَايَاهُ قَالَ: فَمَرَّ رَجُلٌ بِغَارٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ قَالَ: فَحَدَّثَ نَفْسَهُ بِأَنْ يُقِيمَ فِي ذَلِكَ الْغَارِ فَيَقُوتُهُ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ مَاءٍ وَيُصِيبُ مَا حَوْلَهُ مِنَ الْبَقْلِ، وَيَتَخَلَّى مِنَ الدُّنْيَا، ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَنِّي أَتَيْتُ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَإِنْ أَذِنَ لِي فَعَلْتُ، وَإِلَّا لَمْ أَفْعَلْ. فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنِّي مَرَرْتُ بِغَارٍ فِيهِ مَا يَقُوتُنِي مِنَ الْمَاءِ وَالْبَقْلِ، فَحَدَّثَتْنِي نَفْسِي بِأَنْ أُقِيمَ فِيهِ وَأَتَخَلَّى مِنَ الدُّنْيَا. قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ بِالْيَهُودِيَّةِ وَلَا بِالنَّصْرَانِيَّةِ، وَلَكِنِّي بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَغَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَمُقَامُ أَحَدِكُمْ فِي الصَّفِّ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِهِ سِتِّينَ سَنَةًأخرجه أحمد والطبراني {52:14} وهو ضعيف {52:21}لكن نقول هذا يعتبر شاهد.
ومنها حديث جابر بن عبد الله عن النبي ﷺ قال بعثت بالحنفية السمحة ومن خالف سنتي فليس مني أخرجه الخطيب والبغدادي وابن النجار وغيرهم إسناده ضعيف لكن يكون شاهدا.
ومنها حديث عبد العزيز بن مروان بن الحكم مرسلا أن النبي ﷺ سئل أي الدين أفضل قال الحنفية السمحة أخرجه أحمد في الزهد من طريق شعيب بن أبي حمزة والبزار كما في كشف الأستار(....) قال قال رسول الله ﷺ بعثت بالحنفية السمحة.
ومنها حديث أبي هريرة قال ،قال رسول الله ﷺ أحب الدين عند الله الحنفية السمحة أخرجه أبو داود و الطبراني في الأوس{53:40} وإسناده ضعيف جداً فيه عبد الله بن {53:44}.
وأما شرح الحديث قول الحنفية أصل الحنف في اللغة الميل والمراد في الحديث من كان على ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام سمي ابراهيم حنيفاً لميله عن الباطل إلى الحق قال الله تعالى مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ السمحة السهلة أنها مبنية على السهولة.
وهذا هو الشاهد من الحديث أن الشريعة الإسلامية مبنية على اليسر والسهولة والسماح فقال الله تعالى وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره أي مشقة وعسر بل يسره غاية التيسير وسهله بغاية السهولة فأوله ما أمر وألزم إلا بما هو سهل على النفوس لا يثقلها ولا يكودها ثم إذا عرض بعض الأسباب الموجبة للتخفيف خفف ما أمر به إما بإسقاطه أو إسقاط بعضه.
ويؤخذ من هذه الآية قاعدة شرعية : وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ وهي أن المشقة تجلب التيسير والضرورات تبيح المحظورات.
وقوله تعالى وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كانتْ عَلَيْهمْ في هذه أن دينه من وصفه أنه سهل سمح ميسر لا إصر فيه ولا أغلال.
وثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت ما خيّر رسول الله ﷺ بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما ًولهذا سمى الإسلام بالملة العوجاء سميت عوجاء كونها مائلة عن الباطل إلى الحق فهي عوجاء وفي نفسها مستقيمة ،مستقيمة وهي في نفس الوقت مائلة عن الباطل وهي في نفس الوقت مستقيمة.