(المتن )
قال المصنف رحمنا الله وإياه:
وعن أُبي بن كعب قال: "عليكم بالسبيل والسنة، فإنه ليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله فتمسه النار، وليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن فاقشعر جلده من مخافة الله إلا كان مثله كمثل شجرة يبس ورقُها، إلا تحاتّت عنه ذنوبه كما تحاتّ عن هذه الشجرة ورقها، وإن اقتصاداً في سنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة".
( الشيخ )
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد..
فهذا الباب الأول في هذه الرسالة التي كتبها الإمام المجدد رحمه الله فضل الإسلام والإسلام كما سبق يجمع أمرين بل ثلاثة أمور الأمر الأول الاستسلام لله تعالى في الباطن استسلام وإخلاص لله تعالى في الباطن والثاني انقياد وطواعية لله في الظاهر من الجوارح والثالث البراءة من الشرك وأهله هذا هو الإسلام استسلام في الباطن وإسلام الوجه إخلاص العمل لله والنية والقصد والثاني انقياد وطواعية من الجوارح في الظاهر والثالث براءة من الشرك وأهله.
ذكر المؤلف رحمه الله في هذا الباب آيات وأحاديث الآية الأولى قوله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا فيه فضل الإسلام وأن الإسلام رضيه الله تعالى رضيه ديناً لنا وما رضيه الله فلا سخط فهذه الآيات فيها بيان فضل الإسلام وأن الله تعالى أكمل الدين والدين إذا أطلق هو الإسلام وهو الإيمان وهو البر وهو التقوى وهو الهدى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ الدين هو الإسلام والدين يجمع ثلاثة مراتب كما في حديث جبرائيل لما سأل عن الإسلام ثم سأل عن الإيمان ثم سأل عن الإحسان فقال رسول الله ﷺ هذا جبريل أتاكم ليعلمكم دينكم فجاء الدين له ثلاثة مراتب الإسلام والإيمان والإحسان.
والْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ يعني فيه فضل الإسلام وأنه كامل لا يحتاج إلى زيادة وليس فيه نقص وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي بأن الله أتم النعمة بهذا الدين على الأمة وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فيه أن الله رضيه لنا ديناً هذا فضل عظيم بالإسلام هذا الإسلام أكمله الله لنا هذا الدين وأتم به علينا النعمة ورضيه لنا ديناً فهذه الآية مناسبة لفضل الإسلام ظاهر.
والآية الثانية قوله تعالى قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ إن كنتم في شك من ديني هذا الدين العظيم الذي رضيه الله لنا وأتم به علينا النعم وأكمله لنا إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
إذاً الله تعالى أمرنا أن نتبع ملة إبراهيم حنيفاً ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا فمن شك في هذا الدين ومن شك في الإسلام فلا نصيب له من الإسلام فقُلْ أيها المسلم لا الشاك فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وهذا يدل على فضل الإسلام وأنه مأمور به الرسول ﷺ وأنه مأمور بهذه الأمة وأنه لا شك ولا ريب في فضله وشرفه.
والآية الثالثة قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ فيه فضل الإسلام والإسلام هو الإيمان بالله ورسوله المسلم هو الذي يؤمن بالله ورسوله وأن المؤمن له كفلين قيل إنها عامة وقيل إنها خاصة.
وفيه أن الإسلام من أسباب مغفرة الذنوب والرحمة ومضاعفة الأجور مضاعفة الأجور قوله يُؤْتِكُمْ ِكفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ هذه المغفرة وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ هذه الرحمة هذا فضل الإسلام فيها فضل الإسلام وأن الإسلام وأن المسلم المتصف بالإسلام يضاعف الله له الأجر ويغفر ذنوبه ويرحمه ويدخله في رحمة الله رحمة الله تنال المسلم وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ قال تعالى وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ والذين يتقون هم المسلمون كتب الله لهم الرحمة وهم الذين يرحمهم الله وهم أهل الجنة والكرامة يدخلون الجنة برحمة الله يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: لن يدخل أحدكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل
إذا ً فالمؤمن هو الذي جاء بالعمل والسبب فمن جاء بالسبب نالته الرحمة ومن لم يأت بالسبب لم تنله الرحمة والمسلم جاء بالسبب والإيمان فدخل في الرحمة وهو من أهل الرحمة هذا من فضل الإسلام أن المسلم تناله رحمة الله فيدخل الجنة برحمة الله وغير المسلم لا تناله الرحمة لأنه ليس له عمل والمسلم تغفر ذنوبه والمسلم يضاعف الله أجوره ودخول هذه الآية في فضل الإسلام ظاهر وواضح.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله حديث ابن عمر في الصحيح في المثل الذي ضربه الرسول ﷺ لهذه الأمة مع نبيها وأهل الكتابين مع أنبيائهم وأن هذه الأمة أكثر أجراً وأقل عملاً قال ذَلِك فَضْليْ أُوتِيْهِ مَنْ أَشَاءْ هذا من فضل الإسلام من دخل في الإسلام وآمن بالرسول محمد ﷺ بعد بعثته فهو من أهل الإسلام بمعناه الخاص الإسلام بمعناه العام هو دين الأنبياء جميعاً التوحيد وما جاء به كل نبي من الشريعة والإسلام بمعناه الخاص هو توحيد الله والإيمان بمحمد ﷺ والعمل بالشريعة الخاتمة وهي شريعة نبينا محمد ﷺ هذه الأمة تضاعف أجورها على الأمم السابقة ففيه فضل الإسلام.
وكذلك حديث أبي هريرة الذي أخرجه الإمام مسلم أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وللنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة. نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة فيه فضل هذه الأمة التي على الإسلام وأن الله هداهم وأنهم من أهل الهداية فيه فضل هذه الأمة وأنهم من أهل الهداية أهل الإسلام هم أهل الهداية وهم أهل الرحمة وهم أهل المغفرة وهم الذين تتضاعف أجورهم ولهذا قال النبي ﷺ وهدانا ليوم الجمعة.
وفيه أن هذه الأمة غيرها تبع لها وهم الآخرون في الزمان والأولون يوم القيامة في الحساب ودخول الجنة ففيه فضل الإسلام وأن أهل الإسلام هم أهل الهداية.
وكذلك التعليق الذي ذكره المؤلف تعليقاً عن النبي ﷺ قال أحبًّ الدين إلى الله الحنيفية السمحة فيه أن الحنيفية السمحة هي الإسلام والإسلام أحب الدين إلى الله الحنيفية المائلة عن الشرك مستقيمة على التوحيد السمحة السهلة التي ليس فيها مشقة ففيه أن أحب الدين إلى الله دين الإسلام وأن دين الإسلام هو الدين القيم المستقيم على التوحيد المائل عن الشرك وأهله وأن دين الإسلام دين سهولة وسماحة ويسر فدل هذا على فضل الإسلام.
ثم ذكر المؤلف أثر أبي بن كعب أنه قال وهو أثر موقوف على أبي بن كعب ليس مرفوع عن النبي ﷺ قال "عليكم بالسبيل والسنة، فإنه ليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن ففاضت عيناه من خشية الله فتمسه النار، وليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن فاقشعر جلده من مخافة الله إلا كان مثله كمثل شجرة يبس ورقُها، إلا تحاتّت عنه ذنوبه كما تحاتّ عن هذه الشجرة ورقها، وإن اقتصاداً في سنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة".
هذا الأثر كما ذكر المحقق ذكره ابن مبارك أخرجه ابن مبارك في الزهد وعنه ابن شيبة ابن أبي شيبة وابن بطة في الإبانة (12:22) عن أنس عن ابن أبي داود عن أبي ابن كعب وعند أبي نعيم عند العالية بدأ بأبي داود هذا الأثر يقول فيه أبي بن كعب "عليكم بالسبيل" والسنة السبيل هو الطريق الموصل إلى الله وإلى دار كرامته السبيل الطريق الموصل إلى الله وإلى دار كرامته وهي الجنة وهي طريق الحق وهي سبيل الرسول ﷺ وسبيل أتباعه قال الله تعالى قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي و سُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وهو الصراط المستقيم الذي أمرنا في كل ركعة أن نسأل الله أن يهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم ونسأل الله أن يجنبنا الطريق المنحرف عن الصراط المستقيم وهو طريق المغضوب عليهم وطريق الضالين اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ
قسم الله الناس ثلاثة أقسام منعم عليهم وهم الذين من الله عليهم بالعلم والعمل ومغضوب عليهم وهم الذين يعلمون ولا يعملون نسأل الله السلامة والعافية وغاوين والقسم الثالث من يعملون بلا عمل يتخبطون في الظلمات هذا الدعاء أنفع دعاء وأعظم دعاء وأجمع دعاء وحاجة العبد إلى هذا الدعاء أعظم من حاجته إلى الطعام والشراب بل أعظم من حاجته إلى النفس الذي يتردد بين جنبيه لأن الإنسان إذا فقد الطعام والشراب والنفس مات الجسم والجسم لا بد من موته إن عاجلاً أو آجلاً ولا يضر الإنسان الموت إذا كان مستقيماً على طاعة الله لكن إذا فقد الهداية مات روحه وقلبه وصار إلى النار وصار تبين من هذا أن حاجة الإنسان إلى هذا الدعاء أعظم من حاجته إلى الطعام وإلى الشراب وإلى النفس.
ومن رحمة الله بنا أنه أوجب علينا أن ندعو بهذا الدعاء في اليوم والليلة سبع عشرة مرة في الفرائض دون النوافل اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ في كل ركعة تدعو بهذا الدعاء في الفرائض والنوافل ما شاء الله كلها فيها دعاء كل ركعة وقبل ذلك علمنا ربنا الثناء عليه سبحانه تمجيده الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ثناء وتمجيد إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ثم بعد ذلك الدعاء تعليم لنا بأن المسلم إذا أراد الدعاء فله أن يثني على الله ويمجده ويصلي على النبي ﷺ ثم يدعو ولهذا لما أراد النبي ﷺ أن يدعو وأن يحمد الله(..) ثم علمه قال إذا دعا أحدكم فليثن على الله ثم يصلي على نبيه ثم ليدع.
فالسبيل هو الطريق الموصل على الله وهو طريق الحق وهو سبيل النبي ﷺ وسبيل أتباعه وهو الصراط المستقيم الذي قال الله تعالى فيه وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ والسنة هي هدي النبي ﷺ وطريقته هي هدي النبي ﷺ وطريقته.
أبي يحث الناس على السبيل والسنة يحث الناس على الطريق الموصل إلى الله وعلى هدي النبي ﷺ والمعنى الزموا طريق الحق الزموا طريق الحق باتباع النبي ﷺ وسنته وهديه.
ثم قال أبي (فإنه ليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله فتمسه النار ) هذا ما دلت عليه الأحاديث دلت عليه الأحاديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ذكر منهم رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه وكذلك أحاديث أخرى عينان لا تمسها النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله.
و ليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن ففاضت عيناه من مخافة الله فتمسه النار، وليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن فاقشعر جلده من مخافة الله إلا كان مثله كمثل شجرة يبس ورقُها، إلا تحاتّت عنه ذنوبه كما تحاتّ عن هذه الشجرة ورقها ) فيه فضل لزوم الحق والاستقامة على المعتقد الصحيح وأن صاحب المعتقد الصحيح ومن لزم السنة واقتدى بالنبي ﷺ وكان صاحب معتقد سليم يغفر له بالعمل اليسير يغفر له بالعمل اليسير وتغفر ذنوبه ولهذا قال من كان على سبيل وسنة فذكر الله خالياً وفاضت عيناه غفرت ذنوبه ومن ذكر الرحمن واقشعر جلده تحاتت ذنوبه لأنه على معتقد سليم وعلى طريق مستقيم ففيه فضل لزوم السنة والاستقامة على الحق وأن الله يضاعف الثواب لمن لزم الحق ولو كان العمل قليلا بخلاف من فسدت عقائدهم وانحرفت سبلهم فإنهم لا تشملهم هذه الفضيلة لأنه قال ليس من عبد على سبيل وسنة كذا وكذا فالذي على سبيل السنة يثيبه الله على العمل القليل أجراً كثيراً وتغفر ذنوبه والذي على البدعة لا يحصل له هذا الذي على البدعة والانحراف لا تحصل له هذه المغفرة ولا يناله هذه الفضيلة.
وقول أبي بن كعب (وإن اقتصاداً في وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة ) هذه العبارة مروية عن عبد الله بن مسعود وأبي الدرداء (20:09) كما ذكر المحقق قوله (إن اقتصاداً في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة ) فيه دليل على أن العمل القليل الموافق للسنة خير من العمل الكثير المخالف للكتاب والسنة عمل قليل يوافق السنة يعادل بل لا يقارن بالعمل الكثير الذي خالف السنة وهذا مأخوذ من النصوص يعني أبي أخذه من النصوص قوله تعالى الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ولم يقل أيكم أكثر عملاً أحسن والأحسن هو الأحرص للصواب لهذا قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى فمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا أخلصه وأصوبه قيل يا أبا علي – كنية الفضيل – ما أخلصه وأصوبه قال إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً فلن يقبل وإذا صواباً ولم يكن خالصاً لن يقبل والعمل الخالص ما كان لله والصواب ما كان موافقاً لشرع الله.
نعم بهذا يتبين من هذا الأثر المروي عن أبي بن كعب مأخوذ من النصوص هذا من نصوص الصحابة تتلمذوا على يد النبي ﷺ ولزموه عليه الصلاة والسلام وسمعوا الوحي ينزل وهم يسألون عما أشكل عليهم ولزموا النبي ﷺ ونشروا دين الله وجاهدوا في سبيل الله وبلغوا دين الله وأدوا أمانة التبليغ .
( المتن )
قال رحمه الله:
وعن أبي الدرداء قال: يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم! كيف يغبنون سهر الحمقى وصومهم؟ ولمثقال ذرة من بِرُّ مع تقوى ويقين، أعظم وأفضل وأرجح من عبادة من المغترين.
( الشيخ )
نعم هذا الأثر كما ذكر المحقق أخرجه أحمد في الزهد (22:30) عن يزيد بن هارون قال أنبأنا أبو سعيد الكندي عن من أخبره عن أبي الدرداء فهذا الأثر فيه مجهول عن من أخبره فيكون ضعيفا الراوي عن أبي الدرداء ولكن معناه صحيح ويؤيده أثر أبي الدرداء السابق
( يا حبذا نوم الأكياس ) يا حبذا مدح والأكياس جمع كيّس وهو العاقل ومنه حديث الكيس من دان نفسه يعني اللبيب الحازم الفطن من دان نفسه من حاسب نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني والأكياس جمع كيس وهو العاقل والكيس في الإنسان خلاف الخرق والحمق والعجز لأن الكيس مجتمع الرأي والعقل يقال رجل كيس ورجال أكياس الكيس اللبيب الحازم الفطن صاحب الرأي والعقل السليم. يا حبذا نوم الأكياس العقلاء الذين أرشدتهم عقولهم إلى الاستقامة والعمل بالسنة.
يقول أبو الدرداء ( يا حبذا نوم الأكياس ) يعني ولو كانوا يأكلون إفطارهم ولو كانوا نائمين ولو كانوا يفطرون لا يصومون كثيراً من النوافل ولا يصلون كثيراً من الليل لكن على السنة والاستقامة على السنة والاستقامة إذا عملوا قليلا آجرهم الله كثيراً هذا وإن كان فيه ضعف وانقطاع لكن تؤيده النصوص الأخرى ويؤيده قول أبي الدرداء هذا فيكون حسن بشواهده.
يقول إن الأكياس والعقلاء ولو كانوا يعملون قليلا لو كانوا ينامون بالليل يصلون قليلا ويفطرون كثيراً ولا يصومون لكنهم يغبنون الحمقاء سهر الحمقى الحمقى جمع أحمق وهو ناقص العقل وهو ضعيف العقل الأحمق وناقص العقل الذي يتبع الأهواء المظلة من نقص عقله والكيس العاقل والحازم الذي يلزم السنة فالأكياس والعقلاء الذين لزموا السنة يغبنون الحمقى ضعفاء العقول ناقصو العقول الذين يتبعون الهوى والبدع فالحمقى الذين يتبعون الهوى والبدع يصلون كثيرا في الليل لكن على غير سنة ويصومون كثيراً لكن على غير سنة والأكياس أقل منهم يفطرون كثيراً لكن يصومون ، يصومون قليلا لكن إذا صاموا على السنة ويصلون بعض الليل وينامون لكن إذا صلوا على السنة فالأكياس يغبنونهم يعني يسبقونهم الأكياس عملهم قليل لا يسهرون الليل كما يسهر الحمقى ،الحمقى يسهرون في صلاة الليل لكن على غير سنة بل على بدعة ويصومون كثيراً على غير سنة والأكياس ينامون كثيراً في الليل ويصلون ما تيسر ويفطرون كثيراً من الأيام ويصومون ما تيسر لكنهم يسبقون الحمقى وذلك أن الحمقى يتبعوا الأهواء المضلة والأكياس يتبعوا السبيل والسنة على سبيل وسنة.
يؤيد هذا الكلام ابن القيم رحمه الله في الفوائد كما نقل المحقق أنه قال ( وهذا من جواهر الكلام وأدله على كمال فقه الصحابة وتقدمهم على من بعدهم في كل خير ) قد يكون من بعض الصحابة بعضهم أكثر عملاً والصحابة أقل عملاً والصحابة على سبيل وسنة وغيرهم ممن تأخر يفوته السبيل والسنة.
قال ابن القيم رحمه الله ( اعلم أن العبد إنما يرفع منازل السير إلى الله بقلبه وهمته لا ببدنه ) وفيه هذا الأثر كما تقدم من كلام أبي أن العمل القليل مع الإخلاص وحسن القصد والنية خير من العمل الكثير بدون ذلك ) يريد أن يجعل العمل الثابت والمشروع في الكتاب والسنة لا يمكن أن يوفيه حقه إلا القليل يعني الذي يستقيم على طاعة الله قلة والذي على الإخلاص والمتابعة هؤلاء قلة من الناس قال الله تعالى وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ وفي هذا الأثر أيضاً الحذر من الإعجاب بالنفس والإدلاء بالعمل على الله لأن هذا سبب حبوط العمل وعدم قبوله الإنسان يعجب بنفسه مثل هؤلاء الحمقى الذي يسهرون ويصلون الليل ويصومون الأيام ويعجبون بأنفسهم يغترون ولهذا قال أبو الدرداء في هذا الأثر ( يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم كيف يغبنون سهر الحمقى وصومهم ومثقال ذرة من بِرُّ مع تقوى ويقين، أعظم وأفضل وأرجح من عبادة من المغترين ) يغترون هؤلاء يصومون النهار ويصلون الليل فيغترون لكن عملهم هذا فيه نقص فيه مخالفة ليسوا على سبيل وسنة فيغبنهم ويفوق عليهم الأكياس بعملهم القليل وهذا واضح ،واضح في هذا الأثر فضل الإسلام أن الإسلام فضله عظيم فمن كان على الإسلام والسنة فإن الله يضاعف له الأجور ولو كان العمل قليلا فدل هذا على فضل الإسلام من الإسلام والاستقامة من كان على استقامة وسبيل وطريق صحيح وإخلاص لله وبراءة من الشرك وأهله وابتعد عن البدع وانقاد بجوارحه بحسب ما يرسمه الله له فإنه يغبن أصحاب العمل الكثير الذين ليسوا على هذا الوصف .
( المتن )
قال رحمه الله تعالى:
( الشيخ )
هذا الباب الثاني من أبواب هذا الكتاب الباب الأول باب فضل الإسلام و الباب الثاني باب وجوب الإسلام لما ذكر فضله فضل الإسلام ذكر وجوبه وفرضيته فالإسلام الذي هذا فضله واجب باب وجوب الإسلام هو فرض لازم لأنه الدين الذي ارتضاه الله لجميع الناس وفرض لازم لكل أحد يجب على كل أحد أن يسلم وأن يدخل في هذا الدين ليس له خيار قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار هذا الحديث مناسب إتيانه في هذا الباب المؤلف في هذا الباب لكنه ما أتى به.
وكذلك أيضاً قول الله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً أي ادخلوا في الإسلام هذا أمر والأمر الوجوب هذه مناسبة كان الأولى أن يؤتى بهذه الآية لكن رحمه اكتفى بالآيات والأحاديث التي ذكرها. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً السلم يعني الإسلام وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ
والإسلام هنا ما عليه أمة محمد ﷺ وهو الإسلام الخاص وهو ما عليه هذه الأمة وما جاء به محمد ﷺ فيجب اتباع والتزامه واعتقاده وأنه ناسخ لجميع الأديان قال الله تعالى وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ
قال المؤلف رحمه الله إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وجه الدلالة من الآية أن الدين أن الإسلام الذي هو الدين عند الله يجب على كل أحد أن يدين به وأن يدخل فيه إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ إذاً المعنى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ المعنى ادخلوا في هذا الدين واتبعوه.
قبل هذا قوله الآية قوله تعالى وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ هذه الآية الأولى التي ذكرها في وجوب الإسلام هذه دليل على وجوب الإسلام لأن الله أخبر أن من ابتغى ديناً غير الإسلام فلا يقبل منه وهو في الآخرة خاسر فدل على وجوب الإسلام ووجوب الدخول فيه إن الله بين أن من ابتغى ديناً غير الإسلام فلا يقبله الله وهو خاسر ولهذا قال الحافظ بن كثير رحمه الله عن هذه الآية أي من سلك طريقاً سوى ما شرعه الله فلن يقبل منه من سلك طريقاً سوى ما شرعه الله فلا يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين كما قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ففي هذه الآية دليل ظاهر على وجوب الدخول في الإسلام والتزام تعاليمه ظاهراً وباطناً وأن ما سواه من الأديان باطلة مردودة وغير مقبولة.
والآية الثانية قوله تعالى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ والله تعالى أخبر أن الدين عنده والذي رضيه هو الإسلام إذاً يجب على كل إنسان أن يدين بدين الإسلام قال الحافظ ابن كثير رحمه الله عن هذه الآية إخبار منه تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام والإسلام هو اتباع الرسل بما بعثهم الله به في كل حين حتى ختموا بمحمد ﷺ الذي سد الله جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد ﷺ فمن لقي الله بعد بعثة محمد ﷺ بدين على غير شريعته فليس بمتقبل كما قال الله تعالى وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ
وفيه دليل على أن الأديان التي عليها اليهود والنصارى وغيرهما باطلة مردودة غير مقبولة واليهود يتوهمون أنهم على دين مقبول وهذا توهمهم باطل اليهود والنصارى كلهم يتوهم أنه على حق وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ فهم يتوهمون أنهم على دين مقبول مع تكذيبهم لمحمد ﷺ فهذا من باب الأماني فليسوا على شيء وليسوا على دين.
وقوله تعالى وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ قال الشاطبي الصراط المستقيم هو سبيل الله وهو السنة والسبل هي سبل أهل الاختلاف المخالفين الحايدين عن الصراط المستقيم وهم أهل البدع والصراط المستقيم هو سبيل الله والسبل المعوجة هي سبل أهل البدع ولا يسمونها سبل المعاصي لأن المعاصي من حيث هي معاصي لم يجعلها أحد طريقا تسلك دائماً على سبيل التشريع وإنما هذا الوصف خاص بالبدع والمحدثات قال مجاهد السبل البدع والشبهات فاتبعوه ولا تتبعوا السبل اتبعوا والزموا الحق وابتعدوا عن الشبهات قيل أن المراد بالسبل الطرق المختلفة التي عليها اليهود والنصارى وغيرهم.
( المتن )
قال رحمه الله:
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد أخرجاه، وفي لفظ من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد.
( الشيخ )
نعم هذا الحديث هو حديث عائشة رضي الله عنها رواه الشيخان البخاري ومسلم بلفظ من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد هذا ما جاء به الرسول ﷺ من الشريعة من أحدث فيه شيئاً فهو مردود عليه وفي رواية في لفظ لمسلم من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد وكل عمل ليس عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على صاحبه.
هذا الحديث أخرجه البخاري في كتاب الصلح ومسلم في كتاب الأقضية وغيرهم وأحمد وأبو داود وابن ماجة والدارقطني وابن حبان وجمع (39:01) القاسم بنمحمد عن عائشة.
وهذا الحديث حديث عظيم يعتبر من الأحاديث الذي يدور عليها الإسلام هو وحديث إنما الأعمال بالنيات قيل إن إنما الأعمال بالنيات هذا النصف لأنه ميزان للأعمال الباطنة والنصف الثاني عليه هذا الحديث من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد لأنه ميزان الأعمال الظاهرة هذا ميزان للأعمال الباطنة وهذا ميزان للأعمال الظاهرة ولهذا قيل هو نصف الدين وقيل ثلثه وقيل ربعها.
لحافظ ابن رجب رحمه الله تكلم على هذا الحديث من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد قال هذا الحديث أصل عظيم من أصول الدين وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها كما أن حديث الأعمال بالنيات ميزان للأعمال في باطنها فكما أن كل عمل لا يراد به وجه الله فليس لعامله فيه ثواب فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على عامله.
كلام عظيم كلام يكتب بماء الذهب للحافظ ابن رجب درر.
وقال النووي رحمه الله هذا الحديث مما ينبغي أن يعتنى بحفظه واستعماله في إبطال المنكرات وإشاعة الاستدلال به.
النووي رحمه الله يقول هذا الحديث ينبغي أن يعتنى بحفظه يحفظ ويستعمل ويفعل هذا الحديث يعمل به في رد المنكرات إبطال المنكرات كل منكر كل بدعة تبطل بهذا الحديث لأن النبي ﷺ يقول من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد فهو مردود عليه قالوا وقد عد الأئمة هذا الحديث من الأحاديث التي عليها مدار الإسلام وهذا هو الحديث الخامس من أحاديث الأربعين النووية.
ومن فوائد هذا الحديث ودلالاته وأحكامه كمال هذا الدين لأن هذا الدين كامل لأن النبي ﷺ قال من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد من أحدث حاجة في الدين فهو مردود لأن الدين كامل فيه كمال هذا الدين لقوله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا
قال أبو الدرداء : لقد توفي رسول الله ﷺ وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا ذكر لنا منه علماً.
وفيه من الفوائد أن من شرط قبول العمل أن يكون الإنسان متبعا للنبي ﷺ من شرط قبول العمل موافق للشريعة متبعاً فيه للرسول ﷺ فإذاً العمل لا يقبل إلا بشرطين العمل لا يقبل إلا بشرطين الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله ﷺ قد دل على هذين الشرطين قوله وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ أسلم يعني أخلص وهو محسن يعني متبع لرسول الله ﷺ.
( المتن )
قال رحمه الله:
قال رحمه الله وللبخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى - قيل: ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى.
(الشيخ)
نعم هذا الحديث أخرجه البخاري رحمه الله في الاعتصام باب الاقتداء بسنن رسول الله ﷺ وأخرجه الإمام أحمد أيضاً والحاكم وأنه شرحه(..) أبي سعيد الخدري وابن حبان (43:26) –( 43:34) وهو حديث ثابت وإذا جاء الحديث في البخاري أو في مسلم فقد تجاوز القنطرة (43:45) ومع ذلك رواه أيضاً أهل السنن والمسانيد وجامع الأطراف.
وفي هذا الحديث من الفوائد وجوب طاعة النبي ﷺ و الانقياد لأمره لأن طاعته من طاعة الله كما قال الله تعالى مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ لأن طاعة النبي ﷺ من تحقيق تمام تحقيق شهادة أن محمدا رسول الله لأن شهادة أن محمدا رسول الله ليست كلمة يقولها الإنسان بلسانه بل لا بد من معرفة المعنى وطاعة الرسول ﷺ في الأوامر وتصديقه في الأخبار واجتناب المنهيات والمحرمات وأن لا يعبد الله إلا بما شرع وكل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قيل: ومن أبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى بوجوب طاعة النبي ﷺ.
وفيه من الفوائد من عصى النبي ﷺ وامتنع من طاعته فقد أبى دخول الجنة أن من عصى رسول الله ﷺ وأبى الدخول في طاعته فقد أبى دخول الجنة ومن هو الذي يأبى هل هو الكافر أو العاصي؟ ومن عصاني فقد أبى.
قال الحافظ ابن حجر الوصوف بالإباء هو الامتناع إن كان كافرا فهو لا يدخل الجنة أصلاً وإن كان مسلماً فالمراد من منعه دخولها مع أول داخل إلى ما شاء الله قال الرسول ﷺ من أطاعني فقد دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى قيل ومن يأبى قال من أطاعني فقد دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى من هو الذي يأبى كل الكافر إذا أبى كان كافراً امتنع عن الدخول في الإسلام يكون كافراً وإن كان مسلماً لا يدخل الجنة مع الأولين لأنه قد يحاسب قد يدخل النار أولاً ثم يدخلها بعد ذلك فإذا كان عاصياً يكون منعه من دخولها مؤقت لأنه قد يعذب قد يحاسب وقد يعفى عنه فيدخل الجنة مع الأولين.
( المتن )
قال رحمه الله:
وفي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحدٌ في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومُطَّلِبٌ دم امرئ مسلم بغير حق لِيُهريق دمه رواه البخاري.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى قوله سنة الجاهلية يندرج فيها كل جاهلية مطلقة أو مقيدة، أي في شخص دون شخص، كتابية، أو وثنية، أو غيرهما من كل مخالفة لما جاء به المرسلون.
(الشيخ)
نعم هذا الحديث رواه البخاري في الصحيح أخرجه البخاري في الديات باب من طلب دم امرئ بغير حق من طريق نافع بن جبير عن ابن عباس وقد انفرد به عن أصحاب الكتب الستة فلم يروه مسلم ولا أصحاب السنن الأربعة أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه انفرد به البخاري من طريق نافع بن جبير عن ابن عباس أن الرسول ﷺ قال أبغض الناس إلى الله ثلاثة.
فيه من الفوائد إثبات صفة البغض لله فيه من الفوائد إثبات صفة البغض لله وهي صفة كمال تليق بجلال الله وعظمته كما هو مذهب أهل السنة والجماعة فيه قوله تعالى يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ فيه إثبات صفات الحب المحبة لله إثبات صفة المحبة لله وإثبات صفة البغض فإن أبغض الناس إلى الله ثلاثة.
وفيه أن تحديد العدد ثلاث غير مراد وإنما يحصر إن في بعض الأمور لغرض ما هناك من يبغضهم الله غير هؤلاء الثلاثة ليس هذا حصر لكن ذكروا هنا لغرض أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحدٌ في الحرم
قوله ملحد في الحرم أصل الإلحاد الميل والعدول عن الشيء والملحد هو المائل عن الحق وهذه الصيغة تستعمل للخارج عن الدين فإذا وصف بها من ارتكب المعصية كان ذلك إشارة إلى عظمها ملحد قال الله تعالى وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ملحد المائل عن الحق إلى الباطل المائل عن الحق والعدل إلى الباطل والجور ومن أراد الإلحاد في البلد الحرام فإنه متوعد بهذا الوعيد قال تعالى وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ.
قال ابن كثير رحمه الله قال الحافظ ابن كثير أي يهم فيه بأمر فضيع من المعاصي الكبار وقوله بِظُلْمٍ أي عامداً قاصداً يعني من هم فيه بالظلم مجرد الهم عامداً فإن الله تعالى يذيقه العذاب الأليم هذا من خصائص الحرم أن من أراد الإلحاد فيه أذاقه الله العذاب الأليم وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ قال الحافظ ابن كثير أي يهم فيه بأمر فضيع من المعاصي الكبار قوله بِظُلْمٍ يعني عامداً قاصداً.
وروي عن ابن عباس أنه قال بِظُلْمٍ أي بشرك.
وقال مجاهد أن يعبد فيه غير الله قال أيضاً بِظُلْمٍ يعمل فيه عملاً سيئاً.
وهذا من خصوصيات الحرم أن يعاقب البادئ فيه هذا من خصوصيات الحرم من خصوصيات الحرم أن يعاقب البادي فيه بالشر إذا كان عازماً عليه وإن لم يغفر هذا الإلحاد.
إذاً الملحد هو المائل عن الحق والعدل هذه الصيغة تستعمل للخارج عن الدين فهذا من خصوصيات الحرم أن يعاقب البادئ فيه بالشر إذا كان عازماً عليه وإن لم يغفر.
وروي عن ابن مسعود أنه قال لو أن رجلا أراد في الحرم إلحاد بظلم وهو بعدن أبين لأذاقه الله من العذاب الأليم.
هذه الخصلة الأولى الأول من الثلاثة الذين يبغضهم الله ملحد في الحرم.
والثاني مبتغ في الإسلام سنة جاهلية الجاهلية اسم جنس يعم جميع ما كان من أهل الجاهلية يعملونه من الأمور المخالفة للشرع جاهلية اسم جنس يعم جميع ما كان أهل الجاهلية يعتمدونه من الأمور المخالفة للشرع وهي كثيرة بعض الأمور الجاهلية بعضها كفرية وبعضها بدعية وقد أجملها المؤلف الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في رسالة أسماها مسائل الجاهلية و ذلك أن المصنف...
وذكر المصنف شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال قوله سنة الجاهلية يندرج فيها كل جاهلية مطلقة أو مقيدة ذكر المصنف قول شيخ الإسلام قال ابن تيمية قوله سنة جاهلية يندرج فيها كل جاهلية مطلقة أو مقيدة يعني في شخص دون شخص كتابية أو وثنية أو غيرها هذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية يرى رحمه الله أن الجاهلية ليست مختصة بأزمنة مضت أو بأمة بادت بل كل ما خلا من الكتاب والسنة فهو من الجاهلية، الجاهلية ليست مختصة بأزمنة مضت المراد أن شيخ الإسلام أن الجاهلية ليست مختصة بأزمنة مضت أو بأمة بادت بل كل ما خالف الكتاب والسنة فهو جاهلية.
والثالث من الثلاثة الذين يبغضهم الله قوله ومُطَّلِبٌ دم امرئ مسلم بغير حق لِيُهريق دمه مطّلب بالتشديد أصلها مت طلب مت طلب فأبدلت التاء طاء فصارت مطّلب والمراد من يبالغ في الطلب ويتكلف فيه مُطَّلِبٌ دم امرئ مسلم بغير حق لِيُهريق دمه هذا الثالث مطّلب يعني يطلب ويبالغ في الطلب ويتكلف دم امرئ مسلم بغير حق والمقصود بغير حق يعني عدواناً وظلماً.
وخرج من طلب دم امرئ بحق كالقصاص هذا لا يدخل فيه هذا وفيه دليل على أن العزم المؤكد مع البذل بالأسباب يؤخذ العبد به وإن لم يفعله الذي يطّلب يطلب دم امرئ مسلم مع عزم مؤكد ويبذل الأسباب يؤخذ العبد به وإن لم يفعله فدل عليه قوله ومن همّ بحسنة.
فهذا الحديث فيه أن هؤلاء الثلاثة يبغضهم الله الملحد في الحرم والمبتغي في الإسلام سنة جاهلية ومطّلب دم امرئ مسلم بغير حق.
والشاهد مبتغ في الإسلام سنة الجاهلية هذا هو الشاهد في الحديث أن من يبتغي في الإسلام سنة ،سنة جاهلية هذا كتابية أو وثنية أو غيرها من كل من خالف ما جاءت به الرسل فهو ممن يبغضهم الله لكونه أخل في الإسلام و الواجب هو الدخول في الإسلام لقوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً.
( المتن )
قال رحمه الله:
وفي الصحيح عن حذيفة قال: يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقا بعيداً ، فإن أخذتم يمينا وشمالا فقد ضللتم ضلالا بعيدا.
(الشيخ)
نعم وهذا الأثر رواه البخاري في الصحيح وهو موقوف على حذيفة قال يا معشر القراء ،القراء هم العلماء يحفظون ويتعلمون المعاني ويعملون بها كما قال أبو عبد الرحمن السلمي التابعي للدليل من القرآن حدثنا الذين يقرؤوننا القرآن عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي ﷺ عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا معانيها والعمل بها قال فتعلمنا العلم والعمل جميعاً ليسوا كالمتأخرين.
ولهذا كان القراء أصحاب مجلس عمر شبابا كانوا أو كهولا القراء هم العلماء ثم حدث في المتأخرين القراء غير علماء ولهذا قال الفقهاء من يقدم في الإمامة الأقرأ أو الأعلم في السنة ؟ يقدم الأقرأ إذا كان يستطيع أن يقيم الصلاة بحيث لو حصل عليه خلل لو حصل عليه شيء في صلاته لأصلح الخلل لأن عنده فقه في صلاته أما إذا كان ما عنده ليس عنده بصيرة قال ما عنده بصيرة في صلاته وحصل أمر ما يستطيع أن يعلم ماذا يعمل حينها يقدم الأعلم لكن أصحاب مجلس عمر قراء هم القراء هم العلماء ليس منهم قارئ ليس بعالم ولهذا قال حذيفة : يا معشر القراء يعني معشر العلماء الذين تقرؤون القرآن وتعملون به وتعلمون معانيه استقيموا ،استقيموا على أي شيء؟ على طاعة الله استقيموا الزموا طريقة الاستقامة على الكتاب والسنة كما قال تعالى إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا استقيموا فقد سبقتم سبقاً بعيداً يعني استقمتم يعني استقمتم يعني استبقتم سبقاً بعيداً سبقتم غيركم فإن أخذتم يميناً وشمالاً انحرفتم عن الجادة لقد ضللتم ضلالاً بعيداً.
هذا الأثر أخرجه البخاري في الاعتصام في الكتاب والسنة وأخرجه (59:33) – (59:42) وغيرهم قوله يا معشر القراء المراد ما سبقهم من العلماء في القرآن والسنة وهم العباد وهم العباد العلماء استقيموا الزموا طريق الاستقامة على الكتاب والسنة آخذين من قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ.
قوله قد سبقتم بفتح السين بعضهم حكاها بضمها لكن المعتمدة السين فقد سبقتم أنتم إن استقمتم سبقاً بعيداً أي ظاهراً ووصفه بالموعود لأنه غاية لأنه غاية (01:00:26) السابقين قال الحافظ ابن حجر والمراد أنه خاطب بذلك من أدرك أوائل الإسلام لأن حذيفة ما يخاطب من يقول استقيموا يا معشر القراء قال هذا بعد وفاة النبي ﷺ يخاطب من؟؟ نعم يخاطب القراء يقول استقيموا الزموا طريق الاستقامة على الكتاب والسنة إن استقمتم فقد سبقتم سبقاً بعيداً أي ظاهراً ووصفه بالموعود لأنه غاية (01:01:04) السابقين قال الحافظ ابن حجر أن المخاطب بذلك من أدرك أوائل الإسلام يعني من جاء بعد الصحابة فإذا تمسك بالكتاب والسنة سبق إلى كل خير لأن من جاء بعده ومن عمل بعمله لم يصل إلى ما وصل إليه من سبقه إلى الإسلام وإلا فهو أبعد منه حساً ومعنى .
( المتن )
قال رحمه الله:
وعن محمد بن وضاح: أنه كان يدخل المسجد فيقف على الحلق فيقول فذكره وقال: أنبأنا ابن عيينة، عن مجالد عن الشعبي، عن مسروق، قال عبد الله
( الشيخ )
فذكّر عندك أو فذكَرَ ؟ يعني ذكَر مثل ما قال حذيفة يدخل السوق فيقف على الحلق فيقول يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقا بعيدا، فإن أخذتم يمينا وشمالا فقد ضللتم ضلالا بعيدا.ولهذا قال فذكر ذكر ما سبق نعم وقال
(المتن )
وقال: أنبأنا بن عيينة، عن مجالد عن الشعبي، عن مسروق، قال عبد الله -يعني ابن مسعود - ليس عام إلا والذي بعده أشر منه، لا أقول أمطر من عام ولا عام أخصب من عام، ولا أمير خير من أمير، لكن ذهاب علمائكم وخياركم، ثم يحدث أقوام يقيسون الأمور بآرائهم فيهدم الإسلام ويثلم.
(الشيخ)
نعم هذا من جنس أو مماثل لأثر حذيفة يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقا بعيدا يعني استقمتم فإن أخذتم يمينا وشمالا فقد ضللتم ضلالا بعيدا.
كذلك محمد بن وضاح كان يدخل المسجد ويقف على الحلق الحلقة ويقول لهم هذا فذكره يقف على الحلقة ويقول يا معشر القراء استقيموا فإن استقمتم فقد سبقتم سبقا بعيدا، فإن أخذتم يمينا وشمالا فقد ضللتم ضلالا بعيدا.
المخاطب بذلك من أدرك أوائل الإسلام يعني من التابعين لأنه إذا سبق وتمسك بالكتاب والسنة سبق إلى كل خير فالذي يجيء بعده لا يسبقه ولا يصل إليه.
وفيه إغراء وحث لهؤلاء القراء للتمسك بتعاليم الإسلام واقتفاء آثار النبي ﷺ ظاهراً وباطناً في الاعتقاد والسلوك والمعاملات.
قال فإن أخذتم يمينا وشمالا يعني إذا خالفتم الأمر الذي جاء عن الله وعن الرسول ﷺ ولم تتبعوا آثار النبي ﷺ فقد ضللتم ضلالا بعيداً وهذا منتزع من قوله تعالى وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ
وفي هذا ذكر الدليل على علم حذيفة وصدعه بالحق وتذكيره لهؤلاء القراء بذلك.
وقول عبد الله بن مسعود ليس عاما إلا والذي بعده أشر منه، لا أقول عام أمطر من عام ولا عام أخصب من عام، ولا أمير خير من أمير، لكن ذهاب علمائكم وخياركم، ثم يحدث أقوام يقيسون الأمور بآرائهم فيهدم الإسلام ويثلم. فيه دليل على أنه ينبغي للمرء الإنسان أن يدعو إلى الله وان يدعو الناس عموماً وللقراء والحفاظ خصوصا التمسك بتعاليم الإسلام واقتفاء آثار النبي ﷺ.
وأثر عبد الله بن مسعود رواه ابن وضاح في كتاب البدع والنهي عنها وأخرجه الدارمي في السنن في سننه وهذا الأثر قد ذكره الحافظ ابن حجر كما ذكر المحقق لكن في إسناده مجادل بن سعيد الهمداني وهو ضعيف ليس بقوي كما في التقريب لكن له شواهد يتقوى بها.
وقول ابن مسعود ليس عام إلا والذي بعد أشر منه، لا أقول عام أمطر من عام ولا عام أخصب من عام، ولا أمير خير من أمير فيه إشارة إلى سنة من سنن الله الكونية أنه كلما تقدم الزمان كلما عظم الشر والفساد ليس عام إلا والذي بعده أشر منه كلما تقدم الزمان كلما عظم الشر والفساد لقوله ليس عام إلا والذي بعد أشر منه.
ويدل على هذا ويؤيده ما رواه البخاري عن أنس عن النبي ﷺ قال : لا يأتي عليكم زمن إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم رواه البخاري في الصحيح فهذا يشهد لأثر الشعبي قال الحافظ قال ابن بطال من شراح البخاري هذا الخبر من أعلام النبوة بإخبارهم بفساد الأحوال وذلك من الغيب الذي لا يعلم بالرأي وإنما يعلم بالوحي يقول لا يأتي عام إلا والذي بعد أشر منه هذا قاله بالوحي فيه علم من أعلام النبوة بإخبارهم بفساد الأحوال وذلك من الغيب الذي لا يعلم بالرأي وإنما يعلم بالوحي.
وهذا في الجملة لا يأتي عام إلا والذي بعد أشر منه وإلا قد يأتي زمان خير من الذي قبله قد يكون في مكان في الزمان الذي فيه الأئمة الإمام أحمد وغيره قد يفوق قد يكون خير من الزمان الذي سبقه والزمان الذي فيه الدعاة والمصلحين خير من الزمان الذي سبقه الزمان الذي فيه محمد بن عبد الوهاب وأئمة الدعوة خير من الزمان الذي سبقه انتشرت فيه الوثنية فهذا في الجملة وقد يكون هنا.
لا أقول عام أمطر من عام قد يكون هذا يعني قاله ابن مسعود يبين فيه هذا الأمر الذي فهمه من النبي ﷺ كما فهمه أنس وقوله لا أقول عام أمطر من عام ولا عام أخصب من عام مراده أن الشر لا يرتبط بالقطر ولا بالجدب قد يكون جدب ولا يكون شرا وقد يكون فقر ولا يكون شرا لا أقول أمطر من عام ولا عام أخصب من عام ولا أمير خير من أمير وكذلك لا يكون مرتبط بأشخاص كما قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها كما تنافسها الذين من قبلكم، فتهلككم كما أهلكتهم متفق عليه.
وفيه أن الشر ليس مرتبطا بالأمراء والحكام وإنما السبب هو قوله ذهاب علمائكم وخياركم ثم يحدث أقوام يقيسون الأمور بآرائهم فيهدم الإسلام ويثلم يعني ليس الشر مرتبطا بالفقر ولا بالجدب ولا بالأشخاص والحكام وإنما هذا يكون بموت العلماء يكون هذا بموت العلماء الربانيين الذين يقيسون الأمور بميزان الشرع فإن ذهابهم ذهاب العلم ومن ثم ذهاب الخير الذي في المسلمين ذهاب العلماء فيه ذهاب العلم ذهاب الخير وذلك أن المسلمين تميزوا عن غيرهم من الأمم بالعمل بالوحي المنزل من السماء فإذا فقدوه حصل من الشر بمقدار ما قدموه فقد حصل فيه من الشر بمقدار ما فقدوه من الوحي كما حدث لغيرهم من الأمم.
ويدل على ذلك ما ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو بن العاص يقول سمعت رسول الله ﷺ يقول إن الله لا يقبض العلم انتزاعا من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، فإذا لم يبقى عالم وفي لفظ لم يُبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا؛ فأفتوا بغير علم؛ فضلوا وأضلوا وإلى هذا أشار بن مسعود بقوله يقيسون الأمور بآرائهم فيهدم الإسلام ويثلم إذا مات العلماء والأخيار لا بد أن يحل محلهم غيرهم الوظائف لا بد أن يكون لها من يشغلها العلماء يتولون الإفتاء والقضاء والحسبة فإذا مات العلماء من يتولى هذه الفتوى؟ يتولاها غيرهم يتولاها من ليس أهل لها وحينئذ يستسلم الناس ويضطرون إلى الفتوى ما يقولون ما نعلم لأنه وضع لهذا مفتيا فيسألونهم فيفتون بغير علم فيضلون ويضلون كما في حديث عبد الله بن عمرو رواه البخاري إن الله لا يقبض العلم انتزاعا من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالاً؛ فسئلوا؛ فأفتوا بغير علم؛ فضلوا وأضلوا وهذا هو معنى قول ابن مسعود ثم يأتي أقوام يحدث أقوام يقيسون الأمور بآرائهم فيهدم الإسلام ويثلم.
وفي هذا الأثر دليل على التحذير من القول على الله بغير علم تحذير من الدعوة إلى الله على غير هدى وبصيرة كما قال تعالى قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ والقول على الله بلا علم من أكبر الكبائر بل جعله الله من فوق الشرك قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ جعلها فوق الشرك جعل القول على الله بلا علم يشمل الشرك وغيره والشرك قول على الله بلا علم ومن إرادة الشيطان إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ وهو من أمر الشيطان وإرادته القول على الله بلا علم.