شعار الموقع

فضل الإسلام لمحمد بن عبدالوهاب (4) من: باب وجوب الدخول في الإسلام كله" إلى: باب قول الله تعالى: فأقم وجهك للدين حنيفاً

00:00
00:00
تحميل
174

( المتن )

قال المصنف رحمنا الله وإياه:

باب وجوب الدخول في الإسلام كله وترك ما سواه وقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ تبيض وجوه أهل السنة والائتلاف، وتسود وجوه أهل البدع والاختلاف.

( الشرح )

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

 قال المؤلف رحمه الله تعالى باب وجوب الدخول في الإسلام كله وترك ما سواه هذا الباب هو الباب السابع من أبواب هذه الرسالة فضل الإسلام وهو مناسب في وضعه هنا لأن المؤلف ذكر فضل الإسلام في الباب الأول ثم ذكر وجوبه ثم ذكر النهي عن ضده وما يخالفه وما يناقضه وذكر في هذا الباب وجوب الدخول فيه كله جملة وتفصيلاً ولهذا صدر المؤلف الباب بهذه الآية بقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ولهذا يقول الحافظ ابن كثير في هذه الآية: يقول الله تعالى آمراً عباده المؤمنين به والمصدقين برسله أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه والعمل بجميع أوامره وترك جميع زواجره ما استطاعوا إلى ذلك.

وقوله كَافَّةً يعني جميعاً ادخلوا في السلم جميعاً والسلم هو الإسلام كافة أي جميعاً ووعلى هذا تفسير عن ابن عباس وغيره.

ويقول الحافظ ومن المفسرين من يجعل قوله كَافَّةً حالة من الداخلين فيدخلوا في الإسلام كلكم والصحيح الأول وهو أنهم أمروا كلهم أن يعملوا بجميع شعب الإسلام وشرائع الإسلام أن يعلموا بجميع شعب الإيمان وجميع شرائع الإسلام وهي كثيرة جداً ما استطاعوا منها ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً يعني في جميع شرائع الإسلام وجميع شعب الإيمان وقوله إنما قول ادخلوا كلكم أنتم يجعلها حالاً من الفاعل ادخلوا في السلم كافة ادخلوا أنتم جميعكم جعل حالاً من الداخلين والصحيح الأول  أنه ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً أي في جميع شرائع الإسلام وجميع شعب الإيمان.

والقرطبي رحمه الله في الآية يقول ،يقول الله تعالى آمراً عباده المؤمنين لما بين الله  أو قسم الناس إلى مؤمن وكافر ومنافق قال كونوا على ملة واجتمعوا على الإسلام واثبتوا عليه فالسلم بمعنى الإسلام قالها مجاهد ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ أي الإسلام السلم والإسلام معنى واحد هذا أمر لجميع المؤمنين يدخلوا في جميع شرائع الإسلام وجميع شعب الإيمان.

والآية الثانية قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا هذه الآية نزلت في المنافقين أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أي يدعون وهم كارهون لأن حالة مثل هذه الحالة أنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ والطاغوت كل ما خالف شرع الله وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ كيف هذا يدعون الإيمان وهم يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت أمران متناقضان لا يمكن كيف يزعمون أنهم آمنوا بالله ورسوله ومع ذلك يتركون حكم الله إلى حكم الطاغوت وقد أمرهم الله أن يكفروا به وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا جعل حكم غير حكم الله من إرادة الشيطان وهو أنه ضلال مبين هؤلاء عدلوا عن حكم الله إلى حكم الطاغوت وهو من إرادة الشيطان وهو ضلال مبين ومع ذلك يدعون الإيمان هذا لا يكون فالله تعالى في هذه الآية ينكر على من يدعي الإيمان  بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله ﷺ.

ذكر في سبب نزول هذه الآية أنها في رجل من الأنصار ورجل من اليهود تخاصما فجعل اليهودي يقول بيني وبينك محمد وجعل الأنصاري يقول بيني وبينك كعب بن الأشرف وجاء في بعض رواية القصة أن اليهودي قال بيني وبينك محمد لعلمه أنه لا يأخذ رشوة والأنصاري قال بيني وبينك كعب بن الأشرف لعلمه أنه يأخذ رشوة وقيل أنها نزلت في جماعة من المنافقين ممن أظهروا الإسلام أرادوا أن يتحاكموا إلى حكم الجاهلية وقيل غير ذلك والآية عامة كما قال الحافظ أنها عامة في كل ذلك فإنها عامة لمن عدل عن الكتاب والسنة وتحاكم على ما سواهما من الباطل الآية عامة في الذم في ذم من عدل عن الكتاب والسنة وتحاكم إلى ما سواهما من الباطل وهو المراد بالطاغوت.

والشاهد من الآية القادمة وجوب الانقياد لشرع الله وتحكيمه في كل أمر من الأمور.

والآية الثالثة قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ قيل أنها نزلت في اليهود والنصارى قيل إن هذه الآية نزلت في اليهود والنصارى اختلفوا في مبعث الرسول ﷺ فتفرقوا قال الله تعالى وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ هذا العجب أنهم ما تفرقوا إلا من بعد البينة بعد الوضوح بعد مبعث الرسول ﷺ ومعرفته اختلفوا وقيل نزلت في المشركين عبد بعضهم الأصنام وعبد بعضهم الملائكة وقيل أن الآية عامة وهذا هو الصواب اختاره الحافظ ابن كثير الآية عامة في اليهود وفي المشركين وفي غيرهم ولهذا يقول الحافظ ابن كثير والظاهر أن الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفاً له فإن الله بعث رسوله ﷺ بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق فمتى اختلف اُختلف فيه فمن اختلف فيه كمن كانوا شيعاً وفرقاً كأهل الملل والمحن والأهواء والضلالات فإن الله تعالى قد برأ رسوله ﷺ مما هم فيه في قوله لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ وهذه الآية في قوله تعالى شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ وهو ما جاءت به الرسل من عبادة الله وحده لا شريك له والتمسك بشريعة الرسول المتأخر فما خالف ذلك فضلالات وجهالات وآراء وأهواء والرسل برءآء منها كما قال تعالى لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ وفي هذه الآية دليل على أن الدين يأمر بالاجتماع والائتلاف وينهى عن التفرق والاختلاف في أصل الدين وفي سائر مسائله الأصولية والفروعية هذا هو الشاهد من الترجمة الآية فيها ذم للتفرق في الدين و في المقابل فيها أمر بالاجتماع والائتلاف أمر بالائتلاف أمر بالاجتماع والائتلاف على الدين على الإسلام كله فالآية دليل على أن الدين يأمر بالاجتماع والائتلاف وينهى عن التفرق والاختلاف في أصل الدين وفي سائر مسائله الأصولية والفروعية فتبين بذلك وجه الآية في الترجمة فتبين أن الله تعالى ذم التفرق وفيه حث على  الاجتماع والائتلاف على الدين والدخول فيه كله .

قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ قال تبيض وجوه أهل السنة والائتلاف، وتسود وجوه أهل البدع والاختلاف هذا الأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (10:21 ) ابن عباس عن قوله كما ذكر ذلك المحقق وإسناده صحيح وهذا القول من ابن عباس في قوله تعالى يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ قال تبيض وجوه أهل السنة والائتلاف، وتسود وجوه أهل البدع والاختلاف تفسير للآية في بعض ما دلت عليه وهذا معروف عند السلف (10:57)ليست خاصة بأهل البدع تبيض وجوه أهل السنة والائتلاف يعني أهل السنة وأهل الحق المسلمون تبيض وجوههم وأهل البدع تسود وجوههم ومن باب أولى الكفرة يعني تشمل أهل البدع والكفار تسود وجوههم والمؤمنون أهل الحق تبيض وجوههم فيتبين مناسبة هذا الأثر للترجمة أن الذين تبيض وجوههم هم أهل الإسلام أن الذين دخلوا في الإسلام وعملوا بشرائعه وهم أهل الحق.

( المتن )

عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله ﷺ ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمة علانية كان في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل افترقت على اثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلا ملة واحدة قالوا: من هي يا رسول الله ؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي.

وليتأمل المؤمن الذي يرجو لقاء الله، كلام الصادق المصدوق في هذا المقام، خصوصاً قوله: ما أنا عليه وأصحابي يا لها من موعظة لو وافقت من القلوب حياة، رواه الترمذي، ورواه أيضاً من حديث أبي هريرة وصححه، لكن ليس فيه ذكر النار، وهو في حديث معاوية ر عند أحمد وأبي داود وفيه: إنه سيخرج من أمتي قوم تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه، فلا يبقى منه عِرْقٌ ولا مفصل إلا دخله وقد تقدم قوله: ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية.

( الشرح )

نعم هذا الحديث حديث عبد الله بن عمرو  قال المؤلف رحمه الله رواه الترمذي نعم وهو كما قال في سننه في كتاب الإيمان باب ما جاء في افتراق هذه الأمة وأخرجه من طريق سفيان الثوري الآجري في الشريعة كذلك أخرجه من طريق عبد الرحمن بن زياد بن وضاح في البدع والنهي عنها وفي نص البروزي في السنة وكذلك أيضاً العقيلي في الضعفاء وأخرجه عدد والحديث فيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي وهو ضعيف لكن أصل الحديث ثابت وهو حديث تفرق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة لكن هذه الزيادات فيها من طريق عبد الرحمن بن زياد  أنعم الإفريقي وهو ضعيف لكن له شواهد فيكون حسنا أصل الحديث صحيح والحديث بهذه الزيادات حسن بشواهده وإن كان في سنده عبد الرحمن بن زياد أنعم الإفريقي وفيه هذا الحديث أن هذه الأمة تحذو حذو بني إسرائيل ويعيد في الحديث الآخر حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه هذا فيه بيان شدة التقليد والاتباع والعمل بما كانوا عليه بني إسرائيل حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه من باب المبالغة ومن المعلوم أن جحر الضب لا يدخل فيه لكن هنا من باب المبالغة وفي الحديث من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة وهنا قال حتى إن كان منهم ليأتين على أمتي ما فعل بني إسرائيل حذو النعل بالنعل يعني كما تحاذي النعل النعل الأخرى التي صنعها الخراز صنع النعل اليمنى تحاذي النعل اليسرى كأنه (15:44) لا تنقص منها وكذلك الأمة تحذو حذو بني إسرائيل لا تختلف عنها حتى إن كان منهم من أتى أمة علانية كان في أمتي من يصنع ذلك قال وإن بني إسرائيل افترقت على اثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة قالوا: من هي يا رسول الله ؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي.والملة في رواية أخرى كما سيأتي وهي الجماعة هذا فيه دليل على أن الفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة وهم الجماعة وهم الذين كانوا على ما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه وهم أهل الحق وهم الطائفة المنصورة وهذا فيه حث على لزوم الإسلام والدخول في شرائعه حتى يكون الإنسان من الفرقة الناجية هذا هو الشاهد من الترجمة التحذير من الفرق المنحرفة والحث على أن يكون الإنسان من الفرقة الناجية وهم أهل الحق وهم الطائفة المنصورة وهم السنة الجماعة.

ولهذا علق المؤلف رحمه الله تعالى الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب على هذا الحديث قال وليتأمل المؤمن الذي يرجو لقاء الله، كلام الصادق المصدوق في هذا المقام، خصوصاً قوله: ما أنا عليه وأصحابي يعني الفرقة الناجية ما أنا عليه وأصحابي يا لها من موعظة لو وافقت من القلوب حياة، لو وافقت من القلوب حياة القلب الحي يتأثر وينتفع ويستفيد ويغير حاله إلى حال أحسن ما أنا عليه وأصحابي هذه العبارة تبين لك أن الناجيين هم أهل السنة هم من كان على ما كان عليه الرسول ﷺ وأصحابه ولهذا قال المؤلف فليتأمل المؤمن الذي يرجو لقاء الله هذا هو الذي يستفيد الذي يرجو لقاء الله يرجو الوقوف بين يديه كلام الصادق المصدوق في هذا المقام، خصوصاً قوله: ما أنا عليه وأصحابي ثم قال يا لها موعظة لو وافقت من القلوب حياة.

قال رواه أيضاً من حديث أبي هريرة وصححه، لكن ليس فيه ذكر النار، ومع ذلك في سنن الترمذي في الإيمان و الحديث كما سبق حسن لإسناده محمد بن عمرو بن العاص (18:24) .

قال المؤلف وهو في حديث معاوية عند أحمد وأبي داود يعني هذا الحديث السابق في حديث معاوية عند أحمد وأبي داود وفيه: إنه سيخرج من أمتي قوم تتجارى بهم تلك الأهواء تلك هذه أضافها المؤلف وأن هذه الكلمة سقطت من بعض النسخ وأضافها من نسخة أخرى إنه سيخرج من أمتي قوم تتجارى بهم الأهواء وأضاف تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه، فلا يبقى منه عِرْقٌ ولا مفصل إلا دخله 

وهذا الحديث كما قال المؤلف عند الإمام أحمد وأبي داود في السنن باب شرح السنة من طريق أبي المغيرة عبد القدوس وابن الحجاج  قال حدثني السلطان بن معاوية قال حدثني الأزهر بن عبد الله الأوزري عن أبي عامر عبد الله بن عبد الحي عن معاوية بن أبي سفيان  أنه قام فقال ألا إن رسول الله ﷺ قام فينا فقال ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة الحديث وأخرجه عن طريق أبي داود البيهقي وأخرجه ابن نصر في السنة وابن بطة في الإبانة وابن أبي عاصم وعدد من أصحاب الكتب و الحديث حسن إسناده الحافظ ابن كثير في الفتن وهو حسن بهذا الإسناد الأزهر بن عبد الله الأوزري كذلك الحافظ ابن حجر (20:35) حسنه.

وقوله تتجارى بهم تتجارى بهم تحذف التاءين تتجارى بهم سيخرج من أمتي قوم تتجارى بهم الأهواء الأهواء البدع تتجارى أو جارى بهم أي تدخل وتسري فيهم تلك الأهواء أي البدع (20:57) تسري فيهم البدع تتجارى بهم الأهواء يعني تسري فيهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه فلا يبقى منه عِرْقٌ ولا مفصل إلا دخله الكلب بالفتح داء يعرض للإنسان من عضة الكلب الكريه وهو داء معروف يصيب الكلب فيصيبه شبه الجنون فيعدو على الإنسان يعضه فلا يعض أحدا إلا كُلِب فإذا عضه أصابه هذا الداء وأعراضه أعراضا رديئة كما ذكر هذا الكلَب الكلْب إذا أصابه هذا الداء يحاول يعدو على الإنسان يعضه فإذا عضه انتقل هذا الداء إلى الإنسان فيصيبه يعني أدواء رديئة وهذا الكلب وهو هذا الداء الذي يكون في هذا الكلب يسري فيه فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله.

الشاطبي رحمه الله في كتاب الاعتصام يشرح هذا الحديث يقول معنى هذه الرواية أنه عليه الصلاة والسلام أخبر بما سيكون في أمته من هذه الأهواء التي افترقوا فيها إلى تلك الفرق يعني البدع وأنه يكون فيهم أقوام تداخل تلك الأهواء قلوبهم حتى لا يمكن بالعادة انفصالهم عنها وتوبتهم منها على حد ما يداخل داء الكلب جسم صاحبه فلا يبقى من ذلك الجسم جزء من أجزائه ولا عرق ولا مفصل ولا غيرهما إلا دخله ذلك الداء وهو جريان لا يقبل العلاج ولا ينفع فيه الدواء فكذلك صاحب الهوى إذا دخل قبله وأُشرِب حبه لا تعمل فيه موعظة ولا يقبل برهان ولا يكترث منه من يخالفه يعني إن صاحب البدعة إذا أشرب قلوبهم حبها ما يستوعبون موعظة ولا يسمعون نصيحة ولا يبالي بمن خالفه كما أن الكلب إذا أصابه هذا الداء لا يبقى جزء من أجزائه ولا عرق ولا مفصل إلا دخله ذلك الداء فلا يمكن أن يتخلص منه في جميع أجزائه دخل فيه الداء كذلك صاحب البدعة إذا دخلت قلبه وأشرب حبها سرت في جسمه فأصبح لا يسمع الموعظة ولا يقبل بالنصيحة ولا يبالي بمن خالفه (24:18) نسأل الله السلامة والعافية.

وهذه الأحاديث التي ذكرها المؤلف واضحة في افتراق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة وما سيقع فيها من اتباع خطوات بني إسرائيل حذو القذة بالقذة وهذه الفرق الاثنين وسبعون فرقة أو الثلاث وسبعون فرقة تكلم عنها العلماء تكلم عنها شيخ الإسلام ابن تيمية وفي تفسير معتقدها وعدها رحمه الله في الفتاوى في الجزء الثالث وقال شعار هذه الفرق مفارقة الكتاب والسنة والإجماع شعارهم أهل البدع مفارقة الكتاب والسنة والإجماع فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة قالوا وأما تعيين هذه الفرق فقد صنف الناس فيها مصنفات وذكروهم في كتب المقالات لكن الجزم بأن هذه الفرقة الموصوفة هي إحدى هي الاثنتين والسبعين لا بد له من دليل.

ثم ساق عن عبد الله بن مبارك ويوسف بن الأسباط أن أصول البدع أربعة الروافض والخوارج والقدرية والمرجئة وقال آخرون خمسة وزادوا الجهمية وعلى هذا كل فرقة تفترق اثنتا عشرة فرقة خمسة في اثني عشر كم ؟ سبعين وعلى القول بأنها أربع كل فرقة ثمانية عشر فرقة هذي الروافض والخوارج والقدرية والمرجئة وزاد بعضهم الجهمية أما الجزم بأن هذه الفرقة هي من الاثنتين والسبعين فرقة لا بد له من دليل.

وهذه مسألة ينبغي أن يهتم بها وأن بعض الناس خصوصاً في هذا الزمن ينزل الحديث على الواقع بغير دليل  فتجد من يقول الجماعات هذي يقول الجماعة هذي من الاثنتين والسبعين فرقة جماعة كذا هذي من ما تستطيع أن تجزم بهذا إلا بدليل ومن الأخطاء الواضحة في بعض الناس في هذا الزمن عندهم جرأة حتى إنهم ينزلون ذلك ولذلك الآن من التنزيل للواقع ومن الأخطاء التي وقعت أنه المهدي الآن المهدي في أزمنة متعددة من القرون ومن القرن الثالث خرج رجل قالوا المهدي خرج رجل قالوا المهدي وقتل كم خرج المهدي كلهم كل هذا من تنزيل الواقع والمهدي ما خرج يخرج في آخر الزمان في زمانه يخرج الدجال ومن ثم ينزل عيسى ابن مريم وكل هؤلاء الذين ادعوا المهدية هم بعض الناس الذين ينزله على الواقع وهذا هو المحظور  تنزيل الأحاديث يعني على الواقع لا بد له من دليل كذلك الآن الاثنتين والسبعين فرقة هذه أصولها الروافض والخوارج والقدرية والمرجئة لكن الجزم بأن هذه الجماعة الفلانية هذا الآن عندنا جماعات متعددة الجماعات المتعددة هي الاثنتين والسبعين فرقة والجماعات هذه منها لا بد من دليل ما تنزلها على الواقع إلا بدليل.

( المتن )

قال المؤلف رحمه الله باب ما جاء أن البدعة أشد من الكبائر وقوله :  إنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء  وقوله تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ وقوله تعالى:  لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ وفي الصحيح أنه ﷺ قال في الخوارج: أَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ وفيه أنه نهى عن قتل أمراء الجور ما صلوا.

( الشرح )

هذا الباب الثامن باب ما جاء أن البدعة أشد من الكبائر وكما سيأتي أن البدعة أشد من الكبائر ،الكبائر المعاصي كالسرقة وشرب الخمر وعقوق الوالدين والتعامل بالربا البدعة أشد منها لماذا ؟لأن صاحب الكبيرة يعلم أنه مذنب وأنه عاصي وأنه مخطئ فحري به أن يتوب وصاحب البدعة لا يعترف بأنه مخطئ ولا يعترف بأنه... يقول أنه على الصواب والحق وأنتم على الباطل فلا يفكر في التوبة في الغالب فيبقى على ما هو عليه ولهذا كانت البدعة أحب إلى الشيطان من الكبيرة.

إذاً صاحب الكبيرة يتوب يعرف أنه مخطئ وأنه غلطان وأنه عاصي أما صاحب البدعة يقول لا تقول له  أنت على خطأ وباطل يقول لا أنت على الباطل يعني أهل السنة أنت على الباطل وأنا على الحق فلذلك صارت البدعة أحب إلى الشيطان من الكبيرة وأشد فهي أشد ولهذا قال المؤلف باب ما جاء أن البدعة أشد من الكبائر لقول الله تعالى إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء

 ما هي البدعة؟ البدعة هي الحدث في الدين والبدعة في اللغة البدء والإنشاء وهي الاختراع على غير مثال سابق يقال ابتدع فلان بدعة يعني ابتدع طريقة لم يسبقه إليها سابق وهذا أمر بديع يقال في الشيء المستحسن الذي لا مثال له في الحسن.

ومن هذا المعنى سمي العمل الذي لا دليل عليه في الشرع بدعة والبدعة هي الحدث ما أحدث في الدين على خلاف ما هو في الدين لقول النبي ﷺ من أحدث في أمرنا هذا  ما ليس فيه فهو رد وفي لفظ من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد فهي الحدث في الدين يعني يحدث في الدين على خلاف ما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه من عقيدة أو عمل.

وقيل في تعريف البدعة هي عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة يقصد بالسلوك فيها ما يقصد بالطريقة الشرعية هذا لكن في الكلام الأول أنها حدث في الدين هي الحدث في الدين من عقيدة وعمل على خلاف ما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه.

وقول المؤلف البدعة أشد من الكبائر لأن البدعة هي إحداث أمر لم يشرعه الله ولا رسوله ﷺ وأما الكبيرة فهي معصية وهي ارتكاب ما نهى عنه فلذلك يتفرقان.

 يقول المؤلف لقول الله تعالى إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء فهذه الآية الكريمة يخبر الله تعالى أنه لا يغفر أن يشرك به أي لا يغفر لعبد لقيه وهو مشرك به وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ أي من الذنوب لِمَن يَشَاء من عباده.

فالآية في غير التائبين لأن الله خص وعلق خص الشرك بأنه لا يغفر وعلق ما دونه بالمشيئة دل على أنه في غير التائبين.

وأما آية الزمر قوله تعالى قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا هذه الآية تجمع المعنى أنها في التائبين لأن الله عمم وأطلق جميع الذنوب مغفورة هذا للتائبين إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا وأما هذه الآية آية النساء فهي في غير التائبين لأن الله خص وعلق خص الشرك بأنه لا يغفر وعلق ما دونه بالمشيئة والشرك هو تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله.

 والشرك يكون ثلاثة أنواع الشرك في الربوبية وشرك في الأسماء والصفات وشرك في الألوهية.

شرك في الربوبية كأن يعتقد أن هناك مدبر مع الله في هذا الكون وأن لله صاحبة أو ولداً.

وشرك في الأسماء والصفات كأن تعتقد أن لله شريك له مماثل في أسمائه وصفاته.

وشرك في الألوهية والعبادة وهو أنواع كأن يدعو غير الله أو يذبح لغير الله ويسب الله أو يسب رسوله ﷺ أو دين الإسلام أو يجحد أمرا معلوما من الدين بالضرورة.

فالشرك أنواع قد يكون في القول كأن يدعو غير الله أو أن يسب الدين وقد يكون بالفعل كأن يؤمن بالصنم أو يستهين بالمصحف يدوسه يطأه بقدميه أو يلطخه بالنجاسة أو يكون بالاعتقاد أن يعتقد أن لله صاحبة وولداً أو أن يكون بالشك أن يشك في ربوبية الله أو يشك في البعث والجنة والنار أو يكون بالرفض والترك كأن يرفض دين الله لا يتعلمه ولا يعبد الله كقول الله تعالى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ أو يكون بالظن السيئ كأن يظن أن هذا الدين لا يبقى وأنه سيضمحل وأنه لا تقوم له قائمة وهو ظن المنافقين كقول الله تعالى بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً فالشرك يكون بالقول ويكون بالفعل ويكون بالاعتقاد ويكون بالشك ويكون بالرفض والترك ويكون بالظن السيئ ستة أنواع كل هذا شرك في الألوهية  والشرك أصله أن يجعل المشرك لله نداً يعني مثيلاً لله يحبه أو يرجوه أو يخافه مثل محبة الله ولهذا يقول ابن القيم:

الشـرك فاحــذره فشـرك ظاهــر ذا القسـم ليـس بقابــل الغفران
وهـو اتخـاذ النــد للرحمـن أَيْــا كـان مـن حجـر ومـن إنســان
يدعـوه أو يرجــوه ثــم يخافـه ويحبــه كـمحبـــة الـديــان

من جعل لله نداً مثيلا لله يحبه كما يحب الله يرجوه كما يرجو الله يخافه كما يخاف الله هذا هو الشرك .

والآية ظاهرة أن الشرك لا يغفر وأن ما دونه تحت المشيئة وما دونه البدعة والكبيرة والصغائر ستغفر باجتناب الكبائر وفعل الفرائض.

وقول الله تعالى فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ هذه الآية ذكرها الله تعالى في آخر الآيات الواردة في بيان ما أحل الله لعباده من الأنعام وما حرمه المشركون على أنفسهم منها والاستفهام بمعنى النفي من أظلم بمعنى لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذباً ليظل الناس بغير علم يعني مع كذبه وافترائه على الله قصده بذلك إضلال عباد الله عن سبيل الله بغير بينة ولا برهان ولا عقل ولا نقل نعوذ بالله هذا من أظلم الناس يفتري على الله الكذب ليضل الناس بغير علم بغير بينة فهو يفتري على الله الكذب ليضل الناس بغير دليل هذا من أظلم الناس.

والشاهد من الآية أن البدعة هي افتراء على الله حيث شرع المبتدع ما لم يشرعه الله على  ألسنة رسله وذلك قوله تعالى لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ قبل هذه الآية يقول الله تعالى وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ۝  لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ هم يحملون آثامهم ويحملون آثام الذين يضلونهم والمعنى أن عليهم خطيئة ضلالهم في أنفسهم وخطيئة إغوائهم لغيرهم واقتداء أولئك بهم كما جاء في الحديث وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ, لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثامهم شَيْئًا رواه مسلم.

وهذه الآية دليل ظاهر على أن البدعة أشد من الكبائر لأن فيها إضلال لعباد الله وصدهم عن دينهم.

ثم ذكر المؤلف حديث الخوارج وفي الصحيح يقول المؤلف وفي الصحيح أنه ﷺ قال في الخوارج: أينما لقيتموهم فاقتلوهم هذا الحديث أخرجه البخاري في المناقب وفي علامات النبوة وفي فضائل القرآن وأخرجه أبو داود في السنة في كتاب الخوارج من حديث علي بن أبي طالب .

والخوارج هم الذين خرجوا في قتال علي بن أبي طالب بسبب التحكيم لما في الحروب التي دارت بينه وبين بعض من أهل الشام أمرهم برفع المصاحف للتحكيم قالوا حكمت الرجال بكلامنا فكفروه خرجوا عليه ومذهبهم البراءة من عثمان يتبرؤون من عثمان ومن علي  ويرون الخروج على الإمام إذا فعل كبيرة أو معصية وهم يرون تكفير فاعل الكبيرة كل من فعل الكبيرة فهو كافر الزاني كافر والسارق كافر والمرابي كافر عندهم يستحلون دمه وماله ويقتلونه ويرون خلوده في النار نعوذ بالله.

والمعتزلة يوافقونهم في الحكم في الدنيا يقولون خرج من الإيمان لكنه لم يدخل في الكفر ولا يستحلون دمه وماله لكنهم يوافقونهم في تخليده في النار في الآخرة فالخوارج والمعتزلة كل منهما يرى مرتكب الكبيرة خالد في النار في الدنيا يختلفون الخوارج يقولون خرج فاعل الكبيرة من الإيمان دخل في الكفر فاستحلوا دمه وماله والمعتزلة يقولون خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر وأين يكون قالوا في منزلة بين منزلتين لا مؤمنا ولا كافرا يسمى فاسق لا نسميه مؤمنا ولا نسميه كافرا.

 وهذه المنزلة بين المنزلتين أحدثها المعتزلة فجعلوها من أصول الدين عندهم لأن أصول الدين عندهم خمسة أصول أهل السنة الخمسة الإيمان بالله ويدخل فيها الإيمان بالقدر والإيمان بالملائكة والإيمان بالكتب والإيمان بالرسل والإيمان باليوم الآخر خمسة، المعتزلة بدلوها بخمسة أصول الأصول عندهم التوحيد استتروا تحتها نفي الصفات والقول بخلق القرآن وأن الله لا يرى في الآخرة والعدل استتروا تحتها  التكذيب بالقدر والمنزلة بين منزلتين استتروا تحتها القول بأن مرتكب الكبيرة يخرج من الإيمان ولا يدخل بالكفر وإنكار الوعيد استتروا تحته القول بخلود العصاة في النار والأمر والمعروف استتروا تحته إلزام الناس بآرائهم الباطلة والنهي عن المنكر استتروا تحته الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي هذه أصول المعتزلة.

أول من خرج من الخوارج  يعني نشأتهم وأصلهم رجل يقال له ابن الخويصرة رجل يقال له ابن الخويصرة من تميم لما قسم النبي ﷺ بعض الغنائم قال للنبي ﷺ اعدل يا محمد فإنك لم تعدل يقول للنبي عليه الصلاة والسلام جرأة لم تعدل في القسمة فقال له النبي ﷺ ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل فهنا قال خبت وخسرت من يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله ولما استأذن بعض الصحابة في قتله أو عمر  استأذن في قتله قال له دعه فإنه له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع  صيامهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية متفق عليه فإن له أصحاباً يعني مماثلين هذا أصل الرجل اعترض على النبي ﷺ.

يقول المؤلف في الصحيح أن النبي ﷺ  قال في الخوارج أينما لقيتموهم فاقتلوهم فالحديث يدل على وجوب قتال الخوارج إذا خرجوا على الإمام وخالفوا رأي الجماعة وشقوا على العصاة وقاتلوا قال شيخ الإسلام رحمه الله فإنهم قد استحلوا دماء المسلمين وكفروا من خالفهم وجاءت فيهم الأحاديث الصحيحة قال الإمام أحمد رحمه الله صح فيهم الحديث من عشرة أوجه الخوارج وقد أخرجها مسلم في صحيحه وأخرج البخاري قطعة منها عشرة أحاديث كلها صحيحة في  الخوارج  بخلاف القدرية فأحاديثهم كلها ضعيفة أحاديث القدرية لا تصح عن النبي ﷺ لكنها تصح عن الصحابة أما الخوارج عشرة أحاديث كلها صحيحة فيهم دليل أمر بقتلهم.

اختلف العلماء في تكفيرهم على قولين فالجمهور قالوا إنهم مبتدعة وإنهم ضلال لأنهم متأولون استدلوا من قول علي أكفار هم؟ قال من الكفر فروا والقول الثاني أنهم كفار وشيخ الإسلام يرى أنهم مبتدعة لأن الصحابة عاملوهم معاملة المبتدع لم يعاملوهم معاملة الكفار عاملوهم معاملة المسلمين والقول الثاني أنهم كفار لأن الأحاديث الصحيحة واضحة لأن النبي ﷺ قال : لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد وهم قوم كفار شبههم بالقوم الكفار وقال يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية هذا يدل على خروجهم من الملة ثم لا يعودون إليه قالوا وهذه أدلة تدل على كفرهم وهو رواية عن الإمام أحمد واختيار شيخنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله أنهم كفار والجمهور على أنهم مبتدعة الجمهور على أنهم مبتدعة لأنهم متأولون وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ولأن الصحابة عاملوهم معاملة المبتدعة ولكن إذا خرجوا علينا يقاتلون إذا استطاعوا الخروج على الإمام يقاتلون لأنهم يريدون أن يفرقوا المسلمين.

قال المؤلف رحمه وفيه أي في الصحيح أنه النبي ﷺ نهى عن قتل أمراء الجور ما صلوا أخرجه مسلم في الإمارة باب وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع (44:01) وأبو داود في السنة أمروا بقتل الخوارج من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال : ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف فقد برئ ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع قالوا أفلا نقاتلهم قال لا ما صلوا وهذا أخرجه مسلم.

وفي هذا الحديث دليل على تحريم الخروج على الأمراء ولاة الأمور الحديث فيه تحريم الخروج على الخلفاء والأمراء لمجرد الظلم والفسق وذلك لأن معهم أصل الدين وهو توحيد الله وعبادته ولأن الخروج على ولاة الأمور يترتب عليه مفاسد من إراقة الدماء واختلال الأمن واختلال أحوال الناس الحياة الاقتصادية والعلمية والاجتماعية والتجارية وغير ذلك تختل أمور الناس ولما فيه من إراقة الدماء وتحزب الناس واختلافهم ومروج أمرهم وتدخل الأعداء والكفرة كل هذه مفاسد تنشأ من الخروج على ولاة الأمر لكن الصبر على جورهم فيه مفسدة صغيرة وهي الصبر على جورهم يعني عندنا مفسدتان قائمة إذا وجد مفسدتان لا يمكن تركهما نرتكب المفسدة الصغرى لدرء المفسدة الكبرى عندنا مفسدتان مفسدة الجور والظلم من ولي الأمر فاسق قتل بعض الناس بغير حق أو أخذ مالا بغير حق أو ما أعطاه بغير حق هذه مفسدة والمفسدة الثانية إراقة الدماء وتحزب الناس واختلال أحوالهم (45:58) أي المفسدتين أعظم الثانية أعظم نرتكب المفسدة الصغرى ونصبر على جوره وظلمه والنصيحة مبذولة من أهل العلم وأهل الحل والعقد فإن قبلوا فالحمد لله وإن لم يقبلوا فقد فعل الناس ما عليهم أما الخروج فهذا يترتب عليه مفاسد عظيمة حتى ولو كانت بدعة مثل بدعة المأمون ابتدع قوله بخلق القرآن.

وفيه دليل على أن على أن ترك الصلاة كفر بواح يعني قال ما صلوا الحديث الآخر الذي نهى عن قتلهم قال إلا أن تروا كفراً بواحا عندكم من الله فيه برهان فإذا ضممت الحديث هذا إلى الحديث هذا دل على أن ترك الصلاة كفر بواح لأنه قال ما صلوا (..)هناك قال إذا يجوز الخروج عليهم إذا أتوا كفراً بواحا فدل على أن ترك الصلاة كفر بواح فلا يجوز الخروج على ولاة الأمر إلا بشروط:

الشرط الأول أن يفعل كفراً لا فسقاً.

الشرط الثاني أن يكون كفرا بواحا يعني دليله ظاهر يعني واضح لا لبس فيه ولا شك.

الشرط الثالث أن يكون دليله واضح من الكتاب والسنة لقول عندكم من الله فيه برهان.

 الشرط الرابع وجود البديل المسلم الذي يحل محله.

الشرط الخامس القدرة والاستطاعة.

إذا وجدت الشروط الخمسة جاز الخروج الشرط الأول  أن يفعل كفراً لا فسقاً يعني القول عندكم إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان الشرط الأول أن يفعل كفرا لا فسقا الشرط الثاني أن يكون كفر بواح يعني واضح لا لبس فيه ولا شك فيه فإن كان فيه شبهة أو تأويل فلا الشرط الثالث أن يكون دليله واضح من الكتاب والسنة كقوله عندكم من الله فيه برهان الشرط الرابع وجود البديل المسلم الذي يحل محله إذا لم يوجد بديل فليس هناك فائدة إزالة الكافر ويأتي بدله كافر ما حصل المقصود وجود البديل المسلم الشرط الخامس القدرة والاستطاعة فإذا كان يحكم الناس بالحديد والنار ولا استطاع الناس يكونون معذورون في هذه الحالة فيتعاون معهم في أمور الخير وتصرف من الشر ما استطعت وتبقى يعني إذا وجدت هذه الشروط الخمسة جاز الخروج ولهذا قال النبي ﷺ  إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان

( المتن )

قال رحمه الله:

عن جرير عن عبد الله أن رجلاً تصدق بصدقة ثم تتابع الناس فقال رسول الله ﷺ: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء رواه مسلم .

وله مثله من حديث أبي هريرة ولفظه : من دعا إلى هدى  ثم قال من دعا إلى ضلالة

( الشرح )

نعم هذا الحديث أخرجه مسلم كما قال المؤلف في الإمارة باب وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع وترك قتالهم ما صلوا هذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه في الزكاة باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة وأنها  حجاب من النار وأخرجه الترمذي في العلم باب ما جاء في من دعا إلى هدى فاتُبع وإلى ضلالة والنسائي والبيهقي وغيره.

والحديث فيه أن قوله من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها يحتمل أن المعنى أحياها بعدما ماتت وقد وردت في هذا الحديث عند الترمذي وحسنه وإن كان فيه ضعف كأن مثلاً يكون هناك سنة أميتت يأتي إلى قوم مثلاً لا يعرفون صلاة الضحى فأحياها صار يصلي الضحى حثهم على ذلك هذا سن في الإسلام سنة أو مثلاً كانوا لا يصومون مثلاً الست من شوال فأحياها حثهم عليها هذا أحيا السنة بعد أن ماتت وليس المراد أنه يبتدع في الدين لا من سن في الإسلام سنة حسنة يعني أحيا السنة التي أميتت.

ويحتمل أن المعنى العمل بما ثبت في السنة النبوية اقتداء بوجهين الأول أن هذا سببه الحديث والثاني أن كونه حسنة أو سيئة لا يعرف إلا من الشرع كما في الاعتصام كما ذكر في الشرط الاعتصام ويحتمل أنها يعمل بالسنة اقتداء لأن سبب الحديث أنه جاء قوم فقراء إلى المدينة ثيابهم مخرقة مقطعة (51:25) فلما رآهم النبي ﷺ تمعر وجهه تغير لما رأى فيهم من الفاقة والفقر الشديد ثم دخل وخرج ثم أمر بهم فصلى ثم خطب النبي ﷺ في الناس ثم حثهم على الصدقة وقال : تصدق رجل من درهمه من ديناره من صاع بره من صاع تمره فجاء رجل من الأنصار بملء كفه ملء الكف من البر فوضعها فتتابع الناس صار هذا يأتي بكفه وهذا يأتي بتمرات وهذا... فتهلل وجه الرسول ﷺ كأنه مذهبة من السرور وقال: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها فهذا سنّ يعني تقدم هذا والذي تقدم صار هو الشجاع وكان هو الأول فتقدم فسن للناس العمل بهذه السنة فاقتدى به الناس فقال النبي ﷺ بعد ذلك: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة وفي المقابل ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن في الإسلام سنة حسنة له أجر من عملها من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء 

ومن ذلك السنة السيئة في بعض روايات الحديث ولا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل ابن آدم قابيل وهابيل لما قتل قابيل هابيل حمل وزره وصار كل مقتول ظلماً عليه وزره ويأتي ابن آدم كفل منها قسط من الوزر لأنه هو الذي سن القتل سن هذه السنة السيئة فلا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل فمن سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها ويأتيه أجر من كل من عمل بها ومن سن في الإسلام سنة سيئة عليه وزرها ويأتيه وزر من كل من عمل بها من بعده.

وفي هذا الحديث تحذير من البدع فيه دليل على أن البدع كلها سيئة وليست حسنة وهذا هو الشاهد من الباب.

قال وله مثله من حديث أبي هريرة  وله من حديث مسلم وله من حديث أبي هريرة  ولفظه : من دعا إلى هدى ثم قال ومن دعا إلى ضلالةهذا أخرجه مسلم في العلم باب من سن سنة حسنة أو سنة سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة.

وفيه من الفوائد الحث على استحباب سن الأمور الحسنة وتحريم سن الأمور السيئة.

وفيه أيضاً أن من دعا إلى هدى كان له من أجور تابعيه ومن دعا إلى ضلالة كان له مثل آثام تابعيه سواء هو كان هو الذي ابتدع الهدى أو هو الذي ابتدع الضلالة أو كان مسبوقاً إليه وسواء كان ذلك تعليم علم أو عبادة أو أدب أو غير ذلك .

( المتن )

قال رحمه الله:

باب ما جاء أن الله احتجز التوبة على صاحب البدعة هذا مروي من حديث أنس ومن مراسيل الحسن وذكر ابن وضاح عن أيوب قال: كان عندنا رجل يرى رأياً فتركه، فأتيت محمد بن سيرين فقلت: أَشَعَرْتَ أن فلانا ترك رأيه؟ قال: انظر إلى ماذا يتحول؟ إنَّ آخر الحديث أشد عليهم من أوله : يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون إليه وسئل أحمد بن حنبل عن معنى ذلك فقال: لا يوفق للتوبة.

( الشرح )

نعم هذا الباب التاسع وهو مناسب لأبواب الرسالة لأن المؤلف ذكر لما ذكر ما يضاد الإسلام ذكر في هذا الباب عقوبة من ارتكب ما يضاده أو دعا إلى ما يضاده عقوبته أن الله يحتجز التوبة عن صاحب البدعة.

قال المؤلف هذا مروي عن أنس  هذا يعني احتجاز التوبة عن صاحب البدعة مروي عن أنس ومروي بمراسيل الحسن مروي عن أنس (56:23) مروي عنها عن أبي عاصم في السنة والبيهقي في شعب الإيمان وابن عدي كما ذكر المحقق في كتابه وابن الجوزي من طريق بقية بن الوليد قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن قال حدثنا محمود الطويل عن أنس قال قال رسول الله ﷺ إن الله حجز التوبة عن كل صاحب بدعة وفي رواية  حجر  (56:51) رجل من الكوفة وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ في تاريخ الأصبهان من طريق هارون بن موسى الفروي قال حدثنا أبو ضمرة عن أنس بن عياض عن محمود الطويل في لفظه والحديث يقول المحقق منكر بطريقين منها الطريق الأول فيه محمد بن عبد الرحمن القشيري وهو منكر الحديث وقال الدارقطني متروك وقد توبع لكن إسناده في المتابعة ضعيف والطريق الثاني فيه هارون بن موسى الفروي قد قال عنه الذهبي شيخ صدوق من شيوخ النسائي قال ابن حجر لا بأس به قال الذهبي عن هذا الحديث هذا منكر وأما مراسيل الحسن فأخرجه ابن الوضاح  في البدع والنهي عنها من طريق بقية بن الوليد قال حدثنا محمد عن هشام عن حسن أن رسول الله ﷺ قال أبى الله لصاحب بدعة بتوبة فهذا مرسل من مراسيل الحسن كما هو معروف ضعيفة و المرفوع في العلل كما ذكر المحقق ثلاث علل والموقوف فيه علتان. وعلى كل حال هذه الآثار فيها ضعف لكن قد يقال إن الآثار يشد بعضها بعضاً.

من الآثار التي وردت عن حذيفة قال قال رسول الله ﷺ لا يقبل الله لصاحب بدعة صوماً ولا صلاة ولا صدقة ولا حجاً ولا عمرة ولا جهاداً ولا صبراً ولا عدلا يخرج من الإسلام كما تخرج الشعيرة لكن الحديث باطل هذا حتى قال بعضهم موضوع والأصل في هذا أن من تاب تاب الله عليه من تاب قبل الموت بشروطها تاب الله عليه لأن الله تعالى عرض التوبة على أكفر خلق الله المثلثة الذين يقولون أن الله ثالث ثلاثة لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ قال الله تعالى : أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ

 والرجل من بني إسرائيل الذي قتل تسعا وتسعين نفسا ثم سأل عن (59:38) تدله على راهب فقال هل لي من توبة قال لا فقتله كمل به المئة قتل مئة ثم سأله عن عالم قال لك توبة (59:46) فأخذته ملائكة الرحمة لأنه كان أقرب إلى الأرض قتل مئة نفس.

والله تعالى يقول قل يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا يعني للتائبين لكن قد يقال أن معنى أن لو حدثت توبة على صاحب البدعة أن معناه أنه لا يحق له التوبة كما قال الإمام أحمد وإلا من وفق للتوبة تاب الله عليه بشروطها والمعنى أن الذنوب وأصحاب البدع يخشى عليهم أن لا يوفقوا للتوبة ولهذا قال المؤلف وذكر ابن وضاح عن أيوب قال: كان عندنا رجل يرى رأياً كان يرى رأي الخوارج فتركه فأتيت محمد بن سيرين فقلت: أَشَعَرْتَ أن فلانا ترك رأيه؟ يعني ترك رأي الخوارج وهو بدعة قال: انظر إلى ماذا يتحول؟ قال: انظر إلى ماذا يتحول؟ إنَّ آخر الحديث أشد عليهم من أوله : يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون إليه انظر قال هل يعودون إلى  الإسلام أو لا يعود وسئل أحمد بن حنبل رحمه الله عن معنى ذلك فقال لا يوفق للتوبة ثم لا يعودون إليه يعني لا يوفق للتوبة وهذا الأثر هو في البدع لابن وضاح والنهي عنها قال حدثنا (01:01:17) قال حدثنا موسى بن إسماعيل عن محمد بن زيد عن أيوب فذكره والأثر في إسناده موسى بن إسماعيل قال(01:01:28) في حفظه ضعف.

وقوله يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه هو جزء من حديث أبي ذر أخرجه مسلم في الزكاة فقوله ثم لا يعودون فيه هو من باب الوعيد كما قال الله تعالى فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ هذا من الوعيد قد لا يوفق للتوبة وقد يوفق لكن هذا من باب الوعيد.

وفي هذين الحديثين الذي ذكرهم المؤلف والآثار والأثر على (01:02:13) دليل لما ترجم عليه المؤلف رحمه الله من أن الله احتجز التوبة على صاحب البدعة و قد فسر الإمام أحمد رحمه الله ذلك بأنه لا يوفق للتوبة فهذا من باب الوعيد لهذا جاء في الصحيح من أحدث حدثاً لم يقبل الله له صرفا ولا عدلا ولهذا السبب قال بعض أهل العلم إن توبته إذا تمت بشروطها فإنها تقبل لا سيما هذه الأحاديث والآثار التي أوردها المؤلف فيها مقال قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله وهذا القول الجامع للمغفرة لكل ذنب للتائب منه كما دل عليه القرآن والحديث هو الصواب عند جماهير أهل العلم وإن كان من الناس من استثنى بعض الذنوب كقولهم إن توبة الداعي إلى البدع لا تقبل باطناً للحديث (الإسرائيلي) الذي فيه فكيف من أضللت وهذا غلط فإن الله قال قد بين في كتابه وسنة رسوله ﷺ أنه يتوب على أئمة الكفر الذين هم أعظم من أئمة البدع وقال ابن عقيل الحنبلي في كتاب الإرشاد الرجل إذا دعا إلى بدعة ثم (01:03:36) ما كان فقد ضل به خلق كثير وتفرقوا في البلاد وماتوا فإن توبته صحيحه إذا وجدت الشرائط ويجوز أن يغفر الله له ويقبل توبته ويسقط ذنب من ضل به بأن يرحمه ويرحمهم وبه قال أكثر العلماء.

نعم الصواب أن هذا من باب الوعيد وأنه إذا تاب بشروطها بشروط التوبة فإن توبته صحيحة لكن يخشى عليه بأنه لا يوفق للتوبة.

( المتن )

قال رحمه الله:

باب قول الله تعالى:  يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ إلى قوله :مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ  وقوله: وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِين 

وفيه حديث الخوارج وقد تقدم وفيه أنه ﷺ قال: إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء إنما أوليائي المتقون وفيه أيضا عن أنس  أن رسول الله ﷺ ذكر له أن بعض الصحابة قال: أما أنا فلا آكل اللحم، وقال آخر: أما أنا فأقوم ولا أنام وقال آخر: أما أنا فلا أتزوج النساء، وقال آخر: أما أنا فأصوم ولا أفطر فقال ﷺ: لكنني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني

فتأمل إذا كان بعض الصحابة أراد التبتل للعبادة قيل فيه هذا الكلام الغليظ وسمي فعله رغوباً عن السنة فما ظنك بغير هذا من البدع وما ظنك بغير الصحابة؟

 ( الشرح )

نعم هذا الباب العاشر باب قوله تعالى  : يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ فذكر المصنف في هذا الباب شيئاً مما يناقض الإسلام وهو المحاجة والمجادلة بغير حق وهي طريقة اليهود والنصارى.

قال باب قول الله تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ۝ هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ۝ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وما كان من المشركين يقول المؤلف إلى قوله وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يعني يريد هذه الآيات كلها.

هذه الآية فيها إنكار من الله تعالى على اليهود والنصارى في محاجتهم لإبراهيم خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام وجعلوا كل طائفة أنه منهم يعني اليهود يدعون أن إبراهيم يهودياً والنصارى يدعون أن إبراهيم نصرانياً والله أنكر عليهم لأن التوراة والإنجيل ما أنزلت إلا من بعد إبراهيم أنزلت التوراة على موسى وبينه وبين إبراهيم دهور ثم وجدت اليهودية فكيف يقول اليهود إن إبراهيم يهوديا والنصارى يقولوا نصرانيا والتوراة والإنجيل ما أنزلت إلا بعده بدهور ما يقارب ألف سنة بين موسى وبين إبراهيم وهذا من جهلهم وضلالهم تلبيس هذا كيف يدعون أنه منهم وقد سبقهم بدهور ولهذا قال الله تعالى يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ متى وجدت اليهودية بعد نزول التوراة ومتى وجدت النصرانية بعد نزول الإنجيل ونزول التوراة والإنجيل متى كان ؟ بعد إبراهيم بدهور فكيف يدعون أن إبراهيم منهم هذا من الجدال في الباطل يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ۝ هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ  ثم قال مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فأنكر الله على اليهود والنصارى في محاجتهم ودعوى كل طائفة أنه منهم فقد رد الله محاجتهم و مجادلتهم من ثلاثة أوجه:

الوجه الأول أن جدالهم في إبراهيم جدال في أمر ليس لهم به علم هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ جدال في أمر ليس لهم به علم.

الثاني أن اليهود ينتسبون إلى أحكام التوراة والنصارى ينتسبون إلى أحكام الإنجيل والتوراة والإنجيل ما أنزلا إلا من بعد إبراهيم بدهور وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده فكيف ينسبون إبراهيم إليهم وهو قبلهم متقدم عليهم ولهذا قال أَفَلاَ تَعْقِلُونَ

الوجه الثالث أن الله تعالى برأ خليله من اليهود والنصارى والمشركين وجعله حنيفاً مسلماً مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وجعل أولى الناس به من آمن به من أمته والنبي محمد ﷺ والمؤمنون هم أولى الناس به ليس من اليهود والنصارى إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا هؤلاء أولى الناس وليس اليهود والنصارى إن الله تعالى برأ خليله من اليهود والنصارى والمشركين وجعله حنيفاً مسلماً وجعل أولى الناس به من آمن به من أمته وهذا النبي وهو محمد ﷺ ومن آمن معه وهم الذين اتبعوه وهم أولى به من غيرهم والله تعالى وليهم وناصرهم ومؤيدهم وأما من نبذ ملته وراء ظهره كاليهود والنصارى والمشركين فليسوا من إبراهيم وليس منهم ولا ينفعهم مجرد الانتساب الخالي عن الصواب.

وفي هذه الآية دليل على النهي عن  المجادلة والمحاجة بغير علم.

والآية الثانية قوله تعالى وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ في هذه الآية يقول الحافظ ابن كثير هذه الآية فيها رد على الكفار فيما ابتدعوه وأحدثوه من الشرك بالله المخالف لملة إبراهيم الخليل فإنه عليه الصلاة والسلام جرد توحيد ربه تعالى فلم يدع معه غيره ولا أشرك به وتبرأ من كل معبود سواه وخالف في ذلك سائر قومه حتى تبرأ من أبيه ولهذا قال تعالى وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ يعني ظلم نفسه لسفهه وسوء تدبيره لتركه الحق إلى الضلال حيث خالف طريق من اصطفي في الدنيا للهداية والإرشاد وهو في الآخرة من الصالحين فمن ترك طريقه هذا ومسكه وملته واتبع طرق الضلال والغي فأي سفه أعظم من هذا أم أي ظلم أكثر من هذا كله وقد قيل أنها نزلت في اليهود.

قال المؤلف وفيه حديث الخوارج تقدم يعني فيه حديث الخوارج يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون إليه يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية والنبي ﷺ حث على قتالهم قال أينما لقيتموهم فاقتلوهم كما سبق.

وفيه أن النبي ﷺ قال إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء إنما أوليائي المتقون وهذا الحديث أخرجه البخاري في الأدب باب تبل الرحم ببلالها ومسلم في الإيمان باب مولاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم والبراءة منهم رواه أحمد أيضاً وأبو عوانة وقول النبيﷺ إن آل أبي فلان هذه الكناية من بعض الرواة خشية أن يصرح بالاسم فيترتب عليه مفسدة إما في حق نفسه وإما في حق غيره إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء  ومعناه إنما أوليائي المتقون المعنى أن وليي من كان صالحاً متقياً وإن بعد مني نسبه وليس وليي من كان غير صالح وإن قرب مني نسبه وليي قال رسول الله ﷺ إن وليي من كان صالحاً وإن بعد مني نسبه وليس وليي من كان غير صالح وإن قرب مني نسبه.

 قال القرطبي رحمه الله فائدة الحديث انقطاع الولاية في الدين بين مسلم وكافر ولو كان قريباً حميماً.

وفيه دليل ظاهر على أهمية الولاء والبراء وأنه من أوثق من عرى الإيمان مولاة الله ورسوله ومعاداة الكفار والمشركين وفيه إعلان البراءة ممن لا يستحق الولاية وهذه ملة إبراهيم وهذا الشاهد من الحديث في هذا الباب.

ثم ذكر المؤلف حديث أنس  ذكر فيه أن رسول الله ﷺ ذكر له أن بعض الصحابة قال أما أنا فلا آكل اللحم، وقال آخر: أما أنا فأقوم ولا أنام وقال آخر: أما أنا فلا أتزوج النساء، وقال آخر: أما أنا فأصوم ولا أفطر فقال ﷺ: لكنني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني هذا الحديث أخرجه البخاري في النكاح باب النكاح وأخرجه مسلم في النكاح أيضاً باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤونته واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم وأخرجه النسائي أيضاً في النكاح باب النهي عن التبتل وأحمد والبيهقي والبغوي والحديث فيه عن أنس  قال ذكر أن بعض الصحابة قال جاء في رواية البخاري جاء ثلاثة رهط وعند مسلم أن نفراً من أصحاب النبي ﷺ ( 01:14:25) فالرهط من ثلاثة إلى عشرة والنفر من ثلاثة إلى تسعة والبعض يشمل هذا وهذا وفي الصحيحين أنهم جاؤوا هؤلاء الرهط من الشباب جاؤوا إلى بيوت أزواج الرسول ﷺ يسألون عن عبادته في السر فقيل لهم أن الرسول ﷺ ينام بعض الليل ويصلي بعض الليل ويصوم بعض الأيام ويفطر ويأكل اللحم سألوا عن عبادته في السر(...) قال بعضهم أين نحن من رسول الله ﷺ فرسول الله غفر له ما تقدم من ذنبه أما نحن الآن ما عندنا أن يغفر لنا لا بد أن نزيد على عبادة الرسول عليه الصلاة والسلام وعند مسلم والنسائي أن بعضهم قال لا أتزوج النساء قال حتى لا ينشغل عن العبادة يصلي ويتبتل يصلي الليل ويصوم النهار أما الزوجة والولد يشغلونه لا حاجة إلى الزواج حتى هم بعضهم بالخصاء قطع الخصيتين حتى لا يكون حاجة إليه همهوا بالاختصاء و قال بعضهم لا آكل اللحم لأنه يشغله وفيه شرة وقوة وميل على الراحة والدعة والمعاصي فيترك اللحم وقال بعضهم لا أنام على فراش وهو فراشه يتبتل قال الحافظ ابن حجر ظاهره مما يؤكد زيادة عدد (01:16:05) بأن ترك أكل اللحم أخص (01:16:11) واستغراق الليل بالصلاة أخص من ترك النوم على الفراش وقد يقال إن هذا تصرف الرواة ففي رواية مسلم فبلغ ذلك النبي ﷺ فخطب فجاء إلى المسجد فحمد الله وأثنى عليه وخطب في الناس وقال ما بال أقوام قالوا كذا وكذا ما سماهم هذه عادته ما يقول فلان وفلان يذكر الوصف وفي رواية البخاري فجاء النبي ﷺ فقال أنتم الذين قلتم كذا وكذا ويجمع بأنه منع بذلك عموماً جهراً مع عدم يقينهم يعني منع من ذلك يعني الناس عموماً ولم يذكر أسماءهم خصوصاً فيما بينه وبينهم رفقا بهم وسترا عليهم وزادت رواية البخاري أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصلي وأنام وأصوم أفطر وآكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني الرغب عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره والمراد أن من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني وكأنه لمح بذلك إلى طريقة الرهبانية الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم الله بذلك.

وفي الحديث دليل على أن طريقة النبي ﷺ هي الحنفية السمحة وهي التحذير من الرغبة عن سنة النبي ﷺ والإعراض عنها إلى اعتقاد أرجحية عمله وأنه ليس على ملة النبي ﷺ وقد سفه نفسه.

قال المؤلف رحمه الله : فتأمل إذا كان بعض الصحابة أراد التبتل للعبادة قيل فيه هذا الكلام الغليظ أراد التبتل لأن التبتل أي الانقطاع للعبادة الاستمرار في العبادة إذا كان الذي أراد أن يستمر في العبادة الصلاة والصيام قال له النبي ﷺ قال له هذا الكلام الغليظ وسمى فعله رغوباً عن السنة فمن رغب عن سنتي فليس مني الذي يريد أن يتبتل وينقطع للعبادة قال فيهم النبي ﷺ هذا الكلام الغليظ وسمى فعلهم رغوباً عن السنة فما ظنكم بغير هذا من البدع وما ظن كمان الصحابة إذا كانت الصحابة في العبادة في أمر من العبادة يريدون التبتل قال المؤلف فما ظنك بغير هذا إذا كان في البدع أشد وأشد وإذا كان في غير الصحابة أشد وأشد في الصحابة وفي العبادة يقول لهم إن هذا رغبتم عن السنة رغب عن سنتي قال المؤلف فما ظنك بالبدع إذا كان الذي يصلي الليل ويصوم النهار يخالف النبي ﷺ راغب عن سنته يقال فيه هذا الكلام فالذي يفعل البدع أشد وأشد وغير الصحابة أشد وأشد هذا وجه استدلال المؤلف وجه استدلاله أن النبي ﷺ شدد الأمر في المتبتلين وهم يعبدون الله لأنهم خالفوا سنته فكيف بمن خالف السنة إلى البدع فكيف إن كان من غير الصحابة من باب أولى.

( المتن )

قال رحمه الله:

باب قول الله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ  ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ وقوله تعالى: وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ  وقوله: ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ

وعن ابن مسعود أن رسول الله ﷺ قال: إن لكل نبي ولاة من النبيين وأنا وليي منهم أبي إبراهيم وخليل ربي ثم قرأ: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ۗ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِين رواه الترمذي.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.

(الشرح)

هذا الباب الحادي عشر  وهو باب قول الله تعالى فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا

 ذكر المصنف في هذا الباب أن مما يجبره الدخول في الدين كله التمسك بالفطرة السليمة وهي ملة إبراهيم و إقامة الوجه للدين القويم قال باب قول الله تعالى فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ومما يشمله الدخول في الدين التمسك بالفطرة السليمة وهي ملة إبراهيم وإقامة الوجه للدين القويم يعني إخلاص العمل لله والفطرة السليمة والله تعالى فطر الناس على الإسلام.

قول الله تعالى فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ في هذه الآية يأمر الله تعالى نبيه محمد ﷺ بأن يسدد وجهه للدين الذي شرعه الله له من الحنيفية التي هي ملة إبراهيم الذي هداه الله لها وكملها له غاية الكمال وحثه مع ذلك أن يلازم فطرته السليمة التي فطر الله الخلق عليها فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وعلى توحيده وأنه لا إله إلا هو فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ.

فهذه الآية يأمر الله نبيه ﷺ أن يقيم وجهه للدين يعني يسدد وجهه للدين الذي شرعه الله له ليعمل به ويخلصه لله وهي الحنفية ملة إبراهيم الذي هداه الله لها وكملها له غاية الكمال وحثه مع ذلك على ملازمة الفطرة السليمة التي فطر الله الخلق عليها فالله تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده وأنه لا إله إلا هو كما قال الله تعالى وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا

 وفي صحيح مسلم من حديث عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله ﷺ قال فيما يرويه عن ربه قال وهو حديث قدسي إني خلقت عبادي حنفاء فاجترهم الشياطين عن فطرتهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وهي فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا  لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ يعني لا تبديل لدين الله قالها ابن عباس وغيره وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال كل مولود يولد على الفطرة  

لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ أي لا تبديل لدين الله وقيل المعنى لا تبدلوا خلق الله فتغيروا الناس عن فطرتهم التي فطرهم الله عليها فيكون خبرا بمعنى الطلب لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ وقيل المعنى الخبر لا تبدلوا خلق الله وتغيروا الناس عن فطرتهم التي فطر الله الناس عليها يكون الخبر بمعنى الأمر وقيل هو خبر على (..)ومعناه أنه تعالى ساوى بين خلقه كلهم بالفطرة على الجبلة المستقيمة لا يولد أحد إلا على ذلك ولا تفاوت بين الناس إلا في ذلك.

 وقوله ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ أي التمسك بالشريعة والفطرة السليمة هو الدين القيم المستقيم وهذا هو الشاهد من الترجمة باب قول الله تعالى فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا  ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ التمسك بالشريعة والتمسك بالفطرة السليمة هو الدين القيم هو الدين المستقيم.

 وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ يعني فلا يتعرفون على الدين القيم ولو عرفوه لما سلكوه هذا معنى كلام الحافظ ابن كثير رحمه الله.

وقول الله تعالى وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ۝ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ۝ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ووصى بها أي بهذه الكلمة العظيمة ووصى بها أي بهذه الكلمة العظيمة وهي الإسلام لله والانقياد له وحده دونما سواه وصى بها إبراهيم كلمة التوحيد وهي الإسلام لله والانقياد له وحده دون سواه والبراءة من الشرك وأهله وفسرها بعد ذلك بقوله إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ قبل ذلك قال يا بني وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ  يعني اختاره لكم ديناً تدينون به لله تقومون بحقه وحق عبادته فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ المعنى استمروا على إسلامكم إلى الموت ثم قال وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ التوحيد.

 الشاهد من الآية أهمية الإسلام لله والانقياد له حيث أن الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام وصوا به أبناءهم.

وقوله تعالى ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ في هذه الآية دليل على كمال إبراهيم عليه الصلاة والسلام وعظمته وصحة توحيده وطريقته وذلك أن النبي ﷺ أوحي إليه أن اتبع ملة إبراهيم ملة إبراهيم هي التوحيد.

وعن ابن مسعود أن رسول الله ﷺ قال: إن لكل نبي ولاة من النبيين وأنا وليي منهم أبي إبراهيم وخليل ربي ثم قرأ: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ رواه الترمذي وهو في تفسير القرآن باب من سورة آل عمران عن طريق أبي أحمد الزبيري قال حدثنا سفيان الثوري عن أبيه عن أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود  فذكره. وأخرجه الطبري في تفسيره عن طريق محمد بن عبيد التنافسي و الحديث في إسناده انقطاع لأن فيه أبا الضحى ومسلم وصبيح لم يدركوا ابن مسعود  و الحديث له رواية متصلة على طريقة المتأخرين ورجح الشيخ أحمد شاكر أن الأصل زيادة الثقة وزيادة الثقة مقبول هذا عند المتأخرين أما المتقدمون من المحدثين ينظرون للزيادة ويحكمون عليها بما تستحق.

وفي هذا الحديث دليل على حرص الرسول ﷺ على اتباع ملة إبراهيم حيث أرشده الله إلى ذلك ولهذا قال إن لكل نبي ولاة من النبيين وأنا وليي منهم أبي إبراهيم وخليل ربي ثم قرأ: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِين 

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم الحديث أخرجه مسلم في باب البر والصلة باب (01:29:05) ولفظ مسلم في روايته إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأشار بأصابعه إلى صدره ولفظ أحمد إن الله لا ينظر إلى صوركم.

وفي هذا الحديث أن الأعمال الظاهرة لا يحصل بها التقوى وحدها وإنما يحصل بما وقع في القلب من عظمة الله وخشيته ومراقبته لقوله إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى أموالكم يعني لذاتهم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ولا يحصل التقوى من الأموال والأجسام إنما يحصل بما وقع في القلب من عظمة الله وخشيته ومراقبته.

والمقصود من الحديث أن الاعتبار من هذا كله بالخلق ومن نحوه قول الرسول ﷺ ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب وهذا فيه الحث على إخلاص العمل لله وحسن القصد لا ينظر إلى أجسادكم ولا ينظر إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم فيه الحث على إخلاص العمل لله والحث على حسن القصد فإن العبد يعطى ويثاب على حسب قصده وإخلاصه ولا يعطاه غيره قال ابن ... رضي الله عنهما إنما يعطى الرجل على قدر نيته.

 وفيه من الفوائد أنه ينبغي للإنسان أن لا يتطلع إلى زينة الدنيا وزهرتها لئلا يفتن بها كما قال الله  لنبيه ﷺ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ.

 والشاهد من الحديث قوله ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ففيه معنى إقامة الوجه لله والانقياد له سبحانه دون ما سواه لأن الترجمة باب قول الله تعالى فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا الشاهد من الحديث أن الله ينظر إلى القلوب والأعمال أن الله لا ينظر إلى الأجساد والأموال ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال ففيه معنى إقامة الوجه لله والانقياد له دون ما سواه فمن أقام وجه لله وأخلص عمله لله وانقاد له  دون ما سواه فهذا الذي ينظر الله إليه أما الأجساد والأموال وحدها فلا الجسد مركب من الروح الروح هي التي تحمل الجسد وهي التي تحرك الجسد فإذا كانت الروح ذات همة عالية فلا يضر الجسد قد يكون بعض الناس جسمه ثقيل لكن روحه عالية تجده عنده معاني الأمور يهتم بمعاني الأمور ولا يتخلف عن شيء من الخير وبعض الناس جسمه خفيف لكن روحه ليس لها معنى ما يقوم بشيء من الأعمال فالجسم ما يقوم الجسم مركب مركب الروح والجسم وكذلك المال الأموال مكدسة بعض الناس عنده ملايين ما تنفع وحدها لكن إذا كان القلب في مراقبة لله وتعظيم لله أنفق هذه الأموال كوجه من وجوه الصدقة وأنفقها في المشاريع الخيرية القلب هو الذي يدفعه ما في قلبه من إيمان لله وتعظيم لله وخوف ورجاء هو الذي يحرك هذه الأموال وينفقها في سبل الخيرات وإذا كان القلب سيشعره بذلك أنفق هذه الأموال فيما يضر الإسلام في الفساد في سبل الفساد والرذيلة فالأجسام والأموال ليست محل الرضا لله محل رضا الله القلوب ،القلوب والأعمال والإخلاص وهذا هو الشاهد من الحديث ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم المعنى إقامة الوجه لله وإخلاص الدين له والانقياد له دون ما سواه.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد