بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،،،
فكنا في سنوات مضت تكلمنا على هذه العقيدة، وهي اعتقاد الإمام أحمد، اعتقاد إمام أهل السنة أحمد بن حنبل لأبي الفضل عبد الواحد بن عبد العزيز بن الحارث التميمي، المتوفى سنة أربعمائة وعشرة (410هـ)، وبقي آخرها سوف نتكلم عليه إن شاء الله في هذه الدورة ونكون ننتهي من هذه العقيدة، وهذه العقيدة عقيدة الإمام أحمد معروفة، لكن أبي الفضل يحكيها عن الإمام أحمد وقد يصيب وقد يخطئ، وهو لا ينقل كلام الإمام أحمد، إذا نقل كلام الإمام أحمد ليس فيه إشكال، لكن ينقل اعتقاد الإمام أحمد، فيظن أن هذا اعتقاده، وقد يكون مخالف لاعتقاد الإمام أحمد، ونبهنا على هذا فيما مضى، وننبه إن شاء الله في المستقبل، وقفنا على الموقف الآن.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، صلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه.
واللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
(المتن):
قال المصنف رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
(وكان لا يكفر أحدا من أهل القبلة بذنب كبيرًا كان أو صغيرًا إلا بترك الصلاة، فمن تركها فقد كفر وحل قتله قاله ابن حنبل ويستدل بقوله عَزَّ وَجَلَّ ورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله فقد جمع بينهم في الاصطفاء وكان لا يفسق الفقهاء في مسائل الخلاف).
(الشرح):
يقول أبي الفضل التميمي: (وكان الإمام أحمد لا يكفر أحدا من أهل القبلة بذنب كبيرًا كان أو صغيرًا إلا بترك الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، يعني كان الإمام أحمد رَحِمَهُ اللهُ عقيدته أنه لا يكفر أحدًا بالذنب وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة، الذنب لا يكفر به الإنسان، وإنما يكون يضعف إيمانه، يكون فاسق إذا ارتكب كبيرة، ويكون ضعيف الإيمان، ناقص الإيمان، ولا يكفر إلا إذا فعل كفرًا، إذا فعل كفرًا سواء كان هذا الكفر اعتقاد أو عمل أو قول، يعني سب الله أو سب الدين هل كفر، أو اعتقد أن لله صاحبة أو ولدًا، أو أن أحد يتصرف معه في الكون هذه عقيدة كفرية أو سجد للصنم هذه عقيدة كذلك هذا يكفر، إما إذا فعل المعاصي كالزنا أو السرقة أو شرب الخمر أو عقوق الوالدين أو قطيعة الرحم وهو لم يستحله يكون ضعيف الإيمان ناقص الإيمان، لكن ما يكون كافر، لا يكون كافر إلا إذا استحله، قال الزنا حلال أو الربا حلال، أو قال الصلاة غير واجبة أو الزكاة غير واجبة يكفر؛ لأنه في هذه الحالة مكذب لله، حل ما حرم الله وحرم ما أحل الله، إذا قال الزنا حلال والله حرمه كذب الله من كذب الله كفر، كذلك إذا قال الربا حلال أو قال الصلاة غير واجبة أو الصوم غير واجب هذا معلوم من الدين بالضرورة، مجمع عليه، يكفر في هذه الحالة، إما إذا فعل المعصية، أو قال قولًا أو معصية ولكنه لا يستحل ولا يعتقد أن الزنا حلال، [04:01] غلبت نفسه وهواه وتعامل بالربا، غلبت نفسه وهواه أكل الرشوة، أو فعل الزنا ويعلم أنه حرام ويعتقد أنه حرام فهذا ما يكفر يكون ضعيف الإيمان ناقص الإيمان، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة، وكذلك أيضًا من ترك الزكاة أو ترك الصوم أو ترك الحج، هذه المسألة خلافية بين أهل العلم، من العلماء من قال يكفر بترك الصلاة بترك الزكاة أو ترك الصوم أو الحج هذا إذا كان يعتقد أنه واجب، يعتقد أن الزكاة واجبة، لكن منع الزكاة بخلًا وتهاونًا، هل يكفر؟ في قالين لأهل العلم:
- قيل إنه يكفر
- وقيل أنه لا يكفر، يكون فاسق، وهذا هو الأرجح، يكون فاسق وضعيف الإيمان، ويؤدب ويعذره الحاكم الشرعي بالضرب والجلد وتأخذ منه الزكاة بالقوة ولا يكفر، وكذلك إذا ترك الصوم على الصحيح وهو يعتقد أن الصوم واجب، لكنه لم يصم تساهلًا، هذا يؤدب بالضرب والحبس ويلزم بالصوم ولا يكفر على الصحيح، وقيل يكفر.
إما ترك الصلاة ففيها خلاف:
- إذا جحد وجوبها هذا بالإجماع.
- إما إذا اعتقد أنها واجبة ولم يصلي فهذا قال بعض العلماء من الفقهاء المتأخرين أنه لا يكفر؛ لأنه معه شعبة من شعب الإيمان وهي التصديق.
القول الثاني أنه يكفر وهذا هو الصواب الذي أجمع عليه الصحابة، نقل عبد الله [05:36] العقيلي التابعي الجليل عن الصحابة أنهم لا يرون شيئًا من تركه كفر إلا الصلاة، كذلك [05:44] نقل الإجماع الإمام بن حزم نقل الإجماع أيضًا إسحاق بن راهويه، وكذلك أيضًا الإمام أبو محمد بن حزم على أن ترك الصلاة كفر؛ ولأن الصلاة ورد فيها ما لم يرد في غيرها، قال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر"، وقال: "بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة"، رواه الإمام مسلم في صحيحه، فجعل الصلاة حدًا فاصلًا، وقال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "من ترك الصلاة متعمدًا فقد برئت منه ذمة الله"، الصحابة أجمعوا على ذلك، فالصلاة لها شأن، فهي شرطٌ في صحة الإيمان، فإذا تركها لم يصح إيمانه، فأبي الفضل التميمي كان ينقل عن عقيدة الإمام أحمد، فقال: "كان لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب كبير كان أو صغيرًا"، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة، الذنوب لا يكفر بها إلا بترك الصلاة، فمن تركها فقد كفر وحل قتله، قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من بدل دينه فاقتلوه"، ويستدلوا بقوله عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} [فاطر:32 - 33]، قال: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر:32]، الذين أورثهم الله الكتاب واصطفاهم ثلاثة أصناف:
- ظالم لنفسه.
- ومقتصد.
- وسابق بالخيرات.
ثم قال:{جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} [فاطر:33]، كل الأقسام ثلاثة، ما وجه الدلالة على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر؟ وجه الدلالة السابق بالخيرات هو الذي أدى الفرائض والواجبات وأيضًا فعل النوافل والمستحبات وترك المحرمات وترك المكروهات كراهة تنزيه، وترك التوسع في المباحات، هؤلاء درجتهم عالية.
والمقتصد هو الذي أدى الواجبات فقط وليس عنده نشاط في فعل النوافل، وترك المحرمات فقط، وقف عند هذا الحد، ليس عنده نشاط، قد يفعل المكروهات كراهة تنزيه، وقد يتوسع في المباحات، وهذا أيضًا يدخل الجنة من أول وهلة، لكن درجتهم أقل من درجة السابق بالخيرات.
القسم الثالث: الظالم لنفسه هو الذي قصر في بعض الواجبات، مؤمن موحد مات على التوحيد ولم يقع في عمل الشرك، لكن قصر بعض الواجبات أو فعل بعض المحرمات هذا ظالم لنفسه، يعني فعل كبيرة من المحرمات أو كبيرة بترك بعض الواجبات، هذا الله تَعَالَى نص على أنه أهل الجنة، وأنه ممن يورث الكتاب، يعني في النهاية؛ لأنه قد يعفو الله عنه، قد يعذب، قد يصيبه يعني إذا مات من غير توبة، قد يعذب في قبره وقد يصيبه أهوال وشدائد في موقف يوم القيامة، قد يعذب في النار، قد يعفى عنه، قد يشفع فيه، ثم في النهاية مآله إلى الجنة، فهذا وجه الدلالة من الآية، أن الآية دلت على أن الظالم لنفسه من أهل الجنة، وممن اصطفاه الله وممن أورثه الكتاب، {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} [فاطر:32 - 33]، كل الأصناف الثلاثة، هذا وجه الدلالة، يستدل الإمام أحمد بهذه الآية على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر؛ لأن الله أخبر أنه أورثه الكتاب وأنه من المصطفين وأنه في الجنة، مآله إلى الجنة.
قال: (فقد جمع بينهم في الاصطفاء)، جمع بين السابق بالخيرات والمقتصد والظالم لنفسه، وكان لا يفسق الفقهاء في مسائل الخلاف، يعني المسائل التي فيها خلاف بين أهل العلم تجد مثلًا بعض العلماء يقول مثلًا: خروج الدم لا ينقض الوضوء، وبعضهم يقول: خروج الدم ينقض الوضوء، [09:58] فيصلي أحدهم خلف أحمد، هذا يخرج منه الدم ولا يتوضأ، وهذا يتوضأ ويصلي بعضهم خلف بعض، ولا يفسق؛ لأن المسألة خلافية بين أهل العلم.
أكل لحم الجزور وإن كان الصواب، فبعض العلماء يرى أنه لا ينقض الوضوء والصواب أنه ينقض الوضوء، ومع ذلك الذي يجتهد من العلماء ويقول أنه لا ينقض الوضوء لا يفسق، ما يكون فاسق.
قال: (وكان لا يفسق الفقهاء في مسائل الخلاف)، نقل بعضهم عن أبي منذر النقاش هي تعليق على هذا نقل قال الإمام أحمد في رسالة العبدوس [10:37]: (ومن مات من أهل القبلة مُوحدًا يصلى عليه ويستغفر له ولا يحجب عنه الاستغفار ولا تترك الصلاة عليه لذنب أذنبه صغيرًا كان أو كبيرًا، أمره إلى الله)، هذا كلام الإمام أحمد، (ومن مات من أهل القبلة )، يعني يصلى إلى القلبة ما ترك الصلاة، يصلى إلى القلبة، لكن فعل ذنب ومات على التوحيد، ومات على أنه من أهل القبلة، يلى عليه ويستغفر له، [11:10] ولا تترك الصلاة عليه لذنب أذبه صغيرًا كان أم كبيرًا أمره إلى الله، أمره إلى الله الذنب الذي أذنبه [11:16] قد يعفو الله عنه، قد يعذب، قد يكون معذورًا ما علم قد يكون تاب فيما بينه وبين الله، وقد يعفو الله عنه، وقد يعذب ويطهر، وقد يطهر بأمراض في الدنيا أو يطهر بعذاب القبر أو يطهر بالنار أو يعفو الله عنه، أمره إلى الله تَعَالَى.
قال: (وأما تكفيره لتارك الصلاة)، فقال في رسالة عبدوس: "ومن ترك الصلاة فقد كفر، وليس من الأعمال شيءٌ تركه كفر إلا الصلاة من تركها فهو كافر وقد أحل الله قتله"، وهذه المسألة وهي عدم تكفير مرتكب الذنب، ما لم يستحله هو مذهب أهل السنة والجماعة أنه له لا يكفر الإنسان بالذنب إلا إذا استحله وقال أنه حلال هذا كذب الله، قال الزنا حلال أو الربا حلال أو الرشوة حلال، هذا كذب الله، ومن كذب الله كفر، أو أنكر أمرًا معلوم جحد أمرًا معلوم من الدين بالضرورة، قال: الصلاة غير واجبة أو الحج غير واجب، أو الزكاة غير واجبة، هذا يكفر؛ لأنه مكذب لله ولرسوله.
وكذلك لو قال: الخبز حرام، معتقد هذا كفر، أو قال حتى ولو سنة قال السواك ليس بسنة بل هو بدعة يكفر، لماذا؟ لأنه مكذب لله؛ لأن النصوص واضحة في سنيته، أو قال: لا تشرع السنة الراتبة للفجر، غير مشروعة، بدعة، يعلم هذا ليس عن جهل، يكفر؛ لأنه مكذب لله ولرسوله.
إما الذين يكفرون بالذنوب والمعاصي هم الخوارج، الخوارج يقولون: أن فاعل المعصية كفر، الزاني يكفر عند الخارج، آكل الربا يكفر، شارب الخمر يكفر، هذا مذهب الخوارج وهو مذهب باطل، يكفرون المسلمين بالمعاصي، ويجعلون النصوص التي وردت في الكفار يحملونها على المسلمين وعلى المؤمنين، عدم تكفير مرتكبي الذنب هو مذهب أهل السنة خلفًا للخوارج الذين يكفرون بالذنب وخلافًا المرجئة القائلين بعدم التكفير مطلقًا، المرجئة يقولون: لا تضر الذنوب والمعاصي، إذا أتصدق وآمن لو أفعل جميع الكبائر لا يضره إيمانه كامل، عكس الخوارج، الخوارج يقولون إذا فعل المعصية كفر، والمرجئة يقولون إذا فعل الكبيرة لا تضره، إيمانه كامل، وأهل السنة وسط بين المرجئة لا يقولون مثل بقول الخوارج أنه يكفر، ولا يقولون بقول المرجئة أنه كامل الإيمان، بل يقولون: ضعيف الإيمان ناقص الإيمان مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، ما يقولون ولا يقولون غير مؤمن، أهل السنة مرتكب الكبيرة لا يقولون مؤمن بإطلاق ولا يقولون ليس بمؤمن بإطلاق، لابد من القيد، إذا قلت مؤمن بإطلاق وافقت المرجئة، وإذا قلت ليس بمؤمن وافقت الخوارج والمعتزلة، إذا ماذا تقول؟ قيد، مؤمن ناقص الإيمان، مؤمن ضعيف الإيمان، مؤمن بإيمان فاسق بكبيرته، وفي النفي لا تقول ليس بمؤمن، لأنك توافق توافق الخوارج، تقول: ليس بمؤمن حقًا، ليس بصادق الإيمان، هذا مذهب أهل السنة والجماعة، وسط بين مذهب الخوارج وبين مذهب المرجئة.
الطحاوي في عقيدته التي تلقاها القبول، يقول: "لا نكفر أحدًا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله، ولا نقول لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله"، يعني ينفي "لا نكفر أحدًا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله"، يعني خلافًا للخوارج، "ولا نقول ضرر مع الإيمان ذنب لمن عمله" خلافًا للمرجئة.
وأيضًا من تفصيل مذهب السنة والجماعة إذا تكلم الإنسان وقال قولًا كفريًا أو عمل عملًا كفريًا وهم لا يدرون محله، أو ترك أمرًا ترك أوجبه الله أو فعل أمرًا نهى الله عنه، ماذا يقولون؟ يقولون فيها فحق يثبتون فيها الوعيد لما فعله، يقول هذا القول قول كفري، وهذا الفعل فعل كفري، إما الشخص الذي تكلم لا نعرف ما حاله، فنقول هذا القول قول كفري، أو هذا القول بدعة وهذا العمل عمل كفري، إما الشخص فلا نكفره حتى تقوم عليه الحجة، نأتي لفلان ونقوله له: يا فلان قلت كذا وكذا، قد يكون جاهل، قد يكون ما يدري، قد يكون متأول، قد يكون له عذر، قد يكون هناك أسباب ألجأته، قد يكون مُكره، فإذا أتى الشخص وقيل له هل هذا كلامك هذا؟ هذا قول كفر، هذا دليله من الكتاب والسنة، فإذا تراجع فالحمد لله، وإذا أصر بعد أن علم نكفره، نقول: يا فلان هذا العمل الذي عملته هذا كفر، ما عذرك في هذا، ونبين له الأدلة، فإن تبين له ورجع فالحمد لله، وإن لم يرجع وأصر بعد معرفته نحكم بكفره، هذا عقيدة أهل السنة والجماعة يقول نفرق بين القول والقائل وبين الفعل والفاعل، القول هذا قول كفري، إما الشخص لا يكفر إلا إذا وجدت الشروط التي [17:00] الشخص التي عمل هذا العمل هذا العمل نقول هذا كفري، إما الشخص الذي عمله لا نكفره حتى تقوم علي الحجة، نبين له، فإذا قامت عليه الحجة وأصر بعد ذلك نحكم بكفره، هذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة في هذا.
(المتن):
(وكان يسلم أحاديث الفضائل ولا ينصب عليها المعيار وينكر على من يقول إن هذه الفضيلة لأبي بكر باطلة وهذه الفضيلة لعلي باطلة لأن القوم أفضل من ذلك ولا يتبرأ من عين رأت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا أن يجمع المسلمون على التبريء منها ويقول: "إن الله تَعَالَى ميزانا يزن فيه الحسنات والسيئات ويرجع إلى الحديث المروي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
الشيخ:
(وكان يسلم)، كان الإمام أحمد رَحِمَهُ اللهُ (وكان يسلم أحاديث الفضائل ولا ينصب عليها)، يعني أن عدالة الصحابة متفق عليها بين أهل السنة، الصحابة كلهم عدول، ولهذا المحدثون إذا رأوا الحديث ينصبون المعيار والميزان عدا الصحابة، أخذ فلان وفلان عدل أو غير عدل ضابط أو غير ضابط، التابعي وتابعي التابعي، فإذا وصلوا الصحابة، الصحابة عدول، لا يبحث عنهم، كل الصحابة عدول، ما ينصب عليهم معيار [18:45]؛ لأن الله زكاهم وعدلهم ووعدهم بالحسنى، قال تَعَالَى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد:10]، كلهم الصحابة، وقال في سورة الفتح في وصف الصحابة: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح:29]، كلهم وعدوا بالجنة، ولهذا استنبط الإمام مالك رَحِمَهُ اللهُ من هذه الآية كفر الرافضة الذين يكفرون الصحابة، الله زكاهم وعدلهم فمن كفرهم أو فسقهم فقد كذب الله ومن كذب الله كفر، فقال هذه الآية كذلك نستنبط منها كفر الرافضة، وكذلك أيضًا من آية الحشر؛ فإن الله تَعَالَى الفيء لثلاثة أصناف من الناس: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الحشر:7]، ثم قال: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر:8]، ثم قال: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ من قبلهم} [الحشر:9]، ثم قال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر:10]. صار فيه كم صنف؟ ثلاثة أصناف من الناس:
- المهاجرون هم الصحابة الذين هاجروا من مكة إلى المدينة.
- والأنصار في المدينة.
- والذين جاؤوا بعدهم يدعون لهم ويسألون الله أن يغفر لهم.
والرافضة ليسوا من الأصناف الثلاثة، ليسوا من المهاجرين، ولا من الأنصار، ولا من الذين يدعون لهم، بل يدعون عليهم ويكفرونهم، فدل على أنهم خارجون عن الإسلام، هذا أيضًا الاستنباط الذي يستنبطه أهل العلم؛ ولهذا يقول: (كان يسلم أحاديث الفضائل)، الفضائل التي وردت للصحابة (ولا ينصب عليها المعيار)، والميزان، (وينكر على من يقول إن هذه الفضيلة لأبي بكر باطلة وهذه الفضيلة لعلي باطلة لأن القوم أفضل من ذلك)، قال: (ولا يتبرأ من عين رأت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا أن يجمع المسلمون على التبريء منها)، هذه مسألة: (ولا يتبرأ من عين رأت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا أن يجمع المسلمون على التبريء منها)، يعني رؤية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تكفي في الإيمان، الصحابي هو تعريفه هو من لقي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما قال الحافظ ابن حجر، يقول الصحابي في تعريفه: "هو من لقي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مؤمنًا ومات على ذلك"، مات على الإسلام ولو لحظة، وهذا التعريف أسلم من تعريف من رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن من الصحابة من هو أعمى، عبد الله بن أم مكتوم ما رآه لكن لقيه، "هو من لقي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مؤمنًا لول لحظة ومات على ذلك"، حتى صغار الصحابة، صغار الصحابة الذين حنكهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا صحابي رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولقي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا مات على الإسلام هذا الصحابي، أما الرؤية واحدة لا تكفي المنافقون رأوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واليهود رأوه، لا تنفعهم الرؤية، ما نفعتهم رؤيتهم لما لم يؤمنوا ما نفعت، (ولا يتبرأ من عين رأت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا أن يجمع المسلمون على التبريء منها)، والمسلمون اجمعوا على التبريء من اليهود ومن المنافقين الذي رأوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يؤمنون به، فعدالة الصحابة متفق عليه بين أهل العلم قديمًا وحديثًا، ولم يخالف في هذا إلا أهل البدع كالروافض وأشباههم.
يقولون وقد سئُل الإمام أحمد رَحِمَهُ اللهُ عن رجل شتم رجلًا من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "ما أراه على الإسلام"، سئُل الإمام أحمد عن رجل يشتم صحابي، قال: "ما أراه على الإسلام"، وسئل عن رجل يشتم عثمان، فقال: "هذه زندقة"، والزنديق هو المنافق.
وقال مالك رَحِمَهُ اللهُ: "الذي يشتم أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس له نصيب في الإسلام"، أو قال: "ليس له سهم في الإسلام"، وإنما جاء عنه كما حكى الخلال الإنكار على من يقول هذه المنقبة لا تثبت ونحوها، إذ يقول هذه المنقبة لا تثبت لفلان؛ لأن هذه وسيلة للطعن على الصحابي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ لأن هذه البدعة كانت موجودة أيام الإمام الخليفة الراشد على بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، والمنهج الذي عليه عامة الأمة أن الأصل الذي يبنون عليه الباب ما دام ثابتًا صحيحًا فإنهم يجوزون رواية الأحاديث الذي في إسنادها نظر في الباب من باب الاستئناس.
ويقول: (إن لله تَعَالَى ميزانًا يزن فيه الحسنات والسيئات)، ويرجع إلى الحديث المروي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الميزان ثابت، الميزان ثابت توزن فيه الحسنات وتوزن فيه الأشخاص والأعمال، ثابت في القرآن وفي السنة، قال تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47]، قال تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة:6 - 9]، قال تَعَالَى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون:102 - 103]، فهنا فميزان ميزان عظيم، كفتاة أعظم من إطلاق السموات والأرض، توزن فيه الحسنات والسيئات، فالحسنات توضع في كفة والسيئات توضع في كفة فإذا ثقلت الحسنات نجى، وإذا ثقلت السيئات هلك، هذا متفق عليه بين أهل السنة، توزن الأعمال وتوزن صحائف الأعمال، كما في حديث البطاقة الذي يوزن الأعمال، سبحان الله، والأعمال يقلبها الله أعيانًا فتكون أعيانًا، كما أن الموت وهو أمر معنوي يجعله الله عينًا فيكون كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار، وكما جاء في الحديث أن البقرة وآل عمران تأتيان كأنهما غمامتان أو غيابتان أو [25:55] صواف، المراد العمل، القرآن كلام الله يعني العمل هو الذي يجزي وهو الذي يظلل صاحبه، فالأعمال يقلبها الله عيانًا، فتوزن الأعمال فتثقل وتخف، فالأعمال توزن، وكذلك صحائف الأعمال توزن، كما في حديث البطاقة، وهذا أرجى حديث لأهل السنة والجماعة، حديث البطاقة فيه "أنه يُأتي يوم القيامة برجل فتنشر له تسعة وتسعون سجلًا، كل سجل مد البصر سيئات"، تنشر أمامه، يقف بين يدي الله وتنشر له تسعة وتسعين سجل، كل سجل مد البصر سيئات، فتوضع في كفة، ويقال "يا فلان، أتنكر من هذا الشيء؟ قال: لا هذه كلها عملتها، وظن أنه هلك، فيقال: هل لك حسنة؟ هل تذكر شيء فقال: لا، فقال الله تَعَالَى: لا، إنك لا تظلم، إن لك عندنا حسنة، فتخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، فتوضع في كفة وتوضع السجلات في كفة فتثقل البطاقة وتخف السجلات فينجوا"، هذا أرجى حديث لأهل السنة، لكن أليس كل المؤمنون يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله؟! الكل يشهد ومع ذلك بعضهم يهلكون ويعذبون في النار، وهذا نجاة، ما السبب؟ قال: العلماء أنه قالها عن إخلاص وصدق، وقيل أنه قالها عن توبة وإيمان ولم يعمل السيئات، إما توفي بعد بعدها أو أنه لم يعمل السيئات، فقال عن توبة وإخلاص وصدق فلذلك ثقلت هذه البطاقة وخفت السجلات، وإلا فكثير من الناس تثقل سيئاته؛ لأنه أضعف هذه الشهادة بهذه السيئات، فضعفت حتى صارت ضعيفة ليس لها تأثير فلذلك ثقلت السيئات وخفت البطاقة.
وكذلك الشخص يوزن، فالأعمال توزن، والشخص فيكون خفته وثقله على حسب العمل، ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان جالسًا بعض أصحابه فكشفت الريح عن ساقي عبد الله بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فضحك الصحابة فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما تضحكون؟ قالوا: من دقة ساقيه، ساقيه دقيقتين فقال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "والذي نفسي بيده لهما في الميزان أثقل من جبل أُحد يوم القيامة"، هاتان الساقين الدقيقتين أثقل في الميزان من جبل أُحد، جبل أُحد عظيم تعرفونه، كم المسافة، ما السبب؟ العمل.
وبالمقابل يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: "يُأتي هذا الرجل العظيم السمين لا يزن عند الله جناح بعوضة"، "يُأتي هذا الرجل العظيم السمين" هذا سمين، ولكن لا يزن وهذا عبد الله بن مسعود دقيق الساقين أثقل من جبل أُحد، ما السبب؟ العمل.
قال سبحانه وتَعَالَى: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف:105]، فالميزان هذا الميزان حسي عند أهل السنة [29:30]، واختلف فقيل: هل الميزان واحد أو موازين؟ قيل موازين وقيل ميزان واحد وجمعت الموازين بالنسبة للأعمال، فأهل السنة يعتقدون أن لله تَعَالَى ميزانًا عظيمًا له كفتان وله لسان، والكفة الواحدة أعظم من أطباق [29:52] السنوات والأرض ميزان حسي حقيقي دلت عليه النصوص من كتاب الله تَعَالَى وسنة نبيه، وخالف في ذلك أهل البدع من المعتزلة، المعتزلة قالوا: ليس هناك ميزان، وتأولوا قالوا: هذه النصوص المراد بها العدل، ميزان يعني المراد عدل الله، وإلا الله ما يحتاج إلى ميزان، الذي يحتاج إلى الميزان البقال والفوال أما الرب فلا يحتاج إلى ميزان، هكذا دفعوا النصوص بعقولهم؛ لأن المعتزلة يعملوا عقولهم قالوا: الرب ما يحتاج، الذي يحتاج إلى الميزان البقال والفوال، أما الله ما يحتاج، قالوا: طيب كيف تعملون هذه النصوص، قالوا: المراد بها عدل الله، وهذا باطل، مصادرة للنصوص، ومخالفة، قالوا: ويرجع في ذلك إلى الأحاديث المروية عن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما سمعتم في النصوص، قال الإمام أحمد رَحِمَهُ اللهُ في رسالة عبدوس: الإيمان بميزان يوم القيامة كما جاء: "يوزن العبد يوم القيامة لا يزن جناح بعوضة، وتوزن أعمال العباد"، وأخرج البخاري حديث أبي هريرة مرفوعًا، قال: "إنه ليأتي بالرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة"، وقال: أقرئوا إن شئتم: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف:105].
وأخرج البخاري ومسلم أيضًا من حديث أبي هريرة، قال، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يمين الله بمليء، لا غيضها نفقة"، يعني لا ينقصها "لا غيضها نفقة سحاء الليل والنهار"، وقال: "أرءيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لا يغض مما في يمينه" يعني ما ينقص. وقال: "وعرشه على الماء وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع".
ومن الأدلة على أيضًا إثبات الميزان، ما رواه البخاري ومسلم -الشيخان- من حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، من قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كلمتان خفيفتان على اللسان حبيبتان إلى الرحمن ثقيلتان في الميزان، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم"، "ثقيلتان في الميزان"، في صحيح مسلم من حديث أبي مالك الأشعري: "الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان".
المتن:
قال: (ويقول إن الذنوب من ورائها الاستغفار والتوبة وإن اخترمته المنية قبل الاستغفار والتوبة فأمره مرجي إلى الله عَزَّ وَجَلَّ إن شاء غفر وإن شاء عاقب ويجوز عنده أن يغفر الله لمن يتب واستدل على ذلك بقوله وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم والتائب لا يقال له ظالم واستدل بقوله عَزَّ وَجَلَّ قل يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله والتائب لا يقال له مسرف ويقول إن الشهداء بعد القتل باقون يأكلون أرزاقهم وكان يقول إن الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون وأن الميت يعلم بزائره يوم الجمعة بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس .
وأن الله تَعَالَى يعذب قوما في قبروهم ويذهب إلى الحديث المروي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن الله تَعَالَى صراطًا يعبر عليه الناس وأن عليه حيات تأخذ بالأقدام، وأن العبور عليه على مقادير الأعمال مشاةً وسعاةً وركبانًا وزحفًا).
الشرح
(ويقول إن الذنوب من ورائها الاستغفار والتوبة وإن اخترمته المنية قبل الاستغفار والتوبة فأمره مرجي إلى الله عَزَّ وَجَلَّ إن شاء غفر وإن شاء عاقب)، يعني أن الذنوب والمعاصي إذا استغفر الإنسان وتاب توبة نصوح تاب الله عليه، إذا أتى بشروط التوبة، من شروط التوبة أن يقلع عن المعصية، يقول يستغفر: استغفر الله بلسانه، ويقلع عن المعصية، يعني يترك المعصية، إذا كان تعامل بالربا يتخلى عن التعامل بالربا، إذا كان تعامل بالرشوة كذلك، إذا كان عاقًا، يتخلى عن العقوق، إذا كان متهاون في الصلاة يحافظ على الصلاة، يعني يتخلى عن الذنب الذي يفعله، يتركه، إما إذا كان يدعي التوبة وهو مُصر على الذنب هذه لا تكون توبة متلبس بالذنب لابد أن يتخلى عن الذنب.
ثانيًا يندم على ما مضى، يندم ويتأسف ويتحسر، أما إذا كان ما ندم معناه لا زال محبًا للذنب، مستمر عنده، لابد أن يوجد في قلبه ندم ويتأسف ويتحسر
ثالثًا: من شرط التوبة، -وكل هذه الشروط دلت عليها النصوص-: العزم الصادق الجازم على عدم العودة إليها مرة أخرى، خلاص عزم على أنه لا يعود إلى الربا، لا يعود إلى العقوق ، لا يعود إلى التساهل في الصلاة، عزمٌ صادقٌ جازمٌ على عدم العودة إلى المعصية مرة أخرى، هذه الشروط، وكذلك من شروط أن تكون التوبة لله، هذه الشروط لابد منها، قد تكون التوبة لغير الله؟ نعم، قد يتوب لأمر دنيوي، يقصد من ورائه أمر آخر، تجد بعض الناس يظهر التوبة لكن مقصوده الحصول على مال، أو الحصول على وظيفة، أو حصول على جاه، أو لأي مقصد آخر، ليس لله، وإنما تكون توبة؛ لأن التوبة عبادة، لا بد أن تكون لله، كل عمل لابد أن يكون خالص لله، الصلاة لله التوبة لله الحج لله، فإذا فعل الطاعة لغير الله لم تصح العبادة، هذا من أركان قبول العبادة أن تكون لله، الركن الثاني أن تكون موافقة لشرع الله، هذه العبادة، تكون التوبة لله، ويتخلى عن المعصية، ويندم على ما مضى، ويعزم على ألا يعود إليها مرة أخرى، هذه أربعة شروط.
والشرط الخامس: أن يرد المظلمة إلى أهلها إن كانت بينه وبين الناس، هذه الشروط الأربعة المعصية بينك وبين الله، إما إذا كانت بينه وبين الناس الشرط الخامس، وهو ترد المظلمة إلى أهلها، إن كان تعلق بالبدن، شخص، اعتدى على شخص ضربه بغير حق أو حبسه بغير حق، أو قتله بغير حق، أو قطع يده بغير حق، لابد أن يسلم نفسه [36:55]، يسلم نفسه، وهو يصطلح معه، إما أن يعفي يسمح عنه، هذا [37:00]، أو يصطلح على مال، يعطيه مال، أو يقتص منه، يأخذ حقه منه، بالقصاص، ضربه يضربه مثل ما ضربه، قطع يده يقطع يده، قطع أصبعه يقطع أصبعه، وكهذا، لابد من هذا، وإن كان قتله يتصلح مع أولياء القتيل، هذا إذا كانت ببدن، إذا كانت تتعلق بالمال، لابد أن يرد المظلمة إلى أهلها، يرد المال إلى صاحبه، وإلا لا تكون توبة، إذا كان يعلم، فلابد أن يرد المال إلى صاحبه، لكن قد يقول إنسان أنا ما استطيع أرد، لو رددت المال إلى الشخص يمكن يكون علي ضرر، ممكن أحبس، أنا أعرف الشخص الذي أخذت منه المال، لكن لا استطيع رد المال، ماذا أعمل؟ نقول وصل المال إليه بأي طريقة، تقول هذا استحقاق لك من شخص، أو إذا كان له حساب في البنك تدخله في حساب البنك، أو تعطيه شخص يوصله إليه، لا يلزم أن تقول هذا مال سرقته، لا، استحقاق من شخص لك، أو تعطيه شخص يوصله إليه، ثم تتوب، لابد أن توصل المال إلى صاحبه، فإذا عجزت ولم توصله، ولم تعلم ماذا تعمل؟ ما تدري، ولا استطعت نسيت أو ضاع منك أو لم تعرف، هنا تنفقه في المصالح العامة بالنية عنه، تتصدق به عنه، تجعله في المدارس الخيرية، في الأعمال الخيرية، في أعمال البر، مدارس تحفيظ القرآن في مرافق عامة للمسلمين بالنية عنه والله تَعَالَى يوصل الثواب إليه، هذا إذا عجزت.
وإذا كان يتعلق بالعرض غيبة ونميمة، تستحله تقول له: فلان سامحني تكلمت فيك، [39:05]، فإن كان يترتب على هذا شر فتدعو له بظهر الغيب، وتذكر محاسنه في الأماكن التي اغتبته فيها، لا تكذب قل الواقع، فلان فيه كذا صفات كذا صفات كذا، تثني عليه في الأماكن التي اغتبته فيها.
الشرط السادس: أن تكون التوبة قبل الموت، لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر"، ما لم تصل الروح إلى الغرغرة، والله تَعَالَى يقول في كتابه العظيم: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} [النساء:17]، قال العلماء: "كل تاب قبل الموت فقد تاب من قريب"، {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} [النساء:17 - 18]، لا بد أن يكون قبل الموت.
الشرط السابع: أن تكون التوبة قبل طلوع الشمس من مغربها في آخر الزمان، هذا عام للناس، والأول خاص، قبل الموت هذا لكل شخص، وأما قبل طلوع الشمس من مغربها هذا عام للناس جميعًا، إذا طلعت الشمس من مغربها أُغلق باب التوبة كلٌ يبقى على ما كان، المؤمن يبقى على إيمانه والكافر يبقى على كفره، قال الله تَعَالَى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام:158]، جاء في تفسير الآية أن قوله: {بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام:158]، أنها طلوع الشمس من مغربها، وطلوع الشمس من مغربها من أشراط الساعة الكبار التي تكون قرب الساعة، فالساعة قريبة، فطلوع الشمس من مغربها والدابة التي تسم الناس في جباههم، فتسمهم من سمة بيضاء يبيض لها وجهه، والكافر سمة سوداء يسود لها وجهه، ويبقى الناس يتبايعون مدة طويلة، مدة يعرف المؤمن والكافر، حتى أن الناس يتبايعون في الأسواق، خذ هذا يا مؤمن، بع هذا يا كافر، الكافر معروف والمؤمن معروف الكافر مسود وجهه والمؤمن مبيض وجهه، ثم تأتي النار التي تحشر الناس إلى المحشر، تقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات تأتي ريح طيبة تقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات، فلا يبقى إلا الكفرة، فعليهم تقوم الساعة، قريب قيام الساعة، لابد [ 41:48].
ولابد أيضًا شرط ثامن: وهو أن تكون التوبة قبل نزول العذاب، فإذا نزل العذاب فلا توبة، قال الله تَعَالَى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} [غافر:84 - 85]، إذا نزل العذاب، ليس هناك توبة.
فرعون لما نزل به العذاب آمن، فرعون الذي يقول للناس أنا ربكم الأعلى، قال الله تَعَالَى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ} [يونس:90]، فرعون يقول آمنت؟! {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90]، فرعون الذي يقول أنا ربكم الأعلى، يقول أنا من المسلمين؟! {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90]، في وقت لا ينفع، لما رأى العذاب، لما أدركه الغرق، كشف له عن المستقبل، وشاهد الملائكة وعاين الموت انتهى، صار أمر شهادة، لم يعود أمر غيب، الإيمان يكون الغيب، الإيمان ينفع إذا كان إيمان بالغيب، إذا كان إيمان بالشهادة.
الكفار يوم القيامة يؤمنون، لكن هل ينفعهم؟ {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة:12]، وقال: {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:22]، حديد حاد يعرف كل شيء ويؤمن، لكن لا ينفعه، إلا أمة واحدة استثناهم الله من هم؟ قوم يونس، قوم يونس استثناهم الله؛ لأن يونس عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لما جاء إلى قومه ودعاهم ردوا عليه دعوته، فغضب وذهب وتركهم، وركب في البحر فثقلت السفينة، فأُلقي، فصار في بطن الحوت، ثم أخرجه الله وأرسله مرة أخرى إليهم، فلما أرسله إليهم لما ذهب رجعوا إلى الله وجعلوا يجأرون إلى الله وتابوا إلى الله وانعقدت أسباب العذاب لكن الله استثناهم، قال الله تَعَالَى: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس:98].
فهذه شروط التوبة:
- أن تكون لله.
- وأن يقلع عن المعصية ويتركها.
- أن يندم على ما مضى.
- وأن يعزم على أن لا يعود إليها، لا تكون توبة مؤقتة، بأن يتوب في رمضان، لكن ينوي الرجوع إليها بعد رمضان، هذه توبة مؤقتة لا تصلح، لابد أن يعزم عزم جازم.
- ورد المظلمة إلى أهلها إن كانت بينه وبين الناس.
- وأن تكون قبل الموت.
- وقبل طلوع الشمس من مغربها.
- وأن تكون قبل نزول العذاب.
فإذا وجدت الشروط فالتوبة صحيحة ومقبولة عند الله ويمحوا الله بها الذنوب السابقة، ثم إذا بلي بالذنب أو بغيره مرة أخرى، تكون التوبة محت الذنب السابق والذنب الجديد يحتاج إلى توبة، وهكذا يبتلى الإنسان بالذنب مرة أخرى، ولكن لعل الإنسان أن يجاهد نفسه.
وهل تتجزأ التوبة أو لا تتجزأ؟، يعني هل يتوب من ذنب ويبقى على ذنب آخر، أو تكون التوبة عامة، يعني لابد يتوب من جميع المعاصي أما لا تصح؟ تتجزأ إنسان يشرب الخمر وعاق لوالديه، ثم تاب من شرب الخمر وبقي على عقوق الوالدين، تصح أو لا تصح؟ تصح، أو تاب من عقوق الوالدين، وبقى على شرب الخمر أو شرب الدخان، تصح، وكذلك الكافر إذا أسلم، الكافر إذا أسلم له حالتان:
الحالة الأولى: أن يحسن إسلامه، حسن إسلامه يتوب من الكفر ويتوب من المعاصي، كافر يعبد الأصنام ويشرب الخمر ويعق والديه ويقطع رحمه، ثم تاب من الجميع، هذا حسن إسلامه، إذا أحسن في الإسلام، إذا حسن إسلامه، هنا الإسلام يَجُب ما قبله، يمحى عنه الذنب الشرك والمعاصي.
وإذا أساء في الإسلام تاب من الشرك، لكن ما تاب من عقوق الوالدين، ولا تاب من شرب الخمر، هذا ساء إسلامه، تصح توبته من الشرك ويؤاخذ بالذنب شرب الخمر، فيما قبل الإسلام وفيما بعد الإسلام، يؤخذ بالأول والأخر؛ لأنه أساء إسلامه، يؤاخذ بالذنب قبل الإسلام وبعد الإسلام؛ لأن هذا أسلم ولكن أساء في الإسلام، ما تاب من شرب الخمر، ما تاب من عقوق الوالدين، إما الأول تاب وحسن إسلامه، فهذا لا يؤاخذ بما سبق، يعفو الله عنه ما سبق من الشرك ومن المعاصي.
(ويقول أن الذنوب من ورائها الاستغفار والتوبة وإن اقتربت المنية قبل الاستغفار والتوبة فأمره مرجأ إلى الله عَزَّ وَجَلَّ إن شاء غفر وإن شاء عاقب)، يعني الذنوب إذا تاب منها الإنسان قبل الموت توبة نصوح محى الله الذنب وقبل الله التوبة، وإن مات قبل الاستغفار والتوبة، ماذا تكون حاله؟ أمره إلى الله، تحت مشيئة الله، قال الله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]، الشرك لا يغفر لكن ما دون الشرك، تحت المشيئة، قد يعفو الله عنه فيطهر بهذا العفو، وقد يعذب في قبره فيكون عذاب القبر تطهير له، كما في قصة الرجلين في حديث ابن عباس، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر برجلين، بقبرين، فقال: "إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، إما أحدهما فكان لا يستبرأ من البول، وأما الآخر، فكان يمشي بالنميمة"، ثم أخذ جريدة رطبة وشقها نصفين، وقال: "لعله يخفف عنهما [49:30]".
وقد يصيبه أهوال وشدائد في موقف القيامة، فيكفر الله عنه، وقد يستحق دخول النار فيشفع الله فيه الشفعاء، يشفع الله فيه الشفعاء قبل أن يدخل النار، فلا يدخلها، وقد يدخل النار، فقد تواترت الأحاديث عن النبي أنه يدخل النار جملة من أهل الكبائر مؤمنون مصدقون مصلون ولا تأكل النار مواضع السجود، لكن مانوا على معاصي، هذا مات على الزنا من غير توبة، هذا مات على الربا، هذا مات على عقوق الوالدين، هذا مات على شرب الخمر، يعذبون، وبعضهم يطول مكثه في النار، بسبب كثرة الجرائم والمعاصي أو غلظها وفحشها، كالقاتل، القاتل لعظم ذنبه أخبر الله أنه يعذب، وأنه تطول مكثه، قال الله تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93]، عقوبات عظيمة ما جاءت إلا في معصية مثلها، {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93]، فبعض العصاة خلودهم خلود مؤقت له نهاية، هذا خلود بعض العصاة، والثاني خلود مؤبد لا نهاية له هذا خلود الكفرة لا يخرجون من النار.
وكذلك التعذيب، عذاب الكفار أشد، عذاب الكفار تغشاهم النار من جميع الجهات، يصلونها من جميع الجهات، {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الأعراف:41]، إما العصاة فلا، لا تأكل مواضع السجود ولا تغشاهم من جميع الجهات، فمن تاب، تاب الله عليه ومن لم يتب قال المؤلف: (إن اخترمته المنية قبل الاستغفار والتوبة فأمره مرجي إلى الله إن شاء غفر وإن شاء عاقب).
قال: (ويجوز عنده أن يغفر الله لمن لم يتب)، يجوز عند الإمام أحمد وغيره من أهل العلم أن يغفر الله لمن لم يتب، لقوله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]، وكذلك الآية التي استدل بها المؤلف، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} [الرعد:6]، والتائب لا يقاله له ظالم، ودل على هذا أن المغفرة لغير التائب، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} [الرعد:6]، التائب ليس ظالم، ارتفع عنه الظلم بالتوبة، فدل على أن هذه الآية في غير التائب مثل قوله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]، ويستدل أيضًا بقول الله عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر:53].
والتائب ولا يقال له مسرف، والصواب أن هذه الآية في التائبين، {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر:53]؛ لأن الله عمم وأطلق، يعني {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}، لمن تاب، إن الله عمم وأطلق فدل على أنها في التائبين، بخلاف آية النساء {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]، فهذه ليست في غير التائبين لأن الله خص وعلق، خص الشرك بأنه لا يغفر وعلق ما دونه المشيئة فدل على أنه في غير التائبين، إما آية الزمر {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر:53]، عمم، يعني لمن تاب، هذه في التائبين، وأما قول أبو الفضل إنما استدل بهذا، فهذا قد يكون مما فهمه وإلا فالإمام أحمد رَحِمَهُ اللهُ ما يخفى عليه مثل هذا.
قال الإمام أحمد في رسالة عبدوس: "من لقي الله بذنب يجب له به النار تائبًا غير مصر عليه، فإن الله يتوب عليه ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، ومن لقيه وقد أقيم عليه حد ذلك الذنب فهو كفارة له، كما جاء في الخبر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن لقي مصر غير ثائب من الذنوب التي قد استجوب بها العقوبة فأمره إلى الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له"، إذا أُقيم الحد على شخص يكون هذا الإقامة حد طهارة له، كافية والله أكرم من أن يجمع عليه عقوبتين في الدنيا وفي الآخرة، فإذا الزاني جُلد مائة جلدة أو رُجم إذا كان محصن أو جُلد شارب الخمر، أو قُطعت يد السارق يكون هذا كفارة له في الدنيا، كفارة، فإن لم يقم عليه الحد ومات إن كان تاب فيما بينه وبين الله فالتوبة كفارة، يقيم عليه الحد التوبة كفارة وطهارة، إن لم يتب ولم يقام عليه الحد، هذا أمره إلى الله، قد يعفو الله عنه وقد يعذبه، أمره إلى الله.
(ويقول إن الشهداء بعد القتل باقون يأكلون أرزاقهم)، الثابت في النصوص أن الشهيد حي عند الله حياة برزخية، قال تَعَالَى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ} [آل عمران:169 - 170]، قال تَعَالَى: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} [البقرة:154]، ولكن هذه الحياة حياة برزخية، ليست مثل الحياة الدنيا وليست مثل الحياة الآخرة، حياة الآخرة تعادل الراحة [55:38] للأجساد وتتنعم، فهي أكمل الحياة يتنعم الجسد ويتنعم البدن، يعني الدور الآن ثلاث:
- دار الدنيا.
- ودار البرزخ.
- ودار الآخرة.
كل دار لها حكم، دار الدنيا التي نحن فيها الأحكام على الجسد أغلب منها على الروح، فدار الدنيا الآن يتنعم الجسد أو يتعذب أكثر من الروح في الدنيا، النعيم والألم على الجسد أكثر من الروح.
دار البرزخ تبدأ من الموت إلى قيام الساعة، بالعكس، عكس الدنيا، الأحكام على الروح أكثر من الجسد تتنعم الروح أكثر من الجسد وتعذب أكثر من الجسد، ولهذا الجسد يبلى ويكون ترابًا والروح باقية إما في عذاب أو في نعيم، المؤمن إذا مات أخذت روحه إلى جنة ولها صلة بالجسد، والكافر إذا مات أخذت روحه إلى النار ولها صلة بالجسد، وتتنعم الروح وتتعذب متصلة بالجسد ومنفصلة، والروح يكون للجسد وللروح جميعًا، خلاف المعتزلة، المعتزلة أنكروا هذا، قالوا إن الجسد لا يعذب، الأحكام على الروح، ويشبه هذا النائم، تجد النائم الآن يرى في منامه أحيانًا شيئًا يزعجه ويبكي وقد يُضرب ويتألم ألم شديد ويستيقظ [57:22]، هذا نموذج مما يحصل في البرزخ، في البرزخ تكون الأحكام على الروح أكثر منها على الجسد.
إما دار الآخرة وهي من قيام الساعة إلى ما لا نهاية، تكون الأحكام على الروح والجسد على حد سواء، أكمل الحالات، فالكفار يعذبون تناول أرواحهم وأجسادهم العذاب على حد سواء، والمؤمنون تتنعم أرواحهم وأجسادهم على حد سواء.
هذه هي الأحكام، وقد جاء في الحديث أن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تسرح في الجنة، ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش، يعني المؤمن تتنعم روحه وحدها، تتخذ شكل طائر، في الحديث: "نسمة المؤمن"، يعني روحه، "طائر يعلق في شذى الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثون"، تأخذ شكل طائر وتتنعم، وأما الشهيد الذي قتل في المعركة لإعلاء كلمة الله، عوض الله روحه جسدًا آخر تتنعم بواسطته، لما أتلف جسده لله عوض الله الروح جسد آخر، جاء في الحديث "إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة، ترد أنهارها وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش"، فصار تنعم الشهيد في الجنة أكثر من تنعم المؤمن غير الشهيد، المؤمن غير الشهيد تتنعم وحدها تأخذ شكل طائر، "مثل روح المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة يأكل حتى يرجعه الله إلى جسده، وأما الشهيد فتتنعم روحه بواسطة حواصل طير خضر، تسرح في الجنة، ترد أنهارها وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش".
وجاء في الحديث أن أرواح الشهداء لما تتنعم في حواصل طير خضر، أطلع الله عليهم اطلاعه، فقال: "هل تشتهون شيئًا؟ -يخاطب الأرواح- قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح في الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لا يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب لنا مسألة نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى"، لما رأوا فضل الشهادة، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا، وفي هذا أن الحياة مختصة بالروح وليست بالجسد، من المعلوم أن الجسد في التراب، فهو مجامع للأموات في كون الجسد في التراب ويفرقونهم في كون الروح ترزق في الجنة من وقت القتل، قال بعض الناس أن هذا المجاز وهذا باطل، ليس في كلام الله وكلام رسوله مجاز.
قال: (وكان يقول أن الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون)، لا شك أن الأنبياء أحياء حياة برزخية أكمل من حياة الشهداء، وحرم الله على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، هذه من خصائص الأنبياء، الأنبياء لا تأكل أجسادهم الأرض، أجسادهم باقية [01:00:55]، وأما الشهداء فوجد بعض الشهداء من يبقى جسده مدة طويلة، جابر بن عبد الله لما نبش قبر أبيه عبد الله بن حرام شهيد بعد مدة وجد على حاله ما تغير شيء إلا من أذنه، قال العلماء يحتمل أنهم بعد مدة طويلة تبلى يعني تأكل الأرض أجسادهم، وكأنه كلما كانت الشهادة أعظم كان بقاء جسده في الأرض أطول، لكن كون الأرض لا تأكل أجسادهم هذا من خصائص الأنبياء، والأنبياء عَلَيْهِمُ السَّلَامُ أحياء عند ربهم أكمل من حياة الشهداء.
وقد رأى نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جماعة ليلة المعراج من يعذب، رأى الزناة يعذبون، ورأى آكل الربا يعذب في البحر، هذه كلها عذاب في البرزخ، ورأى صاحب المحجل الذي يسرق الحجيج بمحجله، محجل يجر بها المتاع، فإذا انتبه صاحبه قال هذا المحجل تعلق بدون اختياري، وإن لم يفطن أخذه، رآه يعذب يوم القيامة.
والمرأة التي حبست في هرة كانت تعذب، كل هذا من أدلة العذب في البرزخ، فأرواح الأنبياء حية حياة برزخية أكمل من حياة الشهداء، ولكن ليست مثل الحياة الدنيا، يقال لهم أموات، {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30]، فلو كانوا أحياء مثل الحياة الدنيا لكان لهم أحكام، ما قسم الميراث، ولا تزوجت النساء، لكنهم أموات، لكنهم أحياء حياة برزخية ليست مثل الحياة الدنيا، وحياة الأنبياء أكمل من حياة الشهداء، وحلول الموت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا ثابت لا أحد ينكره نص في القرآن، والله تَعَالَى قال: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30]، ولما توفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جاء الصديق وكشف عن وجه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: "طبت حيًا وميتًا، إما الموتة التي كتبها الله فقد متها"، وجاء وخطب الناس، قال: "يا أيها الناس من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم قرأ هذه الآية: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144].
قال: (وأن الميت يعلم بزائره بعد طلوع الفجر وقبل غروب الشمس).
قبل ذلك قول (أن الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون)، مسألة الصلاة هذه ثابتة في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: "مررت ليلة أُسري بي على موسى قائمًا يصلي في قبره"، قال فقيل هي الصلاة الشرعية لظاهر اللفظ، وقيل بل هي الصلاة بالمعنى اللغوي وهو يدعو ويثني على الله عَزَّ وَجَلَّ، والمسألة مسألة اعتقاد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر على موسى ليلة المعراج، هي ليلة الأسراء هي ليلة واحدة أُسري بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ليلة واحدة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، على أي شيء؟ على البراق، والبراق دابةٌ دون البغل وفوق الحمار، أكبر من الحمار وأقل من البغل، وسمى البراق لما فيه من البريق واللمعان، هذا البراق خطوه مد البصر، يعني يرفع حافره ويضعه مد البصر، إذا انتهى بصرك وضعه، وقطع المسافة التي بين مكة والشام تقريبًا الله أعلم سرعته قريب من سرعة الطائرة بساعة أو ساعة ونص خطوته مد البصر، يرفع الحافر مد البصر، يقفز قفزة طويلة مد البصر وهكذا، حتى وصل إلى المسجد الأقصى وربط الدابة بحلقة الباب الذي يربط به الأنبياء، وصلى بالأنبياء إمامًا، ثم أوتي بالمعراج، وهو كهيئة الدرج، صعد عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى السماء ومعه جبريل، حتى وصل إلى السماء الدنيا فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قال: ومن معك؟ قال: محمد، قال: ومن معه؟، فقيل: وقد أُرسل إليه؟ قال: نعم. ثم وجد في السماء كما في الأحاديث الطويلة للإسراء والمعراج، وجد في السماء الدنيا آدم، ثم عُرِج إلى السماء ثانيةً واستفتح وكل باب يستفتح ويسألونه، من معك؟ قال: محمد.
فالسموات لها أبواب حُجَّاب ليست متروكة، ما يدخل أحد إلا بإذن، وجد في السماء الثانية عيسى ويحي ابنا الخالة، وفي السماء الثالثة إدريس، وفي السماء الرابعة يوسف، وفي السماء الخامسة هارون، وفي السماء السادسة موسى، وفي السماء السابعة إبراهيم، وجد إبراهيم في السماء السابعة مسندًا ظهره إلى البيت المعمور، والبيت المعمور بيت كعبة سماوية يطوف به الأنبياء يدخله كل يوم سبعون ألف ثم لا يعودون إليه أبد الدهر لا يصلهم الدور من كثرة الملائكة، كل يوم يدخله سبعون ألف ولا يصلهم الدور إلا يوم القيامة يأتي غيرهم. فهو باني الكعبة الأرضية مسند الكعبة إلى الكعبة السماوية، وهو مقابل الكعبة لو سقط سقط على الكعبة.
والشاهد من هذا: أن موسى عليه السلام لما مرَّ به في الإسراء وجده قائمًا يصلي في قبره، ولما عُرج به إلى السماء السادسة وجده هناك، كيف ذلك؟
هذه الروح سريعة الطيران، وجده قائمًا يصلي في قبره؛ لأن الصلاة تنعُم وتلذُذ، يعني ما في تكليف بعد الموت ليس فيه تكليف، كما أنها جنة يُلهمون التسبيح كما يُلهمون النَفَس يتلذذون بذلك.
فموسى عَلَيْهِ السَّلَامُ وجده قائمًا في قبره، ثم صعدت الروح وجده في السماء السادسة، ولقي الأنبياء على أشكالهم الروح تتشكل إلا عيسى؛ لأنه رُفع بروحه وجسده، وسينزل في آخر الزمان ويعمل بشريعة نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويكون فرد من أفراد الأمة المحمدية، الشريعة نُسخت، فيحكم بشريعة نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو من أشراط الساعة الكبار، ويتوفاه الله ثم يموت ويُدفن. فعيسى أفضل هذه الأمة بعد نبينا، وهو أفضل من أبي بكر لأنه نبي، يقول: هل هناك أحد أفضل من أبي بكر من هذه الأمة؟ نعم، عيسى وهو نبيٌ من هذه الأمة، ثم يليه أبو بكر الصديق. فالروح لها شأن، أما بقية الأنبياء فإن الروح تأخذ شكل الجسد.
يقول المؤلف رحمه الله: (وأن الميت يعلم بزائره يوم الجمعة بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس)، أما ميت يعلم إذا أرجع، جاء في الحديث بالنسبة للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما من أحدٍ يسلِّمُ عليَّ إلَّا ردَّ اللَّهُ عليَّ روحي حتَّى أردَّ عليْهِ السَّلامَ».
وكذلك الميت يُشرع للإنسان أن يسلم عليه ويقول: السلام عليك يا أبتِ أو يا فلان ورحمة الله وبركاته، و «الْمَيِّتَ يَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِ الْمُشَيِّعِينَ لَهُ». هذا مستثنى من المستثنيات، أما كونه يعلم بزائره فهذا ليس عليه دليل، يعني الميت يعلم بزائره يوم الجمعة بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس هذا ليس عليه دليل، كما 01 : 10 : 1 ضعيف، وإنما أتى في بعض المنامات التي أرادها ابن أبي الدنيا في كتاب [القبور]، فهذا يحتاج إلى دليل صحيح أن الميت يعلم بزائره بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس يوم الجمعة، هذا جاء في حديث ضعيف لا جاء في المنامات، المنامات لا يُعتمد عليها لابد من دليل صحيح.
الأصل أن الميت لا يعلم ولا يعلم أحوال الناس، ولا يعلم أحوال الدنيا، حتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد جاء في الحديث الصحيح في صحيح البخاري أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنه يقف على الحوض يوم القيامة، قال: «فيزاد، فيأتي قومٌ يزادون عن الحوض يُطردون فتطردهم الملائكة». فيقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يا رب يا أصحاب يا أصحابي، وفي لفظ صحابي صحابي». فيقال: «إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك» «إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، فيقول: سحقًا سحقًا لمن غير بعدي». فيقولون: إنك لا تدري، ما يدري، لو كان علم أحوال أمته لعلِم، فإنك لا تدري وهذا في صحيح البخاري، وإذا كان النبي لا يدري فربما غيره لا يدري، إنك لا تدري لما يحدث بعدك، فالميت لا يعلم، وأما ما جاء في الحديث أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعرض عليه أعمال الأمة، وحسنها وسيئها، فيستبشر بحسنها ويسأموا من سيئها، هذا لا يصح، فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيره لا يعلم بأحوال الناس، الميت ما يدري عن أحوال الناس، ليس من أهل الدنيا.
فقول المؤلف: (إن الميت يعلم بزائره بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس يوم الجمعة)، هذا يحتاج إلى دليل، ولا دليل.
قال: وأن الله تَعَالَى يعذب قومًا في قبورهم
لعلنا نقف على هذا القول
وفق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح، وغدًا إن شاء الله نقف على قول المصنف: وأن الله تَعَالَى يعذب قومًا في قبورهم.