بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه...
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
(المتن):
قال المصنف رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى تَعَالَى: (وأن الإمامة لا تجوز إلا بشروطها، النسب والإسلام والحماية والبيت وحفظ الشريعة وعلم الأحكام وصحة التنفيذ والتقوى وإتيان الطاعة وضبط أموال المسلمين، فإن شهد له بذلك أهل الحَل والعقد من علماء المسلمين وثقاتهم أو أخذ ذلك لنفسه ثم رضيه المسلمون جاز له ذلك).
(الشرح):
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد..
قال المؤلف رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وأن الإمامة تجوز بشروطها، الإمامة المراد بها: إمامة في المسلمين وهي الخلافة، أو رئاسة الدولة، رئيس الدولة أو الملك أو الخليفة يقال له إمام، هذه هي الإمامة.
والإمامة واجبة، يعني يجب على المسلمين أن يقيّموا الإمامة
لاَ يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لاَ سَراةَ لَهُمْ |
|
ولا سَرَاةَ إِذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا |
فلا يمكن أن يكون الناس بدون إمام فلابد من إمام، فإقامة الإمام واجبٌ على الأمة، أن يقيموا إمامًا عليهم؛ لأن أمور الناس لا تصلح بدون إمام، الإمام هو الذي يقيم الحدود، وينصر المظلوم من الظالم، ويؤمِّن البلاد، ويقيم الجهاد والحج، وغير ذلك من المصالح. ولهذا فإن الإمامة واجبة.
ولكن بماذا تحصل الإمامة؟ بماذا يكون الإمام؟ بماذا تثبت الإمامة على الناس؟
الإمامة تثبت لواحد من أمور ثلاثة:
- الأمر الأول: الانتخاب والاختيار من الحَل والعقد، الذين يختاروا وينتخبوا أهل الحل يكون إمامًا لهم.
- الأمر الثاني: أن تثبت الإمامة بولاية العهد من الإمام السابق، من أحد إلى غيره.
- الأمر الثالث: أن تحسب للغلبة، إذا غلبهم في قوته وسلطانه وسيفه ثبتت له الإمامة.
فقد ثبتت الإمامة بالخيار والانتخاب لأبي بكر الصديق رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بعد وفاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الصحيح، وقيل بأنها ثبتت بالنص بأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نص على ذلك ومن هنا قول 09 : 03 والراجح، أنها ثبتت بالخيار والانتخاب.
وكذلك ثبتت الخلافة لعثمان بن عفان رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بالخيار والاختيار، بالاختيار والانتخاب؛ لأن عمر رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جعل الأمر بالشورى بين ستة، واختاروا عثمان رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وبايعوه وبايعه المسلمون.
وكذلك ثبتت الإمامة لعليّ بن أبي طالب رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بالاختيار والانتخاب من أكثر أهل الحَل والعقد، وامتنع من ذلك معاوية وأهل الشام، لا لأن معاوية يطلب الإمامة، ولكن يطالب بقتلة عثمان.
وكذلك الحسن بن عليّ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لما قُتل أبوه رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بُويع له بالخلافة ستة أشهر بالاختيار والانتخاب، ثم تنازل عن الإمامة لمعاوية بن أبي سفيان رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا حقنًا لدماء المسلمين.
وثبتت الولاية لعمر بن الخطاب رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بولاية العهد من الصديق رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ لأنه عهد إليه، ولم تثبت بعد هؤلاء لأحد بالاختيار والانتخاب، بل في الغالب إما بولاية العهد وإما بالقوة والغلبة. وخلافة بني أمية، وخلافة بني العباس، كلهم ثبتت لهم الخلافة إما بولاية العهد وإما بالقوة والغلبة.
الدليل على ثبوت الخلافة بالقوة والغلبة الأحاديث الصحيحة اسمه عطا وإن تأمر عليه عبد الحبشي وكأن رأسه زبيبة، فلو كان الاختيار والانتخاب للمسلمين، ما اختاروا عبد الحبشي، لكن إذا غلبهم بقوته وسلطانه ثبت له الخيار، هذه الأمرة لحديث أبي ذر قال: "اسمه عطا، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فقالَ: أمرني خَلِيلِي أَنْ أَسْمع وَأُطِيعَ وإنْ كانَ عَبْدًا حبشيًا مُجَدَّعَ الأطْرَافِ 32: 05 فإنه من مات ففارق الجماعة مات ميتة جاهلية.
إذًا، إذا غلب الناس بقوته وسلطانه [05:47] ثبت له الخلافة، وجب السمع له والطاعة، فكما تثبت الخلافة بولاية العهد وكما تثبت الولاية بالاختيار والانتخاب بين أهل الحَل والعقد.
وإذا ثبتت بالاختيار والانتخاب فيشترط لها شروط، أي أن يختار المسلمين بشروط، ومن هذه الشروط:
- أن يكون مسلمًا.
- وأن يكون بالغًا.
- وأن يكون عاقلًا.
- وأن يكون رشيدًا.
- وأن يكون عدلًا.
- وأن يكون قرشيًا من قريش، كقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «الأئمة من قريش».
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة في صحيح مسلم لا يزال هذا الأمر (يعني في هذا الحي في قريش) ما أقاموا الدين ما بقي منهم اثنان، فإذا وجد من يقيم الدين من قريش تكون الإمامة فيهم، وإذا لم يجدوا من يقيم الدين تكون الإمامة في غيرهم. هذا إذا كان بالاختيار والانتخاب للمسلمين، وأبو بكر من قريش وكذلك عثمان وعليّ، كلهم هؤلاء أئمةٌ من قريش، هذا إذا كانت بالاختيار والانتخاب، أما إذا كانت بالقوة والغلبة ولو [07:03] غلبهم بقوته وسلطانه ثبت له الخلافة. فهذه الأنواع التي ثبت بها الخلافة والولاية بهذه الأمور.
وكذلك أيضًا من الشروط:
- أن يكون حرًا بالغًا.
- وأن يكون عاقلًا.
- وأن يكون مسلمًا.
- وأن يكون عدلًا، وعالمًا عنده علم.
- وأن يكون قرشيًا.
- وأن يكون قيِّمًا بأمر الخلافة والسياسة وإقامة الحدود.
هذا إذا كان الاختيار والانتخاب للمسلمين.
ذكر المؤلف رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ما يلزم الإمام قال: (الإسلام والحماية والبيت وحفظ الشريعة وعلم الأحكام وصحة التنفيذ وضبط أموال المسلمين، فإن شهد له بذلك أهل الحَل والعقد من علماء المسلمين وثقاتهم فلك [08:20]. يعني ذكروا أن ما يلزم الإمام أشياء منها، حفظ الدين على الأصول التي أجمع عليها سلف الأمة، منها تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين، وقطع الخصام بينهم، وحماية البيضة والذَّبُّ عن الحوزة، يعني حماية المسلمين وإقامة الحدود، حصان المحارم عن الانتهاك، تحصين الثغور بالعدة المانعة والقوة الدافعة، وجهاد من عاند الإسلام بعد الدعوة حتى يسلم أو يدخل في الذمة، وجباية الفيء والأموال التي تؤخذ من المشركين من القتال، والصدقات على ما أوجبه الشرع، وتقدير العطايا (يعني الرواتب رواتب الموظفين) تقدير العطايا وما يستحق من بيت المال من غير سرف ولا تقصير فيه، ودفعه بلا تقديم ولا تأخير، ومنها استكفاء الأمناء وتقليد النصحاء فيما يفرضه عليهم من الأعمال ويكنه إليهم من الأموال؛ لتكون الأعمال مضبوطة والأموال محفوظة، ومنها أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور وتصحيح الأحوال ليهتم بسياسة الأمة وحراسة الملك.
كل هذه أمور، عشرة أشياء كلها تلزم الإمام، قال المؤلف: الإسلام والحماية (حماية المسلمين) والبيت وحفظ الشريعة وعلم الأحكام وصحة التنفيذ والتقوى وإتيان الطاعة وضبط أموال المسلمين، قال: فإن شُهد له بذلك أهل الحَل والعقد يعني العقلاء والرؤساء من رؤساء القبائل هم الذين يبايعونه فلا يلزم كل أحد أن يبايع، ولهم مثل ما هو موجود أصوات، الأصوات في القوانين الوضعية يقولون: الأصوات يصوتون، فالأصوات قد تكون أصوت أطفال، ومجانين، وأضعاف عقول ما لهم قيمة، والعبرة بأهل الحَل والعقد حتى في الشريعة العبرة بأهل الحل والعقد، فإذا بايع واحد من أهل الحل والعقد من القبيلة، فقد كفى والباقي تبع، رؤساء القبائل وأهل الحل والعقد هم الذين يبايعون الإمام ويكفي والباقي تبعٌ لهم، أما الأصوات فدائمًا يصوت، وإذا عد الأصوات أصوات من هب ودب، أصوات أطفال، وأصوات نساء، وأصوات مجانين، وأصوات كلها يعدونها أصوات، هذه في الانتخابات الوضعية.
قال المؤلف: (وإن من أخذ ذلك لنفسه ثم رضيه المسلمون جاز له ذلك)، وقال الإمام أحمد رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في رسالة عبدوس: (يقول السمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البَر والفاجر) يعني يجب السمع والطاعة لوليّ الأمر سواء كان برًا أو فاجرًا، إذا ثبتت له الخلافة سواء بالاختيار، أو بولاية العهد، أو بالقوة والغلبة يجب على المسلمين أن يسمعوا له ويطيعوه، سواء كان بَرًا أو فاجرًا، ومن وليَّ الخلافة واجتمع الناس عليه ورضوا به ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسميَّ أمير المؤمنين؛ وجب السمع له والطاعة.
وقال في رسالة الإمام أحمد أيضًا في رسالة عبدوس، الإمام أحمد إمام أهل السنة والجماعة، هكذا يقول، يقول: (السمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين، البَر والفاجر، ومن وليَّ الخلافة واجتمع الناس عليه ورضوا به ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسميَّ أمير المؤمنين؛ وجب السمع له والطاعة).
قال في رسالة عبدوس أيضًا، يقول الإمام أحمد: (من خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو بالغلبة فقد شق هذا الخارج عن [12:37] المسلمين)، يعني إذا اجتمع الناس على إمام سواء ثبت له بالخلافة أو بالغلبة أو رضوا به بالاختيار أو بالغلبة ثم خرج عليه فقد شق هذا الخارج عن [12:50] المسلمين، وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن مات الخارج عليه مات ميتة الجاهلية من يخرج عن المسلمين، يقال: مات ميتة الجاهلية، ظاهره كفر، الجاهلية على الكفر لكن المراد أنه مرتكب الكبيرة من كبائر الذنوب.
قال الإمام أحمد: (ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق)، من قاتل السلطان والإمام أو خرج عليه فهو مبتدع، لماذا؟
لأنه شق عصا الطاعة، لأن الاجتماع والائتلاف هذا هو المطلوب، المطلوب هو الاجتماع والائتلاف وعدم النزاع والشقاق.
وفي السنة للخلال قال أبو بكر المرّوذي: سمعت أبا عبد الله يعني الإمام أحمد يأمر بكف الدماء وينكر الخروج إنكارًا شديدًا، يأمر بكف الدماء وينكر الخروج على الإمام على ولي الأمر إنكارًا شديدًا، لماذا؟ لأن الخروج عليه يسبب شقاق المسلمين واختلافهم وتورطهم، ويسبب إراقة الدماء، وقال الإمام أحمد: أن قومه يريدون الخروج، الجماعة يريدون الخروج على الإمام في زمانه في زمان الإمام أحمد، قال: سبحان الله الدماء، الدماء، لا أرى ذلك ولا آمر به، هكذا يقول الإمام أحمد، الجماعة يقولون: نريد أن نخرج على السلطان، السلطان فيه كذا أمر بالبدع، وقال بخلق القرآن، فقال: (سبحان الله الدماء الدماء، لا أرى ذلك ولا آمر به، الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة التي يُسفك فيها الدماء، ويُستباح فيها الأموال، ويُنتهك فيها المحارم)، هكذا يقول الإمام أحمد. قال: (الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة التي يُسفك فيها الدماء، ويُستباح فيها الأموال، ويُنتهك فيها المحارم، أما علمت ما كان بالناس فيه!)، يعني أيام الفتنة أيام القول بخلق القرآن فتنة، سواء كان خير يأمر الناس يقول بخلق القرآن ويجبرهم، والذي لا يقول، يُشتم ويُضرب من الملوك ويُقتل من العلماء، ومع ذلك الإمام أحمد يقول: لا، لا تخرجوا.
قال: (أما علمت ما كان بالناس فيه! يعني أيام الفتنة، قلتُ يعني السائل: أليس هم في فتنة يا أبا عبدالله! يعني الإمام أحمد قال: وإن كان، فإنما هي فتنة خاصة فإذا وقع السيف عمت الفتنة وانقطعت السبل، الصبر على هذا ويسلم لك دينك خير لك)، هذا الإمام أحمد إمام أهل السنة والجماعة، هو يُضرب ويُشتم ويُؤمر بالبدع ومع ذلك ينهى عن الخروج فيه، لأن الخروج على الإمام يسبب الفوضى والاضطراب والفتن والحروب وإراقة الدماء وتدخل الأعداء، وكونه يسفر على جور السلطان أخف من الخروج عليه.
قال المؤلف رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وإن من أخذ ذلك لنفسه ثم رضيه المسلمون جاز له ذلك)، قال: (وأنه لا يجوز الخروج على الإمام ومن خرج على إمام قُتل الثاني)، هذا جاء في صحيح مسلم «إذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ، فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا». وجاء في حديث آخر، «مَن جاءكم وأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ، يُرِيدُ أنْ يفرق جماعتكم، فاقْتُلُوهُ كائنًا من كان»، فإن سمع أنه صار إمام ثبت له ذلك، فإذا جاء الثاني يُقتل الثاني، الثاني هو الذي يريد أن يفرق المسلمين.
قالوا: وأنه لا يجوز الخروج على الإمام ومن خرج على إمام قُتل الثاني، وتجوز الإمامة لمن اجتمعت فيه هذه الخصال وإن كان غيره أعلم منه، يعني وإن وجد ما هو أفضل منه وإن كان غيره أفضل منه، قال: وذلك لاتفاق الصحابة اتفاق الناس على صحة ولاية معاوية رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وفي الصحابة من هو من هو أفضل وأعلم منه باتفاقهم، ومع ذلك ثبت خيارهم لمعاوية في من هو أفضل منه.
كان الإمام أحمد يقول: إن الخلافة في قريش ما أقاموا الصلاة، ما أقاموا الصلاة وهم مسلمون.
قال الخلال: أخبرني عبد الملك بن عبدالحميد الميموني أنه سأل أبي عبد الله –يعني الإمام أحمد عن قول سلمان: لا يؤمكم، أليس إنما أراد الخلافة؟ قالوا: نعم، وذكر أن أحمد ذكر عن يحيى بن سعيد عن شعبة عن أبي إسحاق عن أوس بن ضَمْعَج عن سلمان قال: لا يؤمكم، قال: لا يكون منهم إمام عن الموالي، قلت: ما يعني به لا يؤمكم؟ قالوا أراد أنه لا يؤم الرجل المولى أحدًا، يعني الموالي: العبيد، قال: لا يريد الخلافة لأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «الأئِمَّةُ من قُرَيشٍ». فلا يكون في غير قريش خليفة، وسئل أبو عبد الله، هل الأئمة من قريش؟ قال: نعم، وفي رواية عن أحمد أنه قال: لا يكون من غير قريش خليفة [حكاه الفرَّاء في الأحكام السلطانية]، يعني هذا إذا كان على سبيل الاختيار والانتخاب، لكن إذا غلبهم غير قرشي بسلطانه وسيفه ثبتت له الخلافة كما سبق.
وكان يقول الإمام أحمد: «لا طاعةَ لِمخلُوقٍ في معصيةِ الخالِقِ». يعني لا للأئمة ولا لغيرهم، ما أحد يُطاع في المعاصي، فإذا أمر ولي الأمر بمعصية؛ لا يطاع، إذا قال: اشربوا الخمر لا يُطاع، لكن إذا ما كان يتمرد عليهم ونخرج عليهم، لا يجوز، ولكن لا نطيعه في المعصية، لكن نطيعه في الطاعة ونطيعه في الأمور المباحة.
وكذلك الأب إذا أمر ابنه بمعصية لا يطيعه الابن ولو كان أباه، قال الأب لابنه: اشتري لي دخان من البقالة، ما يطيعه لأن الدخان محرم، لكن لا يتمرد، أي يتلطف ويقول: يا أبتِ لا يجوز هذا، لا يجوز أن أطيعك في معصية، ليس له أن يتمرد عليه ويطيعه في الأمور الأخرى في غير هذا، يطيعه فيما هو طاعةً لله، يطيعه في الأمور المباحة.
كذلك الزوجة، إذا أمرها زوجها بمعصية لا تطيعه، لكن ليس معنى ذلك أن تتمرد عليه، لا تطيعه في المعصية فقط، وغيرها تطيعه في الأمور الأخرى.
وكذلك السيد إذا أمر عبده بمعصية لا يطيعه العبد، قال السيد لعبده: أأتني بدخان، لا يطيعه العبد، ولو كان عبد يقول: يا سيدي، هذا لا يجوز، لكن ليس معنى ذلك أن العبد يتمرد على سيده، وإنما لا يطيعه في خصوص المعصية، وما عدا ذلك من الأمور المباحة يطيعه، وهكذا.
والدليل على هذا: قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «لا طاعةَ لِمخلُوقٍ في معصيةِ الخالِقِ». وقال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ».
وثبت في الصحيح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أمَّر رجلًا من الأنصار على سرية، يعني عقد سرية وأمَّر أمير عليها، فلما ذهبوا للسفر وكانوا في الطريق غضب عليهم وأغضبوه أمير السرية، فجمعهم فقال لهم: ألست أميركم؟ قالوا: بلي، قال: ألم يأمركم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بطاعتي؟ قالوا: بلى، قال: اجمعوا لي حطبًا، فجمعوا له حطبًا، فقال: أججوها نارًا، فأججوها نارًا، فقال: ادخلوا فيها، فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: إنما فررنا من النار كيف ندخل النار! فتركوه حتى سكن غضبه، فلما وفدوا إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لهم: «لو دخلوها ما خرجوا منها إنما الطاعة في المعروف». لا طاعة لمخلوق، يعني لو دخلوها معناها استمر عذاب الآخرة بعذاب الدنيا، «لو دخلوها ما خرجوا منها إنما الطاعة في المعروف». «لا طاعةَ لِمخلُوقٍ في معصيةِ الخالِقِ».
فهذا الأمير أمرهم بمعصية، كونهم يدخلون النار هذه معصية، فهذه النصوص دلت على أنه لا يُطاع أحد في المعاصي وإنما في خصوص المعصية وما عدا ذلك فإنه يُطاع.
(المتن):
(وأنه لا يجوز الخروج على إمام ومن خرج على إمام قتل الثاني).
(الشرح):
وهذا دليله ما ثبت في صحيح مسلم «إذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ، فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا».
(المتن):
(وتجوز الإمامة عنده لمن اجتمعت فيه هذه الخصال وإن كان غيره أعلم منه).
(الشرح):
كما ثبت لمعاوية وكان فيه من هو أعلم منه
(المتن):
(وكان يقول إن الخلافة في قريش ما أقاموا الصلاة).
(الشرح):
ما أقاموا الصلاة، وجاء في صحيح مسلم في هذا الحي «ما أقاموا الدين، ما بقي فيهم اثنان». يعني إذا وجد من يقيم الدين، هنا قال: ما أقاموا الصلاة، والصلاة عمود الدين، «ما أقاموا الدين، ما بقي فيهم اثنان». مفهومه أنه إذا لم يوجد منهم من يقيم الدين تكون في غيره، وهذا إذا كان الاختيار والانتخاب للمسلمين، يختارون من قريش إذا وجد من يقيم الدين، فإن كانت بولاية العهد أو بالغلبة فليس 54 : 23 هنا.
(المتن):
(وكان يقول لا طاعة لهم في معصية الله تَعَالَى).
(الشرح):
كما سبق، «لا طاعةَ لِمخلُوقٍ في معصيةِ الخالِقِ».
(المتن):
(وكان يقول من دعا منهم إلى بدعة فلا تجيبوه ولا كرامة).
(الشرح):
من دعا منهم إلى بدعة فلا تجيبوه ولا كرامة، من دعا إلى بدعة 17 : 24، ومن دعا إلى المعصية لا يطاع، فإذا قال أحد: أفعل بدعة أو أفعل معصية لا يطاع الأمير، ولا يطاع الأب، ولا يطيعه أبناءه في المعصية، ولا تطيعه الزوجة إذا جاءها في المعصية ولا في البدعة، ولا العبد لا يطيع سيده، المعاصي والبدع لا يُطاع فيها أحد، لكن ليس معنى ذلك أنهم يتمردون، لا يتمردون عليهم، إنما في خصوص البدعة والمعصية فقط. وكان يقول: من دعا منهم إلى بدعة فلا تجيبوه ولا كرامة.
(المتن):
(وكان يقول من دعا منهم إلى بدعة فلا تجيبوه ولا كرامة وإن قدرتم على خلعه فافعلوا).
(الشرح):
هذا النقل ليس بصحيح، ينافي النصوص التي سمعتم، (وإن قدرتم على خلعه فافعلوا)، هذا ليس بصحيح، وهذا من الأغلاط، المؤلف رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ينقل عقيدة الإمام أحمد وقد يغلط، الإمام أحمد لا يقول: (وإن قدرتم على خلعه فافعلوا)، في النصوص سبق أنه قال: اصبروا قال: الصبر الصبر، الدماء الدماء، فكيف يقول: وإن قدرتم على خلعه فافعلوا)! وهو يقول: الأئمة الذين يأمرون بالبدعة ويقتلون الناس، يقول: الصبر الصبر، الدماء الدماء، الصبر الخير، فكيف يقول: وإن قدرتم على خلعه فاخلعوه! ليس بصحيح النقل هذا، من أغلاط المؤلف، الإمام أحمد ما يرى هذا.
والنصوص جاءت أنه لا يجوز الخروج على الإمام، إلا إذا وجدت خمسة شروط:
- الشرط الأول: أن يفعل الإمام كفرًا لا فسقًا ولا معصية، ما يفعل معصية ولا فسق بل يفعل كفر.
- الشرط الثاني: أن يكون كفر صريح واضح لا نفس فيه، فإن كان فيه شك أي يمكن أن يكون كفر ويمكن أن لا يكون كفر، فلا.
- الشرط الثالث: أن يكون دليل هذا الكفر الذي يفعله واضح من الكتاب والسنة.
الدليل على هذه الشروط الثلاثة: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سئل عن الخلافة قال: «إِلا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ». «إِلا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا»، لا فسق ولا معصية، «بَوَاحًا»: يعني لا لبس فيه ولا شك، ما فيه إشكال ولا شبهة، «عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ»: الدليل واضح من الكتاب والسنة
- الشرط الرابع: أن يوجد البديل الذي حلَّ محل هذا الكافر، عرفوا أن هذا الكافر كفره صريح، فعل كفرًا صريحًا وواضحًا، فالشرط الرابع أن يوجد بديل مسلم يحل محله، أما إذا كان لا يوجد، حكومة كافرة كلها، بدل حكومة كافرة 08 : 27 ما في فائدة، يبقى الأول.
- الشرط الخامس: القدرة والاستطاعة، يقول الله تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].
فإذا وجدت هذه الشروط الخمسة جاز الخروج على ولي الأمر، أن يفعل كفرًا لا فسقًا ولا معصية، وأن يكون واضحًا لا لبس فيه، وأن يكون دليله واضح من الكتاب والسنة، وأن يوجد البديل المسلم الذي يحل محله، وأن توجد القدرة والاستطاعة بأن يزال هذا ويثبت هذا، بدون إراقة دماء، وبدون اختلال الأمن، وبدون الفتن الأخرى. فإذا وجد هذه الشروط لا بأس، وإلا فكما جاء في النصوص: الصبر، الصبر عليه، والتعاون معه في الخير وتخفيف الشر، يفعل الإنسان ما يخفف الشر على حسب استطاعته وقدرته. وهذا واضح، وحكمة الشارع واضحة في هذا.
ما هي الحكمة؟
الحكمة أنه يوجد قاعدة في الشريعة، (أنه إذا وجد مفسدتان لابد من ارتكاب واحد منهما)، صغرى وكبرى، لابد من واحد منهما لا نستطيع، نرتكب المفسدة الصغرى ونترك الكبرى، وإذا وجد مصلحتان لا يمكن أن يعولهما، نفعل المصلحة الكبرى ونترك المصلحة الصغرى.
فمثلًا: الخروج على وليّ الأمر، إذا كان ولي الأمر فيه مفسدة، فاسق أو عاصي أو مبتدع أو ظالم لبعض الناس، أو غير ذلك من المعاصي، أو لا يعطي بعض الناس حقه، أو يقذف بعض الناس، أو يشتم بعض الناس هذه كلها مفاسد، المفسدة الثانية: الخروج عليه، الخروج عليه ماذا يترتب عليه؟ يترتب عليه إراقة الدماء، انقسام الناس، واختلال الأمن، واختلال الزراعة، والتجارة، وتدخل الأعداء، وحصول الفتن التي تقضي على الأخضر واليابس.
أي أشد؟ الصبر
ومن أدلة هذه القاعدة، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعائشة رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «يا عائِشَةُ، لَوْلا أنَّ قَوْمَكِ حَديثُو عَهْدٍ بشِرْكٍ، لنقضت الكَعْبَةَ، وجَعَلْتُ لها بابَيْنِ: بابًا شَرْقِيًّا، وبابًا غَرْبِيًّا، وزِدْتُ فيها سِتَّةَ أذْرُعٍ مِنَ الحِجْرِ...». يعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترك الكعبة على ما كانت عليه قريش، قريش أخرجوا جزء من الكعبة ستة أذرع ونصف، النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لولا أنهم ما يتحملون قريبى عهد بكفر لنقضت الكَعْبَةَ وأدخلت الحِجْر، وجعلت لها بابين: باب شرقي، وباب غربي، فطبق هذا عبدالله بن الزبير، ابن الزبير لما تولى دخل الكعبة وأدخل الحِجْر ونزَّل الباب وجعل بابًا آخر. فالذي منعه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ما هو؟، المفسدة التي تحصل، المفسدة الكبرى وأنهم ما يتحملوا.
بهذا يتبين أن الخروج على ولاة الأمر منكر عظيم يترتب عليه مفاسد وشرور، ولأن هذا الشخص الذي يريد أن ينكر المنكر على وليّ الأمر، يقول: أنا أريد أن أنكر المنكر عليه، ما يعدل بين الناس، لا يعطي للناس حقوقهم، يظلم بغير حق. أنت الآن تريد أن توجد المنكرات، أنت الآن في خروجك الآن تسبب منكر أعظم وأشد، فكيف الآن تنكر منكر أقل وتوجد منكر أعظم.
قال العلماء: إنه إذا وجد منكر فهل تنكره؟ يكون له أحوال:
- الحال الأولى: أن يزول المنكر ويحصل منكر أشد. تنكر أم لا تنكر؟ لا تنكر. وهذا مثل تنكر على ولي الأمر ظلمة وكذا وتوجد منكر أشد وهو الفساد الذي يحصل من إراقة الدماء واختلال الأمن والفوضى والاضطراب.
- الحال الثانية: أن ينكر المنكر ويحصل منكر مماثل مثله، يزول المنكر ويحصل منكر مماثل، فهذا محل تأمل ومحل نظر والأولى ألا تنكر.
- الحال الثالثة: أن يزول المنكر ويحصل منكر أخف، هذا ينكر.
- الحال الرابعة: أن يزول المنكر ولا يحل محله منكرًا، هذا يجب.
فالخروج على ولي الأمر من أيها؟ من الأمر الأول، تزيل منكر بمنكر أعظم وأشد.
فقول هنا أبو الفضل التميمي: إن الإمام أحمد يقول: (وإن قدرتم على خلعه فافعلوا)، هذا ليس بصحيح، ينافي النصوص التي نقلت عن الإمام أحمد.
(المتن):
(وكان يقول الدار إذا ظهر فيها القول بخلق القرآن والقدر وما يجري مجرى ذلك فهي دار كفر).
(الشرح):
(وكان يقول الدار إذا ظهر فيها القول بخلق القرآن)، ما المراد بالدار هنا؟
المملكة يعني، إذا ظهر في المملكة والولاية القول بخلق القرآن والقدر وما يجري مجرى ذلك، فهي دار كفر، هذا أيضًا كذلك ينافي النصوص التي نُقلت عن الإمام أحمد.
وكانت بغداد في زمن الإمام أحمد ظهر فيها القول بخلق القرآن، فلو قالوا أنها دار كفر لهاجر منها وتركها، معنى هذا النقل أنه إذا انتشر القول بخلق القرآن صارت هذه البلد بلد كفر يجب الهجرة منها، والمراد بالدار: البلد والولاية. إذا انتشر القول بخلق القرآن في بلد أو في ولاية أو في مملكة فهي دار كفرٍ يجب الخروج منها والهجرة إلى دار الإسلام، وهذا ليس بصحيح النقل هذا؛ لأن بغداد قد ظهر فيها القول بخلق القرآن، فلو كان يرى أنها دار كفر لهاجر منها وتركها، فالإقامة في دار الكفر في وسط مثل الذي كان فيه الإمام أحمد انتشار الإسلام، الإسلام منتشر ولم يهاجر الإمام أحمد.
لكن لا شك أن هذه بدعة القول بخلق القرآن، وذمها السلف وذمها الإمام أحمد وغيره، لكن لا يقال أن هذه البلد بلد كفر من هاجر إليها، وإن كانت المقالة كفرية هذه لكن لا يكفر فيها القائل حتى تقوم عليه الحجة، فإذا قامت عليه الحجة بعد ذلك يحكم بكفر القائل.
ويتبين بهذا أنه ظهرت بعض البدع ببدعة في بلد أو في مملكة، فإنها لا تسمى دار كفر ولا يجب الهجرة منها، لا سيما غلبة الإسلام، تُنكر البدعة وتُذم لكن لا يجب الهجرة منها، ولو قالوا أن الدار دار كفر يجب الهجرة منها.
فقوله هنا أبو الفضل التميمي: (وكان يقول الدار إذا ظهر فيها القول بخلق القرآن والقدر وما يجري مجرى ذلك فهي دار كفر)، يعني يجب الهجرة منها هذا نقل ليس بصحيح، والمراد بالدار هنا البلد، البلد الذي يظهر فيها ذلك لا يقال أنها بلد كفر.
(المتن):
(وكان يقول الداعية إلى البدعة لا توبة له).
الشيخ: قف على هذا، وفق الله الجميع لطاعته...