( المتن )
قال الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
و كذلك ما ثبت في الصحيحين أن عمر بن الخطاب عنه لما قبل الحجر الأسود قال: والله إني أعلم أنك حجر لا تضر و لا تنفع و لولا أني رأيت رسول الله ﷺ يقبلك لما قبلتك.
بين عمر أن العبادات مبناها على متابعة رسول الله ﷺ إذ كان دين الإسلام مبني على أصلين أحدهما ألا يعبد إلا الله و لا يشرك به شيء و الثاني أن يعبد الله بما شرع من الدين ما لم يأذن به الله كالذين قال فيهم أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ فأخبر عمر بأنا لم نقبلك نرجوا منفعتك و نخاف مضرتك كما كان المشركون يفعلون بأوثانهم بل نعلم أنك حجر لا تضر و لا تنفع و لولا أن رسول الله ﷺ قبلك و قد أمرنا الله باتباعه فصار ذلك عبادة مشروعة لما قبلتك لسنا كالنصارى و المشركين و أهل البدع الذين يعبدون غير الله بغير إذن الله بل لا نعبد إلا الله بإذن الله كما قال لنبيه إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا فبين أن رسوله يدعو إليه بما أذن فيه من الشرع لا بما لم يأذن به كالذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله.
( الشرح )
بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله رب العالمين و صل اللهم و سلم و بارك على عبد الله و رسوله نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين , أما بعد :
فالمؤلف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في إجابته على سؤال السائل في قوله إن من قال إنه لا يجوز الحلف بالبيت و بالمشعر الحرام و بالكعبة إن هذا فيه استخفاف بحرمات الله بين المؤلف رحمه الله قال هذا ليس فيه استخفاف بحرمات الله الذي يستخف بحرمات الله هو الذي... و المتنقص كذلك للأنبياء و الصالحين ليس هو الذي لا يحلف بهم بل هو الذي لا يتبعهم هو الذي يحط من منزلتهم و المستخف بحرمات الله هو الذي لا يرى تعظيم الهدايا و الأضاحي و لا يرى تعظيم حرمات الله هذا هو المستخف بحرمات الله أما الذي لا يحلف بها لا يحلف بالأنبياء و لا بالصالحين و لا بالكعبة هذا متبع لشرع الله و تعظيم حرمات الله إنما هو باتباع الشرع بالعمل بما جاء به الشرع.
و لذلك قال المؤلف لو قال قائل إن من تعظيم البيت استلام الركنين الشاميين و من تعظيم البيت تقبيل مقام إبراهيم و من تعظيم البيت التمسح بجدران الكعبة لكان هذا غلطا بينا واضحا و ليس هذا من التعظيم و لهذا لما طاف ابن عباس و معاوية بالبيت و كان معاوية يستلم الأركان الأربعة كلها بين له ابن عباس أن هذا خلاف السنة و أن السنة استلام الركنين اليمانيين و وافقه معاوية و لم يقل معاوية أن هذا فيه استخفاف بحرمات الله.
قال المؤلف رحمه الله " و كذلك ما ثبت في الصحيحين أن عمر بن الخطاب لما قبل الحجر الأسود قال: و الله إني أعلم أنك حجر لا تضر و لا تنفع و لولا أني رأيت رسول الله ﷺ يقبلك لما قبلتك.
قال المؤلف رحمه الله " بين عمر أن العبادات مبناها على متابعة رسول الله ﷺ " يعني معلوم أن عمر لما أعلن هذا في موسم الحج قبل الحجر و قال للناس قال: و الله إني أعلم أنك حجر لا تضر و لا تنفع و لولا أني رأيت رسول الله ﷺ يقبلك لما قبلتك. بين عمر ﷺ أنه إنما فعل ذلك للتأسي بالنبي ﷺ لا لأنه يضر أو ينفع الذي يضر و ينفع هو الله لكننا نقبل الحجر تأسيا بالنبي ﷺ و اقتداء به لأن العبادة مبناها على الاتباع.
و لهذا قال المؤلف " بين عمر أن العبادات مبناها على متابعة رسول الله ﷺ" لا تكون العبادة إلا بمتابعة الرسول عليه الصلاة و السلام.
ثم بين المؤلف رحمه الله أن دين الإسلام مبني على أصلين الأصل الأول الإخلاص إخلاص العبادة لله أن تكون العبادة لله يراد بها وجه الله.
و الأصل الثاني أن تكون العبادة مما شرعها الله في كتابه أو على لسان رسوله ﷺ.
فهذا دين الإسلام مبني على هذين الأصلين الأصل الأول الإخلاص لله و ألا يعبد إلا الله و أن تصرف العبادات بجميع أنواعها لله والعبادات فيها الأوامر و النواهي يفعل الإنسان الأوامر و يترك النواهي تعبدا لله و إخلاصا له و خوفا و رجاء و محبة و إجلالا و تعظيما و النواهي يتركها أيضا تعظيما لله و خوفا و محبة و رجاء و الأوامر سواء كانت أمر إيجاب كقول الله تعالى وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ يفعل الإنسان الصلاة يقيمها امتثالا لأمر الله أو أمر استحباب كقوله عليه الصلاة و السلام السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ولولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة فالسواك مأمور به أمر استحباب و الصلاة مأمور به أمر إيجاب فالمسلم يتعبد لله بالصلاة و يتعبد له بالسواك بفعل التسوك بالاستياك.
و كذلك النواهي يتركها الإنسان خوفا من الله سواء كان نهي تحريم أو نهي تنزيه , نهي تحريم كقوله تعالى وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ و هكذا هذه نهي تحريم. أو كنهي تنزيه كنهي النبي ﷺ من الحديث بعد صلاة العشاء كان يكره النوم قبلها و الحديث بعدها نهي تنزيه.
و نهي التحريم هو الذي يعاقب فاعله و يثاب تاركه عكس الواجب يثاب فاعله و يعاقب تاركه و المحرم يثاب تاركه و يعاقب فاعله و أما المنهي عنه نهي تنزيه فإنه يثاب تاركه و لا يعاقب فاعله و كذلك المندوب و المستحب يثاب فاعله و لا يعاقب تاركه و الواجب يثاب فاعله و يعاقب تاركه فالمسلم يتعبد لله تعالى بما شرعه الله في كتابه و على لسان رسوله ﷺ.
العبادات مبناها على التوقيف , التوقيف من الشارع فالإنسان يتعبد لله بما شرعه من الدين كالصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و الدعاء و الصوم و الذبح و النذر و الاستعاذة و الاستغاثة و التوكل و الرغبة و الرهبة و الخوف و الرجاء و المحبة و بر الوالدين و صلة الأرحام و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الجهاد في سبيل الله و الإحسان إلى الأيتام و الأرامل و المساكين و ذوي القربى و ابن السبيل و البهائم و الإماء و الأرقاء.
و كذلك أيضا يتعبد لله بترك المحرمات يترك تطفيف المكيال و الميزان يترك الربا يتعبد إلى الله بترك الربا و ترك الرشوة و ترك الزنا و ترك شرب الخمر و ترك عقوق الوالدين و ترك قطيعة الرحم يتعبد لله المسلم بفعل الأوامر و ترك النواهي هذه هي العبادة. العبادة لا تكون عبادة إلا إذا شرعها الله في كتابه أو سنة رسوله ﷺ تكون عبادة.
و العبادات نوعان مأمور بها هذا واحد مأمور بها أمر أيجاب أو أمر استحباب و كذلك ما نهى الله عنه أو نهى عنه رسوله ﷺ يتركه المسلم يتركه لا لأنه لا يحبه بل يتركه طاعة لله و لرسوله ﷺ و خوفا و رجاء فالعبادات توقيفية.
دين الإسلام مبني على أصلين:
الأصل الأول ألا يعبد إلا الله و لا يشرك به شيئا تكون العبادة لله.
و الأصل الثاني أن يعبد الله بما شرع من الدين في كتبه أو على لسان رسوله ﷺ لا يعبد بالبدع و بما لم يأذن به الله.
و لذلك أنكر الله على المشرعين الذين يشرعون من الدين ما لم يأذن به الله و يحكمون بغير شرع الله و يسنون القوانين و النظم قال سبحانه أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ فدين الإسلام مبني على هذين الأصلين ألا يعبد إلا الله و هذا تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله و أن يعبد بما شرع و هذا تحقيق شهادة أن محمدا رسول الله و هما أصل الدين و أساس الملة , أصل الدين و أساس الملة أن تشهد لله تعالى بالوحدانية و أن تشهد لنبيه محمد ﷺ بالرسالة أصل الدين و أساس الملة أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله , أشهد أن لا إله إلا الله تقتضي ألا تعبد إلا الله و أن تخلص أعمالك لله و عبادتك لله و أشهد أن محمدا رسول الله تقتضي متابعة الرسول ﷺ فيما جاء به و فيما شرعه من الدين و هاتين الشهادتين هما أصل دين الإسلام لا يدخل الإنسان في الإسلام إلا بهما و هما مفتاح الجنة مفتاح دار السلام ومن مات فكان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة كما ثبت ذلك عن النبي ﷺ مات على التوحيد لم يشرك بالله شيئا فهو من أهل الجنة و الكرامة.
لكن إن مات على توحيد خالص سالم من الشرك و البدع و الكبائر دخل الجنة من أول وهلة فضلا من الله تعالى و إحسان و إن مات على توحيد ناقص بالمعاصي و الكبائر مات على كبائر أضعفت التوحيد فهذا نهايته الجنة و السلامة بشرط أنه لا يعمل شركا و لم يمت على شرك فهذا نهايته الجنة و السلامة لكن قد يدخل النار قد يعذب بالنار بسبب معاصيه و ذنوبه و قد يعفى عنه و قد يصيبه شدائد و أهوال في مواقف القيامة و قد يعذب في قبره و قد يعفو الله عنه و قد يستحق دخول النار فيشفع فيه و قد يدخل النار و لا بد أن يدخل النار جملة من أهل الكبائر مؤمنون موحدون مصلون لا تأكل النار وجوههم لكنهم ماتوا على كبائر من غير توبة هذا مات على الزنا من غير توبة هذا مات على شرب الخمر من غير توبة هذا مات على الغيبة هذا مات على النميمة هذا مات على جحد حقوق الناس يعذبون على قدر معاصيهم و جرائمهم ثم يخرجون من النار بشفاعة الشافعين أو برحمة أرحم الراحمين لهم الجنة و السلامة إذا مات على التوحيد و لم يصر على الشرك الأكبر أو الكفر الأكبر أو النفاق الأكبر أو الظلم الأكبر أو الفسق الأكبر أو الجهل الأكبر الذي يخرج من الملة.
لأن أهل الجنة ثلاث طبقات:
السابقون المقربون الذين يتقربون إلى الله بالنوافل بعد الفرائض والواجبات و يتقربون إلى الله بترك فضول المباحات و ترك المكروهات بعد ترك المحرمات هؤلاء هم السابقون المقربون.
و الطائفة الثانية المسمون بأصحاب اليمين أدوا الواجبات و تركوا المحرمات و لكن ما كان عندهم النشاط في فعل المستحبات و النوافل فتركوا المستحبات و النوافل و كذلك أيضا ما كان عندهم نشاط في ترك فضول المباحات و المكروهات قد يفعل المكروهات كراهة تنزيه و يفعلون المباحات فهؤلاء الصنفان يدخلون الجنة من أول وهلة فضلا من الله تعالى و إحسان.
و الصنف الثالث الظالمون لأنفسهم مؤمنون موحدون ماتوا على التوحيد و لم يقع في عملهم شرك أكبر لكن أضعفوا توحيدهم و إيمانهم بالمعاصي و الكبائر التي ماتوا عليها بدون توبة ما عندهم شرك عندهم توحيد لكن توحيد ناقص أضعفوا هذا التوحيد بالكبائر ماتوا على الكبائر من غير توبة هؤلاء تحت مشيئة الله إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ إن شاء الله أدخلهم الجنة من أول وهلة و عفا عنهم و إن شاء عذبهم و منهم من يعذب في القبر و منهم من يصاب في موقف القيامة و منهم من يساق إلى النار فيشفع فيه فلا يدخلها و منهم من يدخل النار و من دخل النار لا يخلد فيها يعذب فيها بقدر معاصيه و جرائمه ثم يخرج منها إلى الجنة بشفاعة الشافعين و رحمة أرحم الراحمين و معروف الحديث الذي فيه أن آخر أهل النار خروجا منها و آخر أهل الجنة دخولا الذي يخرج منها و يقول الله له ادخل الجنة و يخيل إليه أن الجنة ملأى و أنه ليس له مكان ثم يعطى آخر من دخل يقول له الله أما ترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت يا رب فيقول لك ذلك و مثله و مثله و مثله و مثله خمس مرات ثم يقول الله لك ذلك و عشرة أمثاله له مثل ملك من ملوك الدنيا خمسين مرة هذا آخر من يخرج من النار بعد أن عذب في النار آخر من يخرج من النار و يدخل الجنة .
نسأل الله السلامة و العافية من أسباب غضب الله و سخطه و عذابه و نسأل الله الكريم من فضله .
فدين الإسلام مبني على هذين الأصلين ألا يعبد إلا الله و لا يشرك به شيئا و أن يعبد الله بما شرع من الدين لا يعبد بالبدع.
قال المؤلف " فأخبر عمر بأنا لم نقبلك " يعني الحجر الأسود " بأنا لم نقبلك نرجوا منفعتك و نخاف مضرتك كما كان المشركون يفعلون بأوثانهم " المشركون حينما يقبلون أوثانهم يرجون المنفعة و يخافون المضرة أما المسلم فإنه يقبل الحجر لا يرجو منفعته و لا يخاف مضرته و إنما يقبله تأسيا برسول الله ﷺ.
قال عمر " بل نعلم أنك حجر لا تضر و لا تنفع و لولا أن رسول الله ﷺ قبلك و قد أمرنا الله باتباعه فصار ذلك عبادة مشروعة لما قبلتك لسنا كالنصارى و المشركين و أهل البدع الذين يعبدون غير الله بغير إذن الله " هذا دين النصارى و المشركين و أهل البدع يعبدون غير الله يعبدون الأصنام أو الأوثان منهم من يعبد الأشجار و منهم من يعبد الأحجار منهم من يعبد الأنبياء كالمسيح و منهم من يعبد الصالحين و منهم من يعبد الشمس و القمر هؤلاء المشركون و النصارى يعبدون المسيح و يعبدون أمه و أهل البدع يتعبدون لله بالبدع.
قال المؤلف " لسنا كالنصارى و المشركين و أهل البدع الذين يعبدون غير الله بغير إذن الله بل لا نعبد إلا الله بإذن الله كما قال لنبيه ﷺ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا" الشاهد بِإِذْنِهِ وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ فهو يدعو إلى الله بإذن الله و بما أمر الله به عليه الصلاة و السلام وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا
قال المؤلف " فبين أن رسوله ﷺ يدعو إليه بما أذن فيه من الشرع " قال بِإِذْنِهِ " فبين أن رسوله ﷺ يدعو إليه بما أذن فيه من الشرع لا بما لم يأذن به كالذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله " .
( المتن )
ثم قال :
و كذلك قال عمر في الرمل الآن و الإبداء على المناكب و قد أظهر الله الإسلام و نفى الشرك و أهله ثم قال: لا ندع شيئا كنا نفعله بعد عهد رسول الله ﷺ إلا فعلناه.
و ذلك أن النبي ﷺ أمر أصحابه في عمرة القضية بالاضطباع وبالرمل ليري المشركين قوتهم و لهذا لم يأمرهم بالرمل بين الركنين اليمانيين لأن المشركين كانوا بقعيقعان جبل المروة ينظرون إليهم ثم إنه لما حج اضطبع و رمل من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود فجعل ذلك شرعا لأمته فبين عمر أنه لو لم يشرع ذلك لما فعلناه لزوال السبب الذي أوجبه إذ ذاك .
( الشرح )
يقول المؤلف رحمه الله "و كذلك قال عمر في الرمل الآن و الإبداء على المناكب و قد أظهر الله الإسلام و نفى الشرك و أهله ثم قال ( لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله ﷺ إلا فعلناه ) " الرمل هو الإسراع في المشي مع مقاربة الخطا يقال له رمل و الاضطباع كشف الكتف الأيمن و هاتان سنتان الرمل و الاضطباع في أول طواف يقدم به الحاج أو المعتمر مكة أول طواف تقدم به مكة عليك أن تفعل هاتين السنتين تكشف كتفك الأيمن بأن تجعل الرداء تحت عاتقك الأيسر و ترفعه على عاتقك الأيسر فيكون الكتف الأيمن مكشوفا في أول طواف عند قدومك لمكة سواء كان للحج أو العمرة أول طواف اكشف الكتف و هذا ليس بواجب سنة لو تركه المسلم لا حرج عليه و لكنه سنة , ثم إذا انتهيت من الطواف فإنك تسوي الرداء قبل أن تصلي ركعتي الطواف و لكن كثير من الحجاج و العمار يجهلون هذه السنة يظنون أن كشف الكتف مشروع في جميع مناسك الحج فتجد كثيرا من الحجاج مكشوف الكتف في منى و في عرفة و في مزدلفة يكون كاشف الكتف و في طواف الإفاضة و في السعي هذا خطأ الاضطباع سنة في أول طواف عند قدومك من مكة سبعة أشواط فإذا انتهيت تسوي الرداء و أما السعي ما فيها اضطباع و في منى ما في اضطباع و في عرفة ما في اضطباع و في رمي الجمار ما في اضطباع هذه أول سنة.
و السنة الثانية في طواف القدوم الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى ترمل ثلاثة أشواط و هي أن تسرع في المشي مع مقاربة الخطا و هذا سنة لو تركته فلا حرج هذا إذا تمكنت فإذا كان زحام فإنك لا تستطيع و إذا تمكنت من الرمل مع البعد من الكعبة أولى من تركهما مع القرب.
الرمل أصل شرعيته في عمرة القضية , الرسول عليه الصلاة و السلام أحرم في السنة السادسة للهجرة للعمرة و أصحابه جاؤوا معتمرين فصدهم كفار قريش و وقع الصلح بينه و بينهم و من شروط الصلح أنهم يعودون هذا العام و لا يعتمرون فعادوا ذبحوا و تحللوا محصرون و كذلك من شروط الصلح يعودون في العام القادم للقضاء فتسمى عمرة القضاء فعادوا من السنة القادمة و أتوا بعمرة ثانية ليست العمرة الأولى بعض الناس يقولون تسمى عمرة القضاء من المقاضاة و المصالحة و ليست قضاء عن تلك العمرة تلك العمرة تامة فلما عادوا و حسب الصلح الذي بينهم معتمرين دخلوا مكة معتمرين على حسب الصلح و الشروط فكان كفار قريش جالسين خلف الحجر ينظرون إليهم فقال بعضهم لبعض " يأتيكم الآن محمد و صحبه لا يستطيعون أن يمشوا من الهزال أصابتهم الحمى " فالنبي ﷺ لما علم بذلك شرع لهم الرمل قال ارملوا حتى يرى المشركون قوتكم لأن هذا فيه إغاظة لهم فلما جعلوا يرملون قال بعض المشركون لبعض "انظروا إليهم ينقزون كالغزلان " و هذا فيه أن المسلم مأمور أن يظهر القوة أمام الكافر فهذا شرعية الرمل و في عمرة القضية أمرهم أن يرملوا من الحجر إلى الركن اليماني فإذا وصلوا إلى الركن اليماني يمشون ما في رمل لأن المشركين يكونون خلفهم ما يرونهم فإذا حاذوا الحجر بدؤوا يرملون و النبي ﷺ أمرهم أن يتركوا الرمل بين الركنيين للإثقال عليهم حتى لا يشق عليهم. و في حجة الوداع فتحت مكة و زال الشرك و مع ذلك أمرهم النبي ﷺ أن يرملوا فصاروا يرمون في جميع الأشواط حتى بين الركنين و استمرت سنة.
عمر يقول لما نرمل الآن و زال السبب , السبب إغاظة المشركين و ما في مشركين في مكة فتحت مكة فلماذا نرمل ؟ قال نرمل للتأسي . تأسي بالرسول ﷺ و إلا السبب زال السبب الذي من أجله شرع الرمل زال و هو إغاظة المشركين لأن مكة فتحت و لكن مع ذلك أمر النبي ﷺ بالاستمرار بالرمل فصارت سنة فنحن نفعلها تأسيا بالرسول ﷺ و لولا أننا نفعلها تأسيا بالرسول ﷺ لما فعلناها لأن السبب زال لكن العبادات مبناها على التأسي.
و معنى قول عمر " و كذلك قال عمر في الرمل الآن و الإبداء على المناكب و قد أظهر الله الإسلام " زال الشرك " و نفى الشرك و أهله ثم قال ( لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله ﷺ إلا فعلناه ) و ذلك أن النبي ﷺ أمر أصحابه في عمرة القضية " في السنة السابعة تسمى عمرة القضية و تسمى عمرة القضاء " في عمرة القضية بالاضطباع " الاضطباع كشف الكتف الأيمن " بالرمل " الرمل الإسراع بالمشي مع مقاربة الخطى و الرمل يكون في الثلاثة الأشواط الأولى الشوط الأول و الثاني و الثالث و الأربعة أشواط الأخرى ما فيها " أمر صحابه في عمرة القضية بالاضطباع و الرمل ليري المشركين قوتهم و لهذا لم يأمرهم بالرمل بين الركنين اليمانيين " لماذا ؟ لأن المشركين يكونون خلفهم يتقون بالكعبة ما يشاهدونهم " لأن المشركين كانوا بقعيقعان جبل المروة ينظرون إليهم ثم إنه لما حج " حجة الوداع " اضطبع و رمل من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود " حتى ما بين الركنين فجعل ذلك شرعا لأمته " عليه الصلاة و السلام شرعا مستمر إلى يوم القيامة و لم يزال مستمرا " فبين عمر أنه لو لم يشرع ذلك لما فعلناه لزوال السبب الذي أوجبه إذ ذاك " و السبب إغاظة المشركين .
( المتن )
ثم قال رحمه الله:
و معلوم أن مكة شرفها الله فيها شعائر الله و فيها بيته الذي أوجب الحج إليه و أمر الناس باستقباله في صلاتهم و حرم صيده و نباته و أثبت له من الفضائل و الخصائص ما لم يثبته لشيء من البقاع و قال النبي ﷺ لمكة والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله و في رواية وأحب أرض الله إلي ولولا أن قومي أخرجوني منك لما خرجت قال الترمذي حديث صحيح.
فإذا كان الله لم يشرع أن يتمسح إلا بالركنين اليمانيين لكونهما على قواعد إبراهيم و يقبل الحجر الأسود لكونه بمنزلة يمين الله في الأرض فلا يقبل سائر جدران الكعبة و لا يقبل مقام إبراهيم الذي هناك و لا يتمسح به و لا يقبل مقام النبي ﷺ الذي كان يصلي فيه و لا يتمسح به و لا يقبل قبر النبي ﷺ و لا يتمسح به فمعلوم أن قبور سائر الأنبياء و الصالحين التي ببقية البلاد مثلما في الشام و غيرها من الأمكنة التي يقال إنها مقام إبراهيم أو المسيح أو غيرها كمقام إبراهيم و كمغارة الدم و كالربوة التي يقال إنه كان بها المسيح و أمه و كطور موسى و غار حراء و غيرها من الجبال و المغارات و كسائر قبور الصالحين من الصحابة و القرابة و غيرهما و كصخرة بيت المقدس و غيرها أولى لا يقبل شيء من ذلك و لا يستلم و لا يطاف به فلا يكون شيء من ذلك بمنزلة الركنين اليمانيين و لا بمنزلة الحجر الأسود و لذلك قال عمر : و الله إني أعلم أنك حجر لا تضر و لا تنفع و لولا أني رأيت رسول الله ﷺ يقبلك لما قبلتك. يدل على أنه ليس من الأحجار ما يقبل إذ كان رسول الله ﷺ لم يشرع تقبيل شيء من ذلك .
( الشرح )
المؤلف يبين رحمه الله أن العبادات مبناها على التأسي و الاقتداء بالرسول عليه الصلاة و السلام و أنه لا يفعل شيء إلا ما فعله الرسول ﷺ و أمر به و شرعه و لا يخص شيء بخصائص إلا ما جاء به الشرع.
قال المؤلف رحمه الله " و معلوم أن مكة شرفها الله فيها شعائر الله و فيها بيته الذي أوجب الحج إليه و أمر الناس باستقباله في صلاتهم و حرم صيده و نباته و أثبت له من الفضائل و الخصائص ما لم يثبته لشيء من البقاع " و مع ذلك ما نفعل شيئا إلا ما جاء به الشرع , مكة شرفها الله و فيها شعائر الله و فيها البيت العتيق الذي أوجب الله الحج إليه أوجب على جميع كل مسلم قادر أن يحج البيت في العمر مرة و أمر الناس باستقباله في صلاتهم في أي مكان من الأرض يجب على المسلم أن يستقبل يتوجه إلى الكعبة و يصلي فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ يعني جهته فالصلاة يجب على كل إنسان أن يستقبل الكعبة الجهة أما من يشاهدها إن كان داخل المسجد الحرام فإن عليه أن يصيب عينها عين الكعبة لا بد أن يصيب عينها لا ينحرف عنها إذا الكعبة أمامك تنحرف عنها و تصلي تجعلها عن يمينك أو يسارك أو لا تستقبلها فإنه لا تصح صلاتك لا بد أن تصيب عينها إذا كنت داخل المسجد الحرام و تشاهد الكعبة و أما من كان بعيدا فيكفي الجهة فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الجهة و هذا كله يدل على تعظيم الكعبة و مكة و أن مكة خير البقاع و أفضل البقاع و أحب البقاع إلى الله.
و من ذلك أن الله تعالى حرم صيد الحرم و نباته و حمل السلاح في الحرم و القتل بل إن الصيد لا ينفر فكيف بالآدمي و أثبت له من الفضائل و الخصائص الحرم يعني ما لم يثبته لشيء من البقاع و كذلك اللقطاء لا يلتقطها إلا المنشد.
و بين النبي ﷺ أن مكة خير البقاع و أفضلها فقال عليه الصلاة و السلام لمكة والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله و في رواية وأحب أرض الله إلي ولولا أن قومي أخرجوني منك لما خرجت و الحديث رواه الترمذي كما قال المؤلف " قال الترمذي حديث صحيح " الرسول ﷺ يخاطب مكة وقت الهجرة قال نظر إليها و قال والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله و ولولا أني أخرجت منك لما خرجت و في رواية وأحب أرض الله إلي ولولا أن قومي أخرجوني منك لما خرجت و في رواية أن النبي ﷺ قال لمكة ما أطيبك من بلد وأحبك إلي ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك و ما ورد عن أبي هريرة "أن مكة أحب أرض الله إلى الله و المدينة أحب أرض الله إلي" أن هذا ليس بصحيح و أنه لا يثبت و لا يمكن أن يكون النبي ﷺ يحب شيئا و يحب الله شيئا آخر لا يمكن هذا.
فمكة أحب البقاع إلى الله و أحب البقاع إلى رسول الله ﷺ أما حديث "أن مكة أحب أرض الله إلى الله والمدينة أحب أرض الله إلي" فلا يثبت بين العلامة ابن القيم و غيره من المحققين أن هذا لا يصح لأن معناه شاذ مخالف للنصوص و الأدلة التي تدل على أن الرسول ﷺ يحب ما يحبه الله فمكة أحب البقاع إلى الله و أحب البقاع إلى رسول الله ﷺ.
قال المؤلف رحمه الله " فإذا كان الله لم يشرع أن يتمسح إلا بالركنين اليمانيين لكونهما على قواعد إبراهيم و يقبل الحجر الأسود لكونه بمنزلة يمين الله في الأرض فلا يقبل سائر جدران الكعبة و لا يقبل مقام إبراهيم " و لا غيرها لأن الرسول ﷺ لم يشرع تقبيل شيء من ذلك إذا كان الله لم يشرع أن يتمسح إلا بالركنين اليمانيين فإن هذا يدل على أي شيء ؟ يدل على أن العبادات مبناها على التأسي و الاقتداء بالنبي ﷺ و أن مكة كلها شرفها الله و فيها شعائر الله و مكة معظمة و الكعبة معظمة أيضا و مشرفة لكن كونها مشرفة هل معنى ذلك أن نتمسح بجدرانها أو بأحجارها ؟ لا , نحن نتأسى بالنبي ﷺ فالذي شرعه النبي ﷺ أن نمسحه مسحناه الركن اليماني و الحجر الأسود و مع ذلك لا... و لو كانت الكعبة مشرفة نحن نتأسى فكون الكعبة مشرفة و كون مقام مكة خير البقاع إلى الله لا يقتضي هذا أننا كما يفعل بعض الناس نتمسح مثلا نأتي إلى الغار و نصلي فيه و نتمسح به لأن مكة شرفها الله أو نتمسح بجدران الكعبة أو نتمسح بمقام إبراهيم لا و لو كانت هذه الأشياء مشرفة و معظمة نحن لا نفعل شيء من العبادات إلا تأسيا بالنبي ﷺ مع كون مكة شرفها الله و فيها شعائر الله و فيها بيته الذي يجب الحج إليه و بقاعها مهابط الوحي و مع ذلك لا نفعل شيئا من العبادات إلا ما شرعه الله و شرعه رسوله ﷺ بإذن الله.
و لهذا قال المؤلف " فإذا كان الله لم يشرع إلا أن يتمسح بالركنين اليمانيين " لماذا ؟ قال " لكونهما على قواعد إبراهيم " الركنان اليمانيان يمسحان الركن اليماني يمسح بدون تقبيل و الحجر الأسود يمسح و يقبل يشرع للمسلم أن يمسح الحجر الأسود يمسحه بيده اليمنى و يقبله بشفتيه و يكبر و يقول الله أكبر هذا إن أمكن فإن لم يمكن فإنه لبعده يمسحه بيده اليمنى و يقبلها فإن لم يمكن مسحه بعصا فإن لم يمكن أشار إليه و كبر و لو ترك ذلك كله صح الطواف هذه كلها من المستحبات تقبيل الحجر و مسحه و التكبير و الإشارة كل هذا من السنن و المستحبات لو تركها المسلم لا حرج طوافه صحيح و لا ينبغي للإنسان أن يزاحم و الركن اليماني يمسح و لا يقبل و لا يشار إليه إن تمكن من مسحه و إن لم يتمكن مضى و لا يشير إليه و لا يكبر على الصحيح أما الركن الشامي و العراقي فلا يمسحان و لا يشار إليهم و لا يقبلان و كذلك جدران الكعبة.
و الحكمة من كون الركنيين اليمانيين يمسحان دون الركنيين الشاميين لأن الركنيين اليمانيين على قواعد إبراهيم أما الركنان الشاميان فليسا على قواعد إبراهيم لأن جزء من الكعبة أخرج منها و هو الحجر و هو ما يقارب ستة أذرع و نصفا أخرج من الكعبة في عهد قريش لأنه قصرت بهم النفقة فليس على قواعد إبراهيم و لهذا لما بنى عبد الله بن الزبير الكعبة و أدخل الحجر صار يستلم الأركان الأربعة كلها على قواعد إبراهيم كلها أعاداها على قواعد إبراهيم لكن الحجاج بن يوسف كان يقاتل ابن الزبير و رمى الكعبة و رماها بالمنجنيق ثم بناها عبد الملك بن مروان و أخرج الحجر فأعادها على ما كانت عليه في الجاهلية فصار الركنان الشاميان ليس على قواعد إبراهيم فلا يمسحان.
قال المؤلف " و يقبل الحجر الأسود " تأسيا بالنبي ﷺ قال " لكونه بمنزلة يمين الله في الأرض " يشير الحديث المروي عن ابن عباس الحجر الأسود يمين الله في الأرض فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه هذا الحديث يروى عن ابن عباس لكنه حديث ضعيف عند أهل العلم حديث ضعيف و أيضا موقوف عن ابن عباس لا يصح رفعه و هو ضعيف و لكن احتج بعض المؤولين قالوا إن هذا الحديث يدل على معنى فاسد فلا بد أن يؤول لأن الحديث دل على أن نفس الحجر نفس صفات الله بين شيخ الإسلام رحمه الله في التدمرية و في غيرها أن هذا الحديث أولا لا يصح و ثانيا أنه موقوف على ابن عباس و ثالثا لو صح فله معنى صحيح و المعنى الحجر الأسود يمين الله في الأرض فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه فلا يدل على أن الحجر صفة الله لأنه قال الحجر يمين الله في الأرض و الله في السماء فوق العرش و ليس في الأرض ثم قال فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله و لم يقل فقد صافح الله وقبل يمينه هذا تشبيه و المشبه غير المشبه به إذا قلت زيد كالقمر ليس معناه زيد هو القمر و إنما المراد التشبيه فمن صافحه و قبله فكأنما صافح الله فالحديث لو صح فلا يدل على معنى فاسد.
فالمؤلف رحمه الله أشار بهذا إلى الحديث المروي عن ابن عباس فقال يقبل الحجر الأسود لكونه بمنزلة يمين الله في الأرض على فرض صحة الحديث هذا و الحديث لا يصح و هو موقوف و ضعيف و موقوف عن ابن عباس , قال " و يقبل الحجر الأسود لكونه بمنزلة يمين الله في الأرض فلا يقبل سائر جدران الكعبة " لماذا ؟ لأن العبادات مبنية على التوقيف و التأسي " و لا يقبل مقام إبراهيم الذي هناك أيضا و لا يتمسح به " لأن هذا من البدع و العبادات مبنية على التأسي " و لا يقبل مقام النبي ﷺ الذي كان يصلي فيه و لا يتمسح به و لا يقبل قبر النبي ﷺ" يعني في المدينة , إذا جئت فإنك تستقبل القبر و تستدبر الكعبة و تقول ( السلام عليك يا رسول الله أشهد أنك بلغت الرسالة و أديت الأمانة و نصحت الأمة ) و إذا أردت الدعاء فإنك تتجه إلى القبلة ثم تسلم على أبي بكر تقول ( السلام عليك يا خليفة رسول الله ) و تسلم على عمر ( السلام عليك يا أمير المؤمنين ) إلا الدعاء القليل التابع للسلام لا بأس ( السلام عليك يا رسول الله أشهد أنك بلغت الرسالة و أديت الأمانة و جزاك الله عن أمتك خير ما جزيت به عن أمته , السلام عليك يا خليفة رسول اله جزاك الله عن أمة محمد خيرا , السلام عليك يا عمر الفاروق جزاك الله عن أمة محمد خيرا ) لا بأس هذه دعوات قليلة تابعة للسلام أما إذا كان دعاء مستقلا فإنه ينصرف عن المكان و يتجه للقبلة.
و أنتم ترون الكثير من الجهال الآن يتمسحون بجدران الكعبة و يقبلون كل شيء يقبلون المقام حتى يأتون إلى الزجاج و الحديد و يقبلونها هذه موضوعة الآن ما مضى عليها مدة و مع ذلك الجهل و يأتون أيضا إلى غار حراء يصلون فيه و يقبلون الحجرة النبوية و جدرانها و يتمسحون بها بينما يتمسحون بكل شيء بعض الجهال بكل شيء في مكة و المدينة حتى الغبار و التراب بعضهم أيضا ينظف به نفسه يتبرك به و في الحج كذلك بالجبال التي في عرفات كل هذا منشأه الجهل , الجهل داء قاتل فهذه الأشياء لا تفعل العبادات مبناها على التوقيف.
و لهذا بين المؤلف رحمه الله قال ( فلا يقبل سائر جدران الكعبة و لا يقبل مقام إبراهيم الذي هناك و لا يتسمح به و لا يقبل مقام النبي ﷺ الذي كان يصلي فيه و لا يتمسح به و لا يقبل قبر النبي ﷺو لا يتمسح به " لأن هذا من البدع نقبل الحجر تأسيا بالنبي ﷺ نمسح الحجر تأسيا بالنبي ﷺ نمسح الركن اليماني تأسيا بالنبي ﷺ ما غير ذلك نقف قف العبادات مبناها على التوقيف لا تبتدع.
و لهذا قال المؤلف رحمه الله " فمعلوم أن قبور سائر الأنبياء و الصالحين التي ببقية البلاد مثلما في الشام و غيرها من الأمكنة التي يقال إنها مقام إبراهيم أو المسيح أو غيرها كمقام إبراهيم و كمغارة الدم " هذا في زمان الشيخ رحمه الله في القرن السابع الهجري " و كمغارة الدم " بعضها يعرف و بعضها لا يعرف الآن مضى سنون طويلة مضى على المؤلف سبعمائة سنة و أكثر من سبعمائة سنة " و كمغارة الدم و كالربوة التي يقال أنه كان بها المسيح و أمه " في الشام و في فلسطين " و كطور موسى " الجبل جبل الطور أيضا لا يتمسح به و ليس به خصوصية و لا يتعبد عنده و لهذا لما ذهب أبو هريرة إلى الطور و علم أن ذلك أبو بصر الغفاري قال ( لو علمت لنهيتك أو لمنعتك ) لأن العبادة مبنية على التوقيف أنكر عليه ذهابه إلى الطور " و كطور موسى و غار حراء " و كذلك غار حراء لا يسن أن تذهب إليه و لا يصلى فيه ركعتين و لا يزار للعبادة لكن من جاء للنظر و التأمل و التفرج لا بأس لكن الآن الحجاج يأتون إلى الغار زرافات و وحدانا و الزحام هناك و هناك أيضا أصحاب السيارات يذهبون بهم و ينفقون الأموال لغار حراء ليصلوا فيه و يتمسح به هذا جهل منشأه الجهل " و غار حراء و غيرها من الجبال و المغارات و كسائر قبور الصالحين من الصحابة و القرابة و غيرهما " قرابة النبي ﷺ كل هذا لا يتمسح بها و إنما إذا كان في البلد و زار قبر مسلم فإنه يزوره و يسلم عليه و يدعو له و ينصرف " و كصخرة بيت المقدس " أيضا ليس لها خصوصية و لا يتمسح بها و لا يصلى عندها ليس لها خصوصية " و غيرها أولى " قال " لا يقبل شيء من ذلك و لا يستلم ولا يطاف به " كل هذا من البدع لا يقبل هذه الأشياء و لا يستلمها يمسحها بيده و لا يطوف بها ما يطاف إلا بالكعبة و لا يستلم إلا الركن اليماني و الركن الأسود و لا يقبل إلا الحجر الأسود و الباقي لا تفعل شيء قف العبادات مبناها على التوقيف.
و لهذا قال المؤلف رحمه الله " فلا يكون شيء من ذلك بمنزلة الركنين اليمانيين " الركنان اليمانيان يمسحان و يقبل الحجر " و لا بمنزلة الحجر الأسود " يقبل التقبيل خاص به " و لذلك قال عمر و الله إني أعلم أنك حجر لا تضر و لا تنفع و لولا أني رأيت رسول الله ﷺ يقبلك لما قبلتك. قال " يدل على أنه ليس من الأحجار ما يقبل " إلا الحجر الأسود " إذ كان رسول الله ﷺ لم يشرع تقبيل شيء من ذلك " .
( متن )
ثم قال :
و الحديث الذي يرويه بعض الكذابين لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه الله به. كذب مفترى باتفاق أهل العلم و إنما هذا من قول عباد الأصنام الذين يحسنون ظنهم بالحجارة.
وقال تعالى لهم إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ و قال تعالى قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ و قال الخليل يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا و قال تعالى عن عباد العجل أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا و ذكر تعالى عن الخليل أنه قال لقومه مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ و في الموضع الآخر أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ فهؤلاء المشركون كانوا قد أحسنوا ظنهم بالحجارة فكان عاقبتهم أنهم في النار خالدون.
و إنما يحسن العبد ظنه بربه كما ثبت في الحديث في الصحيح أن النبي ﷺأنه قال يقول الله: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني فإذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه و في صحيح مسلم عن جابر عن النبي ﷺ أنه قال لا يموتن أحدكم إلا و هو حسن الظن بالله.
( شرح )
يقول المؤلف رحمه الله " و الحديث الذي يرويه بعض الكذابين "لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه الله به" كذب مفترى باتفاق أهل العلم " هذا الحديث موضوع لعباد الأصنام عباد الأحجار وضعوا هذا الحديث قالوا لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه هذا كذب مفترى هذا وضعه المشركون عباد الأصنام يضعون مثل هذا الحديث هناك أحاديث موضوعة و أحاديث ضعيفة جدا "إذا سألتم الله فاسألوا الله بجاهي" "من زارني وزار قبر أبي فعليه من الله الجنة" كل هذه أحاديث ضعيفة جدا منكرة و لا تصح عن النبي ﷺ.
و هذا وضعه عباد الأصنام "لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه" هذا باطل من أبطل الباطل و لهذا قال المؤلف أن الحديث يرويه بعض الكذابين " و هو كذب مفترى باتفاق أهل العلم و إنما هذا من قول عباد الأصنام " عباد الأصنام هم الذين وضعوا هذا الحديث " و إنما هذا من قول عباد الأصنام الذين يحسنون ظنهم بالحجارة ".
و لذلك لا يشرع للمسلم أن يتمسح بشيء مما لم يشرعه الله فلا يتمسح بالكعبة و لا بجدرانها إذا كان الحجر الذي يشرع تقبيله قال عمر و أعلن للناس في وقت موسم: و الله إني أعلم أنك حجر لا تضر و لا تنفع. و لكن لماذا قبلتك ؟ للتأسي اقتداء بالرسول ﷺ و يبين أنه لا يضر و لا نفع الذي ينفع و يضر هو الله لكن يقبل الحجر تأسيا بالنبي ﷺ و لهذا قال: و لولا أني رأيت رسول الله ﷺ يقبلك ما قبلتك.
إذا الأحجار لا تنفع و كون الإنسان يتمسح بالكعبة و بجدرانها و أحجارها هذا خطأ و الكعبة لا تنفع و لا تضر و إنما الذي ينفع و يضر هو الله و لكنا نطوف بالكعبة و نمسح الحجر و نقبله تأسيا بالنبي ﷺ و امتثال لأمر الله و أمر رسوله ﷺ لا لأنها تنفع أو تضر فالذي ينفع و يضر هو الله.
قال المؤلف " و إنما هذا من قول عباد الأصنام " يعني هذا الحديث "لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه" و هناك أيضا أحاديث أخرى مشابهة لهذا وضعها عباد الأصنام و الأوثان قال " و إنما هذا من قول عباد الأصنام الذين يحسنون ظنهم بالحجارة " فهم يعبدونها فيكونون معها في النار تلقى معهم في النار يكونون في النار مع هذه الأحجار التي عبدوها ".
قال تعالى لهم إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ " هذه الأحجار التي تعبدونها تكون معكم بل حتى الشمس و القمر يكوران يوم القيامة و يلقيان في النار مع من عبدهما من دون الله إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فالعابد و المعبود يكون في النار لبيان ضلالهم و بيان أنهم يعذبون بهذه التي عبدوها و يستثنى من ذلك من لم يرض بالعبادة من الأنبياء و الصالحين و لهذا قال الله تعالى استثناء إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ
" و قال تعالى قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ " إذا الحجارة وقود النار فكيف يعبد الحجارة و يقول "لو أحسن أحد ظنه بحجر لنفعه" و هي وقود النار.
و قال الخليل لأبيه آزر و هو مشرك ينهاه عن الشرك و ينصحه قال يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا " هذه المعبودات التي تعبدها لا تسمع و لا تبصر و لا تنفع.
" و قال تعالى عن عباد العجل لما عبد بنو إسرائيل الحجر لما ذهب موسى لميقات ربه و جاء و وجدهم يعبدون العجل , قال الله تعالى أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا عجل مصنوع من الذهب صنعه السامري و جعله صورة على شكل عجل و صاروا يعبدونها قال الله تعالى أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا ما يتكلم و لا يهدي كيف يعبدونه و هو لا يتكلم و لا ينفع من عبده أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ.
قال " و ذكر تعالى عن الخليل " الخليل إبراهيم و كذلك نبينا ﷺ خليل فالخلة لإبراهيم و لمحمد عليهم الصلاة و السلام الخليلان كما قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلاً و ذكر الله تعالى عن الخليل يعني إبراهيم أنه قال لقومه مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ تماثيل أحجار و أصنام قالوا مجيبين له قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ هذا اتباع الآباء و الأجداد في الباطل هذه طريقة المشركين القدامى و المتأخرين كلهم يتبعون الآباء و الأجداد في الباطل أخبر الله عنهم أنهم قالوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ يعني على دين وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ اتباع الآباء و الأجداد على الباطل هذا دين المشركين فالواجب على المسلم أن ينظر ما كان عليه الآباء و الأجداد إن كانوا على الحق لا بأس و إن كانوا على الباطل لا يتبعهم يتبع الحق أعطاك الله العقل إذا بلغ المشرك و وجد أبويه على الشرك يجب عليه أن يعبد الله و أن ينظر أعطاه الله العقل و ينظر ما عليه الأبوان إن كانوا على الباطل لا يتبعهم يتبع الحق.
قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ يجيبون على إبراهيم فقال إبراهيم لهم قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ضلال خطأ و بعد عن الصواب قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ تمسكوا بالباطل تمسكوا بما عليهم قالوا لإبراهيم قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ قال إبراهيم قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ الذي خلقهن وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ثم قال إبراهيم وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ حلف ،التاء حرف قسم حروف القسم الواو و الباء و التاء و الله و بالله و تالله و كذلك الألف آلله من حروف القسم قال إبراهيم وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ أقسم بأنه سيكيدها إذا ذهبوا عنها.
جاء في بعض الكتب أنهم ذهبوا في عيدهم في مكان لهم و بقي إبراهيم لم يذهب فكسرها كلها إلا الصنم الأكبر و جعل الفأس فوقه قال الله تعالى فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ إلا الصنم الكبير حتى يتأملون ينظرون الآن فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ليريهم أن هذه الأصنام لا تنفع و لا تضر و أن هذا الصنم الكبير فوقه الفأس و لا يفيد شيء و لا ينفع نفسه و لا غيره فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا كسرهم إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ فلما جاؤوا قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ تجاوز الحد قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ يوبخونه و ينكرون عليه.
فأتوا به فلما أتوا به قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ أنت الذي كسرت الأصنام ؟ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا الصنم الكبير فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ اسألوهم أنتم تعبدونهم الآن و هذا ليريهم و يبين لهم بطلان ما هم عليه من الشرك و عبادة الأصنام و الأوثان و أنها لا تضر و لا تنفع و لا تكلم عابديها أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا
قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا و هذه من الكذبات الثلاث التي يعترض يوم القيامة إذا طلب الناس الشفاعة لأنه كذب في الإسلام ثلاث كذبات قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا و قال عن نفسه إِنِّي سَقِيمٌ ليريهم و قال عن سارة زوجته أنها أخته و يقصد أنها أخته في الإسلام و مع ذلك تورية يجادل به عن دين الله و مع ذلك يعتذر يوم القيامة يقول أنه كذب في الإسلام ثلاث كذبات و هي فيها إيهام لهم و فيها جدال عن دين الله يجادل بها عن دين الله و مع ذلك يعتذر عليه الصلاة و السلام.
فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ لما قال لهم إبراهيم اسألوهم رجعوا إلى أنفسهم يعني فيما بينهم فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ رجعوا إلى أنفسهم و اعترفوا بالحق ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ قال الله تعالى لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ.
قال لهم إبراهيم ينكر عليهم قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ أنكر عليهم عبادة الأصنام و الأحجار.
" و في الموضع الآخر أخبر الله عنه أنه قال أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ في موضع آخر في سورة الصافات أن إبراهيم قال لقومه أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ تنحتون من الجبال أحجارا و تعبدونها أين عقولكم أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ.
قال المؤلف رحمه الله " فهؤلاء المشركون كانوا قد أحسنوا ظنهم بالحجارة فكان عاقبتهم أنهم في النار خالدون " أحسنوا ظنهم بالحجارة فخلدوا معها في النار فصاروا معها في النار هم و الحجارة إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ " فهؤلاء المشركون كانوا قد أحسنوا ظنهم بالحجارة فكان عاقبتهم أنهم في النار خالدون "
و هكذا يبين المؤلف أن هذا الحديث أن من أحسن ظنكم بحجر نفعه هذا باطل و أنهم مشركون بل هذه الحجارة التي تعبد من دون الله تكون مع عابديها في النار فكيف تنفعه.
قال المؤلف: و إنما يحسن العبد ظنه بربه كما ثبت في الحديث في الصحيح " الذي يحسن الإنسان به ظنه ربه الإنسان يحسن ظنه بربه " و إنما يحسن العبد ظنه بربه كما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ أنه قال يقول الله هذا حديث قدسي من كلام الله لفظا و معنى لأن النبي ﷺ أضافه إلى الله مثل القرآن الحديث القدسي من كلام الله لفظا و معنى مثل القرآن من كلام الله لفظا و معنى إلا أن الأحكام تختلف عن القرآن , القرآن يتعبد بتلاوته و الحديث القدسي لا يتعبد بتلاوته و القرآن لا يمسه إلا متوضأ و الحديث القدسي يمسه غير المتوضأ القرآن معجز و الحديث القدسي ليس بمعجز القرآن يقرأ في الصلاة و الحديث القدسي لا يقرأ في الصلاة تختلف الأحكام إلا أنه مثل أن النبي ﷺ أضافه إلى الله كما في الحديث القدسي حديث أبي ذر يقول الله تعالى يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي بخلاف الحديث الغير قدسي مثل حديث إنما الأعمال بالنيات يكون من الله معنى و من الرسول ﷺ لفظا هو كلام الرسول ﷺ لكن المعنى من الله وحي وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى الأحاديث وحي من الله الرسول ﷺ لا يأتي بشيء من عند نفسه وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى فالأحاديث من كلام الرسول ﷺ لفظها و معناها من الله أما الحديث القدسي فلفظه و معناه من الله و لهذا يضاف إلى الله.
" قال الرسول ﷺ فيما يرويه عن ربه أنه قال يعني لفظا و معنى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه " هذا الحديث قال المؤلف في صحيح البخاري و مسلم و فيه وإن تقرب إلي شبراً تقربت منه ذراعاً و إن تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً وإن أتاني يمشي أتيته هرولة هذا من كلام الله لفظا و معنى.
قوله أنا عند ظن عبدي بي فيه وجوب حسن الظن بالله وأنا معه إذا دعاني هذه معية خاصة الحديث فيه إثبات المعية و فيه إثبات الكلام لله و فيه إثبات النفس لله فيه عدة صفات إثبات المعية لله و وجوب حسن الظن بالله و إثبات النفس لله وأنا معه إذا دعاني و المعية نوعان معية خاصة و معية عامة.
فالمعية العامة عامة للمؤمن و الكافر فالله مع الخلق كلهم بإحاطته و اطلاعه و نفوذ قدرته و مشيئته و سمعه و بصره و هو فوق العرش و هو سبحانه فوق العرش و هو مع الناس بعلمه و اطلاعه و احاطته و نفوذ قدرته و مشيئته قال تعالى وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ و هو فوق العرش , نصوص العلو و الفوقية تزيد أفرادها على ألف دليل سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ.
أما النوع الثاني معية خاصة خاص بالمؤمنين و بالرسل و بالمتقين و بالمحسنين إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى في قصة موسى و هارون.
و النبي ﷺ و أبو بكر في الغار يقول الرسول ﷺ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا هذه معية خاصة و هي تقتضي الحفظ و الكلاءة و التوفيق و التسديد و أما المعية العامة فتأتي في سياق المحاسبة و المجازاة و التخويف مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
و فيه فضل الذكر و أن الإنسان إذا ذكر الله في نفسه ذكره الله في نفسه و إن ذكره في ملأ ذكره الله في ملأ من الملائكة خير منهم.
" و في صحيح مسلم عن جابر عن النبي ﷺ أنه قال لا يموتن أحدكم إلا و هو حسن الظن بالله " و هذا رواه الإمام مسلم في صحيحه لا يموتن أحدكم إلا و هو حسن الظن بالله.
و لهذا قال العلماء أنه ينبغي للمسلم أن يسير إلى الله في حياته بين الخوف و الرجاء يخاف حتى لا يسترسل في المعاصي و يرجو حتى لا يسيء الظن بالله فالمؤمن يعبد الله بالمحبة و الخوف و الرجاء يخاف لكنه خوف لا يصل إلى حد التشاؤم و سوء الظن بالله لأنه يرجو و يرجو لكنه ليس رجاء يحمل الإنسان على الاسترسال في المعاصي لأنه يخاف فهو يسير إلى الله بين الخوف و الرجاء كجناح الطائر.
قال بعض العلماء أنه ينبغي للإنسان أن يغلب جانب الخوف حال الحياة حتى يحمله ذلك على العمل الصالح و اجتناب المعاصي و إذا قرب الموت و رأى أسباب الموت فإنه ينبغي أن يغلب جانب الرجاء حتى لا يموت إلا و هو حسن الظن بالله كما في الحديث لا يموتن أحدكم إلا و هو حسن الظن بالله. ولهذا قال بعض العلماء يستحب أن يجمع أحاديث الرجاء و تقرأ على المحتضر حتى يغلب جانب الرجاء .