( المتن )
قال الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله تعالى عليه :
و بالجملة فهذا أصل متفق عليه بين أئمة الدين أن العبادات مبناها على توقيف الرسول ﷺ و طاعة أمره و الاقتداء به فلا يكون شيء عبادة إلا إن شرعه الرسول ﷺ فيكون واجبا أو مستحبا و ما ليس بواجب و لا مستحب فليس بعبادة باتفاق المسلمين و من اعتقد مثل ذلك عبادة كان جاهلا و إن ظن أن ذلك تعظيم لمن يجب تعظيمه فإن التعظيم المشروع لا يكون إلا واجبا أو مستحبا و من نهي عن اتخاذ الأحبار و الرهبان أربابا من دون الله و المسيح ابن مريم و عن اتخاذ الملائكة و النبيين أربابا و عن الغلو في الأنبياء و الصالحين فزعم أن هذا تنقص و استخفاف بالأنبياء و الصالحين و الملائكة فهو من جنس النصارى و أشباههم من المشركين و أهل البدع قال تعالى يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا و قد قال مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ و قال تعالى وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ فهذه الأمور التي ذم الله بها النصارى إذا نهو عنها قالوا هذا تنقص بالمسيح و الأحبار و الرهبان و كانوا كفارا بجعلهم هذا النهي تنقصا مذموما إذ كانوا عظموا الأنبياء و الصالحين تعظيما لم يشرع لهم .
( الشرح )
بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم و بارك على عبد الله و رسوله نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين أما بعد :
قال المؤلف رحمه الله " و بالجملة فهذا أصل متفق عليه بين أئمة الدين أن العبادات مبناها على توقيف الرسول ﷺ و طاعة أمره و الاقتداء به فلا يكون شيء عبادة إلا إن شرعه الرسول ﷺ فيكون واجبا أو مستحبا " هذا الأصل كما قال المؤلف رحمه الله متفق عليه بين أئمة الدين و هو أن العبادات توقيفية مبناها على التوقيف لا تكون العبادة عبادة حتى يشرعها الله تعالى في كتابه أو يشرعها الرسول ﷺ في سنته فالعبادات مبناها على الاتباع لا على الابتداع هذا أصل متفق عليه.
و هذا هو مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله عليه الصلاة و السلام فإن مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله أن لا يشرع من العبادات إلا ما جاء به الرسول ﷺ من العبادات مما شرعه في كتابه أو شرعه رسوله ﷺ في سنته و السنة وحي ثاني الرسول ﷺ ما يأتي بشيء من عنده قال الله تعالى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى قاعدة : فالعبادات مبناها على التوقيف توقيفية و الأصل في العبادات الحظر و المنع و لذلك فإن السائل الذي سأل المؤلف و قال إن الحلف بالأنبياء و الملائكة هل هو مشروع أو غير مشروع و أن هذا تنقص لهم المؤلف يبين يقول أن العبادات مبناها على التوقيف و لم يرد الحلف بالأنبياء و لا بالبيت و لا بالمشاعر و إنما الحلف بالله و أسمائه و صفاته و من قال إن من منع من الحلف بالأنبياء و الصالحين أن هذا تنقص لهم فهذا جاهل هذا من جهله و ضلاله فهو منع من الحلف بالأنبياء و الصالحين لأنه لم يرد و إذا كان لم يرد فالذي يمنع من ذلك إنما هو الامتثال لأمر الله و أمر رسوله فالعبادات توقيفية.
فالمؤلف يقول العبادات توقيفية السائل الذي سأل المؤلف عن الحلف بهذه الأشياء كما في أول الرسالة و قال ما حكم من قال بحق فلان أو بحق أنبيائك و رسلك و بحق البيت ؟ فالمؤلف يقول هنا العبادات توقيفية هذه الأمور التوسل بحق فلان أو بحق البيت أو بحق كذا أو الحلف بالأنبياء و الصالحين كل هذه الأمور يوقف بها عند الشرع ما ورد به الشرع يفعل و ما لم يرد به الشرع يترك.
و لهذا قال المؤلف " و بالجملة فهذا أصل متفق عليه بين أئمة الدين أن العبادات مبناها على التوقيف توقيف الرسول ﷺ و طاعة أمره و الاقتداء به فلا يكون شيء عبادة إلا إن شرعه الرسول ﷺ فيكون واجبا أو مستحبا " ما شرعه الرسول ﷺ يكون واجبا أو مستحبا الرسول ﷺ أتي بوحيين بالقرآن من عند الله و بالسنة و هي وحي ثاني قال عليه الصلاة و السلام ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه فما شرعه الله في الكتاب و في السنة و الرسول ﷺ هو المبلغ عن الله و لا يشرع شيئا إلا من دين الله و أمره فإنه يكون عبادة و العبادة قد تكون واجبة و قد تكون مستحبة الواجبة كالصلاة كأداء الصلاة و أداء الزكاة و الصوم و الحج و بر الوالدين و صلة الأرحام و المستحب كالسنن الرواتب راتبة الظهر و راتبة المغرب و راتبة العشاء و راتبة الفجر و سنة الضحى هذه عبادة مستحبة صيام يوم الإثنين و الخميس صيام ثلاثة أيام من كل شهر هذه العبادات مستحبة جاء بها الرسول عليه الصلاة و السلام فلا تكون عبادة حتى يأتي بها الرسول عليه الصلاة و السلام و تكون إما واجبة و إما مستحبة " و ما ليس بواجب و لا مستحب فليس بعبادة " مثل الأمور المباحة ليست عبادة كون الإنسان يقوم و يقعد و يذهب يركب من المراكب ما يناسبه يبني من المسكن ما يناسبه على وجه لا يكون فيه إسراف و لا مخالفة لشيء من الشرع يكون هذه الأمور مباحة و لا يقال أنها عبادة كون الإنسان يأكل هذا النوع من الأكل كون الإنسان يذهب هذا اليوم كون الإنسان يتنزه مثلا يذهب للبر نقول هذه أمور مباحة ليست عبادة لا واجبة و لا مستحبة ليس واجب و لا مستحب بل لا يكون عبادة و العبادة إما واجبة أو مستحبة إما مستحب كالسواك و إما واجب كأداء الصلاة و الزكاة و الصيام و الحج و من أين نعرف أنه واجب أو مستحب مما جاء به الرسول عليه الصلاة و السلام و ما ليس بواجب و لا مستحب لا يكون عبادة يكون أمرا مباحا من الأمور المباحة كونه يلبس نوع من اللباس ليس فيه مخالفة هذا أمر مباح تلبس هذا أو تلبس هذا تلبس عمامة أو تلبس غترة حمراء أو بيضاء كل هذا من الأمور العادية من الأمور المباحة ليس واجبا و لا مستحبا.
و لهذا قال المؤلف رحمه الله " و بالجملة فهذا أصل متفق عليه بين أئمة الدين أن العبادات مبناها على توقيف الرسول ﷺ و طاعة أمره و الاقتداء به فلا يكون شيء عبادة إلا إن شرعه الرسول ﷺ فيكون واجبا أو مستحبا " و لهذا أخذ العلماء من هذا الأصل قاعدة و قالوا العبادات توقيفية و المراد بتوقيفية يوقف بها على الشرع ما ورد عن الشارع أنه عبادة فإنه يكون عبادة و ما لم يرد فلا يكون عبادة و كذلك أصل آخر من القواعد و الأصول أن العبادات أصلها الحظر و المنع الأصل في العبادات الحظر و المنع فلا يقول اللإنسان أن هذا عبادة إلا بدليل و إذا أشكل عليك الأمر هل هذا عبادة أو ليس عبادة تمتنع حتى تعرف الدليل لأن أصل العبادات الحظر و المنع كما أن الأصل في المعاملات الحل و الإباحة فإذا لم تعلم أن هذه المعاملة ممنوعة تبقى على الأصل على الحل حتى تعلم أنها معاملة محرمة.
و لهذا قال المؤلف رحمه الله " فهذا أصل متفق عليه بين أئمة الدين أن العبادات مبناها على توقيف الرسول ﷺ و طاعة أمره و الاقتداء به فلا يكون شيء عبادة إلا إن شرعه الرسول ﷺ فيكون واجبا أو مستحبا و ما ليس بواجب و لا مستحب فليس بعبادة باتفاق المسلمين ".
قال المؤلف رحمه الله " و من اعتقد مثل ذلك عبادة كان جاهلا " يعني من اعتقد أن مثلا كون الإنسان يأكل و يشرب كون الإنسان يجلس في هذا المكان أو يجلس في هذا المكان أو يجلس تحت هذه الشجرة أو هذه الشجرة و ظن أن هذه عبادة فهذا من جهله و ضلاله لأن هذا من المباح , فإذا نزل الإنسان عند البرية و قال أنزل عند هذه الشجرة قال لا أنزل عند هذه قال لماذا قال هذه عبادة فهذا من جهله و ضلاله ما في فرق بينها تنزل تحت الشجرة هذه أو تحت الشجرة هذه عادة ليست عبادة أنت مخير أمر مباح فمن اعتقد أن شيئا لم يأت به الشرع لا بوجوب و لا باستحباب أنه عبادة كان من جهله و ضلاله فمن اعتبر مثل ذلك عبادة كان جاهلا.
" و إن ظن أن ذلك تعظيما لمن يجب تعظيمه فإن التعظيم المشروع لا يكون إلا واجبا أو مستحبا " إن ظن مثلا أن الحلف بفلان تعظيم له نقول هذا ظن فاسد لأن التعظيم المشروع لا يكون إلا واجبا أو مستحبا و هذا ليس بواجب و لا مستحب كونك تحلف بفلان بل هو شرك فلا يكون واجبا و لا مستحبا و كونه يقول أن هذا تعظيم هذا باطل التعظيم المشروع لا يكون إلا واجبا أو مستحبا و الواجب و المستحب هو ما جاء به الرسول عليه الصلاة و السلام عن الله في كتابه و سنة رسوله ﷺ.
قال المؤلف " و من نهي عن اتخاذ الأحبار و الرهبان أربابا من دون الله و المسيح ابن مريم و عن اتخاذ الملائكة و النبيين أربابا و عن الغلو في الأنبياء و الصالحين بل زعم أن هذا تنقص و استخفاف بالأنبياء و الصالحين و الملائكة فهو من جنس النصارى و أشباههم من المشركين و أهل البدع " الأحبار هم العلماء و الرهبان هم العباد لو نهي شخص عن اتخاذ الأحبار و الرهبان أربابا و عن اتخاذ المسيح فقال أن هذا تنقص أنا أتبع هذا العالم أو العابد و هذا العالم و هذا العابد ليس ربا و لا إلها عليك أن تعمل بما جاء به من الشرع أما أن تتخذه ربا يشرع لك فهذا لا يجوز شرك فقال هذا تنقص له أنت تتنقص هذا العالم أو هذا العابد فهذا من جنس النصارى الذين يقولون إن المسيح ابن الله فإن قلت ليس ابن الله يقول هذا تنقص للمسيح و لهذا قال المؤلف " و من نهي عن اتخاذ الأحبار و الرهبان أربابا من دون الله " يقول لا تتخذ هذا العالم أو هذا العابد ربا يشرع لك قال هذا عالم هذا عابد لا بد أن أفعل ما يأمرني به تتنقصه إذا نهيتني نقول هذا من جنس النصارى على مذهب النصارى الذين يعبدون المسيح و من نهاهم عن عبادة المسيح قالوا أنت تتنقص المسيح " و من نهي عن اتخاذ الأحبار و الرهبان أربابا من دون الله و المسيح ابن مريم و عن اتخاذ الملائكة و النبيين أربابا و عن الغلو في الأنبياء و الصالحين بل زعم أن هذا تنقص و استخفاف بالأنبياء و الصالحين و الملائكة فهو من جنس النصارى و أشباههم من المشركين و أهل البدع ".
و الدليل " قال تعالى يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ فالذي ينهى عن اتخاذ الأحبار و الرهبان و المسيح و الملائكة و النبيين أربابا ثم يقول هذا تنقص لهم يقال له هذا هو مذهب النصارى أنت تريد الغلو فيهم و الغلو نهى الله عنه قال يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ و أهل الكتاب هم اليهود و النصارى ثم قال سبحانه إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ هذه حقيقة المسيح الذي عبده النصارى و جعلوه إلها غلو فيه حتى رفعوه من مقام النبوة و البشرية إلى مقام الألوهية و العبادة فعبدوه من دون الله هذا غلو رفعوا عسى إلى مقام الإله جعلوه ابن الله نعوذ بالله فنهاهم الله فقال يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ هذا غلو في الدين و الغلو في الدين يخرج الإنسان من الدين الحق لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ثم قال سبحانه إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ هذه حقيقته رسول كريم ليس إلها و لا ربا و ليس هو الله و لا ابن الله و لكنه بشر عبد خلقه الله من أم بلا أب أمه مريم إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ عيسى كلمة الله يعني مخلوق من كلمة سمي كلمة لأنه مخلوق من كلمة خلقه الله من كلمة كن كما قال تعالى في الآية الأخرى إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ لماذا تعجبون عيسى خلقه الله من أنثى بلا ذكر و حواء خلقها الله من ذكر بدون أنثى و آدم مخلوق بلا ذكر و لا أنثى خلقه الله من تراب إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ كلمته ألقاها إلى مريم أمر الله جبرائيل فنفخ في جيب درعها فخرجت النفخة في فرجها فحملت فقال الله له كن فكان فعيسى يسمى كلمة الله لأنه مخلوق من كلمة و ليس هو كلمة النصارى يقولن عيسى نفسه الكلمة يعني جزء من الله نعوذ بالله كلام الله صفته كلام الله ليس مخلوقا القرآن كلام الله كلام الله صفة لله ليس مخلوق و عيسى ليس هو نفس الكلمة و لكن مخلوق من كلمة سمي كلمة لأنه مخلوق من كلمة مخلوق من كلمة كن و ليس هو الكلمة و النصارى يقولون عيسى هو نفس الكلمة و هو جزء من الله نعوذ بالله و هذا كفر و ضلال وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ يعني روح من الأرواح التي خلقها روح شريفه و أضيفت الروح إلى الله للتشريف و التكريم كما يقال عبد الله و رسول الله و بيت الله و ناقة الله هذه إضافة تشريف المخلوق إلى خالقه ناقة الله الناقة التي أعطيها صالح و إضافتها إلى الله تشريف ناقة مخلوقة أضيفت إلى خالقها , بيت الله أضيف إلى الله للتشريف , عبد الله رسول الله إضافة تشريف و تكريم كذلك عيسى رسول الله روح من الله روح منه كما قال الله تعالى في الآية الأخرى وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ منه سبحانه و روح منه ثم قال تعالى فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ النصارى يقولون ثلاثة الآلهة ثلاثة الله و عيسى و مريم تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا قال الله فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ انتهوا عن هذا القول الذي هو شرك و كفر خير لكم ثم قال سبحانه إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ تنزيها له سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا
ثم قال تعالى لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ عيسى عبد لله و لا يستنكف عن العبادة لا يستنكف و يستكبر فعيسى يعبد الله و الملائكة يعبدون الله المقربون و لا يستنكف و لا يستكبر الذي يستنكف و يستكبر هو الكافر إبليس استنكف و استكبر عن عبادة الله فكان كافرا و أما عيسى لا يستنكف فهو يعبد الله باختياره وطوعه و كذلك الملائكة لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا
و قد قال سبحانه في الآية الأخرى مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ما كان ما يصح و لا ينبغي و لا يمكن أن يكون بشر يؤتيه الله الكتاب و الحكمة و النبوة ثم يأمر الناس بعبادة نفسه هذا لا يمكن النبي الكريم الذي آتاه الله الحكم و النبوة يأمر الناس بعبادة الله وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ
مَا كَانَ لِبَشَرٍ يعني ما يصح لبشر أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ الرباني هو العالم العامل الذي يعمل بعلمه و الذي يعلم الناس الخير و يعلم الناس صغار العلم قبل كباره فهو رباني و لهذا قال وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ هذا هو الذي آتاه الله الحكم و الكتاب و النبوة لا يأمر الناس بعبادته و لكن يأمرهم بأن يكونوا ربانيين ثم قال تعالى وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ اتخاذ الملائكة و النبيين أربابا هذا هو الكفر.
و قال تعالى في الآية الأخرى وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ أنكر الله عليهم أنكر الله على اليهود و النصارى قالت اليهود عزير ابن الله و قالت النصارى المسيح ابن الله فقال الله ردا عليهم ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ أنى يصرفون عن الحق اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ يعني اتخذوا علماءهم و عبادهم أربابا من دون الله و المسيح ابن مريم اتخذوه إلها من دون الله قال الله وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لا معبود بحق سواه سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ
" فهذه الأمور التي ذم الله بها النصارى إذا نهوا عنها قالوا هذا تنقص بالمسيح و الأحبار و الرهبان " إذا نهي النصارى عن اتخاذ عيسى إلها قال أنت تتنقص عيسى تحطه عن منزلته إذا قلت لا تتبع العلماء و العباد في الباطل قال أنت تتنقص العلماء فقال " فهذه الأمور التي ذم الله بها النصارى إذا نهوا عنها قالوا هذا تنقص بالمسيح و الأحبار و الرهبان و كانوا كفارا بجعلهم هذا النهي تنقصا مذموما إذ كانوا عظموا الأنبياء و الصالحين تعظيما لم يشرع لهم " يعني النصارى إذا نهوا عن عبادة المسيح قالوا أنت تتنقص المسيح و إذا نهوا عن عبادة العباد و العلماء قالوا أنت تتنقص العلماء و العباد فيقول المؤلف هم كفار بهذه المقالة , بهذه المقالة كانوا كفارا حيث جعلوا النهي تنقصا مذموما لأنهم عظموا الأنبياء و الصالحين تعظيما لم يشرع لهم تعظيم باطل تعظيم فاسد التعظيم يكون بما جاء به الشرع .
( المتن )
ثم قال :
و كذلك من اتخذ قبورهم مساجد تعظيما لهم أو يسجد لهم تعظيما لهم أو دعاهم أو سألهم كما يدعو الله و يسأله بعد مماتهم و في تغيبهم أو رجاهم و خافهم كما يرجو الله و يخافه فإنه مشرك مبتدع , و إذا نهي عن ذلك فقال هذا تنقص زاد ضلالة قال تعالى وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ و قال تعالى وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ فجعل الله الخشية و الرهبة و الرغبة و التوكل لله وحده و جعل للرسول أن يطاع مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ و ليرضوا بما آتاه و بما حلله فلا يطلب ما حرمه الله بل الحلال ما حلله و الحرام ما حرمه و الدين ما شرعه و يجب أن يكون أحب إلى المسلمين من أنفسهم و أهليهم إلى غير ذلك من حقوقه و لا يعبد إلا الله و لا يتوكل إلى على الله و لا يرغب إلا إلى الله و لا يخشى و يتقى إلا الله .
( الشرح )
يقول المؤلف رحمه الله " و كذلك من اتخذ قبورهم مساجد " قبور الأنبياء و الصالحين " تعظيما لهم أو يسجد لهم تعظيما لهم أو دعاهم أو سألهم كما يدعو الله و يسأله بعد مماتهم و في تغيبهم أو رجاهم و خافهم كما يرجو الله و يخافه فإنه مشرك مبتدع " مبتدع في دين الله من اتخذ قبور الأنبياء مساجد يزعم أنه يعظمهم فهذا مشرك كذلك من سجد لهم و يزعم أن هذا تعظيم لهم مشرك كذلك من دعاهم و سألهم كما يدعو الله و يسأله بعد مماتهم يسألهم بعد موتهم و في تغيبهم يعني حينما يكونون غائبين أو يرجوهم و يخافهم كما يرجو الله و يخافه هذا مشرك مبتدع و ليس هذا تعظيما لهم هذا إشراك بالله يدعو الميت و يزعم أنه تعظيم له يسأله كما يسأل الله و يزعم أن هذا تعظيم له أو يسألهم بعد الموت أو في حال الغيبة أو يرجوهم و يخافهم هذا هو الشرك.
و هذا بخلاف الحي الحاضر القادر , الحي الحاضر تسأله ما يناسبه تقول للحي الحاضر يا فلان أعني في إصلاح سيارتي يا فلان أعني في إصلاح مزرعتي أقرضني مالا أقضي به ديني لا بأس حي حاضر أمامك أو تكلمه عن طريق الهاتف أو الجوال أو ترسل له رسالة هذا حي حاضر لكن تأتي إلى ميت ليقضي حاجتك هذا شرك أو غائب لا يمكن أن يصل إليه الطلب هذا لا يجوز.
يقول المؤلف " بعد مماتهم و في تغيبهم أو يرجوهم كما يرجو الله أو يخافهم كما يخاف الله فهذا مشرك مبتدع و إذا نهي عن ذلك فقال هذا تنقص زاد ضلالة " إذا نهيته عن الشرك قلت يا فلان لا تدعو الأموات لا تسجد لهم لا تدعوهم من دون الله قال أنت تتنقص في الصالحين ما تعطيهم حقهم هذا القول يزيده ضلالة و لهذا قال " و إذا نهي عن ذلك فقال هذا تنقص زاد ضلالة.
قال تعالى وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ " بين الله تعالى أن الطاعة تكون لله و رسوله و أما من أطاع غير الله و غير الرسول فيما يخالف الشرع هذا ضلال فالطاعة لله و للرسول و الخشية و التقوى تكون لله و لذلك قال وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ فالطاعة تكون لله و لرسوله أطع الله و أطع الرسول و الخشية لا يخشى الرسول الخشية خاصة بالله و التقوى كذلك لا تتقي الرسول اتق الله التقوى من حقوق الله , الله له حق و الرسول ﷺ له حق الحقوق الخاصة بالله كالعبادة لا يشاركه فيها الرسول و لا غيره عليه الصلاة و السلام فالله تعالى حق العبادة كالدعاء و الذبح و النذر و الخوف و الرجاء و التوكل و الرغبة و الرهبة هذه أنواع العبادة حق الله خاصة بالله لا نصرفها إلى الرسول و لا إلى غيره فإذا صرفت إلى الرسول كان هذا هو الشرك , خشية لا تخشى إلا الله و لا تتقي إلا الله لا تذبح إلا لله لا تنذر إلا لله لا تصلي إلا لله و لا تزكي إلا لله أما الطاعة تكون لله و لرسوله حقوق مشتركة الطاعة تكون لله و للرسول و كذلك الإيتاء وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ يكون من الله و من الرسول و الرغبة تكون لله و الحسب يكون لله " حسبنا الله " خاص بالله و لهذا قال " و قال تعالى وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ و قال وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ هؤلاء هم الفائزون و الطاعة لله و للرسول و الخشية و التقوى خاصة بالله فمن خشي الله و اتقاه و أطاع الله و الرسول هو الفائز حصل الفوز فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ الجملة فيها الحصر.
قال تعالى وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ فجعل الله الخشية والتقوى و الرهبة و الرغبة و التوكل لله وحده " الخشية عبادة تكون لله خاصة و التقوى و التوكل و الخشية و الرغبة لله ما تقول أخشى الله و أخشى الرسول أو أتقي الله و أتقي الرسول أو أتوكل على الله و أتوكل على الرسول أو أرغب إلى الله و إلى الرسول لا هذه عبادة خاصة بالله الخشية و التقوى و التوكل و الرغبة لله وحده أما الرسول فله الطاعة , الطاعة لله و للرسول و لهذا قال المؤلف " فجعل الله الخشية والتقوى و الرهبة و الرغبة و التوكل لله وحده و جعل للرسول أن يطاع مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ
و ليرضوا بما آتاه " و هو أنهم رضوا بما آتاه الله و رسوله يعني ما آتاه من الدين و التحليل و التحريم و التشريع فما أتى به الرسول ﷺ رضوا بما آتاهم الله و رسوله يعني ما جاءهم من الرسول من التحليل و التحريم فالواجب الإيمان بما جاء به الرسول عليه الصلاة و السلام ما أحله الله و أحله الرسول عليه الصلاة و السلام هو الحلال فالطاعة لله و للرسول و الإيتاء يكون لله و للرسول ما أتى به من الحلال و الحرام و أن يرضوا بما آتاه و هو ما حلله.
" فلا يطلب ما حرمه الله بل الحلال ما حلله و الحرام ما حرمه و الدين ما شرعه " الحلال ما أحله الله و الحرام ما حرمه الله و الدين ما شرعه الله و الرسول يحلل و يحرم عن الله بإذن الله هو المبلغ عن الله عليه الصلاة و السلام.
و قال " و يجب أن يكون أحب إلى المسلمين من أنفسهم و أهليهم إلى غير ذلك من حقوقه " يعني يجب أن يكون الرسول عليه الصلاة و السلام يجب أن تكون محبته فوق محبة النفس و الأهل تقدم محبة الرسول عليه الصلاة و السلام على محبة نفسك و أهلك فإن قدمت محبة النفس و الأهل على محبة الرسول فإيمانك ضعيف ناقص و لهذا لما قال عمر للنبي ﷺ يا رسول الله إنك أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال لا يا عمر لا تبلغ المحبة الكاملة حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال إنك لأنت الآن أحب إلي من نفسي فقال الآن يا عمر الآن بلغت المحبة و الإيمان الواجب.
و لهذا قال " و يجب أن يكون أحب إلى المسلمين من أنفسهم و أهليهم إلى غير ذلك من حقوقهم و لا يعبد إلا الله و لا يتوكل إلى على الله و لا يرغب إلا إلى الله و لا يخشى و يتقى إلا الله " هذه العبادات حق الله لا يشرك فيه أحد لا نبي و لا ملك العبادة حق الله من دعاء و ذبح و نذر و التوكل خاص بالله تعالى و الرغبة خاصة بالله و الخشية والتقوى و الرغبة خاصة بالله .
( المتن )
ثم قال رحمه الله :
و قد اتفقت أئمة المسلمين على أن من قصد الصلاة في المساجد المبنية على قبور الأنبياء و الصالحين و قصد الدعاء عندها معتقدا أن الصلاة فيها و الدعاء عندها أفضل من الصلاة و الدعاء في المساجد المبنية لله لا على قبر أحد فإنه مخطئ ضال و إن كان كثير من الجهال يرى ذلك من تعظيمهم و كذلك اتفق الأئمة الأربعة و غيرهم على أنه لا يشرع لأحد أن يستلم و يقبل غير الركنين اليمانيين لا قبور الأنبياء و لا صخرة بيت المقدس و لا غير ذلك و لا مقامات الأنبياء كمقام إبراهيم الذي بمكة و المشاهد المبينة على قبور الأنبياء و الصالحين و غير ذلك مما يستلمه و يقبله كثير من الجهال و يرون ذلك من تعظيمها و ذلك ليس بواجب و لا مستحب باتفاق المسلمين و من فعل ذلك معتقدا أنه بر و قربة فهو ضال مبتدع مشابه للنصارى .
( الشرح )
يقول المؤلف " و قد اتفقت أئمة المسلمين على أن من قصد الصلاة في المساجد المبنية على قبور الأنبياء و الصالحين و قصد الدعاء عندها معتقدا أن الصلاة فيها و الدعاء عندها أفضل من الصلاة و الدعاء في المساجد المبنية لله لا على قبر أحد فإنه مخطئ ضال " و هذا باتفاق أئمة الدين أن من قصد الصلاة في المساجد المبنية على قبور الأنبياء و الصالحين و يعتقد أن الصلاة فيها و الدعاء أفضل من الدعاء و الصلاة في المساجد فهذا مخطئ ضال من قصد الصلاة في المساجد المبنية على قبور الأنبياء و الصالحين و قصد الدعاء عندها يعني قصد الصلاة في المساجد هو يصلي لله و يدعو الله لكن يختار المساجد التي فيها القبور عن المساجد التي ليس فيها قبور معتقدا أن الصلاة فيها و الدعاء أفضل من الصلاة و الدعاء في المساجد المبنية لله لا على قبر أحد فهذا مخطئ ضال.
" و إن كان كثير من الجهال يرى ذلك من تعظيمهم " بعض الناس يختار الصلاة في المسجد الذي فيه القبر ليدعو الله عنده يصلي لله في المسجد الذي فيه القبر و يدعو لله في المسجد الذي فيه القبر معتقدا أن الصلاة فيه أفضل من المبنية لله و أن الدعاء عندها أفضل يقول المؤلف هذا مخطئ ضال و إن كان كثير من الجهال يرى ذلك من تعظيمهم من تعظيم الصالحين أن يصلي في المسجد الذي بني على قبره و أدعو الله عنده هذا مخطئ ضال.
و المؤلف الآن ذكر أنه مخطئ و أنه ضال و أن هذا من جهله لكن ما حكم الصلاة في المسجد الذي فيه القبر ؟ جاء في معظم الأحاديث أن الصلاة لا تصح في المسجد الذي به قبر لقول النبي ﷺ لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك و النهي يقتضي الفساد فلا تصح الصلاة في المسجد الذي فيه قبر و لا تصح الصلاة في المقبرة نهى النبي ﷺ عن الصلاة في المقبرة و جاء في الأحاديث النهي عن الصلاة في المقبرة فالصلاة في المساجد التي فيها القبور لا تصح و من اعتقد أن الصلاة في المساجد التي فيها القبور أفضل من الصلاة في المساجد المبنية لله فهذا من جهله و ضلاله يقول المؤلف هذا مخطئ ضال و إذا كان يرى أن هذا من تعظيمهم من تعظيم الأنبياء و الصالحين أن أصلي في المسجد الذي فيه قبر هذا من جهله و ضلاله.
و يقول المؤلف " و كذلك اتفق الأئمة الأربعة و غيرهم على أنه لا يشرع لأحد أن يستلم و يقبل غير الركنين اليمانيين لا قبور الأنبياء و لا صخرة بيت المقدس و لا غير ذلك و لا مقامات الأنبياء كمقام إبراهيم الذي بمكة " هذا باتفاق الأئمة الأربعة اتفقوا أنه لا يشرع لأحد أن يستلم و يقبل شيئا غير الركنين اليمانيين في الكعبة الركن اليماني و الركن الأسود في الطواف يستلم و يقبل و أما في غير الطواف فلا يستلم و لا يقبل لا يستلم و لا يقبل في غير الطواف إلا حينما يحرم الإنسان للعمرة أو بالحج ثم يطوف سبعة أشواط ثم يصلي ركعتين ثم يستلم الركن ثم يذهب إلى المسعى فيسعى لكن يستلم الحجر الأسود استلام مستقل من غير طواف هذا ليس مشروعا تدخل المسجد و تستلم حتى تجدون كثيرا من الجهال تجدهم طابورا إذا سلم الإمام يركضون بسرعة لأجل استلام الحجر هذا غير مشروع الحجر يستلم في الطواف في كل مرة تستلمه في الطواف و كذلك في العمرة و الحج و إذا طفت و صليت ركعتين يشرع أن تستلم الركن قبل السعي أما أن تأتي كل وقت و تستلم هذا ليس بعبادة.
و لهذا قال " اتفق الأئمة الأربعة و غيرهم على أنه لا يشرع لأحد أن يستلم و يقبل غير الركنين اليمانيين " يعني أثناء الطواف لا قبور الأنبياء لا تستلم و لا تقبل كما يفعل بعض الناس يستلم و يتمسح مثلا بالحجرة النبوية و يقبل الجدران أو الحديد هذا من جهله و ضلاله " لا قبور الأنبياء و لا صخرة بيت المقدس و لا غير ذلك و لا مقامات الأنبياء كمقام إبراهيم الذي بمكة " كل هذا غير مشروع بل هو من البدع.
قال المؤلف " و المشاهد المبينة على قبور الأنبياء و الصالحين و غير ذلك مما يستلمه و يقبله كثير من الجهال و يرون ذلك من تعظيمها و ذلك ليس بواجب و لا مستحب باتفاق المسلمين " المشاهد المبنية على قبور الأنبياء و الصالحين بعض الجهال يستلمونها يتمسح بها و يقبلها مثل ما يفعلون أمام حجرة النبي ﷺ و يقول أن هذا من التعظيم من تعظيم الأنبياء و الصالحين قال المؤلف هذا من جهلهم و ضلالهم و هذا ليس بواجب و لا مستحب باتفاق المسلمين " و من فعل ذلك معتقدا أنه بر و قربة فهو ضال مبتدع مشابه للنصارى " الذين ابتدعوا في دين الله و غلوا في المسيح .
( المتن )
ثم قال رحمه الله :
و اتفق أيضا أئمة المسلمين على أنه لا يشرع لأحد أن يدعو ميتا و لا غائبا فلا يدعوه و لا يسأله حاجة و لا يقول اغفر ذنبي و انصر ديني و انصرني على أعدائي أو غير ذلك من المسائل و لا يشتكى إليه و لا يجير به كما يفعله النصارى مما يصورون التماثيل على صورته و يقولون مقصدنا دعاء أصحاب التماثيل و الاستشفاع بهم فمثل هذا ليس مشروعا لا واجبا و لا مستحبا في دين المسلمين باتفاق المسلمين و من فعل ذلك معتقدا انه يستحب فهو ضال مبتدع.
بخلاف طلب الدعاء و الشفاعة من النبي ﷺ و الصالحين كما كان أصحابه يطلبون منه الدعاء و يستشفعون به و يتوسلون بدعائه في حياته كما ثبت في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب أنه قال (اللهم إنا أجذبنا فنتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا).
فيسقون و قد ثبت في الصحيحين حديث أنس لما توسلوا بالنبي ﷺ و استشفعوا به و طلبوا منه أن يدعو لهم حين قال الأعرابي جهدت الأنفس و جاع العيال و هلك المال فادع الله لنا فدعا الله لهم فأمطروا سبتا ثم شكوا إليه بهدم الأبنية و انقطاع الطرق فسألوه أن يدعو الله بكشفها عنهم فدعاه فكشفها عنهم.
( الشرح )
يقول المؤلف رحمه الله " و اتفق أيضا أئمة المسلمين على أنه لا يشرع لأحد أن يدعو ميتا و لا غائبا فلا يدعوه و لا يسأله حاجة " لأن هذا من الشرك اتفق أئمة المسلمين على أن هذا غير مشروع بل هو من الشرك أن يدعو الميت و أن يدعو الغائب الذي لا يمكن أن يسمع أما الآن في هذا الزمن وجدت وسائل يمكن أن تدعو الغائب و توصل رسالة إليه وتدعوه ولو كان في أماكن بعيدة لكن في الأزمان السابقة ما كان هناك وسائل هذا في حكم الحاضر كونك تكلمه عن طريق الجوال هذا حاضر يسمعك أو توصله رسالة أو رسالة بالجوال أو عن طريق الفاكس أو غيرها هذا في حكم الحاضر لكن في الأزمنة السابقة الغائب ليس هناك وسيلة إلى إيصاله الخطاب إلا بعد أشهر و بعد مدة فيقول المؤلف " اتفق أئمة المسلمين على أنه لا يشرع لأحد أن يدعو ميتا و لا غائبا " فالميت و الغائب لا يدعى لكن الحاضر يدعى فيما يستطيعه و يقدر عليه " فلا يدعوه و لا يسأله حاجة " يعني الميت الغائب و كذلك الحي الحاضر الشيء الذي لا يقدر عليه لا يدعى به الحاضر لا تقول للحي الحاضر اغفر ذنبي و لا أدخلني الجنة و لا نجني من النار ما يستطيع هذا أو انصرني لكنك تستطيع أن تقول ساعدني أعطني شيئا من المال أعطني شيئا استعين به.
يقول المؤلف " و اتفق أيضا أئمة المسلمين على أنه لا يشرع لأحد أن يدعو ميتا و لا غائبا فلا يدعوه و لا يسأله حاجة فلا يقول اغفر ذنبي و انصر ديني و انصرني على اعدائي أو غير ذلك من المسائل " لأنه لا يقدر عليها إلا الله قال الله تعالى وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ فلا يقول للميت اغفر ذنبي و لا يقول للغائب كذلك و لا للحي الحاضر اغفر ذنبي الذنب لا يغفره إلا الله إلا في حقوق الآدميين فيما بينك و بين الآدميين تقول أنا أخطأت في حقك سامحني لا بأس فلا يقول اغفر ذنبي و لا يقول انصر ديني الله تعالى هو الذي ينصر الدين الله هو من ينصر دينك فلا تقول لشخص انصر ديني إلا من جهة أنك تأمره بأن يدعو إلى الله و يجتهد في نصر دين الله فيما شرعه الله و لا تقول انصرني على عدوي الذي ينصر هو الله و الذي ينصر الدين هو الله لكن أنت أيها المسلم مأمور بفعل الأسباب تدعو إلى الله و تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر هذا نصر لدين الله و الله تعالى هو الذي ينصر دينه بالأسباب التي يقوم بها المؤمنون فالله تعالى هو الذي وفقهم هداهم و نصر بهم دينه فلا تقول للميت و لا للغائب اغفر ذنبي أو انصر ديني أو انصرني على عدوي أو غير ذلك من المسائل " و لا يشتكي إليه " يعني للميت و الغائب الذي لا يسمع تشتكي إلى الميت الحال تشكي إليه حالك " و لا يستجير به " بالميت لأنه لا يستطيع ذلك فهذا شرك " كما يفعله النصارى مما يصورون التماثيل على صورته و يقولون مقصدنا دعاء أصحاب التماثيل و الاستشفاع بهم " هذا فعل النصارى يصورون التماثيل و يقولون مقصدنا الدعاء أصحاب التماثيل و الاستشفاع بهم.
قال المؤلف " فمثل هذا ليس مشروعا لا واجبا و لا مستحبا في دين المسلمين باتفاق المسلمين و من فعل ذلك معتقدا أنه يستحب فهو ضال مبتدع " من فعل ذلك قال اغفر ذنبي أو انصر ديني أو انصرني على عدوي أو صور التماثيل و قال مقصده دعاؤها فهذا ضال مبتدع و هذا شرك و ردة و كفر و العياذ بالله.
قال المؤلف " بخلاف طلب الدعاء و الشفاعة من النبي ﷺ من الصالحين " كطلب الشفاعة من الحي الحاضر ليس شركا جائز فالصحابة كانوا يطلبون من النبي ﷺ أن يدعو لهم في حياته و هم يؤمنون هذه شفاعة و كذلك إذا شخص يقول يا فلان ادع الله و أنت تأمن على دعائه لا بأس " بخلاف طلب الدعاء و الشفاعة من النبي ﷺ من الصالحين كما كان أصحابه يطلبون منه الدعاء و يستشفعون به و يتوسلون بدعائه في حياته " يقولون له أن يدعو و يتوسلون بدعائه في حياته " كما ثبت في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب أنه قال ( اللهم إنا أجذبنا فنتوسل إليك بنبينا فتسقينا و إنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ) قال قم يا عباس ادع الله فيقوم العباس يدعو و هم يؤمنون هذا معنى التوسل بالصالحين التوسل بدعائهم الأحياء الحاضرين أما الميت لا يتوسل به و الغائب لا يتوسل به.
قال المؤلف رحمه الله " و قد ثبت في الصحيحين حديث أنس لما توسلوا بالنبي ﷺ و استشفعوا به و طلبوا منه أن يدعو لهم حين قال الأعرابي : جهدت الأنفس و جاع العيال و هلك المال فادع الله لنا فدعا الله لهم فأمطروا سبتا ثم شكوا إليه بهدم الأبنية و انقطاع الطرق فسألوه أن يدعو الله بكشفها عنهم فدعاه فكشفها عنهم " حديث أنس في الاستسقاء هذا ثابت في صحيح البخاري في قصة أنس أن النبي ﷺ كان يخطب الجمعة فدخل رجل فقال : يا رسول الله جهدت الأنفس و جاع العيال و هلك المال و انقطعت السبل و خزنت البهائم فادع الله أن يسقينا فرفع النبي ﷺ يديه و قال اللهم اسقنا اللهم أغثنا في خطبة الجمعة و الناس يؤمنون فاستجاب الله دعاء نبيه في الحال قال أنس : فو الله ما أرى في السماء سحابا و لا قزعة فصارت سحابة مثل الترس من قبل المدينة و أبرقت و أمطرت في الحال و النبي ﷺ يخطب و استمر المطر و خرج الناس من المسجد كل تهمه نفسه إلى بيته و استمر المطر أسبوعا كاملا مستمرا سبتا لو قال سبتا يعني أسبوع حتى يأتي الجمعة الثانية و النبي ﷺ يخطب فدخل ذلك الرجل أو غيره فقال يا رسول الله : هلكت الأنفس و تهدمت الأبنية و انقطع الطرق فادع الله و اسأل الله أن يرفع عنا المطر فرفع النبي ﷺ يديه و قال اللهم حولينا ولا علينا اللهم على الآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر فانقشعت السحب و طلعت الشمس و صارت السحب حول المدينة تمطر و لا ينزل على المدينة شيء صارت المدينة كالجوب يعني كأنها دائرة حول المدينة لا يأتيها المطر و المطر من حوليها استجابة لدعاء نبيه فاستجاب الله دعاء نبيه في الحالين في الاستسقاء و الاستصحاء في الجمعة الأولى استسقى فأمطروا في الحال و في الجمعة الثانية استصحى فاصحت فصارت المدينة كالجوبة دائرة لا يأتيها المطر هذا توسل , توسل الناس بدعاء النبي ﷺ يدعو و هم يؤمنون و هو حي حاضر لكن بعد موته لم يأت إليه الصحابة بعد موته إذا أصابهم الجذب يستسقون بالعباس عم النبي ﷺ يدعو و هم يؤمنون فدل على أنهم يستسقون بأي شيء ؟ بدعائه لا بذاته يتوسلون بدعائه لا بذاته لو كانوا يتوسلون بذات النبي ﷺ لتوسلوا بذاته بعد موته ذاته موجودة فلما عدلوا إلى عمه العباس دل على أنهم إنما يتوسلون بدعائه لا بذاته .
( المتن )
ثم قال :
و كذلك يوم القيامة يتوسل بأهل الموقف و يستشفعون به فيشفع لهم إلى ربه أن يقضي بينهم ثم يشفع شفاعة أخرى لأهل الكبائر من أمته و يشفع كي يخرج الله من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان كما استفاضت بذلك الأحاديث الصحيحة.
و لما مات النبي ﷺ توسلوا بدعاء العباس عمه و لم يتوسلوا به بعد موته فإنه إنما كان توسلهم بدعائه في حياته و ذلك ينقطع بموته فتوسلوا بدعاء العباس.
و كذلك معاوية بن أبي سفيان استشفع في الشامي و توسل بيزيد بن أسود الجرشي و قال ( اللهم إنا نتوسل إليك بخيارنا ) يا يزيد ارفع يديك فرفع يديه فدعا و دعا الناس حتى نزل المطر.
و لهذا قال الفقهاء يستحب الاستسقاء بأهل الصلاح و الدين و الأولى أن يكونوا من أهل بيت رسول الله ﷺ اقتداء بعمر لما استسقى بالعباس و لو كان توسلهم في حياته إقساما بهم على الله و توسلا بذاته من غير أن يدعو لهم لأمكن ذلك بعد مماته و لكان توسل به أولى من توسل بالعباس و لكن إنما كان يتوسلون بدعائه كما ثبت ذلك في الصحاح أنهم توسلوا في الاستسقاء بدعائه.
و في صحيح البخاري عن عمر قال : ربما ذكرت قول الشاعر:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه | ثمال اليتامى عصمة للأرامل |
و لم يقل أحد من المسلمين أنهم كانوا في حياته يقسمون به و يتوسلون بذاته بل حديث الأعمى الذي رواه أحمد و النسائي و ابن ماجة و الترمذي و غيرهم ألفاظه صريحة بأن الأعمى إنما توسل بدعاء النبي ﷺ كما قد بسطت ألفاظه في موضع آخر .
( الشرح )
يقول المؤلف رحمه الله " و كذلك يوم القيامة " إذا بعث الله الناس و وقفوا بين يدي الله للحساب و دنت الشمس من الغروب اشتد على الناس الكرب فيتوسل أهل الموقف بالنبي ﷺ كما في الحديث الصحيح الطويل أنهم يأتون آدم فيعتذر يطلبون أن يسأل الله أن يقضي بينهم فيقول إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ثم يرشدهم إلى الذهاب إلى نوح فيعتذر نوح فيقول لهم اذهبوا إلى إبراهيم فيعتذر ثم إلى موسى فيعتذر ثم إلى عيسى فيعتذر حتى يصلوا إلى النبي ﷺ فيقول أنا لها أنا لها فالناس يتوسلون بأي شيء أهل الموقف ؟ بدعائه " ادع ربك أن يقضي بيننا " ادع الله , حي حاضر.
و لذلك قال " و كذلك يوم القيامة يتوسل بأهل الموقف و يستشفعون به " يعني بدعائه " فيشفع لهم إلى ربه أن يقضي بينهم " الناس اشتد عليهم الكرب فيذهبون إلى الأنبياء يطلبون منهم أن يشفعوا لهم إلى الله حتى يقضي بينهم و يرحهم من هذا الموقف يأتون آدم ثم نوحا ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم نبينا ﷺ فهم يتوسلون به لأنه حي حاضر لكن ما توسلوا به بعد موته فيشفع لهم إلى ربه أن يقضي بينهم.
"ثم يشفع شفاعة أخرى لأهل الكبائر من أمته " فيخرجون من النار , أهل الكبائر الشفاعة في قوم أن لا يدخلوا النار من أهل الكبائر و فيمن دخلها أن يخرجوا منها.
قال " و يشفع كي يخرج الله من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان كما استفاضت بذلك الأحاديث الصحيحة " الأحاديث الصحيحة كثيرة في هذا ( 2:59:40 ) فهذه شفاعة من حي حاضر أما بعد موته فلم يأتوا إليه.
قال و لما مات عليه الصلاة و السلام هل جاء الصحابة إلى قبره ؟ و قالوا نتوسل إليك يا رسول الله ؟ لا " لما مات النبي ﷺ توسلوا بدعاء العباس عمه و لم يتوسلوا به بعد موته " لأنه لو كان التوسل بذاته فذاته موجودة فلما عدلوا إلى التوسل بالعباس دل على أن التوسل بدعائه قال " فإنه إنما كان توسلهم بدعائه في حياته و ذلك ينقطع بموته فتوسلوا بدعاء العباس .
و كذلك معاوية بن أبي سفيان " في خلافته " استشفع في الشامي و توسل بيزيد بن الأسود الجرشي " يعني بدعائه " و قال ( اللهم إنا نتوسل إليك بخيارنا ) يا يزيد ارفع يديك فرفع يديه فدعا و دعا الناس حتى نزل المطر ".
قال المؤلف " و لهذا قال الفقهاء يستحب الاستسقاء بأهل الصلاح و الدين و الأولى أن يكونوا من أهل بيت رسول الله ﷺ اقتداء بعمر لما استسقى بالعباس " الفقهاء يقولون يستحب الاستسقاء بأهل الصلاح و الدين ما معنى الاستسقاء بأهل الصلاح و الدين ؟ يعني بدعائهم يستحب للمسلمين أن يقدموا أهل الصلاح و الدين ليدعون الله و الناس يؤمنوا و لهذا قال الفقهاء " يستحب الاستسقاء بأهل الصلاح و الدين " يعني الاستسقاء بدعائهم بطلب السقيا يؤتى لأهل الصلاح و الدين و يدعون الله أن يسقينا و أن يغيثنا فهم يدعون أهل الصلاح و الدين و الناس يؤمنون هذا الاستسقاء بهم الاستسقاء بدعائهم يعني التوسل بدعائهم و الأولى أن يكونوا من أهل بيت الرسول عليه الصلاة و السلام إن كانوا من أهل الصلاح و الدين من أهل بيت الرسول فهم أولى و الأولى أن يكونوا من أهل بيت الرسول اقتداءا بعمر لما استسقى بالعباس يعني بدعاء العباس.
قال " و لو كان توسلهم في حياته هو إقسام بهم على الله و توسلا بذاته من غير أن يدعو لهم لأمكن ذلك بعد مماته و لكان توسل به أولى من توسل بالعباس و لكن إنما كان يتوسلون بدعائه كما ثبت ذلك في الصحاح أنهم توسلوا في الاستسقاء بدعائه " إذا لو كان توسل الصحابة بذاته لتوسلوا به بعد موته ذاته موجودة فلو كان إقسام على الله و توسل بذاته من غير دعاء لأمكن ذلك بعد موته يذهبون إلى قبره و يتوسلون به فلما عدلوا عن النبي ﷺ إلى العباس دل على أن هذا أمر لا يمكن بعد موته لأنه توسل بالدعاء و لو كان توسلهم به لو كان التوسل بالذات لكان توسلهم بالنبي ﷺ أولى من توسلهم بالعباس و لكن إنما كانوا يتوسلون بدعائه كما ثبت ذلك في الصحاح أنهم توسلوا به في الاستسقاء بدعائه عليه الصلاة و السلام كما ثبت في صحيح البخاري و الله أعلم و صلى الله و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم .