شعار الموقع

شرح قاعدة في الوسيلة لابن تيمية (4) من قوله: "وفي صحيح البخاري عن ابن عمر قال: ربما ذكرت قول الشاعر...". إلى قوله: "وقد قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت...".

00:00
00:00
تحميل
161

( المتن )

بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم على أشرف الأنبياء و المرسلين تسليما كثيرا , قال الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله تعالى عليه :

و في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ربما ذكرت قول الشاعر :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل

و لم يقل أحد من المسلمين أنهم كانوا في حياته يقسمون به و يتوسلون بذاته بل حديث الأعمى الذي رواه أحمد و النسائي و ابن ماجة و الترمذي و غيرهم ألفاظه صريحة بأن الأعمى إنما توسل بدعاء النبي ﷺ

( الشرح )

بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله رب العالمين و أصلي و أسلم على أشرف الأنبياء و المرسلين نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم أما بعد :

فالمؤلف رحمه الله يبين في هذا المبحث أن التوسل بالحي إنما يكون بدعائه و شفاعته لا بذاته يسأله بالله به فإن التوسل بذات بالشخص أو بحرمة الشخص أو بجاه الشخص من البدع التي لم يدل عليها دليل لا من الكتاب و لا من السنة و لكن دلت الأدلة على أنه يتوسل بدعاء الحي الحاضر و شفاعته هو يدعو و أنت تؤمن.

و لذلك كان الصحابة يتوسلون بالنبي ﷺ في حياته يعني بدعائه و شفاعته فإذا قحطوا و تأخر المطر طلبوا من النبي ﷺ أن يستسقي لهم فيدعو و هم يؤمنون و لم يكونوا يتوسلون بذاته أو بحرمته أو بجاهه و إنما يتوسلون بدعائه و شفاعته فالتوسل بدعاء الحي الحاضر مشروع هو يدعو و أنت تؤمن.

و لهذا قال الفقهاء و العلماء يستحب الاستسقاء بأهل الصلاح و الدين و الأولى أن يكونوا من أهل بيت رسول الله ﷺ.

و لهذا لما توفي النبي ﷺ و قحطوا في زمن عمر استسقى بالعباس عم النبي ﷺ بعنى أنه أمر العباس أن يدعو و أن يسأل ربه أن يغيثهم و يسقيهم المطر و هم يؤمنون فاستسقى عمر بالعباس لأنه عم النبي ﷺ و يستسقى بأهل الدين و الصلاح و إذا كانوا من أهل بيت النبي ﷺ فهو أولى من غيرهم لقربهم من النبي ﷺ.

و لهذا استسقى عمر بالعباس و لم يكونوا يستسقون بذات النبي ﷺ.

و لهذا قال المؤلف " و لو كان توسلهم في حياته هو إقسام به على الله و توسل بذاته من غير أن يدعو لهم لأمكن ذلك بعد مماته و لكان توسلهم به أولى من توسلهم بالعباس " لو كان الصحابة توسلهم بذات النبي ﷺ في حياته لما عدلوا إلى العباس في زمن عمر  فتوسلوا بالنبي ﷺ بعد موته لأن  ذاته الشريفة موجودة في قبره و حرم الله تعالى على دودة الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء فجسده طري عليه الصلاة و السلام لا تأكل الأرض أجساد الأنبياء فلو كانوا يتوسلون بذات العباس لتوسلوا بذات النبي ﷺ لأن ذات النبي ﷺ أوجه و أوجه فلما عدل الصحابة و هم أعلم الناس و أفضل الناس و أعلم الناس بسنة النبي ﷺ لما عدلوا عن التوسل بالنبي ﷺ بعد مماته إلى العباس دل على أنهم لا يتوسلون بذاته و إلا لأمكن أن يتوسلوا بذاته بعد مماته فدل على أنهم إنما يتوسلون بدعائه لا بذاته و لا بالإقسام على الله به كما ثبت ذلك في الصحاح أنهم توسلوا في الاستسقاء بدعائه.

قال المؤلف رحمه الله " و في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ربما ذكرت قول الشاعر :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل

هنا يصف الرسول عليه الصلاة و السلام و هذه القصيدة لأبي طالب تسمى اللامية قصيدة طويلة و منها قوله كما ذكر المحقق :

ولما رأيت القوم لا ود عندهم وقد قطعوا كل العرى والوسائل

                        

و قال فيها :

فو الله لولا أن أجيء بسبة تجر على أشياخنا في المحافل
لكنا اتبعناه على كل حالة إلى الدهر جدا غير قول التهازل
لقد علموا أن ابننا لا مكذب لديهم ولا يعني بقول الأباطل

يعني الرسول ﷺ و قال " و أبيض " يعني الرسول " يستسقى الغمام بوجهه " و هذا هو الشاهد يستسقى الغمام المطر بوجهه يعني بدعائه يستسقى الغمام بوجهه فالاستسقاء إنما يكون بالحي الحاضر لا بالميت و لا بالغائب و لا بذات الحاضر و إنما يستسقى بدعائه " و أبيض يستسقى الغمام بوجهه " هذا قول أبي طالب في عهد الرسول عليه الصلاة و السلام " ثمال اليتامى عصمة للأرامل " هذا وصفه عليه الصلاة و السلام كما وصفته خديجة في يوم البعثة لما جاءه الملك و رعب منه فذهب إلى خديجة خائفا وجلا فقالت كلا و الله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم و تقري الضيف و تحمل الكل وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق و هنا وصفه أبو طالب فقال " ثمال اليتامى عصمة للأرامل " يعني يعطف على اليتامى و يحسن إليهم و يمسح رؤوسهم و يقربهم و كذلك الأرامل و المساكين هذا خلقه و هذا وصفه عليه الصلاة و السلام. و الشاهد هنا    " أبيض يستسقى الغمام بوجهه ".

قال المؤلف رحمه الله " و لم يقل أحد من المسلمين أنهم كانوا في حياته يقسمون به و يتوسلون بذاته " أبدا و إنما كانوا يتوسلون بدعائه و شفاعته "  بل حديث الأعمى الذي رواه أحمد و النسائي و ابن ماجة و الترمذي و غيرهم ألفاظه صريحة بأن الأعمى إنما توسل بدعاء النبي ﷺ كما وصف ألفاظه في مواضع أخر " بسط حديث الأعمى في " قاعدة في التوسل و الوسيلة " و هو كتاب أكبر من هذا.

قال المؤلف " و في أول الحديث أن الأعمى سأل النبي ﷺ أن يدعو الله أن يرد إليه بصره فهو طلب من النبي ﷺ الدعاء فأمره أن يتوضأ و يصلي ركعتين و يقول اللهم إني أسألك و أتوسل إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد يا رسول الله إني أتوسل بك إلى ربي في حاجتي تقضيها اللهم فشفعه في و في رواية ثانية رواها أحمد و البيهقي و غيرهما اللهم شفعه في و شفعني فيه " شفعه في يعني اقبل دعاءه و شفعني فيه اقبل دعائي في أن تقبل دعائه.

 حديث الأعمى كما قال المؤلف رحمه الله رواه أحمد و النسائي و ابن ماجة و الترمذي و غيرهم و هو حديث صحيح ثابت و قد ذكر المؤلف رحمه الله في أول الرسالة قال ابن العز بن عبد السلام قال " إن صح حديث الأعمى " فيجوز الإقسام على النبي ﷺ و سيجيب المؤلف عن هذا و حديث الأعمى صحيح لكن حديث الأعمى ليس فيه أن الأعمى توسل بذات النبي ﷺ و إنما توسل بدعائه مثل ما كان يفعل الصحابة , و ذلك أن رجلا أعمى جاء إلى النبي ﷺ و قال يا رسول الله ادع الله أن يرد إلي بصري فقال إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله لك فقال فادعه فقال فأت الميضئة وتوضأ وقل كما جاء في الحديث اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد يا رسول الله إني أتوسل بك إلى ربي في حاجتي تقضيها اللهم فشفعه في الأعمى لما طلب من النبي ﷺ أن يدعو الله له طلب من النبي ﷺ أن يدعو الله له فتوسل الأعمى بالنبي ﷺ قال اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك في حاجتي تقضيها أن تقضيها لي اللهم فشفعه في يعني فاقبل دعاءه و في رواية ثانية رواها أحمد و البيهقي و غيرهما اللهم شفعه في وشفعني فيه اللهم شفعه في يعني أجب دعاءه وشفعني فيه أجب دعائي في أن تجيب دعاءه.

( المتن )

و في الحديث أن الأعمى سأل النبي ﷺ أن يدعو الله أن يرد إليه بصره فهو طلب من النبي ﷺ الدعاء فأمره النبي ﷺ أن يتوضأ  ويصلي ركعتين و يقول اللهم إني أسألك و أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد يا رسول الله إني أتوسل بك إلى ربي في حاجتي تقضيها اللهم فشفعه في وفي رواية ثانية رواها أحمد والبيهقي و غيرهما اللهم شفعه في وشفعني فيه فلما سأل النبي ﷺ أن يدعو أمره أن يدعو أيضا كما قال ربيعة بن كعب الأسلمي: أسألك مرافقتك في الجنة. فقال أعني على نفسك بكثرة السجود فإن شفاعة النبي ﷺ و سؤاله الإنسان قد يكون مشروطا بشروط و قد يكون هناك مانع كاستغفاره للمنافقين فدعاؤه من أعظم الأسباب في حصول المطلوب و لكن قد يكون له شروط و موانع فإذا كان إبراهيم قد استغفر لأبيه فلم يغفر له و قيل للنبي ﷺ في المنافقين سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ و قيل له وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ لم يمنع ذلك أن يكون دعاء إبراهيم و محمد عند الله أعظم الدعاء إجابة و جاههم عند الله أعظم جاه للمخلوقين و هم الخليلان و هما أفضل البرية لكن الدعاء إن كان سببا قويا فالكفر مانع معارض فإن الله لا يغفر أن يشرك به و قد حرم الجنة عن الكافرين و المنافقين و إن استغفر لهم محمد و إبراهيم لوجود المانع لا لتنقص جاه الشفيع العظيم القدر .

( الشرح )

الأعمى لما سأل النبي ﷺ أن يدعو له أمره أن يدعو هو أيضا فالرسول ﷺ يدعو الله أن يرد بصره و الأعمى يدعو ربه أن يشفع فيه نبيه و لهذا قال " فلما سأل النبي ﷺ أن يدعو أمره أن يدعو أيضا كما قال ربيعة بن كعب الأسلمي أسألك مرافقتك في الجنة. فقال أعني على نفسك بكثرة السجود ".

هذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه في حديث ربيعة  قال: كنت أبيت مع رسول الله ﷺ فأتيته بوضوئه و حاجته فقال لي سل فقلت أسألك مرافقتك في الجنة أنظر همة عالية ربيعة قال أو غير ذلك قلت : هو ذاك فقال أعني على نفسك بكثرة السجود.

 المؤلف يقول شفاعة النبي ﷺ و سؤاله للإنسان قد يكون مشروطا بشروط و قد يكون هناك مانع.

 المثال الأول سؤال ربيعة سأل النبي ﷺ أن يسأل الله أن يجعله مرافقا له في الجنة و هذا مشروط بشرط فقال أعني على نفسك بكثرة السجود فصار مشروطا بشرط يعني النبي ﷺ يقول سأسأل لك و سأشفع عند الله لكن بشرط كثرة السجود أن تعينني على نفسك بكثرة السجود فإذا وجد الشرط وجد المشروط و إذا لم يوجد لم يوجد فإذا أعانه بكثرة السجود دعا له النبي ﷺ و أجاب الله دعاءه و إن لم يعنه فلا و هذا شرط قد يكون له مانع فدعاء النبي ﷺ سبب في الإجابة و هو أعظم الأسباب لكن هذا السبب مشروط بشرط و هو كثرة السجود.

و قد يكون السبب له مانع فلا يحصل مثل دعاء النبي ﷺ للمنافقين و سؤال الله لهم و استغفاره لعبد الله بن أبي رئيس المنافقين ما أجيب دعاءه عليه الصلاة و السلام لماذا ؟ لوجود مانع قوي و هو الكفر فهؤلاء كفار و الكفر مانع كما أن إبراهيم عليه السلام دعا الله لأبيه و لم يجب الله دعاءه لأن أباه كافر و الكفر مانع.

و لهذا قال المؤلف " و قد يكون هناك مانع كاستغفاره للمنافقين فدعاؤه " الرسول ﷺ " من أعظم الأسباب في حصول المطلوب و لكن السبب قد يكون له شروط و موانع فإذا كان إبراهيم قد استغفر لأبيه و لم يغفر له و قيل للنبي ﷺ في المنافقين سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ و قيل له وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ لم يمنع ذلك أن يكون دعاء إبراهيم و محمد عند الله أعظم الدعاء إجابة و جاههم عند الله أعظم جاه للمخلوقين و هم الخليلان و هما أفضل البرية " البرية الخلق " لكن الدعاء إن كان سببا قويا " يعني دعاء إبراهيم و دعاء محمد عليهما الصلاة و السلام سبب قوي و الله يجيب دعاءهما و لكن وجد مانع و هذا المانع هو الكفر " فالكفر مانع معارض فإن الله لا يغفر أن يشرك به و قد حرم الجنة على الكافرين و المنافقين و إن استغفر لهم محمد و إبراهيم لوجود المانع لا لتنقص جاه الشفيع العظيم القدر عن الله تعالى فالله ربط السبب بالمسببات و كل شيء في الوجود لا يحصل به المطلوب وحده بل لا بد من أسباب أخرى تعينه و لا بد من موانع تزال.

 فمثلا السلاح سبب في أي شيء ؟ سبب في حصول المطلوب و هو القتل المجاهد حينما يجاهد يأخذ السلاح و السلاح سبب في هزيمة الكفار و قتلهم لكن هذا السلاح لا بد له من أسباب مساعدة و هو أن يكون بيد و تكون اليد قوية و لابد أن يزال المانع و هو الشيء الذي يضرب به السلاح فإذا لم توجد الأسباب الأخرى فالسلاح هذا سبب لكن لا بد من أسباب أخرى يأخذه شخص و تكون يده قوية أما إذا كانت يده ليست قوية و عنده خوف و وجل رعديد يسقط السلاح من يده و يأخذه عدوه و كذلك لا بد أن يكون السبب لا يوجد له مانع فإذا كان السلاح تضرب فيه الحديد ما يفيد لوجود المانع , إذا وجدت الأسباب الأخرى و انتفت الموانع حصل.

فكذلك الآن الرسول عليه الصلاة و السلام و إبراهيم دعاؤهما سبب قوي في الإجابة لكن لا بد من وجود شروط أخرى من الشروط مثلا قول النبي ﷺ لربيعة أعني على نفسك بكثرة السجود و من الموانع أن ينتفي الكفر فإن الكفر مانع و لهذا فإن إبراهيم عليه السلام دعا لأبيه و لم يستجب دعاؤه و نوح كذلك دعا ربه قال رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي فقال له إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ لأنه كافر و محمد عليه الصلاة و السلام استغفر لعمه أبو طالب لما حضرته الوفاة كان يحميه و يذوده و يدافع عنه و حرص على هدايته عند الموت و لم يقدر له الهداية و مات على الشرك و أبى أن يقول لا إله إلا الله فحزن النبي ﷺ عليه و قال لأستغفرن لك ما لم أنه عنك و دعا له فنهاه الله و أنزل مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ  و نهى عن الصلاة على المشركين فقال وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ

( المتن )

ثم قال رحمه الله :

و كذلك ثبت عنه في الصحيح أنه قال استأذنت ربي في أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي وقد قال الله تعالى مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ثم اعتذر عن إبراهيم بقوله وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ فهو ﷺ قال لربيعة  سل قال أسأل مرافقتك في الجنة فقال أو غير ذلك قال بل هو ذاك فقال أعني على نفسك بكثرة السجود فإن المطلوب عال لا ينال بمجرد الدعاء بل لا بد من عمل صالح يكون من صاحبه يكون عون للداعي فقال أعني على نفسك بكثرة السجود كذلك أمر الأعمى لما طلب منه الدعاء له أن يعينه هو أيضا بصلاته و دعائه و قال صل ركعتين ثم قل : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة أي بدعاء نبيك و شفاعته كما قال عمر: كنا نتوسل إليك بنبينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا.

( الشرح )

يقول المؤلف " و كذلك ثبت عنه في الصحيح أنه قال استأذنت ربي في أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي " الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة فيه أن النبي ﷺ زار أمه و هو في طريقه فبكى و أبكى من حوله و قال استأذنت ربي في أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي لأنها ماتت على دين قومها في الجاهلية ماتت على دين قومها ماتت و النبي ﷺ صغير ما أدركت الإسلام و أهل الجاهلية أمرهم إلى الله و أما والد النبي ﷺ فثبت في صحيح البخاري أن رجلا قال : أين أبي فقال في النار فلما تولى دعاه فقال إن أبي و أباك في النار و هذا دليل على أن والده عليه الصلاة و السلام بلغته الدعوة و لهذا قال إنه في النار و أما أمه فلم يأذن الله له أن يستغفر لها لأنها ماتت على دين قومها في الجاهلية فأمرها إلى الله لكنه أذن له بالزيارة فالزيارة تجوز لغير المسلم يجوز أن تزور غير المسلم الكافر فيرق قلبك و تتذكر الآخرة و لكن لا تدعو له فأما المسلم فإنك تزوره و تدعو له فزيارة الكافر فيها تذكر الآخرة و الرقة في القلب فقط فيها منفعة للحي و زيارة المؤمن فيها منفعة للحي و للميت منفعة للحي في أن يتذكر الآخرة و يرق قلبه و منفعة للميت بأن يدعو له الزائر.

قال الله تعالى مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ هذه نزلت في أبي طالب لما استغفر له النبي ﷺ نهاه الله ثم اعتذر عن إبراهيم بقوله إبراهيم استغفر لأبيه و هو كافر فبين الله عذره , عذره أنه لم يتبين له أنه عدو لله دعا له و استغفر له قبل أن يتبين الله أنه عدو لله فلما تبين له ترك الدعاء و لهذا قال تعالى ثم اعتذر عن إبراهيم في قوله وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ  فهو ﷺ قال لربيعة سل قال أسأل مرافقتك في الجنة فقال أو غير ذلك قال بل هو ذاك فقال أعني على نفسك بكثرة السجود.

قال المؤلف " فإن المطلوب عال لا ينال بمجرد الدعاء " المطلوب مرافقة النبي ﷺ في الجنة و هو أمر عال أمر شريف الرسول ﷺ منزلته عالية منزلته الوسيلة و هي أعلى بيت و أعلى درجة في الجنة و ربيعة سأل مرافقته هذا أمر عظيم أمر عال " فإن المطلوب عال لا ينال بمجرد الدعاء بل لا بد من عمل صالح يكون من صاحبه يكون عونا للداع فقال أعني على نفسك بكثرة السجود 

كذلك أمر الأعمى لما طلب منه الدعاء له أن يعينه هو أيضا بصلاته و دعائه " قال صل و ادع أنت " و قال صل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة أي بدعاء نبيك و شفاعته كما قال عمر: كنا نتوسل إليك بنبينا و إنا نتوسل إليك بعم نبينا " يعني   بدعائه.

( المتن )

ثم قال :

و معلوم أنه إنما توسلوا بدعاء العباس.

كما كانوا يتوسلون بدعاء النبي ﷺ و هذا فعله عمر بين المهاجرين والأنصار عام الرمادة و لم ينكره أحد و لم يقل بل التوسل بذات النبي ﷺ و الإقسام به مشروع فلم يعدل عن التوسل بالرسول إلى العباس فلما أقر عمر على ذلك و لم ينكره أحد علم أن ما فعله عمر و أصحابه معه هو المشروع دون ما يخالفه.

 وكذلك كون الأعمى يتوسل بدعائه و شفاعته و يدل على ذلك قوله في آخر الحديث اللهم فشفعه في علم أنه كان يدعو و يشفع له وإنما الأعمى كان يتوسل بدعائه و شفاعته و إلا لكان يقول اللهم إني أتوسل إليك بذات نبيك وهذا شفاعة النبي ﷺ.

 والتوسل بدعائه و شفاعته هو التوسل الذي كان الصحابة يعرفونه و يفعلونه و معنى التوسل به عندهم كما بين ذلك معنى حديث عمر و حديث الأعمى و لكن من الناس من ظن أن المراد بلفظ التوسل به هو التوسل بذاته أو الإقسام بذاته و هذا غلط على الصحابة .

( الشرح )

المؤلف رحمه الله بين أن التوسل إنما يكون بالدعاء و الشفاعة لا بالذات فيقول " و معلوم أنه الصحابة إنما توسلوا بدعاء العباس كما كانوا يتوسلون بدعاء النبي ﷺ " في حياته كانوا يتوسلون بدعاء النبي ﷺ ثم لما توفي عليه الصلاة و السلام توسلوا بدعاء العباس.

قال المؤلف " و هذا فعله عمر بين المهاجرين و الأنصار عام الرمادة " عام الرمادة سنة ثمانية عشرة من الهجرة في خلافة عمر  و هي سنة أصاب الناس فيها جدب و شدة و قحط حتى اسودت الأرض و صار لونها شبه الرماد من قلة المطر فسمي العام بعام الرمادة , استسقى عمر و أمر العباس أن يدعو فدعا الله فسقوا و لم ينكر أحد و لم يقل له لعمر بل التوسل بذات النبي ﷺ و الإقسام به مشروع لو كان التوسل بذات النبي ﷺ لم يعدل عن التوسل بالرسول ﷺ إلى التوسل بالعباس و يقره الصحابة  فلما أقر عمر على ذلك و لم ينكره أحد علم أن ما فعله عمر و أصحابه معه هو المشروع دون ما يخالفه.

 و كذلك أمر الأعمى أن يتوسل بدعائه و شفاعته و يدل على ذلك قوله في آخر الحديث اللهم فشفعه في علم أنه كان يدعو و يشفع له و أنما الأعمى كان يدعو بدعائه و شفاعته و إلا لكان يقول: اللهم إني أتوسل بذات نبيك. والتوسل بدعائه و شفاعته و التوسل الذي كان الصحابة يعرفونه و يفعلونه و هذا هو معنى التوسل عندهم كما في حديث عمر و حديث الأعمى.

قال المؤلف " و لكن من الناس من ظن أن المراد بلفظ التوسل به هو التوسل بذاته أو الإقسام بذاته و هذا غلط على الصحابة  " بعض الناس يظن أن الصحابة كانوا يتوسلون بذات النبي ﷺ و يقسمون على الله بذاته و هذا غلط على الصحابة و أما كلام العلماء في أن ذلك مشروع و غير مشروع سيبين المؤلف رحمه الله كلام العلماء في التوسل بالذات و الإقسام على الله .

( المتن )

و أما كلام العلماء في أن ذلك مشروع أو لا فقد ذكر السائل النقل عن أبي حنيفة و أبي يوسف و غيرهما أن ذلك منهي عنه و ما ذكر عن أبي محمد ابن عبد السلام يوافق ذلك و أما استثناء الرسول ﷺ إن صح حديث الأعمى فهو رحمه الله لم يستحضر الحديث بسياقه حتى يتبين له أنه يناقض ما أفتى به بل ظن أنه يدل على محل السؤال فاستثناه بتقدير صحته والحديث صحيح لكن لا يدل على هذه المسألة كما تقدم .

( الشرح )

المؤلف رحمه الله يبين أن المنقول عن العلماء التوسل بالشفاعة لا التوسل بالذات و أما التوسل بالذات فالعلماء لهم كلام قال " و أما كلام العلماء في أن ذلك مشروع أو لا فقد ذكر السائل النقل عن أبي حنيفة و أبي يوسف و غيرهما أن ذلك منهي عنه " في أول السؤال في أول الرسالة لما نقل قال بشر بن وليد حدثنا أبو يوسف قال قال أبو حنيفة : لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به و أكره أن يقول بمعاقد العز من عرشك أو بحق خلقك و هو قول أبي يوسف قال أبو يوسف : بمعقد العز من عرشك هو الله فلا أكره هذا و أكره أن يقول بحق فلان أو بحق أنبيائك و رسلك و بحق البيت و المشعر الحرام. قال القدوري : المسألة بخلقه لا تجوز.

يقول المؤلف " و أما ما ذكره العلماء في ذلك بأن ذلك مشروع فقد ذكر السائل النقل عن أبي حنيفة و أبي يوسف و غيرها أن ذلك منهي عنه " التوسل بحق فلان بحق أنبيائك بحق رسلك و قال القدوري المسألة بخلقه لا تجوز " و ما ذكر عن أبي محمد ابن عبد السلام يوافق ذلك و أما استثناء الرسول ﷺ إن صح حديث الأعمى فهو رحمه الله لم يستحضر الحديث بسياقه حتى يتبين له أنه لا يناقض ما أفتى به " نقل المؤلف رحمه الله العز ابن عبد السلام في فتاويه قال صورة اللفظ أنه قال لا يجوز التوسل في الدعاء لأحد من الأنبياء و الصالحين إلا برسول الله ﷺ إن صح حديث الأعمى فكأن العز ابن عبد السلام يقول إن صح حديث الأعمى فيجوز التوسل بذات الرسول عليه الصلاة و السلام المؤلف يناقشه في هذا يقول ما ذكره أبو محمد ابن عبد السلام يوافق ذلك يوافق ما نقل عن أبي حنيفة و أبي يوسف يعني العز ابن عبد السلام يوافقهم في أنه لا يجوز التوسل بالذات إلا في النبي ﷺ خاصة إذا صح حديث الأعمى المؤلف اعتذر عنه قال " و أما استثناؤه الرسول إن صح حديث الأعمى فهو رحمه الله لم يستحضر الحديث بسياقه حتى يتبين له أنه لا يناقض ما أفتى به " يقول العز ابن عبد السلام أفتى أنه لا يجوز التوسل بالذات إلا في النبي ﷺ خاصة إذا صح حديث الأعمى يقول المؤلف رحمه الله أن العز ابن عبد السلام لو قرأ الحديث و تأمله لتبين له أن حديث الأعمى فيه توسل بالدعاء لا بالذات و أنه لا يوافق ما قرره لأنه قرر العز ابن عبد السلام أنه لا يجوز التوسل بالذات إلا بالنبي ﷺ خاصة يقول المؤلف حتى النبي ﷺ لا يجوز التوسل بذاته لو قرأت الحديث و تأملته لوجدت أنه يوافق ما أفتيت به و لا يناقضه يقول فهو رحمه الله لم يستحضر الحديث بسياقه حتى يتبين له أنه لا يناقض ما أفتى به بل ظن أنه يدل على محل السؤال قال " فاستثناه بتقدير صحته " فكأن العز ابن عبد السلام يقول أستثني الرسول ﷺ , لا يجوز التوسل بالذات و لا بالشخص و أستثني من ذلك الرسول ﷺ إن صح حديث الأعمى و يقول المؤلف الحديث الصحيح لكن لا يدل على هذا المسألة , نعم الحديث صحيح لكن لا يدل على التوسل بالذات و إنما الحديث فيه التوسل بالشفاعة و الدعاء لا بالذات .

( المتن )

ثم قال :

و أما ما نقله السائل عن القشيري فأجبت أن هذه المسألة لا يدل عليها نفي و لا إثبات و قد ذكر المروذي في منسكه عن الإمام أحمد بن حنبل .

( الشرح )

نقل المؤلف عن القشيري فقال " ما ذكره الشيخ أبو القاسم القشيري في كتابه المسمى " التحبير في علم التذكير " المشتمل على تفسير معاني أسماء الله و صورة اللفظ أنه قال " علم الحق سبحانه أنه ليس لك أسامي مرضية فقال تعالى وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ولئن تكون بأسماء ربك داعيا خير لك من أن تكون بأسماء نفسك مدعيا فإنك إن كنت بك كنت بمن لم يكن " يعني المخلوق لأنه كان عدما " و إذا كنت به " يعني بالله " كنت بمن لم يزل " شتان بين وصف و بين وصف".

قال المؤلف عن ما نقله عن القشيري فأجبت عن هذه المسألة لا يدل عليها نفي و لا إثبات يعني كأن المؤلف أجاب بجواب مجمل ما نقله السائل عن القشيري نقل عنه أنه قال يعني تدعو بأسماء ربك و لا تدعو بأسماء نفسك و قال من عرف اسم ربه عرف اسم نفسه و من صحب اسم ربه تحقق بروح أنسه قبل وصوله إلى دار قدسه بل من عرف اسم ربه سمت رتبته و علت في الدارين منزلته يعني يقول ما نقله السائل عن القشيري أجبت عن هذه المسألة أن هذه المسألة لا يدل عليها نفي و لا إثبات هذا كلام مجمل القشيري يقول ادع الله بأسماء ربك و لا تدعو بأسماء نفسك فهذه المسألة لا يدل عليها نفي و لا إثبات مجمل هذا كلام المؤلف يبين هذا المجمل في رسائله الأخرى .

( المتن )

و قد ذكر المروذي في منسكه عن الإمام أحمد بن حنبل.

( الشرح )

المروذي هذا من أخص أصحاب الإمام أحمد و هو أبو بكر أحمد بن محمد بن الحجاج المروذي و هناك المروزي و كلاهما أبو بكر , أبو بكر المروذي و أبو بكر المروزي و الحنابلة يفرقون بينهما في كتبهم أنه إذا أريد المروذي يقال قال المروذي و إذا أريد المروزي يقولون قال أبو بكر المروزي إذا أرادوا المروزي ذكروا الكنية أبو بكر و إذا أرادوا المروذي حذفوا الكنية لأن المروذي و المروزي تختلف في الكتابة فيها الزاي و الذال فيحصل خطأ فلا تدري أهو المروذي أو المروزي و قد تكتب الذال فتكون زاي كتابة خاطئة و قد تكتب الزاي فتكون ذال قال المروذي يمكن أن تخطأ في النص فتكون زاي فيكون المروزي و قال المروزي قد يصححها بعض الناس فتكون ذال فاصطلح الحنابلة على أن يفرقوا بينهما إذا أريد المروذي حذف أبي بكر و إذا أريد المروزي قالوا أبو بكر و هو من أخص أصحاب الإمام أحمد كان يحبه و يتوسط إليه قيل و هو الذي غمض عيني الإمام أحمد لما توفي و غسله و هو من السبعة الكبار الذين رووا المسائل الكبيرة عن أحمد الذين يعبر عنهم بالجماعة و هم عبد الله و صالح ابنا الإمام و حنبل ابن عمه و إبراهيم الحربي و المروذي و الميموني و أبو طالب حميط و لما مات دفن بجواره هكذا قال المحقق و أحاله على الإنصاف و طبقات الحنابلة الى آخره .

( المتن )

و قد ذكر المروذي في منسكه عن الإمام أحمد بن حنبل أن الداعي المسلم على النبي ﷺ يتوسل به في دعائه فهذا النقل يجعل معارضا لما نقل عن أبي حنيفة و غيره و نقل أيضا عن عثمان بن حنيفة أنه أمر رجلا بعد موت النبي ﷺ أن يدعو بهذا الدعاء لكن لم يقل فيه اللهم فشفعه في وقد تكلمت عن إسناد ذلك و هل هو ثابت أم لا و بسطت الكلام عن ذلك في غير هذا الموضع و بينت أنه بتقدير ثبوته يكون معارضا لما فعله عمر بمحضر من المهاجرين و الأنصار و إذا كانت مسألة نزاع ردت إلى الله و الرسول ﷺ.

( الشرح )

  يقول المؤلف رحمه الله " الصحابة توسلوا بدعاء العباس و لم يتوسلوا بذات النبي ﷺ هذا اتفق عليه الصحابة بمحضر من الصحابة و لكن يعارض هذا نقلان:

النقل الأول عن الإمام أحمد ما ذكره المروذي في منسكه عن الإمام أحمد أن الذي يسلم على النبي ﷺ له أن يتوسل بدعائه فيقول اللهم إني أتوسل إليك بنبيك  معناه أنه توسل بذاته بعد وفاته.

و كذلك أيضا روي عن عثمان حنيفة أنه أمر رجلا بعد موت النبي ﷺ أن يدعو بهذا الدعاء اللهم إني أتوسل إليك بنبيك نبي الرحمة لكن لم يقل فيه اللهم فشفعه في 

المؤلف يقول تكلمت على إسناد ذلك أهو ثابت أم لا و بسطت الكلام عن ذلك في غير هذا الموضع و لعله في " قاعدة في التوسل و الوسيلة ".

يقول المحقق : و الرواية المشار إليها هو ما رواه البيهقي بدلائل النبوة و ما بعدها و عند الطبراني في الصحيح و مع هذا فقد روى روايته أصح منها سندا وفيها اللهم فشفعه في رواه بعض أهل السنن و أحمد و غيره.

 يقول المؤلف رحمه الله تكلمت على إسناد على هذا الإسناد الذي روي عن الإمام أحمد المروذي في منسكه نقل عن الإمام أحمد أن الداعي المسلم على النبي ﷺ له أن يتوسل به بدعائه يعني بذاته و كذلك عثمان بن حنيفة أمر رجلا بعد وفاة النبي ﷺ أن يدعو بهذا الدعاء لكن لم يقل فيه اللهم فشفعه في فكيف الجواب عن ذلك؟

المؤلف يقول تكلمت على إسناد ذلك و هل هو ثابت أم لا و صغت الكلام و بينت أنه بتقدير ثبوته يكون معارضا لما فعله عمر بمحضر من المهاجرين و الأنصار يعني لو ثبتت هذه الرواية ما نقله المروذي عن أحمد رحمه الله أنه يجيز للداعي أن يتوسل بذات النبي عليه الصلاة و السلام و كذلك ثبت عن عثمان بن حنفية أنه أمر رجلا بعد وفاة النبي ﷺ أن يدعو بهذا الدعاء و يتوسل بذاته يقول المؤلف بتقدير ثبوته يكون معارضا لما فعله عمر بمحضر من الصحابة و الأنصار و أيهما يقدم , يقدم ما فعله عمر بمحضر من المهاجرين و الأنصار أو تقدم هذه الرواية ؟ يقدم ما فعله مر بمحضر من المهاجرين و الأنصار.

ثم أيضا يقال هذه المسألة مسألة نزاع فترد إلى الله و الرسول ﷺ فالصحابة  كانوا يتوسلون بدعاء العباس و رواية الإمام أحمد التي نقلها المروذي أن للداعي أن يتوسل بذاته و كذلك عثمان بن حنيفة و الله تعالى يقول فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا و قال وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ فنقول عندنا الآن نزاع عمر و الصحابة توسلوا بدعاء العباس و روي عن الإمام أحمد نقل المروذي أنه يجيز للداعي الذي يسلم على النبي ﷺ أن يتوسل بذاته و كذلك نقل عن عثمان بن حنيف أنه أمر رجلا بعد موت النبي ﷺ أن يدعو بهذا الدعاء و يتوسل بدعائه فمتعارضان روايتين تعارض ما فعله عمر و الصحابة و الله تعالى يقول فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ و إذا رددنا هذه المسألة إلى الكتاب و السنة وجدنا أن التوسل بالذات ليس عليه دليل من الكتاب و السنة و أن المشروع هو التوسل بدعاء الحي الحاضر فنردها إلى الله و الرسول و نأخذ بما دل عليه الكتاب و السنة.

( المتن )

و ما نقل عن أحمد فإنه يشبه ما نقل عنه من جواز الإقسام برسول الله ﷺ و أنه يوجب ذلك الكفارة فإن الإقسام به في اليمن كالإقسام به على الله و كالتوسل بذاته و هذه الرواية عن أحمد لم يوافقه أحد من الأئمة بل جمهور الأئمة على الرواية الأخرى عنه و هو أنه لا يشرع الحلف بمخلوق لا النبي ﷺ و لا غيره و لا يوجب بذلك كفارة و تلك الرواية اختارها طائفة من أصحابه في الخلاف كالقاضي و الشريف أبي جعفر و ابن عقيل و غيرهم.

 ثم أكثر هؤلاء يقولون هذا الحكم مختص به لكون الإيمان به بخصوصه ركن في الإيمان لا يتم الإيمان إلا بالشهادتين و ذكر ابن عقيل أنه حكم سائر الأنبياء و ذلك من عقائد اليمين من الحلف بهم و أما جماهير علماء المسلمين من السلف و الخلف فعلى أنه لا ينعقد اليمين بمخلوق لا الأنبياء و لا غيرهم كالرواية الثانية عن أحمد و هذا مذهب مالك و الشافعي و أبي حنيفة و اختيار طائفة من أصحاب أحمد و هذا القول هو الصواب فإنه قد ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه  قال لا تحلفوا إلا بالله و قال من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت .

( الشرح )

يقول المؤلف رحمه الله ما نقل عن أحمد أنه يجيز التوسل بذات النبي ﷺ كما نقله المروذي في منسكه أن الداعي المسلم على الرسول ﷺ توسل به في دعائه يقول هذا النقل الذي نقل عن أحمد في جواز التوسل بالنبي ﷺ يشبه النقل الآخر عن الإمام أحمد و هو أنه يجيز الإقسام بالرسول ﷺ يجيز للإنسان أن يحلف بالرسول ﷺ.

إذا الإمام أحمد روي عنه روى المروذي في منسكه جواز التوسل بالنبي ﷺ قال المؤلف و هذا يشبه ما نقل عن الإمام أحمد أنه يجيز الإقسام الحلف بالنبي ﷺ خاصة و أنه يوجب بذلك الكفارة  يعني إذا حلف قال " فإن الإقسام به في اليمن كالإقسام به على الله و كالتوسل بذاته و هذه الرواية عن أحمد لم يوافقه أحد من الأئمة بل جمهور الأئمة على الرواية الأخرى عنه و هو أنه لا يشرع الحلف بمخلوق لا النبي ﷺ و لا غيره و لا يوجب بذلك كفارة و هذه الرواية اختارها طائفة من أصحابه ونصروها في الخلاف كالقاضي و الشريف أبي جعفر و ابن عقيل و غيرهم ".

يقول المؤلف رحمه الله أن هذه الرواية التي نقلت عن الإمام أحمد في جواز التوسل بالذات تشبه الرواية الأخرى التي نقلت عن الإمام أحمد في جواز الإقسام بالرسول و الحلف به و أنه يوجب بذلك كفارة قال فإن الإقسام به في اليمين كالإقسام به على الله كونه يحلف يقول و النبي هذا يمين يقسم به باليمين كالإقسام به على الله و كالتوسل بذاته يعني فإن هذا النقل بجواز الإقسام بالنبي ﷺ و لا يوجب بذلك كفارة فإن هذا النقل و التوسل بالذات يشبه ما نقل عنه من جواز الإقسام بالرسول ﷺ و أنه يوجب بذلك كفارة قال فإن الإقسام به في اليمين كالإقسام به على الله أنه يقول و محمد فالإقسام به في اليمين كالإقسام به على الله كأنه يقسم على الله بشيء يعني الإقسام باليمين كالإقسام به على الله كأنك تقسم به على الله و كالتوسل بذاته و هذه الرواية عن أحمد لم يوافقها أحد من الأئمة هذه الرواية و هي جواز الإقسام بالرسول عليه الصلاة و السلام لم يوافقها أحد من الأئمة بل جمهور الأئمة على الرواية الأخرى عن الإمام أحمد و و أنه لا يشرع الحلف بمخلوق لا بالنبي و لا غيره.

إذاً هذه الرواية عن الإمام أحمد روايتان الأولى يجوز الإقسام بالرسول ﷺ و التوسل بذاته و الثانية لا يجوز فالأولى ضعيفة لم يأخذ بها أحد من الأئمة بل جمهور الأئمة على الرواية الأخرى و هو أنه لا يشرع الحلف بمخلوق لا النبي ﷺ و لا غيره و لا يجب بذلك كفارة بالحلف بالمخلوق مطلقا لا النبي ﷺ و لا غيره و لا السماوات و لا الأرض و لا العرش لا يشرع الحلف بمخلوق لا النبي ﷺ و لا غيره و لا يجب بذلك كفارة.

قال المؤلف و تلك الرواية اختارها طائفة من أصحابه و نصروها يعني أنه لا يشرع الحلف بمخلوق اختارها طائفة من أصحابه من المحققين و نصروها في الخلاف كالقاضي أبو يعلى و الشريف أبي جعفر و شيخ الحنابلة في العراق و ابن عقيل و هو أبو الوفاء علي ابن عقيل الحنبلي متوفى سنة أربعة و ثلاثين تتلمذ على يد القاضي أبي يعلى و الخطيب البغدادي و أبي إسحاق الشيرازي و أخذ عنه خلق كثير من أشهرهم الزاغوني.

إذاً الروايات الأخرى التي فيها أنه لا يشرع الحلف بمخلوق لا النبي ﷺ و لا غيره هي التي اختارها جماعة من أصحاب الإمام أحمد و نصروها و تلك الرواية اختارها طائفة من أصحابه و نصروها في الخلاف كالقاضي و الشريف أبي جعفر و ابن عقيل و غيرهم.

إذاً الصواب أن الإمام أحمد له روايتان رواية يجوز التوسل بذات الرسول ﷺ و الحلف به و رواية يحرم التوسل بذات الرسول ﷺ فالعمل على الثانية لأن هذا كان أولا .

( المتن )

ثم أكثر هؤلاء يقولون هذا الحكم مختص به لكون الإيمان به بخصوصه ركن في الإيمان و لا يتم الإيمان إلا بالشهادتين و ذكر ابن عقيل أن حكم سائر الأنبياء كذلك بانعقاد اليمين بالحلف بهم و أما جماهير العلماء المسلمين من السلف و الخلف فعلى أنه لا ينعقد اليمين بالمخلوق لا الأنبياء و لا غيرهم كالرواية الثانية عن أحمد و هذا مذهب مالك و الشافعي و أبي حنيفة و اختيار طائفة من أصحاب أحمد.

 و هذا القول هو الصواب فإنه قد ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال لا تحلفوا إلا بالله و قال من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت و في السنن عنه أنه قال من حلف بغير الله فقد أشرك.

 و عن أبن مسعود و عباس رضي الله عنهما ( لئن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا ) و ذلك لأن الحلف بغير الله شرك و الشرك أعظم إثما من الكذب و هذا يوافق أظهر قول العلماء أن النهي عن الحلف بالمخلوقات نهي تحريم لا نهي تنزيه و هذا قول أكثر العلماء و أحد قولين في مذهب الشافعي و أحمد .

( الشرح )

المؤلف رحمه الله يبين أن أكثر الذين نقلوا عن الإمام أحمد أنه يجيز الأقسام بالرسول ﷺ يقولون هذا الحكم مختص به بالرسول ﷺ لا يجوز الحلف بغير الرسول ﷺ قالوا الحلف بالرسول ﷺ جائز لكون الإيمان به بخصوصه ركن في الإيمان و لا يتم الإيمان إلا بالشهادتين و أما غيره فلا يقسم به و إنما يقسم بالرسول ﷺ هذه رواية، مع أن الرواية الأخرى أصح منها.

قال المؤلف " هذا الحكم مختص به لكون الإيمان بخصوصه ركن في الايمان لا يتم الإيمان إلا به.

و ذكر ابن عقيل أن حكم سائر الأنبياء كذلك بانعقاد اليمين بالحلف بهم " ذكر ابن عقيل أن حكم سائر في الأنبياء في انعقاد اليمين بالحلف بهم يعني ابن عقيل زاد الإمام أحمد روي عنه جواز الإقسام بالرسول ﷺ و ابن عقيل زاد فقال يجوز الحلف بسائر الأنبياء و المرسلين يجوز الحلف بموسى و عيسى و ذكر ابن عقيل أن حكم سائر الأنبياء كذلك بانعقاد اليمين بالحلف بهم و أما جماهير العلماء الكثيرون المسلمون من السلف و الخلف فعلى أنه لا ينعقد اليمين بالمخلوق الجماهير من العلماء قالوا لا تنعقد اليمين بمخلوق لا الرسول ﷺ و لا غيره لا الأنبياء و لا غيرهم كالرواية الثانية عن أحمد و هذا مذهب مالك و الشافعي و أبي حنيفة و اختيار طائفة من أصحابه.

يقول المؤلف "  و هذا القول هو الصواب " القول بأنه لا يجوز الحلف بالرسول ﷺ هذا القول هو الصواب لأنه قد ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال لا تحلفوا إلا بالله ومن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت لماذا هذا القول هو الصواب أنه لا يجوز الحلف بالرسول ﷺ؟ الدليل؟ ما ثبت في الصحيحين أن النبي ﷺ قال: لا تحلفوا إلا بالله ومن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت.

  و في السنن عنه أنه قال من حلف بغير الله فقد أشرك.

 و عن أبن مسعود و عباس رضي الله عنهما ( لئن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا ) هذا الخبر مشهور عن ابن مسعود قال ابن مسعود : ( لئن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا )  لماذا ؟ و في الأحاديث لا تحلفوا إلا بالله ومن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت من حلف بغير الله فقد أشرك  و أما قول ابن مسعود و ابن عباس ( لئن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا )  لماذا ؟ لأن الحلف بالله تعظيم لله و الحلف بغير الله ذنب عظيم لكن مع كونه ذنب الحلف بالله كاذبا يجتمع فيه أمران الأمر الأول التوحيد و هو الحلف بالله و الأمر الثاني الكذب و هو سيئة أما الحلف بغيره صادقا ففيه شرك سيئة الشرك و حسنة الصدق و إذا قابلت حسنة التوحيد مع حسنة الصدق أيهما أعظم ؟ حسنة التوحيد , و إذا قابلت سيئة الكذب مع سيئة الشرك وجدت سيئة الشرك أعظم هذا فقه ابن مسعود  لهذا قال ابن مسعود ( لئن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا ) قال " و ذلك لأن الحلف بغير الله شرك و الشرك أعظم إثما من الكذب و هذا يوافق أظهر قول العلماء أن النهي عن الحلف بالمخلوقات نهي تحريم لا نهي تنزيه و هذا قول أكثر العلماء و أحد قولين في مذهب الشافعي و أحمد " .

( المتن )

ثم قال :

و إذا كان الحلف بغير الله من باب الشرك فمعلوم أنه لا يجوز أن يشرك به و لا يعدل به و لا يساوي به الأنبياء و غيرهم قال تعالى وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ و قال تعالى قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا ۝ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا قال طائفة من السلف : كان قوم يدعون الملائكة و الأنبياء فأنزل الله هذه الآية بين فيها أن الملائكة و الأنبياء يتقربون إلى الله و يرجونه و يخافونه كما أن سائر العباد يتقربون إلى الله و يرجونه و يخافونه فلا يجوز دعاء الملائكة و الأنبياء .

و قد قال رجل للنبي ﷺ: ما شاء الله و شئت".

( الشرح )

المؤلف يقول " و إذا كان الحلف بغير الله من باب الشرك فمعلوم أنه لا يجوز أن يشرك به و لا يعدل به و لا يساوى به الأنبياء " إذا كان الحلف بغير الله من باب الشرك فمعلوم أنه لا يجوز أن يشرك به و لا يعدل به و لا يساوى به الأنبياء و لا غيرهم إذا كان شرك فلا يساوى أحد بالله إذا كان الحلف بالله توحيد و الحلف بغيره شرك فإنه في هذه الحالة إذا كان الحلف بغير الله شرك فلا يجوز أن يعدل به سواه و لا يساوى به الأنبياء فإذا حلف بالنبي ﷺ أو غيره سواه بالله و إذا كان الحلف بغير الله من باب الشرك فمعلوم أنه لا يجوز أن يشرك به و لا يعدل به و لا يسوى به الأنبياء و غيرهم لأن الحلف بغير الله شرك فلا يجوز أن يشرك به إذا كان الحلف بغير الله شرك لا يجوز لك أن تفعل الشرك و لا يجوز لك أن تعدل به و لا يجوز لك أن تعدل أحدا من المخلوقات به قال تعالى ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ و لا تسوى به الأنبياء و غيرهم.

ثم ذكر المؤلف أدلة فقال قال تعالى وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ و قال تعالى قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا ۝ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا بين الله تعالى أن الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة بالتقرب إليه و طاعته أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا.

قال طائفة من السلف : كان قوم يدعون الملائكة و الأنبياء فأنزل الله هذه الآية. بين فيها أن الملائكة و الأنبياء يتقربون إلى الله و يرجون رحمته و يخافونه  نفس الأنبياء الذين يدعونهم من دون الله هم  يتقربون إلى الله بطاعته و يرجون رحمة ربهم و يخافونه كما أن سائر العباد يتقربون إلى الله و يرجونه و يخافونه فلا يجوز دعاء الملائكة و الأنبياء لماذا ؟ لأن الملائكة يتقربون إلى الله و يرجون الله و يخافونه كما أن سائر العباد يتقربون إلى الله و يرجونه و يخافونه إذا فلا يجوز دعاء الملائكة و الأنبياء .

( المتن )

و قد قال رجل للنبي ﷺ: ما شاء الله و شئت. فقال: أجعلتني لله نداً قل ما شاء الله وحده. و قال ﷺ: لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد بل قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد فنهاهم أن يشركوا به حتى في مثل هذه الأقوال و قد أمر الله أن يقول يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ الآية. ولما قال أعرابي: ومن يعصهما فقد غوى. فقال: بئس الخطيب أنت قل ومن يعص الله ورسوله مع أنه قد روي عنه أنه قال: من يعصهما و ذلك لأن هذا قاله من جعل طاعة الرسول تابعة لطاعة الله و يجعله عبدا لله و رسولا لم ينكر عليه الجمع بينهما في الضمير بخلاف من قد لا يفهم ذلك فلا يجعل الرسول ﷺ ندا كقول القائل: ما شاء الله و شاء محمد. و أيضا فقد نهى معاذأً و غيره عن السجود له فقال أرأيت لو مررت بقبري أكنت ساجداً لقبري قال لا قال فإنه لا يصلح السجود إلا لله و أيضا فقد ثبت في الصحيح أنهم لما صلوا خلفه قياما و هو قاعد لمرضه قال لا تعظموني كما تعظم الأعاجم بعضها بعضا فنهاهم أن يقوموا مع أن قيامهم كان لله لئلا يشبهوا من يقوم له و قال اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد و في الصحيحين عنه أنه قال في مرض موته لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا قالت عائشة: و لولا ذلك لأبرز قبره لكن كره أن يتخذ  مسجدا ) و في السنن عنه أنه قال لا تتخذوا بيتي عيداً وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني. و في الصحيح عنه أنه قال لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله و رسوله.

( الشرح )

بين المؤلف رحمه الله أن الحلف بغير الله هو من باب الشرك و إذا كان من باب الشرك فلا يجوز أن يشرك به و لا أن يعدل به و لا يسوى به الأنبياء إذا كان الحلف بغير الله شرك فلا يجوز أن يشرك به و لا يعدل به سواه.

 و لهذا فالروايات الصحيحة عن الإمام أحمد هي التي عليها الجماهير و هي الصواب أنه لا يجوز الحلف بالنبي ﷺ لأن الحلف بغير الله شرك و إن كان شرك فلا يجوز أن يشرك به و لا أن يعدل به غيره و لا يسوى به الأنبياء و لا غيرهم قال الله تعالى ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ يعني يعدلون به غيره و يسوون به غيره قال الله تعالى وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

فالحلف بغير الله شرك و لهذا ثبت عن النبي ﷺ أنه قال لا تحلفوا إلا بالله ومن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت لا تحلفوا إلا بالله نهي و في السنن أنه قال من حلف بغير الله فقد أشرك قال ابن مسعود ( لأن حلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا ) و الحلف بغير الله شرك و الشرك أعظم إثما من الكذب و هذا يوافق أظهر قولي العلماء أن النهي عن الحلف بالمخلوقات نهي تحريم لا نهي تنزيه و هو قول أكثر العلماء و هو أحد القولين في مذهب الشافعي و أحمد فإذا كان الحلف بغير الله شرك فلا يجوز الشرك مطلقا و لا يعدل بالله غيره من المخلوقين و لا يسوى به الأنبياء و لا غيرهم و لهذا قال تعالى وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ لا يمكن هذا.

قال تعالى  قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا ۝ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا​​ بين ﷺ أن الذين يدعونهم من دون الله هم يرجون الله و يخافونه و يرجون الوسيلة و التقرب إليه بالطاعة بطاعته قال طائفة من السلف : كان قوم يدعون الملائكة و الأنبياء فأنزل الله هذه الآية بين فيها أن الملائكة و الأنبياء يتقربون إلى الله و يرجون رحمته و يخافونه كما أن سائر العباد يتقربون إلى الله و يرجونه و يخافونه فلا يجوز دعاء الملائكة و الأنبياء.

و لما قال رجل للنبي ﷺ: ما شاء الله و شئت. فقال أجعلتني لله نداً قل ما شاء الله وحده و لما قال رجل للنبي ﷺ: ما شاء الله و شئت. فقال أجعلتني لله نداً يعني هذا التنديد نوعان تنديد أكبر و هو أن يعبد غير الله بأن يدعو غيره و الثاني تنديد أصغر كالحلف بغير الله هذا تنديد أصغر لا يخرج عن الملة قال: أجعلتني لله نداً و هو وسيلة إلى الشرك الأكبر و فيه سد للذريعة لما قال لما حلف و قال: ما شاء الله وشئت. فقال: أجعلتني لله نداً عطف مشيئة الرسول ﷺ على مشيئة الله بالواو ( ما شاء الله و شئت ) فقال: أجعلتني لله نداً قل ما شاء الله وحده.

 و قال ﷺ: لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان بل قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان. الحديث الأول قال أجعلتني لله نداً رواه الإمام أحمد و البخاري في الأدب المفرد و النسائي و ابن ماجة و الحديث الثاني لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد رواه الإمام أحمد بسند عن حذيفة  أنه رأى رجلا من أصحاب النبي ﷺ في النوم قوما من اليهود فأعجبته هيئتهم فقال الحديث إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون عزير ابن الله فقالوا وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله و شاء محمد و كذلك أيضا رأى قوم من النصارى أعجبته هيئتهم فقال إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون المسيح ابن الله فقالوا و إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله و شاء محمد , انظر فهم الكافر الآن فهم الشرك الأصغر الذي يقوله النصارى و لم ينظر إلى ما هو عليه من الشرك الأكبر فالنبي ﷺ نهاهم أن يقولوا ما شاء الله و شئت قال أجعلتني لله نداً قل ما شاء الله وحده و قال: لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد بل قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد.

 يقول المؤلف " فنهاهم أن يشركوا به حتى في مثل هذه الأقوال " لأنها وسيلة للشرك الأكبر قوله ما شاء الله و شئت عطف مشيئة المخلوق على مشيئة الخالق بالواو هذا منهي عنه لكن يجوز عطف مشيئة المخلوق على مشيئة الخالق بثم يجوز أن تقول ما شاء الله ثم شاء فلان كما جاء في الحديث الآخر لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان و الفرق بينهما أن الواو تفيد مطلق الجمع يجمع بين الأمرين و لا تفيد الترتيب بخلاف ثم فإنها تفيد الترتيب و التراخي بمهلة و لهذا جاز أن تقول ما شاء الله ثم شاء فلان إذا قلت دخل زيد و عمرو هنا لا تفيد الترتيب يحتمل أن يكون زيد دخل أولا و يحتمل أن يكون عمر هو الثاني و يحتمل أنهما دخلا جميعا لكن إذا قلت دخل زيد فعمر فيه ترتيب دخل زيد أولا ثم دخل بعد عمر لكن من دون تأخير دخل عقبه لكن إذا قلت دخل زيد ثم عمر أفادت الترتيب و التراخي أن زيد دخل أولا ثم بعده بمهلة دخل عمر و لهذا لم يجز النبي ﷺ أن تقول ما شاء الله و شاء محمد لأنك شاركت بين مشيئة الخالق و مشيئة المخلوق لكن إذا قلت ما شاء الله ثم شاء فلان هنا مشيئة المخلوق جاءت بعد مشيئة الخالق بمهلة و تراخي فالأحوال ثلاثة:

الحالة الأولى أن تقول ما شاء الله و شاء فلان هذا شرك أصغر لا يجوز.

و الحالة الثانية أن تقول ما شاء الله ثم شاء فلان هذا جائز لأن مشيئة المخلوق جاءت بعد مشيئة الخالق بترتيب و تراخي.

الحالة الثالثة أن تقول ما شاء الله وحده و هذا هو الأكمل و الأفضل.

و لهذا قال نهى عن قول ما شاء الله و شئت و أجاز أن تقول ما شاء الله ثم شاء فلان و قال قل ما شاء الله وحده و هذا هو الأكمل.

قال فنهاهم أن يشركوا به حتى في مثل هذه الأقوال و قد أمر الله أن نقول قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَوْا يا أهل الكتاب أي اليهود و النصارى إِلَى كَلِمَةٍ و هي كلمة التوحيد إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ أي عدل وسط بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ كلمة التوحيد فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ

قال المؤلف رحمه الله " و لما قال أعرابي: و من يعصهما فقد غوى. " يشير إلى حديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه الرجل الذي خطب عند النبي ﷺ و قال ( من يطع الله و رسوله فقد رشد و من يعصهما فقد غوى ) فقال له النبي ﷺ بئس الخطيب أنت قل ومن يعص الله ورسوله أنكر عليه جمع الضمير الخطيب خطب عند النبي ﷺ و قال: من يطع الله و رسوله فقد رشد و من يعصهما فقد غوى. أنكر عليه قال لا تقل و من يعصهما تجمع الضمير ضمير الخالق و المخلوق قل: ومن يعص الله و رسوله و هذا كله من باب سد الذريعة من باب النهي حتى في الألفاظ و الأقوال.

قال المؤلف " مع أنه قد روي عنه أنه قال من يعصهما " جاء في الحديث الآخر أنه أجاز أن يقول و من يعصهما فقد غوى فما الجمع بينهما ؟ أنكر على الأعرابي قوله و من يعصهما و أجاز في موضع آخر قال المؤلف رحمه الله في الجمع بينهما "و ذلك أن هذا قاله من جعل طاعة الرسول تابعة لطاعة الله و يجعله عبدا لله و رسولا لم ينكر عليه الجمع بينهما في الضمير بخلاف من قد لا يفهم ذلك فلا يجعل الرسول ندا كقول القائل ( ما شاء الله و شاء محمد ) " يعني الفرق بينهما الرسول نهى الأعرابي عن أن يقول و من يعصهما لماذا و أجازه في موضع آخر قال الجواز محمول على أن هذا القائل جعل طاعة الرسول تابعة لطاعة الله و جعل الرسول عبدا لله و رسوله فهذا لم ينكر عليه الجمع بينهما في الضمير فيقول من يعصهما أما الذي لا يفهم و يجعل الرسول ندا يقال له لا تقل و من يعصهما قل من يعص الله و رسوله كقول القائل ( ما شاء الله و شاء محمد ) .

قال المؤلف " و أيضا فقد نهى معاذ و غيره عن السجود له فقال أرأيت لو مررت بقبري أكنت ساجداً لقبري قال لا قال فإنه لا يصلح السجود إلا لله " و هذا كما قال المحقق رواه أبو داود في سننه في كتاب النكاح باب في حق الزوج على المرأة , من طريق شريك عن حصين عن السامي عن قيس بن سعد قال أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لبرزمان لهم يعني رئيسهم فقلت رسول الله أحق أن يسجد له قال فأتيت النبي ﷺ فقلت إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لبرزمان لهم فأنت يا رسول الله أحق أن يسجد لك و هذا معاذ سجد له لأنه لا يعرف الحكم فقال أرأيت لو مررت بقبري أكنت ساجداً لقبري قال لا قال لا تفعلوا لو كنت آمراً أحدا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق.

 فالرسول ﷺقال لمعاذ نهى معاذ عن السجود له معاذ لما قدم من الشام سجد له لأنه رأى أهل الشام يسجدون لعظمائهم فقال الرسول ﷺ أولى كيف هؤلاء يسجدون لعظمائهم و أنا لا أسجد للرسول ﷺ و هذا فعله عن جهل لا يدري فنهاه النبي ﷺ فانتهى فقد نهى معاذ و غيره عن السجود له فقال أرأيت لو مررت بقبري أكنت ساجداً لقبري قال لا قال فإنه لا يصلح السجود إلا لله ".

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد