شعار الموقع
شعار الموقع

شرح قاعدة في الوسيلة لابن تيمية (5) من قوله: "وأيضاً فقد ثبت في الصحيح أنه لما صلوا خلفه قياماً...". إلى آخر الرسالة.

00:00

00:00

تحميل
88

( المتن )

و أيضا فقد ثبت في الصحيح أنه لما صلوا خلفه قياما و هو قاعد لمرضه قال: لا تعظموني كما تعظم الأعاجم بعضها بعضاً. فنهاهم أن يقوموا مع أن قيامهم كان لله لئلا يشبهوا من يقوم لغير الله.

وقال: اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد 

وفي الصحيحين عنه أنه قال في مرض موته لعن الله اليهود و النصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا قالت عائشة و لولا ذلك لأبرز قبره لكن كره أن يتخذ مسجدا.

 و في السنن عنه أنه قال: لا تتخذوا بيتي عيداً وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني 

وفي الصحيح عنه أنه قال لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله و رسوله

 

( الشرح )

بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله رب العالمين و أصلي و أسلم على عبد الله و رسوله نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين أما بعد :

يقول المؤلف رحمه الله " و أيضا فقد ثبت في الصحيح " في صحيح البخاري " أنه لما صلوا خلفه قياما و هو قاعد لمرضه قال لا تعظموني كما تعظم الأعاجم بعضها بعضاً فنهاهم أن يقوموا مع أن قيامهم كان لله بأن لا يشبهوا من يقوم له " و هذا في مرضه الأول عليه الصلاة و السلام كما ثبت في صحيح البخاري أن النبي ﷺ ركب فرسا فسقط منه من الفرس فجحشت ساقه و لم يستطع أن يصلي فصلى بالناس قاعدا فصلى الناس خلفه قياما فأشار إليهم بيده أن يجلسوا و لما سلم قال كدتم أن تفعلوا كما تفعل الأعاجم يقومون على رؤوس ملوكهم و هم قعود و قال لا تعظموني كما تعظم الأعاجم بعضها بعضاً نهاهم أن يقوموا خلفه و هو قاعد مع أنهم يصلون لله و قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعوننهاهم أن يقوموا خلفه لأنه كان يصلي قاعدا و هو مريض لما سقط عن الفرس و جحشت ساقه ما استطاع أن يصلي قائما صلى قاعدا و صلى الصحابة خلفه قياما ثم أشار إليهم أن يجلسوا.

 الإمام الراتب إذا كان هو إمام الحي فإنه يجوز أن يصلي بالناس إذا مرض و لو كان جالسا أما غير إمام الحي إذا كان مريضا فلا يقدم المريض يقدم الصحيح لكن الإمام الراتب له أن يصلي بالناس و هو جالس و له أن ينيب من يصلي عنه و إذا صلى الإمام قاعدا ما الحكم ؟ هذه مسألة فقهية هل يصلي الناس خلفه قياما أم قعودا ؟ عندنا حديثان , الحديث الأول كلاهما في صحيح البخاري الحديث الأول الحديث الذي ذكره المؤلف و هو أنه لما صلى قاعدا و صلوا خلفه قياما أمرهم أن يجلسوا فجلسوا و في آخر حياته لما مرض , مرض وفاته أمر أبا بكر أن يصلي بالناس فلما مضت بعض الصوات وجد النبي ﷺ في نفسه خفة فجاء يهادى بين اثنين بين العباس و علي رضي الله عنهما كل واحد يأخذ بيده انظر النبي ﷺ و هو مريض فجاء و جلس عن يسار أبي بكر و أم الناس في أثناء الصلاة فانتقل أبو بكر من الصلاة مأموما و النبي ﷺ إماما يقتدي أبو بكر بالنبي ﷺ و الناس يقتدون بأبي بكر و هم يصلون قياما و أقرهم على ذلك فما الجمع بينهما؟

قال العلماء يجمع بينهما بوجوه من الجمع أحدها اختيار البخاري في صحيحه اختار أن نهيهم عن الجلوس منسوخ لأن هذا أولا و هذا في آخر حياته و قال إنما يؤخذ بالآخر بالآخر من فعله ﷺ هكذا جمع البخاري في صحيحه قال إذا صلى الإمام قاعدا يصلون قياما.

و القول الثاني يجمع بينهما بأن نهيه يحمل على التنزيه و إقراره يحمل على الجواز فيجوز أن يصلوا قعودا و يكون النهي للتنزيه أن النبي ﷺ أمرهم أن يجلسوا و يجوز أن يصلوا قياما وهو الأفضل.

و هناك جمع ثالث في الحديث من العلماء أن الإمام إذا ابتدأ الصلاة قائما فجلس أكمل الصلاة قياما و إذا ابتدأ الصلاة قاعدا صلوا خلفه قعودا قال لأن مرضه الأول ابتدأ الصلاة قاعدا فأمرهم بالقعود و في مرضه الأخير ابتدأ بهم الصلاة قائما فجاء النبي ﷺ فأقرهم على القيام.

هذه ثلاثة أقوال لأهل العلم في الجمع بينهما الإمام الراتب إذا كان يصلي بالناس هذا الحديث الذي ذكره المؤلف في مرضه الأول.

قال و أيضا فقد ثبت في الصحيح أنهم لما صلوا خلفه قياما و هو قاعد لمرضه قال لا تعظموني كما تعظم الأعاجم بعضها بعضاً و في لفظ آخر إنهم يقومون على رؤوس ملوكهم وهم قعود  فنهاهم أن يقوموا مع أن قيامهم كان لله لئلا يشبهوا من يقوم لغير الله.

و قد و قال ﷺ اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد و هذا أخرجه الإمام أحمد في مسنده بإسناد لا بأس به قال في رواية اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد

 و في الصحيحين عنه أنه قال في مرض موته لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد  يحذر ما فعلوا قالت عائشة  و لولا ذلك لأبرز قبره ولكن كره أن يتخذ  مسجداً.

 فقوله ﷺ اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد دعا ربه بأن لا يكون قبره وثنا يعبد بأن يدعا من دون الله فاستجاب الله دعاءه قال ابن القيم أن الله استجاب دعاء النبي ﷺ فلم يكن قبر النبي ﷺ وثنا يعبد فلا يمكن لأحد أن يباشر القبر بأن يعبده من دون الله لكن قد يشرك به أحد من بعيد هذا مثل غيره يدعو الرسول ﷺ من بعيد لكن لا يستطيع أن يباشر القبر بالشرك لأن بينه و بينه حاجز و لهذا قال ابن القيم في النونية :

فأجاب رب العالمين دعاءه و أحاطه بثلاثة الجدران
حتى غدت أرجاؤه بدعائه في عزة وحماية وصيان

الرسول ﷺ دعا ربه اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ابن القيم يقول استجاب الله دعاءه كيف استجاب دعائه ؟ قال استجاب دعاءه بأنه جعل جدارا مثلثا على شكل زاوية فالمثلث الذي على شكل الزاوية الذي يكون في جهة القبلة ما يستطيع أحد أن يصلي له لأنه مثلث بخلاف المربع و المسدس يستطيع هذا كان أولا لما كان الجدار بارزا الآن جعل جدار آخر حواجز و الحواجز من حديد زيادة في ذلك و هذا كله استجابة لدعاء نبيه ما يستطيع أحد أن يدعو النبي ﷺ و لا أن يفعل الشرك بجوار القبر أو مباشرة القبر فالنبي ﷺ دعا ربه قال اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد فلم يكن قبرا يعبد و الذي يدعو النبي ﷺ إنما يدعو من بعيد و هذا كغيره شرك يدعو الرسول أو يدعو غيره و لكن لا يستطيع أن يباشر القبر لأن القبر فيه حواجز و موانع لا يصل إليها و لهذا قال ابن القيم :

فأجاب رب العالمين دعائه و أحاطه بثلاثة الجدران

ثلاثة جدران مثلث و ليس مربعا لو كان مربعا لكان أربعة جدران.

حتى غدت أرجاؤه بدعائه في عزة وحماية وصيان

                          

قال: اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد. 

و في الصحيحين عنه أنه قال في مرض موته لعن الله اليهود و النصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا لماذا لعنهم الرسول ﷺ اللعن الطرد من رحمة الله لعن الله اليهود و النصارى على أي شيء ؟ على اتخاذ القبور مساجد ما الفائدة من هذا اللعن ؟ تحذير لهذه الأمة لئلا تفعل فعلهم فتصيبهم اللعنة كما أصابت اليهود و النصارى و لهذا قال يحذر ما فعلوا (قالت عائشة  و لولا ذلك لأبرز قبره لكن كره أن يتخذ  مسجدا ) عائشة فهمت من الحديث أن النبي ﷺ إنما دفن في بيت عائشة خشية أن يتخذ الناس قبره مسجدا و لولا ذلك لأبرز قبره و جعل بارزا في البقيع لكن لما خشي أن يتخذ الناس قبره مسجدا أمر بدفنه في بيته و هذا القول الذي ذهبت به عائشة و لكن جاء في الحديث الآخر الذي خفي عن عائشة رضي الله عنها و هو أن النبي ﷺ قال إن كل نبي يدفن في المكان الذي مات فيه و قد مات في حجرة عائشة فدفن فيها.

قال " و في السنن عنه أنه قال: لا تتخذوا بيتي عيداً وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني " هذا الحديث رواه أبو داود في سننه عن سهيل بن مقبل عن أبي هريرة  قال , قال رسول الله ﷺ  لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تجعلوا قبري عيداً وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم 

لا تجعلوا بيوتكم قبوراً يعني لا تشبهوها بالقبور فتعطلوها من الصلاة و القراءة قال صلوا في البيوت و اقرؤوا فيها حتى لا تكون مثل القبور لأن القبور هي التي لا يقرأ عندها و لا يصلى عندها لا تجعلوا بيوتكم مقابر لا تجعلوها قبورا لا يصلى فيها و لا يدعا عندها قال صلوا في البيوت و اقرؤوا في البيوت حتى لا تكون مثل المقابر وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم و في لفظ للحديث لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تجعلوا قبري عيداً هذا هو الشاهد لا تجعلوا قبري عيداً يعني لا تكرروا و ترتادوا القبر و تترددوا عليه فيكون كالعيد الذي يتكرر و يعود وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم  في أي مكان.

و لما رأى علي بن حسين و هو من بيت النبوة رجلا يأتي إلى فرجة القبر و يدعو نهاه و قال ( ما أنت و رجل من الأندلس إلا سواء ) أنت و الشخص الذي في أسبانيا واحد يصلي عليه نهاه يدخل في فرجة القبر نهاه علي بن الحسين زين العابدين جده الرسول عليه الصلاة و السلام نهاه قال لا تفعل هذا ( ما أنت و رجل من الأندلس إلا سواء ) أنتما واحد صلي هنا أو صلي هناك صلاة الرسول ﷺ تبلغه صلاتك على الرسول تبلغه الملائكة يبلغونه.

و لهذا قال عليه الصلاة و السلام لا تجعلوا قبري عيداً بأن تكرروا الزيارة و تجعلوه كالعيد فيفضي بكم إلى الغلو بل صلوا علي في أي مكان فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم.

و في الصحيح عنه أنه قال لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله و الحديث رواه البخاري في صحيحه عن عمر لا تطروني و الاطراء هو مجاوزة الحد في المدح و الكذب فيه والمعنى لا تكثروا من المدح فتتجاوزا الحد في مدحي فتفعلون كما فعل النصارى في الغلو فإن النصارى غلوا في عيسى  حتى رفعوه من مقام العبودية إلى مقام الألوهية و قالوا عيسى ابن الله الرسول ينهى الأئمة أن يمدحوه و أن يكثروا من مدحه و أن يغلوا فيه فيفضي بهم هذا المدح إلى الغلو كما أفضى بالنصارى إلى الغلو فعبدوا عيسى و جعلوه الها لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم ثم بين منزلته فقال فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله.

( المتن )

ثم قال :

و هذه النصوص و غيرها تبين أنه نهاهم عن الشرك به و الغلو فيه و سد هذه الذريعة بنهيهم أن يتخذوا قبره مسجدا و يقولوا ما شاء الله و شاء محمد و أنه دفن في بيته و لم يظهر قبره خوف الإشراك. و إذا كان كذلك فالقسم بالمخلوق شرك بالمخلوق و الشرك لا يجوز به و لا بغيره فلا يجوز القسم به كما قال الجمهور: و لا تنعقد اليمن به و لا تجب بذلك كفارة , و قد تنازع العلماء في صلاتهم عليه عند الذبيحة فكره ذلك مالك و أحمد و غيرهما لئلا يذكر على الذبيحة غير الله خوفا من الإهلال بها لغير الله من أن ذلك صلاة عليه و رخص في ذلك الشافعي و أبو إسحاق بن شاقلى من أصحاب أحمد و قالوا لأن الصلاة عليه من باب الإيمان و هذا بخلاف الإقسام به فإن الإقسام بسائر المخلوقات شرك به و الشرك به لا يجوز بحال .

( الشرح )

يقول المؤلف " و هذه النصوص و غيرها " التي ساقها المؤلف " تبين أنه نهاهم عن الشرك به و الغلو فيه قال لا تطروني و سد هذه الذريعة بنهيهم أن يتخذوا قبره مسجدا و يقولوا ما شاء الله و شاء محمد و أنه دفن في بيته و لم يظهر قبره خوف الإشراك به " إذا هذه النصوص تبين أن النبي ﷺ نهى عن الشرك به و عن الغلو فيه قال لا تطروني و قال لا تتخذوا قبري مسجداً و لا تتخذوا قبري عيداً فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم , لماذا نهاهم عن الغلو و عن الإطراء و عن اتخاذ قبره عيدا ؟ سدا للباب الشرك و باب الغلو.

قال " و سد هذه الذريعة بنهيهم أن يتخذوا قبره مسجدا " المسجد هو الذي يصلى فيه و يدعا فيه لا تفعل ذلك عند القبر لأنه من الغلو و نهاهم أن يقولوا ما شاء الله و شاء محمد لماذا ؟ أيضا كان سدا للذريعة و أنه فن في قبره أيضا و لم يبرز سدا للذريعة لذريعة الغلو و لم يظهر قبره خوف الإشراك به. سبق أن ذكر أن النبي ﷺ دفن في بيته لقوله إن كل نبي يدفن في المكان الذي مات فيه 

قال المؤلف " و إذا كان كذلك فالقسم بالمخلوق شرك بالمخلوق و الشرك لا يجوز به و لا بغيره فلا يجوز القسم به كما قال الجمهور  و لا تنعقد اليمن به و لا تجب بذلك كفارة " إذا كان النبي ﷺ نهى سدا للذريعة و نهى عن الحلف به و نهى أن يتخذ قبره مسجدا و نهى أن يقول ما شاء الله و شاء محمد و دفن في بيته و القسم هل يجوز القسم بالنبي ﷺ و الحلف به ؟ المؤلف يريد أن يبين و يرجح الرواية التي هي رواية الجمهور و قول الجمهور الذي يقول لا يجوز الحلف بالرسول ﷺ و أن الرواية التي ثبتت عن الإمام أحمد أنه يجوز القسم بالرسول ﷺ رواية ضعيفة مخالفة للنصوص لا يعول عليها قال هل يمكن أن يكون القسم بالمخلوق جائز و الرسول ﷺ سد الذريعة نهى عن الشرك به و نهى عن الغلو به و نهى أن يتخذ قبره مسجدا و نهى أن يقال ما شاء الله و محمد و دفن في بيته و نهى أن يتخذ قبره مسجدا ألا تدل هذه النصوص على أنه لا يجوز الحلف بالرسول و القسم به و أن الرواية المروية عن الإمام أحمد أنه يجوز القسم به هذه رواية ضعيفة كيف و القسم بالمخلوق شرك بالمخلوق و الشرك لا يجوز به و لا بغيره الحلف بالمخلوق شرك من حلف بغير الله فقد أشرك و الرسول مخلوق الحلف بالمخلوق شرك و الشرك لا يجوز بالرسول و لا بغيره.

و لهذا قال المؤلف و القسم بالمخلوق شرك بالمخلوق و الشرك لا يجوز به و القسم بالمخلوق شرك و الشرك لا يجوز به و لا بغيره و القسم بالمخلوق شرك لو كان كلمة المخلوق هذه زائدة لو حذفت كان أوضح و القسم بالمخلوق شرك و الشرك لا يجوز به و لا بغيره يعني الرسول ﷺ معروف الشرك بالخالق لا يحتاج إلى توضيح شرك بالله و القسم به شرك بالله و الشرك لا يجوز به يعني بالرسول ﷺ و لا بغيره فلا يجوز القسم به الحلف بالرسول كما قال الجمهور و لا تنعقد اليمين به و لا يوجب ذلك كفارة و لكن روي عن الإمام أحمد أنه يجوز القسم بالرسول ﷺ و تنعقد اليمين به و يجب بذلك كفارة يقول هذه الرواية ضعيفة أنكرها المحققون من أصحاب الإمام أحمد و هي تخالف ما أقره جماهير العلماء فالصواب الرواية التي عليها جماهير العلماء بأنه لا يجوز الحلف بالرسول ﷺ و لا تنعقد اليمن به و لا يوجب بذلك كفارة و أما الرواية عن الإمام أحمد أنه يجوز الحلف بالرسول و تنعقد اليمين به و توجب الكفارة رواية ضعيفة مخالفة للنصوص لا يعول عليها فقد قال الله تعالى فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ.

قال المؤلف " و قد تنازع العلماء في صلاتهم عليه عند الذبيحة " يعني هل يجوز حينما تذبح الذبيحة أن تقول اللهم صلي على محمد اختلف العلماء الإمام مالك و أحمد كرهوا ذلك لماذا ؟ لئلا يذكر على الذبيحة غير الله خوفا من الإهلال بها لغير الله يعني كأنه يشبه من يقول باسم المسيح فقالوا نكره هذا لا تقول و أنت تذبح اللهم صلي على محمد لأن هذا يشبه من يقول باسم المسيح باسم كذا لا تذكر على الذبيحة غير اسم الله و لا تذكر اسم الرسول و لو كان للصلاة عليه خوفا من الإهلال بها لغير الله لأن من ذلك صلاة عليه و رخص في ذلك الشافعي و أبو إسحاق بن شاقلى من الحنابلة من أصحاب أحمد و قالوا لا بأس بالصلاة عليه لأن الصلاة عليه من باب الإيمان و هذا بخلاف الإقسام به فإن الإقسام بسائر المخلوقات شرك به و الشرك به لا يجوز بحال.

إذاً اختلف العلماء في الصلاة على النبي ﷺ عند الذبيحة على قولين:

القول الأول أنه مكروه لا يجوز و هذا الاختيار روي عن الإمام أحمد و الإمام مالك توجيه ذلك قالوا لا ينبغي أن يذكر على الذبيحة غير الله لماذا ؟ لأن هذا يشبه الإهلال بالذبيحة لغير الله وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ شرك فلا يذكر على الذبيحة غير اسم الله.

و رخص في ذلك الشافعي و بعض الحنابلة كأبي إسحاق و قالوا الصلاة على الرسول من الإيمان و هذا بخلاف الحلف بالرسول فهذا شرك و الشرك لا يجوز بحال و أما الصلاة على النبي ﷺ فهي من باب الإيمان و هو جائز بخلاف الإقسام و الحلف بالرسول ﷺ فهذا شرك و الإقسام بسائر المخلوقات شرك و الشرك لا يجوز بحال و الشاهد أن الإقسام بسائر المخلوقات و منهم النبي ﷺ....

( المتن )

و كل ما كان من خصائص الرب كالعبادة لله و النذر لله و الصدقة لله و التوكل على الله و الخوف من الله و الخشية لله و الرغبة إلى الله و الاستعانة به و غير ذلك مما هو من خصائص الرب فإنه لا يجوز أن يفعل لمخلوق لا الأنبياء و لا غيرهم و لا يستثنى من ذلك أحد و إن كان الإقسام به منهي عنه لا ينعقد به اليمين و لا يجب به الكفارة فالإقسام به على الله أولى أن يكون منهيا عنه و كذلك الإقسام بسائر المخلوقات على الله و كذلك التوسل بذوات الملائكة و الأنبياء و الصالحين أيضا كذلك فإن أعظم الوسائل للخلق إلى الله هو محمد ﷺ و أعظم وسائل الخلق إلى الله التوسل بالايمان به بتصديقه بما أخبر و طاعته فيما أوجب و أمر و موالاة أوليائه و معاداة أعدائه و تحليل ما حلل و تحريم ما حرم و إرضائه و محبته و تقديمه في ذلك على الأهل و المال فهذه الوسيلة التي أمرنا الله بها في قوله اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ

فالوسيلة ما يتوسل به و هو ما يتوصل و التوسل و التوصل إلى الله إنما بالإيمان بالرسول ﷺ و تصديقه و طاعته لا وسيلة للخلق إلا هذه الوسيلة.

ثم من آمن بالرسول إذا دعا له الرسول ﷺ و شفع فيه كان دعاء الرسول ﷺ و شفاعته مما يتوصل به و هذا هو التوسل بالرسول ﷺ و أما إذا قد كان الرجل لم يطعه و هو لم يدع للإنسان فلفظ ذات الرسول ﷺ لا تنفع الإنسان بل هو أعظم الخلق عند الله قدرا و جاها و ذلك فضل الله عليه و إحسانه إليه و إنما ينتفع العباد من ذلك بما يقوم بهم من الإيمان به  أو ما يقوم به من الدعاء لهم، و أما إذا قام بهم دعاؤه و الإقسام به فلا ينفعهم و الدعاء من أفضل العبادات و لم يقل أحد عنه أنه شرع لأمته الإقسام بأحد من الأنبياء و الصالحين على الله فمن جعل ذلك مشروعا وواجبا أو مستحبا فقد قفى ما ليس له علم به و قال قولا بلا حجة و شرع دينا لم يأذن به الله.

( الشرح )

القسم تعظيم و هو من خصائص الرب و كونه من ضمن خصائص الرب فإنه لا يجوز أن يفعل لمخلوق و لهذا قرر المؤلف رحمه الله أن كل خصائص الله لا تفعل للمخلوق و من ذلك الحلف لغير الله كالعبادة لله و النذر لله و الصدقة و التوكل و الخوف و الرغبة و الخشية و الاستعانة كل هذا من خصائص الله فلا يجوز أن يفعل لمخلوق لا الأنبياء و لا غيرهم و لا يستثنى من ذلك أحد و هناك حقوق مشتركة مثل الطاعة تكون لله و للرسول و الايتاء يكون لله و للرسول وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ أما العبادة فهي حق الله. و الحلف هو تعظيم لا يكون إلا بالله فلا يجوز الحلف بالرسول ﷺ و لا بغيره.

 قال المؤلف رحمه الله " و إن كان الإقسام به منهي عنه لا ينعقد به اليمين و لا يجب به الكفارة فالإقسام به على الله أولى أن يكون منهيا عنه " إذا كان الإقسام بالرسول ﷺ و الحلف بالرسول ﷺ منهيا عنه فلا ينعقد باليمين و لا يجب له الكفارة و إذا أقسم بالرسول ﷺ قال و محمد و إذا أقسم بالرسول على الله صار أشد نهيا و لهذا قال " فالإقسام به على الله أولى أن يكون منهيا و كذلك الإقسام بسائر المخلوقات على الله " من باب أولى الإقسام بالعرش و الأنبياء من باب أولى أن يكون منهيا عنه و كذلك التوسل بذوات الملائكة و التوسل بذوات الأنبياء والتوسل بالصالحين كل ذلك منهيا عنه كما سبق أن التوسل الشرعي إنما يكون بالإيمان بالله و رسوله والتوحيد و بالعمل الصالح و بدعاء و شفاعة الحي الحاضر.

قال المؤلف رحمه الله " أيضا كذلك فإن أعظم الوسائل للخلق إلى الله هو محمد ﷺ و أعظم وسائل الخلق إلى الله التوسل بالايمان به بتصديقه بما أخبر و طاعته فيما أوجب و أمر و موالاة أوليائه و معاداة أعدائه و تحليل ما حلل و تحريم ما حرم و إرضائه و محبته و تقديمه في ذلك على الأهل و المال " هذا أعظم الوسائل , أعظم الوسائل التوسل إلى الله بالإيمان بمحمد ﷺ و التوسل إلى الله بتصديقه في أخباره و طاعته في أوامره و التوسل إلى الله بموالاة أوليائه و معاداة أعدائه و التوسل إلى الله بتحليل ما حلل و تحريم ما حرم و التوسل إلى الله بإرضائه و محبته و تقديمه في ذلك على الأهل و المال كما قال النبي ﷺ لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده و الناس أجمعين ولما قال عمر : إنك يا رسول الله أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي قال لا يا عمر يعني لا تبلغ المحبة الواجبة حتى تقدم محبتي على محبة نفسك فقال عمر : يا رسول الله أنت الآن أحب إلي من نفسي فقال الآن يا عمر.

 يقول المؤلف "  فهذه الوسيلة التي أمرنا الله بها في قوله اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ " الوسيلة القربة إلى الله بطاعته و الإيمان برسوله و تصديقه في أخباره و طاعته في أوامره و موالاة أوليائه و معاداة أعدائه و تحليل ما حلل و تحريم ما حرم هذه هي الوسيلة هذا هو القرب إلى الله هذه هي الطاعة الوسيلة إلى الله التقرب إليه بطاعته يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ

قال " فالوسيلة ما يتوسل به و هو ما يتوصل و التوسل و التوصل إلى الله إنما بالإيمان بالرسول ﷺ و تصديقه و طاعته " هذه هي الوسيلة إلى الله تكون بالإيمان بالرسول ﷺ و تصديقه و طاعته " لا وسيلة للخلق إلا الله إلا هذه الوسيلة " أما أن يتوسل بالاقسام به أو التوسل بذاته فهذا من البدع أو التوسل بحرمته أو بحرمة فلان أو بجاه فلان هذا من البدع الوسيلة المشروعة أن تتوسل إلى الله بالإيمان بالرسول ﷺ و تصديقه و طاعته.

قال المؤلف " ثم من آمن بالرسول ﷺ إذا دعا له الرسول ﷺ و شفع فيه كان دعاء الرسول ﷺ و شفاعته مما يتوسل به و هذا هو التوسل بالرسول ﷺ" يعني من آمن بالرسول ﷺ و صدقه إذا دعا له الرسول ﷺ و شفع له كان دعاء الرسول ﷺ و شفاعته مما يتوسل به فهذا هو التوسل بالرسول ﷺ كما سبق في حديث الأعمى فإن الأعمى توسل إلى الله بشفاعة النبي ﷺ حينما دعا له أن يرد إليه بصره.

قال المؤلف رحمه الله " و أما إذا قد كان الرجل لم يطعه و هو لم يدعو للإنسان " فإنه لا يستفيد من جاه الرسول عليه الصلاة و السلام إذا كان الشخص ما أطاع الرسول ﷺ و لا آمن به و لا دعا له الرسول ﷺ ما يستفيد من ذات النبي ﷺ ذات الرسول ﷺ لا تنفعه شيئا الرسول ﷺ أعظم الناس جاها و إذا كان الله قال لموسى وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا فنبينا الرسول ﷺ أعظم جاها لكن لا تستفيد من هذا الجاه أنت بمجرد ذات النبي ﷺ إنما تستفيد من هذا الجاه إذا آمنت بالرسول ﷺ و صدقته و أطعته و دعا لك شفع لك فإنك تستفيد.

و لهذا قال المؤلف " و أما إذا قد كان الرجل لم يطعه و هو لم يدعو للإنسان فإن ذات الرسول ﷺ لا تنفعه شيئا بل هو أعظم الخلق عند الله قدرا و جاها و ذلك فضل الله عليه و إحسانه إليه و إنما ينتفع العباد من ذلك بما يقوم به من الإيمان به أو ما يقوم به من الدعاء لهم " إذاً ينتفع العباد من ذلك بشيئين:

الشيء الأول ما يقوم بهم من الإيمان.

و الثاني ما يقوم بالرسول ﷺ من الدعاء لهم.

فمن هذا يحصل الانتفاع ما يقوم بهم من الإيمان و الطاعة و ما يقوم بالرسول ﷺ من الدعاء لهم أما من دعا الرسول عليه الصلاة و السلام و أقسم به فهذا لا ينتفع لأن الدعاء أفضل العبادات و لم يشرع النبي ﷺ لأمته أن يقسموا بشيء من المخلوقات لا الأنبياء و لا غيرهم فمن قال أنه يشرع الإقسام بالمخلوق فقد قال بغير علم و قال قولا ليس عليه دليل و شرع دينا من عند نفسه.

و لهذا قال المؤلف رحمه الله " و أما إذا قام بهم دعاؤه " يعني دعاء الرسول ﷺ هذا شرك كونهم يدعونه " و الإقسام به فلا ينفعهم و الدعاء من أفضل العبادات و لم يقل أحد عنه " يعني عن النبي ﷺ " أنه شرع لأمته الإقسام بأحد من الأنبياء و الصالحين على الله " أقسم على الله بنبيك أقسم على الله هذا ليس بمشروع و ليس عليه دليل " و لم يقل أحد عنه أنه شرع لأمته الإقسام بأحد من الأنبياء و الصالحين على الله فمن جعل ذلك مشروعا وواجبا أو مستحبا فقد قفى ما ليس علم له به و قال قولا بلا حجة و شرع دينا لم يأذن به الله " .

( المتن )

ثم قال :

و إذا لم يكن ذلك واجبا و لا مستحبا كان من فعله معتقدا أنه واجب أو مستحب مخطئا في ذلك و إذا كان مجتهدا و مقلدا فله حكم ثان للمجتهدين و المقلدين يعفى عن خطأه و أما إذا أنكر على غيره بلا علم و رد الأقوال بلا حجة و ذم غيره ممن هو مجتهد و مقلد فهو مستحق للتعزير و الزجر و إن كان المنازع له مخطئا فإن المجتهد المخطأ غفر الله له خطأه فكيف إذا كان المنازع له المصيب وهو المخطئ.

( الشرح )

يقول المؤلف " و إذا لم يكن ذلك واجبا و لا مستحبا  " يعني الإقسام بالنبي ﷺ على الله و الإقسام بالأنبياء و الصالحين على الله ليس مشروعا لا واجبا و لا مستحبا و إذا لم يكن ذلك واجبا و لا مستحبا له كان من فعله معتقدا أنه واجب أو مستحب مخطئا في ذلك.

إذاً الإقسام على الله بالنبي ﷺ و بالأنبياء و الصالحين ليس مشروعا لا واجبا و لا مستحبا فإذا فعله شخص و اعتقد أنه واجب أو مستحب فإنه يكون مخطئا في ذلك لكن قد يكون مجتهدا و قد يكون مقلدا فيكون معذوراً لكن هو مخطئ على كل حال.

إذا قال أن الإقسام بالنبي ﷺ أو التوسل بذاته إنه واجب أو مستحب فهو مخطئ فإن كان متعمدا فإنه يكون آثما و إن كان مجتهدا أو مقلدا فإنه يكون كسائر المجتهدين و المقلدين يعفى عن الخطأ أما إذا تعمد فهذا يكون آثما و يستحق التعزير و التأديب فكيف إذا كان المنازع له هو المصيب.

و لهذا قال المؤلف " و إذا لم يكن ذلك واجبا و لا مستحبا كان من فعله معتقدا أنه واجب أو مستحب مخطئا في ذلك و إذا كان مجتهدا أو مقلدا فله حكم ثان للمجتهدين و المقلدين يعفى عن خطئه و أما إذا أنكر على غيره بلا علم و رد الأقوال بلا حجة و ذم غيره ممن هو مجتهد و مقلد فهو مستحق للتعزير و الزجر " لماذا ؟ لأنه أنكر على غيره بلا علم و لأنه رد الأقوال بلا حجة و لأنه ذم غيره من المجتهدين و المقلدين فيكون مستحق للتعزير و الزجر " و إن كان المنازع له مخطئا فإن المجتهد المخطئ غفر الله له خطأه فكيف إذا كان المنازع له المصيب و هو المخطئ " من باب أولى أن يكون مستحقا للتعزير و الزجر .

( المتن )

ثم قال :

و لكن شأن أهل البدع أنهم يبتدعون بدعة و يوالون عليها و يعادون و يذمون بل يفسقون بل يكفرون من خالفهم كما يفعل الخوارج و الرافضة و الجهمية و أمثالهم.

 و أما أهل العلم و السنة فيتبعون الحق الذي جاء به الكتاب و السنة و يعذرون من خالفهم إذا كان مجتهدا مخطئا أو مقلدا له فإن الله تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ و النسيان و قد قال الله في دعاء المؤمنين رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا.  و قد ثبت في الصحيح أن الله استجاب لهذا الدعاء و قال قد فعلت و الكلام عن هذه المسائل قد بسط في مواضع  غير هذا و صنفت في مصنفات و للعلماء في ذلك و ما يتعلق به من الكلام ما لا يتسع له هذا الموضع و الله أعلم و الحمد لله رب العالمين و صلى الله على سيدنا محمد و آله و سلم تسليما .

( الشرح )

المؤلف رحمه الله بين منهج أهل البدع و منهج أهل العلم فقال منهج أهل البدع أنهم يبتدعون البدعة و يوالون عليها و يعادون و يذمون من خالفهم بل يفسقونه بل يكفرون من خالفهم بل يستحلون دمه و ماله مثل الخوارج و الروافض و الجهمية و أمثالهم أهل البدع طريقتهم يبتدعون البدعة ثم يوالون عليها و يعادون عليها و يذمون من خالفهم بل يفسقونه بل يكفرونه بل يستحلون دمه و ماله هذه طريقة أهل البدع من الخوارج و الروافض و الذين من أمثالهم أما منهج أهل العلم و السنة أنهم يتبعون الحق الذي جاء به الكتاب و السنة و يعذرون من خالفهم إذا كان مجتهدا مخطئا أو مقلدا و لا يستحلون دمه و لا ماله فرق بين المنهجين.

انظر الفرق بين المنهجين منهج أهل البدع يبتدعون البدعة التي ليس عليها دليل لا من الكتاب و لا من السنة ثم يوالون عليها من فعلها فهو الولي و من خالفها فهو العدو عندهم و يذمون من خالف هذه البدعة و يفسقونه بل يكفرونه و يستحلون دمه و ماله و أما أهل العلم و أهل البصيرة و السنة فيتبعون الحق الذي جاء به الكتاب و السنة لا يبتدعون البدع ثم من خالفهم إن كان مجتهدا مخطئا أو مقلدا عذروه و إن كان متعمدا فإنهم لا يعذرونه إذا كان عالما عن علم خالف عن علم و عن بصيرة و عن قصد للباطل هذا لا يعذر.

و لذلك تجد فرق بين المنهجين منهج أهل البدع يبتدعون البدعة ثم يوالون عليها و يعادون عليها و يذمون من خالفهم بل يفسقونه بل يكفرونه و أما أهل العلم و أهل السنة فهم لا يبتدعون البدع و إنما يتبعون الحق الذي جاء به الكتاب و السنة ثم من خالفهم إن كان مجتهدا مخطئا أو مقلدا عذروه و يقولون أن الله سبحانه تجاوز عن هذه الأئمة الخطأ و النسيان و إن كان متعمدا خالف الحق عن علم فهذا هو الآثم و لا يعذر و يستحق التأديب.

و لهذا قال المؤلف رحمه الله " و لكن شأن أهل البدع أنهم يبتدعون بدعة و يوالون عليها و يعادون و يذمون " يعني من خالفهم " بل يفسقون بل يكفرون من خالفهم كما يفعل الخوارج و الرافضة و الجهمية و أمثالهم , و أما أهل العلم و السنة فيتبعون الحق الذي جاء به الكتاب و السنة و يعذرون من خالفهم " متى ؟ "إذا كان مجتهدا مخطئا أو مقلدا له ".

و الدليل قال "  فإن الله تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ و النسيان و قد قال الله في دعاء المؤمنين رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا و قد ثبت في الصحيح أن الله استجاب لهذا الدعاء و قال: قد فعلت" ثبت هذا في صحيح مسلم.

 الخوارج هم الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  الخليفة بالسيف فقاتلهم يوم النهروان حتى تفرقوا و هذا أشهر أسمائهم يسمون بالخوارج و هم طوائف كثيرة منهم الأباضية و منه الأزارقة و من أصولهم التكفير بالمعاصي يكفرون المسلمين بالمعاصي عندهم من فعل الزنا كفر من شرب الخمر كفر من عق والديه كفر يكفرون بالمعاصي  و يستحلون دمه و ماله و هذا بسبب الغلو و الجهل و قد كانوا مع الصحابة لكنهم غلوا و جهلوا الأحكام الشرعية و حملوا النصوص التي وردت في الكفار حملوها على العصاة فكفروا العصاة و استحلوا دماءهم و أموالهم كفروا عثمان و علي من الصحابة و معاوية  و سائر من تولاهم من المؤمنين و استحلوا دماء المسلمين و أموالهم قال النبي ﷺ فيهم يقتلون أهل الاسلام ويدعون أهل الأوثان هم يقتلون المسلمين و يتركون الوثنيين.

و النبي ﷺ أخبر بهذا لما اعترض ذو الخويصرة التميمي لما قسم النبي ﷺ قسما قال : اعدل يا محمد فإن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله فقال: ويلك و من يعدل إذا لم أعدل قد خبت و خسرت إن لم أعدل فلما قال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنقه قال دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ثم إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء سبق الفرث والدم يعني يخرجون سريعا من الإسلام كما يخرج النصل سريعا بينما يدخل في المرمية و يخرج سريعا من شدة سرعته لا يعلق به فرث و لا دم فكذلك هؤلاء يخرجون من الإسلام سريعا.

و في بعض الأحاديث وردت في الصحيحين ما يقرب عشرة أحاديث و في بعضها أن الرسول ﷺ قال: أينما لقيتموهم فاقتلوهم  وقال فإن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد وقال فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم 

احتج بعض العلماء بهذا الحديث على كفر الخوارج و هو رواية عن الإمام أحمد.

و أما الرافضة فهم الذين رفضوا زيد بن علي بن الحسين لما سألوه عن الشيخين أبو بكر و عمر قال ( هما وزيرا جدي رسول الله ﷺ) فرفضوه و تركوه ثم سموا في ذلك الوقت الرافضة و كانوا قبل ذلك يسمون الخشبية لأنهم يقاتلون بالخشب و لا يقاتلون بالسيف حتى يخرج المهدي المنتظر و لهم أسماء و من أسمائهم الإمامية لأنهم يقولون بإمامة اثني عشر و من أسمائهم الاثني عشرية لأنهم يقولون أن النبي ﷺ نص على إمامة اثني عشر كلهم من نسل الحسين بن علي و قالوا هؤلاء أئمة منصوصون معصومون و لكن أهل السنة و الصحابة أخفوا هذه النصوص و ولوا أبا بكر و عمر زورا و بهتانا ولو أبا بكر زورا و بهتانا ثم ولوا عمر زروا و بهتانا ثم ولوا عثمان زورا و بهتانا ثم وصلت النوبة لعلي كما يقولون و الرسول ﷺ نص على أن النوبة على علي ثم بعده الحسن بن علي ثم بعده الحسين بن علي ثم من بقي من نسل الحسين علي بن الحسين زين العابدين ثم محمد بن علي ثم جعفر بن محمد الصادق ثم موسى بن جعفر الكاظم ثم علي بن موسى الرضا ثم محمد بن علي الجواد ثم علي بن محمد المهدي ثم الحسن بن علي العسكري ثم الخلف الحجة المهدي المنتظر محمد بن الحسن الذي دخل سرداب سامراء في العراق سنة ستين و مئتين و لم يخرج حتى الآن قال شيخ الإسلام مضى عليه سبعمائة سنة زمانه و الآن يكون مضى عليه ألف و مئتان سنة و لم يخرج و العجيب أن الحسن بن علي مات عقيما و لم يولد له الحسن مات عقيما و لم يولد له فاختلقوا له ولدا و أدخلوه السرداب سنة ستين و مئتين و قالوا أنه دخل السرداب و هو ابن ثلاث سنين أو خمس سنين و لم يخرج إلى الآن و هم يقفون عند باب السرداب في كل سنة و يأتون ببغلة أو دابة و يأتون بالسلاح و ينادون بصوت يا مولانا اخرج يا مولانا اخرج فجعلوا أناسا في أمكنة متعددة بعيدة عن المشهد يقفون و لا يصلون فإذا قالوا لهم لم لا تصلون قالوا نخشى أن يخرج المهدي و نحن مشغولون بالصلاة هذا من جهلهم و ضلالهم فهم موجودون في السرداب في العراق و قد سألت قبل فترة قبل مدة عنه أحد الأخوان العراقيين قال أنه موجود و أن هناك عليه حراس باب السرداب.

و لهم أسماء يسمون الرافضة يسمون الإمامية يسمون الاثني عشرية و يسمون الجعفرية أيضا ترى بعض الحجاج يقول أنا جعفري نسبة إلى جعفر الصادق و هم يقولون بعصمة الأئمة و يقولون بالوصية و المهدية و الغيبة و الرجعة و التقية و البدى.

و من اعتقاداتهم أن الأئمة منصوصون معصومون و من اعتقادهم تكفير الصحابة إلا نفرا يسيرا ممن والوا عليا و يقولون أن القرآن ليس بمحفوظ لم يحفظ منه إلا الثلث و قد ضاع ثلثي القرآن و هناك مصحف فاطمة عندهم يقولون فيه القرآن كامل و يقولون أنهم يعبدون أهل البيت فوقعوا في أنواع من الشرك و بعضهم يقول أن الأئمة يتصرفون في الكون أئمتهم و هذا شرك في الربوبية و بعضهم يرمي عائشة بما برأها الله منه و بعضهم يؤلهون عليا كما في مذهب النصيرية تأليه علي و أنه الإله نسأل الله السلامة و العافية.

 و أما الجهمية فهم أتباع جهم بن صفوان الجهمية نسبة للجهم بن صفوان السمرقندي و الذي قتله سلم بن أحوز أمير خرسان سنة مئة و ثماني و عشرين و أول من ابتدع القول بالنفي للصفات أنكرك صفتين صفة الخلة و التكليم ثم قتله خالد بن عبد الله القسري أمير العراق ففي فترة من علماء زمانه و هو من التابعين و قد تتلمذ عليه الجهم و أخذ عنه و إنكار الصفات مأخوذ عن الكفرة و عن اليهود لأن الجهم أخذ عن الجعد و الجعد أخذ من أبان بن شمعان و أبان بن شمعان أخذ عن قالوت ابن الأخ للبيد و طالوت أخذ عن خاله لبيد بن الأعصم و هو الساحر الذي سحر النبي ﷺ. و كذلك الحران من أرض حران كان فيها المنجمون و صابئة فعقيدة نفي الصفات ترجع إلى اليهود و الصابئة و المشركين.

قال المؤلف و أمثالهم مثل المعتزلة و القدرية و المرجئة و غيرهم من فرق أهل البدع و المعتزلة اشتهروا أيضا و الجهمية كفرهم خمس مئة عالم كما قال العلامة بن القيم:

ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشر من العلماء في البلدان

 خمسون في عشر يعني خمسمائة و من العلماء من كفر الغلاة دون العامة.

و المعتزلة ورثوا عقيدة نفي الصفات عن الجهمية و هم فرق أيضا عديدة المعتزلة و لهم أصول خمسة تقابل أصول الدين عند أهل السنة أصول الدين عند أهل السنة الإيمان بالله و الإيمان بالملائكة و الإيمان بالكتب و الإيمان بالرسل و الإيمان باليوم الآخر و الإيمان بالقدر داخل في الإيمان بالله و هم عندهم الأصول التوحيد و تركوا تحت كل أصل معنى باطل التوحيد فتركوا تحته نفي الصفات و القول بخلق القرآن و أن الله لا يرى في الآخرة و العدل تحته التكذيب بالقدر و أن لا يقدر أن يهدي ضالا و لا يضل مهديا و الوعد و الوعيد و هو القول بخلود العصاة في النار و المنزلة بين منزلتين و هو القول بأن المؤمن خرج من الإيمان و لم يدخل بالكفر و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر تحته الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي....

و القدرية طائفتان قدرية نفاة و قدرية غلاة و المسلم عليه أن يسأل الله أن يوفقه للحق و أن يلزم عقيدة أهل السنة و الجماعة و أن يحذر من البدع و الأهواء المضلة .

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد