( متن )
قال رحمه الله تعالى :
ثم إني أثبت في كتابي هذا يا أخي وفقك الله بقبوله والعمل به، متونا تركت أسانيدها طلبا للاختصار وعدولا عن الإطالة والإكثار، ليسهل على من قرأه ولا يمل من استمع إليه ووعاه، والله ولي توفيقنا والآخذ بأيدينا، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
( شرح )
بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم و بارك على عبد الله و رسوله نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .
أما بعد ....
المؤلف -رحمه الله- يبين أنه أثبت في كتابه هذا " الشرح و الإبانة على أصول السنة و الديانة " أثبت متونا ترك أسانيدها طلبا للاختصار، يقول: (ثم إني أثبت في كتابي هذا يا أخي) هذا من تواضع المؤلف -رحمه الله- لأن القارئ قد يكون ابنا له، و قد يكون أخا له، و قد يكون مماثلا له في العلم، و قد يكون أقل منه، و الأخوة ثابتة لجميع المؤمنين، قال الله تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ.
يقول المؤلف: ثم إني أثبت في كتابي هذا (الشرح و الإبانة) وفقك الله لقبوله و العمل به -هذا من نصح المؤلف رحمه الله- يدعو يعلمك و يدعو لك وفقك الله لقبوله و العمل به، و هذا إذا وفق الله المسلم لقبول العلم و العمل به فهو على خير عظيم.
يقول: ( إني أثبتت في كتابي هذا متونا) يعني: أحاديث (متون = الأحاديث) (تركت أسانيدها) حذف الأسانيد، (طلبا للاختصار) بينما في كتابه الإبانة الكبرى ذكر الأسانيد سرد الأسانيد لكن في هذا الكتاب وهو الإبانة الصغرى حذف الأسانيد، و بين السبب في ذلك قال: (تركت أسانيدها طلبا للاختصار)، لأنه لو ذكر الأسانيد و وسرد الأسانيد طال الكتاب و هو أراد الاختصار, (و عدولا عن الإطالة و الإكثار) حتى لا يطول الكتاب و حتى لا يكثر، (ليسهل على من قرأه) لأنه مختصر كلٌّ يقرأه بخلاف الطويل فإنه قد يضعف الإنسان عن قراءته، (و لا يمل من استمع إليه ووعاه) وهذا هو السبب بكون المؤلف حذف الأسانيد لأجل أن يكون مختصرا فتسهل قراءته على القارئ، و لا يمل المستمع.
ثم قال المؤلف: (و الله ولي توفيقنا و الأخذ بأيدينا) هذا دعاء من المؤلف نسأل الله أن يقبله و الله ولي توفيقنا فهو يوفقنا للعلم و العمل و الأخذ بأيدينا إلى سبيل الرشاد و هو حسبنا كافينا و نعم الوكيل .
( متن )
فأول ما نبدأ بذكره من ذلك، ما أمر الله به وذكره في كتابه من لزوم الجماعة والنهي عن الفرقة، فقال : وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا
( شرح )
يقول المؤلف: أول ما نبدأ بذكره ما أمر الله به و ذكره في كتابه من لزوم الجماعة و النهي عن الفرقة، هذا هو القسم الأول.
المؤلف -رحمه الله- كما سبق قسم هذا الكتاب إلى أربعة أقسام القسم الأول النصوص التي فيها الأمر بلزوم الجماعة و النهي عن الفرقة و الاختلاف و النصوص التي فيها تولي الصحابة و البعد عن مشاقتهم و مخالفتهم.
فذكر النص الأول قول الله وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا هذا أمر من الله لعبادة بأن يعتصموا بحبله حبل الله هو دينه فاعتصموا بحبل الله دينه , و دينه هو ما أنزله في كتابه و على لسان نبيه ﷺ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا و اعتصموا بحبل الله يعني: اعملوا بكتاب الله و سنة رسوله ﷺ جميعا و اجتمعوا على ذلك و لا تفرقوا، و لا تفرقوا بترك العمل بالكتاب و السنة فإن الإختلاف فإنما يكون بترك العمل و الإجتماع يكون بالعمل بالكتاب و السنة وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا اعتصموا بحبل الله و دينه و اعملوا بكتابه و سنة رسوله ﷺ و اجتمعوا على ذلك، حتى تتآلف القلوب و حتى تكونوا يدا واحدة على أعدائكم و لا تفرقوا فإن الفرقة و الإختلاف شر .
( متن )
ثم تحدث بالوعيد لمن فارق جماعة المسلمين، وقال: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
( شرح )
هذه الآيات فيها تحذير من الفرقة و الإختلاف و تهديد بالوعيد، قال وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ و هم أهل الكتاب , أهل الكتاب من اليهود و النصارى اختلفوا و تفرقوا في دينهم لا عن جهل و لكن بعد العلم، قال سبحانه وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ و قال سبحانه وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ هذه مصيبة كونهم يتفرقون بعد العلم و بعد البينة و بعد البصيرة -و العياذ بالله- فيدل على أنهم غاوون و أنهم انحرفوا عن بصيرة.
و الله تعالى نهانا أن نتشبه بأهل الكتاب فيصيبنا ما أصابهم قال وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ و هم أهل الكتاب من اليهود و النصارى وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ المعنى: أنكم إذ تفرقتم و اختلفتم في كتابكم حل بكم ما حل بهم من العذاب الأليم و لا حول و لا قوة إلا بالله، لأنه ليس بين الناس نسب و لا عهد , من أطاع الله فهو السعيد و من عصى الله فهو الشقي وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ من ذلك الاجتماع على كتاب الله و سنة رسوله ﷺ و اعتقاد ما يعتقده السلف الصالح من الصحابة و التابعين في ربهم و نبيهم و دينهم من الإيمان بأسماء الله و صفاته و أفعاله، و الإيمان بربوبيته و وحدانيته و ألوهيته و أنه مستحق للعبادة وحده و أنه لا يستحق العبادة غيره، و الإيمان بالملائكة و الإيمان بالكتب و الإيمان بالرسل و الإيمان باليوم الآخر و الإيمان بالقدر خيره و شره و الإيمان بأسماء الله و صفاته و إثباتها لله كما يليق بجلاله و عظمته, إثبات الصفات والأسماء التي يثبتها الله لنفسه أو أثبتها له رسوله ﷺ من غير تكييف و لا تمثيل و لا تحريف و لا تعطيل.
و لهذا قال الله سبحانه في كتابه وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا من كان في شق و الله و رسوله في شق فهو هالك وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ سبيل المؤمنين و هم الصحابة و التابعون.
الإيمان بما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله ﷺ من الأسماء و الصفات فمن جحد الأسماء و الصفات و حرفها أو نفاها أو أبطل معناها أو كيفها أو فوض معناها فقد شاق الله و رسوله و اتبع غير سبيل المؤمنين و هو متوعد بأن يصليه الله الجحيم نسأل الله السلامة و العافية .
و في هذه الآية وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ فمن خالف الصحابة و التابعين و أهل السنة و الجماعة فهو من الذين تفرقوا و اختلفوا في دينهم و هو متوعد بهذا الوعيد .
( متن )
( شرح )
أمر الله بالاجتماع على دينه و طاعته في قوله وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا حبل الله هو دينه و طاعته .
( متن )
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ
( شرح )
نعم هذا هو الذي أمر الله به عباده أن يعبدوا الله مخلصين له الدين, أن يعبدوا الله مع الإخلاص و لا يكون في عبادتهم شرك و لا تكفي العبادة وحدها، لأنه قد يعبد الله و يعبد غيره كما يفعل المشركون يعبدون الله و يعبدون غيره، ل ابد من الإخلاص لهذا قال وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فالإخلاص هو أن يكون العمل خالصا لله تكون العبادة لله وحده لا يشاركه فيها أحد.
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، الدين معناها هنا العبادة مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ يعني: مخلصين له العبادة، و الدين يأتي بمعاني له معاني يأتي بمعنى التوحيد و الطاعة كما في هذه الآية مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ يعني مخلصين له العبادة، و كما في قوله تعالى فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ يعني العبادة أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ
ويأتي الدين بمعنى الجزاء و والحساب، كقوله تعالى مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ يعني الجزاء و الحساب و قوله تعالى وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ
فالدين له معان المراد بالدين هنا العبادة مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ مخلصين له العبادة.
فهذا هو الذي أمر الله به عبادة أن يعبدوه مع الإخلاص في العبادة.
حنفاء جمع حنيف و الحنيف هو المائل عن الشرك و البدع ومستقيم على التوحيد، و سمي إبراهيم حنيفا قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ۗ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا يعني مائلا عن الشرك مستقيما على التوحيد.
و لهذا يقال لملة الإسلام هي الملة العوجاء , العوجاء لأنها مائلة عن الباطل و عن الأديان الأخرى و هي مستقيمة في نفسها، و ملة الإسلام هي مستقيمة في نفسها و هي الملة العوجاء يعني: لأنها مائلة عن الشرك و عن الباطل و هي مستقيمة في نفسها، و إبراهيم حنيف يعني مائل عن الشرك إلى التوحيد حنفاء يعني: مائلين عن الشرك مخلصين لله الدين مخلصين له العبادة حنفاء مائلين عن الشرك مستقيمين على التوحيد، و الحنف الميل.
وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ الدين المستقيم القيم الذي لا عوج فيه و هو دين الإسلام، و هو عبادة الله مع الإخلاص و إقامة الصلاة و إيتاء الزكاة.
( متن )
( شرح )
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ و هذا هو المشروع في الجهاد عند قتال العدو أن يكون صف المسلمين صفا متراصا، و كذلك في الصلاة أن يكون صفا أن تكون الصفوف متراصة ليس فيها خلل.
و فيه إثبات المحبة لله إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ إثبات المحبة لله كما يليق بجلاله و عظمته.
وفيه الرد على من أنكر محبة الله من الجهمية و المعتزلة و الأشاعرة و غيرهم كلهم ينكرون محبة الله, الجمهية ينكرون المحبة و المعتزلة و الأشاعرة , الله يُحب و يُحَب كما قال في آية المائدة فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ و الجهمية يقولون أن الله لا يُحِب و لا يُحَب أنكروا المحبة و قالوا أن المحبة لا تكونوا إلا لمناسبة بين المحب و المحبوب و لا مناسبة بين الخالق و المخلوق توجب المحبة.
و هذا من أبطل الباطل، أي مناسبة أعظم من مناسبة بين الرب و العبد , الرب سبحانه يتولى عباده و ويربيهم بنعمه، و العبد يتأله ربه و يعبده , هذه أعظم مناسبة.
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ فإذا وجد الخلل في الصفوف في صفوف المجاهدين أو في الصلاة فإنه يؤدي إلى الخلل في القلوب تنافر القلوب إذا اختلف الناس اختلفت قلوبهم، و لهذا كان مما ورد في الأمر بمراصة الصفوف تراصوا و لا تختلفوا فتختلف قلوبكم فالاختلاف في الصفوف في الصلاة يؤدي إلى الاختلاف في القلوب و لهذا قال الله تعالى إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ ليس فيه خلل .
( متن )
( شرح )
لعله خطلهم، (خطئهم وخطلهم)، الخطأ يعني كون الإنسان يخطئ يعمل الخطأ، و الخطل خطل في اللسان وهو الزلل، الزلل في اللسان، ( خطئهم و خطلهم) .
( متن )
( شرح )
في هذا بيان أن الله أمر المؤمنين بمباينة من خالف عقدهم، يعني من خالف اعتقادهم فالمؤمن عليه أن يباين من خالف عقيدته، فاليهودي و النصراني و الوثني عقيدته تخالف عقيدة المسلم فلا بد من مباينته و البعد عنه و عدم اتخاذه صديقا أو معاشرا.
فالله تعالى أمر المؤمنين بمباينة من خالف اعتقادهم و نكث عهدهم و طعن في دينهم، أمرهم بمجانبتهم يعني البعد عنهم بأن يكونوا في جانب و هم في جانب، و ترك مجالستهم لا تتخذ كافرا صديقا تزوره و يزورك، لكن إذا جمعك به مجلس من دون اختيار هذا شيء آخر, و لكن تتخذه صديقا تفضي إليه بأسرارك و تثق به و تزوره و يزورك هذا من الموالاة، بل عليك بالبعد عنه، إلا في حال دعوته إلى الإسلام لا بأس تزوره و تدعوه إلى الإسلام، كما زار النبي ﷺ اليهودي و دعاه إلى الإسلام فأسلم وكما زار عمه أبا طالب و دعاه إلى الإسلام فلم يقدر الله له الإسلام.
فالمسلم عليه أن يباين من خالف اعتقاده عقيدته و يجانبه و لا يجالسه و لا يستمع إلى خطأه و خطله لا يستمع إلى خطأه في أفعاله و خطله في زله في أقواله.
و لهذا قال الله تعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا و من شاق الرسول و اتبع غير سبيل المؤمنين -و المؤمنون هم الصحابة و التابعون و من بعدهم من العلماء والأئمة- ، من اتبع غير سبيلهم و شاق الرسول ولاه الله ما تولى و أصلاه جهنم.
و قال سبحانه في هذه الآية الكريمة التي ساقها المؤلف في سوة النساء وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا فلا يجوز للمسلم أن يجلس في مجلس يعصى الله و رسوله فيه، فإذا جلس الإنسان في مجلس يستهزأ فيه بالله أو بكتابه أو برسوله فإنه يجب عليه أن ينكر عليهم، فإن زال المنكر فكمل معهم و إن لم يزل يجب عليك أن تفارق هذا المجلس و لا تجلس معهم، و فإن جلست فأنت مثلهم، فمن جلس في مجلس يعصى الله يكفر فيه بالله أو بكتابه أو برسوله و لم ينكر عليهم و لم يقم من المجلس فله حكمهم يكون كافرا مثلهم ،كما قال سبحانه وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا و إذا جلست في مجلس فيه الغيبة و النميمة فعليك أن تنصحهم فإن امتثلوا فالحمد لله و إن لم يمتثلوا فقم، و إن لم تقم فأنت لك حكمهم حكم المغتاب و حكم النمام، و إذا جلست في مجلس يشرب فيه الخمر عليك أن تنكر عليهم فإن زال المنكر و تركوا شرب الخمر فالحمد لله و إن امتنعوا فقم عن المجلس فإن لم تقم فأنت شريك لهم، حكمك حكم من شرب الخمر و من جلس في مجلس يشرب فيه الخمر فكأنه شرب الخمر، و من جلس في مجلس يغتاب فيه له حكم المغتاب و من جلس في مجلس يستهزأ فيه بالدين و يكفر فيه بالله و رسوله فحكمه حكمهم يكون كافرا مثلهم، إلا إذا أنكر عليهم أو قام عن المجلس فإن لم ينكر أو لم يقم عن المجلس فحكمه حكمهم.
نسأل الله السلامة و العافية.
الطالب: س/ (22:7)
إذا جلس في مجلس إذا رضى بالكفر كافر وإذا رضى بالمعصية عاص، إذا جلس في مجلس يستهزأ فيه بالله وبرسوله ﷺ ينكر عليهم، فإن رفضوا قام عن المجلس وإن لم يقم يكون راضيا بالكفر فيكون كافرا و إذا جلس في مجلس يشرب فيه الخمر أو الدخان أو الغيبة أو النميمة ينهاهم فإن رفضوا قام فإن لم يقم صار حكمه حكمهم عاصيا مثلهم, نسأل الله السلامة و العافية .
( متن )
وأمر رسول الله ﷺ الثلاثة الذين تخلفوا عنه بهجرانهم ومباينتهم وأمرهم أن يعتزلوا نساءهم حتى أنزل الله تعالى توبتهم.
( شرح )
في هذا دليل على أنه ينبغي هجران أهل البدع و المعاصي، و لهذا أمر الرسول ﷺ الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك (و هم كعب بن مالك و مرارة بن الربيع و هلال بن أمية) تخلفوا عن رسول الله ﷺ في غزوة تبوك و صدقوا الرسول عليه الصلاة و السلام، لما جاء من غزوة تبوك لما جاء أخبروه بأنه ليس لهم عذر و المنافقون الذين تخلفوا حلفوا كذبوا و حلفوا فالرسول ﷺ قبل منهم علانيتهم و وكل سرائرهم إلى الله، أما هؤلاء فهم صدقوا و قالوا ليس لنا عذر، فأمر النبي ﷺ فهجرهم و المسلمون خمسين ليلة , خمسين ليلة هجروهم لا يكلمونهم و لا يردون عليهم السلام و لا يجيبون دعوتهم، و لما مضت أربعين ليلة أمرهم النبي ﷺ أن يعتزلوا نسائهم أيضا، حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت و ضاقت عليهم الدنيا بأسرها، أما هلال بن أمية و مرارة بن الربيع فجلسا قعدا كل واحد قعد في بيته يبكي و لا يصلون مع الجماعة مهجورون، و هذا فيه دليل على أنه في هذه الحالة قد تسقط عنهم الجماعة، و أما كعب بن مالك فكان أشد القوم كان يطوف في الأسواق يسلم و لا أحد يرد عليه السلام حتى ضاقت عليه الأرض بما رحبت، حتى جاء إلى ابن عمه الذي هو أحب الناس إليه فسلم عليه فلم يرد عليه السلام، و قال له يا فلان -و هو أحب الناس إليه- أسالك : هل تعلم أني أحب الله و رسوله و كررها ثلاثا و لم يرد عليه حتى قال في الثالثة الله و رسوله أعلم ففاضت عيناه، حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت و ضاقت عليهم أنفسهم فجائهم الفرج و أنزل الله توبتهم من وفق سبع سماوات قرآن يتلى إلى يوم القيامة وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
فالنبي ﷺ و الصحابة هجروا هؤلاء ثلاثة و خمسين ليلة و لم يهجروا المنافقين، فقال المحققون من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- و غيره: إن الهجر كالدواء يستعمل كالدواء علاج إن كان ينفع يهجر العاصي أما إذا كان الهجر يزيده شرا فلا يهجر بل يستمر على دعوته، لأن بعض العصاة إذا هجرته زاد شره و بلاؤه و إذا لم تهجره يراعيك بعض الشيء يخفف من الشر لكن إذا هجرته صار لا يبالي وزاد في شره هذا لا تهجره تستمر في نصيحته، أما إذا كان الهجر ينفعه و يترك المعصية و يرجع عن المعصية و البدعة فاهجره.
و الشاهد من هذا أن أهل البدع يجب هجرهم و العصاة يجب هجرهم، و من ذلك أهل البدع مبتدعة في الأسماء و الصفات من الجهمية و المعتزلة و الأشاعرة يجب هجرانهم و مباينتهم و البعد عنهم و عدم مجالستهم و عدم السلام عليهم و عدم إجابة دعوتهم حتى يتوبوا من بدعتهم .
( متن )
( شرح )
هذا هو النص الثاني من النصوص التي ذكرها في القسم الأول و هو الأمر بلزوم الجماعة و السنة و التحذير من البدع، و سرد المؤلف -رحمه الله- آثارا كثيرة نصوصا ما بين نص و أثر عن الصحابة و التابعين، -قلت لكم بالأمس أنها تزيد على ثلاثمائة و هي عددها في الواقع مئتين واثنين و ثلاثين , اثنين و ثلاثين و مئتين نصا ما بين حديث و أثر، كما هو مرقم و هذا النص الثاني كما رقمه المحقق هذا الحديث أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى أخاه فيقول يا هذا اتقِ الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله و شريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ تَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُون هذا الحديث في سنده انقطاع فهو منقطع رواه أبو داود , كما ذكر المحقق في سننه و الترمذي في كتاب التفسير و ضعفه الشيخ ناصر الدين الألباني ورواه ابن وضاح في البدع و النهي عنها، لكن الحديث له شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن لغيره فيكون حسنا، و الآية كافية في هذا قول الله لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ
و النصوص تدل على أنه لا يجوز لمسلم أن يجالس العاصي و المبتدع و يكون أكيله و شريبه و هو على معصية، إلا مع الإنكار عليه فينكر عليه أولا فإن ارتدع و إلا فإنه يهجره و لا يجالسه و لا يؤاكله إلا إذا كان الهجر يزيده شرا -كما سبق- فإنه يستمر في نصيحته.
و لهذا في هذا الحديث أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى أخاه فيقول يا هذا اتقِ الله و دع ما تصنع يعني من المعاصي فإنه لا يحل لك ينهاه عن المعصية ثم يلقاه من الغد فلا يهجره فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله و شريبه و قعيده يعني يأكل معاه ويشرب معاه و يجلس معاه ما كأنه عصى الله فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم لعنهم على ألسن أنبيائه ثم قال لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ.
و الآية كافية والله تعالى قصَّ علينا خبرهم لنعتبر و لننزجر لا أن نفعل مثل فعلهم فيصيبنا ما أصابهم، كما قال بعض السلف: "مضى القوم ولم يعن به سواهم" فالله تعالى حينما قص علينا خبر بني إسرائيل و أنهم لعنوا على ألسن أنبيائهم بين السبب أنهم لا يتناهون عن منكر فعلوه، فهذا فيه تحذير لنا، تحذير لنا من أن نفعل مثل فعلهم فيصيبنا ما أصابهم لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ فالله تعالى لعنهم على ألسنة أنبيائهم بسبب ايش ؟ بسب أي شيء ؟ أنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه و هذه الأمة إذا كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه فالذي لا ينهى عن المنكرات يصيبه ما أصاب بني إسرائيل، لأن هذا الفعل خاص ببني إسرائيل الله ذكر ذلك لنا لنحذر من صفاتهم حتى لا يصيبنا ما أصباهم.
فالواجب على المسلم أن يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر على قدر استطاعته باللين و الرفق و الحكمة، كما قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم عن أبي سعيد: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان تنكر باللين و الرفق باليد إذا كنت تستطيع، كنت أميرا أو لك سلطة أو من رجال الحسبة على قدر صلاحياتهم تنكر بيدك فإن عجزت تنكر باللسان و البيان و الإيضاح فإن عجزت تنكر بالقلب مع ظهور علامات الإنكار عن الوجه و البعد عن مجالستهم، الإنكار بالقلب أن تظهر علامات الكراهة على وجهك و أن تفارق المجلس الذي الله فيه لا بد من هذا، فإذا فعل الإنسان ذلك أنكر المنكر وبرئ، لكن من رضي وتابع كما جاء في الحديث الآخر يقول: يكون فيكم أمراء تعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد برئ و لكن من رضي وتابع من رضي و تابع فإنه يصيبه ما أصابهم ويشمله الإثم، و كذلك هنا ينبغي للإنسان أن يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر و من ذلك أهل البدع , أهل البدع في الأسماء و الصفات ينكر عليهم الأشاعرة و المعتزلة و الجهمية ينكر عليهم و يبين لهم الحق و ينهاهم عن بدعتهم فإن استمروا على بدعتهم يهجرهم ولا يجالسهم و لا يأكل معهم، ما يكون أكيل جهمي و لا معتزلي و لا أشعري إلا إذا تاب .
( متن )
وقال ﷺ: مثل القائم على حدود الله والمدهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر، فأصاب بعضهم أسفلها وبعضهم أعلاها، وكان الذين في أسفلها يخرجون ويستقون الماء، ويصبون على الذين أعلاها فيؤذونهم، فقالوا: لا ندعكم تمرون علينا فتؤذوننا، فقال الذين في أسفلها: أما إذا منعتمونا فننقب السفينة من أسفلها فنستقي. قال: فإن أخذوا على أيديهم فمنعوهم نجوا جميعا، وإن تركوهم هلكوا جميعا
( شرح )
هذا هو النص الثالث من النصوص التي ساقها المؤلف -رحمه الله- و هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه و الترمذي، و المؤلف روى الحديث بالمعنى، و لفظ البخاري: حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش قال: حدثنا الشعبي أنه سمع النعمان بن بشير رضي الله عنهما يقول: قال النبي ﷺ: مثل المدهن في حدود الله والواقع المدهن يعني: المداهن مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها فكان الذي في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به فأخذ فأساً فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه فقالوا مالك؟ قال : تأذيتم بي ولا بد لي من الماء فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم و إن تركوه أهلكوه و أهلكوا أنفسهم.
هذا الحديث ضربه النبي ﷺ ضرب فيه مثلا و الأمثال ينتقل بها الإنسان من الأمر الحسي إلى الأمر المعنوي و لهذا قال الله وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ كان بعض السلف إذا لم يفهم المثل بكى و تلى هذه الآية وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ
فالنبي ﷺ ضرب مثلا للعصاة الواقعين في المعصية و من يقوم عليهم مثل القائم في حدود الله والمداهن فيها هنا مثل المدهن حدود الله و الواقع فيها الحدود تطلق على المعاصي و تطلق على الواجبات و من ذلك قول الله تعالى تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا يعني المناهي و تطلق الحدود على الواجبات كقول الله تعالى تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا لا تتجازووها هذه حدود الله الواجبات , تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا لا تتجاوزوا الواجبات، و تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا هذه المنهيات.
مثل القائم على حدود الله والواقع فيها و المدهن فيها يعني مثل العاصي الواقع في المعصية و من ينهاه و من يأخذ على يده، مثل سفينة السفينة مكونة من طابقين سكن بعضهم في الطابق الأعلى و سكن بعضهم في الطابق الأسفل، فكان الذين في الطابق الأسفل إذا احتاجوا إلى الماء صعدوا إلى الطابق الثاني و أدلو دلوهم و أخذوا الماء فمروا به على الطابق الثاني ثم نزلوا به إلى الطابق الأسفل فتأذى أهل الطابق الأعلى قالوا آذيتمونا كل ما جئتم أخذتم كذا و تأذينا بالماء الذي يصب علينا، فلما رأوهم نقروا من أسفل قالوا ما في داعي نمر عليهم، نقروا من أسفل السفينة حتى يدخل الماء نقروا يخرقون السفينة يريدون خرق السفينة و يأخذون الماء من أسفل , أهل الدور الثاني أو الطابق الثاني ما هو موقفهم ؟ موقفهم أحد أمرين إما أن يسكتوا عنهم فإذا سكتوا عنهم و تركوهم يخرقون السفينة دخل الماء فغرقوا هم و غرق أهل الدور الثاني و الطابق الأعلى كلهم يغرقون و إن أخذوا بأيدهم و منعوهم نجوا بأنفسهم أنجوا أنفسهم و أنجوا أهل الطابق الثاني.
فكذلك الآن العصاة , العصاة الآن مثل الذي يخرق السفينة , العصاة إذا عصوا الله و أظهروا معاصيهم و سكت الناس عنهم جاءت العقوبات و النكبات و عمت الجميع عمت الصالح و الطالح, العاصي و غير العاصي قال الله تعالى وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّة يعني تعم الذين ظلموا و غيرهم إذا سكتوا.
و قال عليه الصلاة و السلام في الحديث الصحيح إن الناس إذا رأو المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده فإذا ظهرت المنكرات و سكت الناس جاءت النكبات و العقوبات فعمت الصالح و الطالح ثم يبعثون على نياتهم.
و ثبت أن النبي ﷺ استيقظ في بعض الليالي فزعا و هو يقول لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب، فقالت زينب: يا رسول الله أنهلك و فينا الصالحون ؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث و الخبث: المعاصي. إذا كثر الخبث و انتشرت المعاصي و لم يغيرها الناس جاءت العقوبات و المصائب و النكبات فعمت الجميع عمت الصالح و الطالح، ثم يبعثون على نياتهم.
فالواجب على المسلمين أن يتقوا الله و أن يتآمروا بالمعروف و يتناهوا عن المنكر و يأخذوا على أيدي السفهاء و يكونون إلى الحق أقرب لئن لا تأتي العقوبات فتشمل الجميع.
و إنكار المنكر -كما سبق- يكون باليد و يكون باللسان و يكون بالقلب , يكون باليد من ولاة الأمور و الإنسان في بيته إذا كان يستطيع و من له ولاية، و يكون باللسان لمن يعلم هذا الأمر من العلماء، و من يعلم أن هذا الأمر منكر ينكره باللسان و البيان و النصيحة و الوعظ باللين و الرفق، و المرتبة الثالثة إذا عجز أو ترتب على الإنكار باللسان ضرر على نفسه في بدنه أو ماله أو أهله ينتقل إلى الإنكار بالقلب بمعنى أنه يكره هذا المنكر و تظهر علامات الإنكار على وجهه و يفارق المجالس و المكان الذي يعصى الله فيه، أما إذا ترك الإنسان إنكار المنكر لا ينكر لا باليد و لا باللسان و لا بالقلب فإنه يكون آثما و يخشى عليه من العقوبة، - و لا حول و لا قوة إلا بالله-.
و هذا الحديث من أصح الأحاديث صحيح البخاري، ضرب النبي ﷺ مثلا فالعصاة هم الذين يخرقون السفينة و الناس العقلاء و الصالحون هم الذين يأخذون على أيديهم فإن أخذوا على أيديهم و منعوهم من المعاصي سلموا و سلم العصاة و سلموا من العقوبات و إن تركوهم و لم ينكروا عليهم جاءت العقوبات و المصائب و النكبات فعمت العاصي و غير العاصي -و لا حول و لا قوة إلا بالله- وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً و هذا يشمل أهل البدع و أهل المعاصي.
المؤلف -رحمه الله- ذكر هذه النصوص للتحذير من البدع فيجب الإنكار على أهل البدع و البدعة أشد من المعصية , الجهمية و المعتزلة و الأشاعرة و الرافضة و الخوارج و المرجئة يجب الإنكار عليهم لأنهم عصاة مبتدعة، فإذا سكت الناس على لإانكار و بيان منهج أهل السنة و الجماعة و بيان نصوصه عليهم و مناقشتهم و بيان فساد مذاهبهم و إبطال شبههم حتى لا تعم العقوبات و المصائب و النكبات .
( متن )
( شرح )
الحديث كما قال المفسر: ورواه أبو داود و الترمذي و في سنده من هو متكلم فيه عبد الرحمن بن زياد الإفريقي (43:31) في الشريعة، و لكن الحديث له طرق متعددة و لا بأس بسنده و قد اعتمده أهل العلم و الأئمة و قبلوه، فالحديث بطرقه المتعددة لا بأس بسنده و اعتمده العلماء و قالوا: إن هذه الفرق ثنتي و سبعين فرقة فرق المبتدعة عصاة إلا واحدة و هم أهل السنة و الجماعة، و لهذا قال العلماء: إن الجهمية و الرافضة و القدرية من الغلاة خارجون من الثنتي و السبعين فرقة لكفرهم و ضلالهم , فهذه الفرق اثنتان و سبعون فرقة فرق المبتدعة فرق العصاة كلهم عصاة متوعدون بالنار ليسوا كفارا على الصحيح، و لهذا أخرج العلماء الجهمية من الثنتين و السبعين فرقة قالوا أنهم كفار لكفرهم و أخرجوا القدرية الغلاة الذين أنكروا علم الله، و الرافضة قالوا: إنهم خارجون من الثنتي و السبعين فرقة.
و في هذا الحديث بيان أن هذه الأمة ستفترق على هذه الفرق على ثلاث و سبعين فرقة كلها متوعدة بالنار إلا فرقة واحدة ناجية و هم أهل السنة و الجماعة، و جاء في الحديث الآخر أن النبي ﷺ سُئل منهم؟ قال من كان على مثل ما أنا عليه اليوم و أصحابي و في لفظ وهي الجماعة هم أهل السنة و الجماعة من الصحابة و التابعين و الأئمة و من اتبعهم، من استقام على دين الله و شرعه و عمل بكتاب الله و سنة رسوله ﷺ و اتبع سبيل المؤمنين فهو من الناجين و من حاد عن سبيل الحق وتنكب الجادة فهو من الهالكين، و هذا الحديث و أمثاله يفيد فائدتين:
الفائدة الأولى: فيه علم من أعلام النبوة و هو أن هذه الفرق لا بد أن توجد في هذه الأمة فهو دليل من دلائل النبوة دليل على صدق الرسول ﷺ و أنه رسول الله حقا حيث وقع كما أخبر.
و الأمر الثاني: التحذير من فرق البدع من الفرق المبتدعة، أن يحذر الإنسان من هذه الفرق ويلزم السنة و الجماعة حتى يكون من الفرقة الناجية، فهو يفيد هاتين الفائدتين.
الفائدة الأولى: أنه لا بد أن تقع هذه الفرق و توجد على الأمة فهو دليل على صدق النبي ﷺ و أنه رسول الله حقا و في علم من أعلام النبوة.
و الأمر الثاني: التحذير من هذه الفرق و سلوك طرقها و البعد عنها و سلوك سبيل المؤمنين و أن يحرص الإنسان أن يكون من الفرقة الناجية أهل السنة و الجماعة الذين لزموا الكتاب و السنة و استقاموا على الجادة و لم يتنكبوا الصراط المستقيم وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.
( متن )
( شرح )
و هذا الحديث رواه الترمذي أيضا و أبو داود و ابن ماجة و أحمد و الدارمي و البغوي، و نقل الألباني تصحيحه عن الضياء المقدسي في مختاراته قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أن ضياء المقدسي له كتاب سماه المختارة و تصحيحه فيه أحسن من تصحيح الحاكم، فالحديث حسن لا بأس بسنده.
و هو دليل على الأمر بلزوم السنة فيه حث على لزوم السنة و سنة الخلفاء الراشدين من بعده عليه الصلاة و السلام، و إنما يؤخذ بسنة الخلفاء الراشدين و هم أبو بكر و عمر و عثمان و علي، الخلفاء الراشدون هم الخلفاء الأربعة، أبو بكر و عمر و عثمان و على يؤخذ بسنتهم إذا لم يوجد المسألة في سنة النبي ﷺ، عند خفاء السنة إذا لم يوجد في المسألة نص فإنه يؤخذ بسنة الخلفاء الراشدين، أما إذا كان في المسألة نص فيجب إتباع النص إذا وجد نص في كتاب الله أو سنة الرسول ﷺ، و قال أحد الخلفاء الراشدين أو قالوا قولا يخالف النص فيجب الأخذ بالنص الذي دل عليه الكتاب و السنة و يحمل قول الخلفاء الراشدين على الاجتهاد و أنهم اجتهدوا يترضى عنهم.
و من ذلك أن الخلفاء الثلاثة أبا بكر الصديق و عمر و عثمان كانوا يفتون بالإفراد بالحج كانوا يفتون الناس بعد وفاة النبي ﷺ بأن يفردوا في الحج و اجتهدوا و قالوا لمن سألهم أفرد الحج و أتِ بالعمرة في وقت آخر، حتى لا يزال هذا البيت يحج و يعتمر، و النبي ﷺ أمر بالمتعة في الأحاديث الكثيرة أن النبي ﷺ أمر الصحابة في حجة الوداع خيرهم عند الميقات فلما قرب من مكة أمرهم أن يفسخوا إحرامهم بالحج أو بالحج و العمرة إلى عمرة و يكونوا متمتعين فلما وصلوا مكة ألزمهم و حتم عليهم عند المروة حتى تحللوا كلهم إلا من ساق الهدي.
و لهذا ذهب بعض العلماء إلى وجوب التمتع و هو رواية عن الإمام أحمد و اختاره ابن القيم قال أنا أميل إلى هذا القول من قول شيخنا, يعني شيخ الإسلام ابن تيمية، و هو إختيار الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- أنه يجب المتعة، و الصواب الذي عليه الجمهور أنه ليس واجبا، شيخ الإسلام يرى أن هذا واجب في حق الصحابة حتى يزول اعتقاد الجاهلية لأن أهل الجاهلية كانوا يحرمون المتعة في أشهر الحج و يرون أن المتعة في أشهر الحج من أفجر الفجور و يقولون لي هناك عمرة في وقت الحج إلا إذا انتهت أيام الحج و إذا انسلخ شهر صفر و برأ الدبر يعني: الجروح التي في ظهر البعير، فحرموا العمرة في أشهر الحج، فالنبي ﷺ خالفهم و أمر الصحابة أن يجعلوا إحرامهم بالحج أو بالحج و العمرو متمتعين، فأخذ بهذا ابن عباس و علي ، و جماعة ابن عباس وأبو موسى كانوا يفتون بالمتعة، و لما ناظر بعض الناس ناظروا ابن عباس رضي الله عنهما وقالوا: أنت تفتي بالمتعة و أبو بكر و عمر يفوتون الناس بالإفراد، إفراد الحج فكيف تخالف ؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: شد عليهم و قال أن أفتيكم بالسنة، أن معي السنة و أنتم معكم قول أبو بكر و عمر يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول قال رسول الله و تقولون قال أبو بكر و عمر !! كيف تعارضون السنة بقول أبي بكر و عمر فإذا كان الذي يعارض السنة بقول أبي بكر و عمر يخشى أن تنزل عليه حجارة من السماء فكيف بمن يعارض السنة بقول فلان و علان ؟!
فالمقصود أن سنة الخلفاء الراشدين إنما يؤخذ بها إذا لم يوجد نص في السنة، و من ذلك زيادة الأذان الأول يوم الجمعة زيادة أمير المؤمنين عثمان هذا من سنة الخليفة الراشد، كان في عهد النبي ﷺ و أبي بكر و عمر إلى خلافة عثمان ما في إلا أذان واحد يوم الجمعة، إذا دخل الخطيب أذن المؤذن، فلما كثر الناس في المدينة أمر عثمان بالأذان الأول أن يؤذن على (52:34) تنبيها للناس، و أجمع عليه الصحابة فهذي سنة الخلفية الراشد.
ففي هذا الحديث يقول النبي ﷺ عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ عضوا تمسكوا عليها بالنواجذ، والنواجذ: جمع ناجذ و الناجذ هو: السن الذي قبل الأضراس، و الإنسان له أربعة نواجذ، له أربعة نواجد في فمه في كل جهة ناجد قبل الأضراس من هنا واحد و من هنا واحد و من الأسفل واحد و من الأسفل واحد، إثنان في الفك الأسفل و إثنان في الفك الأعلى، عضوا عليها بالنواجد، و هذا يقال للشيء الذي يراد التمسك به فالشيء الذي يتمسك به يقال عض عليها بالنواجد، يعني لا تهمله و لا تضيعه، عضوا عليها بالنواجد المعنى: تمسكوا بها و اهتموا بها و اعتنوا بها كما يعتني الإنسان بالشيء الذي يعضه على نواجده و لا يتركه.
و المؤلف -رحمه الله- أراد من هذا التحذير من البدع في الأسماء و الصفات و بدع الجهمية و المعتزلة و الأشاعرة و غيرهم فالواجب على الإنسان أن يعض على السنة بالنواجد على سنة النبي ﷺ و سنة الخلفاء الراشدين و يبتعد عن البدع المحدثة في الدين، سواء كانت بدعا في الأسماء أو في الصفات أو في العبادات أو في الأعمال .
( متن )
( شرح )
قوله عليه الصلاة و السلام لقد جئتكم بها بيضاء نقية فلا تختلفوا بعدي هذا الحديث رواه أحمد والبغوي في شرح السنة، بدون لفظ فلا تختلفوا بعدي
و الحديث و إن نقل تضعيفه عن بعضهم إلا أنه حسن لكثرة طرقه فلا بأس به، و لهذا حسن الشيخ الألباني -رحمه الله- لكثرة طرقه فالحديث حسن لقد جئتكم بها بيضاء نقية فلا تختلفوا بعدي هذه زيادة، يعني الشريعة جاء بها النبي ﷺ بيضاء واضحة ليس فيها لبس، فيجب التمسك بالشريعة من كتاب الله و سنة رسوله ﷺ والبعد عما خالفها من البدع .
( متن )
وقال ﷺ: قد تركتكم على الواضحة فلا تذهبوا يمينا ولا شمالاً
( شرح )
و هذا بنفس معنى الحديث السابق رواه ابن ماجة بلفظ على الملة البيضاء أو تركتكم على الواضحة و هي الشريعة فلا تذهبوا يمينا و لا شمالاً بمعنى: أنكم تتنكبوا الطريق المستقيم و لا تحيدوا عليه عن المحجة البيضاء و عن السنة، هذا فيه تحذير من البدع و الأمر بلزوم السنة و الجماعة .
( متن )
( شرح )
و هذا الحديث رواه الدارقطني في الأفراد لحديث عائشة بلفظ من تمسك بالسنة دخل الجنة، و رواه المؤلف أيضا في الإبانة الكبرى بسند منقطع و رواه الهروي في ذم الكلام و رواه اللالكائي بلفظ من أحيا سنتي فقد أحبنتي ومن أحبني كان معي في الجنة
فالحديث معناه له أصل لكن بهذا اللفظ في ثبوته نظر إن الله يدخل العبد الجنة بالسنة يتمسك بها لكن المعنى صحيح فالمتمسك بالكتاب و السنة لا شك أنه من أهل الجنة والكرامة و فيه تحذير من البدع .
( متن )
( شرح )
و هذا تكملة للحديث السابق يقول لقد جئتكم بها بيضاء نقية والله لو كان موسى وعيسى حيين ما وسعها إلا اتباعي و هذا صحيح فإن الله تعالى أخذ الميثاق على كل نبي لئن بعث محمد و هو نبي للتبعنه، كل نبي أخذ منه عهد و ميثاق لئن بعث محمد عليه الصلاة و السلام و هو موجود ليتبعه قال الله تعالى وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ۚ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ قَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ فَمَن تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
فالآية دليل على أن الله أخذ الميثاق على كل نبي أن يؤمن بمحمد ﷺ، و لهذا قال النبي ﷺ والله لو أن موسى وعيسى حيان ما وسعهما إلا اتباعي.
و إذا نزل عيسى عليه الصلاة و السلام في آخر الزمان حينها يكون فردا من أفراد الأمة المحمدية و يحكم بهذه الشريعة، و من الحكم بالشريعة أنه إذا نزل انتهى أخذ الجزية من اليهود و النصارى، ما يقبل منهم جزية إذا نزل عيسى ما يقبل الجزية، ما يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، فإذاً الآن اليهودي و النصراني مخير بين أي شيء ؟ مخير بين الإسلام أو الجزية أو السيف، إذا نزل عيسى ينتهي واحد من هذا، الجزية تنتهي، يخير بين الإسلام و السيف، مُغيَّا أخذ الجزية مُغيَّا بنزول عيسى، و هذا حق بالشريعة بشريعة النبي ﷺ و عيسى إذا نزل يحكم بشريعة محمد ﷺ و يكون فردا من أفراد الأمة المحمدية و هو خير هذه الأمة و أفضلها و يعايى بها يقال: من أفضل أمة محمد من هو أفضل من أبي بكر بالإجماع و هو من هذه الأمة؟ عيسى أفضل من أبي بكر بالإجماع و هو فرد من أفراد هذه الأمة، فهو نبي و هو من هذه الأمة و قد يقال من الصحابة لأنه التقى بالنبي ﷺ ليلة المعراج حيا فهو صحابي و هو نبي و هو فرد من أفراد هذه الأمة و هو أفضل من أبي بكر بالإجماع و أفضل من هذه الأمة بعد نبيها، و يعايى بها يقال: من هو أفضل من أبي بكر بالإجماع من هذه الأمة , رجل من أمة محمد أفضل من أبي بكر بالإجماع؟ عيسى ثم يليه أبو بكر بالإجماع لأنه نبي أبو بكر أفضل الناس بعد الأنبياء و عيسى نبي و من هذه الأمة .
( متن )
وخرجه ﷺ: وهم يتنازعون في القدر فقال: أبهذا أمرتم، أوليس عن هذا نهيتم؟ إنما هلك من كان قبلكم بتماريهم في دينهم
( شرح )
و هذا رواه الترمذي من حديث أبي هريرة و حسنه و صححه الحاكم ووافقه الذهبي و الحيث لا بأس بسنده.
و فيه التحريم من المراء و النزاع و الاختلاف و الفرقة و الأمر بلزوم السنة و الجماعة، و لهذا لما خرج النبي ﷺ و هم يتنازعون في القدر أنكر عليهم قال: أبهذا أمرتم؟ أوليس عن هذا نهيتم؟ إنما هلك من كان قبلكم بتماريهم يعني خصامهم و نزاعهم في دينهم.
فيه التحذير من الخصام و النزاع و المراء و الاختلاف و الفرقة والأمر بلزوم السنة و الجماعة، و أهل البدع يتمارون و يخاصمون و يخالفون.
و فيه التحذير من أهل البدع و خصامهم و مرائهم و نزاعهم و مخالفتهم نصوص أهل السنة و الجماعة .
( متن )
( شرح )
و هذا الحديث أخرجه الترمذي و ابن ماجة و الطبراني و هو الحديث صحيح و له ألفاظ و في بعض الألفاظ أن النبي ﷺ خرج إليهم و هم ينزعون يأخذ هذا بآية و يأخذ هذا بآية فلما خرج عليهم عليه الصلاة و السلام غضب وكأنما فقئ في وجهه حب الرمان من الغضب فقال أبهذا أمرتم أم بهذا وكلتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض ما عرفتم منه فاعملوا به وما لم تعلموه فكلوه إلى عالمه و في هذا اللفظ الذي ساقه المؤلف قال: " فكأنما فقئ في وجهه حب الرمان من الغضب " فقال إنما أفسد على الأمم هذا فلا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض فإن ذلك يوقع الشك في قلوبكم و في الحديث الآخر أنه خرج إليهم و هم ينزع هذا بآية و هذا بآية و هذا يرد على هذا و هذا يرد على هذا فغضب النبي ﷺ من اختلافهم و قال أبهذا أمرتم أم بهذا وكلتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض ما عرفتم منه فاعملوا به و ما لم تعلموه فكلوه إلى عالمه.
فيه تحذير من المراء و الخصام و النزاع و الاختلاف و الفرقة و ضرب النصوص بعضها ببعض و أن هذه طريقة أهل البدع و أهل الزيغ و الانحراف، أما أهل الحق فإنهم يعملون بالنصوص و يضمون بعضها إلى بعض، و يفسرون بعضها ببعض كتاب الله يفسر بعضها ببعض، النصوص يصدق بعضها بعضا من الكتاب و من السنة، فلا تضرب النصوص بعضها ببعض و إنما يعمل بها و يجمع بينها لأن النصوص يوافق بعضها بعضا و يصدق بعضها بعضا من الكتاب ومن السنة، أما أهل البدع فطريقتهم يضرب النصوص بعضها ببعض و يعملوا ببعض النصوص و يتركوا البعض الآخر.
هذه طريقة أهل الزيغ كما قال الله في كتابه المبين هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ
ثبت في الصحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم.
فلا يجوز للإنسان أن يضرب النصوص بعضها ببعض و يأخذ بالمتشابه و يترك المحكم لأن هذه طريقة أهل الزيغ، أما طريقة أهل الحق فإنهم يعملون بالمحكم الواضح البين، و المتشابه يردونه إلى المحكم و يفسرونه به فتكون النصوص تتوافق و لا تختلف , ففيه التحذير من طريقة أهل الزيغ و أهل البدع الذين يأخذون ببعض النصوص و يتركون البعض و الذين يتعلقون بالمتشابه و يتركون المحكم .
مثال ذلك : نصوص العلو و الفوقية كثيرة، حتى زاد أفرادها على ثلاثة آلاف دليل قال الله تعالى وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ نصوص محكمة و واضحة لا لبس فيها، أن الله تعالى له العلو و الفوقية و هو فوق العرش فوق المخلوقات بذاته.
بعض الناس الذين منهم أهل الزيغ يتركون النصوص الواضحة المحكمة البينة التي تزيد على ثلاثة آلاف دليل و يتعلق ببعض المتشابهة يقول وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ هذا دليل على أن الله مختلط بمخلوقاته و ليس فوق , تركك ثلاثة آلاف دليل و تتعلق بالنص المتشابه هذا دليل على أن في قلبك زيغ.
أهل الحق يفسرون النص هذا بما يتوافق مع النصوص وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ يعني هو إله بمعنى معبود، وهو معبود في السماء و معبود في الأرض و ذاته فوق العرش سبحانه وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ يعني معبود في السماء و معبود في الأرض و ذاته فوق العرش , هذه طريقة أهل الزيغ يتعلقون بالمتشابه وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ يقولون: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ هذا دليل على أنه مختلط بالمخلوقات و أنه في الأرض، نقول: أنتم في قلوبكم زيغ, المعية في لغة العرب المصاحبة لمطلق المصاحبة لا توجب اختلاط و لا امتزاج و ليس فيه أنه مختلط بالمخلوقات و هو معكم بعلمه و اطلاعه و إحاطته و قدرته و نفوذ سمعه و بصره و هو فوق العرش كما تقول العرب " ما زلنا نسير و القمر معنا ) ( ما زلنا نسير و النجم معنا ) و النجم و القمر فوقهم، و يقول الإنسان المتاع معي و هو فوق رأسه.
فطريقة أهل الزيغ يتعلقون بالمتشابه و يتركون المحكم، أما أهل الحق يعملون بالمحكم و المتشابه يردونه إلى المحكم و يفسرونه به.
من ذلك أن أهل الزيغ أهل السفور الذين يبيحون سفور المرأة و أنها تسفر عن وجهها و يقولون أنه يجوز للمرأة أن تكشف عن وجهها و أن تسفر عن وجهها و يتركون النصوص الواضحة، و يستدلون بحديث الخثعمية في حجة الوداع و أن الخثعمية جاءت إلى النبي ﷺ تسأله عن الحج عن أبيها و أن الفضل كان رديف النبي ﷺ جعل ينظر إليها و تنظر إليه فجعل النبي ﷺ يصرف وجه الفضل قالوا هذا دليل على أنها كاشفة أنها سافرة الوجه ينظر إليها و تنظر إليه، و يتركون النصوص المحكمة الواضحة التي لا لبس فيها وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ نص حجاب الساتر قد يكون الحجاب باب قد يكون جدار و قد يكون غطاء يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ تستدل المرأة الخمار فتستر وجهها و تدنيه على صدرها، نصوص واضحة.
و من أقوى الأدلة على وجوب الحجاب ما ثبت في صحيح البخاري في حديث عائشة في قصة الإفك لما ذهب الجيش و تركوها في مكانها يظنون أنها في الهودج جلست في مكانها قالت لعلهم يفقدونني ثم يأتون فغلبتها عيناها و نامت، فجاء صفوان بن معطل السلمي و كان متأخر فلما رأى سواد إنسان عرفها و جعل يسترجع و يقول: " إنا لله و إنا إليه راجعون، إنا لله و إنا إليه راجعون" أهل رسول الله ؟ قالت عائشة: فاستيقظت باسترجاع صفوان, استيقظت من استرجاعه يقول: "إنا لله و إنا إليه راجعون" فاستيقظت باسترجاع صفوان فخمرت وجهي بجلبابي و كان يعرفني قبل الحجاب, خمرت وجهي ما معنى خمرت وجهي؟ غطيت وجهي بجلبابي و كان يعرفني قبل الحجاب، فدل على أن النساء قبل الحجاب تكشف الوجوه، و بعد الحجاب تغطي الوجوه و هذا في صحيح البخاري أصح الكتب بعد كتاب الله.
فدعاة السفور يتركون المحكم ويتعلقون بحديث الخثعمية، يقولون: حديث الخثعمية دليل على أن المرأة كانت كاشفة طيب و النصوص الواضحة التي مثل الشمس تتركها ؟ أنت في قلبك زيغ تترك النصوص الواضحة و تتعلق بالمتشابه، لكن أهل الحق يعملون بالنصوص الواضحة و النصوص المتشابهة نردها للمحكم، نقول إيش ؟ "ينظر إليها " ينظر إلى قدها إلى طولها إلى ثيابها ينظر إليها ما يلزم أن تكون كاشفة ينظر إليها و لو سمع حديثها رأى طولها رأى قدها رأى ثيابها ما يلزم تكون كاشفه, نفسره بما يتناسب مع النصوص الواضحة التي لا لبس فيها، فأهل الحق يعملون بالنصوص المحكمة الواضحة و يردون المتشابه و يفسرونها بما تتوافق النصوص، و أما أهل الزيغ يتركون النصوص الواضحة الجلية و يتعلقون بالمتشابه .