شعار الموقع
شعار الموقع

الإبانة الصغرى لابن بطة (5) من قوله: "وجلد عمر صبيغاً..." إلى قوله: "وقال الفضيل: لا يزال العبد مستوراً حتى يرى قبيحه حسناً"

00:00

00:00

تحميل
99

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم و بارك على عبد الله و رسوله نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين أما بعد :

قال رحمه الله تعالى :

( متن )

و جلد عمر صبيغا التميمي في مسائلته من حروف القرآن.

(المحقق)

أخرجه الدرامي في سننه، و الهروي في ذم الكلام، و ابن وضاح في البدع و النهي عنها .

( شرح )

بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم و بارك على عبد الله و رسوله نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين                أما بعد :

فهذا الأثر الذي ذكره المؤلف -رحمه الله- أخرجه الدارمي في سننه و الهروي في ذم الكلام و هو أبو إسماعيل الهروي الحنبلي الصوفي المعروف الذي له كتاب منازل السائرين بين إياك نعبد و إياك نستعين و شرحه ابن القيم -رحمه الله- في كتابه مدراج السالكين شرح منازل السائلين بين إياك نعبد و إياك نستعين، و له كتاب ذم الكلام، ذكر هذا فيه و أن عمر جلد صبيغا التميمي في مسائلته في حروف من القرآن.

 و هذا من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب تحذير من الشقاق و الجدال و ما يؤدي إليه، فلما أكثر من مسائلته في حروف من القرآن أدبه عمر .

و جلده و هذا فيه دليل على ذم أهل الكلام الذين يشقشقون الكلام و يكثرون المسائل و يحرفون النصوص على غير تأويلها و أنهم يزجرون و يردعون و يؤدبون من قبل ولاة الأمور، و هذا يدل على ذم عمله و أن هذه طريقة أهل البدع , أهل البدع إنما أتت من هذا من كثرة المسائلات في حروف القرآن و تشكيك الكلام و الأخذ و الرد، فلما رأى عمر هذا الرجل و هو صبيغا التميمي يكثر المسائلة في حروف القران جلده زجرا له و ردعا لأمثاله، حتى لا يتجرأ أحد على الكلام في كتاب الله و إكثار المسائل و مخالفة ما جاءت به النصوص في كثرة المسائل إلا فيما لا بد منه، فإن هذا يولد الشبه و الشكوك و بهذا نشأت البدع، و لهذا جلد عمر هذا الرجل فيه دليل على أن أهل البدع يستحقون الزجر و الردع و التأديب من قبل ولاة و الأمور .

( متن )

و قال ابن مسعود : إذا سمعت الله يقول كذا و كذا فأصغ لها سمعك فإنما هي خير تؤمر به أو شر تنهى عنه.

( شرح )

و هذا رواه ابن أبي حاتم في تفسيره و في لفظ عن ابن مسعود أنه قال : إذا سمعت الله يقول يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فأرع لها سمعك فإنه خير تؤمر به أو شر تنهى عنه.

 و في هذا دليل على أنه يجب على المسلم أن يمتثل لأوامر الله و يجتنب نواهيه و أن يعمل بكتاب الله و سنة رسوله ﷺ و أن يحذر ممن خالف النصوص.

 و في هذا تحذير من أهل البدع الذين يتجاوزون كتاب الله و سنة رسوله ﷺ، و لهذا قال ابن مسعود عليك أن تلزم كتاب الله و تمتثل الأوامر و تجتنب النواهي و أن ترعي سمعك للأوامر و النواهي، فإذا سمعت الله يقول يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فأرع لها سمعك و أصغ لها سمعك و تأمل و تدبر ثم امتثل للأوامر و اجتنب النواهي، و لا تتجاوز هذا إلى ما يحدث الشكوك و الشبه.

 فيه رد لأهل البدع و أهل الشبه الذين تجاوزوا النصوص و الأوامر و النواهي إلى الشبه فأورثتهم اعتناق البدع و وإحداث في الدين ما ليس منه .

( متن )

و قال ابن مسعود : القرآن كلام الله فمن قال فيه شيئا فإنما يتقوله على الله .

( شرح )

نعم , القرآن كلام الله و هذا واضح من النصوص كما قال الله  وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ.

فالقرآن كلام الله بإجماع الصحابة و التابعين و الأئمة و العلماء، فمن قال فيه شيئا فإنما يتقوله على الله ، من قال في القرآن غير ذلك كما قال بعض أهل البدع القرآن مخلوق فهذا كفر.

 و لهذا قال كثير من الأئمة من قال إن كلام الله مخلوق أو من قال إن القرآن مخلوق فهو كافر على وجه العموم، من قال القرآن مخلوق فهو كافر، كما قال بذلك الأئمة الإمام أحمد و البخاري و جماعة قالوا من قال إن القرآن مخلوق فهو كافر.

 أما الشخص المعين فلا يكفر حتى تقوم عليه الحجة بأن توجد الشروط و تنتفي الموانع، شخص فلان ابن فلان قال القرآن مخلوق أو تكلم بكلام موهم فإنه لا يكفر حتى تقوم عليه الحجة، فيقال المقالة كفرية و الشخص لا يكفر إلا إذا وجدت الشروط و انتفت الموانع، إذا كان من أهل القبلة مسلم تكلم بكلام موهم أو بكلام ظاهره كفر فإنه لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة بأن توجد الشروط و تنتفي الموانع.

 أما المقالة فإنها تعطى ما تستحق  فيقال عنها مقالة كفرية، فهذا القول كفري أو هذا القول يخالف كلام الله و يخالف سنة رسول الله ﷺ أو يخالف ما أمر الله به أو يخالف ما نهى الله عنه أو يخالف ما أخبر الله به المقالة تعطى ما تستحقها و يقال هذه المقالة كفرية و من قال هذه المقالة فهو كافر على وجه العموم، فمن قال القرآن مخلوق فهو كافر و هذه الكلمة الجملة (القرآن مخلوق كفر) أما فلان ابن فلان الذي قال هذه المقالة لا نكفره بعينه حتى تقوم عليه الحجة بأن توجد الشروط و تنتفي الموانع، هذا هو الصواب في هذه المسألة كما حقق ذلك الأئمة و العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- و غيرهم من أهل العلم .

( متن )

و قال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما : من ترك السنة كفر.

(المحقق)

رواه عبد ابن حميد في مسنده بتمامه و لفظه: "صلاة السفر ركعتان فمن خالف السنة كفر" و ابن عبد البر في جامع بيان العلم.

( شرح )

و هذا فيه التشديد على من خالف السنة، و ابن عمر رضي الله عنهما قال صلاة السفر ركعتان لما سئل عن صلا السفر فصلاة الحضر أربع ركعات و صلاة السفر ركعتان من ترك السنة كفر فهذا من باب التشديد و التغليظ على من خالف السنة، و ليس المراد أنه يكفر كفرا يخرج من الملة فهذا يكون كفرا عمليا إلا إذا كان الشيء الذي عمله شركا في العبادة أو ناقضا من نواقض الإسلام، و لكن مراد ابن عمر التشديد و التغليظ على من خالف السنة و ترك السنة و أن هذا من الأعمال الكفرية، و فيه التحذير من البدع و المحدثات في الدين فإن أهل البدع تركوا السنة و أحدثوا في دين الله ما ليس منه، فيشملهم هذا التغليظ من الصحابي الجليل عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما .

( متن )

و قال عمر  بن عبد العزيز: ( السنة إنما سنها من علم ما جاء في خلافها من الزلل و لهم كانوا على المنازعة و الجدل أقدر منكم )

(المحقق)

رواه ابن بطة في الإبانة الكبرى من طريقين و رواه ابن وضاح .

( شرح )

و هذه مقالة عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد العادل الخليفة العادل الذي ضمه كثير من أهل العلم إلى الخلفاء الراشدين الأربعة و هو الخليفة الراشد، يقول السنة و هو أول من أمر بكتابة السنة و جمعها يقول -رحمه الله و رضي عنه- ( السنة إنما سنها من علم ما جاء في خلافها من الزلل ) السنة سنة الرسول عليه الصلاة و السلام سنها رسول الله ﷺ بوحي من الله فالسنة وحي ثاني كما قال الله تعالى عن نبيه الكريم وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ۝ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى فالذي سنها يعلم ما في خلافها من الزلل فيجب على المسلم أن يعمل بالسنة و أن يحذر مخالفة السنة لأن لا يزل.

 (و إنهم كانوا على المنازعة و الجدل أقدر منكم) , السلف و الصحابة أقدر على المنازعة و الجدل ممن جاء بعدهم و لكنهم يعلمون ما في المنازع و الجدل من العاقبة الوخيمة و من مخالفة النصوص التي جاءت بالتحذير من النزاع و الجدل و يعلمون ما في المنازعة و الجدال من الشكوك و الشبه التي تحدث البدع و لهذا تركوا المنازعة و الجدل و لزموا السنة، و ليسوا عاجزين عن الجدال و المنازعة ، لا، عندهم قدرة على المنازعة و الجدال و لكنهم تركوا المنازعة و الجدال امتثالا لما جاء في النصوص من التحذير من المنازعة و الجدال و خوفا من الشكوك و الشبه و البدع و لما لم يتورع المتأخرون عن المنازعة و الجدال وقعوا في الشكوك والشبة و حدثت البدع .

( متن )

و قال رجل لابن عباس رضي الله عنهما ( الحمد لله الذي جعل هوانا على هواكم ) فقال ابن عباس ( إن الله لم يجعل في هذه الأهواء شيئا من الخير و إنما سمي هوى لأنه يهوي بصحابه في النار )

(المحقق)

رواه اللالكائي و الهروي في ذم الكلام .

( شرح )

و هذا فيه التحذير من ابن عباس من البدع لما قال رجل لابن عباس الحمد لله الذي جعل هوانا على هواكم يعني جعلنا نهوى ما تهوونه إما يقصد الصحابة أو أهل البيت يعني أراد هذا الرجل أن يوافقكم بما تهوونه من العمل بالسنة و الكتاب لكن ابن عباس زجره , زجره عن كلمة الهوى لأن الهوى معناه البدع فقال ابن عباس " إن الله لم يجعل في هذه الأهواء شيئا من الخير و المراد بالأهواء: "البدع" و إنما سمي هوى يعني: البدعة سميت هوى لأنها تهوي بصاحبها في النار، فأرد ابن عباس رضي الله عنهما أن يحذر هذ الرجل من كلمة الهوى و إن كان صاحبها لا يقصد البدع هذا الرجل لا يقصد البدعة قال الحمد لله الذي جعل هوانا على هواكم يعني الحمد الله الذي جعلنا نوافقكم فيما تعملون به من السنة، لكن لما عبر بكلمة الهوى و الهوى المراد بها البدعة زجره ابن عباس و بين أن البدع ليس فيها شيء من الخير، و لهذا قال ابن عباس " إن الله لم يجعل في هذه الأهواء شيئا من الخير " يعني: البدع (المراد بالأهواء البدع) و إنما سمي هوى لأنه يهوي بصاحبه في النار، فأراد ابن عباس أن يعبر بتعبير آخر يعني لو قال " الحمد لله الذي جعلنا متبعين للسنة مثلكم " أو نوافقكم باتباع السنة كان أولى من أن يعبر بكلمة الهوى فلما عبر بكلمة الهوى و هي كلمة يراد بها البدع بين ابن عباس أن الهوى ليس فيه شيء من الخير، فالهوى هو أن يبتدع الإنسان شيئا في دين الله أو أن يفعل المعاصي بهواه و شهوته، و لهذا قال الله تعالى لنبيه داوود عليه الصلاة و السلام يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ فالهوى شر الهوى البدع و المعاصي هوى و سميت هوى لأنها توافق رغبة الإنسان و شهوته في ترك النصوص و الميل إلى البدع و المعاصي .

( متن )

و قال الحسن و مجاهد و أبو العالية " إنما سمي هوى لأنه يهوي بصاحبه في النار".

(المحقق)

رواه اللالكائي عن الشعبي و الدارمي في سننه و الهروي و ذكره الشاطبي في الاعتصام عن مالك و قال خرجه ابن وهب .

( شرح )

و هذا الكلام من هؤلاء العلماء التابعين و هم من أجلاء التابعين الحسن البصري و مجاهد بن جبر العالم الجليل الذي يروي التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما الذي يقول " عرضت المصحف على ابن عباس من ألفه إلى خاتمته أقف عند كل آية و أسأله عنها " و لهذا قال العلماء: ( إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به) و أبو العالية الرياحي أيضا تابع جليل و الحسن البصري العالم المشهور هؤلاء العلماء من التابعين قالوا: إنما سمي هوى لأنه يهوي بصاحبه في النار البدع و المعاصي إنما سميت هوى لأنها تهوي بصاحبها في النار و لأن الهوى و المعاصي بريد كفر يوصل إلى الكفر و لأن صاحب الكبيرة متوعد بالنار سواء كانت الكبيرة بدعة أو معصية فصاحبها متوعد بالنار، و لهذا قالوا إنما سمي هوى لأنه يهوي بصاحبه في النار.

فالواجب على المسلم أن يحذر من اتباع الهوى و كما سمعنا في الآية الكريمة قال الله تعالى لنبيه داود وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فالهوى يضل عن سبيل الله، و لهذا قال العلماء: ( الهوى يعمي و يصم) يعمي عن الحق فلا ينظر إليه الإنسان و يصم عن الحق فلا يسمع الحق و يبكم عن الحق فلا يتكلم بالحق بسبب الهوى، و لهذا قال الله سبحانه وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثم النتيجة إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ قال إنما سمي هوى لأنه يهوي بصاحبه في النار، فالواجب الحذر من الهوى و يدخل في الهوى البدع و الكبائر .

( متن )

و قال الحسن: ما من داء أشد من هوى خالط قلبا.

(المحقق)

أخرجه الهروي في ذم الكلام و رواه في الكبرى بمعناه عن ابن عباس .

(شرح )

هذه مقالة أخرى للحسن البصري -رحمه الله- قال (ما من داء أشد من هوى خالط قلبا) الداء يعني: ما من داء من الأدواء المعنوية و ليس المراد الحسية، الداء الحسي هو الذي يصيب الجسد و الداء المعنوي هو داء القلوب، ما من داء أشد من هوى خالط قلبا إذا خالط الهوى القلب هذا داء شديد و مرض يمرض القلب و قد يوصله إلى الكفر لأن المعاصي بريد الكفر و البدع أشد من الكبائر فما من داء أشد من هوى خالط قلبا، إذا خالط القلب الهوى فإنه يمرضه لأنه يتبع هواه و يترك النصوص، و قد يوصله إلى الكفر.

فالواجب الحذر من الهوى، و ما وجدت البدع إلا من الهوى بدعة الجهمية و بدعة الخوارج و بدعة المعتزلة و بدعة الرافضة و بدعة المرجئة و غيرهم من أهل البدع، إنما نشأت من اتباع الهوى اتبعوا أهوائهم و أعرضوا عن النصوص فحدثت البدع.

 و الهوى قد يكون ناشئ عن شبهة و قد يكون ناشئ عن شهوة، فالهوى الذي ناشئ عن شبهة هذه البدع التي تكون في القلوب الاعتقادات و هي البدع , البدع التي تنشأ من الشبهات هذه هي البدع، و التي تنشأ عن الشهوات هذه المعاصي و الكبائر كالزنا و شرب الخمر و عقوق الوالدين و قطيعة الرحم و التعامل بالربا هذا ناشئ عن الهوى الذي يحمل على الشهوة، أما البدع بدعة الجهمية و الخوارج و المعتزلة و الرافضة هذه ناشئ عن الهوى الذي نشأ من الشبهة .

( متن )

و قال أبو قلابة: (إياكم و أصحاب الخصومات فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم أو يلبسوا عليكم بعض ما تعلمون).

(المحقق)

رواه الآجري في الشريعة بسند صحيح، و رواه البيهقي في الاعتقاد و رواه الدارمي في سننه، و اللالكائي و الهروي، و ذكره البغوي في شرح السنة، و عزاه الشاطبي في الاعتصام لابن وهب و رواه ابن البنا في كتابه الرد على المبتدعة .

( شرح )

و هذا أيضا تحذير من أبي قلابة تابعي من أصحاب الخصومات و الجدال، أصحاب الخصومات الذين يخاصمون و يجادلون في دين الله على غير بصيرة هؤلاء هم أهل البدع , البدع نشأت من الخصومات و الجهمية خاصموا في نصوص الكتاب و كذلك المعتزلة و الأشاعرة و الرافضة كلهم خاصموا أصحاب خصومات.

 فالواجب الحذر منهم و لهذا حذر منهم أبو قلابة -رحمه الله- فقال إياكم و أصحاب الخصومات يعني الذين يخاصمون في دين الله على غير بصيرة (فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم) لأنكم إذا خاصمتموهم قد يلبسون عليكم و قد تشتبه عليكم الأمور فتضلون كما ضلوا و لهذا قال: (إني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتكم أو يلبسوا عليكم بعض ما تعرفون)، يشوشون عليكم ما تعرفونه مما هو مستقر في نفوسكم مما تعتقدونه ممن جاء كتاب الله و سنة رسوله ﷺ، فمع الخصومات و الجدال يلبس عليكم بعض ما تعرفون فتحصل الشكوك والشبه فيزل الإنسان و يضل و لا حول و لا قوة إلا بالله .

( متن )

و كره عطاء و طاووس و مجاهد و الشعبي و إبراهيم أن يفتوا في شيء من الخصومات و قالوا: الخصومات محق الدين) و قالوا: ( ما خاصم روع قط ).

( شرح )

و هؤلاء أيضا التابعون الأجلاء -رحمهم الله و رضي عنهم- كرهوا الفتنة في الخصومات و هو طاووس ابن كيسان اليماني التابعي الجليل و عطاء ابن أبي رباح و مجاهد بن جبر و الشعبي و إبراهيم النخعي هؤلاء كرهوا الفتيا في شيء من الخصومات، و قالوا: الخصومات محق الدين، يعني إذا كان في مسألة فيها خصومات و جدال سكتوا لأن الذين يخاصمون و يجادلون لا يريدون الحق في الغالب الذي يريد الحق هو الذي يسأل و يستفسر ليعلم الحق و هذا لا يكون مجادلا و إنما يسأل عما لا يعلمه فيفتيه العالم كما قال اله تعالى فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ أما هؤلاء المخاصمون و المجادلون فإنهم لا يريدون الحق في الغالب فتكون الفتيا في هذه الحالة لا محل لها و في غير محلها، و لهذا أفتى هؤلاء التابعون بأن كرهوا الفتيا في شيء من الخصومات، و قالوا إذا وجدت الخصومات و الجدال ينشأ عنه الشبه و الشكوك فأمسك، و لهذا قالوا الخصومات محق للدين تمحق الدين، وقالوا ما خاصم روع قط الورع ما يخاصم ورعه يحجزه و يمنعه من الخصومات و النزاع و الشقاق و الجدال فإذا وصل الحال إلى الخصومات و الجدال و النزاع فإن الإنسان يمسك، أما إذا كان الجدال لإظهار الحق و رد الباطل بالتي هي أحسن بالنصوص الواضحة فلا إشكال فيه قال الله تعالى ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ و قال سبحانه وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ و جاء في النصوص النهي عن الخصومات و الجدال.

و الجمع بينهما أن النصوص التي فيها الأمر بالجدال المراد بها الجدال لإظهار الحق و رد الباطل بالنصوص، و النصوص التي فيها النهي عن الجدال المراد بها الجدال بالباطل، فالجدال بالباطل منهي عنه و الجدال بالتي هي أحسن لإظهار الحق لإحقاق الحق و ورد الباطل مأمور به، فهما جدالان جدال لإظهار الحق و بيانه و إيضاحه هذا مطلوب ومأمور به، و جدال بالباطل من أجل الشك و التلبيس فهذا منهي عنه، و هذا الذي أراده التابعون الأجلاء و توقفوا في الفتيا في شيء عند الخصومات و قالوا: أن الخصومات محق للدين و ما خاصم ورع قط ورعه يحجزه و يمنعه من الخصومات و الجدال .

( متن )

و قال عمران بن حصين  الحياء من الإيمان، فقال رجل عنده: في الحكمة مكتوب: إن من الحياء ضعفا و منه وقارا فقال عمران: أحدثك عن رسول الله ﷺ و تحدثني عن صحفك لا أكلمك أبدا.

(المحقق)

رواه البخاري و أبو داود .

( شرح )

و هذا رواه البخاري عن عمران بن حصين في صحيحه و المراد بعمران بن حصين يحدث عن النبي ﷺ أنه قال: الحياء من الإيمان و هذا ثابت في الحديث الصحيح في الحديث الطويل في حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري و رواه مسلم، و هو قول النبي ﷺ الإيمان بضع وستون شعبة فأعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماط الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان رواه مسلم بلفظ الإيمان بضع وسبعون و في رواية البخاري الإيمان بضع وستون شعبة فدل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان مثل للشعبة القولية بكلمة التوحيد و للشعبة العملية بإماطة الأذى عن الطريق و الشعبة القلبية بالحياء، فلما روى الحديث عمران بن حصين عن النبي ﷺ أنه قال: الحياء من الإيمان اعترض رجل في المجلس عمران بن حصين فقال رجل عنده: "في الحكمة مكتوب إن من الحياء ضعفا و منه وقارا" يعني أن من الحياء ينقسم إلى قسمين: قسم ضعف و قسم وقار، فأنكر عليه عمران بن حصين على هذا الرجل أشد الإنكار لما عارض السنة، و قال: أحدثك عن رسول الله ﷺ و تحدثني عن صحفك ! لا أكلمك أبدا، هجره دل على هجر أهل البدع و أهل الكلام، عمران روى له الحديث عن النبي ﷺ قال: الحياء من الإيمان فهذا الرجل اعترض قال في الحكمة مكتوب و في الحكم الحكمة هذه التي نقلها , نقلها عن بني إسرائيل و عن غيرهم، فقال: مكتوب في الحكمة (إن من الحياء ضعفا و من الحياء وقارا) منه ما هو ضعف و منه ما هو وقار، فقال عمران: تعارض السنة آتيك بالحديث و أقول لك أن النبي ﷺ قال الحياء من الإيمان  الحياء خير كله، و تقول بعضه ضعف و بعضه وقار تحدثني عن صحفك! أحدثك عن رسول الله و تحدثني عن صحفك تعارض السنة بصحفك التي أخذتها عن بني إسرائيل لا أكلمك أبدا ثم هجره.

 ففيه دليل على هجر أهل البدع و هجر من عارض السنة و أنه يستحق الهجر و التعزير، و لهذا عزره عمران.

و من ذلك ما ثبت عن عبد الله بن عمر بن الخطاب أنه روى عن النبي ﷺ أنه قال لا تمنعوا إماء الله مساجد الله فقال ابن لعبد الله ابن عمر يقال له واقد وقال: والله لنمنعهن من المساجد لو أذنا لهن لتخذناه دغلا. فأقبل عليه عبد الله و سبه سبا قبيحا قال الراوي فما رأيت سبه مثل سبه، و قال أحدثك عن رسول الله ﷺ و أقول قال رسول الله ﷺ لا تمنعوا إماء الله مساجد الله و تعارض السنة و تقول و الله لأمنعهن ثم هجره.

 و مثل ذلك أيضا ما ثبت عن حذيفة بن اليمان أنه رآى رجلا من قومه يخذف و الخذف معناه هو أن يرمي الحصاة الصغيرة بين أصبعين هكذا حصا صغيرة يجعلها بين أصبعين و يرميها، فقال له حذيفة: أن رسول الله نهى عن الخذف و قال: إنه لا ينكأ عدواً و لا يقتل صيداً، وإنما يفقع العين و يكسر السن ما في فائدة من الخذف بل فيه ضرر الخذف بين الأصابع، حصاة صغيرة تجعلها بين إصبعك ثم ترميها هذه تصيب العين فتفقعها أو تصيب السن فتسكره ضرر محض و لا تفيد الصيد لو ضربت الصيد ما أصابته و لو ضربت عدوا ما أفادته إنما هي ضرر محض، و قال: لا تخذف إن الرسول نهى عن الخذف و قال إنه لا ينكأ عدواً ولا يقتل صيداً وإنما يكسر السن ويفقع العين، ثم رآه بعد ذلك يخذف بعد أن نهاه، فقال: أحدثك عن رسول الله ﷺ أنه نهى عن الخذف ثم تخذف لا أكلمك أبدا فهجره.

 فهذا من الصحابة فيه دليل على هجر من عارض السنة و خالف السنة و هجر أهل البدع و أنهم يستحقون الهجر و الزجر و الردع و التأديب.

 فعمر جلد لأنه من ولاة الأمور جلد صبيغاً التميمي، و ابن عمر سب ابنه و هجره، و حذيفة هجر قريبه، فدل على أن أهل البدع و من عارض السنة يستحقون الهجر و يستحقون التأديب، فالتأديب من قِبل ولاة الأمور، و الهجر من غيرهم .

( متن )

و ذكر عن عمران بن حصين الحديث فقال: فقال رجل من القوم: لو قرأتم سورة من كتاب الله كان أفضل من حديثكم فقال عمران: إنك لأحمق أتجد الصلاة في كتاب الله مفسرة أتجد الزكاة في كتاب الله مفسرة إن القران حكمة و إن السنة فسرته.

(المحقق)

رواه المصنف في الإبانة الكبرى من عدة طرق و أبو داود و قال شارحه شمس الحق سكت عنه المنذري و ذكره في التمهيد ابن عبد البر .

( شرح )

و هذا الأثر عن عمران بن حصين لما حدث اعترض عليه رجل من القوم و قال: لو تركتم الحديث و اكتفيتم بقراءة القرآن يكفينا أن نقرأ القرآن ما نحتاج إلى قراءة الحديث لو قرأتم سورة من كتاب الله كان أفضل من حديثكم، فأنكر عليه عمران طلبه الإعراض عن السنة فقال عمران: إنك لأحمق؛ السنة تفسر القرآن, القرآن جاءت فيه النصوص مجملة و السنة تفسرة، فلو تركنا السنة ما عرفنا تفاصيل الواجبات، فقال له: أتجد في كتاب الله الصلاة مفسرة , في كتاب الله وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ لكن هل تجدها مفسرة؟! كم صلاة الظهر في كتاب الله؟! , هل في كتاب الله أن صلاة الظهر أربع ركعات و صلاة المغرب ثلاث ركعات و صلاة العشاء أربع ركعات و صلاة الفجر ركعتان؟! ما فيه،  فيه وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ هل في القرآن وجوب النصاب في الزكاة؟ أو هذا في السنة؟! هل في القرآن وجوب الحول أم في السنة ؟ في القرآن وجوب الحج، هل في القرآن بيان كيفية الطواف طواف الإفاضة و أنه ركن و أنه سبعة أشواط و بيان الصفا والمروة وأنه سبعة أشواط، وبيان متى يكون الوقوف بعرفة في أي يوم في اليوم التاسع و متى يكون الرمي هذا إنما جاءت به السنة.

 و لهذا أنكر عمران من أعرض عن السنة و قال يكفينا القرآن، قال له إنك لأحمق، أتجد الصلاة في كتاب الله مفسرة ؟! لا فسرتها السنة , أتجد الزكاة في كتاب الله مفسرة؟! ثم قال: إن القرآن حكمة و إن السنة فسرته، الحكمة هي العلم , علم فسره و وضحه في السنة، و لهذا قال العلماء: (أن من أنكر السنة و أعرض عن السنة فهو كافر و هو مكذب لله) لقوله تعالى وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ و قوله وَآتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا -فمن زعم أنه يعمل بالقرآن و لا يعمل بالسنة؛ في طائفة يسمون القرآنيين يسمون أنفسهم القرآنيين يعني يعلمون بالقرآن و لا يعملون بالسنة، و هذا لا يمكن فهؤلاء كذبة في قولهم أنهم يعملون بالقرآن لو كانوا يعملون بالقرآن لعملوا بالسنة، لأن الله أمر بالعمل بالسنة في قوله وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وفي قوله وَآتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا و لهذا من أنكر السنة فهو كافر .

( متن )

و قال المقدام بن معدي كرب: حرم رسول الله ﷺ يوم خيبر أشياء و قال: يوشك رجل يجلس على أريكته يأتيه مما أمرت و نهيت، يقول دعونا من هذا ما ندري ما هذا عليكم بكتاب الله فلا أعرفن رجلاً منكم 

(المحقق)

رواه أحمد و الدارمي و ابن ماجة و ابن بطة في الكبرى و الدارمي .

( شرح )

و هذا فيه التحذير من ترك السنة و عدم العمل بها، لما قال المقدام بن معدي كرب، حرم رسول الله ﷺ يوم خيبر أشياء، ثم قال: يوشك رجل على أريكته يأتيه مما أمرت و نهيت فيقول دعونا من هذا ما ندري ما هذا عليكم بكتاب الله فلا أعرفن رجلاً منكم يوشك أن يقرب أن يوجد رجل على أريكته يعني متكئ على كرسيه، و في لفظ: يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته متكئ على كرسيه و شبعان فإذا جائه الأمر من السنة أو النهي من السنة قال دعونا من هذا هاتوا كتاب الله يكفي العمل بكتاب الله فيقول دعونا من هذا ما ندري ما هذا عليكم بكتاب الله فلا أعرفن رجلاً منكم يعني يكون كذلك و في لفظ آخر: لقد أوتيت القرآن ومثله معه السنة وحي ثان فمن زعم أنه يعمل بالقرآن و لا يعمل بالسنة فهو كاذب كافر كاذب لأن الله أمره بالعمل بالسنة في قوله وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ  وَآتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فهو كافر بإنكاره للسنة نسأل الله السلامة و العافية .

و فيه التحذير من البدع و الشبهات و المحدثات في الدين التي توصل إلى الكفر .

( متن )

و قال رجل لابن عمر: ( أرأيت أرأيت قال اجعل أرأيت باليمن) إنما هي السنن.

(المحقق)

رواه البخاري بلفظ قريب منه و رواه ابن بطة في الكبرى بلفظ اجعل أرأيت عند الثريا و رواه الهروي .

( شرح )

هذا رجل يماني قال لابن عمر يسأله قال: أرأيت أرأيت أرأيت قال اجعل أرأيت في اليمن اترك الرأي اعمل بالسنة اجعلها هناك في بلدك، إذا ذهبت إلى بلدك اجعل أرأيت هناك أما عندي ما في إلا العمل بالكتاب و السنة, أرأيت أرأيت الرأي يضل اترك الرأي اعمل بالكتاب و السنة اعمل بالسنة و اترك كلمة أرأيت، لأن هذا فيه العمل بالرأي و فيه معارضة السنة بالرأي، و لهذا أنكر ابن عمر على هذا الرجل اليماني و قال: لا تقل أرأيت اعمل اترك الرأي أرأيت معناه ما شي على الرأي اترك الرأي و اعمل بالسنة و اجعل أرأيت في بلدك، وفي لفظ اجعل أرأيت عند الثريا.

و هذا فيه التحذير من معارضة السنة بالرأي المجرد .

( متن )

و قال الشعبي ما قضيت لي رأياً قط.

(المحقق)

أخرجه الدارمي عن إبراهيم النخعي قال الأعمش: ( ما سمعت إبراهيم يقول برأيه في شيئ قط) .

( شرح )

وقال الشعبي تابعي وهو جبل الحفظ الحجة و إمام في النقد نقد الرجال، يقول: (ما قضيت لي رأيا قط) يعني: ما عملت بالرأي إنما أعلم بالسنة بالنصوص بالكتاب و السنة، (ما قضيت لي رأيا) يعني: مجردا عن النصوص و إنما أعمل بالسنة.

 و هذا فيه تحذير من الآراء و البدع، و البدع إنما نشأت عن الآراء و في اللفظ الآخر قال: ( ما سمعت إبراهيم يقول برأيه في شيء قط) .

( متن )

و قال قتادة: ( لم افت برأيي منذ ثلاثين سنة).

(المحقق)

رواه المصنف في الكبرى و اللالكائي و الهروي .

( شرح )

و هذا قتادة بن دعامة السدوسي التابعي المعروف تابعي جليل يقول لم افت برأيي منذ ثلاثين سنة، يعني مدة و هذه المدة مدة طويلة يعني مدة بلوغه الفتوى و مدة نضوجه في العلم و الفتوى، يقول منذ كنت متأهلا للفتوى لم أفتي برأيي، منذ ثلاثين سنة و إنما يفتي بأي شيء ؟ بالنصوص بالكتاب و السنة قال الله و قال الرسول، الفتوى لا بد أن تكون مدعمة بالنصوص دليلها من كتاب الله أو من سنة رسوله ﷺ، أو من قواعد الشريعة و نصوصها التي دلت عليها النصوص، أو من أقوال الصحابة و التابعين والعلماء و الأئمة، أما الرأي المجرد فليس للإنسان أن يفتي بالرأي، و لهذا قال قتادة التابعي الجليل بن دعامة: لم أفت برأيي منذ ثلاثين سنة و هي المدة التي وصل فيها إلى حد التأهل للإفتاء، الوقت الذي تأهل فيه للفتى هذه المدة التي تأهل فيها للفتيا لم يفت بالرأي و إنما يفتي بما دلت عليه النصوص.

و هذا فيه التحذير من البدع لأن البدع هي الحدث في الدين ما خالف النص ما خالف كتاب الله و سنة رسوله ﷺ فهو بدعة .

( متن )

و قال الحسن : (شرار عباد الله الذين يتبعون شرار المسائل ليعموا بها عباد الله ).

( شرح )

و هذا فيه التحذير من البدع شرار عباد الله الذين يتبعون شرار المسائل و هم أهل البدع، ليعموا بها عباد الله يتبعون شرار المسائل، و شرار المسائل: جمع شر و هي ما كان مخالفا للخير ما تجاوز الخير إلى الشر هذه هو البدع، الخير فيما دلت عليه النصوص من كتاب الله و سنة رسوله ﷺ، و شرار الناس من يعدل عن النصوص و عن الخير الذي دلت عليه النصوص و يتبع شرار المسائل حتى يعمي عباد الله عن الحق، بأن يفتيهم بما خالف النصوص بالآراء التي ليست مستندة إلى الكتاب وإلى السنة، هؤلاء هم شرار الناس الذين يضلون عن سبيل الله يضلون بأنفسهم و يضلون غيرهم و لا حول و لا قوة إلا بالله، بسبب تركهم للنصوص و بعدهم عن السنن و الآثار و اتباع أهل الأهواء و الآراء المضلة  .

( متن )

و قال ميمون ابن مهران في قوله :  فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ قال الرد إلى الله كتابه و الرد إلى الرسول إذا قبض إلى سنته  .

( شرح )

و هذا قول ميمون بن مهران قول صحيح، اعتمده أهل العلم و قرروه و ذلك في قول الله  فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا قال العلماء الرد إلى الله هو الرد إلى كتابه و الرد إلى الرسول ﷺ هو الرد إليه في حياته عليه الصلاة و السلام و الرد إلى سنته بعد وفاته.

 و هذه الآية تعتبر حكما و فيصلا في الأمور التي يتنازع فيها الناس جميع الأمور التي يتنازع فيها الناس يجب عليهم أن يعرضوها على النصوص من كتاب الله و سنة رسوله عليه الصلاة والسلام يردوها إليها، و خلاف العلماء و أقوال العلماء كلها تعرض على النصوص فما وافق النصوص من كتاب الله و سنة رسوله ﷺ وجب العمل به و ما خالف النصوص من كتاب الله و سنة الرسول ﷺ وجب اطراحه و تركه عملا بهذه الآية الكريمة، كل مسألة تشكل عليك كل مسألة فيها خلاف لأهل العلم اعرضها على النصوص و ما وافق النصوص من هذه الأقوال خذ به و ما خالفه فرده، تستريح، هذه هي طريقة أهل الحق فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ثم جعل ذلك شرطا للإيمان فقال إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا  الرد إلى كتاب الله و إلى سنة رسوله خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا  و أحسن عاقبة.

و قال سبحانه في الآية الأخرى وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ فما اختلف فيه الناس حكمه مردود إلى الله و السنة تابعة للقرآن، فيجب ربط جميع ما يختلف فيه الناس إلى كتاب الله و سنة رسول الله ﷺ.

 فمثلا تنازع العلماء في وجوب الزكاة في الحلي من الذهب الذي تلبسه المرأة، قال بعض العلماء، ليس فيه زكاة و قال آخرون فيه زكاة طيب هذه مسألة فيها خلاف نردها إلى الكتاب إذا رددناها إلى الكتاب وجدنا الله يقول وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ و المرأة صاحبة الحلي صاحبة الذهب و الفضة فتكون داخلة في الآية فيجب الزكاة، و كذلك ما جاء في السنة في قصة المرأة التي جاءت إلى النبي ﷺ ومع ابنتها مسكتان غليظتان، قال: أتؤدين زكاتهما؟ قالت: لا، قال: هما حسبك من النار، و كذلك حديث أم سلمة أنها تلبس أوضاحا من فضة فارشدها النبي ﷺ إلى وجوب الزكاة، فهذا مثال.

 فكل مسألة تنازع فيها العلماء ردها إلى النصوص و انظر ما وافق النصوص من هذه الأقوال خذ به و ما خالفها رده، فنأخذ مثلا هذه المسألة و رددناها إلى النصوص فوجدنا النصوص تدل على وجوب الزكاة في الحلي فالصواب القول بوجوب الزكاة في الحلي، انتهى النزاع كل مسألة هكذا .

( متن )

و قال عكرمة في قوله تعالى: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قال: أبو بكر و عمر رضي الله عنهما .

( الشرح )

عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما قال في قول الله أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قال أبو بكر و عمر رضي الله عنهما، هذا مثال مقصود عكرمة أن يمثل مثال للأمر لأن أبا بكر تولى الخلافة بعد وفاة النبي ﷺ، ثم تولى عمر بعده، فهما من ولي الأمر، فيجب طاعتهما في طاعة الله و رسوله،  وكذلك أولي الأمر بعدهما كعثمان من أولي الأمر و علي من أولي الأمر و معاوية من أولي الأمر و هكذا إلى آخر الدنيا،  كل ولي أمر يجب طاعته في طاعة الله و لا يطاع أحد في المعاصي عملا بهذه الآية يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ

قال العلماء: ولم يقل و أطيعوا أولي الأمر منكم ،كرر الفعل بــ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ و لم يقل وأطيعوا أولي الأمر منكم، قال العلماء: لأن الرسول ﷺ معصوم لا يأمر إلا بطاعة الله فلذلك أعاد الفعل في وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ أما ولي الأمر فليس بمعصوم فقد يأمر بمعصية الله فلا يطاع إلا في طاعة الله، فيجب طاعة ولاة الأمور في طاعة الله.

 و عكرمة أراد أن يمثل، يمثل لولاة الأمور مثال ذلك أبو بكر و عمر، و ليس المراد الحصر أراد أن يذكر مثالا يعني: مثال ولاة الأمور أبو بكر و عمر، و كذلك من بعدهم، كما لو كان عندك أعجمي ما يعرف الخبز فيسأل عن الخبز، فتأتي برغيف تقول هذا الخبز المراد مثال أن هذا الخبز و ليس المراد أن هذا جميع الخبز حتى يعرف الأعجمي المثال، فكذلك هنا أراد أن يمثل أراد عكرمة أن يمثل أبو بكر و عمر هذا مثال لولي الأمر و ليس المراد الحصر.

 و هذا فيه الحث على اتباع السنة و البعد عن الشبه و البدع و مخالفة النصوص .

( متن )

و قال يحيى بن أبي كثير : (السنة قاضية على كتاب الله وليس الكتاب قاضيا على السنة).

(المحقق)

رواه الدارمي و الهروي و محمد بن نصر المروزي في السنة، و ذكره السيوطي في مفتاح الجنة، و عزاه للبيهقي على أنها من قول الأوزاعي و صحح ابن حجر سند البيهقي .

( شرح )

و هذا كلام صحيح قول يحيى ابن كثير -رحمه الله- هذا كلام صحيح اعتمده أهل العلم، و المعنى أن السنة قاضية على كتاب الله يعني مفسرة و مبينة و موضحة لكتاب الله، كما فسرت السنة أن الصلوات  خمس في اليوم و الليلة و عدد الركعات عدد ركعات صلاة الظهر و عدد ركعات صلاة المغرب، وحددت وبينت الأوقات، و كما بينت السنة نصب الزكاة و اشتراط الحول، و كما بينت السنة تفاصيل مناسك الحج و هكذا، فالسنة قاضية على كتاب الله يعني مفسرة و مبينة، و ليس الكتاب قاضيا على السنة, ليس الكتاب مفسرا للسنة و لكن السنة هي القاضية على كتاب الله بمعنى أنها مفسرة و مبينة له، فهي توضح المجمل و تبينه و تخصص العام و تقيد المطلق فالمطلق من النصوص في الكتاب تقييده السنة و العام في الكتاب تخصصه السنة و المجمل في الكتاب العزيز توضحه السنة و تبينه، فالسنة قاضية على كتاب الله و ليس الكتاب قاضيا على السنة.

 و في هذا بيان أنه يجب على المسلم أن يعمل بكتاب الله و السنة و لا يتجاوزهما إلى البدع و الآراء فيه التحذير من البدع و هذا هو مقصد المؤلف رحمه الله .

( متن )

 و قال حسان بن عطية: ( كان جبريل ينزل على رسول الله ﷺ بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن و يعلمه إياها كما يعلمه القرآن)

(المحقق)

رواه المروزي في السنة، و المصنف في الكبرى، و اللالكائي و الهروي و الدارمي .

( شرح )

و هذا الكلام صحيح و هو كلام حسان بن عطية قال: (كان جبريل ينزل على رسول الله ﷺ بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن و يعلمه إياها كما يعلمه القرآن) المعنى: أن السنة وحي ثان أن السنة وحي وليست من عند الرسول ﷺ، و دل على ذلك القرآن الكريم قال الله تعالى في كتابه العظيم وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ۝ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ۝ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ ۝ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ وقال عليه الصلاة و السلام ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه. إذاً السنة وحي، وحي من الله.

 و لكن السنة نوعان: نوع لفظه و معناه من الله و هو الحديث القدسي كحديث أبي ذر عن النبي ﷺ فيما يرويه عن ربه أنه قال يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي و جعلته بينكم محرما فلا تظالموا ... الخ الحديث) ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي لو أن أولكم و آخركم ... إلخ) إلى آخره، و كذلك حديث أبي هريرة حديث قدسي من عاد لي وليا فقد آذنته بالحرب فهذا من الله لفظا و معنى، لأن الرسول ﷺ يرويها عن ربه، قال الله عنه قال الله تعالى،،،

ملاحظة: (55:1)جزء من المادة الصوتية محذوف

الحديث القدسي لا يتعبد بتلاوته، القرآن لا يمسه إلا متوضئ و الحديث القدسي يمسه غير المتوضئ، و القران معجز بألفاظه و الحديث القدسي غير معجز بألفاظه، الأحكام تختلف لكن كل من القرآن و الحديث القدسي من كلام الله لفظا و معنًا.

 أما سائر الأحاديث غير القدسية فهي من الله معنى و من الرسول ﷺ لفظا، فالرسول هو الذي تكلم بها و المعنى من الله , المعنى وحي من الله و الرسول ﷺ وهو الذي تكلم بها، و لهذا يضاف إلى النبي ﷺ، النبي ﷺ قال إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى هذا من كلام الرسول ﷺ لفظا لكن معناه من الله وحي، واضح هذا،  يكون الحديث القدسي من الله لفظا و معنى و غير القدسي من الله معنًا و من الرسول ﷺ لفظا.

 و لا تغتر بما يوجد في كتب أصول التفسير كتب علوم القرآن مما ينقل عن الدسوقي و غيره من أنه يقول أنه من كلام الرسول ﷺ لأنه على مذهب الأشاعرة و الأشاعرة ينكرون أن يكون كلام الله لفظا و معنًا، ينكرون أن يكون القرآن كلام الله لفظا و معنًا، و يقولون كلام الله مطلقا كلام الله سواء القرآن و غير القرآن معنًا قائم بنفسه و ليس بحرف و لا صوت، فلهذا يقولون أن القرآن كله معنًا قائم بنفسه و ليس بلفظ -و هذا غلط- ليس بحرف و لا صوت, القرآن كلام الله لفظه و معنًا حروفه و ألفاظه و معانيه من الله و كذلك الحديث القدسي، أما الحديث غير القدسي فهو من الله معنى و من الرسول ﷺ لفظا، تكلم به الرسول ﷺ لفظه و معنَا من الله .

( متن )

و قال سعيد بن جبير في قوله  وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى قال لزوم السنة و الجماعة. 

(المحقق)

رواه المصنف في الكبرى و اللالكائي و الهروي .

( شرح )

و هذا سعيد ابن جبير التابعي الجليل يقول في  تفسير قول الله تعالى وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى قال لزوم السنة و الجماعة.

لا شك أن هذا من الهداية، من لزم السنة عمل بالقرآن و لزم السنة و الجماعة فهو من المحسنين، أما من خالف السنة عن عمد فهذا ضال و ليس من المهتدين.

 و هذا فيه الحث على لزوم السنة و الجماعة و التحذير من البدع و الآراء المضلة و المحدثات في الدين .

( متن )

حدثنا عبيد الله قال: أنبأنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار قال: أنبأنا أحمد بن منصور الرمادي قال: أنبأنا عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر عن قتادة في قوله تعالى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ قال القرآن و السنة.

(المحقق)

رواه المصنف في الكبرى و المروزي في السنة .

( شرح )

و هذا الأثر رواه بالسند رواه المؤلف -رحمه الله- بالسند، و الآثار التي سبقت كلها حذف الإسناد و هذا رواه بالسند كما في الإبانة الكبرى لأن الإبانة الكبرى روى الآثار بالأسانيد، هنا يقول: حدثنا عبيد الله -هو ابن بطة- اسمه عبيد الله، يقول الراوي عنه: حدثنا عبيد الله قال: أنبأنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار قال: أنبأنا أحمد بن منصور الرمادي قال: أنبأنا عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر عن قتادة في قول الله تعالى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ قال: القرآن و السنة تفسير للآية، فالذي يتلى في بيوت أزواج النبي ﷺ هو القرآن و السنة.

و هذا فيه الحث على العمل بالقرآن و السنة و التحذير مما خالف الكتاب و السنة من الآراء و البدع و الشبه و المحدثات في الدين.

 هذا رواه المؤلف بسنده إلى قتادة بن دعامة السدوسي التابعي الجليل في تفسير هذه الآية، فسر الذي يتلى في بيوت الله من آيات الله و الحكمة القرآن و السنة، آيات الله هو القرآن آيات الله يعني: من كلام الله و هو القرآن و الحكمة السنة، وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّه وهو القرآن، وَالْحِكْمَةِ  السنة.

 و هذا فيه الحث على العمل بالقرآن و السنة و التحذير من البدع .

( متن )

قال حدثنا أبو عبد الله أحمد بن علي بن العلاء الجوزجاني، قال: أنبأنا عبد الوهاب الوراق الشيخ الصالح قال: أنبأنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد قال: (أفضل السعادة حسن الرأي) يعني: السنة.

(المحقق)

رواه ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث .

( شرح )

و هذا أيضا رواه المؤلف بالسند قال: حدثنا عبد الله محمد بن علي بن علاء الجوزجاني، قال: أنبأنا عبد الوهاب الوراق الشيخ الصالح قال: أنبأنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد , مجاهد ابن جبر التابعي الجليل الذي يروي عن ابن عباس في التفسير، قال: ( أفضل السعاد حسن الرأي) يعني: السنة.

 و هذا فيه الحث على لزوم السنة و العمل بها والتحذير من البدع و المحدثات في الدين، أفضل السعادة حسن الرأي، لأن الرأي مستند إلى النصوص، المراد حسن الرأي يعني: المأخوذ من السنة من النصوص الاستنباطات المأخوذة من النصوص، أما الرأي المجرد هذا هو المذموم.

 فالرأي رأيان: رأي مأخوذ من النصوص مستنبط من النصوص و هذا هو الذي جاءت النصوص بالمدح و الثناء على أهله، و الرأي الثاني: هو رأي مجرد الذي يخالف النصوص هذا هو المذموم و هو الذي جاءت النصوص و الآثار بذمه.

 فيه التحذير من البدع و الآراء المجردة .

( متن )

و قال إسحاق بن عيسى سمعت مالك بن أنس يعيب الجدال في الدين و يقول : (كلما جاءنا رجل هو أجدل من رجل أردنا أن نترك ما جاء به جبريل إلى النبي ﷺ)

(المحقق)

رواه الدارمي و الممصنف في الكبرى و اللالكائي و الهروي .

( شرح )

و هذا رواه بالسند قال إسحاق بن عيسى: سمعت مالك ابن أنس يعيب الجدال في الدين، و مالك بن أنس الإمام المشهور -رحمه الله- إمام دار الهجرة يعيب الجدال في الدين و يقول: إن الجدال في الدين إنما يورث الخصومات و الشبه، لأن الجدال في الدين يورث الخصومات والشبه النزاع و الشقاق، فتتولد البدع من الشبه التي تنشأ عن الجدال و الخصومات و يحصل الجدال، و لهذا قال أنس  يعيب الجدال في الدين: كلما جاءنا رجل هو أجدل من رجل أردنا أن نترك ما جاء به جبريل إلى النبي ﷺ) يعني كل ما جاء واحد يجادل ثم جاء رجل أجدل منه أقوى منه جدالا و خصومة نترك ما جاء به جبريل إلى النبي ﷺ من الكتاب و السنة التي هي وحي ثان و نأخذ بالآراء المضلة, يعني قال هذا من باب العيب و الإنكار، و أنه لا يجوز للإنسان أن يأخذ بالآراء المضلة التي تنشأ عن الجدال و الخصومات و يترك الكتاب و السنة، لأن هذا هو الذي يولد الشبه و الشكوك و البدع .

( متن )

و قال ابن سيرين: (ما أخذ رجل بدعة فراجع سنة).

(المحقق)

رواه الدارمي.

( شرح )

و هذا محمد بن سيرين التابعي المعروف الجليل يقول: (ما أخذ رجل بدعة فراجع سنة) يعني: في الغالب أن البدع أن صاحب البدعة لا يرجع عنها و لا ينزع، و قد يرجع لكن هذا قليل، و المراد الأغلب ما أخذ رجل بدعة فرجع سنة، لأن صاحب البدعة يظن أنه على حق و يعتقد أنه على حق، ففي الغالب لا يرجع عن البدعة و لا يتركها، و لكن قد يمن الله عليه فيرجع عن البدعة و يتركها، فالمراد الأغلب.

و هذا فيه التحذير من البدع لأن الإنسان إذا اعتنق البدعة، و تأثر بها و اعتقدها في الغالب أنه يستمر عليها لأنه يظن أنه على الحق، فهذا فيه التحذير من البدع حتى لا تتمكن من نفس الإنسان .

( متن )

و قال عامر بن عبد الله: ( ما ابتدع رجل بدعة إلا أتى غدا بما كان ينكره اليوم ).

( شرح )

و هذا فيه التحذير، عامر بن عبد الله بن الزبير بن العوام، و هذا التحذير من عامر -رحمه الله- تحذير من البدع قال: (ما ابتدع رجل بدعة إلا أتى غدا بما كان ينكره اليوم) يعني: أنه تتطور به البدع من بدعة إلى بدعة تجده اليوم يأتي بدعة و ثم غدا يأتي بدعة أعظم منها و ينكر البدعة الأولى ثم يأتي من الغد ببدعة أكبر، و هكذا تتطور البدع و تزيد حتى ينسلخ الإنسان من الدين -و لا حول و لا قوة إلا بالله- لأن البدع بريد الكفر البدع و المعاصي بريد الكفر، فالواجب الحذر من البدع حتى لا تزل به القدم، الواجب لزوم السنة و الكتاب العزيز ما دل عليه الكتاب و السنة فيهما الكفاية، فالله تعبدنا بالعمل بكتابه و سنة رسوله ﷺ، فالواجب الحذر من البدع و المحدثات في الدين .

( متن )

و قال ابن عون: (إذا غلب الهوى على القلب استحسن الرجل ما كان يستقبحه) .

( شرح )

هذا عبد الله بن عون البصري يقول: (إذا بلغ الهوى على القلب استحسن الرجل ما كان يستقبحه) و الهوى يعمي الإنسان ويصم، -كما سبق- يعميه عن الحق فلا يبصره وصم أذنه فلا يسمع الحق و يبكم فلا يتكلم بالحق، فإذا غلب الهوى على قلب الإنسان استحسن البدع و استحسن المعاصي، فقد يكون يستقبح البدعة اليوم و لكن إذا غلب عليه الهوى صارت ما يستقبحه أمس يستحسنه اليوم، فصارت البدعة حسنة في نفسه بعد ما  كانت قبيحة بسبب غلبة الهوى.

 فالواجب أن يكبح الإنسان جماح نفسه و أن ينزع من الهوى، قال سبحانه فَأَمَّا مَن طَغَىٰ ۝ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ۝ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ ۝ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ ۝ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ لا بد أن ينزع الإنسان عن الهوى ولا بد أن ينهى نفسه عن الهوى حتى لا يستحسن القبيح من البدع و المحدثا في الدين .

( متن )

و قال الفضيل: (لا يزال العبد مستورا حتى يرى قبيحه حسنا)

( شرح )

الفضيل بن عياض العالم الزاهد المشهور يقول: لا يزال العبد مستورا حتى يرى قبيحه حسنا وإنما يرى قبيحه حسنا إذا اتبع هواه، و إذا اتبع هواه و ترك ما دلت عليه النصوص صار يرى القبيح حسنا فينكشف أمره، و أما قبل ذلك فإنه مستور إذا كان لا يتبع الهوى و يجاهد نفسه بالعمل بالنصوص فإنه لا يزال مستورا، فإذا ترك النصوص و اتبع الهوى بان قبحه و ظهر للناس بسبب استحسانه بالقبيح من البدع و المحدثات في الدين .

وفق الله الجميع إلى طاعته و رزقنا الله الجميع العلم النافع و العمل الصالح و صلى الله على محمد و آله و صحبه و سلم.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد