قال رحمه الله تعالى :
( متن )
و قال أبو العالية: آيتان في كتاب الله ما أشدهما على الذين يجادلون في القرآن مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ
(المحقق)
رواه الهروي و رواه ابن الدنيا.
( شرح )
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم و بارك على عبد الله و رسوله نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين.. أما بعد :
فلا زال -المؤلف رحمه- الله يسوق الآثار و الأحاديث في ذم أهل البدع و التحذير منهم و الأمر بلزوم السنة و الجماعة و التحذير من النزاع و الخصام في القدر و في آيات الله.
هذا الأثر يقول فيه أبو العالية -رحمه الله- من التابعين و هو تابعي جليل يحذر من الجدال بالباطل، و الآيتان في كتاب الله ما أشدهما على الذين يجادلون في القرآن و هما قول الله تعالى مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا سور غافر و الآية الثانية من سورة البقرة و هي قول الله تعالى وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ
هاتان الآياتان تدلان على ذم الذين يجادلون في القرآن و أن هذا وصف الكفار قال مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فأهل البدع يشابهون الكفار في جدالهم بآيات الله بالباطل يجادل في آيات الله جدال في تنزيله و جدال في تأويله, الجدال في تنزيله هل هو كلام الله منزل غير مخلوق أو هو مخلوق؟ و جدال في تأويله اسْتَوَى هل اسْتَوَى بمعنى استقر و علا وصعد أو استولى؟ هذا من الجدال في الباطل جدال أهل البدع فلهم شبه بالكفار الذين ذمهم الله في قوله مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُو
و الآية الثاني فيها ذم أيضا للختلاف في الكتاب و أن المختلفين في شقاق بعيد في شقاق ونزاع بينهم و هذا الشقاق بعيد عن الحق وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ و اختلفوا اختلافا في تنزيله و اختلافا في تأويله، و المختلف في تنزيله فقال بعضهم: إنه منزل و قال بعضهم: غير منزل بل هو مخلوق، و اختلاف في تأويله تأولوه على غير تأويله كتأويل اسْتَوَى بمعنى استولى و تأويل الرضا بالثواب صفة الرضا بالثواب و صفة الغضب بالانتقام.
و هكذا فهاتان الآيتان فيهما التحذير من الجدال في آيات الله بالباطل و أن هذا وصف الكفار و أن أهل الجدال في شقاق بعيد و في خلاف و نزاع و خصام بينهم، ليس عندهم اتفاق بل هم في شقاق و اختلاف قلوبهم مختلفة و قلوبهم متناكرة بسبب شقاقهم و نزاعهم ابتداعهم و خصامهم و عدم اتفاقهم على الحق .
( متن )
و قال أرطأة ابن المنذر: (لأن يكون ابني فاسقا من الفساق أحب إلي من أن أكون صاحب هوى)
(المحقق)
رواه الأكرم في مسائل الإمام أحمد و الهروي .
( شرح )
هذا أرطاة بن المنذر ابن الأسود الألهاني أبو عدي الحمصي يبين أن البدعة أشد من المعصية، فيقول لأن يكون ابني فاسقا من الفساق يعني: يعمل كبيرة من الكبائر، الفاسق هو الذي يعمل كبيرة من كبائر الذنوب، الفسق هو: فعل الكبيرة و المداومة على الصغيرة، و الكبيرة أصح ما قيل في تعريفها ما ترتب عليها حد في الدنيا و وعيد في الآخر كالزنا و السرقة وشرب الخمر وعقوق الوالدين و قطيعة الرحم و شهادة الزور و العدوان في سفك الدماء و العدوان على سلب الأموال و العدوان على هتك الأعراض هذه كلها كبائر ومن فعلها يفسق يكون فاسقا.
فيقول: أرطأة ابن المنذر في ذلك لأن يكون ابني فاسقا يفعل الكبيرة كالسرقة أو الزنا أو شرب الخمر أحب إلي من أن أكون صاحب هوى يعني بدعة، و ذلك أن البدعة أشد من الكبير و أحب إلى الشيطان من الكبيرة لأن صاحب الكبيرة يعلم أنه على باطل و يعلم أنه عاص معترف أنه عاص فيرجى أن يتوب، أما صاحب البدعة فيظن أنه على حق و أنه مصيب فلا يفكر بالتوبة في الغالب.
ومن هنا كانت البدعة أحب إلى الشيطان من المعصية و هي أقرب إلى الكفر من الكبيرة، لماذا ؟ لأن صاحب المعصية يعلم أنه على ضلال و أنه عاص فيرجى أن يتوب، و أما صاحب البدعة فهو يعتقد أنه على حق، وإذا جادلته قال أنت على باطل وأنا على حق، فلا يتوب.
و من هنا فضل أرطأة بن المنذر الكبيرة على البدعة قال: لأن يكون ابني فاسقا من الفساق يعمل الكبيرة من الكبائر كالزنا و السرقة و شرب الخمر أحب إلي من أن يكون صاحب هوى يعني: بدعة، كأن يكون معتزليا أو خارجيا أو جهميا أو مرجئا أو رافضيا هذه بدع أشد، أشد من الكبائر.
و هذا فيه التحذير من البدع و أنها تلي الكفر في المرتبة و أنها أشد من الكبائر الذنوب نسأل الله السلامة و العافية .
( متن )
و قال أبو اسحاق الفزاري: (لأن أجلس إلى النصارى في بيعهم أحب إلي من الجلوس في حلقة يتخاصم فيها الناس على دينهم) .
( شرح )
كذلك أبو اسحاق الفزاري و هو إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري ثقة حافظ له تصانيف يقول: لأن أجلس إلى النصارى في بيعهم البيع: جمع بيعة و البيعة هي معبد النصارى و مثلها الكنيسة كذلك، و وتطلق أيضا على معبد اليهود، يقول: لأن أجلس إلى النصارى في بيعهم أحب إلي من الجلوس في حلقة يتخاصم فيها الناس في دينهم لماذا ؟ لأن الجلوس في بيع النصارى معصية، والجلوس في حلقة يتخاصم الناس في دينهم تثير الشكوك و الشبه و تؤدي إلى البدع و هذا أشد، فالشكوك و الشبه التي تورث البدع أشد و أعظم من المعصية، و لهذا فضل أبو اسحاق الفزاري الجلوس في بيعة النصارى لأنها معصية و العاصي يرجى أن يتوب، بخلاف صاحب البدعة فإنه في الغالب لا يتوب لأنه يعتقد أنه على حق، فالجلوس في حلقة يتخاصم فيها الناس على دينهم تثير الشكوك و الشبه و تؤدي إلى البدعة، بخلاف الجلوس إلى النصارى في بيعهم فهي معصية و وصاحبها يعلم أنه عاص و يعتقد أنه عاص فحري به أن يتوب، و لهذا فضل أبو اسحاق الفزاري المعصية على الشبه و الشكوك التي تورث البدع .
( متن )
(المحقق)
رواه الهروي في ذم الكلام .
( شرح )
كذلك أثر سعيد بن جبير التابعي الجليل المعروف يقول: لأن يصحب ابني فاسقا شاطرا يعني خبيثا بسبب أعماله السيئة كأن يكون سكيرا يسكر يشرب الخمر هذا يكون فاسقا خبيثا يأكل أموال الناس بالباطل يتعامل بالربا هذا فاسق، و لكن لأن يصحب ابني فاسقا و لكنه سني ليس مبتدعا أحب إلي من أن يصحب عابدا مبتدعا، لأن العابد المبتدع على ضلال و لو كان عابدا بدعته أحب إلى الشيطان من المعصية، و هو يعتقد أنه على حق فلا يفكر أن يتوب، و هي أحب إلى الشيطان من المعصية و هي تلي الكفر، فلهذا فضل سعيد بن جبير يقول: لأن يصحب ابني فاسقا خبيثا و لكنه من أهل السنة أحب إلي من أن يصحب مبتدعا و لو كان عابدا، لأن هذا على البدعة و البدعة أشد من المعصية وهذا على معصية، فإذا كان ابني يصحب العاصي أحب إلي من أن يصحب ابني المبتدع، و لو كان المبتدع عابدا و لو كان العاصي فاسقا، لأنه يرجى أن يتوب الفاسق يعلم أنه على باطل فيرجى أن يتوب، و المبتدع لا يعتقد أنه على باطل فلا يتوب.
و هذا فيه دليل على التحذير من البدع و أن البدع أشد من كبائر الذنوب .
( متن )
و قيل لمالك ابن مغول: (رأينا ابنك يلعب بالطيور فقال حبذا أن شغلته عن صحبة مبتدع) .
( شرح )
مالك بن مغول الكوفي -رحمه الله- قيل له إن ابنك يلعب بالطيور قال: (حبذا أن شغلته عن صحبة مبتدع) و يقول اللعب الطيور و اللعب كذلك بالشطرنج و غيره هذه معصية، فإذا اشتغل بالمعصية عن صحبة مبتدع فهذا أهون و أسلم، وأحيانا يأتي بعض الشر أهون من بعض، وكونه يشتغل بالمعصية أولى من كونه يشتغل بصحبة مبتدع لأن صحبة المبتدع تورثه البدعة قد يضره هذا المبتدع و قد يعتقد ما يعتقد فيكون مبتدعا و البدعة أشد من الكبيرة، و لهذا فضل مالك ابن مغول أن يشتغل ابنه بالمعصية عن البدعة.
يعني كل هذه الآثار من العلماء -رحمهم الله- تبين أن البدعة أشد من المعصية، و فيه التحذير من البدع لأنها تلي الكفر و لأن أصحاب البدع لا يعتقدون أنهم على باطل فلا يتوبون بخلاف أصحاب الكبائر فإنهم يعلمون أنهم عصاة فيرجى أن يتوبوا .
( متن )
و قال ابن شوذب: ( من نعمة الله على الشاب و الأعجمي إذا تنسك أن يوفق لصاحب سنة يحملهما عليها لأن الشاب و الأعجمي يعقد فيهما ما سبق إليهما)
(المحقق)
رواه اللالكائي و المصنف في الكبرى و ابن الجوزي في تلبيس ابليس و رواه ابن الدنيا.
( شرح )
و هذا مقالة قالها ابن شوذب أبو عبد الرحمن الخرساني يقول: من نعمة الله على الشاب و الأعجمي إذا تنسكا يعني تعبدا، إذا تنسكا يعني تعبدا صارا صاحبا نسك و عبادة أن يوفقا لصاحب سنة يحملهما عليها، يعني: يحثهما على السنة، هذا من نعمة الله على العبد من نعمة الله على الشاب أن يوفق لصاحب سنة يحمله على السنة و ينشؤه عليها، و كذلك من نعمة الله على الأعجمي إذا أسلم و تعبد أن يوفق لصاحب سنة ينشؤه عليها، لأن الشاب و الأعجمي يأخذ فيهما ما سبق إليهما الشاب يأخذ ما سبق إليه إن سبقت إليه البدعة أخذ بها و إن سبقت إليه السنة أخذ بها، لأن الشاب يتأثر بخلاف الشيخ فإنه لا يتأثر في الغالب الشيخ يكون على ما كان عليه في الغالب إن كان على الحق استمر على الحق و إن كان على باطل استمر على الباطل، بخلاف الشاب فإنه يتأثر و لهذا تجد دعاة الضلال والنصارى يركزون على الشباب لأن الشباب يتغيرون و يتأثرون و ييأسون من الشيوخ ييأسون أن يأثروا على الشيوخ و أن يورثوا في قلوبهم الشبة، و لهذا فهم يركزون على الشباب لأن الشباب سريع التأثر و التقلب.
فلهذا قال ابن شوذب من نعمة الله على الشاب أن يوفق لصاحب سنة يحمله عليها و ينشؤه عليها، و كذلك من نعمة الله على الأعجمي إذا تعبد أن يوفقه الله لصاحب سنة يحمله عليها بخلاف ما إذا وفق الشاب إلى صاحب بدعة فهذا من خذلانه، وكذلك الأعجمي إذ نشأه على البدعة و هذا من ابن شوذب -رحمه الله- بيان أن البدعة أشد من المعصية و أن المعصية و لو كانت كبيرة أسهل من البدعة فهذا فيه التحذير من البدعة .
( متن )
(المحقق)
رواه ابن بطة في الكبرى .
( شرح )
و هذه المقالة أيضا لعمرو بن قيس الملائي أبو عبد الله في بيان عظم شأن البدعة و أنها أشد من الكبيرة يقول: إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة و الجماعة فارجه يعني: يرجى له الخير, إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ عند أهل السنة و الجماعة وفق لمن ينشأه على أهل السنة والجماعة يرجى له فارجه، أما إذا رأيت الشاب مع أهل البدع فايأس منه فإن الشاب على أول نشوئه، إذا نشأ على معتقد أهل السنة و الجماعة نشأ عليه و إذا نشأ على معتقد أهل البدع نشأ عليه.
و هذا فيه التحذير من البدع و فيه أنه ينبغي على طالب العلم أن يحرص على معتقد أهل السنة و الجماعة و أن يعظ عليه بالنواجد، و أن يحمد الله على أن وفق لأن ينشأ على معتقد أهل السنة و الجماعة.
و لهذا تجد علماء كبار فطاحل لم يوفقوا لمشايخ ينشأونهم على معتقد أهل السنة و الجماعة و هم علماء كبار خدموا الإسلام مثل: الحافظ ابن حجر -رحمه الله- شارح صحيح البخاري عالم كبير حافظ له اليد الطولى في علوم الحديث و مع ذلك تجده يأول الصفات على معتقد الأشاعرة لأنه لم يوفق لمن ينشؤه على معتقد أهل السنة و الجماعة و نرجوا أن يغفر له هذه الزلات في بحر حسناته الكثيرة لم يتعمد و لكن ما يوفق لمن ينشؤه على معتقد أهل السنة و الجماعة، و ظن أنه هذا هو الحق و أن فيه تنزيها لله تعالى , تجده يأول الغضب مثلا بالإنتقام و يأول الرضا بالثواب.
و كذلك النووي الإمام النووي -رحمه الله- عالم جليل له تصانيف عظيمة كرياض الصالحين هذا الكتاب العظيم الذي قل أن يوجد مسجد أو بيت إلا و فيه رياض الصالحين و هذا من حسن نيته و مع ذلك تجده يؤول الصفات على معتقد الأشاعرة لأنه لم ينشأ على معتقد أهل السنة و الجماعة ما وفق من الأساس لمن ينشؤه على معتقد أهل السنة و الجماعة.
و إذا قرأت أحيانا في الشروح شرح فتح الباري و غيره في بعض الصفات كقوله يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ينقلك نقول كبيرة عن علماء كبار فطاحل كلهم يأولون الصفات، و لا يصلون إلى مذهب أهل السنة و الجماعة، و تجد الإمام النووي -رحمه الله- في شرحه لصحيح مسلم إذا جاء للصفات مثلا: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ غضب الله عليهم ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، يقول: للناس مذهبان مذهب للسلف و مذهب للخلف, مذهب السلف لا يتكلم في الصفات و يفوضها إلى الله و مذهب الخلف يتأوله وكل من المذهبين ما وصلوا لمذهب السنة والجماعة، مذهب السلف يسمى مذهب المفوضة يعني: يفوضون المعنى، و مذهب الخلف مذهب المؤولة، و لم يصل لمرتبة أهل السنة و الجماعة ما ذكر مذهب أهل السنة و الجماعة، لا هذا و لا هذا، ما السبب ؟ السبب أنهم لم يوفقوا لمن ينشأهم على مذهب أهل السنة و الجماعة، بل نشأهم مشايخهم على هذا و ظنوا أن هذا هو الحق و أن هذا فيه تنزيه الله
فهذا يؤيد ما ذكره أهل العلم من أن نعمة الله على العبد أن ينشأ على معتقد أهل السنة و الجماعة، فإذا رأى أن هؤلاء العلماء الكبار الفطاحل أولوا الصفات و لم يتبين لهم معتقد أهل السنة و الجماعة الذي درج عليه الصحابة و التابعون و الأئمة الأربعة و غيرهم و قرره العلماء يخاف على نفسه و يعض على معتقد أهل السنة و الجماعة فإذا زل هؤلاء العلماء الكبار فأنت حري أن تزل، فهذا يجعل الشاب و طالب العلم يحرص على معتقد أهل السنة و الجماعة و يعض عليه بالنواجد و يحمد الله أن وفق لمن ينشأه على معتقد أهل السنة و الجماعة.
شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- و العلامة ابن القيم نشؤوا على مذهب أهل السنة و الجماعة بعد أن اندثر، هذه الكتب العظيمة التي ألفها أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- العقيدة الواسطية عقيدة عظيمة تكتب بماء الذهب ينبغي لطالب العلم أن يحفظها كلمات معدودة (20:18) في جلسة واحدة جواب عن سؤال في بلدة اسمها واسط و سميت بالواسطية نسبة إلى واسط في العراق، يعني عقيدة عظيمة مركزة كلمات معدودة فيها معتقد أهل السنة و الجماعة في الصفات و في الأسماء و في الأحكام و في الصحابة تكتب بماء الذهب بل هو أغلى من ماء الذهب ماء الذهب لا يساوي شيئاً.
و كذلك الحموية رسالة عظيمة في الصفات و في العلو جواب لسؤال في بلدة حماة و التدمرية جواب لسؤال في بلدة تدمر رسائل عظيمة -العقيدة الطحاوية عامة في بيان أصول الدين- و كذلك أيضا مؤلفات شيخ الإسلام -رحمه الله- كثيرة مجموع الفتاوى و غيرها و مؤلفات ابن القيم مؤلفات أئمة الدعوة الشيخ الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- و أئمة الدعوة كلهم نشروا مذهب أهل السنة و الجماعة و بينوه في رسائلهم و في مكاتباتهم و دروسهم فصارت مدرسة امتداداً لمدرسة شيخ الإسلام ابن تيمية و العلامة القيم -رحمه الله-.
فهذه نعمة عظيمة منَّ الله علينا بها في آخر الزمان في هذه الأزمنة المتأخرة نشر مذهب أهل السنة و الجماعة، انتشر و صار في زمن الإمام محمد بن عبد الوهاب و الإمام محمد بن سعود -رحمهم الله- في القرن الثاني عشر و الثالث عشر يعني صار في زمانهم يعني زمانهم صار يضم إلى زمان الصحابة و التابعين لشدة تمسكهم بالحق و أمرهم بالمعروف و نهيهم عن المنكر و شدة غيرتهم على دين الله و نشرهم لمعتقد أهل السنة و الجماعة و لا نزال نتفيئ ظلال هذا البيان و الإيضاح و بيان هذه الدعوة السلفية التي وفق الله لها الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- و انتشرت في مشارق الأرض و مغاربها فلله الحمد على هذه النعمة العظيمة في هذه الأزمنة.
فهذه نعمة عظيمة من الله بها علينا، لو لم يوفقنا الله و لم ننشأ على معتقد أهل السنة و الجماعة لكنا مثل غيرنا جهمية أو أشاعرة أو معتزلة أو رافضة أو ملاحدة و وحدة وجود –نسأل الله السلامة والعافية-.
و هو موجود في القديم و الحديث إذا خرجت لأي بلد من البلاد تجد فيها فيها في البلد صوفية تجد في البلد مئة طريقة كل طريقة لها شيخ يدعو إلى النار -و العياذ بالله- تجد صوفية تجد ملاحدة تجد وحدة الوجود تجد جهمية تجد أشاعرة تجد معتزلة تجد رافضة تجد مرجئة تجد خوارج، و لكن الله من علينا بمعتقد أهل السنة و الجماعة و من الله على من شاء في سائر أقطار الأرض ممن وفقه الله لسلوك معتقد أهل السنة و الجماعة و العمل بكتاب الله و سنة رسوله ﷺ فالله الحمد على هذه المنة العظيمة.
فعمرو بن قيس -رحمه الله يقول: إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة و الجماعة فارجه فارجوا له الخير يرجى له الخير أما إذا رأيته مع أهل البدع فايأس منه فإن الشاب على أول نشوئه، هذا في الغالب يعني هذا هو الأغلب و إلا فقد يوفق الله الإنسان و لو كان من أهل البدع قد يوفقه الله لمعتقد أهل السنة و الجماعة لكن هذا في الأغلب، و هو الصحيح الغالب أن الشاب إذا نشأ على معتقد أهل السنة و الجماعة فإنه يرجى له الخير و الاستمرار عليه و إذا نشأ مع أهل البدع فالغالب أنه يستمر على بدعه نسأل الله السلامة و العافية .
( متن )
و قال عمرو بن قيس: (إن الشاب لينشأ فإن آثر أن يجالس أهل العلم كاد يسلم و إن مال إلى غيرهم كاد يعطب)
(المحقق)
رواه ابن بطة في الكبرى .
( شرح )
و هذا أيضا هذا الأثر كسابقه كل العلماء تواطأت نصوصهم و كلماتهم على التحذير من البدع و أن البدع أشد من المعصية، و لهذا قال عمرو بن قيس إن الشاب لينشأ فإن آثر أن يجالس أهل العلم من أهل السنة و الجماعة كاد يسلم و إن مال إن مال إلى غيرهم من أهل البدع كاد يعطب يعني يهلك , يهلك بالبدع .
( متن )
( شرح )
و هذا أيضا النص لحماد بن زيد بن درهم الأزدي و إسماعيل البصري -رحمه الله- الفقيه المحدث المشهور قال لي يونس بن عبيد بن دينار العبدي: يا حماد إني لأرى الشاب على كل حالة منكرة يعني: من المعاصي فلا أيأس من خيره لأنه قد يوفق للتوبة يرجى أن يتوب لأنه يعلم يحس يأنبه ضميره المسلم يحس و يأنبه ضميره و يعتقد أنه على باطل و لو شرب الخمر و لو عمل المعصية و هو يعلم أنه على باطل فقد يأنبه ضميره و سرعان ما يتوب إن وفقه الله، حتى أراه يصاحب صاحب بدعة إذا رأيته يصاحب صاحب بدعة فعندها أعلم أنه قد عطب يعني هلك، لأن صاحب البدعة يعتقد أنه على حق فلا يفكر بالتوبة.
و هذا فيه دليل على أن البدعة أشد من المعصية .
( متن )
(المحقق)
رواه الهروي مرة عن الحسن و مرة عن حماد بن زيد، و رواه ابن وضاح، و عزاه الشاطبي في الاعتصام لابن وهب .
( شرح )
و هذا أيضا المقال للحسن البصري -رحمه الله- في التحذير من البدع يقول ما ازداد صاحب بدعة عبادة إلا ازداد من الله بعدا لأن عبادته ليست موافقة للشرع و هي تقدح في شهادة أن محمدا رسول الله، فالعبادة لا تصح إلا بشرطين:
الشرط الأول: أن تكون هذه العبادة خالصة لوجه الله.
و الشرط الثاني: أن تكون موافقة للشرع.
ما تصح أي عبادة و أي عمل يعمله الإنسان إلا بهذين الشرطين:
أولا: أن يكون خالصا لله فإن لم يكن خالصا لله دخل في الشرك.
الثاني: أن يكون موافقا للشرع وللسنة فإن لم يكن موافقا للسنة دخل في البدعة.
و إذا تعبد الإنسان بالبدعة ازداد من الله بعدا، لأنه على غير الشرع و لهذا قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد من أحدث في أمرنا هذا يعني الدين ما ليس منه فهو رد يعني مردود عليه، و في لفظ لمسلم من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. إذاً مردود على صاحبه الذي يتعبد بالبدع مردود عليه.
و لهذا قال الحسن ما زداد صاحب بدعة عبادة إلا ازداد بها من الله بعدا، لأن بدعته تخالف الشرع وهدي النبي ﷺ.
( متن )
( شرح )
قال ابن عون المجتهد في العبادة مع الهوى يعني: مع البدعة يتصل جهده بعذاب الآخرة، لأن عبادته ليست موافقة للشرع, العبادة مع البدعة فيتصل جهده و عمله يتصل بعذاب الآخرة لأنه متوعد لأن عبادته غير موافقة للشرع، فيكون تعبه و إن كان يتعب إلا أن تعبه معصية فهو متوعد يعذب عليه، ولهذا قال ابن عون: المجتهد في العبادة مع الهوى يعني مع البدعة يتصل جهده بعذاب الآخرة لكونها على غير الشرع .
( متن )
(المحقق)
رواه الدارمي في سننه و اللالكائي و الهروي .
( شرح )
و هذا المقال للأوزاعي إمام أهل الشام المعروف -رحمه الله- يبين أن الأهواء و البدع يحبها الشيطان و يبثها في الناس، و أن إبليس قال لأوليائه: من أين تأتون بني آدم؟ فقالوا من كل باب، -هذه محاورة بين إبليس و أوليائه- قال: فهل تأتونهم من باب الاستغفار؟ قالوا: لا إن ذلك شيء لا نطيقه إنهم لمقرون بالتوحيد، قال: لآتينهم من باب لا يستغفرون الله منه، قال: نبث فيهم الأهواء و البدع، فيفعل بدع ما يستغفر من البدعة ما يظن أنه عاص، بخلاف الذي يفعل الكبيرة يزني أو يسرق أو يشرب الخمر يستغفر و يتوب لأنه يعلم أنه على باطل و أنه على معصية، لكن المبتدع ما يعتقد أنه على باطل و يظن أنك على الباطل، فإذا قلت هذا باطل هذا بدعة قال لا أنت على الباطل هذا هو الحق و هذا هو الصواب فلا يفكر بالتوبة.
و لهذا قال الشيطان نبث فيهم الأهواء و البدع، قال إبليس نبث فيهم الأهواء و البدع حتى لا يستغفرون منها و لا يستغفرون لأنهم لا يعتقدون أنهم على الباطل بل يعتقدون أنهم على الحق، فيستمرون على باطلهم، نسأل الله السلامة و العافية .
( متن )
و قال سعيد بن عنبسة: (ما ابتدع رجل بدعة إلا غل صدره على المسلمين و اختلجت منه الأمانة)
(المحقق)
رواه الهروي عن عنبسة ابن سعيد النخعي .
( شرح )
هذا سعيد ابن عنبسة -رحمه الله- يقول: (ما ابتدع رجل بدعة إلا غل صدره على المسلمين) حقد صار في صدره حقد على المسلمين و اختلجت منه الأمانة يعني: ذهبت منه الأمانة.
و هذا فيه التحذير من البدع و أن المبتدع لا بد أن يكون في قلبه حقد على المسلمين على أهل السنة و الجماعة لأنه مخالف لهم فأهل السنة و الجماعة ينكرون عليه بدعته و هو ينكر عليهم لزوم السنة فيكون في قلبه حقد عليهم، و بالتالي تفقد منه الأمانة و تخرج الأمانة من صدره فلا يؤتمن لأنه مبتدع و هذا فيه التحذير من البدع .
( متن )
(المحقق)
رواه الهروي .
( شرح )
نعم , -نسأل الله السلامة و العافية- هذه أيضا مقالة للأوزاعي -رحمه الله- يقول: ما ابتدع رجل بدعة إلا سلب ورعه يعني: أخذ منه الورع فلا يكون ورعا لأنه مقيم على البدعة فكيف يكون ورعا و هو على البدعة التي أشد من كبيرة الذنوب و أشد من الكبائر، فإذا ابتدع البدعة فلا يكون ورعا لا يسمى ورعا الذي لا يتورع عن البدع و لا يتورع عن المعاصي لا يسمى ورعا يسلب منه الورع, الذي يشرب الخمر و يسرق و يشهد زورا و يتعامل بالربا هل يقال أنه ورع؟ لا يقال أنه ورع، لأنه عاص لا يتورع يأكل المال الحرام بالسرقة بالربا هذا ليس بورع، و الذي يفعل البدعة أشد منه فإذا كان السارق و المرابي ليس بورع، فالذي يفعل البدعة أشد و أشد و أبعد عن الورع فسلب منه الورع لأن معصيته أشد من معصية فاعل الكبيرة .
( متن )
و قال الحسن: (ما ابتدع رجل بدعة إلا تبرأ الإيمان منه) .
( شرح )
هذه مقالة للحسن: (ما ابتدع رجل بدعة إلا تبرأ الإيمان منه) هذا المراد الإيمان الكامل، فيكون إيمانه ضعيفا وإيمانه ناقصا إلا إذا كانت هذه البدعة توصله إلى الكفر فإنه يسلب منه الإيمان كاملا، -و العياذ بالله- لأن البدعة قد تكون بدعة مكفرة و قد تكون مفسقة فإذا كانت البددعة مكفرة مثل بدعة الروافض الذين يكفرون الصحابة و يعبدون آل البيت و يكذبون الله في أنه حفظ القرآن هذه بدعة توصل إلى الكفر و كذلك القاديانية الذين أنكروا علم الله و نسبوا الله إلى الجهل هذه بدعة مكفرة، و كذلك الجهمية الذين ينفون الأسماء و الصفات و يصفون الله بالعدم هذه بدعة مكفرة، و قد تكون البدعة مفسقة فإذا ابتدع رجل بدعة مكفرة فإنه يسلب منه الإيمان بالكلية، -و العياذ بالله- و إذا ابتدع بدعة مفسقة فإنه يسلب منه كمال الإيمان و يبقى أصل الإيمان فيكون إيمانه ضعيفا .
( متن )
قال ابن عون: (ما ابتدع رجل بدعة إلا أخذ الله منه الحياء و ركب فيه الجفاء) .
( شرح )
نسأل الله العافية , هذه أيضا مقالة لابن عون التحذير من البدع، يقول: (ما ابتدع رجل بدعة إلا أخذ الله منه الحياء) لأنه صار لا يبالي فإذا كان العاصي الذي يفعل الزنا و السرقة منزوعا منه الحياء فالمبتدع أشد نزعا للحياء لأن بدعته أعظم، من تجرأ على ارتكاب البدعة و ترك السنة فلا شك أنه ليس عنده حياء، فالله تعالى يأخذ منه الحياء و يركب فيه الجفاء، -نسأل الله العافية- لأنه يكون جافيا بسبب جفائه للسنة و تركه لها .
( متن )
و قال عثمان ابن حافظ الأزدي: (دخلت على ابن عباس فقلت: أوصني فقال: عليك بالاستقامة اتبع و لا تبتدع)
(المحقق)
رواه الدارمي و المصنف في الكبرى و الهروي و ابن وضاح .
( شرح )
و هذه المقال لعثمان ابن حافظ الأزدي، يروي عن ابن عباس أنه دخل عليه فقال: أوصني فقال: عليك بالاستقامة اتبع و لا تبتدع، عليك بالاستقامة يعني استقم على السنة استقم على الدين تتبع الكتاب و السنة (اتبع ولا تبتدع )، التحذير له من البدع و أمر له بلزوم الاستقامة و الاستقامة هي الاستقامة على الدين و الدين هو لزوم الكتاب و السنة، ثم قال له أمره بالاستقامة على الدين اجمالا ثم فصل فقال (اتبع و لا تبتدع) اتبع ما جاءت به النصوص و لا تبتدع لا تكون من أهل البدع فهذا فيه التحذير من البدع .
( متن )
(المحقق)
رواه الدارمي و ابن أبي خيثمة في كتاب العلم بسند صحيح ،كما قال محققه الشيخ الألباني، و رواه البغوي في شرح السنة و اللالكائي و الهروي و محمد بن نصر المروزي .
( شرح )
و هذا نقله ابن مسعود ثابت و معلوم، و قد تناقله أهل العلم و احتجوا به، و هو مشهور قال ابن مسعود : اتبعوا و لا تبتدعوا فقد كفيتم , اتبعوا ما جاء في الكتاب و السنة و لا تبتدعوا فقد كفيتم كفاكم الله و كفاكم رسوله ﷺ بما أغناكم عن البدع بما شرع لكم من كتابه و على لسان رسوله ﷺ، فقد كفيتم.
ثم قال: فإن كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة و هذا جاء معناه في الحديث الصحيح إن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة هذا ثابت في الحديث الصحيح و زاد النسائي: وكل ضلالة في النار كل محدثة يعني كل محدثة في الدين المحدث في الدين هو ما أحدث في دين الله و في شرعه مما لم يشرع في كتاب الله وعلى لسان رسوله ﷺ وهذا بدعة و البدعة ضلالة، و لهذا قال: فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة و زاد النسائي في روايته وكل ضلالة في النار.
هذا فيه التحذير من البدع و أن صاحبها متوعد بالنار .
( متن )
( شرح )
هذه المقالة من طلحة بن مصرف بن عامر بن كعب الكوفي -رحمه الله- يقول: لا تحدث بكل ما سمعت يعني: تخير لأن الإنسان يسمع الطيب و يسمع الخبيث و يسمع كلام لا يليق فلا يحدث به، فعليه أن يختار فينظر فإذا كان الذي سمعه خيرا يحدث به و إن كان شرا فلا يحدث به.
و لهذا جاء في الحديث أن النبي ﷺ قال: كفى بالمرئ إثما أن يحدث بكل ما سمع إذا كان الإنسان يحدث بكل ما سمعه فهو يحدث بالزور يسمع الزور و يحدث به و يسمع الباطل و يحدث به قد يسمع الكفر من كافر فهل يحدث به؟ لا، يختار الإنسان و كذلك عليه أن ينكر, يسمع الغيبة هل يحدث بالغيبة ؟ لا بل عليه أن ينكر على صاحبها و لا يحدث بها، يسمع الباطل ينكر على صحابه و لا يحدث به.
و لهذا قال طلحة: لا تحدث بكل ما تسمعه إلا أن يكون الذي يحدثك على السنة فحدث به لأنه خير و إن كان على البدعة فلا تحدث به .
( متن )
(المحقق)
رواه المروزي في السنة، و رواه من قول ابن عمر أيضا، و رواه ابن بطة في الكبرى، و رواه ابن وضاح و عزاه الشاطبي في الاعتصام لابن وهب .
( شرح )
و هذا المقال أبو إدريس الخولاني عائذ الله بن عبدالله الدمشقي عالم من الشام، يقول: لأن أرى في المسج نارا تطرب أحب إلي من أن أرى فيه بدعة لا تتغير، لأن النار التي تطرب يمكن إطفاؤها و لا يضر، إذا أكلت شيئا من المسجد أو جانب المسجد يمكن إصلاحه و لا يضر، وإن كان هذا نقصا لكن نقص دنيوي لكن المصيبة البدع التي لا تغير لأن هذا نقص في الدين و تضر العقائد تضر العقيدة و تضر الدين.
و لهذا فضل أبو إدريس قال: (لإن أرى في المسجد نارا تطرب -تشتعل- أحب إلي من أرى فيه بدعة لا تغير) لأن النار التي تطرب يمكن اطفاؤها و إزالتها و لا يضر و النقص الذي حصل هذا نقص مقدر، و قد يثاب الإنسان على المصيبة التي حصلت هذا نقص قال تعالى وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ فإذا صبر الناس على المصيبة أثيبوا، لكن المصيبة البدعة التي لا تغير، و الكسر الذي لا يجبر هو كسر في الدين، لأن النار التي تضطرب هذا كسر في الدنيا، ومصيبة في الدنيا، لكن البدعة التي لا تغير هذا نقص في الدين و كسر في الدين فيصعب جبره.
و لهذا فضل أبو إدريس الخولاني عالم الشام المصيبة الدنيوية على المصيبة الدينية، لأن النار التي في المسجد لا تضر لأنها مصيبة دنيوية، و البدعة التي لا تغير مصيبة دينية فكانت المصيبة الدنيوية أسهل و أخف من المصيبة الدينية .
( متن )
و قال عطاء: (ما يكاد الله يأذن لصاحب بدعة بتوبة).
(المحقق)
رواه الهروي في ذم الكلام، و ذكره الجوزي في العلل المتناهية عن ابن عباس مرفوعا و أوله ( أبى الله ) و قال هذا حديث لا يصح عن رسوله الله ﷺ و فيه مجاهيل .
( شرح )
و هذا ليس بحديث هذا من كلام عطاء قوله: ما يكاد الله أو يأبى الله أن يأذن لصاحب بدعة بتوبة يعني في الغالب , في الغالب أن صاحب البدعة لا يتوب لأنه يعتقد أنه على الحق و قد يوفق للتوبة، كم من مبتدع من الله عليه لكن المراد الأغلب، و لهذا قال: ما يكاد يعني: ما يغلب في الغالب و هذا هو الأغلب، و السبب في هذا أن صاحب البدعة يعتقد أنه على حق فلا يفكر في التوبة في الغالب، و لهذا أغلب أهل البدع يستمرون على بدعهم و قد يوفق الله الإنسان إلى التوبة فيتوب من بدعته و يوفقه الله لسلوك معتقد أهل السنة و الجماعة .
( متن )
و قال ابن عباس: (من أقر باسم من هذه الأسماء المحدثة فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه).
(المحقق)
رواه الخطابي في غريب الحديث، و الأثرم في مسائل أحمد، و عبد الرزاق في المصنَّف، و المصنِّف في الكبرى و الهروي و رواه الشهاب القضاعي في مسنده مرفوعا من حديث أبي ذر .
( شرح )
و هذه مقالة ابن عباس ..لتحذير من البدع، ومن أقر باسم من هذه الأسماء المحدثة يعني: من أقرها و لم ينكرها و رضي بها فإنه يكون مبتدعا، لأن الراضي كالفاعل، فالذي يرضى بالبدع و يقر البدع فهو في حكم المبتدع، كما الذي يقر بالمعاصي له حكم العاصي و الذي يقر بالكفر له حكم الكافر، فإذا رضي الإنسان بالكفر و أقر الكفر صار كافرا مثلهم ولو لم يفعل الكفر لمجرد الرضا، و إذا رضي الإنسان بالبدعة و أقرها صار مبتدعا و له حكم البدع و لو لم يعملها، و إذا رضي الإنسان بالمعصية و الكبيرة فله حكم العاصي و لو لم يفعلها، فإذا جلس الإنسان في مجلس يسب فيه دين الإسلام و يسب الله و رسوله و سكت و لم ينكر و هو قادر فيكون كافرا مثلهم حكمه حكم الفاعل لأنه ما أنكر و رضي و استمر جالسا معهم، فالواجب عليه أحد أمرين: إما أن ينكر عليهم ، أو يقوم. فإن لم ينكر ولم يقم فهو كافر مثلهم.
و كذلك من جلس عند صاحب بدعة و هو يفعل البدع و سكت و لم ينكر و لم يقم و هو يستطيع فهو مبتدع مثلهم.
فالواجب عليه أن ينكر البدعة أو يقوم، و كذلك من جلس عند من يشرب الخمر أو يسرق أو يتعامل بالربا فيجب عليه أحد أمرين: إما أن ينكر عليه تعامله بالربا أو ينكر عليه شربه الخمر أو شربه الدخان أو الغيبة و النميمة ينكر عليه، فإن كان لا يستطيع الإنكار يقوم فإن جلس و لم ينكر و لم يقم فله حكمهم، إن كان يشرب الخمر حكمه حكم شارب الخمر و إن كانوا يتعاملون بالربا فله حكم المتعامل بالربا و إن كانوا يشربون الدخان فله حكم شارب الدخان و إن كان ممن يغتاب بالناس فله حكم المغتابين ، قال الله تعالى في كتابه العظيم وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا .
( متن )
و قال ميمون بن مهران: (إياكم و كل اسم يسمى بغير الإسلام).
(المحقق)
رواه المصنف في الكبرى .
( شرح )
و هذا تحذير من ميمون ابن مهران -رحمه الله- من البدع قال: ( إياكم و كل اسم يسمى بغير الإسلام) لأن كل اسم يسمى بغير الإسلام فهو بدعة مبتدع، فكل اسم يسمى بغير الإسلام معناه تجاوز الإسلام و صار حدثا في دين الله، و قد قال عليه الصلاة و السلام: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد فهذا فيه التحذير من البدع .
( متن )
و قال مالك بن أنس: (لم يكن من هذه الأهواء على عهد النبي ﷺ و لا أبي بكر و لا عمر و لا عثمان ).
(المحقق)
رواه الهروي .
( شرح )
و هذه المقالة من الإمام الجليل مالك ابن أنس -رحمه الله- تحذير من البدع، و أن البدع ليست من عهد النبي ﷺ و ليست على عهد أبي بكر و لا عمر و لا عثمان، ليست في زمان الخلفاء الثلاثة لكن حدثت في زمن الخليفة الراشد علي ، فنشأت الخوارج و ابتدعوا البدع و نشأت السبئية الذين ألهوا علي و قالوا أنت الإله فخد لهم أخدودا يعني حفر في الأرض و أضرمها نارا و ألقاهم فيها لما لم يرجعوا عن كفرهم، و قال لمولاه قنبر:
لما رأيت الأمر أمراً منكراً | أججت ناري ودعوت قنبرا |
فخد أخاديد و أضرمها بالنار و ألقاهم فيها، و كذلك الشيعة و الخوارج كلهم نشأوا في زمن الخليفة علي نشأت البدع في أواخر عهد الصحابة.
و لهذا قال مالك ابن أنس لم يكن من هذه الأهواء يعني: البدع شيء على عهد النبي ﷺ و لا أبو بكر و لا عمر و لا عثمان ، إنما نشأت و خرجت الخوارج في زمن علي والشيعة و كذلك المرجئة في أواخر عهد الصحابة.
فيه التحذير من البدع و أنها ليست في العصور الأولى .
( متن )
و قال مالك بن مغول: (إذا تسمى الرجل بغير الإسلام و السنة فألحقه بأي دين شئت) .
( شرح )
نسأل الله العافية، و هذا قول مالك بن مغول إذا تسمى الرجل بغير الإسلام و السنة معناه خرج، خرج عن الإسلام وخرج عن السنة، إذا فألحقه بأي دين شئت، فإن شئت قل أنه على دين المشركين أو على دين النصاى أو على دين اليهود أو على دين المجوس لأن كل ما كان خلاف دين الإسلام فهو كفر فالكفر ملة واحدة فإذا تسمى بغير الإسلام و السنة فألحقه بأي دين شئت، إن قلت يهودي أو نصراني أو وثني أو مجوسي كلهم كفرة و الكفر ملة واحدة، ما خالف دين الإسلام فهو باطل.
و هذا فيه التحذير من البدع لأن البدعة قد تخرج الإنسان من الإسلام فالبدعة قد تكون مكفرة و قد تكون غير مكفرة، فإذا كانت مكفرة خرج صاحبها عن الإسلام و إذا كانت غير مكفرة فهي بريد الكفر، فالواجب الحذر منها و إذا تسمى رجل بغير الإسلام و السنة فألحقه بأي دين شئت، لأن الكفر ملة واحدة و لو كانت الأديان متعددة كلها توصل إلى النار كل الكفرة من أهل النار على أي دين كانوا، ما دام خرج عن الإسلام و السنة فهو كافر على أي ملة من ملل الكفر، و الكفرة و إن كانت لهم ملل متعددة إلى أنهم يجمعهم شيء واحد و هو أنهم مخلدون في النار، نعوذ بالله نسأل الله السلامة و العافية .
( متن )
و قال عطاء: إن فيما أنزل الله تبارك و تعالى على موسى لا تجالس أهل الأهواء فيحدثوا في قلبك ما لم يكن.
(المحقق)
رواه المصنف في الكبرى و الهروي .
( شرح )
و هذا من أخبار بني إسرائيل، لأن بين عطاء و بين موسى دهورا و أزمنة طويلة تنقطع دونها أعناق المطي.
يقول عطاء: إن فيما أنزل الله تبارك و تعالى على موسى لا تجالس أهل الأهواء يعني أهل البدع فيحدثوا في قلبك ما لم يكن فيه من قبل، إذا كنت على السنة و على الحق فإذا جالست أهل البدع أحدثوا في قلبك شيء لم يكن فيه من قبل، و هذا فيه التحذير من البدع.
و لكن لا حاجة إلى الآثار الإسرائيلية و لكن المؤلف -رحمه الله- نقل هذا الأثر الإسرائيلي من باب تظافر الآثار و الأدلة و تناصرها و إلا ففي الآثار من الأحاديث الصحيحة و الآثار عن الصحابة و التابعين كفاية عن الآثار الإسرائيلية .
( متن )
و قال أبو قلابة: (ما ابتدع قوم بدعة إلا استحلوا فيها السيف).
(المحقق)
رواه الدارمي بسند صحيح و رواه الآجري في الشريعة بسند رواته ثقات إلا عبد الأعلى بن حماد قال الحافظ في التقرير لا بأس به و هو من رجال الشيخين و رواه اللالكائي و عزاه الشاطبي لابن وهب .
( شرح )
و هذا المقالة لأبي قلابة التابعي المعروف فيه التحذير من البدع و يقول: أن البدع توصل إلى القتال بين المسلمين و يستحل فيها أهل البدع قتل المسلمين قتل أهل السنة و الجماعة، و لهذا قال ما ابتدع قوم بدعة إلا استحلوا فيها السيف بسبب حقدهم على أهل السنة و الجماعة و بسبب اعتقادهم اعتقاد أهل البدع أنهم على الحق و أن أهل السنة على الباطل فلأجل هذا يستحلون قتالهم ويستحلون السيف لأن المبتدع - كما سبق - يعتقد أنه على الحق و يعتقد أن أهل السنة على باطل و لهذا يستحل قتالهم و يستحل السيف، و لهذا يرى بعض أهل البدع حل دم المسلمين فتجد بعض الجهمية يستحلون دماء أهل السنة و يعتقدون أن دمهم حلال و الرافضة يستحلون دم أهل السنة و كذلك الخوارج و المعتزلة و غيرهم، و هذا مصداق لقول أبي قلابة ما ابتدع قوم بدعة إلا استحلوا فيها السيف يعني القتال .
( متن )
(المحقق)
رواه الهروي .
( شرح )
و هذا المقال لأبي قلابة: يبين أن هذه الآية تشمل المبتدعة، و هي قول الله في عباد العجل من بني إسرائيل الذين عبدوا العجل و أن الله تعالى ابتلاهم بعبادة العجل حتى أشرب في قلوبهم حبها وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ يعني: حب العجل، و قال في آية الأعراف قال سبحانه إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ يعني عبدوه من دون الله وهم بنو اسرائيل عبدوا العجل من دون الله لما ذهب موسى لميقات ربه و استخلف أخاه هارون ماذا عمل السامري ؟ عمل لهم عجلا أتى أخذ الحلي و صورها بصورة العجل و صار لها خوار و قال لنبي إسرائيل: هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ و استمروا على عبادتها و حاول هارون أن يمنعهم ما استطاع و كادوا يقتلوننه و قالوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ما استطاع هارون نبي كريم فلما أتى موسى أخبر الله موسى عليه الصلاة و السلام قال الله فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ قبل أن يأتي إليهم و علم علم اليقين لا إشكال فيه أنهم فتنوا فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وأخبره الله أنهم عبدوا العجل، لكن لما جاء و وصل إلى بني إسرائيل و وجدهم يعبدون العجل شاهدهم بعينه غضب غضبا شديدا حتى ألقى الألواح التي في يده و فيها كلام الله وتكسرت من شدة الغضب، و لم يآخذه الله لأنه غضبان معفو عنه و أخذ برأس أخيه برأسه و لحيته و هو هارون يجره و هو نبي كريم مثله لكن من شدة الغضب يقول كيف تتركهم يعبدون العجل؟!! فقال له هارون: قَالَ يَبْنَؤُمَّ هو أخوه من أبيه و أمه لكن من باب الاستعطاف لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي و في الآية الأخرى قال إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ فلما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح و قال رب اغفر لي و لأخي و آتنا من رحمتك و لم يآخذه الله لأنه غضبان و لأن له منزلة عند الله.
فهذا دليل على أن الرؤية ليست كالعلم ليس الخبر كالمعاينة أخبره الله و هو متيقن مثل الشمس إنهم عبدوا العجل و لكن لما جاء و رآهم يعبدون العجل تغيرت حاله، فدل على أنه ليس الخبر كالعيان، و الله تعالى عاقبهم بهذه العقوبة و جعل من توبتهم جاءتهم ظلمة و صار يقتل بعضهم بعضا و غضب الله عليهم و ألزمهم الذلة و أنزل قوله إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ قال أبو قلابة: فهي جزاء كل كل مفتر إلى يوم القيامة و منهم أهل البدع فهم مفترون فعليهم غضب لهم نصيب من الغضب و لهم نصيب من الذلة، هذا فيه تحذير من البدع .
( متن )
(المحقق)
رواه أبو الشيخ عن أبي قلابة بلفظ مثل أصحاب الأهواء مثل المنافقين كلامهم شيء و جماع أمرهم النفاق ثم تلى قول الله تعالى و أخرجه ابن سعد والدرامي .
( شرح )
هذه مقالة أيضا من أبي قلابة يقول إن أهل الأهواء أهل ضلالة و أهل الأهواء أهل البدع أهل ضلالة و لا أرى مصيرهم إلا إلى النار متوعدون بالنار، و إيمان المبتدع إيمان ضعيف إن مات على بدعة من غير توبة إلا إذا استقرت نفسه على الكفر فهذا ردة -نعوذ بالله-.
فأبو قلابة يقول إن أهل الأهواء أهل ضلالة و لا أرى مصيرهم إلا إلا النار فجربهم فليس أحد منهم ينتخل رأيا يعني يعتقد و يعتنق رأيا أو قال قولا فيتناهى دون السيف، يقول: وجرب أهل البدع لا تجد مبتدعا ينتخل رأيا و لا يقول قولا مبتدعا إلا يصل أمره إلى السيف يعني يستحل قتال أهل السنة و الجماعة يقاتلهم بالسيف بسبب حقده و بغضه لأهل السنة و الجماعة و اعتقاده أنه على الحق.
فيقول أبو قلابة -رحمه الله- إن أهل الأهواء أهل ضلالة و لا أرى مصيرهم إلا إلى النار فجربهم فليس أحد منهم ينتخل رأيا أو قال قولا فيتناهى دون السيف، و أهل البدع و إن كانت البدع متنوعة لكن يجتمعون في الحقد على أهل السنة و الجماعة و استحلال السيف و استحلال قتالهم، كما أن النفاق أنواع و إن النفاق كان ضروبا يعني: أنواعا لكن يجتمع المنافقون في الشك و التكذيب كلهم يشكون في خبر الله و خبر الرسول ﷺ وهم يكذبون الله و يكذبون الرسول ﷺ، و إن كانوا ضروبا و إن كانوا أنواعا، فالنفاق أنواع و البدع أنواع , النفاق أنواع و يجمعهم الشك و التكذيب.
و الدليل على أن النفاق أنواع أن الله تعالى أخبر عنهم في سورة التوبة فقال وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ هذا نوع من النفاق، هذا نوع من النفاق وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ هذا نوع آخر من النفاق وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ و هذا نوع ثالث من النفاق، و لكن يجمعهم شيء واحد و هو الشك و التكذيب الشك في خبر الله و خبر رسوله و التكذيب لله و لرسوله ﷺ، و كذلك المبتدعة هذا بدعته كذا و هذا بدعته مثلا بدعته الصحابة و بدعته في الأسماء و الصفات و بدعة في الأحكام و بدعة في العمل لكن فهي أنواع و ضروب لكن يجمعها شيء واحد و هو استحلال قتال أهل السنة و الجماعة، فالنفاق أنواع و يجمعهم الشك و التكذيب و البدع أنواع و يجمعهم قتال أهل السنة و الجماعة بالسيف.
و لهذا قال: و إن هؤلاء اختلف قولهم يعني أهل البدع و اجتمعوا في السيف يعني القتال و لا أرى مصيرهم إلا إلى النار ففيه التحذير من أهل البدع. .
( متن )
و قال ابن عباس: (من فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه).
(المحقق)
هذا الأثر جاء مرفوعا عند الترمذي من حديث الحارث الأشعري، و قال الترمذي حديث حسن صحيح، و قال صاحب التحفة الأحوذي في شرح سنن الترمذي و أخرجه ابن خزيمة و ابن حبان في صحيحهما و الحاكم، و قال صحيح على شرط البخاري و مسلم و أخرجه النسائي بعضه و أخرجه أبو داود في كتاب السنة و قال صاحب عون معبود، و الحديث سكت عنه المنذري، قلت: و قد أقر الذهبي تصحيح الحاكم و تبعه صاحب تحفة الأحوذي.
و الذي تبين أن الحديث ليس على شرط الشيخين فإن عبد الله بن صالح لم يروي له مسلم لضعفه و قد نبه على ذلك الذهبي في تلخيص المستدرك و لكنه فات عليه ذلك هنا و أيضا فإن خالد بن أبي عمران لم يخرج له البخاري، كما قاله الحافظ بن حجر في التقريب.
و أما رواية ابن عباس فقد أخرجها الطبراني في المعجم الكبير كما أشار السيوطي إلى ذلك في الجامع الكبير و ساق جميع ألفاظ الحديث عن ابن عمر و معاوية و أنس و حذيفة و أبي ذر و أسعد أبن زرارة و ابن مسعود و ظهر أن قول صاحب تحفة الأحوذي أن الحديث أخرجه ابن حبان و ابن خزيمة في صحيحهما وهم كما فات السيوطي أن يذكر أن للحديث طريقا آخر عن علي رواه ابن بطة في إبانته الكبرى و اكتفى بذكره في الرسالة التي بين أيدينا بدون سند .
( شرح )
و هذا القول لابن عباس فيه الوعيد على أهل البدع و أن البدع من الكبائر، و الحديث رواه الإمام مسلم باختلاف في أول لفظه, الحديث رواه مسلم بلفظ من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية و في لفظ: فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه
و هذا الحديث يدل على أن الخروج على ولاة الأمور من كبائر الذنوب الخروج على ولاة الأمور من كبائر الذنوب و أنه لا يجوز الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي و لو رأى معاصي في البلد فلا يخرج على ولاة الأمور، و إنما المعاصي تنكر ينكرها الإنسان بقدر استطاعته ينكرها باليد إن استطاع فإن عجز فبالسان و إن عجز فبقلبه و كذلك أيضا المعاصي ينكرها يبلغ أهل العلم و أهل العلم يخاطبون ولاة الأمور بما يليق بهم و إن وقدرت فعلت ذلك فالحمد لله و إن لم تقدر فأنت معذور أما أن تخرج على ولاة الأمور ،لا، تقاتل ولاة الأمور و تخرج عليهم بالمعاصي ،لا، هذه طريقة أهل البدع، و هذا من كبائر الذنوب.
و هذا الحديث الصحيح من صحيح مسلم من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر يعني يتحمل و لو رأيت المعاصي تصبر ما تقاتل لأنك إذا خرجت على ولي الأمر ارتكبت مفسدة أعظم، تريد أن تنكر المنكر و تقع في منكر أعظم تريد أن تدفع مفسدة صغرى بمفسدة كبرى، لا،، هذا ما يصير.
و لهذا قال العلماء: الإنسان إذا رأى منكر له أحوال: الحالة الأولى: أن يزول إذا أنكر المنكر الحمد لله، أو يخف هذه حاله ثانية، أو يحدث منكر مثله أو منكر أشد ،لا ،، لا تنكر المنكر.
و مثاله: الإنكار على ولي الأمر بالخروج عليه، رأى معاصي في البلد و خرج على ولاة الأمور قال لماذا يوجد سفور؟ و لماذا يوجد كذا و لماذا يوجد دخان؟ لماذا يوجد خمور؟ و صار يقاتل ولاة الأمور طيب إذا قاتلت و خرجت على ولي الأمر بالقتال حصل إراقة دماء سفك دماء و انقسام الناس و اختلال الأمن و اختلال الاقتصاد و اختلال التجارة و الزراعة و اختلت أمور المسلمين و تدخل الأعداء و تربصوا بهم الدوائر كل هذه مفاسد هذه مفاسد أعظم من مفسدة المنكر الذي تريد أن تنكره.
و القاعدة عند أهل العلم التي دلت عليه النصوص أنه إذا اجتمعت مفسدتان لا يمكن تركهما نرتكب المفسدة الصغرى لدفع المفسدة الكبرى فعندنا مفسدتان مفسدة الخروج على ولي الأمر و مفسدة المنكر أيهما أقل مفسدة المنكر نصبر عليها و لا نرتكب المفسدة الكبرى و إذا اجتمع مصلحتان لا يمكن فعلهما نفعل المصلحة الكبرى و لو زالت المصلحة الصغرى القواعد معروفة عند أهل الشرع.
و لذلك ينبغي للإنسان أن لا يغلب جانب التحمس و العاطفة التي على غير بصيرة و يرجع إلى أهل العلم إذا أشكل عليه شيء و يسأل و لا يفعل شيء بعض الشباب يكون عنده تحمس عنده اندفاع لكن على غير بصيرة، لا بد أن يكون عملك مقيد بالشرع، ارجع إلى أهل العلم و إلى أهل الخبرة و إلى أهل البصيرة حتى يبينوا لك ويوضحوا لك النصوص و الأمر الواجب عليك.
و كذلك ابن عباس قال: ( من خالف الجماعة شبرا فمات فقد خلع رقة الإسلام من عنقه)، و أهل البدع فارقوا الجماعة فهم مرتكبون لكبيرة فالمراد أنه مرتكب للكبيرة و لا يلزم من هذا الكفر .