(00:00) إذا دعاه بحضور القلب يضمن إجابة هذا الدعاء، وحين يتبادر له..ثم استدل..يعني أنت فجئت بأمرٍ عظيم، فجئت وخلقت لعبادة الله، لو كنت على مستوى..لو فطنت بهذا الأمر العظيم الذي خُلقت له، بأنك خلقت على عبادة الله، وأن..الفاتحة، وأن نصفها لله ونصفها للعبد، لو فطنت لهذا الأمر لكان عندك استعداد، وكان عندك الشغف للقاء الله.
ارتقي بنفسك، مع أهل الحق والقوة والعدل والجد، ومع هذه الأمور اربأ بنفسك أن تكون مع الكفار المضيعين المهملين، أنت خلقت لأمرٍ عظيم، خلقت لعبادة الله، خلقت لتقرأ كتاب الله ولتعمل به، فكن مع أهل الجد والنشاط والشغل واحذر أن تكون مع أهل الكفر، فاربأ بنفسك.
ثم قال المؤلف-رحمه الله-: وها أنا أذكر لك بعض معاني هذه السورة العظيمة، وهي سورة الفاتحة، لعلك تصلي بحضور قلب، تذكر القلب صار يخاطب ربه كأنه يراه، وحينئذٍ يثاب، يكون له ثوابٌ كامل، بخلاف ما إذا صلى بعدم حضور القلب فلا يذكر الصلاة إلا مع حضور قلب.
الوقت الذي يحضر فيه قلبك تثاب عليه، والوقت الذي يغيب فيه قلبك لا تثاب عليه، ولهذا يقول المؤلف: وها أنا أذكر لك بعض معاني هذه السورة العظيمة لعلك تصلي بحضور قلب، ويعلم قلبك ما نطق به لسانك، يتواطأ القلب واللسان، هذا حاضر القلب، يتواطأ القلب واللسان، فاللسان ينطق والقلب يعتقد ويصدق.
أما إذا اختلف القلب واللسان، اللسان ينطق والقلب غائب فلا يحصل الأجر، ولهذا قال المؤلف-رحمه الله-: وها أنا أذكر لك بعض معاني هذه السورة العظيمة، وهي سورة الفاتحة، لعلك تصلي بحضور قلب ويعلم قلبك ما نطق به لسانك، لأن ما نطق به اللسان ولم يعقد عليه القلب ليس بعمل صالح .
ما نطق به اللسان ولم يعقله القلب ليس بعملٍ صالح، واستدل بالآية، كما قال تعالى: {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِم}، هؤلاء المنافقون، وكما قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}[البقرة:8]، بقلوبهم اختلف قلبهم، وقال سبحانه: { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ }، بألسنتهم،{ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}، اختلف القلب واللسان.
لابد أن يتوافق القلب واللسان، الإيمان لابد فيه من توافق القلب واللسان، ولهذا قال المؤلف-رحمه الله-: لأن ما نطق به اللسان ولم يعقله القلب ليس بعملٍ صالح، كما قال تعالى: { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ }.
ثم قال: أبدأ بمعنى الاستعاذة.
(المتن)
وأبدأ بمعنى الاستعاذة، ثم البسملة، على طريق الاختصار والإيجاز، فمعنى (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) : ألوذ بالله، وأعتصم بالله، واستجير بجنابه من شر هذا العدو، أن يضرني في ديني أو دنياي، أو يصدني عن فعل ما أمرت به، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه، لأنه أحرص ما يكون على العبد إذا أراد عمل الخير من صلاة أو قراءة أو غير ذلك، وذلك أنه لا حيلة لك في دفعه إلا بالاستعاذة بالله لقوله تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} ؛ فإذا طلبت من الله أن يعيذك منه، واعتصمت به، كان هذا سببا في حضور القلب. فاعرف معنى هذه الكلمة ولا تقلها باللسان فقط كما عليه أكثر الناس.
(الشرح)
هذا تفسير المؤلف لأعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ما عنى أعوذ؟ معناها: ألوذ بالله وأعتصم بالله وأستجير بجنابه، أعوذ يعني ألوذ وألتجئ وأستجيب وأحتمي وأعتصم بجناب الله من شر هذا العدو، من هذا العدو؟ الشيطان، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم يعني ألوذ بالله وأعتصم بالله وأستجير بجناب الله من شر هذا العدو الشيطان.
أن يضرني في ديني الشيطان يضر الإنسان في دينه يعني يُلبس عليه دينه، يفسد عليه صلاته، يجلب عنه الوساوس التي تشككه والتي تتعبه، وتجعله في قلق، كما يلقي على بعض الناس يُشكك في ربه، في إلوهيته أو في ربوبيته أو في أسماءه وصفاته، أو في أفعاله أو في الجنة أو في النار أو في البعث.
وقد يفسد أيضاً عليه دنياه، قد يتسبب في ضياع المال، أو في موت بعض أولاده أو غير ذلك، فيسلط على بعض الكفار، كما جاء في، كما سلط على أيوب عليه الصلاة والسلام.
كان أيوب نبي من الأنبياء، وكان له مال، وولد، أموال عظيمة وأولاد، فبتلاه الله لكنه صبر، ولهذا يضرب المثل يقولون: أيوب الصابر.
تأتي أثار قد يكون بعضها إسرائيلية أن الشيطان سأل ربه أن يسلط على مال أيوب، كان له أموال وبنين، فسلطه الله على مزارعه فأحرقها فذهبت، فقيل أيوب الحمد لله، ثم سأل ربه أن يسلطه على أولاده، فسلط على أولاده فألقى عليهم الدار وانهدمت عليهم وماتوا، فقيل ومات أولادك فقال: الحمد لله وصبر.
ولم يبقى له إلا زوجة واحدة تخدمه، ثم سأل ربه أن يسلط على جسده، فسُلط على جسده فنفخ في أنفه فأصيب، وألقي بعيد عن الناس ليس له إلا زوجة تخدمه، { أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ }، قال الله: { ارْكُضْ بِرِجْلِكَ }، بعد سنين طويلة قال بعضهم: سبعة عشرة سنة أو أكثر وهو على هذا الحال.
{ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}[ص:42]، فاغتسل فذهب ما به من مرض، قال الله: {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الأَلْبَابِ}[ص:43].
فالشيطان قد يُسلط على الإنسان في دينه، يضر الإنسان في دينه ويضره في ماله في دنياه، هذا معنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم يعني أعوذ وألوذ، وأعتصم وألتجئ بالله وأستجير بجنابه أن يضرني في ديني أو دنياي، في المال أو الأولاد.
أو يصدني عن فعل ما أمرت به، هذا من الصد عن الله، يصده عن أداء الواجبات، من أداء الأمانة، وأداء الزكاة والصيام، صوم رمضان والصلاة في وقتها،أو يصدني عن ما ألوذ به، أو يصدني عن فعلٍ ما نهيت عنه، يحثه على فعل المحرمات، على فعل الزنى والسرقة أو الخمر أو عقوق الوالدين أو التعامل بالربا أو غيره.
فتسأل ربك وتسعين به من أن يضرك في دينك أو في دنياك، قال المؤلف: لأنه يعني الشيطان، أحرص ما يكون على العبد إذا أراد عمل الخير من صلاة أو قراءة أو غير ذلك.
أحرص ما يكون الشيطان على العبد يصده عن فعل الواجبات، لأنه في حقه الدخول في النار، وأخذ على نفسه ميثاق أن يضر بني آدم وأن يصدهم وأن يجرهم معه إلى النار، فهو أحرص ما يكون على العبد إذا أراد عمل الخير من صلاة وقراءة وغير ذلك.
قال المصنف: كذلك أنه لا حيلة لك في دفعه إلا بالاستعاذة بالله، ما في شيء غير الاستعاذة، ولا يقبل الهدية، ولا يدفع في العمل بالمعروف، ما في حيلة إلا الاستعاذة، بخلاف الشيطان الإنسي، الشيطان الإنسي ينفع فيهم الصالح، لك عدو من الإنس أعطيه هدية وكذا يجوز صلاحه، قال الله: { فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}، تنقلب عداوته إلى محبة.
فلذلك لو في إنسان أذاك ثم أحسنت إليه وأرسلت له هدية هداه الله لك، فصار العدو صديق، لكن الشيطان ما في حيلة، ما في شيء، لا يقبل، الحيلة هي الاستعاذة منه.
وذلك أنه لا حيلة لك في دفعه إلا بالاستعاذة بالله، لقوله تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ}، هو يراني ونحن لا نراه، هم يروننا ونحن لا نراه، قال: فإذا طلبت من الله أن يعيذك منه، واعتصمت به، كان هذا سببا في حضور القلب، إذا طلبت من الله أن يعيذك من الشيطان واعتصمت به والتجأت إليه كان هذا سبباً في حضور القلب.
التجأت إلى الله وسألت الله أن يعيذك منه فيكون قلبك حاضر يستجيب الله دعائك ويكون قلبك حاضر، ويتواطأ القلب واللسان على الأذكار وعلى القراءة، ثم قال المؤلف: فاعرف معنى هذه الكلمة ولا تقلها باللسان فقط كما عليه أكثر الناس، ما معنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يعني ألوذ والتجأ وأعتصم وأستجير بك يا ألله من شر هذا العدو الدود الشيطان أن يضرني في ديني أو دنياي.
الشيطان سمي شيطان من شاط لبعده عن الخير، أو من شطاً الذي احترق الرجيم المرجوم، يستحق الرجم واللعن، فأعرف معنى هذه الكلمة ولا تقلها باللسان فقط كما عليه أكثر الناس، حتى تعرف معنى الاستعاذة.
لما تستعيذ وأنت لا تعرف معنى الاستعاذة، لابد أن تعلم معناها، حتى تتكلم بشيءٍ تعلم معناه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ألوذ والتجأ وأعتصم بك يا ألله من شر هذا الشيطان المرجوم أن يضرني في ديني أو دنياي وأن يصدني على فعل الخير أو يحثني على فعل الشر.
(المتن)
وأما البسملة فمعناها أدخل في هذا الأمر من قراءة أو دعاء أو غير ذلك (بِسْمِ اللَّهِ) لا بحولي ولا بقوتي، بل أفعل هذا الأمر مستعينا بالله، متبركا باسمه تبارك وتعالى، هذا في كل أمر تسمي في أوله من أمر الدين أو أمر الدنيا، فإذا أحضرت في نفسك أن دخولك في القراءة بالله مستعينا به، متبرئا من الحول والقوة، كان هذا أكبر الأسباب في حضور القلب، وطرد الموانع من كل خير.
(الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) : اسمان مشتقان من الرحمة أحدهما أبلغ من الآخر، مثل العلام والعالم، قال ابن عباس: هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر، أي أكثر من الآخر رحمة.
(الشرح)
هذا تفسير البسملة بسم الله الرحمن الرحيم، يقول المؤلف: وأما البسملة فمعناها أدخل في هذا الأمر من قراءة أو دعاء أو غير ذلك، بسم الله من باب الاستعانة يعني أتسعين بالله لا بحولي ولا قوتي،بل أفعل هذا الأمر مستعيناً بالله متبركاً باسمه تبارك وتعالى.
هذا (16:47)من أمر الدين أو أمر الدنيا، فأنت تقول إذا أردت الأكل أن تقول بسم الله أأكل، إذا أردت القراءة بسم الله أقرأ وهكذا، فأنت تستعين بالله تتبرك باسمه، تقول أستعين بك يا ألله في أكلي، أستعين بك يا ألله في قراءتي أستعين بك يا ألله في هذا الأمر الذي أريده.
في الركوب في الدخول في الخروج بسم الله من باب الاستعانة، يعني أستعين بك يا ألله في هذا الأمر لا بحولي ولا قوتي، أستعين بك يا ألله وأتبرك باسمك في كل أمرٍ تريده في أوله من أمر الدين أو أمر الدنيا.
من أمر الدين كالقراءة مثلاً، وأمر الدنيا مثلاً كالأكل والشرب، وكذلك أيضاً في البيع والشراء وما أشبه ذلك، تسعين بالله في كل شيء، في كل معاملة من أمر الدين وأمر الدنيا.
قال: فإذا أحضرت في نفسك أن دخولك في القراءة بالله مستعينا به، متبرئا من الحول والقوة، كان هذا أكبر الأسباب في حضور القلب، وطرد الموانع من كل خير، يعني تستحضر في نفسك أنك تدخل على الله وتستعين به، تدخل على الله مستعيناً به ومتبرئ من حولك وقوته، بسم الله يا ألله أقرأ، أن تسعين بالله في أن يقبل الله قراءتك وأن يعيذك من الشيطان، وتتبرأ من حولك وقوتك، هو الموفق والمعين لك، أما أنت فلو وكلت إلى نفسك لهلكت.
تبرأ من حولك وقوته، إذا حضرت في نفسك أن دخولك إلى الله مستعيناً به ومتبرئ من الحول والقوة قال: كان هذا أكبر الأسباب لحضور القلب وطرد الموانع.
(الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) : اسمان مشتقان من الرحمة أحدهما أبلغ من الآخر، الرحمن اسم الله، والرحيم اسم، مشتقان من الرحمة مثل العلام والعالم، قال ابن عباس: هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر، أي أكثر من الآخر رحمة، الرحمن رحمن الدنيا والآخرة، ولذلك قال النبي r: «الرحمن رحمان الدنيا والآخرة»، الرحمن أعم يشمل المؤمنون والكافرين، وأما الرحيم يختص به المؤمنين، وكان بالمؤمنين رحيما، والرحمن اسم خاصٌ بالله لا يُسمى به غيره، والرحيم اسم مشتق يطلق على الله الرحيم، فالله هو الرحيم واسم نبيه قوله: بالمؤمنين رءوف رحيم.
أسماء الله نوعان: نوعٌ خاص بالله لا يسمى به غيره، مثل الله ، الرحمن، خالق الخلق، مالك الملك، الرزاق، رب العالمين، وقسمٌ مشترك، سمي الله به وإذا سمي به المخلوق لا مانع، مثل الرحيم السميع البصير الملك كل هذا مشتق، من أسماء الله الملك ويسمى المخلوق الملك، ومن أسماء الله السميع ويسمى المخلوق السميع، {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}[الإنسان:2].
وكل اسم من أسماء الله مشتق يشتمل على صفة، الرحمن مشتق من صفة الرحمة، العليم مشتق من صفة العلم، القدير مشتق من صفة القدرة، وهكذا.
فالرحمن اسمان مشتقان من الرحمة أحدهما أبلغ من الآخر مثل العلام والعليم، قال بن عباس: وهما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر، أي أكثر من الآخر رحمة، فهما اسمان من أسماء الله، الفاتحة مذكور اسم الله والرحمن، والرحيم، والملك، مالك يوم الدين، هذه أربع أسماء، نعم.
(المتن)
وأما الفاتحة فهي سبع آيات: ثلاث ونصف لله، وثلاث ونصف للعبد، فأولها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، فاعلم أن الحمد هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري، فأخرج بقوله الثناء باللسان الثناء بالفعل الذي يسمى لسان الحال، فذلك من نوع الشكر،
وقوله: على الجميل الاختياري أي الذي يفعله الإنسان بإرادته، وأما الجميل الذي لا صنع له فيه مثل الجمال ونحوه فالثناء به يسمى مدحا لا حمدا، والفرق بين الحمد والشكر: أن الحمد يتضمن المدح والثناء على المحمود بذكر محاسنه سواء كان إحسانا إلى الحامد أو لم يكن، والشكر لا يكون إلا على إحسان المشكور، فمن هذا الوجه الحمد أعم من الشكر، لأنه يكون على المحاسن والإحسان، فإن الله يحمد على ما له من الأسماء الحسنى وما خلقه في الآخرة والأولى، ولهذا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً} الآية وقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} إلى غير ذلك من الآيات.
وأما الشكر فإنه لا يكون إلا على الإنعام; فهو أخص من الحمد من هذا الوجه، لكنه يكون بالقلب واليد واللسان، ولهذا قال تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً}. والحمد إنما يكون بالقلب واللسان، فمن هذا الوجه الشكر أعم من جهة أنواعه، والحمد أعم من جهة أسبابه.
والألف واللام في قوله (الْحَمْدُ) للاستغراق، أي جميع أنواع الحمد لله لا لغيره فأما الذي لا صنع للخلق فيه مثل خلق الإنسان، وخلق السمع والبصر والسماء والأرض والأرزاق وغير ذلك فواضح، وأما ما يحمد عليه المخلوق مثل ما يثنى به على الصالحين والأنبياء والمرسلين، وعلى من فعل معروفا خصوصا إن أسداه إليك، فهذا كله لله أيضا بمعنى أنه، خلق ذلك الفاعل، وأعطاه ما فعل به ذلك، وحببه إليه وقواه عليه، وغير ذلك من أفضال الله الذي لو يختل بعضها لم يحمد ذلك المحمود، فصار الحمد لله كله بهذا الاعتبار.
(الشرح)
المؤلف-رحمه الله- فسر الحمد. والآية تأتي في تفسير الحمد والفرق بينها وبين الشكر، قال: وأما الفاتحة فهي سبع آيات سبع آيات، أول آية الحمد لله رب العالمين، والآية السادسة صراط الذين أنعمت عليهم، والآية السابعة: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فالسبع آيات على الصحيح، والبسملة ليست من الفاتحة.
فهي سبع آيات: ثلاث ونصف لله، وثلاث ونصف للعبد، ما هي الثلاث والنصف لله؟ فأولها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }، { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }، هذا تمجيد لله، {إياك نعبد}، لا نعبد إلا الله، وإياك نستعين هذه الاستعانة من الله، اهدنا الصراط المستقيم هذا سؤال أنك تسأل الله أن يهديك إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم.
ثلاث آيات ونصف لله، وثلاثة آيات ونصف للعبد، كما قال الله: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين».
فأولها أول الآيات: { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } والعلماء لهم قولان في آيات الفاتحة السبع:
القول الأول: أن أول آيات الفاتحة بسم الله الرحمن الرحيم، وصراط الذين أنعمت عليهم هذه نصف آية، الآية السابعة: صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، لو فتحت المصحف ستجد بسم الله الرحمن الرحيم مكتوبة رقم واحد، الحمد لله رب العالمين رقم اثنين وهكذا.
والقول الثاني لأهل العلم: أن الآية الأولى الحمد لله رب العالمين، بسم الله الرحمن الرحيم آية، وإن كانت آية مستقلة وهذا هو الصواب.
فأولها: { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }، وقلت لكم على القول بأن بسم الله الرحمن الرحيم هي الآية الأولى من الفاتحة لا تصح صلاة بعض الأئمة الذين يُبادرون في الركعة الثانية يبدءون بالحمد لله رب العالمين ولا يبسملوا،أليس كذلك؟ البسملة مشروعة في أول الفاتحة، فحينما يقولون في الصلاة الجهرية يقولون: الله أكبر الحمد لله رب العالمين، ولا يُبسمل، لو كانت بسم الله آية بطلت الصلاة لأنه لم يقرآ آية، والنبي r يقول: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب».
فالقول بأن البسملة آية تبطل صلاة بعض الأئمة الذين إذا قاموا للركعة الثانية شرعوا بالحمد لله رب العالمين ولم يبسملوا، لكن على القول الصحيح لا فرق، لأن البسملة ليست آية من الفاتحة، لكن في المصاحف الآن على القول بأنها هي رقم واحد هي الآية الأولى.
الإمام..يقول: فأولها أول آيات الفاتحة { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }، ثم أراد أن يفسر الحمد ما هو الحمد؟ قال: فاعلم أن الحمد هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري، هذا الحمد الثناء باللسان يخرج الثناء بالفعل الذي هو يُسمى ماذا؟ يُسمى لسان الحال، فأحياناً تثني على الشخص بلسان المقام، وأحياناً تثني عليه بلسان الحال، لسان المقام تقول: أشكرك يا فلان، وبلسان الحال تعترف بتصرفاتك وأفعالك أن فلان له معروف عليك، هذا ثناء بأي شيء؟ بلسان الحال.
الحمد هو الثناء باللسان بلسان المقام على أي شيء؟ على الجميل الاختياري، والجميل الاختياري هو الذي يختاره الإنسان بإرادته واختياره، فالجميل نوعين:
الإنسان فيه جمال، جمالٌ اختياري وجمالٌ اضطراري، صفات الإنسان صفتان:
صفات اضطرارية، وصفات اختيارية، مثلاً يكون الإنسان قوي، هذا ليس إليه فلان كونه معتدل القامة، هذا يُثني عليه بأنه معتدل القامة وبأنه أبيض البشرة، وأنه كذا سليم العينين، لكن هل لك اختيار؟ لا.
لكن كون الإنسان حسن السلوك، كون الإنسان يعاشر الناس، ويعاملهم بالمعروف، ويحسن إليهم ويسلم عليهم، ويقضي حوائجهم هذه صفات اختياريه، أيها الذي ..الإنسان عليها؟ الصفات الاختيارية إذا أثنيت على فلان بأنه حسن الخلق، وأنه يحسن للناس، وأنه يفعل الجميل وأنه يكف عن الناس هذا يُسمى حمد.
ولما يثني على الإنسان بأنه طويل القامة وأنه جميل الصورة هذا يُسمى مدح، لأنك ما تمدحه بشيء مع صفات ماذا؟ صفات اضطرارية ليس هو الذي جعل نفسه، الله هو الذي جعله طويل القامة، وجعله معتدل القامة، هذا ليس له صلة.
فإذا أثنيت عليه بهذه الصفات يُسمى مدح، وإذا أثنيت عليه بالصفات الاختيارية يسمى حمد.
قال: اعلم بأن الحمد هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري، قال: الحمد هو الثناء باللسان الثناء بالفعل الذي يُسمى لسان الحال، فهذا من نوع الشكر، وأما الثناء على مثل الجمال ونحوه فالثناء به يسمى مدحاً لا حمداً.
إذاً ما الفرق بين الحمد والشكر؟ قال المؤلف-رحمه الله-: الفرق بين الحمد والشكر أن الحمد يضمن المرء وهو الثناء على المحمود بذكر محاسنه سواء كان حامد أو لم يكن، والشكر لا يكون إلا على إحسان المشكور، فمن هذا الوجه الحمد أعم من الشكر.
لأنه يكون على المحاسن والإحسان، فإن الله فأخرج بقوله الثناء باللسان الثناء بالفعل الذي يسمى لسان الحال، فذلك من نوع الشكر،فإن الله يحمد على ما له من الأسماء الحسنى وما خلقه في الآخرة والأولى، ولهذا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً} الآية.
إذاً الحمد يشمل شيئين:
المدح والثناء، المدح يكون على أي شيء؟ المدح يكون على المحمود بذكر محاسنه سواء كانت إحسان إلى الحامد أو لم تكن، فمحاسن الإنسان قد يكون فيها إحسان إلى غيره، وقد لا يكون فيها إحسان إلى غيره، كحسن الخلق، ونفع الناس، وقد يمدح الإنسان على صفاته التي لا اختيار له فيها ويسمى أيضاً مدحاً، فهو يشمل الحمد والثناء على المحمود بذكر محاسنه سواء كانت إحسانه للحامد أو لم تكن.
فإذا كان الإحسان إلى الحامد فإنه يسمى شكر، فالشكر لا يكون إلا على إحسان المشكور، فعلى هذا الوجه الحمد أعم من الشكر، لأن الحمد يكون على شيئين: يكون على المحمود بالصفات الاختيارية والصفات الاضطرارية، والاضطرارية هي التي يكون فيها إحسان إلى الغير أو لا يكون فيها إحسان على الغير، فمن هذا الوجه يكون المدح أعم، أما الشكر لا يكون إلا على الإحسان فقط خاصة، فيكون المدح أعم، يشمل الحمد على الإحسان، وعلى الصفات الاختيارية، وأما الشكر فهو خاصٌ بالإحسان إلى الحامد.
فمن هذا الوجه الحمد أعم من الشكر لأنه يكون على المحامد والإحسان، فإن الله يُحمد على ما له من الأسماء الحسنى، وما خلقه في الآخرة والأولى، ولهذا قال: { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا } وقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} إلى غير ذلك من الآيات.
وأما الشكر فإنه لا يكون إلا على الإنعام; فهو أخص من الحمد من هذا الوجه، الشكر لا يكون إلا على الإنعام، إذا أحسن إليك إنسان ثم شكرته هذا يُسمى شكر، ويسمى حمد أم لا يسمى حمد؟ يسمى حمد، يسمى حمد ويسمى شكر، وإذا أثنيت عليه بصفة ليس فيها نفعٌ للغير يُسمى حمد ولا يُسمى شكر.
فصار الحمد يُحمل على الثناء على ما فيه إحسان للغير وعلى ما ليس فيه إحسان للغير، والشكر لا يكون إلا على النعمة، الشكر على النعمة وهو أخص.
لكن من ناحية أخرى الشكر أعظم الشكر يكون في القلب واللسان والجوارح، والحمد لا يكون إلا في الإحسان، فأيهما أعم من هذه الناحية؟ الشكر أعم.
فكلٌ من الحمد والشكر عامٌ من وجه وخاصٌ من وجه، فالحمد أعم لأنه يكون على الإحسان من الغير، وعلى غيره، أعم، والشكر لا يكون إلا على الإحسان، فيكون الحمد أعم والشكر أخص، ومن جهة أخرى الشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح والحمد لا يكون إلا بالإحسان، فيكون الشكر أعم، فالشكر أعم من وجه، والحمد أخص، والحمد أعم من وجه وأخص من وجه.
ولهذا قال المؤلف-رحمه الله- أما الشكر فإنه لا يكون إلا على الإنعام فهو أخص بالحمد من هذا الوجه، لكنه يكون بالقلب واليد واللسان، ولهذا قال تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً}.
فسمى العمل شكراً، ما يُسمى حمد، هل العمل يُسمى حمد؟ لا، العمل يُسمى شكر، اعملوا آل داود شكرا، والحمد إنما يكون بالقلب واللسان، فمن هذا الوجه الشكر أعم من جهة أنواعه، الشكر أعم أنواعه كم؟ ثلاثة: القلب، واللسان، والجوارح، والحمد أعم من جهة أسبابه. سبب الحمد يكون على النعمة وعلى غيرها.
والألف واللام في قوله (الْحَمْدُ) للاستغراق، أي جميع أنواع الحمد لله لا لغيره، أما المخلوق فليس له جميع أنواع المحامد له بعض المحامد يُحمد على البعض، أما الرب فهو يُحمد على جميع أنواع المحامد، فالحمد لله.
فأما الذي لا صنع للخلق فيه مثل خلق الإنسان، وخلق السمع والبصر والسماء والأرض والأرزاق وغير ذلك فواضح، وأما ما يحمد عليه المخلوق مثل ما يثنى به على الصالحين والأنبياء والمرسلين، وعلى من فعل معروفا خصوصاً إن أسداه إليك، فهذا كله لله أيضا بمعنى أنه، خلق ذلك الفاعل، وأعطاه ما فعل به ذلك، وحببه إليه وقواه عليه، وغير ذلك من أفضال الله الذي لو يختل بعضها لم يحمد ذلك المحمود، فصار الحمد لله كله بهذا الاعتبار.
الحمد كله لله، جميع أنواع الحمد لله لا لغيره، الذي لا صنع للخلق فيه هذا ما فيه إشكال، خلق الإنسان، يحمد الله على خلق الإنسان، خلق السموات والأرض، خلق الأرزاق، طيب ما يحمد عليه المخلوق.
مثل أنت، نحمدك على حسن القراءة، وعلى الإحسان إلى الناس، من الذي أعطاك هذا؟ الله، إذاً يُحمد الذي وفقك يُحمد هو الذي وفقك وهو الذي قواك وهو الذي حبب إليك الإيمان، حبب إليك الصدقة، حبب إليك الإحسان إلى الناس، أعطاك القوة على القراءة، والقوة على الصدقة، والقوة على الكسب، وغير ذلك من الأفضال، التي لو اختل بعضها لا يُحمد ذلك المحمود فصار الحمد كله لله بهذا الاعتبار، هذا معنى الحمد لله نعم.
(المتن)
وأما قوله: {لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 1 فالله علم على ربنا تبارك وتعالى، ومعناه: الإله أي المعبود لقوله: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} 2 أي المعبود في السموات والمعبود في الأرض {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} 3 الآيتين. وأما الرب فمعناه المالك المتصرف. وأما (العالمين) فهو اسم لكل ما سوى الله تبارك وتعالى؛ فكل ما سواه من ملك ونبي وإنسي وجني وغير ذلك مربوب مقهور يتصرف فيه، فقير محتاج؛ كلهم صامدون إلى واحد لا شريك له في ذلك، وهو الغني الصمد.
(الشرح)
وهذا معنى قوله: {لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} رب العالمين، قال الحمد لله، الحمد لربنا تبارك وتعالى، ومعنى الله هو الإله المعبود، ومعنى الله، الإله، حذفت الهمزة فالتقت اللام الزائدة الأولى واللام التي في الكلمة ففخمتا فصارت الله، والله بمعنى مفعول، الإله يعني المألوه الذي تألفه القلوب محبة وإجلالاً وخشية وخوفاً ورجاءاً وتوكلاً وإنابه.
قال بن عباس-رضي الله عنهما-: الله والإلوهية والعبودية على ..أجمع، فالله علم على ربنا تبارك وتعالى، ومعناه: الإله أي المعبود ، فما هو الدليل على أن الله معنى هو الإله المعبود، قال الدليل: لقوله: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ}أي المعبود في السموات والمعبود في الأرض، وهو الله في السموات والأرض، يعني معبود في السموات ومعبودٌ في الأرض وإلا الله سبحانه وتعالى ذاته فوق العرش.
من قال الله في السموات والأرض وفي كل مكان فهو كافر، كما يقول الجهمية، الجهمية يقولون الله في كل مكان هذا كفرٌ وضلال، الله تعالى فوق العرش، مستوى على عرشه بائن من خلقه، ومعنى وقول الله، يعني هو معبود في السماء والأرض، وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله، يعني معبود في السماء ومعبود في الأرض.
أي المعبود في السموات والمعبود في الأرض قال تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً}، وأما الرب، رب العالمين الرب فمعناه المالك المتصرف، وإذا دخلت عليه أل فلا -- (42:26)أما إذا حذفت أل وأضيفت...
رب الدار، رب الإبل، كما قال عبد المطلب جد النبي r لما جاء أبرهة للهدم الكعبة قال: أنا رب أبلي وللبيت ربٌ يحميه، رب بمعنى صاحب، اذكرني عند ربك، عند سيدك، هذا إذا لم تأتي أل، أما إذا دخلت أل على رب فصارت علم من أعلام الله، الرب هو الله، الرب معناها المالك رب العالمين، ما المراد بالعالمين؟
وأما (العالمين) فهو اسم لكل ما سوى الله تبارك وتعالى؛ كل ما سواه من ملك، ونبي وإنس وجن وغير ذلك كلهم عالم، السموات والأراضين والأشجار والأحجار والبهائم والوحوش والإنس كلهم عوالم ، والله تعالى رب كل هؤلاء، الله رب العالمين، ، العالمين كل ما سوى الله، رب المخلوقات كلها.
ولهذا قال: اسم لكل ما سوى الله تبارك وتعالى، فكل ما سواه من ملك ونبي وإنسي وجني وغير ذلك مربوب مقهور يتصرف فيه، فقير محتاج إلى الله، كل ما في السموات والأرض، { إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً }، كلهم صامدون إلى واحد لا شريك له في ذلك، وهو الغني الصمد، الصمد القائم بنفسه، هو الصمد في نفسه، لا يحتاج إلى أحد وهو الذي تصمد إليه الخلائق بحوائجها.
(المتن)
وذكر بعد ذلك {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} 4 وفي قراءة أخرى (مالك يوم الدين) . فذكر في أول هذه السورة التي هي أول المصحف الألوهية والربوبية والملك. كما ذكره في آخر سورة في المصحف {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ}.
فهذه ثلاثة أوصاف لربنا تبارك وتعالى ذكرها مجموعة في موضع واحد في أول القرآن; ثم ذكرها مجموعة في موضع واحد في آخر ما يطرق سمعك من القرآن؛ فينبغي لمن نصح نفسه أن يعتني بهذا الموضع ويبذل جهده في البحث عنه، ويعلم أن العليم الخبير لم يجمع بينهما في أول القرآن ثم في آخره إلا لما يعلم من شدة حاجة العباد إلى معرفتها، ومعرفة الفرق بين هذه الصفات; فكل صفة لها معنى غير معنى الصفة الأخرى، كما يقال: محمد رسول الله، وخاتم النبيين، وسيد ولد آدم فكل وصف له معنى غير ذلك الوصف الآخر.
(الشرح)
نعم يقول المؤلف –رحمه الله-: وذكر بعد ذلك، أي في الآية الثالثة: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} 4 وفي قراءة أخرى (مالك يوم الدين) . ومالك أبلغ من مالك، فهما اسمان بالنسبة لله من أسماءه الملك ومن أسماءه المالك.
في قراءه مالك يوم الدين، والدين معناه هو الجزاء والحساب كما سيأتي، قال: فذكر في أول هذه السورة التي هي أول المصحف الألوهية والربوبية، أين الإلوهية المذكورة؟ الحمد لله، والربوبية؟ رب العالمين، والملك؟ مالك يوم الدين، كم وصف؟ ثلاثة أوصاف، الإلوهية والربوبية والملك لله، ذُكر في أول السورة، وذُكر في آخر سورة، أول ما ذكر في أول سورة من القرآن ثلاثة أوصاف، الربوبية والإلوهية والملك، كما ذكره في آخر سورة في المصحف {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ}.
الربوبية (قل أعوذ برب الناس) الملك (ملك الناس إله الناس) والملك والإلوهية، وفي أول الفاتحة: الربوبية الإلوهية الحمد لله، رب العالمين الربوبية، مالك يوم الدين هي الملك.
فالمؤلف-رحمه الله- يقول: ذكر في أول هذه السورة أي الفاتحة التي في أول المصحف الإلوهية والربوبية والملك، الإلوهية الحمد لله، والربوبية رب العالمين، والملك مالك يوم الدين، كما ذكره في آخر سورة من المصحف، قل أعوذ برب الناس هذه الربوبية، ملك الناس هذه الملك، إله الناس الإلوهية.
قال المؤلف-رحمه الله-: فهذه ثلاثة أوصاف لربنا تبارك وتعالى، الربوبية والإلوهية والملك، ذكرها مجموعة في موضع واحد في أول القرآن; ثم ذكرها مجموعة في موضع واحد في آخر ما يطرق سمعك من القرآن.
ثم قال المؤلف-رحمه الله-: فينبغي لمن نصح نفسه أن يعتني بهذا الموضع ويبذل جهده في البحث عنه، ينبغي للمسلم أن يعتني بهذا الموضع، ويبذل جهده في البحث عنه، ويعلم أن العليم الخبير لم يجمع بينهما في أول القرآن ثم في آخره إلا لما يعلم من شدة حاجة العباد إلى معرفتها، ومعرفة الفرق بين هذه الصفات.
الله تعالى كما ذكر في أول القرآن وفي آخره، الله تعالى ما جمع بينهما إلا لأنه يعلم حاجة العباد إلى معرفة هذه الأوصاف، لابد أن تعرف الربوبية، رب العالمين لأنه مربيهم ومدبرهم وخالقهم.
التربية نوعان: تربية عامة لجميع الخلق، فالله تعالى رب الجميع الربوبية الكاملة، بل الحيوانات كلها، مربيهم بمعنى أنه خلقهم وأوجدهم وأعطاهم ما يحتاجون، السمع والبصر والفؤاد أعطى الإنسان العقل، والبهائم أعطاها ما تحتاج من الجوارح، ثم هدى كل مخلوق لما يُصلحه في معاشه، هذا عام.
الإنسان ألهمه الله كيف يزرع كيف يشتري كيف يأكل، والطفل حينما ينزل من بطن أمه هداه الله إلى ثدي أمه، والبهائم هداها الله لمراعيها ومراتعها، كما قال تعالى: { قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى }.
والثاني: تربية الخلق خلق المؤمنين رباهم هداهم ووفقهم هداهم إلى الإيمان، ووفقهم للإسلام، الحمد لله رب العالمين، فكل صفة لها معنى غير معنى الصفة الأخرى، رب العالمين وربي، التربية نوعان تربية عامة وتربية خاصة، الحمد لله رب العالمين، ولله الإلوهية معناها: أن الله هو المألوه والمعبود الذي يستحق العبادة، والملك معناه أن الله سبحانه وتعالى هو المالك لجميع الخلق.
إذاً كل صفة لها معنى، الربوبية أنه مربيهم بنعمه والملك يعني مالكهم ويتصرف فيهم ويربيهم، والإلوهية معناها أنه لا معبود يستحق العبادة غيره.
قال المؤلف: فكل صفة لها معنى غير معنى الصفة الأخرى كما يقال: محمد رسول الله، وخاتم النبيين، وسيد ولد آدم، هذه ثلاث أوصاف مختلفة، رسول الله، محمد رسول الله، الرسول لأنه رسول الله، وخاتم النبيين لأن لا نبي بعده، وسيد ولد آدم وصف بأنه ..كل صفة مستقلة عن الأخرى.
قال: فكل وصف له معنى غير ذلك الوصف الآخر.
نقف على قوله هذا: إذا عرفت أن معنى الله هو الإله، وفق الله الجميع إلى طاعته وصلى الله وسلم وبارك على محمد.