قال رحمه الله تعالى:
( متن )
القرآن
ثم من بعد ذلك أن يعلم بغير شك ولا مرية ولا وقوف أن القرآن كلام الله ووحيه وتنزيله، فيه معاني توحيده، ومعرفة آياته وصفاته وأسمائه، وهو علم من علمه غير مخلوق، وكيف قرئ، وكيف كتب، وحيث تلي، وفي أي موضع كان في السماء وجد أو في الأرض، حفظ في اللوح المحفوظ وفي المصاحف، وفي ألواح الصبيان مرسوما، أو في حجر منقوشا، وعلى كل الحالات، وفي كل الجهات، فهو كلام الله غير مخلوق، ومن قال: مخلوق، أو قال: كلام الله، ووقف أو شك، أو قال بلسانه وأضمره في نفسه -فهو بالله كافر، حلالُ الدم، بريء من الله، والله منه بريء، ومن شك في كفره ووقف عن تكفيره، فهو كافر؛ لقول الله : بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ وقال -تعالى-: حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ وقوله -تعالى-: ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ
فمن زعم أن حرفاً واحداً منه مخلوق فقد كفر لا محالة و الآي في ذلك من القرآن و الحجة عن المصطفى ﷺ أكثر من أن تحصى و أظهر من أن تخفى .
( شرح )
بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله رب العالمين و أصلي و أسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم , أما بعد :
فهذه المسألة من مسائل التوحيد و الإيمان و هي مسألة القرآن , القرآن كلام الله تكلم الله به بحرف و صوت و سمعه منه جبرائيل عليه الصلاة و السلام و أنزله على قلب محمد ﷺ وحياً كما قال الله تعالى نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ نزل بلغة العرب.
والقرآن: كلام الله لفظه ومعناه، حروفه ومعانيه، ليس كلام الله الحروف دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف، هذا هو الصواب الذي تدل عليه النصوص، وهو معتقد أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة والعلماء: أن القرآن كلام الله، صفةٌ من صفاته، منزلٌ غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، هذه عبارة السلف صحيحة، كلام الله منزل غير مخلوق، وكلام الله الحروف والمعاني، الألفاظ والمعاني، كله كلام الله، ليس كلام الله الحروف دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف، خلافا لأهل البدع.
فالمعتزلة والجهمية يقولون: القرآن لفظه ومعناه، ليس صفة من صفات الله، وإنما هو صفة لمخلوق، بل هو مخلوق، القرآن لفظه ومعناه مخلوق، أضيف إلى الله إضافة المخلوق إلى خالقه، كما أضيف العبد والناقة والرسول، كما يقول: رسول الله، وعبد الله، وناقة الله، أي: اللفظ مخلوق أضيف إلى من خلقه؛ لذا كلام الله يكون مخلوقا، خلقه الله قالوا: إن الله تعالى لما كلم موسى في الهواء، قالوا: خلق الكلام في الهواء، ولما كلم موسى كما قال الله -تعالى-: فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.قالوا: إن الله خلق كلامه في الشجرة، فالشجرة هي التي قالت: يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ هذا كلام المعتزلة.
والجهمية يقولون: كلام الله ليس صفة من صفاته، بل هو مخلوق لفظه ومعناه.
وقالت الأشاعرة إن كلام الله المعاني دون الحروف والألفاظ، كلام الله معنى قائم بنفسه، ليس بحرف ولا صوت، وقالوا: إن جبريل لم يسمع كلام الله، بل كلام الله لا يسمع، معنى قائم في نفسه لا يسمع، كالعلم، كما أن العلم لا يسمع فكذلك القرآن معنى قائم في نفس الرب لا يسمع، وأما الحروف والكلمات فهذه من جبريل أو من محمد جبريل هو الذي تكلم بالقرآن، أو تكلم به محمد والله لم يتكلم بحرف ولا بصوت، هكذا يقولون، وكيف هذا القرآن؟!، كيف كان؟!، قالوا: إن جبريل هو الذي عبر، الله -تعالى- اضطر جبريل يتفهم المعنى القائم بنفسه، فعبر بهذه الحروف والكلمات، اضطره اضطرارا ففهم المعنى القائم بنفس الرب، فعبر عنه بهذه الحروف والكلمات، فالقرآن الموجود بين أيدينا يقولون: هذا عبارة عن كلام الله، أما كلام الله هنا قائم بنفسه، لكن الذي عبر عنه جبريل.
وقال آخرون من الأشاعرة الذي عبر به محمد فهو عبارة عن محمد.
وقال آخرون: إن جبريل أخذه من اللوح المحفوظ، ولم يسمع من الله حرفا ولا كلمة، فعلى هذا يكون القرآن الموجود في المصاحف، يقولون: عبارة عن كلام الله، وليس هو كلام الله، يسمونه عبارة الحروف، والكلام عبارة، أما الكلام والقرآن معنى قائم بنفس الرب، لا يسمع، ليس بحرف ولا صوت.
وقالت السالمية إن الحروف والألفاظ... إن كلام الله حروف، ألفاظ ومعاني، إلا أنها لا تتعلق بالمشيئة والاختيار، ما يتكلم إذا شاء، لم يزل يتكلم في الأزل يقول: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا مستمع كلام ما يتعلق بقدرته ومشيئته، قالوا: لو قلنا إنه يتكلم بقدرته ومشيئته لحدث الكلام في ذات الله، وصار الله محلًّا للشوائب؛ ففرارًا من ذلك قالوا: الحروف والأصوات قديمة..
وذهبت الكرامية إلى أن الحروف والأصوات والكلمات والألفاظ والمعاني كلام الله، إلا أنه حادث في ذاته، كائن بعد أن لم يكن، قالوا: إن الله لا يتكلم في الأول، كان عاجزا عن الكلام، بل أشد من كونه عاجزا بل كان الكلام ممتنعا عليه، لا يستطيع أن يتكلم -نعوذ بالله-، ثم انقلب فجأة فصار ممكنا، قالوا: هناك فترة ما فيها كلام، ولا خلق ولا فعل لله، قالوا: حتى لا تكون الحوادث متسلسلة، حتى لا يسد علينا باب إثبات الصانع.
وذهبت الاتحادية -والعياذ بالله- إلى أن كل كلام يسمع في الوجود هو كلام الله: كلام الحيوانات، وكلام الآدميين، وكلام الطيور، كله، وكلام الإنس والجن كله كلام الله حقُّه وباطله، هؤلاء ملاحدة، الذين يقولون: الوجود واحد، الرب هو الخالق، الخالق هو المخلوق، والمخلوق هو الخالق، والرب هو العبد، والعبد هو الرب وعلى هذا كلُّ كلام يُسمعُ في الوجود كلام الرب، والشعر والهزل، والسحر والكفر -والعياذ بالله-، كله نسبوه إلى الله -نعوذ بالله- حتى قال ابن عربي رئيس وحدة الوجود:
وكل كلام في الوجود كلامه | سـواء علينـا نثره ونظامه |
"كل كلام في الوجود كلامه"، يعني: كلام الله سواءً علينا نثره ونظام
وكذلك ذهبت الفلاسفة إلى أن الكلام معنًى يفيض من العقل الفعَّال على النفس الفاضلة الزكية، وليس بحرف ولا صوت، معان تفيض من العقل الفعال على النفس الفاضلة الزكية، النفس الفاضلة النبي ﷺ، فيحصل لها تصورات وتصديقات بحسب ما قبلته فيه، معانٍ ليس بحرف ولا صوت.
والكلابية يقولون: الكلام معنى قائم بنفس الرب، والحروف والأصوات حكاية دالة عن كلام الله.
والأشاعرة يقولون: معنى قائم بنفس الرب، والحروف والأصوات عبارة دالة عن كلام الله.
فالكلابية والأشاعرة الفرق بينهما أن الكلابية يقولون: الحروف والكلمات والأصوات عبارة عن حكاية كلام الله، والأشاعرة يقولون: عبارة عن كلام الله، وكل منهما يقول: إن كلام الرب معنى قائم بنفسه.
هذه مذاهب الناس.
أما الاتحادية هؤلاء كفرة، فلاسفة يقولون أن الكلام معنى يفيض من العقل الفعال على النفس الفاضلة الزكية ( النفس الفاضلة: النبي) النفس الفاضلة الزكية تفيض عليها هذه المعاني فيحصل لها تصورات وتصديقات بحسب ما قبلت منه.
وأهل السنة والجماعة الحق يقولون: كلام الله القرآن، كلام الله صفة من صفاته، لفظه ومعناه حروفه وكلماته، منزل وغير مخلوق، ومن قال: إنه مخلوق فقد كفر، كما قال المؤلف رحمه الله.
ولهذا قال المؤلف -رحمه الله-: "(القرآن) ثم من بعد ذلك أن يعلم بغير شك ولا مرية ولا وقوف أن القرآن كلام الله ووحيه وتنزيله" هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة لا بد أن يعتقد المسلم بغير شك ولا مرية، ولا وقوف ولا توقف أن القرآن كلام الله، فمن شك كان عنده شك أو مرية أو توقف، أن القرآن كلام الله -فهو جهميٌّ، لا بد أن يعتقد المسلم، ويعلم ويعتقد من غير شك ولا مرية ولا توقف أن القرآن كلام الله، تكلم به بحرف وصوت يسمع، سمعه منه جبرائيل ثم نزل به على قلب محمد ﷺ.
وكلام الله هو وحيه وتنزيله، أوحاه الله وأنزله بواسطة جبرائيل على نبينا محمد ﷺ، فيه معاني توحيده، القرآن فيه معاني توحيد الله، الله تعالى أمر بعبادته، وأمر بدعائه وإفراده بالدعاء، والذبح والصلاة والنسك: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وفيه كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، يعني: لا معبود بحق إلا الله، هذه اسمها معاني التوحيد، القرآن فيه معاني توحيد الله، وفيه معرفة آياته وصفاته وأسمائه: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
وهو علم من علمه غير مخلوق، كلام الله القرآن، كلام الله صفة من صفاته وعلم من علمه، غير مخلوق الكلام كلام الله، وهو علم من علمه علم أصل العلم ومنبع العلوم، كلام الله ، وهو الحكمة التي آتاها الله نبيه ﷺ: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ العلم النافع الحكمة، والعلم النافع المأخوذ من الكتاب ومن السنة، العلم النافع من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ هو الحكمة..
هو علم من علمه غير مخلوق، وكيف قرئ، وكيف تلي، وكيف كتب، وحيث تلي، وفي أيِّ موضع كان، في السماء وجد أو في الأرض، حُفِظَ في اللوح المحفوظ، أو في المصحف، وفي ألواح الصبيان مرسوما، أو في حجر منقوشا، وعلى كل الحالات وفي كل الجهات، فهو كلام الله غير مخلوق.
المعنى: أن كلام الله حيث تصرف فهو كلام الله القرآن، كلام الله حيث تصرف: إن قرأه القارئ فهو كلام الله، كلام الله مقروء، وإن تلاه التالي فكلام الله له متلوّ وإن حفظه الحافظ فكلام الله له محفوظ، وإن سمعه السامع فكلام الله له مسموع، وإن كتبه الكاتب فكلام الله له مكتوب، وهو في هذه المواضع كلها حق ليس مجازا، ولو كان مجازا لصحَّ نفيه، فيقال: ما سمع السامع كلام الله، ما قرأ القارئ كلام الله، ما كتب الكاتب كلام الله، وهذا باطل نهايته جهنم.
فكلام الله حيث تصرَّف فهو كلام الله: إن قرأه القارئ فكلام الله له مقروء، إن علمه وحفظه فكلام الله له معلوم، إن سمعه فكلام الله له مسموع، إن كتبه فكلام الله له مكتوب، إن كتبه في اللوح فكلام الله مكتوب في اللوح، إن كتبه في المصحف فكلام الله مكتوب في المصحف يقال: في المصحف كلام الله. المصحف فيه كلام الله، وفيه خط فلان الكاتب، وفيه الورق، وفيه المداد، وفيه الكتابة، وفيه كلام الله، المصحف فيه كلام الله هذا حق، وفيه كتابة الكاتب، وفيه مدادٌ كُتبَ به، وفيه ورق فالظرفية مختلفة.
فالقرآن كلام الله حيث تصرف؛ ولهذا قال المؤلف: " وكيف قُرأ، وكيف كُتب فهو كلام الله، وكيف قُرأ فكلام الله مقروء حقيقةً، وكيف كتب فكلام الله مكتوب حقيقة، وحيث تُلِيَ فكلام الله متلوٌّ حقيقةً، وفي أي موضع كان فهو كلام الله، في السماء وجد، أو في الأرض، فهو كلام الله في السماء -في اللوح المحفوظ- فهو كلام الله، في الأرض - في المصحف- كلام الله، في لوح الصبيان-إذا كُتب- كلام الله، إذا كُتب في حجر فكلام الله مكتوب، في أي موضع كان في السماء وجد أو في الأرض حفظ أو في اللوح المحفوظ و في لوح الصبيان مرسوما أو في حجر منقوشاً .
و على كل الحالات و في كل الجهات فهو كلام الله غير مخلوق كل الحالات يعني حالة تلاوة و حالة الكتابة و حالة السماع فهو كلام الله كل الجهات في أي جهة فهو كلام الله في أي جهة إذا كتب جهة الكتابة فهو كلام الله مكتوب جهة التلاوة فكلام لله مسموع في أي جهة كتب في اللوح كلام الله مكتوب في اللوح كتب في الحجر فكلام الله مكتوب في المصحف كلام الله في المصحف و هكذا فهو كلام الله غير مخلوق هذا هو و هو في هذه المواضع كلها حقيقة ليس مجازاً , كلام الله مكتوب في المصحف حقيقة و مقروئ للقارئ حقيقة و مسموع للسامع حقيقة و مرسوم في المصحف أو في اللوح حقيقة حقا، ليس مجازاً لأنه لو كان مجازاً لصح النفي فيقال ليس في المصحف كلام الله و هذا باطل بل في المصحف كلام الله و لصح أن يقال: ما سمع السامع كلام الله، هذا باطل فالذي يسمعه السامع كلام الله أما الحروف و الأصوات صوت فلان القارئ هذا من أفعاله هو و لهذا تختلف الأصوات أصوات القراء هذا صوته حسن و هذا صوته غير حسن هذا ينسب إليه من أفعاله و لهذا جاء في الحديث حسنوا القرآن بأصواتكم زينوا القرآن بأصواتكم فالقرآن يقرأ و يقرأه القارئ بصوت حسن و يقرأه قارئ آخر بصوت أقل من ذلك، و في الحديث حديث البراء أنه قال: صليت مع النبي ﷺ صلاة العشاء فقرأ سورة التين و الزيتون فما سمعت صوتاً أحسن منه عليه الصلاة و السلام و هذا ثابت في الصحيح.
يقول المؤلف رحمه الله:" من قال: كلام الله مخلوق، فهو كافر. ومن قال: كلام الله..، ووقف، وسكت، فلا يقول: "مخلوق" ولا "غير مخلوق": كافر أيضا، متوقف. إذا قال: كلام الله مخلوق. كفر. "وإذا قال: "كلام الله"، لا أقول: "مخلوق" ولا "غير مخلوق". كفر أيضا؛ متوقف، لا بد أن يجزم.
ولهذا قال: " أو قال: كلام الله، ووقف، أو شك؛ يقول: لا أدري: هل هو مخلوق أم غير مخلوق؟ كفر، أو قال بلسانه، وأضمر في نفسه: قال بلسانه: إنه كلام الله، وأضمر في نفسه أنه مخلوق، كفر أيضا.
ولهذا قال المؤلف:" ومن قال مخلوق -هذا واحد- يكفر، أو قال كلام الله ووقف يكفر، أو شك يكفر، أو قال بلسانه: هذا كلام الله، وأضمر في نفسه، فهو بالله كافرٌ -في هذه الصور الأربع – فهو حلالُ الدم بريء من الله، والله منه بريء.. ( واضح هذا..؟)"
" ومن شك في كفره، ووقف عن تكفيره، فهو كافر." يعني: إذا قال شخص: القرآن كلام الله مخلوق. وشك إنسان، قال: ما أدري: يكفر أو لا يكفر؟ يكفر من شك في كفره، بل لا بد أن تجزم أنه كافر، من شك في كفره ووقف فهو كافر لابد أن تجزم بأنه كافر.
ما الدليل؟ قال: " لقول الله - تعالى-: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ " فأثبت الله تعالى في هذه الآية الكريمة: أن القرآن مكتوب في اللوح، في لوح محفوظ يعني: مكتوب..
وقال -تعالى-:وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ دل على أن المسموع هو كلام الله؛ إذن كلام الله مسموع، ولم يقل: حتى يسمع ما هو عبارة عن كلام الله، أو حكاية من كلام الله -كما يقول الأشاعرة والكلابية -، وقوله -تعالى-: ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ إذن القرآن منزل ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ.
قال المؤلف -رحمه الله -:" فمن زعم أن حرفا واحدا منه مخلوق، فقد كفر لا محالة، من زعم أن حرفا واحدا من حروفه مخلوق فقد كفر لا محاله.
وهذا يقتضي من المؤلف: أن يُكَفِّرَ الأشاعرة ؛ الأشاعرة يقولون: ليس بحرف ولا بصوت، ما فيه حروف، ينكرون أن تكون الحروف كلام الله، بعضهم يقول: ما في المصحف كلام الله أبدا، ولكن عند التسامح يقولون: المصحف فيه كلام الله.
فإذا سألتهم وقلت: أنتم تقولون: إنه كلام الله. قالوا: مقصودنا: المصحف فيه كلام الله مجازا؛ فنقول: المصحف فيه كلام الله؛ لأنه تأدى به كلام الله، ولأنه عبارة عن كلام الله؛ فنحن نسميه كلام الله مجازا، وإلا فالمصحف ما فيه كلام الله، وبعض العصاة قد يعتدي، ويدوس المصحف بقدميه، ويقول: ليس فيه كلام الله، ما فيه كلام الله، حروف عبارة عن كلام الله؟ كلام الله قائم بنفسه.
المؤلف يقول: " من زعم أن حرفا واحدا منه مخلوق فقد كفر لا محالة " معروف عند العلماء أن الأشاعرة لا يكفرون؛ لأن لهم شبهة، لكن المعتزلة يقولون: "كلام الله مخلوق"؛ يكفرون.
لكن هذا عند أهل العلم على العموم تكفير على العموم: من قال: القرآن مخلوق، كفر، من قال: الزنا حلال، كفر، من قال: الصلاة غير واجبة، كفر، لكن الشخص المعين -فلان ابن فلان- قال: القرآن مخلوق. هل نكفره؟ لا بد من وجود الشروط وانتفاء الموانع في الشخص المعين: لا بد أن تقوم عليه الحجة؛ قد يكون جاهلا، قد يكون ما يدري، قد يكون عنده شبهة؛ فإذا كشفتها زالت.
فإذا قال: القرآن مخلوق؛ نقول له: تعال شوف الأدلة واضحة بأن القرآن كلام الله، ونوضح له الآيات، نقول الآيات دلت على أن القرآن كلام الله، فإذا اتضحت له الآيات والنصوص، وأصرَّ؛ حكمنا بكفره بعد ذلك.
كذلك: من استحل الربا، أو الزنا، أو الخمر -الشخص المعين بعينه-، لكن بالعموم نقول: من قال: القرآن مخلوق، كفر؛ هذه المقالة كفر، هذه المقالة كفرية، هذا معنى قول العلماء: يُفَرَّقُ بين المقالة والقائل، المقالة: إذا قال شخص: القرآن كلام الله، نقول: من قال: القرآن مخلوق كفر، وهذه المقالة كفرية، ولكن إذا قال فلان ابن فلان: القرآن مخلوق، نقول: فلان ابن فلان يتوقف حتى تقوم عليه الحجة؛ توجد الشروط وتنتفي الموانع؛ نأتي به ونناقشه ونبين له الأدلة، فإذا أصر بعد ثبوت الأدلة حكمنا بكفره.
لكن على العموم نكفر، نقول: من قال: القرآن كلام الله مخلوق، كافر، من قال: الصلاة غير واجبة، كافر، من قال: الزنا حلال، أو الربا حلال، كافر.
هذا على العموم؛ ( مَنْ ) من صيغ العموم عند الأصوليين.
أما الشخص المعين: فلان ابن فلان إذا قال قولا كفريا - وهو مسلم من أهل القبلة- فلا نكفره، حتى توجد الشروط، وتنتفي الموانع؛ بأن تقوم عليه الحجة؛ قد يكون لديه شبهة -ما ندري- فإذا كشفنا الشبهة رجع، قد يكون كلامه موهم، ما فهمنا كلامه حتى يفهمنا كلامه، فلا بد من إقامة الحجة على الشخص المعين؛ إذا كان من أهل القبلة، ومن المسلمين ولا يُعْرَفُ عنه أعمال كفرية إلا هذه المقالة الموهمة؛ فلا بد أن تقوم عليه الحجة لكن على العموم نقول: من قال: القرآن مخلوق، كافر، من أنكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة -وجوبا أو تحريما- كفر. أما الشخص المعين فلا يُكفَّر؛ حتى تقوم عليه الحجة، وتوجد الشروط، وتنتفي الموانع.
قال المؤلف: " فمن زعم بأن حرفا من القرآن مخلوق، كفر لا محالة -يعني: بدون شك - فالآيُ في ذلك من القرآن، والحجة عن المصطفى ﷺ أكثر من أن تُحْصى، وأظهر من أن تَخْفى
يقول: النصوص كثيرة التي تدل على أن القرآن كلام الله، مثلما ساق المؤلف: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ والنصوص في هذا كثيرة من الكتاب ومن السنة؛ يقول المؤلف: كثيرة لا حصر لها.
وقد بسط العلامة ابن القيم -رحمه الله- في كتابه: "الصواعق"- البحثَ في هذا، وأطال، وناقش الأشاعرة مناقشة طويلة حادة في هذا، وأطال المناقشة، وناقش المعتزلة وغيرهم من أهل البدع.
وناقش كثيرا من أهل الكلام: الكَرَّامِيَّة والسالمية والفلاسفة والاتحادية وأطال، وساق الأدلة في هذا، وقال: "إن من الأمثلة التي قال فيها أهل البدع: إنها مجاز: القرآن كلام الله وقال:" قولهم: إنه مجاز، هذا طاغوت يجب كسره." يسمى المجاز طاغوتا، دخل أهل البدع من قولهم: إنه مجاز، وقالوا: إن القرآن ليس كلام الله، بل هو مجاز، وإنما هو عبارة عن كلام الله.
( متن )
يقول المؤلف:
صفات الله - تعالى-:
ثم الإيمان بصفات الله - تبارك وتعالى -: بأن الله حي ناطق، سميع بصير، يعلم السر وأخفى، وما في الأرض والسماء، وما ظهر، وما تحت الثرى، وأنه حكيم عليم، عزيز قدير، ودود رؤوف رحيم يسمع ويرى، وهو بالمنظر الأعلى، ويقبض ويبسط، ويأخذ ويعطي، وهو على عرشه بائن من خلقه يميت ويحيي، ويفقر ويغني، ويغضب ويرضى، ويتكلم ويضحك، لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ، وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ.
( شرح )
هذه المسألة في صفات الله
صفات الله : هي التي وصف بها نفسه، أو وصفه بها الرسول ﷺ في السنة، وأسماء الله الحسنى مشتملة على معان، مشتملة على الصفات؛ ليست جامدة، بل هي مشتقة كل اسم من أسماء الله مشتمل على صفة: "الله"- لفظ الجلالة- أعرف المعارف، وهو خاص بالله؛ لا يُسَمَّى به غيره، الله مشتمل على الألوهية فيه إثبات صفة الألوهية.
الرحمن: مشتمل على صفة الرحمة العليم: مشتمل على صفة العلم ,القدير: مشتمل على صفة القدرة، وهكذا الحكيم: صفة الحكمة جميع الأسماء الحسنى مشتقة، مشتملة على الصفات، لكن الصفات لا يُشْتَقُّ منها اسم لله مثل: صفة الغضب: لا يشتق لله اسم الغاضب، الرضا: لا يشتق لله اسم الراضي؛ الصفات لا يؤخذ منها أسماء لله، لكن الأسماء مشتملة على الصفات.
وأسماء الله وصفاته توقيفية، ومعنى توقيفية: أنها يتوقف فيها عند النصوص؛ فلا نثبت اسمًا لله أو صفة إلا إذا ورد في الكتاب والسنة؛ و ليس للعباد أن يخترعوا أسماء وصفات لله من عند أنفسهم، بل الأسماء والصفات توقيفية؛ يوقف فيها عند النصوص فما ورد إثباته من الأسماء والصفات في الكتاب والسنة، وجب إثباته، وما ورد في الكتاب والسنة نفيه عن الله، وجب نفيه: كما في السِنَة والنوم: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ وما لم يرد في الكتاب والسنة إثباته ولا نفيه، نتوقف فيه: لا نثبته ولا ننفيه، مثل: الجسم والحيِّز، والعَرَضَ والحد والجهة، والأبعاض والأغراض؛ كل هذه الصفات أحدثها أهل الكلام، لم ترد في الكتاب، ولا في السنة، مشتملة على حق وباطل، ومن أثبتها فإننا نسأله ونستفسر ونقول ماذا تريد وإن أراد معنى حقا قبلنا المعنى الحق رددنا اللفظ نقول هذا المعنى صحيح لكن عبر بألفاظ النصوص؛ وإن أراد معنى باطلا رددنا اللفظ والمعنى، فالأسماء والصفات توقيفية، ليس للعباد أن يخترعوا أسماء وصفات من عند أنفسهم، بل يجب الوقوف عند النصوص.
قال المؤلف -رحمه الله -:" صفات الله - تعالى- ثم الإيمان بصفات الله -تبارك وتعالى.- "
يعني: يجب أن نؤمن بصفات الله؛ يجب إثبات صفات: العلم والقدرة، والسمع والبصر، وهكذا..، والأسماء التي وردت في النصوص: الخالق البارئ، المصور الملك القدوس، السلام المؤمن المهيمن، العزيز الجبار المتكبر..، إلى غير ذلك مما ورد في النصوص؛ يجب الإيمان بصفات الله -تبارك وتعالى.
قال المؤلف: " بأن الله حيّ ". حيٌّ: هذا ورد، من أعظم أسماء الله: الحي القيوم؛ حتى قيل: إنه اسم الله الأعظم، يقول -تعالى-: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ الحي من أسماء الله الحسنى من أسماء الله، ومشتمل على صفة الحياة .
وأسماء الله نوعان:
نوع خاص بالله؛ لا يُسَمَّى به إلا هو، مثل: الله، الرحمن، خالق الخلق، مالك الملك، الضار النافع، المعطي المانع، رب العالمين، هذا لا يُسَمَّى به إلا الله .
النوع الثاني: أسماء مشتركة: العزيز: من أسماء الله العزيز، والمخلوق يسمى العزيز: قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الحي، السميع، البصير مشتركة؛ قال -تعالى-: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ فالحي من أسماء الله المشتركة، يطلق على المخلوق: حي، ومن أسماء الله الحي، السميع البصير: مشتركة.
فقوله: ناطق: تسمية الله بالناطق ليس عليها دليل؛ لأنه لم يأت نص بإطلاق أن من أسماء الله الناطق، هكذا، لكن الحديث الذي ذكره في الحاشِيَة عن الآجُرِيِّ إن الله ينشأ السحاب، ويضحك أحسن الضحك، وينطق أحسن النطق هذا لو صح، فإنه يقتصر على لفظ الفعل فيقال ينطق أحسن النطق، ويضحك مثل وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ أنه يمكر الله من مكر به ، إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا يكيد الله من كاده، ولا يشتق لله منها اسم ، لا يقال من أسماء الله الماكر، ولا الكائد ولا الناطق، إن ما جاء على لفظ الفعل يبقى على لفظ الفعل.
فقول المؤلف -رحمه الله-: "حي ناطق " إطلاق اسم الناطق، وأنه يشتق لله اسم، ويقال: إن من أسمائه الناطق. هذا ليس عليه دليل، وإنما لو صح الحديث: ينطق أحسن النطق؛ يقال: إن الله ينطق فقط، ولا يقال: إن من أسمائه: الناطق.
بخلاف: "العليم، السميع، البصير": هذا أطلقه الله على نفسه، سَمِيعٌ بَصِيرٌ: هذان من أسماء الله، أطلقهما الله على نفسه: يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى من صفات الله: يعلم السر وأخفى، وما في الأرض والسماء، وما ظهر، وما تحت الثرى، كل هذا يعلمه الله، يعلم الله السر وأخفى ويعلم الله ما في الأرض وما في السماء وما ظهر وما تحت الثرى، هذا داخل في عموم قول الله - تعالى -: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وإنه: حكيم عليم، عزيز قدير، ودود رؤوف رحيم؛ كل هذا من أسمائه، كلها وردت في الكتاب
يطلق على المخلوق: حكيم، عليم، عزيز، وقدير، ورءوف، مثل قوله - تعالى-: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ وصف الله نبيه بأنه: رءوف رحيم، يسمع ويرى " كل هذا من صفاته جاء.
" وهو في المنظر الأعلى": بالمنظر الأعلى هذا ليس عليه وصف هذا الوصف ليس عليه دليل، وهو في المنظر الأعلى ليس عليه دليل.
وذكر المحشي : ذكر المحشي أنه: جاء في بعض الآثار عن الصحابة أن: الحسين بن علي كان يدعو في وتره: " اللهم أنت ترى، ولا تُرَى، وأنت بالمنظر الأعلى "، هذا -لو صح – يكون موقوفا على الحسين هذا بعد الصحة.
لكن لو قال المؤلف -رحمه الله - بدلا من: " وهو بالمنظر الأعلى " لو قال: يسمع، ويرى، وهو في السماء، أو فوق السماوات العلى، أو على العرش استوى؛ لكان أحسن، لو قال: يسمع، ويرى، وهو في السماء، أو فوق السماوات العلى، أو على العرش استوى ، ثم قال: " يقبض ويبسط ". نعم، هذا جاء: وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ - بنص القرآن- هذه من صفاته، من صفات الأفعال يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ
"ويأخذ ويعطي ". نعم، هذا جاء: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ يأخذ، ويعطي: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى.
"وهو على عرشه بائن": يعني: أنه ليس مختلطا بالمخلوقات، منفصل عن المخلوقات؛ الله -تعالى- فوق العرش، العرش سقف المخلوقات، ونهايتها، وليس فوقه شيء، والله فوق العرش بعد أن تنتهي المخلوقات والله ليس بحاجة للعرش، ولا لغيره؛ فهو الحامل للعرش، ولحملة العرش؛ بقوته وقدرته، وهو بائن من خلقه ": يعني: أنه منفصل عن المخلوقات، يعني: أنه لم يدخل في ذاته شيء من مخلوقاته، ولا في مخلوقاته شيء من ذاته، وهو على عرشه بائن من خلقه .
وهذا فيه الرد على الجهمية الذين يقولون: إن الله -تعالى- مختلط بالمخلوقات.
الجهمية طائفتان :
طائفة تقول: إن الله في كل مكان: في السماء، وفي الأرض، وفي كل مكان؛ حتى قالوا: في بطون السباع، وفي أجواف الطيور، وفي كل مكان. - تعالى- الله عما يقولون، وهذا كفر وضلال.
والطائفة الثانية -منهم الجهمية المتأخرون-: يثبتون النقيضين: أنه لا داخل العالم، ولا خارجه، ولا فوقه، ولا تحته، ولا مباين له، ولا محايث له، ولا متصل به، ولا منفصل عنه. إيش يكون ؟..عدم؟ بل أشد من العدم، يقولون الرب موجود لكن لا داخل العالم، ولا خارجه، ولا فوقه، ولا تحته، ولا متصل به، ولا منفصل عنه، ولا مباين له، ولا محايث له، إيش يكون؟ يكون عدم أشد من العدم، ممتنع مستحيل، نعوذ بالله.
هذه الطائفة الثانية من الجهمية الطائفة الأولى يقولون: هو في كل مكان، تعالى عما يقولون علوا كبيرا.
فقوله: " يأخذ ويعطي، وهو على عرشه بائن من خلقه، يميت ويحيى." هذا نص في القرآن من الصفات، "يحيي ويميت، ويفقر ويغني ": كل هذا من الصفات ويغضب ويرضى": غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وأيضا: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه ويتكلم: نعم: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ويضحك: جاء في الحديث: يضحك الله إلى رجلين: يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدخلان الجنة وهذا ورد في السنة .
لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ هذا من صفات النفي، السِنَةُ: النعاس، مبادئ النوم، النوم: النوم المستغرق، الله -تعالى- لا تأخذه سنة ولا نوم.
وهذه الصفات، صفات الله نوعان:l
صفات سلبية و صفات ثبوتية، الصفات الثبوتية مثل ما سبق أنه يرضا و يغضب و الصفات السلبية مثل لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ، لكن الصفات السلبية الآن ليست نفياً محضاً بل هي مستلزمة لثبوت ضدها من الكمال لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ، لماذا ؟ لكمال حياته و قيومته لكمال حياته و قيومته لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ، أما المخلوق حياته ضعيفة ناقصة و لذلك يحتاج إلى النوم حتى يرتاح لأن حياته ليست كاملة، أما الرب حياته كاملة فلَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ، وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا لكمال قوته واقتداره، لا يعجزنه مثقال ذرة في السماوات و لا في الأرض لكمال علمه و هكذا فالنفي الوارد في صفات الله ليس محضاً بل هو يستلزم ثبوت ضده من الكمال، لأن النفي المحض هذا ليس فيه مدح اتصف الجماد الجدار لا يسمع و لا يبصر هل هذا فيه مدح ؟ متى يكون النفي مدحا ؟ إذا استلزم ثبوت ضده من الكمال، لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ما هو ضد السنة و النوم ؟ الحياة لكمال حياته و قيومته ,وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا لكمال قوته و اقتداره لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ لكمال علمه وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا لكمال عدله، أما إذا قلت فلان لا يظلم فقط , قد لا يظلم لأنه عاجز فليس من الكمال هذا، العاجز لا يظلم مثل ما قال الشاعر يهجوا قومه لما استنصرهم و لم ينصروه لضعفهم قال :
لكن قومي وإن كانوا ذوي حسب | ليسوا من الشر في شيء وإن هانا |
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة | ومن إساءة أهل السوء إحسانا |
يقول قومي عدد كثير لكن ليسوا من الظلم في شيء ولو كان قليلا ما يظلمون يجزون من ظلم أهل الظلم إذا ظلمهم أحد صفحوا عنه و غفروا له و إذا أساء إليهم أحد أحسنوا إليه لعجزهم لا لكمالهم لأنهم عاجزون ما يستطيعون و لذلك صغرهم في أول البيت يقول:
قبيلة لا يغدرون بذمة | ولا يظلمون الناس حبة خردل |
إنما يمدح متى هذا إذا ترك الإنسان الظلم مع القدرة يكون مدحا و مع العجز ما يكون مدحا فهؤلاء عاجزون لا يظلمون لعجزهم و لو استطاعوا لظلموا، لكن الله لا يظلم لكمال عدله لا لعجزه وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا لكمال عدله لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ لكمال علمه وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا لكمال قوته و اقتداره لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ، لكمال حياته و قيوميته، لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ، وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ. الآية من الأنعام، كل هذا نفاه الله عنه نفاه الله يعني كل شيء يعلمه الله لا يعزب عنه مثقال ذرة وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ. و هو اللوح المحفوظ مكتوب فيه كل شيء، لا رطب و لا يابس و لا حبة في الظلمات إلا مكتوب في اللوح المحفوظ .
( متن )
رؤية الله -تعالى-:
ويُعلم بعد ذلك: أنه يتجلى لعباده المؤمنين يوم القيامة؛ فيرونه، ويراهم، ويكلمهم، ويكلمونه، ويسلم عليهم، ويضحك إليهم، لا يُضامون في ذلك، ولا يرتابون، ولا يشكون.
فمن كذَّب بهذا، أو ردَّه، وشك فيه، أو طعن على راويه؛ فقد أعظم الفرية على الله ، وقد برئ من الله ورسوله، والله ورسوله منه بريئان، كذلك قال العلماء، وحلف عليه بعضهم.
( شرح )
رؤية الله تبارك و تعالى هذه من الصفات التي اشتد فيها النزاع بين أهل السنة و أهل البدع، و كذلك أيضاً صفة الكلام من الصفات التي اشتد فيها النزاع بين أهل السنة و أهل البدع، و كذلك صفة العلو فهذه الصفات الثلاث صفة الكلام و صفة الرؤية و صفة العلو هذه الصفات الثلاث من العلامات الفارقة بين أهل السنة و بين أهل البدعة، من أثبتها فهو من أهل السنة و من نفاها فهو من أهل البدعة ما هي؟ ثلاث كلام الله من أثبت الكلام على حقيقته و أثبت الرؤية و أثبت العلو فهو من أهل السنة و من أنكره فهو من أهل البدع و لذلك أهل البدع انكروا الصفات كلها أنكروا أن يكون الله متكلما و أنكروا أن يكون الله فوق السماوات قالوا مختلط بالمخلوقات و أنكروا رؤية الله يوم القيامة فهذه الصفات من العلامات الفارقة بين أهل السنة و أهل البدع.
مذهب أهل السنة و الجماعة أن الله أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة رؤية واضحة لا يضامون في رؤيته كما يرون القمر ليلة البدر، يرونه في موقف القيامة و يرونه بعد دخول الجنة.
و ثبت أن المؤمنين يرونه في موقف القيامة أربع مرات: في المرة الأولى: يرونه ثم يتجلى لهم في غير الصورة التي يعرفون ينكرون فيقولون حتى يأتينا ربنا فيتجلى في الصورة التي يعرفونها فيسجدون له ثم يرفعون رؤوسهم فيتجلى لهم فيرونه كما رأوه أول مرة، و في الجنة يرونه.
أما غير المؤمنين فاختلف العلماء في رؤيتهم في الموقف في موقف القيامة على ثلاثة أقوال لأهل العلم:
القول الأول: أنه يراه أهل الموقف كلهم مؤمنهم و كافرهم ثم يحتجب عن الكفرة و هذه الرؤية لا تفيدهم الكفرة بل تزيدهم عذابا كالسارق الذي يؤتى به للملك أو الحاكم ثم يراه و يوبخه و يحتجب عنه و قيل لا يراه إلا المؤمنون و المنافقون لأن المنافقين كانو مع المؤمنين في الدنيا فكانوا معهم فيرونه ثم يحتجب عنهم و قيل لا يراه إلا المؤمنون.
و كذلك الكلام في موقف القيامة قيل لا يكلم إلا المؤمنين و قيل لا يكلم أهل الموقف و لا يكلم الكفرة و قيل يكلم المؤمنين و المنافقين.
فأهل السنة و الجماعة يثبتون رؤية الله و أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة رؤية وضحة لا يضارون فيها كما يرون القمر ليلة البدر و كما يرون الشمس صحواً ليس فيها سحاب و النصوص في هذا كثيرة لا حصر لها من الكتاب العزيز.
قال الله تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ أخت الصاد من النضرة و البهاء و الحسن إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ أخت الطاء من النظر، فأثبت النظر إلى الوجوه و وعداه بإلى و هو محل النظر و عداه بإلى الصارفة ، و أخلى الكلام مما يدل على غير حقيقة موضوعة فدل على أن المراد النظر بالعين التي في الرأس إلى الرب جل جلاله.
و كذلك قوله تعالى كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ و الزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم.
و في السنة نصوص متواترة في إثبات الرؤية من الصحاح و السنن و المسانيد ساقها العلامة ابن القيم في حادي الأرواح كتابه حادي الأرواح و قال: رواها عن النبي ﷺ نحو ثلاثين صحابياً في الصحاح و السنن و المسانيد، و أثبتها أهل السنة و الجماعة.
و خالف في ذلك أهل البدع الجهمية و المعتزلة أنكروا رؤية الله يوم القيامة و قالوا: إن الله لا يرى أبداً و قالوا: إن الذي يرى هو الجسم المحدود المتحيز، كما أنهم أنكروا كونه فوق العرش قالوا: إذا جعلته فوق معناه تنقصت الرب، جعلته محدود و متحيز في جهة معينه و هو في كل الجهات لا تقول في جهة معينة و كذلك الرؤية , الرؤية ما تكون إلا من محدود متحيز فأنكروا الرؤية.
و الأشاعرة صاروا مذبذبين لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء الأشاعرة أرادوا أن يكونوا مع أهل السنة و أن يكونوا مع المعتزلة ، عسر عليهم ذلك فقالوا نحن نثبت الرؤية و لكن ننفي الجهة، فهم يريدون أن يبقوا مع المعتزلة في كونهم أنكروا أن يكون الله في العلو و لم يجرؤوا على إنكار الرؤية فكانوا مع أهل السنة في الرؤية و مع المعتزلة في إنكار العلو فقالوا أن الله يرى، يرى من أين من فوق لا من تحت لا أمام لا خلف لا يمين لا شمال لا، أين يرى ؟ يرى في غير جهة فقالوا أن هذا غير معقول غير متصور المرئي لا بد أن يكون في جهة من الرائي و لهذا ضحك جمهور العقلاء بل ضحك عليهم الصبيان من إثباتهم الرؤية و نفي الجهة المرئي لا بد أن يكون مواجهاً للرائي مبايناً له فقولك أنه يرى إلى غير جهة هذا غير معقول غير متصور ثم النصوص الصريحة أن المؤمنين يرون ربهم من فوقهم كما يرون القمر ليلة البدر و كما ترون الشمس صحواً ليس دونها سحاب و نحن نرى القمر من فوقنا، وهذا الأشاعرة دائما مذبذبون بين أهل السنة و بين أهل المعتزلة فصاروا يسمونهم العلماء خناثا لا أثنى و لا ذكر، فهم ليسوا مع أهل السنة و ليسوا مع المعتزلة و لذلك تسلطوا عليهم المعتزلة قالوا كلامكم غير معقول إما أن تثبتوا الجهة فتكونوا أعداء لنا و إلا تنكروا الرؤية حتى تكونوا معنا أصدقاء كاملين أما ان تثبتوا الرؤية و تنفوا الجهة تكونوا معنا في الجهة تنكرون الجهة و تثبتون الرؤية فهذا غير معقول و غير متصور ما يمكن أبداً هذا تناقض، إما أن تنكروا الرؤية حتى تكونوا أصحابا لنا نحن و إياكم سواء أو أثبتوا الجهة حتى تكونوا أعداء لنا بالكامل، أما أن تبقوا مذبذبين تثبتون الرؤية و تنفون الجهة فهذا غير معقول و غير متصور.
فالمقصود أن من أثبت الرؤية فهو من أهل السنة و الجماعة، و من نفاها فهو من أهل البدعة، و لكن الأشاعرة أثبتوا الرؤية و لم يثبتوا العلو فصاروا مذبذبين لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء، رؤية الله تعالى.ط
قال و يعلم بعد ذلك أنه يتجلى لعباده يوم القيامة فيرونه يتجلى و يكشف الحجاب فيراه المؤمنون و قد اتفق أهل السنة و الجماعة على ذلك على أن المؤمنين يرون ربهم أجمعوا أهل السنة و خالف في ذلك أهل البدع، و لهذا قال المؤلف -رحمه الله و يعلم بعد ذلك أنه يتجلى لعباده المؤمنين يوم القيامة فيرونه و يراهم و يكلمهم و يكلمونه و أهل البدع أنكروا قالوا: إن الله يرى و لا يُرى و لا يتكلم و لا يُكلم -نعوذ بالله-.
و يسلم عليهم هذا جاء في حديث جابر رواه ابن ماجة قال: بينا أهل الجنة في نعيمهم إذا سطع لهم نور فيرفعوا رؤوسهم فإذا الجبار جل جلاله قد أشرف عليهم من فوقهم فناداهم يا أهل الجنة أن سلام عليكم فلا يزالون في نعيم ما داموا ينظرون إلى ربهم حتى يتجلى عنهم و تبقى بركته فيهم.
و أعظم نعيم يلقاه أهل الجنة هو رؤية الله حتى ينسون ما هم فيه من النعيم و الحديث فيه ضعف، لكن له شواهد.
قال: و يضحك إليهم هذا أيضاً ورد فيه إثبات الضحك لله و أنه تعالى يرى المؤمنين و يرونه و يضحك إليهم و جاء في الحديث لقيط بن صبرة حديث وفد بني المنتفق أنه لما قيل أن الرب يضحك قال: لا نعدم من رب يضحك خيرا لا نعدم خيرا من رب يضحك أو كما.
قال لا يضامون في ذلك يعني لا يحصل لهم ضير المؤمنون يرون ربهم كما يرون القمر ما في ضير ولا تعب و لا مزاحمة عندما ترى القمر هل فيه ضيم هل فيه مزاحمة ؟ لا يضامون في ذلك و لا يرتابون و لا يشكون ليس عندهم ريب و لا شك أهل السنة و الجماعة ما يشكون و لا يرتابون في رؤية المؤمنون لربهم إنما الذي يرتاب أهل البدع الجهمية و المعتزلة.
و هذا قال المؤلف رحمه الله فمن كذب بهذا أو رده أو شك فيه أو طعن على راويه فقد أعظم الفرية على الله يعني كذاب من كذب بهذا كذب بالرؤية قال إن الله لا يرى أو رد النصوص أو شك فيها أو طعن فيها على راويها طعن في الروايات الثابته فقد أعظم الفرية على الله يعني مفتر على الله بل هو من أعظم من افترى على ربه و قد برء من الله و رسوله و الله و رسوله منه بريئان، هذا يدل على كفره و ضلاله من أنكر رؤية الله أو طعن فيها أو شك فيها أو طعن في الرواية الصحيحة فقد أعظم على الله الفرية و برئ الله و رسوله منه و الله و رسوله منه بريئان، كذلك قالت العلماء يعني هذا هو قول العلماء , العلماء قالوا: من أنكر الرؤية أو كذب بها أو طعن في راويها فهو بريء من الله و الله بريء منه لكفره و ضلاله كذلك قالت العلماء: و حلف عليه بعضهم يعني بعضهم حلف بعض العلماء حلف و أقسم أن من كذب برؤية الله و طعن في النصوص و طعن في الروايات فإن الله بريء منه و هو بريء من الله أقسم على ذلك لكفره و ضلاله نسأل الله السلامة و العافية .
( متن )
القضاء و القدر:
ثم بعد ذلك الإيمان بالقدر خيره و شره و حلوه و مره و قليله و كثيره مقدور واقع من الله على العباد في الوقت الذي أراد أن يقع لا يتقدم الوقت و لا يتأخر على ما سبق بذلك علم الله و أن ما أصاب العبد لم يكن ليخطأه و ما أخطأه لم يكن ليصيبه و ما تقدم لم يكن ليتأخر و ما تأخر لم يكن ليتقدم و في هذا من صحة الدلائل و ثبوت الحجة في جميع القرآن و أخبار المصطفى ﷺ ما لا يمكن رفعه و لا يقدر على رده إلا بالإفتراء على الله و منازعته في قدره .
( شرح )
القضاء و القدر يقول المؤلف -رحمه الله- ثم بعد ذلك الإيمان بالقدر خيره و شره و حلوه و مره و قليله و كثيره مقدور واقع من الله على العباد.
الإيمان بالقضاء و القدر ركن من أركان الإيمان و أصل من أصول الدين لا يصح الإيمان إلا به و لهذا قال الله تعالى في كتابه إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ و قال سبحانه وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا.
و في الحديث الصحيح في حديث جبرائيل لما سئل النبي ﷺ عن الإيمان فقال الإيمان أن تؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و تؤمن بالقدر خيره و شره.
فمن لم يؤمن بالقدر فليس بمؤمن و من لم يؤمن بقضاء الله و قدره فليس بمؤمن.
و القضاء و القدر إذا أطلق أحدهما دخل فيه الآخر قضاء الله إذا أطلق دخل في القدر و القدر كذلك و إذا اجتمعا صار لكل واحد منهما معنى و القضاء له معان متعددة يطلق على وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ يطلق على الأمر و يطلق على معان متعددة.
فالإيمان بالقدر ركن من أركان الدين و أصل من أصول الدين لا يصح الإيمان إلا به و جاء عن بعض الصحابة أن من لم يؤمن بالقدر فإنه جاء تكفيره عن الصحابة فمن لم يؤمن بالقدر أحرقه الله بالنار و لو كان لأحد كما قال عبد الله بن عمر لما أخبره عن حميد الطويل صاحبه أنه ظهر عنده في الكوفة قوم ينكرون القدر قال أخبرهم أنني منهم بريء و أنهم برءاء مني ثم ساق الحديث قال: لو كان لأحد مثل أحد ذهباً ثم أنفقه في سبيل الله ما قبله الله منه حتى يؤمن بقدره في الحديث الصحيح فدل على كفره و ضلاله فالصحابة يكفرون من لم يؤمن بالقدر.
و القدر له أربع مراتب لا بد من الإيمان بها:
المرتبة الأولى: علم الله الشامل علم الله الأزلي الشامل للماضي و الحاضر و المستقبل و المستحيل أيضاً فالله تعالى يعلم ما كان في الماضي و يعلم ما يكون في الحاضر و في المستقبل و يعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون، الشيء الذي لا يكون المستحيل يعلمه قال الله تعالى عن الكفار لما طلبوا يردون إلى الدنيا وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قال الله وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ فيعلم ما لم يكن لو كان كيف سيكون.
و قال عن المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ أخبر الله ما يكون لو خرجوا لكنهم ما خرجوا وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ
إذاً علم الله الشامل يشمل ما كان في الماضي علم الله الأزلي و ما يكون في الحاضر و المستقبل و ما لم يكن لو كان كيف يكون هذا لا بد منه هذه المرتبة الأولى.
المرتبة الثانية كتابة الله للأشياء و لجميع ما يكون في هذا الكون من الصفات و الذوات و الأفعال في اللوح المحفوظ قال الله تعالى أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ هذه الآية فيها إثبات المرتبتين أَلَمْ تَعْلَمْ و إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ قال سبحانه مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ و هو اللوح المحفوظ و قال سبحانه وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ و هو اللوح المحفوظ و قال وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ هاتان المرتبتان الأوليان.
أما المرتبة الثالثة إرادة الله الشاملة لكل موجود في هذا الكون إرادة الله الكونية كل شيء يقع في الكون فالله أراد وجوده لا يقع في ملك الله ما لا يريد.
و إرادة الله نوعان إرادة دينية شرعية و إرادة كونية قدرية.
المرتبة الرابعة الخلق و الإيجاد كل شيء موجود في هذا الكون الله خلقه الله خالق كل شيء ليس هناك خالق مع الله.
فهذه المراتب الأربع يجب الإيمان بها من آمن بها فقد آمن بالقدر و من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقدر.
و القدرية طائفتان الطائفة الأولى: أنكروا المرتبتين الأوليين العلم و الكتابة و كفروا بذلك من أنكرك العلم نسب الله إلى الجهل و هم الذين قال فيهم الإمام الشافعي ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خصموا و إن أنكروا به كفروا.
أما عامة القدرية فأثبتوا المرتبتين الأوليين العلم و الكتابة و لكنهم أنكروا عموم المرتبتين الأخريين عموم الإرادة و عموم الخلق فقالوا: أن الله أراد كل شيء إلا أفعال العباد و خلق كل شيء إلا أفعال العباد لشبهة حصلت لهم فصاروا مبتدعة من أجل الشبهة.
فهذه مراتب القدر أهل السنة آمنوا بهذه المراتب الأربعة و لذلك قال المؤلف -رحمه الله- ثم بعد ذلك الإيمان بالقدر خيره و شره و حلوه و مره و قليله و كثيره مقدور واقع من الله لا بد أن تؤمن بهذا الخير و الشر من الطاعات و المعاصي كلها مقدرة لحكمة بالغة و المصائب في النفس و في المال و في الولد الحلو والمر كله مكتوب كله مقدر خيره و شره حلوه و ومره قليله و كثيره مقدر واقع من الله على العباد في الوقت الذي أراد الله أن يقع لأن كل شيء محدد له في وقت لا يتقدم الوقت و لا يتأخر أراد الله أن يقع هذا الشيء في هذا الوقت يموت هذا الإنسان في هذا الوقت لا يتقدم و لا يتأخر إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ما يموت الإنسان قبل أجله و لو كان بالقتل المقتول مقدر أنه يموت بالقتل و من مات على فراشه مقدر و هكذا.
و المعتزلة يقولون المقتول مات قبل أجله و لو لم يقتل لتأخر و هذا باطل لا يتقدم الموت و لا يتأخر على ما سبق بذلك علم الله لا بد من الإيمان بذلك.
و أن ما أصاب العبد لم يكن ليخطئه و ما أخطأه لم يكن ليصيبه لا بد من هذا، تعتقد أن ما أصاب العبد لا يمكن يخطئه و ما أخطأه لا يمكن يصيبه القدر محكم ما قدر أنه يصيب العبد لا بد يصيبه و لا يمكن أن يتخلى عنه و إذا أراد الله لعبد أن يموت في أرض جعل له حاجة فيذهب إليها فيأتي أجله و ما أخطأه لم يكن ليصيبه و ما تقدم لم يكن ليتأخر و ما تأخر لم يكن ليتقدم تقدم موت فإنه لا يمكن أن يتأخر و لو تأخر لا يمكن أن يتقدم مكتوب.
و في هذا من صحة الدلائل و ثبوت الحجة في جميع القرآن و أخبار المصطفى ﷺ ما لا يمكن دفعه، يقول هذا الذي ذكرت لك من الإيمان بالقدر و أن الله قدر كل شيء و لا يتقدم و لا يتأخر و أخطأه لم يكن ليصيبه و ما أصابه لم يكن ليخطئه في هذا من صحة الدلائل الأدلة الصحيحة من الكتاب و السنة و ثبوت الحجة في القرآن و أخبار المصطفى ﷺ ما لا يمكن دفعه و لا يقدر على رده، إلا افتراء على الله و منازعته في قدره يقول النصوص في هذا واضحة و صحيحة , الأدلة صحيحه من الكتاب و من السنة و الحجة قائمة في هذا في جميع آيات القرآن الكريم و أخبار النبي ﷺ ما لا يمكن دفعه أحد ما يستطيع أحد دفعه و لا يقدر على رده إلا من افترى على الله و نازع الله هذا نعم في قدره من افترى على الله و نازع في قدره هذا هو الذي يرد النصوص أما المؤمن فإنه يسلم و يؤمن بهذه النصوص و لا يستطيع أحد رد الأدلة الصحيحة و الحجج الثابتة و لا يستطيع أحد أن يدفعها و لا يقدر على ردها إلا من افترى على الله و نازع الله في قدره .