شعار الموقع
شعار الموقع

الإبانة الصغرى لابن بطة 14 من قوله: "وإلى ما وصفنا دعت الرسل وأنزلت الكتب...". إلى الحوض والشفاعة.

00:00

00:00

تحميل
58

قال رحمه الله تعالى :

( متن )

وإلى ما وصفناه دعت الرسل و أنزلت الكتب و عليه اتفق أهل التوحيد ممن أقر لربه بالربوبية و على نفسه بالعبودية من ملك مقرب و نبي مرسل، منذ كان الخلق إلى انقضائه مجمعون على أنه ليس شيء كان و لا شيء يكون في السماوات و لا في الأرض إلا ما أراده الله و شاءه و قضاه و الخلق كلهم أضعف في قوتهم و أعجز في أنفسهم من أي يحدثوا في سلطان الله شيئا يخالفون فيه مراده ويغلبون مشيئته ويردون قضاءه.

و الإيمان بهذا حق لازم فريضة من الله على خلقه فمن خالف أو خرج عنه أو طعن فيه لم يثبت المقادير لله ويضفها ويضف المشيئة إليه فهو أول الزندقة لأنه جاءت الأخبار أن القدر أبو جاد الزندقة.

( شرح )

أراد المؤلف رحمه الله أن يرد على القدرية و المعتزلة الذين أنكروا أن يكون الله خلق أفعال العباد، و لهذا قال المؤلف -رحمه الله- فالإيمان بهذا حق لازم فريضة من الله على خلقه يجب على كل أحد أن يؤمن بأن الله خلق العباد و خلق أفعالهم قدر أرزاقهم و آجالهم، فمن خالف ذلك أو خرج منه أو طعن فيه و لم يثبت في مقادير الله ويضفها ويضف المشيئة إليه، فهو أول الزندقة  أول الزندقة النقاق.

 و لهذا نقول أن الزندقة معناها النفاق و الزنديق هو المنافق، و أصل الزندقة كلمة فارسية معربة زنديق، و كان في زمن النبي ﷺ يسمى منافقا، ثم بعد ذلك صار يسمى زنديقا و هو المنافق و في زمننا الآن صار يسمى علمانيا، و هو الذي يظهر الإسلام و يبطن الكفر يقال له على عهد الصحابة منافق ثم قيل زنديق و في زمننا يسمى علماني و هو واحد و هو الكافر الذي يخفي الكفر و يظهر الإسلام، و هو في الدرك الأسفل من النار -نعوذ بالله-.

 يقول هؤلاء المبتدعة الذين أنكروا أن يكون الله قدر كل شيء حتى أفعال العباد من خالف ذلك أو خرج منه أو طعن فيه و لم يثبت المقادير لله ويضفها يعني المقادير لله ويضف المقادير إليه ، فها أول الزندقة أول النفاق بدأ في أول النفاق أول الزندقة هو هذا، ينكر الإنسان ما ينكر؟ قدر الله و قدره يقول: أفعال العباد ما قدرها الله و لا خلقها هذه أول الزندقة ثم تتمرد به الحال حتى ينكر القدر فيكون زنديقا فهو أول الزندقة.

(لأنه جاء في الأخبار أن القدر أبو جاد الزندقة) أبو جاد الزندقة يعني: أول الزندقة، لأن حروف (أبجد هوز) أول الحروف، القدر أبو جاد الزندقة يعني: أول الزندقة كما أن حروف الأبجدية (أبجد هوز حطي كلم، سعْفَصْ ، قُرِشَتْ ، ثَخَذ ، ضَظَغ)  هذه الحروف الأبجدية أولها ما هي؟ ( أبجد) أول الحروف الأبجدية (أبجد) أول الزندقة هو إنكار أفعال العباد، و لهذا قال: كما أن القدر أبو جاد الزندقة أبو جاد يعني أول الزندقة كما أن الحروف حروف أبجد أول الحروف الأبجدية.

 أما قول المؤلف  -رحمه الله- بأنه جاءت الأخبار أن القدر أبو جاد الزندقة كلمة الأخبار عامة، و لعل مرادها جاءت الأخبار عن السلف و عن العلماء و عن الأمة بأن القدر و التكلم في القدر أو إنكار شيء من القدر أول الزندقة،  كلمة الخبر يشمل أخبار النبي ﷺ ولا أعلم بحديث أن القدر أبو جاد الزندقة و لعل هذا يعني جاءت الأخبار يعني عن أهل العلم جاءت الأخبار عن أهل العلم و عن الأئمة أن القدر أبو جاد الزندقة يعني أول الزندقة .

( متن )

و قال ﷺ لعنت القدرية على لسان سبعين نبياً وأنا آخرهم 

(المحقق)

رواه الدارقطني في العلل بدون الجملة الأخيرة وأنا آخرهم قال ابن جوزي في العلل المتناهية لا يصح فإن راويه عن علي بن الحارث و هو كذاب و الحارث هذا هو الملقب بالأعور و رواه الطبراني في الأوسط عن ابن عمر موقوفا و قال الهيثمي و فيه محمد بن فضل بن عطيه و هو متروك، و رواه أبو يعلى بن كثير باختصار في رواية بقية بن الوليد عن حبيب بن عمر بقية مدلس وحبيب مجهول .

( شرح )

على كل حال الحديث ضعيف لا صحيح، لأن رواية الدارقطني من طريق الحارث الأعور و الحارث الأعور كذاب رافضي كذاب، و كذلك الرواية الثانية من قبل عطية العوفي و هو أيضاً شيعي مدلس متروك، فالحديث ضعيف.

قوله لعنت القدرية على لسان سبعبن نبياً وأنا آخرهم يعني لا يثبت هذا الحديث لا يثبت.

 لكن القدرية لا شك أنهم مذمومون القدرية كما سبق طائفتان الطائفة الأولى كفرة و الثانية مبتدعة متوسطة، أما حديث أنه لعنهم و أنهم لعنو على لسان سبعين نبياً هذا لا يصح عن النبي ﷺ.

( متن )

و قال: كتب الله  على كل نفس حظها من الزنا .

( شرح )

يعني يشير للحديث حديث رواه الشيخان بلفظ يقول النبي ﷺ كتب على ابن آدم حظه من الزنا فمدرك ذلك لا محالة ، العين تزني وزناها النظر و الأذن تزني وزناها الاستماع واليد تزني وزناها البطش والرجل تزني وزناها المشي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه هذا فيه أنه سمى المعاصي زنا هنا، و أن لكل عضو زنا لكن الفرج يصدق ذلك أو يكذبه فإذا زنا الفرج فهذا صدق عليه أنه زاني و إذا لم يزن صارت هذه معاصي، هذه معاصي تسمى زنا، إذا نظر بعينه إلى ما حرم الله أو استمع إلى ما حرم الله أو بطش بيده بما حرم الله أو مشى برجله إلى ما حرم الله بعد ذلك هناك ما يصدق ذلك أو يكذبه و الفرج يصدق ذلك أو يكذبه.

ما مناسبة هذا الحديث في القدر ؟ قوله: كتب الله كتب ، وفيه إثبات الكتابة لله و هو من الصفات الفعلية.

و فيه أن كل شيء مقدر أن كل شيء مقدر كتبه الله يعني قدر الله المعاصي و الطاعات كل شيء مقدره.

 وفيه رد على القدرية الذين يقولون أن المعاصي ليست مقدرة، العبد هو الذي خلق المعاصي، فالمعاصي مقدرة، فالمعاصي و الطاعات كل شيء قدره الله لحكمة بالغة، فالحديث يقول :كتب الله فيه إثبات أن كل شيء مكتوب في اللوح المحفوظ.

 وفيه اثبات صفة الكتابة لله كتب بأن الله يكتب، كما في الحديث الآخر كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات الأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء فهذا من الأدلة في السنة في إثبات الكتابة لله كتب الله مقادير الخلائق يعني في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السماوات والأرض بخميسن ألف وسنة وكان عرشه على الماء، يعني المقادير مكتوبة قبل أن يخلق الله الأرض بخمسن ألف سنة مكتوبة في اللوح المحفوظ .

( متن )

عذاب القبر :

ثم الإيمان بعذاب القبر و بمنكر و نكير قال ﷺ فيما روى عنه البراء: استعيذوا بالله من عذاب القبر و قال فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا و قال النبي ﷺ يقعد الميت في قبره وقال: لو نجى أحد من ضمة القبر لنجى سعد بن معاذ و قال الله فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا قال أصحاب التفسير: عذاب القبر .

( شرح )

عذاب القبر لا بد من الإيمان به و أهل السنةو الجماعة يؤمنون بعذاب القبر و نعيمه و أنه حق.

 و عذاب القبر و نعيمه ثابت في الكتاب و السنة، من الكتاب ما يدل على عذاب القبر قول الله تعالى وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ۙ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ هذا عذاب القبر عند الموت يضربون وجوههم و أدبارهم هذا عذاب في القبر عذاب البرزخ من الموت إلى قيام الساعة وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ۙ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ و كذلك قوله تعالى في سورة الأنعام وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ ۗ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ و من الأدلة على النعيم أيضا قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ هذا عند الموت نعيم و قال سبحانه يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ  ۝ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً  ۝ فَادْخُلِي فِي عِبَادِي  ۝ وَادْخُلِي  جَنَّتِي و قوله في آل فرعون النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا  آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ قوله النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا هذا في البرزخ، ثم قال: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ دل على أن هذا العرض الأول قبل قيام الساعة النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا هذا بعد موتهم و قبل يوم القيامة وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا  آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ.

و أما السنة فالنصوص كثيرة حتى قيل إنها متواترة منها حديث القبرين حديث ابن عباس أن النبي ﷺ مر بقبرين وقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة، هذا عذاب و كذلك حديث البراء استعيذوا بالله من عذاب القبر، في حديث البراء الطويل أن المؤمن إذا حضر الموت جاءته الملائكة بيض الوجوه وأنهم ملك الموت أن يسلوه كما تسل الشعرة من العجين و يخرج منها كأحسن طيب وجد على وجه الأرض، و أنه تفتح له أبواب السماء و يأتيه ملكان يسألانه عن ربه و عن دينه و عن نبيه، فيجيب يثبته الله و يفتح له باب للجنة فيأتيه من ريحها و طيبها أما الكافر فإنه ينزع ملك الموت روحه نزعا كما ينتزع الشوك من الصوف المبلول، و أنه يخرج منها كأنتن ريح على وجه الأرض و تغلق أبواب السماء دونها و يضيق عليه في قبره حتى تختلط أضلاعه، بينما و المؤمن يوسع عليه في قبره مد البصر و يأتيه الملكان فيسألانه  فلا يجيب، يضرب بمرزبة من حديد ويصيح صيحة يسمعها كل من خلق الله إلا الثقلين، و يفتح له باب إلى النار فيأتيه من حرها و سمومها كل هذه أدلة واضحة.

و من الأدلة ما ثبت في الصحيحين و غيرهما أن النبي ﷺ أرشد أمته و علمهم في التشهد الأخير أن يستعيذوا بالله من أربع قل أعوذ بالله من عذاب جهنم  من عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال و هذا مستحب بعد الصلاة على النبي ﷺ و ذهب بعض العلماء إلى أنه واجب , ذهب طاووس بن كيسان اليماني التابعي الجليل يرى أن الاستعاذة بالله من أربع واجبة في الصلاة، قال: لابنه لما صلى هل استعذت بالله من أربع؟ قال: لا، قال: أعد الصلاة، أمره أن يعيد الصلاة فدل على أنه يرى أنه واجب بعد الصلاة على النبي ﷺ يستعيذ بالله من أربع من عذاب القبر  و من عذاب جهنم و من فتنة المحيا و الممات و فتنة المسيح الدجال.

 يقول المؤلف رحمه الله: ثم الإيمان بعذاب القبر يعني يجب على المسلم أن يؤمن بعذاب القبر و بنعيمها أيضا، بعذاب القبر للعاصي و نعيمه للمؤمن المطيع، و بمنكر و نكير منكر ونكير ملكان جاءت تسميتهما في بعض الأحاديث بمنكر و نكير و في الحديث الآخر يأتيه ملكان أزرقان أسودان يسألان من ربك وما دينك ومن نبيك ويقال لهما الفتانان.

قال ﷺ فيما روى عنه البراء استعيذوا بالله من عذاب القبر  وهذا دليل على ثبوت عذاب القبر من السنة.

 و قال فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا يقول أن (المعيشة الضنك) فسرت بعذاب القبر، روي هذا مرفوعا من حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال أتدرون فيمن أنزلت هذه الآية فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا؟, قالوا الله ورسوله أعلم! قال: عذاب الكافر في قبره رواه أبو يعلى و ابن حبان في صحيحه، و قال الله  يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ

و قال ﷺ يقعد الميت في قبره و هذا لم يخرجه المحشي و لا شك أن الميت جاء في حديث البراء يأتيه ملكان يقعدانه يقال لأحدهما منكر و الآخر نكير و يسألانه عن ربه و عن دينه و عن نبيه.

و قال لو نجا أحد من ضمة القبر لنجا سعد بن معاذ و هذا في الإيمان بضمة القبر و أن القبر له ضمة لا ينجوا منها أحد، قال ﷺ لو نجا أحد من ضمة القبر لنجا منه سعد بن معاذ، و الحديث لا بأس بسنده و سعد بن معاذ سيد الأوس و هو الذي حكم في بني قريضة أن تقتل مقاتلتهم و تسبى نسائهم و ذراريهم ، و هو الذي قال فيه النبي ﷺ اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ و لما أوتي بمناديل لينة قال ﷺ لمناديل سعد في الجنة ألين من هذه و هو مشهود له بالجنة و مع ذلك ما نجا من ضمة القبر قال لو نجا أحد من ضمة القبر لنجا سعد بن معاذ الذي اهتز لموته عرش الرحمن و شهد له النبي ﷺ أن له منديل في الجنة أحسن من المناديل ومشهود له بالجنة، فنسأل الله لنا و لكم الإعانة.

 و قال الله فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا قال أصحاب التفسير عذاب القبر فهذه الأدلة كلها من الكتاب و من السنة تدل على ثبوت عذاب القبر و على نعيمه أيضا كما سبق، و المؤلف اقتصر على عذاب القبر فكان الأولى أن يقول عذاب القبر و نعيمه، فالنصوص ثابتة في هذا و في هذا، كما سمعتم من الكتاب و من السنة و القبر هو أول منازل الآخرة .

( متن )

صيحة النشور :

ثم من بعد ذلك الإيمان بصيحة النشور بصوت إسرافيل  للقيام من القبور فيلزم أنك ميت و مضغوط في القبر و مسائل في قبرك و مبعوث من بعد الموت فريضة لازمة من أنكر ذلك كان به كافرا قال النبي ﷺ إنكم تحشرون من قبوركم حفاة عراة غرلا و قال الله تبارك و تعالى يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا فمن كذب بآية أو بحرف من القرآن أو رد شيء مما جاء به رسول الله ﷺ فهو كافر.

( شرح )

صيحة النشور يجب الإيمان بصيحة النشور و المراد بصيحة النشور نفخة البعث التي ينفخ فيها إسرافيل , إسرافيل وكل بنفخة الصور ، كما أن جبريل موكل بالوحي و هو ملك الوحي و ميكائيل موكل بالقطر الذي فيه حياة الأبدان و إسرافيل موكل بالصور، هذه الملائكة الثلاثة موكلين بما فيه الحياة جبريل موكل بالوحي و الذي ينزل للأنبياء بالوحي الذي فيه حياة القلوب و الأرواح و ميكائيل موكل بالقطر و الذي فيه حياة الأبدان أبدان الآدميين و الحيوانات و إسرافيل موكل في النفخ بالصور الذي فيه إعادة الأرواح إلى الأبدان، فيخرج الناس من قبورهم لله رب العالمين و هؤلاء الأملاك الثلاثة هم رؤساء الملائكة مقدمون و لهذا توسل النبي ﷺ بربوبية الله لهؤلاء الأملاك الثلاثة في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها في الاستفتاح في صلاة الليل أن النبي ﷺ كان إذا قام من الليل استفتح فقال اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم .

و إسرافيل ينفخ في الصور نفختين النفخة الأولى نفخة الموت صعق و موت و الثانية حياة فهما نفختان النفخة الأولى ينفخ نفخة الصعق فيموت كل من في السماء و الأرض إلا من استثناه، والنفخة الثانية نفخة بعث يقول الله تعالى في سورة الزمر وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ هذه نفخة الصعق الموت ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى هذه نفخة البعث فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ النفخة الأولى نفخة الصعق صعق و موت فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ  من استثناه الله ممن لا يموت كالحور العين في الجنة كالأرواح و الولدان هؤلاء استثناهم الله داخلون في الاستثناء.

 و قال بعض العلماء إن النفخات ثلاث : نفخة الفزع كما قال تعالى في سورة النمل وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ و النفخة الثانية نفخة الصعق وهي الموت و النفخة الثالثة نفخة البعث، و هذا جاء في حديث لكنه حديث ضعيف من رواية إسماعيل بن رافع.

و الصواب أنهما نفختان فنفخة الفزع و نفخة الصعق واحدة أولها فزع و آخرها صعق و موت، و هي نفخة طويلة يطولها إسرافيل كما جاء في الحديث أنه ينفخ في الصور في آخر الزمان و آخر الدنيا بعد ظهور أشراط الساعة الكبار التي تتوالى أولها المهدي و الدجال ثم نزول عيسى ثم يأجوج و مأجوج ثم بعده تتوالى هدم الكعبة و الدخان و نزع القرآن من الصدور و طلوع الشمس من مغربها و الدابة و آخر ذلك النار التي تخرج من أقطار عدن تسوق الناس إلى المحشر تبيت معهم إذا باتوا و تقيل معهم إذا قالوا و تأتي ريح طيبة في آخر الزمان يقبض الله فيها أرواح المؤمنين و المؤمنات فلا يبقى إلا الكفرة فعليهم فتقوم الساعة، الساعة لا تقوم إلا على الكفرة فيخرب هذا العالم إذا خلى من التوحيد و الإيمان ما دام في الأرض توحيد و إيمان فلا تقوم الساعة كما قال النبي لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله  فإذا نزع الإيمان و التوحيد من الأرض قامت الساعة خربت و قامت القيامة تخرب هذه الأرض تكور الشمس و تنشق الأرض و تنفجر النجوم و تفجر البحار و تقوم الساعة ينفخ إسرافيل في الصور نفخة و الناس في أعمالهم و دنياهم مشغولون , يقال: تقوم الساعة و بعض الناس يأكل فلا يرفع اللقمة إلى فيه حتى تقوم عليه الساعة و بعض الناس يلوط الحوض لإبله فتقوم عليه الساعة و بعض الناس يغرس الفتيلة و بعض الناس يتبايعون القماش يمدونه فتقوم عليهم الساعة و هم في دنياهم مشغولون لكنهم كفرة لأنه بعد ما قبضت أرواح المؤمنين و المؤمنات لا يبقى إلا الكفرة يتهارجون كهرج الحمر يتناكحون في الأسواق كالحمر -و العياذ بالله_ لا يعرفون معروفا و لا ينكرون منكرا فيتمثل لهم الشيطان فيقول ألا تستجيبون فيقولون فما تأمرنا فيأمرهم بعبادة الأصنام و الأوثان، و هم في ذلك حسن رزقهم دار عيشهم فعليهم تقوم الساعة و لهذا قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد 

فينفخ إسرافيل في الصور نفخة أولها ليست قوية فيفزع الناس فلا يسمعها أحدا إلا اصغى ليتا ورفع ليتا الليت: صفحة العنق، يتسمع الصوت، فلا يزال الصوت يقوى يقوى حتى يموت الناس، صوت مثل ما سمعتم الآن يسمونه صفارات الإنذار الآن , صفارات الإنذار هذه التي أفزعت  الناس و أرعبت الناس لأن صوتها مرتفع،  فأول ما يسمعها الناس يصعقون لأن الصوت يقوى يقوى فإذا جاءت مثل الصوت الذي سمعتم مئات و ألوف المرات أقوى لا يزال يقوى يقوى الصوت حتى يموت الناس أولها فزع و آخرها موت وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ

ثم بعد ذلك يمكث الناس أربعين فينزل الله مطرا تنبت منه أجساد الناس فإذا تم خلقهم و نبتوا و بدلت الصفات الذوات هي هي لكن الصفات تبدل الله تعالى يعيد الذرات التي استحالت من التراب الإنسان يبلى إلا عجب الذنب العصعص آخر عظم في العمود الفقري يسمى العصعص يسمى عجب الذنب منه خلق ابن آدم و منه يركب هذا يبقى ما تأكله الأرض و الذرات الأخرى يعيدها الله فإذا نبت الناس ونبت خلق خلقهم الله و بدلت الصفات , خلق  الصفات صارت قوية تنشأ نشأة قوية يستطيعون فيها الثبات و يقفون هذا الموقف العظيم.

 بعد ذلك يأمر الله إسرافيل أن ينفخ في الصور النفخة الثانية فتعود الأرواح إلى أجسادها , الأرواح ما تموت الأرواح باقية إما في عذاب و إما في نعيم، المؤمن إذا مات نقلت روحه إلى الجنة و الكافر نقلت روحه إلى النار و لها صلة بالجسد، روح المؤمن تنعم لكن المؤمن تنعم وحدها و الشهيد تنعم بواسطة حواصل طير خضر في الحديث نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسمه يوم يبعث روحه و الحديث ثابت , و أما الشهداء فإنهم يتنعمون بواسطة حواصل طير خضر أرواحهم ، أرواح الشهداء إذا قتلوا يجعلها الله في حواصل طير تسبح في الجنة ترد أنهارها و تأكل من ثمارها لأنهم لما بذلوا أجسادهم لله عوضهم الله أجساداً أخرى تتنعم أرواحهم بواسطتها ، أما المؤمن غير الشهيد فإن روحه فقط تنعم وحدها تأخذ شكل طائر يعلق نسمة المؤمن طائر يعلق -يعني: يأكل- في شجر الجنة حتي يرجعه الله إلى جسمه يوم يبعثون 

فإذا نفخ إسرافيل في الصور النفخة الثانية بأمر الله تطايرت الأرواح ودخلت في أجسادها فقام الناس ينفضون التراب عن قبورهم و يقفون بين يدي الله ، للحساب  حفاة لا نعال عليهم و عراة لا ثياب عليهم غرلا غير مختونين الرجال و النساء و لكن شخص بصره للسماء , لما قالت عائشة يا رسول الله الرجال و النساء ينظر بعضهم إلى بعض فقال رسول الله الأمر أشد من ذلك الناس الآن عندهم اندهاش عندهم أمر عظيم ما أحد ينظر إلى أحد ليس الوقت وقت نظر الإنسان إذا اندهش أو صار عنده أمر يعني يهمه تجده يلاقيك في الشارع تسلم عليه و لا يرد عليك السلام ثم لقيته بعد ذلك و قلت أنا سلمت عليك ما رديت علي قال و الله ما سمعتك و لا رأيتك مندهش منشغل ذهنه، فإذا كان هذا مندهش في الدنيا فكيف حال الناس يوم القيامة على هذه الحال حفاة وعراة.

و أول من يكسا في الموقف إبراهيم أول من يكسا إبراهيم و هذه منقبة لإبراهيم و لا شيء يدل على أنه أفضل من حفيده محمد ﷺ بل هو أفضل و هذه مزية خاصة كما أن النبي ﷺ له مزايا و كما أن من مزايا موسى أنه يوم القيامة يأخذ بقائمة من قوائم العرش قال النبي ﷺ إن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جزي بصعقة يوم الطور هذه منقبة لموسى سواء صعق أو لم يصعق لكن  الفضيلة المزية الخاصة لا تقضي على المزايا العامة فأفضل الأنبياء نبينا محمد ﷺ ثم يليه جده إبراهيم ثم موسى ثم بقية أولي العزم عليهم الصلاة و السلام.

صيحة النشور , يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- ثم من بعد ذلك الإيمان بصيحة النشور يعني الصعقة الثانية و الصعقة الأولى صعقة الموت كما سمعتم أن المؤلف ذكر صيحة النشور و لم يذكر قبلها صعقة النفخ و هي مذكورة في الآية الكريمة وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ

يقول المؤلف -رحمه الله- ثم من بعد ذلك الإيمان بصيحة النشور بصوت إسرافيل , إسرافيل هو الملك الموكل بنفخة الصور للقيام من القبور،  للقيام من القبور يعني: يقومون من قبورهم للبعث ، من لم يؤمن بالبعث فهو كافر قال تعالى زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا فيلزم المؤمن القلب المؤمن يلزم قلبه أنك ميت و مضغوط في القبر و مسائل في قبرك و مبعوث من بعد الموت فريضة لازمة هذا فرض لازم فيلزم القلب يعني المؤمن يلزم قلبه بأن يعتقد أنك ميت و مضغوط في القبر و مسائل في قبرك و مبعوث من بعد الموت فريضة لازمة من أنكر ذلك كان به كافرا ما معنى قوله يلزم القلب ؟ يعني أن المؤمن يلزم قلبه هذا بأن يعتقد و يظن بأنه ميت هذا الموت لا أحد يشك فيه و مضغوط في القبر يعني الضمة لا بد منها و مسائل في قبرك تسأل عن ربك و عن دينك و عن نبيك و مبعوث بعد الموت يبعث الجسد فريضة لازمة فرض لازم من أنكر ذلك كان به كافرا , من أنكر البعث فهو كافر بنص القرآن قال الله تعالى و أمر نبيه أن يقسم على البعث في ثلاث مواضع في كتابه في سورة التغابن زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ و في سورة يونس وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ يعني : البعث قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ ۖ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ في سورة سبأ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ ۖ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ أمر الله النبي ﷺ أن يقسم على البعث في ثلاث مواضع من أنكر البعث كافر بإجماع المسلمين.

 و من قال إن البعث للروح كما تقول الفلاسفة دون الجسد فهو كافر الجسد يبعث , الفلاسفة كابن سينا و غيره يقولون يبعث الروح و الجسد ما يبعث هذا كفر بإجماع المسلمين، من قال أن البعث للروح فهو كافر البعث للجسد و الروح باقية ما تموت إما في عذاب أو في نعيم ثم تعود إلى الجسد بعد النفخ في الصور.

 قال النبي ﷺ إنكم تحشرون من قبوركم حفاة عراة هذا جاء في الحديث أن الناس يحشرون من قبورهم حفاة يعني لا نعال عليهم عراة لا ثياب عليهم غرلا جمع أغرل و الأغرل غير مختون أو الجلدة التي تقطع من الإنسان من الذكر و هو صغير تعود مرة أخرى تعود فيبعث غير مختوم و في رواية أخرى يحشرون إلى الله حفاة عراة غرلاً بهماً بهماً يعني: ليس معكم شيء إلا بالحسنات و السيئات.

و قال الله تبارك و تعالى يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا الأجداث جمع جدث و هي القبور سِرَاعًا هذا فيه إثبات البعث.

 قال المؤلف: فمن كذب بآية أو بحرف من القرآن أو رد شيئا مما جاء به رسول الله ﷺ فهو كافر، من كذب بآية من القرآن أو بحرف واحد أو رد شيئا مما جاء به رسول الله ﷺ فهذا كافر أنكر فرض فريضة أو وصفاً وصف الله به نفسه أو خبراً أخبر الله به أو فريضة أوجبها أو كذب بها أو بحرف فهو كافر بإجماع المسلمين نسأل الله السلامة و العافية .

( متن )

البعث و الصراط :

ثم الإيمان بالبعث و الصراط و شعار المؤمنين يومئذ سلم سلم و الصراط جاء في الحديث أنه أحد من السيف و أدق من الشعرة .

( شرح )

الإيمان بالبعث و الصراط الإيمان بالبعث و هو ركن من أركان الإيمان و أصل من أصول الدين من كذب به فهو كافر بإجماع المسلمين ،كما سمعتم في الآيات و كما في حديث جبريل قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر و البعث داخل في اليوم الآخر.

 و الصراط كذلك الإيمان بالصراط، و الصراط وأنه الصراط الحسي و هو جسر موضوع على يوضع ينصب على متن جهنم يمر الناس فيه على قدر أعمالهم، فالطائفة الأولى تمر كالبرق لا يضرهم شيء تمر على الصراط كالبرق مرورا، و الطائفة الثانية تمر كالطير و كالريح و كأجاود الخيل كالخيل الجياد و كالرجل يعدوا عدواً يركض ركضاً و الرجل يمشي مشياً و الرجل يزحف زحفاً و على الصراط كلاليب تخطف المرء و تلقي به في النار على حسب الأعمال فناجي مسلم و مكردس على وجوههم في النار نسأل الله السلامة و العافية .

يمر الناس فيه على قدر الأعمال و الصراط صراط حسي منصوب ينصب على متن جهنم، و الصراط يقول المؤلف: كما جاء في الحديث أنه أحد من السيف و أدق من الشعرة،  أحد من السيف و أدق من الشعرة، و في رواية و أحر من الجمرة يمر الناس فيه على قدر أعمالهم هذا معتقد أهل السنة و الجماعة أن الصراط حسي.

 و أنكرت المعتزلة الصراط الحسي و قالوا: أن المراد الصراط المعنوي ما في صراط حسي و إنما هو صراط معنوي ليس هناك صراط حسي يمر الناس فيه و إنما المراد الصراط المعنوي يعني: أن الناس ينتقلون إلى الجنة على حسب الأعمال ولا في صراط حسي، كما أنهم أنكروا الميزان الحسي و قالوا أن المراد ميزان العدل و قالوا أن الميزان كما سيأتي لا يحتاج إليه الرب لا يحتاج إلى ميزان لأن الذي يحتاج إلى ميزان البقال و الفوال أما الرب فلا يحتاج إلى ميزان فالمراد ميزان العدل هذا من بدعهم و ضلالهم، المعتزلة أنكروا الصراط و أنكروا الميزان، قالوا : الصراط معنوي و الميزان معنوي ما في صراط حسي و لا ميزان حسي ما في ميزان الأعمال ما توزن و الرب عادل و لا يحتاج إلى ميزان، الذي يحتاج إلى ميزان البقال و الفوال هكذا ردوا النصوص بعقولهم لأنهم أهل عقول يردون النصوص بعقولهم.

و يقول المؤلف: و شعار المسلمين يومئذ سلم سلم، هذا المعروف في الحديث أنه لا يتكلم إلا الرسل الرسل هم الذين يقولون اللهم سلم سلم.

يقول المؤلف: و شعار المسلمين سلم سلم يومئذ يحتاج إلى دليل هل ذكر في الحاشية شيء ؟ يقول حديث أبو هريرة الطويل و فيه و شعار المسلمين يومئذ سلم سلم، ووقع عند مسلم بلغني أن الصراط أحد من السيف و أدق من الشعرة، إذا ثبت أن المسلمين شعارهم سلم سلم !؟! .

يقول المحشي و ذكر المصنف من وصف الصراط بأنه أحد من السيف , فقد روى البخاري من حديث أبي هريرة الطويل و فيه و شعار المسلمين يومئذ سلم سلم و وقع عند مسلم قال أبو سعيد قال بلغني أن الصراط أحد من السيف و أدق من الشعرة .

معنى هذا يكون شعار المؤمنين و كذلك الأنبياء يقولون في بعضها و لا يتكلم إلا الرسل و شعارهم يومئذ سلم سلم اللهم سلم سلم .

( متن )

الميزان :

ثم الإيمان بالموازين كما قال الله تبارك و تعالى وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ 

و قال عبد الله ابن مسعود : يؤتى بالناس إلى الميزان فيتجادلون عنده أشد الجدال.

 و قال النبي ﷺ الميزان بيد الرحمن يخفضه و يرفعه فمن شك في ذلك أو كذب فقد أعظم الإلحاد

و قد اتفق أهل العلم بالأخبار و العلماء و الزهاد و العباد في جميع الأمصار أن الإيمان بذلك واجب لازم .

( شرح )

و الإيمان بالميزان و الموازين يوم القيامة هذا ثابت في النصوص و هو معتقد أهل السنة و الجماعة، قال الله تعالى وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ.

و جاء في حديث البطاقة أنه يؤتى برجل يوم القيامة و يخرج له تسعة و ستون سجلا كل سجل مد البصر سيئات فتوضع في كفة فيقال هل لك حسنة فيقول لا و الله فيقول الله بلى إن لك عندنا حسنة فيخرج له بطاقة فيها شهادتان شهادة لله بالوحدانية و لنبيه بالرسالة فتوضع السجلات في كفة و البطاقة في كفة فتهبط السجلات و تثقل البطاقة هذا دليل على أنه ميزان حسي جاء في الحديث أنه له لسان و كفتان.

 و اختلف العلماء هل هو ميزان واحد أو هي موازين فقيل أنه ميزان واحد أما قوله تعالى تعالى وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ  فإنما جمعت الموازين باعتبار الموزونات و إلا فهو ميزان واحد و قيل إنها موازين عدة لكل أحد ميزان.

و أثبت أهل السنة و الجماعة أن الميزان ميزان حسي، و أنكر المعتزلة الميزان الحسي و قالوا أن المراد به الميزان المعنوي و هو عبارة عن العدل و ليس هناك ميزان حسي له كفتان و لا توضع الأعمال و لا شيء، و إنما المراد العدل و الله تعالى عادل و لا يخفى عليه شيء من أعمال العباد و لا يحتاج إلى ميزان حسي إلا البقال و الفوال أما الرب فلا يحتاج إلى الميزان و هذا من جهلهم و ضلالهم، و هذا من الإلحاد كما ذكر المؤلف رحمه الله، فإن النصوص من الكتاب و السنة صريحة و واضحة بأنه ميزان حسي له كفتان و له لسان.

و ذكر المؤلف -رحمه الله- قال عبد الله بن مسعود : يؤتى بالناس إلى الميزان فيتجادلون عنده أشد الجدال فيه إثبات الميزان.

و ثبت في الحديث الصحيح أن ثبت في الأحاديث أنه يوزن الشخص و توزن الأعمال توزن الأعمال و يوزن الأشخاص قال عليه الصلاة و السلام في الحديث الصحيح يؤتى بالرجل العظيم السمين لا يزن عند الله جناح بعوضة لأنه خف عمله.

و لما كشفت الريح عن ساقي عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل ضحك الصحابة فقال النبي ﷺ مم تضحكون؟ قالوا يا رسول الله من دقة ساقيه فقال عليه الصلاة و السلام  والذي نفسي بيده لهما في الميزان يوم القيامة أثقل من جبل أحد هذا صريح في أن الميزان ميزان حسي و أنه يوزن الشخاص و توزن الأعمال على حسب الأعمال توزن الأعمال.

و الله تعالى و إن كانت الأعمال أعراضاً فالله تعالى يجعلها أجساماً ،كما جاء في الحديث أن البقرة و آل عمران تأتيان يوم القيامة كأنها غمامتان أو غايايتان أو فرقان من طير صواف تظلان صاحبهما يوم القيامة يعني العمل بالقرآن.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله قال و قال النبي ﷺ الميزان بيد الرحمن يخفضه و يرفعه فمن شك في ذلك أو كذب فقد أعظم الإلحاد هذا الحديث يحتاج إلى ثبوت، ما ذكر المؤلف في الحاشية تخريج الحديث , الميزان ثابت لاشك فيه لكن أما الحديث بهذا اللفظ الميزان بيد الرحمن يخفضه و يرفعه فمن شك في ذلك أو كذب فقد أعظم الإلحاد لا أعلم ثبوت هذا الحديث بهذا اللفظ و لم يذكر في الحاشية تخريجه.

و يقول المؤلف و قد اتفق أهل العلم بالأخبار و هم العلماء يعني و العلماء و الزهاد و العباد في جميع الأمصار أن الإيمان بذلك واجب لازم أن الإيمان بالميزان واجب لازم و لم يخالف في هذا إلا أهل البدع كالمعتزلة و أشباههم .

( متن )

الحوض و الشفاعة :

ثم الإيمان بالحوض و الشفاعة و قال النبي ﷺ إن لي حوضاً ما بين أيلة وعدن يريد أن قدره ما بين أيلة و عدن أباريقه بعدد نجوم السماء و قال أنس بن مالك من كذب بالحوض فقد كذب بالحق و جاء في الحديث من كذب بالحوض لم يشرب منه.

( شرح )

الحوض و الشفاعة تكلم المؤلف هذا الترقيم من المحشي تكلم عن الحوض و الشفاعة و المؤلف تكلم عن الحوض فقط و الشفاعة في موضع آخر , الإيمان بالحوض و الشفاعة المؤلف ذكر إجمالاً الشفاعة لكن ما فصل قال: ثم الإيمان بالحوض و الشفاعة , الإيمان بالحوض و الشفاعة من معتقد أهل السنة و الجماعة و الأحاديث في ثبوت الحوض و الشفاعة من الأحاديث المتواترة التي بلغت حد التواتر و من أنكر المتواتر بعد العلم به و قيام الحجة فإنه يكفر فالأحاديث المتواترة هي التي رواها عدد كثير، الحديث المتواتر هو الذي يرويه عدد كثير عن مثله يستحيل تواطئهم على الكذب من أول السند إلى منتهاه فهو عدد كثير عن عدد كثير عن عدد كثير يستحيل تواطئهم على الكذب و أسندوه إلى محسوس يعني إلى سمع يعني يقول سمعت أو رأيت لا بد من هذا.

 هذا الحديث المتواتر و الأحاديث المتواترة في السنة قليلة قال أهل العلم: ما ثبت في الأحاديث المتواترة إلا ما يقارب أربعة عشر حديثا و الباقية كلها ثبتت في أخبار الآحاد و أخبار الآحاد حق إذا صح السند سند الحديث و عدلت رواته و ليس و لم يكن حديثا معلل و لا شاذا فإنه يجب العمل به في العقائد و الأعمال يجب قبوله و الأحاديث في الصحيحين كلها من هذا الباب لكن الصحيحان البخاري و مسلم تلقتهما الأمة بالقبول فالأحاديث المتواترة التي بلغت حد التواتر تقارب أربعة عشر حديثا منها أحاديث الحوض و منها أحاديث الشفاعة و منها حديث من كذب عليه متعمداً فاليتبوأ مقعده من النار و منها حديث من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة هذه من الأحاديث المتواترة و قال بعضهم منها أحاديث النهي عن الصلاة بعد العصر و بعد الفجر فهذا منها.

و منها الأحاديث في الحوض متواترة و أن للنبي ﷺ حوضا في موقف القيامة، جاءت الأحاديث بوصفه، و أن طوله مسافة شهر و عرضه مسافة شهر وأوانيه عدد نجوم السماء و هو أشد بياضاً من اللبن و أبرد من الثلج و أحلى من العسل و أطيب ريحاً من المسك و أن من شرب منه شربة لم يضمأ بعدها أبداً حتى يدخل الجنة. و كذلك الشفاعة تواترت الأحاديث. و مع ذلك أنكرها الخوارج و المعتزلة أنكروا الحوض و أنكروا أيضاً الشفاعة.

 للنبي ﷺ عدة شفاعات شفاعة بموقف القيامة لإراحة الناس من الموقف و شفاعة في الإذن لأهل الجنة في دخلوها وشفاعة لرفع درجة قوم من أهل الجنة هذه ما أنكرها الخوارج و المعتزلة، لكن أنكروا الشفاعات التي في العصاة الشفاعة في من استحق دخول النار أن لا يدخلها و فيمن دخلها أن يخرج منها العصاة المؤمنين الموحدين و في قوم تساوت حسناتهم مع سيئاتهم هذه أنكرها المعتزلة و الخوارج فأنكر عليهم أهل السنة و صاحوا بهم و ضللولهم و بدعوهم الأحاديث متواترة بلغت حد التواتر في أن المؤمنين العصاة لا يخلدون في النار من ماتوا على التوحيد، فمنهم من يعفى عنه و منهم من يعذب ثم يخرجون بشفاعة الشافعين و برحمة أرحم الراحمين، لأن المؤمن الموحد أصله مؤمن و هو من أهل الجنة لكن هذه المعاصي و هذه الكبائر خبث و دنس فلا بد من أن يطهر من هذا الدنس و الخبث كما أن الثوب إذا أصابته نجاسة تغسلها حتى تزول النجاسة فهذه نجاسة المعاصي و الكبائر التي يفعلها الموحدون لا بد من أن تطهرها إن عفى الله عنها طهرت بالعفو و إن لم يعفوا الله عنها لا بد أن يطهر بالنار فإذا زال خبثه أخرجه الله من النار إلى الجنة هذا أنكره المعتزلة , المعتزلة و الخوارج قالوا العاصي مثل الكافر مخلد في النار الموحد العاصي من فعل كبيرة مخلد في النار كالكافر سواء بسواء أنكر عليهم أهل السنة و ضللوهم و بدعوهم.

و لهذا قال المؤلف رحمه الله تعالى: ثم الإيمان بالحوض و الشفاعة يجب على المؤمن أن يؤمن بالحوض و الشفاعة خلافاً للمعتزلة و الخوارج و قال النبي ﷺ إن لي حوضاً ما بين أيلة وعدن يعني مسافة أيلة بلدة في الشام و عدن في اليمن، و جاء في بعض الأحاديث ما بين بصرة و كذا، وجاء ما بين المدينة و عدن مختلفة المسافات قال بعض العلماء أجابوا عنها بأن الاختلاف هذا إما على حسب الطول و العرض أو على حسب السير المجد والسريع، فالمقصود أن الأحاديث في هذا متواترة و لهذا قال النبي إن لي حوضاً ما بين أيلة وعدن  يريد أن قدره ما بين أيلة و عدن أباريقه بعدد نجوم السماء يعني الأواني.

و قال أنس بن مالك: ( من كذب بالحوض فقد كذب بالحق) و جاء في الحديث من كذب بالحوض لم يشرب منه و ذكر أنه رواه أبو داود و أن فيها فلا سقاه الله.

المقصود أن أهل السنة و الجماعة يثبتون يؤمنون بالحوض و الشفاعة و ينكر ذلك أهل البدع من الخوارج و المعتزلة فالواجب على المسلم الإيمان بما ثبت في النصوص و الرد على أهل البدع و الإنكار عليهم و البعد عن معتقدهم الفاسد .

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد