شعار الموقع

عقيدة الطائفة النجدية في توحيد الألوهية 1

00:00
00:00
تحميل
39

بسم الله الرحمن الرحيم

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العربي المكي ثم المدني، أشهد أنه رسول الله إلى الثقليْن الجن والإنس إلى العرب والعجم، وأشهد أنه خاتم النبيين وإمام المرسلين، وأنه لا نبي بعده.

وأشهد أنه بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ونَصَحَ الأُمَّة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه من ربه اليقين، فصلوات الله وسلام عليه وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين وعلى آله وعلى أصحابه وعلى أتباعه بإحسانٍ إلى يوم الدِّين؛ أما بعد:

فإني أحمد الله إليكم وأُثني عليه الخير كله، وأشكره وأسأله المزيد من فضله، وأسأله سبحانه أن يُصلح قلوبنا، وأعمالنا ونيَّاتنا وذرياتنا.

كما أسأله سبحانه وتعالى أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعًا مرحومًا، وأن يجعل تفرُّقنا من بعده تفرُّقًا معصومًا، وألَّا يجعل فينا ولا منَّا شقيًّا ولا محرومًا.

كما أسأله سبحانه وتعالى أن يجعل جمْعنا هذا جمْع علْمٍ وخيرٍ ورحمة تنزل عليه السكينة فتغشاه الرحمة، وتحفُّه الملائكة، ويذْكُرُه الله فيمن عنده، فقد ثَبَتَ في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلَّا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذَكَرَهم الله فيمن عنده».

أيها الإخوان، نحمد الله سبحانه وتعالى أن وفَّقنا على عقد مثل هذه المجالس، ونسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا جميعًا الإخلاص في العمل والصدق في القول، ونسأله سبحانه أن يثبِّتنا على دِينه القويم؛ إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.

نحن نرجو أن نكون في روضة من رياض الجنة، نتدارس كتاب الله، وسُنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم، وما أوجب الله سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين؛ هو توحيده، وعبادته وحده الذي خَلَقَ الخَلْقَ من أجله، قال الله تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الذاريات:56].

فلابد للمسلم أن الذي يطلب العلم يستشعر وهو يطلب العلم أنه في عبادة، فطَلَبُ العلم تعلُّمه وتعليمه من أفضل القُربات وأجل الطاعات، على المسلم أن يستشعر، على طالب العلم أن يستشعر هذا، وليعلم أنَّ العبادة لا تصح ولا تكون مقبولة عند الله إلَّا إذا تحقق فيها الإخلاص لله عزَّ وجلَّ، والمتابعة لنبيه صلى الله عليه وسلم.

العبادات هكذا يتعبد الإنسان ربه بصلاة، وصيام، وزكاة، وحج، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وتعلُّم العلم وتعليمه، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، وأيضًا كفُّ نفسه عن أذية الناس؛ كل هذه عبادات يستشعر المسلم أنه في عبادة؛ فيحقق في هذا الأصلين: الإخلاص لله عزَّ وجلَّ، والمتابعة لنبيه صلى الله عليه وسلم؛ لأن الإنسان قد تعذب عنه النية، فعلى طالب العلم أن تكون على باله، وأن يستنكر هذا وهو يطلب العلم؛ حتى يكون حافزًا له ومرغِّبًا له في طلب العلم، والشوق إذا دعا إليه.

وتعلُّم العلم وتعليمه من أجلُّ القُرُبات وأفضل الطاعات، تتقرَّب إلى الله بتعلُّم العلم؛ فتعلُّم العلم من الجهاد في سبيل الله عزَّ وجلَّ، والله تعالى قال في كتابه: (ﯦﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯾ)[التوبة:122].

وبقيت طائفة: (ﯦ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ)[التوبة:122].

فتعلُّم العلم هو من الجهاد في سبيل الله، من الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ, وأشرف العلم؛ العلم بالله، وبأسمائه وصفاته؛ هذا أشرف العلم, شَرَف العلم في شرف المعلوم.

وأشرف العلم: أن تعلم ربك بأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وأنه سبحانه وتعالى فوق العرش، وأنه واجد الوجود بذاته، وأنه هو الذي خَلَقَ الخلْق، وأوجده من العدم، وأنَّ له الأسماء الحسنى والصفات العليا، وأنه سبحانه وتعالى كما سمى نفسه "الحي القيوم".

وأنه عالم الغيب والشهادة، وأنه الملك، وأنه القدوس، وأنه السلام, وأنه المؤمن، وأنه المهيمن وأنه العزيز، وأنه الجبار، وأنه المتكبِّر، وأنه الرحمن، وأنه الرحيم، وأنه الخلَّاق.

تعلم ربك بأسمائه وصفاته وأفعاله؛ هذا أشرف العلوم؛ أن تعلم ربك بأسمائه وصفاته، تعلم ربك الذي خلقك وأوجدك من العدم، ولماذا خلقك؟

هذا أشرف العلوم، هذا أشرف العلم النافع، هذا أشرف أنواعه وهو العلم بالرب المعبود سبحانه وتعالى: العلم بأسمائه وصفاته، وأنه سبحانه وتعالى بيده كل شيء، وأنه لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، وأنه على كل شيءٍ قدير، وأنه بكل شيءٍ عليم، وبكل شيءٍ بصير، وأن بيده كل شيء، خَلَقَ الخَلْق بقدرته وقوته، وهو غير محتاج  إليهم سبحانه وتعالى.

فإذا عرفت ربك بأسمائه، وصفاته، وأفعاله، فإنك بعد ذلك تنتقل إلى معرفة حقه الذي خلقك من أجله؛ وهذا هو النوع الثاني من أنواع العلم النافع الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه.

العلم الأول: العلم بالمعبود؛ هذا أشرف أنواع العلم؛ العلم بالله، وأسمائه، وصفاته، لابد أن تعرف ربك الذي خلقك وأوجدك من العدم، هو الخلاق، هذا  الإله، هو المعبود بحق، هو الخالق، هو الرازق، هو المدبر، هو المحيي، هو المميت، هو الذي بيده كل شيء، بيده الرزق، بيده الخلق، بيده الأمر، على كل شيء قدير، وكل شيء عليم، وعلى كل شيء بصير، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، إذا أراد شيء قال له: كن فيكون، فيجب أن تعلم هذا العلم العظيم الذي هو أشرف العلوم، شرف العلم بشرف المعلوم، والمعلوم هو الرب سبحانه وتعالى.

فإذا عرفت ربك بعد ذلك تنتقل إلى العلم الثاني: وهو العلم بحق هذا الرب، العلم بحقه الذي خلقنا وأوجدنا من أجله، ما هو حقه؟ لماذا خُلقنا؟ خُلقنا لعبادته، التوحيد، والطاعة، خلقنا لنعبده بالأوامر والنواهي، العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وهي كل ما أمر به شرعًا من غير اطراد عرفي ولا اقتضاء عقلي, هي الأوامر والنواهي تعبد الله بالأوامر والنواهي؛ الأمر: افعل، لا تفعل؛ أمر بالفعل، وأمر بالترك.

أقيموا الصلاة: تعبد الله بالأمر والنهي، والأمر إما أمر وجوب؛ كأقيموا الصلاة، أو أمر استحباب؛ كالأمر بالسواك، والنهي: تعبد الله بترك ما نهاك عنه إما نهي تحريم؛ كالنهي عن الزنا، والسرقة، أو نهي تنزيه؛ كالنهي عن الحديث بعد صلاة العشاء؛ هذه هي العبادة التي خلق الله الخلق من أجلها، هذا هو حق الله.

حق الله أن نوحده، وأن نخلص له العبادة، وأن نعبده بما شرعه لنا في كتابه، أو في سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم, نمتثل الأوامر، ونجتنب النواهي، ونصدق الأخبار؛ هذه الشريعة إما خبرٌ يصدق، وإما أمرٌ ينفذ؛ نصدق الله فيما أخبرنا به في كتابه، وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم عن ربنا، وعن أسمائه، وعن صفاته، وعن أفعاله، وعن أخبار الماضين، وأخبار الملائكة، وأخبار الأنبياء السابقين، وعن الأخبار المستقبلة، فيما يكون في آخر الزمان من أشراط الساعة، وبما يكون من أحوال البرزخ، من عذاب القبر ونعيمه، وضمة القبر، وفيما يكون يوم القيامة من البعث، والجزاء، والحشر، والنشر، وفيما يكون من وقت القيامة من حوض نبينا صلى الله عليه وسلم، ومن الصراط، والميزان، ثم الاستقرار في الجنة، أو في النار.

هذا الخبر يُصدق، والأمر ينفذ؛ هذه الشريعة، هذا هو حق الله، حق الله أن نعبده بأن نصدق الأخبار وننفذ الأوامر؛ وهذا هو النوع الثاني من أنواع العلم الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه.

ثم يأتي النوع الثالث من العلم: وهو معرفة الجزاء، العلم بالجزاء الذي يكون في الآخرة، العلم بجزاء المؤمنين الموحدين، وما لهم عند الله من الكرامة والنعيم المقيم، ما أعد لهم سبحانه وتعالى في دار كرامته، وما يحصل من النعيم في القبر، المؤمن يفتح له باب من الجنة فيأتيه من روحها وطيبها، ثم دخوله الجنة والتنعم بها التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها.

وأعظم نعيم يلقاه أهل الجنة هو النظر إلى وجهه الكريم، نسأل الله الكريم من فضله، النظر إلى وجه الله؛ هذا أعظم النعيم، وهي الزيادة التي قال الله تعالى فيها: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭥ[يونس/26].

فالحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله الكريم، كما جاء هذا في الحديث الذي رواه مسلم عن صهيب رضي الله عنه، وكذلك أيضًا ما أعد الله للكفار الجزاء الذي وعده الله للكفار العصاة من العذاب في القبر، وأنه يفتح عليه باب من النار، ويأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه القبر حتى تضيق أضلاعه، ثم دخوله النار، وما فيها من العذاب، والنكال، والبوار، نسأل الله السلامة والعافية.

والعصاة؛ عصاة الموحدين منهم من يعفو الله عنه، ومنهم من يعذب في قبره، ومنهم من تصيبه أهوال وشدائد في موقف يوم القيامة، ومنهم من يعذب في النار، ومنهم من يشفع فيه قبل الدخول، ومنهم من يدخل النار، ويدخل النار جملة من العصاة المؤمنين الموحدين، يمكثون فيها ما شاء الله على قدر جرائمهم ومعاصيهم، ثم يخرجون منها بشفاعة الشافعين، يشفع فيهم الأنبياء، يشفع فيهم الملائكة، يشفع فيهم الأفراد، يشفع فيه المؤمنون، ويشفع فيهم نبينا أربع مرات، في كل مرة يحد الله له حدًا يعرفهم بالعلامة، يخرجون منها قد امتحشوا وصاروا فحمًا، ثم يصب عليهم من نهر الحياء، فينبتون كما تنبت الحبة في السيل، ثم يُأذن لهم في دخول الجنة.

ويبقى الكفرة في النار في طبقاتها، تُطبق عليهم بعد خروج العصاة، نسأل الله السلامة والعافية، فلا يخرجون منها أبد الآباد؛ هذا هو العلم الثالث: العلم بالجزاء؛ جزاء الموحدين، جزاء أهل التوحيد، وجزاء من خرج عن التوحيد؛ هذا هو العلم النافع الذي بعث الله به رسله، وأنزله.

  • هذه أقسامه:
  1. العلم بالمعبود.
  2. العلم بحق المعبود.
  3. العلم بالجزاء.

كما قال العلامة ابن القيم:

والعلم أقسام ثلاث ما لها    
 

 

من رابع والحق ذو تبيان
 

 

علم بأوصاف الإله وفعله    
 

 

وكذلك الأسماء للرحمن
 

 

 

هذا أول.

والأمر والنهي الذي هو دينه؛ هذا الثاني.

وجزاءه يوم المعاد؛ هذا الثالث.

أما العلوم الأخرى، فهذه علوم؛ علم الصناعة، علو الزراعة، علم الهندسة، علم الكيمياء، علم التجارة، والنجارة، والسباكة، والكهرباء، وغير ذلك من أنواع العلوم، الصيدلة، والطب؛ هذا علوم يؤجر الإنسان عنها إذا حسنت نيته، وقصد بذلك أن ينفع المسلمين، وأن يستغنوا عن أعدائهم، ولكنها علوم دنيوية، يتعلمها من أجل الدنيا، أما العلم الشرعي فلا يجب أن يتعلمه من أجل الدنيا، العلم الشرعي هذا عبادة، والعبادة لا يجوز أن يُقصد بها الدنيا، توعد الله تعالى من أراد بعمله الدنيا، قال تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ)[هود/15- 16].

قال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ[الإسراء/18]،.

وقال سبحانه: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الشورى/20].

العلم الشرعي لا بد أن يكون لله، لا لأجل الدنيا، ولا لأجل الجاه، ولا لأجل المنصب، ولا لأجل الوظيفة، ولكن ما يحصل أن يكون معين ومساعد، وطلب العلم يكون لله؛ لأنه عبادة، فجعل الوعيد الشديد لمن تعلم العلم الشرعي لغير الله، ففي الحديث: «من تعلم علمًا مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا لم يرح رائحة الجنة».

وأول ثلاث تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة: عالم أو قارئ، ومجاهد قتل في المعركة، ومتصدق أنفق أمواله، كما في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم.

«وأنه يؤتى بالأول؛ القارئ، ويقال له: ماذا عملت؟ فيقول: يا ربي تعلمت  فيك العلم، وقرأت فيك القرآن لأجلك، فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، وإنما تعلمت العلم ليقال لك: عالم، وقرأت القرآن ليقال: قارئ، فقد قيل، وليس لك إلا ذلك، ثم يأمر الله، فيسحب على وجه حتى يلقى في النار، ويؤتي بقتيل المعركة، واقف بين يد الله، فيسأل، يقول: يا ربي قاتلت فيك لإعلاء كلمتك، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة كذبت، وإنما فعلت ذلك ليقال: فلان شجاع، فلان جرئ، فقد قيل، وليس لك إلا ذلك، ثم يأمر الله به، فيسحب على وجه حتى يلقى في النار، وأما المتصدق فيؤتى به؛ الذي أنفق أمواله في المشاريع الخيرية، فيسأل، فيقول: يا ربي ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، وإنما فعلت ذلك ليقال: فلان جواد، وليقال: فلان كريم، فقد قيل، وليس لك إلا ذلك، ثم أمر الله به فيسحب على وجه حتى يلقى في النار».

أو كما جاء في الحديث، قال أبو هريرة رضي الله عنه: «فأولئك ثلاثة، أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة».

ما فعلوا هذه العبادات من أجل الله، لو كانت لله لكان الأول من الصديقين الذي تلي مرتبته مرتبة الأنبياء، والثاني لو كان لله لكان من الشهداء، والثالث لو كان لله أمواله التي أنفقها لكان من الصالحين.

فينبغي لطالب العلم أن يستشعر هذا الأمر العظيم، ونحن في هذا اليوم العلمي إن شاء الله سوف نقرأ هذه الرسالة التي كتبها الشيخ العلامة سعد بن حمد بن عتيق رحمه الله تعالى، وهي رسالة في توحيد العبادة؛ الذي هو حق الله؛ الذي هو النوع الثاني من أنواع العلم الذي بعث الله به رسوله.

أيضًا قد يذكر فيها شيء من النوع الأول؛ وهو معرفة المعهود من أسماء الله وصفاته، وكذلك أيضًا النوع الثالث: وهو معرفة الجزاء.

هذه الرسالة كتبها العلامة الشيخ: سعد بن حمد بن عتيق رحمه الله تعالى، المولود في سنة ألف ومائتين وسبع وستين هجرية في بلدة عمار تابعة للأفلاج، وأبوه الشيخ العلامة الحجة الفهامة: حمد بن علي بن عتيق رحمه الله تعالى، قد قرأها الشيخ سعد؛ قرأ على والده رحمه الله عددًا من الكتب كما ذكر المحقق، ثم اتجه إلى الهند ليكمل بقية طلبه للعلم، ومكث فيها قرابة تسع سنوات يقرأ على علماء الحديث.

وتتلمذ الشيخ سعد رحمه الله على يد عدد من العلماء؛ منهم: العلامة الشيخ: صديق حسن الخان، ومنهم: العلامة الشيخ: أحمد بن إبراهيم بن عيسى، وله تلاميذ؛ علماء أفاضل، من أبرزهم فضيلة الشيخ: عبد الله بن حسن رحمه الله، والعلامة: محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف مفتي الديار السابق في السعودية، وشيخ الإمامين؛ الإمام: عبد العزيز بن باز، والإمام عبد الله بن محمد بن حميد، الشيخ العلامة: محمد بن إبراهيم، معروف هو مفتي ديار السعودية السابق.

والشيخ سعد رحمه الله تولى المناصب، فقد عُين قاضيًا في الأفلاج بأمر من الأمير فيصل بن تركي رحمه الله؛ ملك السعودية الثاني، ثم نقل إلى الرياض في زمن الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن، وعين قاضيًا، وله مؤلفات رحمه الله، من مؤلفاته هذه الرسالة عقيدة الطائفة النجدية التي بين أيدينا، وله رسالة سماها: حجة التحريض على النهي عن الذنب عند المريض، ورسالة: نظم متن زاد المستقنع، وله عدة رسائل وفتاوى مجموعة ضمن الكتاب المسمى: المجموع المفيد، ولما توفي رحمه الله رثاه عالم من العلماء الشيخ: محمد بن عبد الله بن عثيمين في قصيدة مطلعها:

أهكذا البدر تخفى نوره الحفر      
 

 

ويفقد العلم لا عين ولا أثر
 

 

خبت مصابيح كنا نستضيء بها  
 

 

وطوحت للمغيب الأنجم الزهر
 

 

 

ورثاه الشيخ: عبد الله بن إبراهيم بن عبد اللطيف رحمه الله في قصيد قال في مطلعها:

مصاب دها من معضلة النواجز  
 

 

ورزق وعظم قد أهاج بلابلي
 

 

لاقى الإمام لعَمري ناسك متورع  
 

 

تقي نقي ما له من مماثل
 

 

إمام لعَمري كان بالعلم عاملًا
 

 

يراقب ربًا ليس عنه بغافل
 

 

إمام لعَمري كان للعلم باذلًا     
 

 

يقرر التوحيد بين المحافل 
 

 

إمام لعَمري ذو علوم كثيرة     
 

 

وذو خشية لله ليس بزاهد
 

 

إمام لعَمري متقن بل وحافظ   
 

 

فقيه نبيل فاضل وابن فاضل
 

 

 

هذه الرسالة التي بين أيدينا كما هو معلوم لديكم، وكما بين أيديكم: عقيدة الطائفة النجدية في توحيد الألوهية؛ وهي جواب عن سؤال، وذلك أن الشيخ العلامة سعد رحمه الله قال: أن سأله بعض الأحباب عن عقيدته، وعقيدة مشايخه من أهل بلده، فأجاب في هذه الرسالة.

  • والسائل حدد له عن ثلاث مسائل، اشتملت عليها الرسالة:

المسألة الأولى: دعاء غير الله.

المسالة الثانية: شد الرحل إلى القبور.

المسألة الثالثة: التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم.

  • هذا هو موضوع هذه الرسالة، هذه الرسالة مشتملة على هذه المسائل

الثلاث:

المسألة الأولى: الدعاء لغير الله، السائل سأل فيمن يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ويسأله الإغاثة، والشفاعة.

والمسألة الثانية: ما يعتقده في شد الرحل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وغيره.

والمسألة الثالثة: فيما يعتقده بالتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم.

قبل أن نبدأ في هذه الرسالة نريد أن نتكلم عن مسائل الرسالة باختصار، ثم نقرأ كلام الشيخ رحمه الله.

المسألة الأولى: الدعاء لغير الله، دعاء غير الله فيه تفصيل؛ إن كان الدعاء حي حاضر قادر فلا بأس، حي حاضر تدعوه، تسأله: يا فلان أعني، أقرضني مالًا، أعني على إصلاح مزرعتي، أعني في إصلاح سيارتي؛ فهذا لا بأس به حي حاضر قادر بيده الأسباب.

الأمر الثاني: أن يسأل غائبًا، ولكنه يستطيع أن يجيبه مثل الآن الجوال تسأل واحد في مسافة بعيدة، هو غائب لكن تستطيع تكلمه، أو يبلغ، تطلب من فلان وبينك وبينه مسافات بعيدة، لكن المواصلات الحديث قربت البعيد، ولو كان في المشرق أو في المغرب، تطلب منه أن يقرضك أن يعينك، أو أحد يبلغه؛ هذا في حكم الحاضر لا بأس به؛ يعني سواء كان حاضرًا عندك، أو يمكن يبلغه الطلب، وهو يستطيع أن يجيبك، وينجدك؛ فهذا حي حاضر بيده الأسباب لا بأس، أن تدعو حي حاضر في شيء يقدر عليه، بهذا الشرط حي حاضر، أو غائب في حكم الحاضر، في مسألة، في أمر يقدر عليه أسبابه ظاهرة.

مثل ما مثلنا، تقول: يا فلان أقرضني مالًا، يا فلان أعني في إصلاح سيارتي، في إصلاح مزرعتي، في كذا؛ هذا حي حاضر قادر أن يسأل؛ هذا لا بأس به جائز، وكذلك أيضًا لو كان غائبًا ويمكن أن يصله، ومنه أيضًا المرأة الذي يقال: إنها نادت في المعتصم، وقالت: "ومعتصماه" إن صح، وقد بلغه وانجدها؛ فهذا في حكم الحي الحاضر  القادر.

النوع الثاني من دعاء غير الله: أن تدعو غائبًا لا يسمع، ولا يستطيع، أو ميتًا، أن يدعو الميت، أو يدعو غائب لا يسمع ولا يمكن أن يجيب؛ كأن يدعو الجن، أو يدعو الملائكة، أو يدعو الأموات؛ فهذا شرك  أكبر بالله، مخرج من الملة.

يعني: يسأله فيما لا يقدر عليه إلا الله؛ كأن يسأله أن يغفر ذنبه، أو يدخله الجنة، أو ينجيه من النار، أو يشفيه من مرضه، أو ينصره على عدوه، أو يرد عنه كيد عدوه، أو يسأله أن يُهلك عدوه؛ هذه أمور لا يقدر عليها إلا الله، فإذا دعا ميتًا، أو غائبًا فيما لا يقدر عليه إلا الله؛ هذا هو الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله، هذا يجب إخلاصه لله، والله تعالى كفر، وحكم بالشرك والكفر على من دعا غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، قال الله تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ)[يونس/106].

من المشركين، الظلم هو الشرك، قال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ)[لقمان/13].

قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ)[الأحقاف/5-6]؛ سماهم كافرين.

وقال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ)[فاطر/13-14]؛ سماه شرك.

وقال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ[المؤمنون/117]؛ سماه كفرًا.

وقال تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ[الجن/20-21]؛ فهذا شرك.

هذه هي المسألة الأولى: الدعاء لغير الله سواء دعاء النبي، أو غيره، إذا دعا النبي صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله أغثني، اشفع لي، فرج كربتي، أنا في حشرك، أنا في جوارك، نجني من النار وأدخلني الجنة؛ وقع في الشرك الأكبر، أو دعا صاحب القبر، قال: يا فلان أغثني المدد، وطلب المدد، مدد يا بدوي، مدد يا دسوقي، وهكذا يطلب منه المدد، أو الإغاثة، أو تفريج الكربة، أو الشفاعة، يقول: يا رسول اشفع لي، الشفاعة لا تكون إلا لله، ولكن يدعو ربه، يقول: اللهم شفِّع في نبيك، ادعو ربك لا تسأل الرسول، اسأل ربك، ربي شفِّع فيَّ نبيك.

المسألة الثانية: شد الرحل إلى القبور؛ يعني السفر، يسافر من بلد إلى بلد لأجل القبر سواء قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، أو قبر غيره؛ هذه المسألة ذكرها الشيخ سعد رحمه الله أن بعض العلماء المتأخرين أجازوها، لكن طوائف من المحققين على المنع، وهو الصواب المنع، وأنه لا يجوز شد الرحل من أجل القبر، مثلًا ما يسافر لأجل قبر النبي صلى الله عليه وسلم، لكن من أجل المسجد، أو الصلاة في المسجد، أو لأجل الأمرين، لكن ينوي السفر من أجل القبر؛ هذا ممنوع، لكن من أجل المسجد، وإذا صلى في المسجد النبوي صلى ركعتين، وسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، وزار قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه، أو للأمرين معًا، والدليل على هذا حديث: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد»؛ وهو في الصحيح رواه الشيخان، وغيرهما، البخاري ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة.

«لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد؛ المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى».

لا تشد الرحال؛ يعني: لبقعة للعبادة إلا هذه الثلاث، لكن لا يشد الرحل، يسافر من أجل التجارة لا بأس، ولطلب العلم لا بأس، أو للنزهة، أو لزيارة قريب من الأقرباء، أو للصلاة على ميت، أو للتعزية.

الممنوع أن يشد الرحل لبقعة من أجل العبادة، ما تشد الرحل لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وتعتقد أن هذا عبادة «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد» للعبادة، وليس القبر منها. 

المسألة الثالثة: التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ وهذا فيه تفصيل، مجمل هذا التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته، التوسل به في حياته بمعنى التوسل بدعائه، هو يدعو وأنت تؤمل؛ هذا لا بأس كما في قصة الأعمى سيذكرها الشيخ سعد رحمه الله في  حديث رواه الترمذي: الرجل الأعمى الذي طلب من النبي  أن يدعو الله في أن يرد عليه بصره، وأن يشفعه فيه، قال: اللهم شفع في نبيك، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وهو يؤمل؛ فردَّ الله عليه بصره, دعاء الحي الحاضر.

الثاني: التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بأن تعتقد أنه هو الواسطة بينك وبين الله في تبليغ الرسالة، تبليغ الشرع هذا لا بأس به، تعتقد هذا تقول: الرسول هو وسيلتنا، هو المبلغ عن الله، هو الواسطة بيننا وبين الله، وسيلة بمعنى الواسطة بيننا وبين الله في تبليغ الرسالة.

النوع الثالث: التوسل بالنبي بذاته وجاهه؛ هذا من البدع ليس عليه دليل، اللهم إنا نتوسل بنبيك؛ يعني التوسل بذاته وبجاهه؛ هذا من البدع التوسل بذات الشخص، وجاهه، وحرمته؛ هذا من البدع، ومن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم التوسل به بدعائه من دون الله؛ وهذا شرك يلتحق بالنوع الأول، بعض الناس يسميه: توسل، يدعو الرسول من دون الله، يقول: يا رسول الله أغثني؛ ويقول: هذا توسل, هذا شرك؛ هذا يلتحق بالنوع الأول، صار دعاء لغير الله.

فإن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم التوسل به بالدعاء في حياته لا بأس، التوسل به بمعنى جعله واسطة بيننا وبين الله في تبليغ الرسالة؛ هذا حق، فهو مبلغ عن الله، وهذا هو الأمر الذي بعث الله به رسله، التوسل بذاته ؛ هذا من البدع، يقول: اللهم إنا نتوسل بنبيك؛ يعني بذاته، وجاهه؛ هذا من البدع، التوسل به؛ بدعائه من دون الله؛ هذا شرك, بعد هذا تقرأ كلام الشيخ رحمه الله.

(المتن)

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ أما بعد: ...

فقد سألني بعض الأحباب أن أكتب ما أَعتقده ويعتقده مشايخي من أهل بلدي، فيمن يأتي إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويقول يا رسول الله أغثني، أو اشفع لي، أو غير ذلك من أنواع السؤال.

(الشرح)

هذه المسألة الأولى: في حديث من يأتي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويدعوه من دون الله، يسأله الإغاثة، أو الشفاعة؛ وهذا دعاء لغير الله؛ وهو شرك كما سبق قلنا ذلك.

(المتن)

وكذلك ما نعتقده في شد الرحل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم.

(الشرح)

هذه هي المسألة الثانية: شد الرحل إلى القبر، وسمعتم التفصيل فيها.

(المتن)

 وما نعتقده في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم.

(الشرح)

هذه هي المسألة الثالثة: التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا مجمل فيه التفصيل كما سمعتم.

(المتن)

فنقول: مستعينين بالله مستمدين منه الصواب الذي نعتقده، وندين الله تعالى به في هذه المسائل وغيرها، هو ما دلَّ عليه كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الله تعالى أنزل كتابه، وأرسل رسوله ليبين للناس ما يهتدون به، ويخلصهم من ظلمات الجهل والضلال، ويوصلهم على ربهم سبحانه وتعالى.

(الشرح)

هذا هو الذي نعتقده، ويعتقده كل مسلم، يجب عليه أن يعمل بما دلَّ عليه كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تعالى أنزل الكتاب، وأرسل الرسل ليبينوا للناس ما يهتدون به، وما يوصلهم إلى ربهم سبحانه، ما يخلصهم من ظلمات الجهل، لماذا أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب؟ للهداية، ليهتدي الناس، وليصلوا إلى ربهم سبحانه تعالى، وليعلموا  ما يرضيه، وما يسخطه، فيعملوا ما يرضيه، ويجتنبوا ما يسخطه سبحانه وتعالى، ليعبدوه، وليخلصوا له العبادة.

(المتن)

كما قال سبحانه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين)[الأنبياء/107].

وقال تعالى: (قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِين (15) يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم)[المائدة/15-16].

وقال تعالى: (الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد)[إبراهيم/1].

وقال تعالى: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى)[طه/123].

(الشرح)

هذه الآيات فيه بيان الحكمة من إرسال الرسل، وإرسال النبي صلى الله عليه وسلم، الآية الأولى: أن الله تعالى أرسله رحمة للعالمين، وإذا كان رحمة دلَّ على أن من عمل بما جاء به؛ فإنه يصل إلى الله، ويصل إلى مرضاته، وثوابه، ويسلم من سخطه، وعقابه، والآية الثانية: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ)[المائدة/15].

 الرسول صلى الله عليه وسلم نور، والقرآن نور: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮗ[المائدة/16].

الهداية، أرسل الله النبي صلى الله عليه وسلم، وأنزل الكتاب للهداية، أرسل الرسل لهداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وهدايتهم إلى الصراط المستقيم؛ وهو دين الإسلام الذي يوصل به إلى الله، والذي يصل  بصاحبه إلى الجنة، والآية الثالثة كذلك فيها بيان الحكمة من إنزال الكتاب، قال: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭳ)[إبراهيم/1]، لماذا، ما الحكمة؟ (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ)[إبراهيم/1].

والآية الرابعة فيها بيان عاقبة من اتبع الكتاب، من اتبع هدى الله الذي جاء في الكتاب أنه لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة.

(المتن)

قال ابن عباس رضي الله عنهما: "تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة"، ثم قال: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى)[طه/124- 126].

(الشرح)

هذا قول ابن عباس: (تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة)؛ استدلالًا بالآية، يكون مهتديًا في الدنيا، وسعيدًا في الآخرة، من قرأ القرآن، وعمل  بما فيه يكون مهتديًا في الدنيا، وسعيدًا في الآخرة، ومن أعرض عن الكتاب فإن له معيشة ضنكًا؛ يعني الضيق والضنك، وعدم الراحة والطمأنينة، بل وشدة وضيق في نفسه، ويحشر يوم القيامة أعمى.

قال: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭚ)[طه/126]؛ يعني تركتها، النسيان بمعنى الترك، وعدم العمل:  (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ)[طه/126].

يعني: تعامل معاملة المنسي، فإن الله تعالى لا ينساه، يعامل معاملة المنسي، فإن الله تعالى لا ينساه، إنما يعامل معاملة المنسي، فنسيها: تركها، فلم يعمل بها، فترك للشيء يسمى نسيان:(ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ)[طه/126].

يعني: تعامل معامل النسي، فالجزاء من جنس العمل، كما أنه نسي آيات الله نُسي؛ عمل معاملة النسي، نسأل الله السلامة والعافية.

(المتن)

قال رحمه الله: إذا عُرف هذا فنقول في الجواب عن المسألة الأولى، أما ما يفعله أكثر الناس.

(الشرح)

المسألة الأولى: هي الدعاء لغير الله؛ دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وسؤاله الإغاثة، والشفاعة؛ هذه المسألة الأولى.

(المتن)

 

 أما ما يفعله أكثر الناس عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم من دعاءه، والتضرع إليه، وسؤاله بأنواع السؤال، وكذلك ما يفعله عباد القبور من دعاء الأموات، والاستغاثة بهم في الشدائد، والمهمات، والاستنجاد بهم في تفريج الكروبات، وإغاثة اللهفات، كل ذلك من أعظم المحدثات، وأكبر المنكرات.

(الشرح)

هذا دعاء لغير الله؛ كل هذا الدعاء لغير الله؛ التضرع إلى الرسول وسؤاله، (وكذلك ما يفعله عباد القبور من دعاء الأموات، والاستغاثة بهم)، والفرق بين الدعاء والاستغاثة: أن الدعاء عام، والاستغاثة دعاء المكروب، إذا كان مكروب، ونزل به كرب وشدة؛ يسمى استغاثة، وإذا كان في غير كرب ولا شدة؛ يسمى دعاء، فالدعاء أعم، والاستغاثة نوع من أنواع الدعاء أخص، كل استغاثة دعاء، وليس كل دعاء استغاثة، كل استغاثة دعاء؛ وذلك أن الاستغاثة هي الدعاء من المكروب؛ الذي وقع في كرب، في شدة، والدعاء قد يكون من المكروب، وقد يكون من غير المكروب؛ فإن كان مكروبًا سمي استغاثة، وإن كان غير مكروب سمي دعاء، الاستغاثة في الشدائد، والمهمات، والاستنجاد؛ يعني طلب النجدة بهم في تفريج الكروبات؛ يعني انجدني، فرج كربتي، وإغاثة اللهفات؛ إغاثة اللهف؛ كل هذا دعاء لغير الله، وهو شرك أكبر مخرج من الملة، كما سمعتم من النصوص.

(المتن)

قال رحمه الله: لأنه من الدعاء الذي هو مخ العبادة التي هي حق الله تعالى، كما قال تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون)[البقرة/21]

قال تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين)[الحجر/99]

قال تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِين)[الفاتحة/5]؛ أي لا نعبد إلا إياك، ولا نستعين إلا بك كما يفيده تقدم المعمول

هذا معنى قوله: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ)[الإسراء/23]

قوله: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ)[النحل/36].

وقوله: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا)[النساء/36].

(الشرح)

قوله: من الدعاء الذي هو مخ العبادة؛ يعني الدعاء هو أصل العبادة، الدعاء مخ العبادة؛ يعني خالصها، جاء في حديث: «الدعاء مخ العبادة» لكن فيه ضعف، لكن الأصح منه هو «الدعاء هو العبادة»

هنا قال: مخ العبادة؛ يعني خالص العبادة، والعبادة حق الله، كما قال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ)[البقرة/21].

هذه أول آية نزلت، أول أمر، أول الأوامر في القرآن الكريم هذه الآية، أول الأوامر، وأعظمها، وأهمها، وأشدها، وأوجبها هو الأمر بالتوحيد، الأمر بعبادة الله، وهذا في سورة البقرة بعد أن ذكر الله سبحانه وتعالى الطوائف الثلاث.

الطائفة الأولى: المؤمن ظاهرًا وباطنًا، ذكرهم  الله في أربع آيات: (ﭑ ﭒﭓ  ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ)[البقرة/1-5].

ثم ذكر الله الطائفة الثانية: الكفار ظاهرًا، وباطنًا في آيتين: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ)[البقرة/6- 7].

ثم ذكر الله الطائفة الثالثة: وهم المؤمنون في الظاهر، والكفار في الباطن؛ وهم المنافقون في ثلاث عشرة آية: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ)[البقرة/8- 9].

(ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯫ)[البقرة/14].

ثم ضرب لهم مثل المعية، ومثل النارية؛ وذلك لأنهم عدو ملتبس يعيش بين المسمين، ويدبر مكائد للقضاء على الإسلام والمسلمين بخلاف الكفار؛ فهم عدو ظاهر مكشوف؛ اليهود والنصارى والوثنيون، لكن المصيبة المنافق عدو يعيش بين المسلمين، يصلون معهم، ويخالطونهم؛ فلهذا الله جلَّ عن صفاتهم ذكر فيها ثلاث عشرة آية.

بعد هذه الطوائف مباشرة يأتي هذا الأمر، بعدها: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮧ)[البقرة/21].

هذا أول الأوامر في القرآن، وأفردها، وأوجبها، وألزمها، أمرهم بالتوحيد (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮧ) [البقرة/21]؛ يدل على عظم هذا الأمر، هذا أعظم الأوامر.

  • ثم استدل سبحانه وتعالى على اشتقاقه للعبادة بستة أدلة عقلية:

أولًا: بتوحيد الربوبية، قال: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮧ)[البقرة/21]؛ الذي خلقكم يستحق العبادة.

ثانيًا: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮧ)[البقرة/21]؛ الذي خلق من قبلكم.

ثالثًا: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﯡ)[البقرة/22].

رابعًا: (ﮭ ﮮ ﯡ)[البقرة/22].

خامسًا: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯡ) [البقرة/22].

سادسًا: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯡ)[البقرة/22].

ستة أدلة كلها يستدل بها على استحقاقه للعبادة؛ فاستدل بتوحيد الألوهية على توحيد الربوبية.

ثم جاء بعد هذه الأدلة أول نهي في القرآن؛ وهو النهي عن الشرك؛ أغلظ النواهي، أعظمها، وأشدها: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ)[البقرة/22].

بعدها مباشرة؛ فصار أول الأوامر في القرآن الأمر بالتوحيد، وأول النواهي في القرآن النهي عن الشرك: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ)[البقرة/22].

فأعظم الأوامر، وأوجبها، وألزمها، وأهمها هو الأمر بالتوحيد، وهو أولها في القرآن، وأعظم النواهي، وأغلظها، وأشدها، وهو أولها في القرآن؛ النهي عن الشرك، واضح هذا؟

قال: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮧ)[البقرة/21].

ثم قال الآية الثانية: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ)[الحجر/99]؛ هذا أمر للنبي صلى الله عليه وسلم ولغيره.

(ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ)[الحجر/99]، اليقين: هو الموت؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: «أما هو فقد جاءه اليقين».

الصوفية يفسرون اليقين هنا بتفسيراتهم الخاصة، يقولوا: معنى اليقين: هو العلم؛ فيقول: إذا وصل العابد عندهم إلى العلم، وعلم أن ما قدَّر سيكون، وترقى عن رتبة العامة، وألغى الصفات، وقال: وجاءت الصفات لله؛ وصل للعلم؛ وهو اليقين؛ فسقط عنه التكليف؛ وهذا كفر وضلال؛ من اعتقد أن هناك أحد يسقط عنه التكليف، وعقله معه، فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل كافرًا، ما أحد يسقط عنه التكليف إلا إذا فُقد العقل، إذا فُقد العقل رفع التكليف، والصوفي يقول: يسقط عنه التكليف إذا وصل لهذه المنطقة؛ فسروا اليقين بالعلم؛ وهذا من كفرهم وضلالهم.

اليقين هنا الموت: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ)[الحجر/99]؛ يشتمل على عبادة الله وتوحيده حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك.

وقال تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ[الفاتحة/5].

المؤلف فسر هذه الآية: أي لا نعبد إلا إياك، ولا نستعين إلا بك، كما يفيده تقدم المعمول، نعبد؛ هذا هو العامل، والمعمول: إياك؛ قدم المعمول على العامل لإفادة الحصر، والعموم، والمعنى: لا نعبد إلا إياك، ولا نستعين إلا بك؛ هذا مستفاد من تقديم المعمول؛ وهو إياك، لو كانت الآية: نعبدك، ونستعينك؛ ما أفاد العموم، وما أفاد الحصر، فلما قدم الكاف، صار إياك: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ[الفاتحة/5].

فقُدمت على العامل، وهو الفعل، فأفاد الحصر والعموم، والمعنى: لا نعبد إلا إياك، ولا نستعين إلا بك، فصار معنى الآية: هو معنى لا إله إلا الله، ففيه حصر؛ نفي وإثبات: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ)[الفاتحة/5]؛ هو معنى لا إله إلا الله.

لا إله إلا الله: مشتملة على أمرين: مشتملة على النفي والإثبات.

فالنفي: لا إله؛ هذا هو الكفر بالطاغوت؛ نفي العبادة عن غير الله، والبراءة من كل معبود سوى الله، والكفر بما يعبد من دون الله؛ لا إله.

والثاني: إثبات العبادة لله، لا إله إلا الله؛ قائمة على أصلين:

الأصل الأول: البراءة من كل معبود سوى الله؛ وهذا هو الكفر بالطاغوت.

والأصل الثاني: إثبات العبادة لله؛ وهذا هو الإيمان بالله؛ التخلية قبل التحلية، التخلية أولًا، تخلى عن عبادة ما سوى الله، ثمَّ تتحلى بالإيمان بالله، لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله.

وهذه الآية: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ)[الفاتحة/5]؛ فيها النفي وفيها الإثبات، هي الحصر: إياك لا نعبد إلا إياك؛ لا نعبد: هذا النفي، إلا إياك: هذا الإثبات، صار معنى إياك نعبد؛ هو معنى: لا إله إلا الله، ويكون توحيد الله بالأمرين؛ بالنفي، والإثبات، ما يكون التوحيد إلا بأمرين؛ نفي وإثبات؛ براءة من كل معبود سوى الله، وإثبات العبادة لله عز وجل.

لو قال إنسان: أنا أعبد الله فقط، ولا أتكلم في شيء آخر، هل يكفي أن يكون موحد، يقول: أنا أعبد الله، ولكن ما أقول في اليهود والنصارى شيء ما عليَّ منهم؛ ما أحكم عليهم بشيء، إذا قيل له: ما حكم اليهود؟ ما حكم النصارى؟ يقول: ما علي، أنا أعبد الله ولا علي، هل يكون موحد؟ ما يكون موحد، يقول: لا عليك، لابد أن تعتقد كفر اليهود، والنصارى، والوثنيين، تتبرأ منهم، ومن دينهم، حتى تكفر بالطاغوت، ولا ما كفرت بالطاغوت، الإيمان لا يحصل إلا إذا كفرت بالطاغوت.

والطاغوت: كل ما عبد من دون الله؛ بأن تعتقد نفي عبادة غير الله، وتتبرأ منها، وتكفر أهلها، وتعاديهم، وتبغضهم، لا بد من هذا، لا بد تعتقد كفر اليهود، والنصارى، والوثنيون، وأنهم على دين باطل، وتتبرأ من دينهم حتى تكفر بالطاغوت، ثمَّ تعبد الله وحده، أما أن يقول: يعبد الله، ولا يتكلم في دينهم، لا.

وليس معنى البراءة من اليهود والنصارى، وتكفيرهم أن الإنسان يقتلهم، وأن الإنسان يستحل دمائهم، لا.

  • الكفار على نوعين:

النوع الأول: الكفار المحاربون، الذين يحاربون المسلمين، ويقاتلونهم في الجهاد في سبيل الله، ومثل اليهود والفلسطينيون بينهم قتال؛ هنا يستحلون دمائهم، وأموالهم؛ محاربون.

القسم الثاني: كفار غير محاربين بيننا وبينهم عهد، أو ذميون؛ اليهود والنصارى تحت الدولة الإسلامية، ويدفعون الجزية، أو دخل البلاد لعهد، أو مستأمن؛ هؤلاء دمائهم معصومة، وأموالهم معصومة، في الحديث: «من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة».

ليس معناه دماء الكفار وأموالهم حلال، لا، إنما هذا الحربي؛ الكافر الحربي الذي يقاتل المسلمين؛ هذا دمه حلال، وماله حلال، لكن الكافر الذي له عهد، والكافر الذمي؛ الذي دخل مستأمن؛ له أمان وعهد، والذمي الذي يدفع الجزية للمسلمين في زمن الخلافة الإسلامية في الدولة الأموية والعباسية؛ هؤلاء كفار لكن دمائهم، وأموالهم معصومة، واضح؟ لكن أنت لابد أن تعتقد كفرهم، تعتقد أنهم كفار، تتبرأ من دينهم، وإلا فلا يصح إيمانك وتوحيدك، لابد تعتقد كفرهم، وأنهم كفار، وأنهم على دين باطل، وتعتقد أن كل كافر عدو لله، وعدو للمؤمنين.

بعض الناس يكتب مثل الصحفيين، يقولون: ليس عدونا إلا الذي يقاتلنا؛ الصهاينة، والباقي لا ما هم أعداء لنا، من لم يحارب؛ هذا ما هو عدو، لا؛ هذا باطل، كل كافر عدو:(ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ[البقرة/98].

حصر, كل كافر عدو لله ولرسوله، كل كافر سواء كان يهودي، أو نصراني، أو وثني، أو مجوسي، كل كافر عدو لله ولرسوله، لا بد أن تعتقد عداوته، وتبرأ منه، ومن دينه حتى يصح توحيدك، وإيمانك، ثم تعبد الله وتخلص العبادة، واضح هذا؟ هذا أمر مهم؛ لأن يحصل فيه لبس الآن، والصحفيون يكتبون وغيرهم، يقولون: ما نحارب، ولا نعادي إلا من يقاتلنا، وأما عداه ليس بعدو، أو يسمون الآخر، بعض العلماء العلمانيين، يقولون: نحن والآخر، يسمونه الآخر، ما يسمونه الكافر، الله سماه الكافر، إن الذين كفروا؛ من أول القرآن إلى آخره وصفهم الله بالكفر ،(ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [البينة/6]،ما تسميه الآخر، بل سميه كافر، الله سماه كافر.

قال المؤلف: (وهذا معنى قوله: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ)[الإسراء/23])؛ كذلك يعني(ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮱ[الإسراء/23]؛ هذا فيه نفي وإثبات؛ معنى كلمة ألا تعبدوا؛ هذا النفي، إلا إياه؛ هذا الإثبات، وقال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮒ[النحل/36]؛ كذلك أن يعبدوا الله؛ هذا الإيمان بالله، واجتنبوا الطاغوت؛ هذا البراءة من كل معبود سوى الله، وقوله: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﯚ[النساء/36]؛ كذلك نفي وإثبات، اعبدوا الله؛ هذا الإثبات، ولا تشركوا به شيئًا؛ هذا النفي، ما في توحيد إلا بالنفي والإثبات، ما يتحقق توحيد إلا بالأمرين؛ نفي وإثبات، فالنفي براءة، البراءة من كل معبود سوى الله، والبراءة من الكفار بأنواعهم، ودينهم، وعداوتهم، وبغضهم، في سورة الممتحنة يقول الله تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯹ) [الممتحنة/4]؛ هَذِهِ هي الحنيفية ملة إبراهيم.

( ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯹ) [الممتحنة/4]؛ براءة، براءة من المشركين، ومن معبوداتهم، (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯹ) [الممتحنة/4]؛هَذِهِ هي الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله، وتخلص له الدين، وتتبرأ من كل معبود سوى الله.

(المتن)

قال رحمه لله: فدلت هذه الآيات أوضح دلالة على أن العبادة بجميع أنواعها حق لله تعالى، مختصة به، لا يصلح منها شيء لملك مقرب، ولا لنبي مرسل، فضلًا عن غيرهما من الأولياء والصالحين، وغيرهم من الأشجار والأحجار.

(الشرح)

هذا هو ما دلت عليه الآيات العبادة بجميع أنواعها، أنواع العبادة كثيرة، من أنواع العبادة: الدعاء؛ أعظمها الدعاء, الدعاء، والذبح، والنذر، والطواف بالبيت، والخوف، والرجاء، والتوكل، والركوع، والسجود؛ كل هذه أنواع العبادات؛ كلها يجب صرفها لله، جميع أنواعها، من صرف منها شيئًا لغير الله كفر، من صرف الدعاء لغير الله كفر، من صرف الذبح لغير الله كفر، من نذر لغير الله كفر، من صرف الطواف؛ الطواف بالبيت، أو لغيره تقربًا لغير الله؛ أشرك بالله، وهكذا إذا خاف خوف العبادة، خوف السر لغير الله، أو رجا غير الله، وتوكل على غير الله؛ فهذه العبادة كلها لله، من صرف واحدة منها لغير الله؛ وقع في الشرك.

(المتن)

قال رحمه الله: ولما كانت العبادة مختصة به تعالى، أمرنا بإخلاصها له، كما قال تعالى:(وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة)[البينة/5].

وقال تعالى: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّين (11) وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِين (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي)[الزمر/11-14].

وقال تعالى: (وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُون)[التوبة/31]، وغير ذلك من الآيات الدالة على اختصاصه تعالى بالعبادة بجميع أنواعها.

(الشرح)

العبادة كما بيَّن المؤلف رحمه الله مختصة بالله تعالى، بجميع أنواعها كما سبق، دعاء، ذبح، نذر، طواف، ركوع، سجود إلى غير ذلك؛ كلها مختصة بالله، جميع أنواعها؛ ولهذا أمر الله بإخلاصها كلها لله، قَالَ: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ[البينة/5] .

المراد بالدين هنا العبادة، مخلصين له العبادة، الدين يطلق، ويراد به العبادة كما في هذه الآية، ويطلق ويراد به الجزاء والحساب، مثل: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [الفاتحة/4]؛ يوم الجزاء والحساب، وهنا مخلصين له الدين؛ يعني مخلصين له العبادة، والمعنى إخلاص: هو أن يقصد بهذه العبادة وجه الله دون غيره؛ هذا هو الإخلاص.

فإذا قصد بها معه غيره؛ كان مشركًا، الإخلاص: هو أن يقصد ويريد بهذه العبادة وجه الله، (حُنَفَاء)؛ جمع حنيف، والحنيف:هو المائل عن الشرك إلى التوحيد (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭰ) [النحل/120]؛ مائلًا عن الشرك إلى التوحيد، وسمى ملة الحنيفية مله العوجاء، هي مستقيمة في نفسها، ولكن عوجاء بمعنى أنها مائلة عن الشرك إلى التوحيد، وهي في نفسها مستقيمة، هي الحنيفية مستقيمة، وهي عوجاء بمعنى أنها مائلة عن الشرك إلى التوحيد.

كذلك الحنيف هو المائل، الحنيف؛ يعني موحد؛ مائل عن الشرك إلى التوحيد قال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ[البينة/5] .

وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ[الزمر/11] .

يعني مخلصًا له العبادة؛ يعني قاصدًا بعبادتي وجه الله دون غيره(ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ[الزمر/12] .

فهو عليه السلام أول مسلمي هذه الأمة، قال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ[الزمر/13] .

ثم قال: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ[الزمر/14] .

قدم لفظ الجلالة على العبادة ليفيد الحصر والعموم (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ[الزمر/14]؛ قل الله أعبد: يعني لا أعبد سواه، أعبده ولا أعبد سواه (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ[الزمر/14]؛ عبادتي، وقال تعالى(ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ[التوبة/31] .

هذه الآيات كلها فيها الأمر بالإخلاص؛ إخلاص العبادة لله، والإخلاص ضده الشرك، فالمشرك غير مخلص، والموحد مخلص، قال: (وغير ذلك من الآيات الدالة على اختصاصه تعالى بالعبادة بجميع أنواعها).

(المتن)

ومن أعظم أنواعها: الدعاء، كما قال النَّبِيّ r:«الدعاء مخ العبادة»، فمن دعا أحدًا غير الله فقد عبده، فإن الله تعالى قد سمى الدعاء عبادة في غير موضع من كتابه، كما قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين)[غافر/60]، فسماه دعاء، ثم سماه عبادة.

(الشرح)

هذا الحديث: «الدعاء مخ العبادة»، ذكر المحقق أن هذا الحديث فيه ضعف «الدعاء مخ العبادة»، أخرجه الترمذي في الدعوات من طريق الطبراني، من طريق ابن لهيعة، وهو ضعيف؛ لكن له شواهد، قال: له شاهد حديث النعمان البشير وهو: «الدعاء هو العبادة», هو أصح منه، وهو يكون شاهدًا له.

قال المؤلف: (فمن دعا أحدًا غير الله فقد عبده)؛ شاء أم أبى, كل من دعا غير الله فهو عابد له, فإذا شخص يدعو الرسول، أو غيره، تقول له: أنت عبدت، يقول: لا، أنا ما أعبد إلا الله، نقول له: لا عبدته، فالدعاء عبادة.

فقد يظن يقول: أنا ما أركع له، ولا أسجد له، نقول: من قال لك: إن الدعاء مختص بالركوع والسجود، فدعاء العبادة أنواع كثيرة، منها: الركوع، والسجود، ومنها الدعاء، فأنت دعوته من دون الله فتكون عبدته شئت، أو أبيت، فمن دعا غير الله فقد عبده، قال: (فإن الله تعالى قد سمى الدعاء عبادة في غير موضع من كتابه)، ثم استشهد بهذه الآية في سورة غافر، قال: (كما قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين)[غافر/60]، فسماه دعاء، ثم سماه عبادة)؛ وهذا على أحد الوجهين.

المؤلف رحمه الله قال:(قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي)[غافر/60]ثم قال: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭫ[غافر/60]؛ يعني عن دعائي، قال: سماه أولًا دعاء، ثم سماه عبادة.

وقال آخرون ما معنى الآية: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭫ[غافر/60]؛ اعبدوني أثيبكم،(ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭫ[غافر/60]؛ عن دعائي يَعْنِي عَنْ عبادتي؛ هذا على أحد القولين، كما قال المؤلف رحمه الله: فسمى الدعاء عبادة؛ سماه دعاء في قوله: (ادْعُونِي)، ثم سماه عبادة في قوله: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭫ[غافر/60]؛ فدلَّ على أن الدعاء عبادة.

(المتن)

وقال تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُون)[الأحقاف/5].

(وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِين)[الأحقاف/6]؛ فسماه في أول الآية دعاء، وسماه في آخرها عبادة.

(الشرح)

هذه الآية واضحة حيث قال: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯽ[الأحقاف/5]؛ من: استفهام تبعه نفي؛ لا أحد أضل ممن هذا حاله، (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ[الأحقاف/5] .

    يَعْنِي يدعو ميت؛ هذا الميت مات قد بلت عظامه، وصارت ترابًا، كيف يدعو التراب، وينسى رب الأرباب، أين عقله؟! المشرك ألغى عقله، ميت في تراب، لو كشف التراب ما وجد إلا تراب بليت عظامه وصارت ترابًا، هل يمكن أن يستجيب له التراب؟ كيف يدعوه؟

لا يستجيب له يوم القيامة وهو غافل عنه، ومشغول بنفسه الآن، فالميت يحتاج إليك، وأنت لا تحتاج إليه؛ هو يحتاج إلى أن تدعو له، وأنت لست بحاجة إليه، فكيف تدعوه، هو غافل عنك، هو مشغول بنفسه، هو لا يستجيب لك، هل هناك أحد أضل ممن هذا حاله؟ ما أحد (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ[الأحقاف/5] .

وأيضًا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ[الأحقاف/6]؛ يعاديك يوم القيامة، يقول له: كيف تعبدني من دون الله، أنا ما أمرتك، العبادة حق لله ليست لي، فيعاديه، (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ[الأحقاف/6]؛ يعني منكرين لعبادتهم، هل أحد أضل ممن هذا حاله؟ هذا الضلال، يدعو ميتًا لا يستجيب له، وهو غافلًا عن دعاءه، بليت عظامه وصارت ترابًا، وإذا حشر الناس كان عدوًّا له، وكان منكرًا لعبادته، هل هناك أحد أضل ممن حاله هذا؟ ليس هناك أحد.

والشاهد قال: (فسماه في أول الآية دعاء، وسماه في آخرها عبادة)؛ فسماه في أول الآية دعاء، قال: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯽ[الأحقاف/5] . وسماه في آخر الآية عبادة، قال: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ[الأحقاف/6] .

(المتن)

قال رحمه الله: وقد أفصح القرآن في مواضع بالنهي عن دعاء غير الله كما قال تعالى: (وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِين)[يونس/106]؛ أي المشركين، كما قال تعالى في الآية الأخرى: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم)[لقمان/13].

(الشرح)

هذه الآية: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰍ[يونس/106]؛ وهذا حال كل معبود من دون الله؛ لا ينفعك، ولا يضرك،( ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ[يونس/106]؛ والمراد بالظلم هنا الشرك، بدليل الآية الأخرى؛ آية لقمان: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ[لقمان/13]؛ فسر الشرك بالظلم.

(المتن)

وقال تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)[الجن/18]، وصرح سبحانه بكفر من دعا غيره، فقال تعالى: (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُون)[المؤمنون/117].

فدلت هذه الآيات على أنه سبحانه هو الإله الحق المتفرد بالعبادة كما قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ)[الحج/62].

وقال تعالى: (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ)[الرعد/14]، إلى قوله: ( وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَل)[الرعد/14].

فمن دعا غير الله من نبي، أو ملك، أو صالح، أو غيره؛ فقد أتى بالشرك الذي قال الله فيه: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ)[النساء/48].

وشرع دينًا لم يأذن الله به، كما قال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ)[الشورى/21].

والله تعالى إنما شرع لعباده توحيده، وإخلاص العبادة له، كما قال تعالى: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ)[الشورى/13].

وقال تعالى: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون)[غافر/14.

وقال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ)[الإسراء/23].

(الشرح)

هذه الآيات كما قال المؤلف رحمه الله: دلت على أن الله سبحانه هو الإله الحق المتفرد بالعبادة، هو الإله الحق؛ يعني هو المعبود بالحق وغيره معبود بالباطل، قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِير)[الحج/62].

هو المعبود بالحق سبحانه، وغيره معبود بالباطل (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ)[الحج/62].

المعبودات كثيرة؛ النجوم عبدت، والكواكب عبدت، وعبد الآدميون، وعبدت الملائكة، وعبد الجن، وعبدت الأشجار، والأحجار، والماء، كل شيء عبد حتى الفرج عبد، يقال: إن في الهند أكثر من مائة معبود.

والشيطان عبد، هناك عباد الشيطان، والبقر عبد؛ كل هذا معبود بالباطل، معبودات كثيرة كلها بالباطل، والعبادة بالحق هي عبادة الله وحده، كما قال تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ[الحج/62]؛ هذه في سورة الحج، وفي سورة لقمان: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭻ) [لقمان/30]

هذه الآيات، يقول المؤلف رحمه الله: (فدلت هذه الآيات على أنه سبحانه هو الإله الحق المنفرد بالعبادة)، وقوله تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ[المؤمنون/117] .

حكم على من دعا غير الله بالكفر، قال: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ[الجن/18] .

 كما أنه حكم على من دعا غير الله بالشرك، (قال تعالى:(لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَل)[الرعد/1]، فمن دعا غير الله من نبي، أو ملك، أو صالح، أو غيره؛ فقد أتى بالشرك الذي قال الله فيه: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ)[النساء/48]، وشرع دينًا لم يأذن الله به).

يعني من دعا غير الله سواء دعا نبيًّا، أو دعا ملكًا، أو دعا صالحًا، أو جنيًا، أو حجرًا، أو شجرًا، أو ملكًا، أو غيره؛ فقد أتى بالشرك الذي قال الله فيه: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ)[النساء/48]؛ إن الله لا يرضى إلا بالتوحيد.

(وشرع دينًا لم يأذن الله به، كما قال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ)[الشورى/21]، والله تعالى إنما شرع لعباده توحيده، وإخلاص العبادة له، كما قال تعالى: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)[الشورى/13])؛ هذا هو الذي شرعه الله إقامة الدين، وعدم التفرق فيه(ﭹ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮣ[الشورى/13] .

وقال تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ[غافر/14] .

مخلصين له العبادة (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ[غافر/14]؛ الكافرون يكرهون عبادة الله، فنحن نعبد الله نخلص له الدين على رغم أنوف الكافرين، ولو كره الكافرون، ولوكره المشركون.

وقال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮱ[الإسراء/23]؛ قضى: يعني أمر ووصى (ﮖ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮱ[الإسراء/23]؛ وهذا هو معنى ألا إله إلا الله؛ ألا تعبدوا؛ هذا النفي، إلا إياه؛ هذا الإثبات؛ وهو معنى لا إله إلا الله، كما قال المؤلف رحمه الله.

(المتن)

وهذا هو معنى لا إله إلا الله، فقوله: (أَلاَّ تَعْبُدُوا)[الإسراء/23]؛ هو معنى لا إله، وقوله: (إِلاَّ إِيَّاهُ)[الإسراء/23]؛ هو معنى إلا الله؛ وهذا معنى قوله: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ)[النحل/36]؛ أي اعبدوا الله وحده، واتركوا عبادة ما سواه.

(الشرح)

اعبدوا الله؛ هذا هو الإثبات، واجتنبوا الطاغوت؛ هذا هو النفي.

(المتن)

كما قال تعال: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُون)[الأنبياء/25].

(الشرح)

جميع الرسل أرسلوا بهذا، كل رسول بعثه الله بهذا، يوحي الله إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون؛ لا إله إلا الله، فالعباد حق الله.

(المتن)

وهذه هي ملة إبراهيم التي أمرنا الله باتباعها؛ حيث يقول: (قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين)[آل عمران/95].

وقال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ)[الممتحنة/4]، إلى قوله: (وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)[الممتحنة/4].

(الشرح)

هذه براءة من كل ما سوى الله، براءة وعداوة؛ (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)[الممتحنة/4]؛ يعني براءة من دينهم، وكفر بهم، وإظهار العداوة، والبغضاء حتى يؤمنوا بالله وحده.

(المتن)

قال تعالى عن يوسف عليه السلام: (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُون)[يوسف/38].

(الشرح)

الشاهد: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭭ[يوسف/38]؛ فإن يوسف عليه السلام نبي، وأبوه يعقوب نبي، وجده إسحاق نبين وجده إبراهيم نبي؛ أربعة أنبياء في نسق، كما جاء في الحديث: «الكريم ابن الكريم، ابن الكريم ابن الكريم؛ يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم»، أربعة أنبياء في نسق؛ يوسف نبي، وأبوه يعقوب نبي، وجده إسحاق نبي، وجده إبراهيم نبي، يقول يوسف عليه السلام: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭭ[يوسف/38]؛ هذا ثلاثة، وهو الرابع، (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭭ[يوسف/38]؛ هم عَلَى التوحيد.

ثم قال: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭭ[يوسف/38]؛ ذَلِكَ فضل الله منَّ عليهم بالتوحيد، (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ[يوسف/38] .

(المتن)

قال رحمه الله: وفي حديث معاذ من مخرج الصحيحين مرفوعًا: «حق الله على العباد أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئًا»

(الشرح)

وهذا معروف؛ حديث معاذ: «حق الله على العباد أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئًا»، والثاني:«حق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئًا»، «النَّبِيّ r قد أردف معاذ على حمار», والحديث في الصحيحين «قال له النبي r: يا معاذ لبيك وسعديك، ثم سار ساعة، ثم قال: يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ قال: الله ورسوله أعلم، ثم سار ساعة حتى تشوق، ثم أخبره، قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئًا»، لكن فرق بين الحقين؛ حق الله: هذا حق إيجاب وإلزام، ما لهم خيرة خلقهم الله للعبادة, وأما حق العباد؛ هذا حق تفضل وإكرام، هو الذي أحقه على نفسه، وألزم به نفسه، كما قال شيخ الإسلام:

ما للعباد عليه حق واجب
 

 

كلا ولا سعي لديه ضائع
 

فإن عذبوا فبعدله أو نعموا
 

 

فبفضله وهو الكريم الواسع
 

 

(المتن)

قال العلامة ابن القيم رحمه الله:

حق الإله عبادة بالأمر لا
 

 

بهوى والنفوس، فذاك للشيطان
 

من غير إشراك به سببًا
 

 

هما سبب النجاة فحبذا السببان
 

 

(الشرح)

قول المؤلف في الكافية الشافية، يقول: (حق الإله عبادة بالأمر)؛ هذه العبادة، العبادة تكون هكذا، عبادة بالأمر؛ يعني يمتثل أمر الله، عبادة بالأمر؛ أقيموا الصلاة؛ هذا الأمر، فيعبدوا الله ويقيموا الصلاة, هذه عبادة بالأمر، لا تقربوا الزنا؛ يترك، لا تأكلوا الربا؛ يترك الربا، يتركه طاعة الله ولرسوله؛ هذه عبادة بالنهي؛ ترك النهي.

والأمر؛ أمر بالفعل، أو أمر بالترك، أمر بالفعل: أقيموا الصلاة، أمر بالترك: لا تقربوا الزنا؛ عبادة بالأمر (لا بهوى والنفوس، فذاك للشيطان) إذا كان العبادة بهوى النفس، فهذه ليست عبادة، هذه للشيطان، ولكن العبادة عباد بالأمر؛ أمر الله وأمر رسوله؛ أمر بالفعل، وأمر بالترك.

ثم قال: (من غير إشراك به)؛ هذا هو الإخلاص، فاجتمع فيها الأصلان؛ عبادة بالأمر؛ وهذا هو الإحسان في العبادة، تكون العبادة، سميت عبادة؛ لأنها عبادة بالأمر (من غير إشراك به)؛ فهي عبادة لله، خالصة لله؛ فصحت العبادة، لا تصح العبادة إلا بهذا، تكون عبادة بالأمر من غير إشراك، إخلاص العبادة لله؛ هذا هو حق الله؛ عبادة بالأمر من غير إشراك بِهِ.

عبادة بالأمر ضدها العبادة بالهوى؛ بهوي النفس بالشيطان، والإخلاص ضده الإشراك، قال: (من غير إشراك به هما سبب النجاة)، ثم نجاة من الله أن تعبد الله بالأمر من غير إشراك به؛ يعني مع الإخلاص من غير إشراك؛ هذا والسبب.

السبب الأول: عبادة الله.

والسبب الثاني: الإخلاص من غير إشراك.

هذه هي سبب النجاة؛ حبب السببان؛ لأنهما سببان في النجاة من النار، ينجو الإنسان من النار إذا عبد الله بالأمر، وأخلص له العبادة من دون إشراك به، فإن عبد الله بالهوى؛ فليست عبادة، ما يسلم، وكذلك إذا كانت العبادة قائمة، لكن معها شرك، قاصدًا بها غير الله، أو أشرك فيها غير الله؛ما صحت العبادة.

  • لا بد من توفر السببين.

السبب الأول: أن تكون عبادة بالأمر، لا بهوى النفس، ولا بغيرها.

السبب الثاني: أن تكون العبادة خالصة لله من غير إشراك به؛ ولهذا قال ابن القيم:

حق الإله عبادة بالأمر لا
 

 

بهوى والنفوس، فذاك للشيطان
 

من غير إشراك به سببًا
 

 

هما سبب النجاة فحبذا السببان
 

 

(المتن)

والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله، ويرضاه من الأقوال، والأعمال الظاهرة، والباطنة؛ مثل: الدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل، والذبح.

(الشرح)

هذا تعريف شيخ الإسلام: ابن تيمية رحمه الله، يقول: (والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله، ويرضاه من الأقوال، والأعمال الظاهرة، والباطنة)؛ هذا شامل، هل هناك عبادة تخرج عن هذا؟ اسم جامع؛ يعني تجمع كل ما يحبه الله ويرضاه من قول في الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتلاوة القرآن، والإصلاح بين الناس، والذكر، والدعاء؛ هذا كله بماذا؟ بالقول الذي يرضاه الله.

كذلك الأعمال؛ الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج؛ هذه أعمال ظاهرة، والباطنة؛ مثل: الخوف، والرجاء، والمحبة؛ هذه عبادة باطنة، تعظيم الله ذكر الله بالقلب؛ هذا قول قلب؛ تصديقه؛ تصديق القلب، وإقراره؛ هذه كلها عبادات، هذه هي العبادة؛ (والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله، ويرضاه من الأقوال، والأعمال الظاهرة، والباطنة؛ مثل: الدعاء)؛ هذا من الأعمال الظاهرة، ومن الأقوال، والخوف؛ هذا من العبادة الباطنة، والرجاء كذلك، والتوكل، والذبح؛ هذا من الأعمال الظاهرة.

وعرف غيره العبادة بأنها: العبادة: هي ما أمر به شرعًا من غير اضطراد عرفي، ولا اقتضاء عقلي؛ يعني أُمر به شرعًا من غير اضطراد العرف، ومن غير اقتضاء العقل؛ يعني ما فعل العبادة؛ لأن العقل قضاها، أو لأن العرف اضطردها لا، بل أتى بالعبادة؛ لأنه أمر بها شرعًا؛ يعني العبادة هي أن تعبد الله بالأوامر والنواهي؛ تفعل الأوامر، وتترك النواهي؛ يعني العبادة طاعة لله ولرسوله.

فعل الأوامر وترك النواهي، والأوامر نوعان، والنواهي نوعان؛ الأوامر: أمر وإيجاب، مثل: أقيموا الصلاة؛ هذا أمر إيجاب، آتوا الزكاة، كتب عليكم الصيام، وأمر استحباب، مثل: السواك أمر الرسول بالسواك؛ هذا أمر استحباب، وهو عبادة (..).

والنهي كذلك، المنهيات؛ نهي تحريم، ونهي تنزيه؛ نهي تحريم، مثل: لا تقربوا الزنا، لا تأكلوا الربا، ونهي تنزيه؛ كالنهي عن الحديث بعد صلاة العشاء، وكذلك نهي عَنْ النوم قبلها، والحديث بعدها؛ هذا نهي تنزيه؛ هذه هي العبادة؛ فعل الأوامر سواء كانت الأوامر إيجاب، أو استحباب، ترك النواهي سواء كانت نهي تحريم، أو نهي تنزيه.

(المتن)

قال رحمه الله: العبادة لها أصلان تنبني عليهما، وهما غاية الحب مع غاية الذل والخضوع، كما قال ابن القيم رحمه الله:

وعبادة الرحمن غاية حبه
 

 

مع ذل عابده هما قطبان
 

وعليهما فلك العبادة دائر
 

 

ما دار حتى قامت القطبان
 

ومداره بالأمر أمر رسوله
 

 

لا بالهوى والنفس والشيطان
 

فقيام دين الله بالإخلاص
 

 

والإحسان إنهما له أصلان
 

لم ينجُ من غضب الإله وناره
 

 

إلا الذي قامت به الأصلان
 

والناس بعد فمشرك بإلهه أو
 

 

ذو ابتداع أو له الوصفان
 

 

(الشرح)

العباد، يقول المؤلف: (العبادة لها أصلان تنبني عليهما، وهما غاية الحب مع غاية الذل والخضوع)؛ تنبني العبادة على هذين الأصلين؛ غاية الحب مع غاية الذل والخضوع، إذا اجتمع فهي العبادة، غاية الحب؛ المحبة لله والتعظيم؛ غاية الحب والتعظيم، وغاية الذل والخضوع، فأنت تعبد الله بالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج مع الحب والتعظيم، ومع الذل والخضوع، أنت تذل لله وتخضع، وتحبه، وتعظمه سبحانه وتعالى.

فإذا اجتمع فهي العبادة؛ المحبة والذل، وإذا انفرد أحدهما فلا تسمى عبادة، إذا انفرد الحب وحده ما يسمى عبادة؛ كمحبة المال، والصديق، والولد، والوالد، فإنه يحب الولد الصغير، لكن لا يذل له، ولا يخضع، وكذلك الذل والخضوع، إذا انفرد فلا يسمى عبادة؛ كأن يذل ويخضع لسلطان ظالم، لكن لا يحبه، أو يذل ويخضع للص، إذا جاء اللص وضع لسلاح فوق رأسه، يذل ويخضع، صحيح، ولا لا؟ لكن لا يحبه، يحبه ولا ما يحبه؟ ما يحبه يبغضه، يتمنى زواله، لكن يخضع ويذل فوق السلاح، وكذلك السلطان الظالم يخضع له ويذل، لكن لا يحبه، وكذلك المحبة يحب المال والصديق، لكن لا يذل ولا يخضع، فإذا اجتمع فهي العبادة؛ ذل ومحبة؛ تنبني على أصلين؛ هما غاية الحب مع غاية الذل والخضوع؛ كما قال ابن القيم رحمه الله:

وعبادة الرحمن غاية حبه
 

 

مع ذل عابده هما قطبان
 

 

(وعليهما فلك العبادة دائر)؛ فلك العبادة يدور على هذين القطبين: محبة، وخضوع وذل؛ غاية المحبة مع غاية الذل، فلك العبادة يدور على هذين الأصلين، ما توجد عبادة إلا بهذين الأصلين؛ غاية الحب مع غاية الذل.

ومن الذي يدير هذا الفلك؛ فلك العبادة؟ الذي يديره الأمر؛ أمر الله ورسوله، أفعل لا تفعل، أقيموا الصلاة، لا تقربوا الزنا، آتوا الزكاة؛ ذروا ما بقي من الربا؛ أمر بالترك، أمر بالفعل، وأمر بالترك، قد يقال: كل أمر؛ أمر بالفعل، وأمر بالترك؛ هذا هو الذي يدير, يدير فلك العبادة، العبادة تدور على هذين الأصلين؛ غاية الحب مع غاية الذل, والذي يدير الفلك ما هو؟ الْأَمْرِ

ومداره بالأمر أمر رسوله
 

 

لا بالهوى والنفس والشيطان
 

 

لا يديرها الهوى ولا النفس ولا الشيطان، الذي يديرها الأمر؛ افعل ولا تفعل, أمر الله، وأمر رسوله.

ثم قال ابن القيم رحمه الله:

فقيام دين الله بالإخلاص
 

 

والإحسان إنهما له أصلان
 

 

قيام دين الله بهذين الأصلين؛ الإخلاص، ومعنى الإخلاص: أن تخلص الإجابة لله عز وجل، تقصد بهذه العبادة وجه الله.

والثاني: الإحسان، الإحسان: هو أن تكون العبادة موافقة للشرع؛ الصلاة موافقة للشرع، الزكاة موافقة للشرع، الحج موافق للشرع، إذًا دين الله قائم على ماذا؟ هذين الأصلين، فقد دلَّ على هذين الأصلين كتاب الله، وسنة رسول r.

الأصل الأول دلَّ عليه قول الله تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮙ) [لقمان/22]؛ من يسلم إسلام الوجه؛ هذا هو الإخلاص، وهو محسن؛ هذا إحسان العبادة الإتيان بها موافقة للشرع.

(ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮙ) [لقمان/22].

قَالَ تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰍ) [البقرة/112]؛ من أسلم وجهه؛ هذا الإخلاص وهو محسن,,.

وقال تعالى: (ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰝ) [الكهف/110]؛ هذا هو إحسان عبادة، (ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ) [الكهف/110]؛هذا هو الإخلاص، قد دل الأصل الأول ما ثبت في الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب t أن النَّبِيّ r قال: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»؛ الأعمال بالنيات، وإذا تخلف هذا الأصل؛ وهو الإخلاص حل محله الشرك، وهذا الأصل هو مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله؛ مقتضاها أن لا يعبد إلا الله، وقد دلَّ على الأصل الثاني: وهو إحسان العبادة ما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي r قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد».

وفي لفظ لمسلم: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد».

وإذا تخلف هذا الأصل حلَّ محله البدع؛ ولهذا قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد»؛ هذا الحدث؛ الدين، البدعة، ومقتضى هذا الأصل هو شهادة أنَّ محمدًا رسول الله، فصار الأصل الأول: هو مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، وصار الأصل الثاني: هو مقتضى شهادة أن محمدًا رسول الله.

وهاتان الشهادتان هما أصل الدين، وأساس الملة، أصل الدين وأساس الملة أن تشهد لله تعالى بالوحدانية، وأن تشهد لنبيه محمد r بالرسالة؛ أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله؛ بهما يدخل الإنسان في الإسلام، وبهما يخرج من الدنيا، «ومن كان آخر كلامه لا إله إلا اللهدخل الجنة»، واضح قول المؤلف؟

فقيام دين الله بالإخلاص
 

 

والإحسان إنهما له أصلان
 

 

قيام ديننا بهذا؛ لأن هذين الأصلين هما تحقيق للشهادتين، قيام دين الله بالإخلاص، الإخلاص هُوَ مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، والإحسان هو مقتضى شهادة أن محمدًا رسول الله، إنهما له أصلان:

الأصل الأول: الإخلاص.

والأصل الثاني: الإحسان.

ثم قال المؤلف:

لم ينجُ من غضب الإله وناره
 

 

إلا الذي قامت به الأصلان
 

 

ما ينجُ من غضب الله إلا المخلص المحسن؛ الذي وحد الله وأخلص له العبادة، عبد الله، وأخلص العبادة له؛ هذا هو الذي ينجو من غضب الله، وينجو من ناره.

لم ينجُ من غضب الإله وناره
 

 

إلا الذي قامت به الأصلان
 

 

ثُمَّ قَالَ: (والناس بعد فمشرك بإلهه)؛ هذا هو الذي تخلف الإخلاص (أو ذو ابتداع)؛ ترك المتابعة (أو له الوصفان)؛ الأمرين، هذا وهذا، ترك الإخلاص، وابتدع في الدين، الناس بعد كم قسم؟ ثلاثة أقسام:

  1. مشرك بإلهه؛ هذا واحد.
  2. أو ذو ابتداع؛ هذا الثاني.
  3. أو له الوصفان؛ المشرك والمبتدع.

 فصار ثلاثة أقسام, الناس بعد الموحدين المخلصين ثلاثة أقسام، فمشرك بإلهه؛ هذا الذي ترك الإخلاص، أو ذو ابتداع؛ هذا الذي ترك المتابعة، أو الإحسان في العبادة، أو له الوصفان؛ ترك الأمرين.

(المتن)

فمن أخلص هذه العبادة بجميع أنواعها لله تعالى؛ فهو المسلم، وإن فعل الكبائر، ومن أشرك في شيء من أنواعها مخلوقًا، نبيًّا، أو ملكًا، أو صالحًا، أو شيطانًا، أو شجرًا، أو حجرًا؛ فقد بدَّل الدين، وأشرك برب العالمين، وسلك ضد سبيل المؤمنين، وقال تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين)[آل عمران/85].

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله: (فمن أخلص هذه العبادة بجميع أنواعها لله تعالى؛ فهو المسلم)؛ هذا هو اَلْمُسْلِم أخلص العبادة ووحد الله وأخلصها لله؛ يعني أتى بالعبادة فعلها كما أمر الله ورسوله بها، وأخلص لله؛ هذا هو المسلم، ولو فعل الكبائر؛ لو وقع في الزنا، أو في السرقة، أو في شرب الخمر، وعقوق الوالدين هو مسلم، مؤمن، لكن ضعف إيمانه، ونقص توحيده بهذه الكبيرة، وهذا صاحب الكبيرة، أين مآله؟ إذا مات على الكبيرة من غير توبة؛ هذا كما سبق تحت مشيئة الله، كما قال الله تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﯘ) [النساء/48].

قد يغفر الله له، فإذا غفر الله طهر ودخل الجنة، وإذا لم يعفُ الله عنه، فلا بد أن يطهر من هذه كبيرة، يطهر بأي شيء؟ إما بأن يعذب في القبر، كما في قصة الرجلين عن ابن عباس أن النَّبِيّ r مرَّ برجلين في قبرين، فقال: «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة، ثم أخذ جريدة رطبة وشقها نصفين، وغرس في كل قبر واحدة، وقال: لعله يخفف عنهما ما لم يلبسا».

أو يصبه أهوال وشدائد يوم القيامة، أو يستحق دخول النار فيشفع فيه، فإذا شفع فيه وشفع الله فيه طهر، وإذا لم يحصل هذا، ولا هذا، ما عفى الله عنه، ولا عذب في قبره، ولا أصاب الشدائد، ولا شفع فيه لا بد أن يدخل النار يعذب فِيهَا, يعذب في النار؛ يطهر من هذه الكبيرة، تطهير له؛ فإذا طهر أخرج منها؛ لأن هذا مؤمن موحد، وهذه المعصية كالنجاسة الَّتِي طالت الثوب، فالثوب إذا طالته نجاسة غسلته طهر، فكذلك لا بد أن يطهر، فإذا عفا الله عنه طهر، وإذا شفع فيه طهر، وإذا عذب في قبره طهر، وإذا عذب في النار طهر، ثم يخرج من النار إما بشفاعة الشافعين، أو برحمة أرحم الرحمين؛ يعني البعض يشفعون وتبقى بقية لا تنالهم الشفاعة، فيخرجهم رب العالمين برحمته.

إذًا من أخلص العبادة بجميع أنواعها؛ فهذا مسلم، وهو من أهل الجنة، لكن قد يصيبه، قد يتأخر دخوله الجنة، قد يتأخر بسبب المعاصي التي مات عليها، والكبائر، ليس كالموحد الذي مات على التوحيد الخالص من دون كبيرة، الذين ماتوا على التوحيد؛ هم أهل الجنة ثلاثة أصناف:

الصنف الأول: السابقون المقربون؛ هم الذين أدُّوا الفرائض والواجبات، صار عندهم نشاط ففعلوا المستحبات والنوافل، وأكثروا منها، وتركوا المحرمات، وتركوا المكروهات كراهة التنزيل، وكرهوا التوسع في المبيحات؛ هؤلاء السابقون المقربون، درجاتهم عالية.

والقسم الثاني: الأبرار المقتصدون، أدُّوا الواجبات والفرائض فقط، وليس عندهم نشاط في فعل النوافل والمستحبات؛ اقتصروا على فعل الواجبات، وتركوا المحرمات فقط، ووقفوا عند هذا الحد، ما عندهم نشاط، يفعلون المكروهات كراهة التنزيل، ويتوسعوا في المبيحات.

كلٌ من الصنفين أدى ما عليه، كل منهم يدخل الجنة من أول وهلة؛ السابقون المقربون، والمقتصدون الأبرار، لكن درجات السابقون المقربون عالية؛ يدخلون الجنة برحمة الله، ويقتسمون درجات الجنة بالأعمال، أهل الجنة كلهم يدخلون الجنة برحمة الله، في الحديث: «لن يدخل الجنة أحدًا عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة»، كما جاء في الحديث الصحيح.

كلٌ يدخل الجنة برحمة الله، بعد ذلك غرف الجنة كيف تكون لهم؟ كيف يوزعونها؟ يقتسمونها بالأعمال، كلما كَانَ عمله صالح يرتقي في درجات الْجَنَّةَ، يقال لقارئ القرآن: «اقرأ وارتقي ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها»؛ يعني يقتسمون درجات الجنة بالأعمال، والدخول برحمة الله، فالسابقون المقربون، المقتصدون الأبرار يدخلون الجنة من أول وهله.

الظالمون لأنفسهم، هؤلاء أهل الكبائر، من فعلوا الكبائر، هؤلاء الظالمون لأنفسهم كما سمعتم الآن منهم من يدخل الجنة من أولها، ومنهم من يتأخر دخوله الجنة حتى يطهر، قال الله تعالى في كتابه العظيم: (..)كلهم ورثوا الكتاب، كلهم اصطفاهم الله، حتى صاحب الكبيرة اصطفاه الله بالإيمان، منَّ عليه بالإيمان والتوحيد، مات على التوحيد ولو كان قد أضعفه بالكبائر، قال الله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﮉ) [فاطر/32-33]؛ كل الأصناف الثلاث؛ فمنهم مقصد، منهم سابق للخيرات، (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭺ) [فاطر/32]؛هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم بالمعاصي الَّذِي ماتوا عليها من غير توبة، ومنهم مقصد؛ هؤلاء هم الأبرار المقتصدون؛ اقتصروا على ماذا؟ أداء الواجبات، وترك المحرمات، ومنهم سابق للخيرات بإذن الله؛ هذه الأصناف الثلاثة.

يقول المؤلف: (فمن أخلص هذه العبادة بجميع أنواعها لله تعالى؛ فهو المسلم، وإن فعل الكبائر، ومن أشرك في شيء من أنواعها مخلوقًا، نبيًّا، أو ملكًا، أو صالحًا، أو شيطانًا، أو شجرًا، أو حجرًا؛ فقد بدَّل الدين، وأشرك برب العالمين، وسلك ضد سبيل المؤمنين، وقال تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين)[آل عمران/85])؛ من أشرك بالله مخلوقًا سواء كان المخلوق نبي، أو ملك، أو صالح، أو حجر، أو شجر، أو غيره؛ هذا بدل الدين؛ لأن الدين أن تعبد الله، وتخلص له العبادة، (وأشرك برب العالمين، وسلك ضد سبيل المؤمنين، وقال تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ )[آل عمران/85])؛ فالمشرك ابتغ غير الإسلام، فلا يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين.

(المتن)

قال رحمه الله: وبما ذكرنا أن يعرف مراد النَّبِيّ r من النهي عن الصلاة عند القبور، والبناء عليها، واتخاذها مساجد، ولعن فاعل ذلك، كما قال النَّبِيّ r :«لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، وإنما نهى عن ذلك واشتد نكيره على فعله؛ لأنه ذريعة للشرك في العبادة التي هي حق الله تعالى، وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها: «أن أم سلمة رضي الله عنها ذكرت في رسول الله r كنيسة رأتها بأرض الحبشة، وما فيها من الصور، فَقَالَ r: أولئكِ».

(الشرح)

أولئكِ؛ خطاب لأم سلمة.

(المتن)

«أولئكِ إذا مات فيهم الرجل، أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدًا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئكِ شرار الخلق عند الله»، وفي حديث جندب بن عبد الله t مرفوعًا: «ألا وإن من كان قبلكم يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك».

(الشرح)

المؤلف رحمه الله، يقول فيما سبق: يعرف مراد النَّبِيّ r من النهي عن الصلاة عند القبور، والبناء عليها، واتخاذها مساجد؛ لأنها وسيلة قريبة للشرك، إذا صلى عند المقبرة، وبنى عليها، واتخذها مسجد؛ هذا وسيلة إلى عبادته، يتدرج به الشيطان إلى أن يعبده، أول: يقول: صلي عند المسجد، ادعوا، اقرأ القرآن عند القبر، صلي عند القبر، ادعوا الله عند القبر، يعتقد أن الدعاء مستجاب، وأن الصلاة فاضلة عند القبر.

ثم يتدرج به الحال إلى أن يقول: اعبد صاحب القبر، وسيلة قريبة إلى الشرك، فالصلاة عند القبور، والبناء عليها، واتخاذها مساجد؛ هذا وسيلة للشرك؛ ولذلك النبي نهى، ولعن فاعل ذلك، كما قال: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، قال ذلك ليحذر ما صنعوا؛ يعني حتى لا تفعلوا مثل هذه الأمور، مثل فعلهم، قال: (وإنما نهى عن ذلك واشتد نكيره على فعله؛ لأنه ذريعة للشرك في العبادة)؛ يعني وسيلة، أولًا: يصلي لله، ثم يصلي لصاحب القبر، أولًا: يدعو الله، ثم يدعو صاحب القبر (لأنه ذريعة للشرك في العبادة التي هي حق الله تعالى، وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها: «أن أم سلم رضي الله عنها ذكرت في رسول الله r كنيسة رأتها بأرض الحبشة»)؛ لأن أم سلمة ممن هاجر إلى الحبشة لما اشتد أذى المشركين للمسلمين في مكة، ذكرت الكنسية بأرض الحبشة، وما فيها من الصور، فالنبي r قال: أولئكِ؛ يخاطب أم سلمة (أولئكِ إذا مات فيهم الرجل، أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدًا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئكِ شرار الخلق عند الله)، لماذا صاروا شرار الخلق عند الله؟ لأنهم فعلوا ما هو وسيلة إلى الشرك، وسيأتي حديث: «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد».

شرار الناس صنفين؛ الذين تقوم عليهم الساعة؛ وهم الكفرة، والذين يتخذون القبور مساجد, أَيْضًا وسيلة إلى الشرك، «أولئك شرار الخلق عند الله»؛ هم شرار الخلق، شرار الخلق هم, شرار الخلق صنفان:

  1. من تدركهم الساعة وهم أحياء.
  2. والذين يتخذون القبور مساجد.

(وفي حديث جندب بن عبد الله t مرفوعًا: «ألا وإن من كان قبلكم يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك»)، انظر كيف الآن.

قال: (ألا وإن من كان قبلكم يتخذون قبور أنبيائهم مساجد)؛ يحذر، ثم قال: ألا؛ نهي، ثم قال: (فإني أنهاكم عن ذلك) كما ينقل عن شيخ الإسلام.

(المتن)

قال شيخ الإسلام رحمه الله: فقد نهى عنه في آخر حياته، ثم إنه لعن وهو في السياق من فَعله، والصلاة عندها من ذلك وإن لم يبنِ مسجدًا؛ وهو معنى قول عائشة رضي الله عنها خشي أن يتخذ مسجدًا، وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجدًا، بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجدًا، كما قَالَ r:«جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» انتهى.

(الشرح)

هذا كلام شيخ الإسلام، يقول: (فقد نهى عنه في آخر حياته)، نهى عَنْ اتخاذ القبور مساجد (ثم إنه لعن وهو في السياق)؛ سياق الموت، خروج روحه، لعن من فعله، قال: «لعنة الله على اليهود، والنصارى»، وهو في سكرات الموت وعليه خميصة إذا اغتم كشفها فرفعها, قال: «لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»؛ يحذر، قال المؤلف: (والصلاة عندها من ذلك وإن لم يبنَ مسجدًا)؛ الصلاة عند القبور من ذلك من اتخاذها مساجد، ولو لم يبنَ مسجد؛ (وهو معنى قول عائشة رضي الله عنها خشي أن يتخذ مسجدًا).

قَالَ: كُلّ موضع يصلى فِيهِ يسمى مسجد ولو ما بني مسجد (وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجدًا، بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجدًا، كما قَالَ r: «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا»)؛ فقد نهى النبي عن ذلك، ولعنه في السياق؛ لأنه وسيلة قريبة إلى الشرك.

(المتن)

قال رحمه الله: وعن ابن مسعود t مرفوعًا: «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد»، رواه أحمد، وأبو حاتم في صحيحه، وفي الموطأ عنه r أنه قال:«اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد، اشتد غضب الله على قوم أخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، قال شيخنا ووالدنا على هذا الحديث: لما قرن r بين دعاءه ألا يجعل قبره وثنًا يعبد، وبين إخباره باشتداد غضب الله على متخذ القبور مساجد دلَّ ذلك على أن الثاني سبب للأول، انتهى.

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله: (وعن ابن مسعود t مرفوعًا: «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد»)، قال: الحديث أخرجه الإمام أحمد، وابن أبي شيبة في المصنف.

  • والحديث يدل على أن شرار الناس صنفان:

الصنف الأول: من تدركهم الساعة وهم أحياء، وهم الكفرة التي تقوم عليهم الساعة؛ لأن في آخر الزمان تقوم الساعة على الكفرة بعد أن تخرج أشراط الساعة الكبار، وأخرها النَّارِ تسوق النَّاس إِلَى محشرهم, تأتي ريح طيبة فتقبض أرواح المؤمنين، والمؤمنات من جهة اليمن، وفي الحديث: «لو كان أحدهم في كبد جبل لدخلته حتى تقبضه»، فلا يبقى إلا الكفرة، فعليهم تقوم الساعة، وهم في ذلك حسن العيش، دار رزقهم، فيتمثل لهم الشيطان، فيقول: ألا تمتثلون، قالوا: ماذا تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان، فعليهم تقوم الساعة، فهذا الكون لا يخرب إلا خلى من التوحيد والإيمان، وما دام التوحيد والإيمان في الأرض، فلا يمكن أن تقوم الساعة؛ ولهذا قال في الحديث: «لا تقوم الساعة حتى لا يقال فلان: الله الله»؛ يعني هذا الكون بقاءه بالتوحيد، فإذا فقد التوحيد خرب، قامت القيامة، انشقت السماء، وانكدرت النجوم، وسيرت الجبال، وفجرت البحار، وقامت القيامة، إذا خلى من التوحيد والإيمان، وذلك في آخر الزمان حينما تُقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات، فلا يبقى إلا الكفرة فعليهم تقوم الساعة؛ ولهذا قال النبي: «إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء»، وهم الْكَفَرَة.

والصنف الثاني: والذين يتخذون القبور مساجد؛ يتخذون القبور مساجد هذا وسيلة، ولكنها وسيلة قريبة إلى الشرك؛ فجعلهم من شرار الخلق؛ ولهذا قال النَّبِيّ r في الموطأ، قال: «اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».

المؤلف يقول: (قال شيخنا ووالدنا)، من هو؟ والده الشيخ حمد رحمه الله، الشيخ سعد يقول: قال شيخنا ووالدنا على هذا الحديث، ماذا قال؟ (لما قرن r بين دعاءه ألا يجعل قبره وثنًا يعبد، وبين إخباره باشتداد غضب الله على متخذ القبور مساجد دلَّ ذلك على أن الثاني سبب للأول)، ما هو الثاني؟ وما هو الأول؟

الثاني: اتخاذ القبور مساجد.

والأول: اشتداد غضب الله.

فالثاني وهو اتخاذ القبور مساجد سبب لغضب الله، انظر كيف فقه الشيخ حمد رحمه الله، يقول: (قال شيخنا ووالدنا على هذا الحديث: لما قرن r بين دعاءه ألا يجعل قبره وثنًا يعبد، وبين إخباره باشتداد غضب الله على متخذ القبور مساجد دلَّ ذلك على أن الثاني سبب للأول)، حدد الأول، حدد الثاني، ما هو الأول؟ اشتد غضب الله، وما هُوَ؟ الثاني: الذين يتخذون القبور مساجد، فالثاني؛ وهو اتخاذ القبور مساجد سبب الأول وهو غضب الله، فاتخاذ القبور مساجد سبب لغضب الله؛ لأنه وسيلة إلى ماذا؟ إلى الشرك.

وهل استجاب الله دعاء النَّبِيّ r في قوله: «اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد»؟ ابن القيم يقول: الله تعالى استجاب دعاءه.

 (فأجاب رب العالمين دعاءه)؛ دعاء الرسول r (وأحاطه بثلاثة جدران).

حتى اغتدت أرجاؤه بدعائه
 

 

في عزة وحماية وصيان
 

 

  يعني يقول: إن الرسول r دعا «اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد»، فجعل الآن بثلاثة جدران؛ مثلث؛ زاوية، فصار بزاوية هنا من جهة الشمال، الآن قبلة المدينة جنوب، والذي يكون خلفه، يتجه إلى الجنوب، فهناك زاوية كدا؛ ما يقدر يتصل، ما يقدر يعبده, كدا في زاوية، فيتجه للزاوية، مثلث؛ يعني ثلاث جدران؛ هذا قبل أن توجد الغرفة؛ فصار الذي إلى القبر ما يستطيع؛ لأن أمامه الزاوية، فقال ابن القيم:

فأجاب رب العالمين دعاءه
 

 

وأحاطه بثلاثة جدران
 

 

زاوية وضلعين مثلث, وأحاطه بثلاثة جدران؛ هذه زاوية، وهذه زاوية، وهذه زاوية من الجنوب.

حتى اغتدت أرجاؤه بدعائه
 

 

في عزة وحماية وصيان
 

 

والمراد؛ يعني أجاب دعاءه في الجملة، بمعنى أنه لا يباشره أحد في الشرك، وإن الذين أشركوا من بعيد يدعونه من بعيد، لكن لا يقع في الشرك المباشر، مباشر للقبر، ثم بعد ذلك بنيت الغرفة الآن، لكن قبل أن تبنى الغرفة، ابن القيم قال: إن في ثلاثة جدران مسنم، وَأَنَّهُ يكون أمام القبر زاوية ما يستطيع أن يتجه إلى القبر للعبادة.

نقف على هذا، وفق الله الجميع لطاعته، وصلى الله على محمد، وعلى آله وسلم.

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد