بسم الله الرحمن الرحيم
قال: ومن لم يعرف بأحوالنا يعلم أنما ينسبه إلينا أكثر الناس لا أصل له، لعله ومن يعرف أحوالنا, اللام زائدة، عندكم اللام؟ ومن يعرف أحوالنا يعلم إنما ينسبون إلينا أكثر الناس لا أصل له، مكتوب ومن لم يعرف، ما يستقيم الكلام، اللام زائدة، ومن يعرف أحوالنا؛ من يعرف أحوال الدعوة السلفية، من يعرف الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه، يعرف إن ما ينسبه إليه أهل البدع وخصوم الدعوة كله باطل لا أصل له، ومن يعرف أحوالنا، يعلم أن ما ينسبه إلينا الناس لا أصل له، بل هو من البهتان.
قال: (وسبب ذلك: أن الرجل المشهور الذي أقام الله به هذه الملة الحنيفية، ونفع بدعوته جمعًا غفيرًا من العموم، وهو شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لما دعا إلى تجريد التوحيد)، تجريده؛ يعني تخليصه، يخلصه من شوائب الشرك، يجرد التوحيد لله، وإخلاص العبادة لله، والتخلي من الرسوم العادية، والوسائل الشركية؛ يعني من العوائد البدعية التي تخالف شرع الله ودينه.
والوسائل الشركية شرق بذلك أكثر الناس، أكثر الناس: خصوم الدعوة، والقبوريون شرقوا بهذه الدعوة؛ لأنها تخالف ما هم عليه، تخالفهم، وتمنعهم من الكبرياء والعظمة التي هم عليها، والرئاسة، والمآكل، شرقوا بذلك؛ لأنهم يريدون أن يكونوا رؤساء، وأن يكونوا أكابر، وأن تكون لهم الكلمة، وأن تحصل لهم الأموال، وقبولهم للدعوة يمنعهم من ذلك، فآثروا الدنيا على الآخرة، نسأل الله العافية.
قال: (شرق بذلك أكثر الناس واستعظموه)؛ استعظموا الدعوة إلى التوحيد، الدعوة إلى إخلاص العبادة؛ تجريد التوحيد، استعظموا وقالوا: ما قال إخوانهم الأولون؛ وهم كفار قريش، أجعل الآلهة إلهًا واحدًا إن هذا لشيء عجاب، لما قال لهم النبي r: «قولوا كلمة، تملكون بها العرب، وتدين لكم بها العجم»، كلمة واحدة قولوها، واعملوا بها، فقال أبو جهل: ما هي هذه الكلمة؟ نعطيك إياها وعشرة أمثاله، فقال: «هي لا إله إلا الله»، فجعل ينفض يديه، وينقص على عاقبيه، ويقول: أجعل الآلهة إلهًا واحدًا، إن هذا لشيء عجاب؛ لأنه يعرف معناها، يعرف إن معنى لا إله إلا الله: ترك الشرك، وإخلاص العبادة لله، هو لا يريد هذا، وكثير من عباد القبور ما يعرف معنى هذه الكلمة، يدعو القبور، ويقول: لا إله إلا الله؛ ولهذا قال الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في " كشف الشبهات ": قبح الله من كان، أبو جهل أعرف منهم بقول: لا إله إلا الله، أو بكلمة التوحيد.
يقول: فأبو جهل يعرف معناها، وعباد القبور ما يعرفوا معناها، يقول: لا إله إلَّا الله ويدعو القبور، فبعضهم يطوف بالكعبة، ويقول: يا علي، يا حسين، يا كذا، ما يعرف معنى التوحيد، ومعنى الشرك، قال الله تعالى في كفار قريش: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [ص/6].
(ﭿ ﮀ ﮁ ﮌ) [ص/6]؛ الكبراء والرؤساء يصبرون الناس على دينهم، وعلى عبادة الأوثان، اصبروا على آلهتكم؛ وهي عبادة الأوثان (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [ص/6].
(ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [ص/7]؛ هذه اتباع الآباء والأجداد في الباطل؛ هذه الحجة الملعونة، ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة، وهي حجة فرعون، ما بال القرون الأولى؛ الحجة القرشية.
(ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮗ) [ص/7]؛ اتباع الآباء والأجداد في الباطل، كما قال الله تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰅ) [الزخرف/22]؛ يعني على دين (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [الزخرف/22]؛ هذه الحجة الملعون التي يوصي بها المشركون بعضهم البعض، وهي اتباع الآباء والأجداد في الباطل (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [ص/7]،
قال: وجنوا عليه، وعلى أتباعه؛ أي على الإمام رحمه الله وعلى أتباعه بالسب، والتكفير، واستحلوا دمائهم، وأموالهم، وسعوا لهم بالغوائل كل ذلك عند قوله: يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، دعاهم أن يعبدوا الله، وأن يوحدوا الله ويخلصوا له العبادة, كما قال الرسل، كما ذكر الله عن نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب؛ كلهم قالوا: اعبدوا الله، بل كل الأنبياء، (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮒ) [النحل/36].
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأنبياء/25].
لما دعاهم إلى التوحيد جنوا عليه، وأعرضوا عن السمع له، كما قال رحمه الله الإمام في تفسير الفاتحة: "ومن عرف البردة، ومن فتن بها عرف غربة الإسلام " كما سبق نبهنا عن البردة، وقلنا: إن البردة فيها غلو للنَّبِيِّ r في قوله:
|
يا أكرم الخلق ما من ألوذ به |
|
سواك عند حدوت الحادث العمم |
|
إن لن تكون آخذ بيدي فضلا |
|
وإلا فقل يا ذلة القدم |
وقال يخاطب الرسول:
|
فإن من جودك الدنيا وضرتها |
|
ومن علومك علم اللوح والقلم |
يعني أنت يا محمد تملك الدنيا والآخرة، ماذا بقي لله؟ ما بقي شيء؛ هذا من قول المؤلف: من عرف البردة وفتن بها عرف غربة الإسلام، وعرف أن العداوة، واستحلال دماءنا، وأبناءنا، ونساءنا ليس عند التكفير والقتال، فإنهم هم الذين يبدؤون بالقتال، بل عند قوله: فلا تدعوا مع الله أحدًا، التكفير سببه أنهم يدعون للتوحيد، ليس عند التكفير، وعند قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭮ) [الرعد/14]،؛ بيَّن له أن المعبودين لا ينفعون، ولا يضرون، وأنه لا يجوز دعائهم، وعند قوله: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯸ) [الإسراء/57]
(وجعل أهل العداوة والحسد، خصوصًا بعض علماء السوء يرمونهم بالعظائم)؛ أهل العداوة والحسد خصوصًا بعض علماء السير يرمون الإمام محمد بن عبد الوهاب بالعظائم، يرمون؛ يعني الإمام المجدد، ويلفقون من الأكاذيب ما الله به عليم، هل قصدهم الحق؟ لا، قال: مرادهم بذلك تنفير الناس عنهم، وعما دعا إليه، ماذا يريدون؟ (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [الصف/8].
قال المؤلف رحمه الله: (والكلام في هذه المادة على وجه الكمال لا تحتمل هذه الأوراق)؛ يعني قصد المؤلف: إن هذا كلام مختصر، ولو أراد التوسع لكتبنا في ذلك كتابة طويلة، أجزاء، كتب.
ثم قال المؤلف: (ومما يجب أن يعلم أن أكثر الناس في هذه الأزمان قد غرهم الشيطان، ولبَّس عليهم حتى وقعوا في الشرك، وغيروا اسمه، وسموه: توسلًا، فتجدهم يدعون الأنبياء، والصالحين من الأموات، والغائبين، ويسألونهم ما لا يقدر عليه إلا الله)؛ هذا شرك ويسمونه توسلًا، فيخدعون الجهال بهذه التسمية، ويلبسون على خفافيش البصائر في قولهم هذا الذي نفعل توسل، وليس بشرك، والله يعلم وملائكته، وعباده المؤمنون أن هذا هو الشرك الذي قال الله فيه: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [المائدة/72].
والتسمية لا غير الحقائق، إذا سمى الناس الشرك وسيلة، وتوسل هو شرك، الحقائق تبقى حقائق، إذا سمى الناس الخمر شراب الروح، هل يبيحه؟ ما يبيحه، سمى الخمر شراب الروح هو خمر محرم، والتسمية ما تغير الحقائق ولو سمى ما سمى.
كذلك إذا سمى الناس الربا: عمولة، أو ربح مركب، هل يغير كونه محرمًا؟ لا، إذا سمى الناس الشرك: توسلًا، ومحبة للصالحين، ما يخرج كونه شرك، كما قال المؤلف رحمه الله: (سموه توسلًا ليخدعون بذلك الجهال بهذه التسمية، ويلبسون على خفافش البصائر).
ثم قال: (هذا ما أردنا قوله في هذه المسائل الثلاث مع فاقد الكتب، وتشتت الذهن، وتشعب الفؤاد، لما نقع فيه من أعباء الغربة، وعظم المشاكل).
المؤلف رحمه الله يعتذر، يقول لما كتب هذه الرسالة ذهنه مشتت وفؤاده متشعب، ولا عنده كتب؛ ما عنده مراجع مثل ما قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد، يقول: إنه كتب هذه الرسالة ليس معه مراجع مع تشتيت الذهن في الغربة، وعنده مشاكل، ثم دعا الله، قال: (أسأل الله أن ينظرني بعين رحمته، ويرحم غربتي في الدنيا والآخرة)، ونحن كذلك نسأل الله أن ينظرنا بعين الرحم، وأن يرحم غربتنا في الدنيا الآخرة.
قال: (وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين)؛ وبهذا ينتهي من هذه الرسالة المباركة، ونسأل الله أن يرزقنا جميعًا العلم النافع، والعمل الصالح وأن يثبتنا على دينه القويم، وأن يجعلنا ممن طال عمره، وحسن عمله، وأن يهدينا إلى المبارك أينما كنا، وأن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها، وما بطن، وأن يثبتنا على دينه القويم، وأن يتوفانا على الإسلام غير مغيرين، ولا مبدلين، إنه ولي ذلك القادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين.
طالب: أحسن الله إليكم شيخنا وشكر لكم، ويسر مكتب التعاوني بمنطقة تميم، أن يشكر الله عز وجل أولًا، وأن يثني بالشكر لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي على تأنيه، وعقده هذه المجالس، ويثلث بالشكر للإخوة الحاضرين، ونسأل الله عزَّ وجلَّ أن يوفقنا وإياكم للخير، ويجعلنا من الهداة المهتدين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
