20رمضان كتاب الصيام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فنبدأ درسنا هذا المساء المبارك بعون الله وتوفيقه.
قارئ المتن:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فاللهم اغفر لنا ولشيخنا وللقارئ والمستمعين، قال الإمام الموفق رحمه الله تعالى في كتابه [عمدة الفقه]، وفي كتاب الصيام، قال رحمه الله تعالى:
ومن أخر القضاء لعذر حتى أدركه رمضان آخر فليس عليه غير القضاء، وإن فرط أطعم مع القضاء لكل يوم مسكينا.
شرح الشيخ:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، هذه المسألة وهي تأخير القضاء، قضاء رمضان مُوسع، يجوز للإنسان أن يقضي ما فاته من أيام رمضان بعذر إذا أفطر لمرض أو لسفر، أو المرأة أفطرت لحيض أو نفاس، فإن الوقت موسع، يجوز أن يقضي صيام رمضان في شوال أو في ذي القعدة أو في ذي الحجة، أو محرم أو صفر أو ربيع، أو ربيع أو جماد أو جماد أو رجب إلى شعبان إلى رمضان الثاني، وليس له أن يؤخره إلى بعد رمضان الثاني إلا إذا كان معذورا، إذا كان معذورا واتصل به المرض ولم يستطع، أو كانت المرأة كذلك حامل أو مرضع لا تستطيع، فالمعذور يقضي بعد رمضان وليس عليه شيء آخر.
أما إذا فرط، يستطيع أن يقضي ولكنه تساهل حتى مضت الأيام فهذا عليه مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم، أفتى بذلك جمع من الصحابة، إن كان مستطيعا وإذا كان غير مستطيع فليس عليه شيء، يطعم عن كل يوم مسكينا، يعني يقضي، يصوم اليوم، ويطعم مع الصيام مسكينا كيلو ونصف من قوت البلد من طعام أو أرز أو تمر، من قوت البلد.
قارئ المتن:
قال رحمه الله تعالى:
وإن ترك القضاء حتى مات لعذر فلا شيء عليه.
شرح الشيخ:
(إذا ترك القضاء) يعني إنسان مرض واتصل به المرض حتى مات، هذا ليس عليه شيء، ليس عليه قضاء ولا إطعام.
أما إذا كان لغير عذر، أخّر، شُفي من مرضه قدر الأيام التي عليه، أو قدم من السفر قدر الأيام التي عليه ثم مات، هنا يُصام عنه أو يُطعم عن كل يوم مسكينا، لما ثبت في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه»، سواء كان هذا الصوم الذي تركه صوم رمضان أو نذر أو كفارة، وليس بواجب على الولي، لكن إن أراد الولي أن يصوم فله ذلك، وإن لم يرد أطعم عن كل يوم مسكينا من تركته، من المال قبل قسمة التركة، وإن تبرع أحد فصام عنه أو أطعم عنه فلا بأس، هذا هو الصواب.
وقال بعض العلماء: إذا كان الصوم الذي تركه الميت صوم رمضان هذا (00:04:32) لا يصام عنه، أما إذا كان صوم نذر فهذا يصام عنه، أو كفارة، لما جاء في بعض الأحاديث: «من مات وعليه صوم نذر صام عنه».
والصواب أنه لا فرق بينها، وبهذا أقر هذا جمع من المحققين أخذًا بعموم الحديث: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه»، سواء كان صوم نذر أو صوم رمضان أو كفارة، يصوم عنه وليه أو غير وليه (00:05:01)، فإن لم يُرد -وليس بواجب عليه الصوم، إذا أراد- فإن لم يُرد أطعم عنه عن كل يوم مسكين.
أما إذا كان توفي ولم يتمكن من القضاء فهذا ليس عليه شيء، لا يُصام عنه ولا يُطعم عنه، لأن الله تعالى قال: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾[البقرة:185]، وهذا لم يتمكن، فليس عليه قضاء وليس عليه إطعام ولا يُصام عنه، إذا توفي ولم يتمكن من الصيام، يعني ما بقي مدة يستطيع القضاء فيها.
قارئ المتن:
قال رحمه الله تعالى:
وإن كان لغير عذر أُطعم عنه لكل يوم مسكيناً إلا أن يكون الصوم منذوراً، فإنه يصام عنه، وكذلك كل نذر طاعة.
شرح الشيخ:
نعم، إلا إن كان صوم نذر يصام عنه، هذا على أحد القولين، أنه لا يصام إلا إذا كان صوم نذر لما جاء في بعض الأحاديث: «من مات وعليه صوم نذر».
والصواب أنه لا فرق بينها، سواء صوم نذر أو كفارة أو قضاء رمضان، إذا أحب وليه أن يصوم أو يصوم حتى غير وليه فلهم ذلك، فإن لم يوجد من يصوم عنه أُطعم عنه عن كل يوم مسكينا.
قارئ المتن:
قال الشارح حفظه الله:
من أخر قضاء ما أفطره من رمضان حتى جاء رمضان الثاني فهذا على حالتين:
الحالة الأولى: إذا أخرّه معذورًا، كأن يكون مريضًا واستمر به المرض حتى جاء رمضان الثاني، فهذا يصوم رمضان الثاني ثم يقضي ما أفطره من رمضان الأول وليس عليه شيء.
الحالة الثانية: أن يكون قد تمكن من القضاء لكنه تساهل حتى جاء رمضان الثاني، فهذا يصوم رمضان الثاني ويقضي الأيام التي فاتت عليه من رمضان الأول، لكنه يطعم عن كل يوم مسكينا، وقد أفتى بهذا بعض الصحابة.
شرح الشيخ:
وإن كان فقيرًا فليس عليه شيء إلا القضاء.
قارئ المتن:
وقوله رحمه الله:
(وإن ترك القضاء حتى مات لعذر فلا شيء عليه)، قال الشارح حفظه الله:
أي إذا اتصل به المرض حتى مات فلا يتعلق بذمته شيء، لا من صيام ولا إطعام.
شرح الشيخ:
لقول الله تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾[البقرة:185]، وهذا لم يتمكن، عدة من أيام أخر، ما تمكن، وهذه المسألة تخفى على بعض الناس، يأتي كثير من أجل السؤال، بعض الناس يقول قريبه، والده أو كذا اتصل به المرض وتوفي وعليه أيام من رمضان، ما تمكن، ما عليه شيء، لا قضاء ولا إطعام، لأنه ما تمكن.
متى يجب عليه القضاء؟
إذا تمكن، شفي من مرضه بقدر الأيام التي عليه، أو قدم من السفر بقدر الأيام التي عليه، ثم توفي، هنا لا بد من الإطعام، القضاء والإطعام.
قارئ المتن:
قال رحمه الله تعالى:
وقوله: (وإن كان لغير عذر أطعم عنه لكل يوم مسكيناً).
قال الشارح حفظه الله:
أي وإن فرط في القضاء حتى مات فإنه يُطعَم عنه عن كل يوم مسكين.
وقوله رحمه الله: (إلا أن يكون الصوم منذوراً، فإنه يصام عنه)، قال الشارح حفظه الله:
أي لكن لو كان نذر صياما ولم يصمه حتى مات ففي هذه الحالة خاصةً يصام عنه، هذا هو المذهب، وهو قول إسحاق وأبي عبيد والليث، واستدلوا بما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم نذر، أفأصوم عنها؟ قال: أرأيتِ لو كان على أمك ديْنٌ فقضيتيه، أكان يؤدي ذلك عنها؟ قالت: نعم، قال: فصومي عن أمك».
قالوا إذا مات وعليه أيامٌ من رمضان لا يُقضى، لأنه لا يُقضى عنه ما وجب عليه بأصل الشرع، وإنما يقضى الذي وجب عليه بما أوجبه على نفسه، كالكفارة أو النذر.
والصواب أنه يصام عن الميت مطلقا، سواء كان صيام رمضان أو صيام نذر أو صوم كفارة، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه»، وهذا بشرط أن يكون تمكن من الصوم ولم يصم، كأن شُفي من مرضه بقدر الأيام التي عليه ولم يصم كما سبق بيانه.
وقوله رحمه الله: (وكذلك كل نذر طاعة): أي فإذا نذر صوم...
شرح الشيخ:
هذا هو الصواب، وهو اختيار النووي رحمه الله، أقره النووي، وهو اختيار سماحة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، وهو الذي نفتي به، أن من مات وعليه صيام من رمضان لوليه أن يقضي وله أن يطعم، يختار، إذا أحب وليه أن يقضي عنه وجد من يقضي عنه سواء قريب أو غير قريب، أحب أن يصوم عنه فلا بأس، وإن لم يوجد من يصوم عنه يُطعم عن كل يوم مسكينا ولو كان من رمضان، هذا هو الصواب.
قارئ المتن:
قال الشارح حفظه الله:
أي فإذا نذر صوما يُصام عنه، وإذا نذر صلاة تُصلى عنه، بخلاف ما وجب بأصل الشرع من صلاة وصوم فلا يُقضى عنه على المذهب.
شرح الشيخ:
أعد المتن: (وكذا كل نذر ...).
قارئ المتن:
قال رحمه الله تعالى:
(وكذلك كل نذر طاعة)، قال الشارح حفظه الله:
فإذا نذر صوما يُصام عنه، وإذا نذر صلاة تُصلى عنه، بخلاف ما وجب بأصل الشرع من صلاة وصوم فلا يُقضى عنه على المذهب.
والصواب أن الصوم يُقضى إذا لم يتمكن من قضائه ولو كان من رمضان كما تقدم.
شرح الشيخ:
أما الصلاة لا تقضى، من مات وعليه صلاة لا تقضى، إلا إذا نذر، نذر قبل ... قال: لله علي أن أصلي عشرين ركعة، ثم توفي، وليّه يصلي عشرين ركعة، لكن توفي وعليه الصلوات الخمس، خمس صلوات ما صلاها لا تقضى عنه.
قارئ المتن:
قال رحمه الله تعالى:
باب ما يفسد الصوم
(من أكل أو شرب أو استعَطَ أو أوصل إلى جوفه شيئاً من أي موضع كان أو استقاء أو استمنى أو قبل أو لمس أو أمذى أو حجم أو احتجم عامداً ذاكراً لصومه فسد).
شرح الشيخ:
هذه مفسدات الصوم، إذا أكل فسد الصوم، إذا شرب فسد الصوم، هذا متعمد، أما الناسي فما عليه شيء في البخاري «من نسي فأكل أو شرب وهو صائم فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه»، من أكل متعمدا فسد صومه، ومن شرب، من استعط: دخل السعوط من الأنف، لأن الأنف يعني موضع يمكن أن يتغذى منه مثل الفم، ولذلك تجدون بعض المرضى في المستشفى تجده يتغذى عن طريق الأنف، بخلاف الأذن والعين ليست بمنفذ، لكن الأنف منفذ مثل الفم، أكل أو شرب أو استعط أو قبل زوجته فأمنى أو أمذى، خرج منه المذي أو المني، أو استمنى، استخرج المني فسد صومه.
قارئ المتن:
قال رحمه الله تعالى:
(من أكل أو شرب أو استعَطَ أو أوصل إلى جوفه شيئاً من أي موضع كان).
شرح الشيخ:
أو أوصل إلى جوفه من أي موضع كان كالإبر، سواء إبر في العضد أو في العضل تفطر، هذا على قول المؤلف، كل ما أدخل إلى جوفه شيء ... أو استقاء، يعني استدعى القيء، يعني عصر بطنه حتى يتقيأ، أو أدخل أصابعه في حلقه، أو شم شيئا يتقيأ، أما إذا غلبه القيء فلا شيء عليه، غلبه وذرعه ليس عليه شيء، لكن إذا استدعى القيء، كيف يستدعيه؟
يدخل أصابعه في حلقه، أو يعصر بطنه، أو يشم شيئا فيستقيء، فهذه المفطرات: أكل أو شرب، استعط، استمنى -استخرج المني-، أو أمذى، خرج المذي سواء قبل زوجته فأمنى، أو كرر النظر أو لمس فأمنى، أو أمذى، سواء مني أو مذي، أو أدخل إلى جوفه شيئا عن طريق الإبر سواء العضد أو العضل، أو استقاء، يعني استدعى القيء، هذه مفسدات الصوم، سواء الأكل أو الشرب، والسعوط من الأنف، إدخال الجوف الإبر بجميع أنواعها، سيأتي أن الإبر إذا كانت غير مغذية أنها لا تفطر على الصحيح، لكن الأحوط أن يؤخرها الإنسان إلى الليل.
وكذلك أيضا إذا أمنى أو أمذى، استقاء، هذه مفسدات الصوم، كلها يفسد بها الصوم، أعد (من أكل).
قارئ المتن:
قال رحمه الله تعالى:
(من أكل أو شرب أو استعَطَ أو أوصل إلى جوفه شيئاً من أي موضع كان)
شرح الشيخ:
هذا الإبر، وكذلك حتى عن طريق الإحليل، الذكر مثلا، والتحميلة من الأسفل.
قارئ المتن:
(أو استقاء أو استمنى أو قبل أو لمس أو أمذى)
الشيخ:
إذا قبل أو لمس ولم يخرج منه شيء على الصحيح ليس فيه شيء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم، في حديث عائشة: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لإربه».
هل يجوز للصائم أن يقبل زوجته؟
هذا فيه تفصيل: إن كان يخشى على نفسه، إن كان سريع الشهوة ويخرج مني أو مذي فلا يجوز له أن يفسد صومه، وإن كان لا يتأثر فلا بأس، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، قالت عائشة: «وكان أملككم لإربه»، لكن بعض الناس قد لا يملك نفسه، يعني إذا قبل أوصله إلى الجماع أو خرج منه المني أو المذي، هنا لا يتسبب في إفساد صومه.
قارئ المتن:
يا شيخ، في بعض النسخ: (فقبل أو لمس فأمنى)
شرح الشيخ:
نعم، هذه أحسن، (قبل أو لمس فأمنى)، أما إذا قبل أو لمس فلا أمنى ولا أمذى فما عليه شيء، التقبيل واللمس وحده لا يؤثر إلا إذا خرج شيء.
قارئ المتن:
قال رحمه الله تعالى:
(أو استمنى أو قبل أو لمس أو أمذى أو حجم أو احتجم عامداً ذاكراً لصومه فسد).
شرح الشيخ:
كذلك (حجم أو احتجم)، يعني احتجم هو أو حجمه شخص آخر، الحجامة تفسد الصوم، ومثله سحب الدم الكثير، إذا سحب بإبرة هذا مثله، أو احتجم: حجمه شخص، كان في الأول الحجّام يمصه بقارورة، يمصه ويمصه يذهب شيء من البخار إلى حلقه، الآن لا يوجد مص، فعلى هذا لا يفسد صوم الحاجم، إنما المحتجم، وقال بعض العلماء: يفسد صوم الحاجم عقوبةً له لقول النبي: «أفطر الحاجم والمحجوم»، عقوبةً له.
قارئ المتن:
قال رحمه الله تعالى:
(وإن طار إلى حلقه ذباب أو غبار أو تمضمض أو استنشق ...
شرح الشيخ:
عرفنا الآن مفسدات الصوم؟
هذه مفسدات الصوم: الأكل أو الشرب، والجماع أعظمها، السعوط في الأنف بدهن أو غيره، الإبر التي تدخل في الجوف، كذلك إذا قبل أو لمس فخرج منه مني أو مذي، المذي فيه خلاف، بعض العلماء يرى أن المذي لا يفسد الصوم، والمذهب أنه يفسد الصوم، والقول الثاني ذهب أهل العلم أنه لا يفسد الصوم إلا المني، ولكن الأحوط للإنسان إذا خرج أنه يقضي احتياطًا.
القيء كذلك، إذا استدعى القيء متعمدا فسد الصوم، وإن ذرعه وغلبه فلا يفسد صومه.
الإبر: الصواب أن الإبر إذا كانت غير مغذية هذه تفسد الصوم، أما إذا كانت مكافحة للمرض فلا تفطّر، لكن الأحوط أن يؤجلها إلى الليل.
القطرة في العين والأنف والأذن كذلك، يرى المؤلف أنها إذا وجد طعمها في حلقه أفطر، إن قطر في العين أو في الأذن ووجد الطعم في الحلق أفطر عند ... والقول الثاني أنه لا يفطر، لأنها ليست أكلا ولا شربا، ولا في معنى الأكل والشرب، وهو اختيار المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة، لكن الأحوط أن الإنسان يؤجل القطرة إلى الليل من باب الاحتياط.
وهناك شيء يغلب الإنسان وليس له اختيار، هذا لا يفطر، مثلا احتلم وهو صائم، لا يفطر، طار إلى حلقه ذباب، أو غبار، أو تهرب الماء إلى حلقه لما تمضمض بدون اختياره، هذا لا يفسد صومه؛ لأنه ليس له اختيار.
قارئ المتن:
قال رحمه الله تعالى:
وإن طار إلى حلقه ذباب أو غبار أو تمضمض أو استنشق فوصل إلى حلقه ماء أو فكر فأنزل أو قطر في إحليله أو احتلم أو ذرعه القيء لم يفسد صومه.
شرح الشيخ:
إذا فكر وأنزل، ما قبل ولا لمس ولا نظر، هذا لا يفسد صومه، بمجرد التفكير، فكر وخرج منه المني، لا يفسد صومه، لكن نظر إلى امرأة وتابع النظر وأنزل هذا يفسد صومه، لأنه متسبب، أو لمس متسبب، لكن تفكير مجرد تفكير، ما عنده أحد، جالس وحده في غرفة وفكر فخرج منه المني هذا ليس له اختيار، أو احتلم، ليس له اختيار.
أو قطّر في إحليله من الذكر، هنا يقول ابن قدامة: إذا لم يصل إلى الجوف، إذا قطر في إحليله عن طريق الذكر فلا يفسد صومه، أعد العبارة.
قارئ المتن:
قال رحمه الله تعالى:
(وإن طار إلى حلقه ذباب أو غبار أو تمضمض أو استنشق فوصل إلى حلقه ماء أو فكر فأنزل أو قطر في إحليله أو احتلم أو ذرعه القيء لم يفسد صومه).
الشيخ:
الإحليل: الذكر.
(أو ذرعه القيء لم يفسد صومه): لأنه ليس له اختيار في هذا، هذا بدون اختياره، الاحتلام بدون اختياره، كذلك إذا طار إلى حلقه ذباب أو ماء هذا ما له اختيار.
وإذا قطّر في إحليله يقول إنه لا يصل إلى الجوف.
قارئ المتن:
قال المصنف رحمه الله:
باب ما يفسد الصوم.
قال الشارح حفظه الله:
هذا الباب معقود لبيان الأسباب التي يفسد بها الصوم ويبطل، فقال المصنف رحمه الله:
(من أكل أو شرب أو استعط أو أوصل إلى جوفه شيئا من أي موضع كان، أو استقاء فقاء أو استمنى أو قبل أو لمس أو أمذى أو حجم أو احتجم عامدا ذاكرا لصومه فسد).
قال الشارح حفظه الله:
فمن أكل أو شرب عامدا ذاكرًا فسد صومه بالإجماع، أما من أكل أو شرب ناسيا فصومه صحيح ولا قضاء عليه ولا كفارة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من نسي فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه».
شرح الشيخ:
رواه البخاري في صحيحه.
قارئ المتن:
قال الشارح حفظه الله:
وكذلك لو كان مكرهًا كأن أُلجئ في أمرٍ ما، أو فُتن بالسلاح فأكل أو شرب فلا يفسد صومه.
الشيخ: أو هُدِّد!
القارئ: مكتوب هنا (أو فُتن) يا شيخ.
شرح الشيخ:
فُتن؟ لا، هُدد بالسلاح، يعني لو أُجبِر، جاء إنسان وفتح فمه بالقوة وصب فيه ماء، هذا ما له اختيار، أو هُدد بالسلاح، وضع السلاح على رأسه، تشرب أو تأكل وإلا قتلتك؛ هذا غير مختار، هذا لا يفسد صومه.
قارئ المتن:
قال الشارح حفظه الله:
وكذلك لو كان مكرهًا، كأن أُلجئ في أمر ما أو هُدد بالسلاح فأكل أو شرب فلا يفسد صومه في هذه الحالة، لأنه ليس له قصد ولا اختيار، ولهذا قيد المؤلف رحمه الله فساد الصيام هنا بقوله (عامدا ذاكرا لصومه).
شرح الشيخ:
عامدا ذاكرا مختارا، عامدا: هذا يخرج غير العامد، ذاكرا: يخرج الناسي، مختارا: يخرج المكره.
قارئ المتن:
قال الشارح حفظه الله:
والعامد ضد المكره، والذاكر ضد الناسي، والدليل على ذلك قول الله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾[البقرة:286]، قال الله: «قد فعلت».
وقوله: (أو استعط)، قال الشارح حفظه الله:
أي كذلك لو استعط، يعني لو جعل سعوطا في أنفه بدهن أو غيره، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبُرة رضي الله عنه: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما»، فدل ذلك على أن الأنف منفذ إلى الجوف.
قال الشارح حفظه الله: وقد ذهب كثير من العلماء رحمهم الله تعالى إلى أنه إذا شم البخور متعمدا أفطر، لأن هناك أجزاء دقيقة تصل إلى الدماغ، وينبغي أن يُحتاط لذلك.
شرح الشيخ:
نعم، شم البخور اللي فيه الدخان، لأنه تصعد أجزاء إلى ...، أما الطيب فلا، الطيب في البدن لا، لكن الدخون، الدخان من المبخرة يشمها يستنشقها لا الصائم لا يستنشق، لأن فيه أجزاء تصعد إلى الدماغ.
قارئ المتن:
قال الشارح حفظه الله:
فالمقصود أنه إذا استعط بدهن أو غيره فوصل إلى أنفه ذاكرا عامدا أفطر، ولهذا قال رحمه الله تعالى: (أو أوصل إلى جوفه شيئا من أي موضع كان)، أي فكل ما أوصل إلى الجوف باختيارٍ وتعمد يفسد الصوم، وعلى هذا فالإبر التي تصل إلى الجوف تفطّر الصائم.
شرح الشيخ:
نعم، على كلام المؤلف تفطر الصائم كلها، سواء في العضل أو في الوريد.
قارئ المتن:
قال الشارح حفظه الله:
سواء منها ما كان في العضل، أو الوريد، أو غيرها، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ...
شرح الشيخ:
أو غيرهما، يعني العضل والوريد.
قارئ المتن:
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن الإيصال إلى الجوف لا يفطر، وقال: إن الله سبحانه وتعالى لم يجعل وصول شيء للجوف من المفطرات، وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه ليس أكلا ولا شرابا، ولا في معنى الأكل والشرب.
وهذا كلامٌ وجيه، لأنه ليس هناك دليل على أن الإيصال إلى الجوف بغير الأكل والشرب مفطر، وعليه لا تفطر الإبرة إذا حقنت للمريض سواء كانت في الوريد أو في العضل، وكذلك القطرة في العين أو في الأذن، بخلاف القطرة في الأنف، فإن الأنف منفذ إذا وصل إلى الحلق.
شرح الشيخ:
فإن الأنف منفذٌ، نعم، وهذا يعني غير الإبر المغذية، هذا ابن القيم غير الإبر المغذية.
قارئ المتن:
قال الشارح حفظه الله:
والأحوط للصائم أن يتجنب ذلك كله في النهار احتياطا لهذه العبادة العظيمة، لأن أكثر الفقهاء رحمهم الله على أنها تفطر.
وأما الإبر المغذية فهي مفطرة بالاتفاق، وقد فرّق بعض المعاصرين بين الإبرة في العضد وفي العضل، فقالوا إن الإبرة في العضد تفطر، والإبرة في العضل لا تفطر، ولكن التفريق ليس بظاهر وفيه نظر.
شرح الشيخ:
حقن الدم في الصائم، حقن الدم هذا يفطّر، لأنه الدم نفس الطعام والشراب، وكذلك غسل الكلى، إخراج دم وإدخال دم، اللي يغسل غسل الكلى، هذا يفطّر؛ لأنه مريض.
قارئ المتن:
وقوله رحمه الله: (أو استقاء)، قال الشارح حفظه الله:
الهمزة والسين والتاء للطلب، يعني: استدعى القيء بأن عصر بطنه مثلا، أو شم شيئا ليقيء به، أو أدخل أصبعه في حلقه فقاء، فإنه يفسد صومه لحديث: «من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء، وإن استقاء فليقضِ»، فدل على أن من تعمد القيء فسد صومه، وأن من غلبه القيء بدون اختياره فلا يفسد، ويؤيده قول الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾[البقرة:286].
وقوله رحمه الله: (أو استمنى): المني ماء أبيض رقيق يخرج بتدفق، وهو أصل الولد، و(استمنى) أي استدعى خروج الماء، فإذا فعل فأمنى فسد صومه.
وقوله رحمه الله: (أو قبّل أو لمس): قال الشارح حفظه الله: في بعض النسخ: (فقبّل أو لمس فأمنى)، أي ولو قبّل زوجته أو لمسها فأنزل بسبب ذلك فسد الصوم.
وقوله رحمه الله: (أو أمذى): المذي ماء لزج يخرج عند الملاعبة وانتشار الشهوة، فلو أمذى فإنه يفسد صومه على المذهب، والرواية الثانية عن أحمد رحمه الله أنه لا يفسد الصوم بالمذي، وهو الصواب، لكنه يأثم إذا تسبب وعلم أنه يؤدي إلى الإمذاء.
وقوله رحمه الله: (أو حجم أو احتجم عامدا ذاكرا لصومه فسد) وذلك لحديث «أفطر الحاجم والمحجوم»، فالحجامة مفطّرة على المذهب.
وذهب جمهور العلماء رحمهم الله إلى أن الحجامة لا تفطر، وقالوا إن حديث «أفطر الحاجم والمحجوم» منسوخ، وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم، وفي رواية احتجم وهو محرم.
قال ابن القيم رحمه الله: ولكن لا يدل على عدم الفطر إلا بعد أربعة أمور:
أحدها: أن الصوم كان فرضا.
الثاني: أنه كان مقيما.
الثالث: أنه لم يكن به مرض احتاج معه إلى الحجامة.
الرابع: أن هذا الحديث متأخر عن قوله: «أفطر الحاجم والمحجوم».
فإذا ثبتت هذه المقدمات الأربع أمكن الاستدلال بفعله صلى الله عليه وسلم على بقاء الصوم مع الحجامة، وإلا فما المانع أن يكون الصوم نفلا يجوز الخروج منه بالحجامة وغيرها؟ أو من رمضان لكنه في السفر؟ أو من رمضان في الحضر لكن دعت الحاجة إليها كما تدعوا حاجة من به مرض إلى الفطر؟ أو يكون فرضا من رمضان في الحضر من غير حاجة إليها، لكنه مبقى على أصله؟
وقوله رحمه الله: (أفطر الحاجم والمحجوم) ناقلٌ ومتأخر، فيتعين المصير إليه ولا سبيل إلى إثبات واحدة من هذه المقدمات الأربع، فكيف بإثباتها كلها؟
ولهذا اختار شيخ الإسلام وجماعة من المحققين أن الحجامة تفطّر، وهذا هو الأحوط.
الشيخ:
وهو الذي عليه الفتوى، أن الحجامة تفطر، والجمهور أكثر الأئمة على أنها لا تفطر، قالوا منسوخ، ابن القيم رحمه الله يقول الرسول احتجم وهو صائم، لكن يحتمل أنه احتجم وهو صائم لأنه مريض، ويحتمل أنه احتجم وهو صائم وهو مسافر والمسافر يفطر، ويحتمل أنه احتجم في صوم النفل، ويحتمل أنه احتجم أولا قبل أن يقول «أفطر الحاجم والمحجوم»، فكل هذه الأمور الأربعة كلها إذا تمهدت الأمور الأربعة تستطيع أن يقول الحجامة لا تفطر، وإلا فالحجامة تفطر، كل هذه الأمور ممكنة، ممكن أن الرسول احتجم لأنه مريض، احتجم لأنه مسافر، احتجم في صوم النفل، احتجم هذا أولا قبل أن يقول «أفطر الحاجم والمحجوم»، وهذا كلام وجيه.
قارئ المتن:
قال رحمه الله تعالى:
(وإن طار إلى حلقه ذباب أو غبار، أو تمضمض أو استنشق فوصل إلى حلقه ماء، أو فكر فأنزل)، قال الشارح حفظه الله: أي لا يفسد الصوم بشيء من هذه الأمور لأنه لا اختيار له، فلو طار إلى حلقه ذباب أو غبار، ولو تمضمض أو استنشق فتهرّب شيء من الماء إلى جوفه، وكذلك لو فكّر فأنزل لا يفسد صومه، لأنه ليس له اختيار في دفع تفكيره، وكل ما سبق يشق الاحتراز منه، فلهذا لا يفسد الصوم به.
وقوله رحمه الله: (أو قطر في إحليله)، قال الشارح حفظه الله: إذا قطّر في الذكر فلا يفطِر لأنه لا يصل إلى المثانة ولا يصل إلى الجوف، فلا يفسد الصوم، ومثله التحميلة في الدبر على الصحيح.
شرح الشيخ:
التحميلة في الدبر والتقطير في الذكر لا يفطّر.
قارئ المتن:
قال رحمه الله تعالى: (أو احتلم)، أي وكذلك لو نام وهو صائم فاحتلم فإنه يغتسل وصومه صحيح.
وقوله رحمه الله: (أو ذرعه القيء ولم يفسد صومه)، قال الشارح حفظه الله: أي إذا ذرعه القيء وغلبه فلا يفسد صومه، لأنه لا اختيار له.
قال المصنف علينا وعليه رحمة الله: ومن أكل يظنه ليلا فبان نهارا فعليه القضاء.
شرح الشيخ:
قف على هذا.