بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة نداء عام إلى العالم الإِسْلَامِي من علماء بلد الله الحرام في معتقد أهل الإِسْلَامِ.
(المتن)
بسم الله الرحمن الرحيم, والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
جاء في النداء العام من علماء بلد الله الحرام في بيان معتقد أهل الإسلام: الثاني: ونعتقد أن عبادة غير الله شرك أكبر، وأن دعاء غير الله من الأموات والغائبين وحبه كحب الله، وخوفه ورجائه، ونحو ذلك شرك أكبر، وسواء دعاه دعاء عبادة أو دعاء استعانة في شدة أو رخاء، فإن الدعاء مخ العبادة، وسواء دعاه لجلب النفع، أو دفع الضر، أو دعاه لطلب الشفاعة، أو ليقربه إلى الله، أو دعاه تقليدًا لآبائه وأسلافه أو لغيرهم.
(الشرح)
قرأنا هذا.
(المتن)
ثالثًا: وإن اعتقاد أن لشيء من الأشياء سلطانًا على ما خرج عن قدرة المخلوقين شرك أكبر.
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين, قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
الثالث من المعتقد (وإن اعتقاد أن لشيء من الأشياء سلطانًا على ما خرج عن قدرة المخلوقين شرك أكبر) يعني: من اعتقد أن هناك شيئًا من الأشياء له سلطان يخرج عن قدرة المخلوقين.
كأن يعتقد مثلًا أن الجن أو مثلًا الملائكة أن لهم تصرف في الكون أو أنهم يستطيعون أن يخلقوا شيًئًا أو أنهم يستطيعون أن يضرون أو أن يضروا أحدًا أو ينفعوا أحدًا كل هذا خارج عن سلطان البشر, من اعتقد أن لشيء من الأشياء سلطان على ما خرج عن قدرة المخلوقين فهذا شرك أكبر.
مثل كأن يعتقد أن الجن يتصرفون في الكون أو ينفعون ويضرون أو يعتقد أن الملائكة يتصرفون في الكون أو يضرون وينفعون أو يجلبون نفعًا أو يدفعون ضرًا كل هذا خارج عن سلطان البشر وعن قدرة المخلوقين.
فمن اعتقد هذا لأحد من البشر فهو مشرك كافر, حتى لو اعتقد أن جبريل يستطيع أن ينفع ويضر أو محمد ينفع ويضر أو أن محمد يستحق العبادة أو أن جبريل يستحق العبادة أو أن محمد يستطيع أن يخلق شيئًا أو جبريل يخلق شيئًا من الـأشياء.
حتى ولو يخلق ذرة أو حبة أو شعيرة فهذا شرك أكبر لأن هذا من خصائص الله, الله تعالى هو الذي يخلق وهو الذي يرزق أو يعتقد أن هناك أحد يرزق أو ينفع أو يضر هذه كلها خارجة عن قدرة المخلوقين ولا يقدر عليها إلا الله.
فمن اعتقد أن أحد من المخلوقين ينفع أو يضر أو يخلق أو يرزق أو يحيي أو يميت أو يدبر شيئًا أو يشفي مريضًا أو يُغني فقيرًا أو يُفقر غنيًا أو يُعز ذليلًا أو يُذل عزيزًا من اعتقد أن هناك أحد من المخلوقين يفعل شيئًا من ذلك فهو مشرك؛ لأن هذا من خصائص الله لأنه سواه بالله والشرك هو تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله وهذا شرك في الربوبية, أعظم من الشرك في الألوهية.
فلا أحد يستطيع ينفع أو يضر أو يخلق أو يرزق أو يحيي أو يميت أو يضر أو ينفع أو يجلب نفعًا أو يرفع ضرًا أو غير ذلك مما هو من خصائص الله من اعتقد أن أحد من المخلوقين حتى لو كان من الملائكة حتى لو كان نبينا r فإنه يكون مشركًا.
(المتن)
قالوا رَحِمَهُم اللهُ تَعَالَى: الرابع: وأن من عظم غير الله مستعينًا به فيما لا يقدر عليه إلا الله كالاستنصار في الحرب بغير قوة الجيوش، والاستشفاء من الأمراض بغير الأدوية التي هدانا الله لها، والاستعانة على السعادة الأخروية أو الدنيوية بغير الطرق والسنن التي شرعها الله لنا يكون مشركا شركًا أكبر.
(الشرح)
الرابع: (وأن من عظم غير الله مستعينًا به فيما لا يقدر عليه إلا الله) فإنه يكون كافرًا يكون مشركًا إذا عظم أحدًا من المخلوقين, عظم أحدًا من الملائكة أو من الجن أو من الإنس واستعان به في أمر لا يقدر عليه إلا الله فإنه يكون مشركًا شركًا أكبر.
(كالاستنصار في الحرب بغير قوة الجيوش) يستنصر في الحرب, يقول: يا رسول الله انصرنا على عدونا, أو يستنصر بالجن أو بالملائكة فهذا يكون كافرًا, لكن الإنسان يفعل الأسباب الحسية التي أعطاه الله, قوة يستنصر يقول: يا فلان أعنا أمدنا بجيش, ساعدنا أمدنا بالجيش على عدونا لا بأس.
أما أن يستنصر به في أن ينصر بأمر خفي فهذا من الشرك, كأنه يقول: يا رسول الله انصرنا على عدونا, يا جبريل, يا فلان, يا عبد القادر الجيلاني يا بدوي يا فلان انصرنا على عدونا, فهذا شرك أكبر.
وكذلك (والاستشفاء من الأمراض بغير الأدوية التي هدانا الله لها) يستشفي من الأمراض بشيء خفي يطلب الشفاء بشيء خفي إن فلان يعتقد أن فلان بسره يشفي المريض, ولكن الاستشفاء يكون بالإتيان بالأدوية الحسية التي نعرفها والتي هداها الله البشر لا بأس, عقاقير عند الأطباء تعالج يطلب الشفاء من الله, يعتقد أنها سبب لا بأس يستشفي بالأدوية التي هي مباحة مشروعة.
أما أن يستشفي من الأمراض بأمر خفي, بفلان وفلان يعتقد أنه يشفي المريض أو فلان من الجن أو من الإنس أو من الملائكة أو غير ذلك فهذا من الشرك الأكبر لأنه لا يشفي إلا الله, أما فعل الأسباب كالعلاج عند الأطباء والعلاج بالأدوية العربية أو الأعشاب وغير ذلك مما هداها الله للبشر على أنها سبب والشفاء بيد الله فهذا مشروع.
(والاستعانة على السعادة الأخروية أو الدنيوية بغير الطرق والسنن التي شرعها الله لنا), (الاستعانة على السعادة الأخروية) السعادة الـأخروية تستعين بالعمل الصالح, السعادة في الآخرة طريقٌ, السعادة هو العمل الصالح توحيد والإيمان بالله U.
والعمل الصالح أداء الواجبات وترك المحرمات والوقوف عند حدود الله, هذا هو طريق السعادة, السعادة في الآخرة والحصول على الجنة, إنما يحصل بالتوحيد والإيمان بالله U وأداء الواجبات وترك المحرمات والوقوف عند حدود الله, هذا هو طريق النجاة من اعتقد أن طريق النجاة أن يأتي إلى الشيخ الفلاني أو الصوفي الفلاني وصاحب القبر هو الذي يعطيه السعادة أو يطلب منه السعادة.
أو يطلب أن يدخله الجنة أو يسأله أن ينجيه من عذاب النار أو أن يسأله أن يشفي مريضه فهذا من الشرك الأكبر.
(المتن)
قالوا رَحِمَهُم اللهُ تَعَالَى: الخامس: وأن الشفاعة مِلكٌ لله وحده ولا تكون إلا لمن أذن الله له: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى}[النجم/26], ولا يرضى الله إلا عمن اتبع رسله فنطلبها من الله مالكها فنقول: اللهم شفع فينا نبيك مثلًا، ولا نقول: يا رسول الله اشفع لنا، فذلك لم يرد به كتاب ولا سنة ولا عمل سلف ولا صدر ممن يوثق به من المسلمين.
فنبرأ إلى الله أن نتخذ واسطة تقربنا إلى الله، أو تشفع لنا عنده فنكون ممن قال الله فيهم وقد أقروا بربوبيته وأشركوا بعبادته: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}[يونس/18].
وحكى الله عنهم قولهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر/3], أو نكون ممن قلدوا آباءهم في أصل الدين، فكانوا أضل من الأنعام.
وهم الذين قال الله فيهم: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ}[الزخرف/22], فوصفهم بقوله: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}[الفرقان/44], إذ عطلوا تلك المواهب التي أُودعت فيهم، ولو تخلوا بأنفسهم برهة أطلقوا فيها لتلك المواهب صراحها لأدركت من آيات الله ما يرشدهم إلى سواء السبيل.
(الشرح)
الخامس؛ اعتقاد أن الشفاعة ملك لله تُطلب من الله ولا تكون إلا بشرطين:-
فالشفاعة ملك لله لا يملكها أحد لا الرسول r ولا غيره, قال الله تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا}[الزمر/44], {لِلَّهِ}[الزمر/44], اللام للملك, يعني: لله ملك الشفاعة: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}[الزمر/44].
فلابد من أن يعتقد المسلم أن الشفاعة ملك لله ليس ملك لنبي ولا لملك ولا غيره ولا تُطلب إلا من الله لا تُطلب من الرسول r ولا من غيره, فأنت تطلبها من الله, الرسول r يشفع لكنه لا يبدأ بالشفاعة أولًا وإنما يأتي كما ثبت في الحديث الصحيح عنه r أنه يوم القيامة لا يبدأ بالشفاعة أولًا.
- الشفاعة لها شرطان:
الشرط الأول: إذن الله للشافع أن يشفع.
الشرط الثاني: رضا الله عن المشفوع له.
فلا يستطيع أحد أن يشفع عند الله ولو كان وجيهًا, أشد الناس وجاهة أعظم الناس وجاهة نبينا r ومع ذلك لا يستطيع أن يشفع حتى يأتي الإذن من الله U وإذا قال الله عن موسى: {وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا}[الأحزاب/69].
فنبينا r أعظم وجاهة, ومع ذلك فنبينا r يوم القيامة هو الشافع المشفع في المحشر لكنه لا يبدأ بالشفاعة أولًا حتى يأتي الرد من الله U, يأتي الإذن من الله U ثم أَيْضًا لا يشفع في أحد حتى يرضى الله U قوله وعمله.
والله لا يرضى إلا التوحيد, فمن كان قوله وعمله التوحيد رَضِيَ الله أن يُشفع فيه, ومن كان عمله الشرك فلا يرضى أن يشفع له, فنبينا r كما ثبت في الحديث عنه r أنه قال: «يأتي يوم القيامة حينما يقف الناس بين يدي الله للحساب وتدنو الشمس من الرؤوس ويُزاد في حرارتها ويموج الناس بعضهم إلى بعض فيأتون الأنبياء يطلبون منهم الشفاعة, يأتون آدم فيعتذر ثم يأتون نوح فيعتذر, ثم يأتون إبراهيم فيعتذر, ثم يأتون موسى فيعتذر, ثم يأتون عيسى فيعتذر, ثم يأتوا النبي r, فيقول: أنا لها, أنا لها».
ماذا يعمل r هل يشفع مباشرة؟ لا يشفع, قال r: «ثم أذهب أسجد تحت العرش, فيفتح الله عليه بمحامد يلهمونيها في ذلك الموقف لا يحسنها من هو في دار الدنيا» يفتح الله المحامد فيحمد الله ويمجد الله ويتضرع لله U.
ولا يزال ساجدًا متضرعًا معظمًا لله U حتى يأتي النداء من الرب U, فيقول الله: «يا محمد ارفع رأسك وسل تُعطى, واشفع تُشفع», هذا الإذن, «يا محمد ارفع رأسك وسل تُعطى واشفع تُشفع, فيقول: يا ربِ أسألك أن تقضي بين عبادك, فيشفعه الله فيقضي الله بين العباد».
هذا المقام المحمود الذي يغبطه فيه الأولون والآخرون وإذا شفع في العصاة الذين دخلوا النار من أهل التوحيد يحد الله له حدًا بالعلامة يخرجهم من النار, من كان فيه وصف كذا وكذا يخرج من النار علامة هذا الشرط الثاني, الشفاعة لها شرطان: إذن الله للشافع أن يشفع والثاني رضا الله عن المشفوع له.
دليل الشرطان قول الله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}[البقرة/255], هذا الشرط الأول.
والشرط الثاني قوله تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}[الأنبياء/28].
قد جمع الله بين الشرطين في قوله تعالى في سورة النجم: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى}[النجم/26].
فيقول رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (فنطلبها من الله مالكها فنقول: اللهم شفع فيّ نبيك مثلًا، ولا نقول: يا رسول الله اشفع لنا) لأن هذا شرك لا تدعو الرسول ادعو الله, ادعو مالكها، الرسول r يُعطاها, يعطيه الله إياه فأنت تطلبها مما يُعطاها أو تطلبها من مالكها؟!
فتقول: يا ربي شفع في نبيك, اللهم شفع في نبيك ولا تقول: يا رسول الله اشفع لي لأن هذا دعاء لغير الله ومن دعا غير الله فقد أشرك, قالوا رَحِمَهُم اللهُ تَعَالَى: (ولا نقول: يا رسول الله اشفع لنا, فذلك لم يرد به كتاب ولا سنة ولا عمل سلف ولا صدر ممن يوثق به من المسلمين, فنبرأ إلى الله أن نتخذ واسطة تقربنا إلى الله، أو تشفع لنا عنده فنكون ممن قال الله فيهم وقد أقروا بربوبيته وأشركوا بعبادته).
{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}[يونس/18], هؤلاء المشركون, المشركون يعبدون من دون الله يعني: يدعونهم من دون الله ويذبحون لهم: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ }[يونس/18].
كذبوا أكذبهم الله, قال تعالى: {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ}[يونس/18], قل أتعلمون الله بدينكم, تقول: اشفع لنا والله تعالى لا يعلم أن له شريكًا, فلا يعلم أن له سبحانه وتعالى شريكًا أو شفيعًا بغير إذنه.
{قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ}[يونس/18], هو لا يعلم سبحانه أنهم شفعاء, فالأصنام والأوثان والأحجار والأموات والأشخاص لا يشفعون, الشفاعة تُطلب من الله, تطلبها من الله تقول: اللهم شفع في نبيك, وقال: نبرأ إلى الله من فعل المشركين, الذين أقروا بربوبية الله وأشركوا بعبادته.
قال تعالى عنهم:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}[يونس/18], وحكى الله عنهم قولهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر/3], هل هو صادق في هذا؟
لا, بل هم كذبة كفرة أكذبهم الله بهذه المقالة وكفرهم, ما هي المقالة؟ يقولون: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}[يونس/18], يعبدون الأصنام والأوثان والأحجار.
{وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}[يونس/18].
{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر/3].
إذا قلت لهم لِمَاذَا تعبدون الأصنام؟ يقولون: {لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر/3].
الله تعالى كذبهم وكفرهم, قال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}[الزمر/3].
هم كفرة كذبوا في فقولهم أنهم يقربونهم إلى الله وهم كفرة بهذا العمل حيث أشركوا بالله ودعوا غيره, (أو نكون ممن قلدوا آباءهم في أصل الدين، فكانوا أضل من الأنعام) الذين يقلدون آباءهم في أصل الدين, أصل الدين التوحيد العبادة, العبادة قلدوا آباءهم لما رأوا آبائهم يعبدون الأصنام عبدوا مثلهم, أصل الدين ما فيه تقليد.
لأبد يكون عندك علم وبصيرة, تعرف من تعبد, ما تكون كالأنعام تغمض عيناك وتتبع آباءك وأجدادك في الباطل, انظر ما عليه الآباء والأجداد إن كانوا على حق اتبعهم, إن كانوا على باطل اتركهم, أهل الجاهلية ماذا يعملون؟ يتبعون آباءهم في الضلال, يتبعون آباءهم بالباطل, قالوا ماذا يقولون: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ}[الزخرف/22].
ماشيين على آثارهم, على دينهم الباطل الشرك نبرأ إلى الله أن نكون ممن قلدوا آباءهم في أصل الدين فكانوا أضل من الأنعام وهم الذين قال الله فيهم: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ}[الزخرف/22], فوصفهم بقوله: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}[الفرقان/44].
فهم كالأنعام الإبل والبقر والغنم: {بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}[الفرقان/44], أضل طريقًا من الأنعام, لِمَاذَا؟{وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}[الفرقان/41-44], هذا نص المشركون.
أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون؟ لا يسمعون ولا يعقلون, يسمعون سماع دنيوي, سماع معيشي, لكن لا يسمعون الحق, ويعقلون أمور دنياهم, ولكن لا يعقلون الحق: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ}[الفرقان/44].
كالبهائم, البهائم ماذا تعمل؟ تأكل وتشرب وليس عندها زيادة عن ذلك, قال الله: {بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}[الفرقان/44], لِمَاذَا؟
لأن الأنعام تسبح الله ما عصت ربها تأكل وتنعم وتأكل وتشرب حتى تموت وليس عليها حساب ولا عقاب, يَقُولُ الله: كوني ترابًا.
أما ابن آدم يأكل ويشرب ويعبد غير الله ثم يُبعث يوم القيامة تكون له جنة وله نار, فالكافر أضل من البهائم, البهائم سبحت ربها وعرفت مرعاها وسلمت من العذاب وهذا لم يعبد ربه بل عبد الشيطان فصار أضل من الأنعام, الأنعام أحسن حال منه ما عبدت وسبحت إلا الله.
أما هو عبد الشيطان: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}[الفرقان/44].
(إذ عطلوا تلك المواهب التي أوُضعت فيهم) عطلوا عقولهم وعطلوا أسماعهم وعطلوا أبصارهم فلم يعقلوا ولم يسمعوا ولم يبصروا شيء ينفعهم وإنما عقلوا وسمعوا وأبصروا شيئًا يضرهم.
قال: (ولو تخلوا بأنفسهم برهة أطلقوا فيها لتلك المواهب صراحها لأدركت من آيات الله ما يرشدهم إلى سواء السبيل) لو أطلقوا لأنفسهم برهة وتأملوا وأطلقوا هذه المواهب التي أعطاها لهم الله, عقل وسمع وبصر لأدركت هذه العقول من آيات الله ما يرشدهم إلى الحق.
(المتن)
قالوا رَحِمَهُم اللهُ تَعَالَى: سادسا: و نتوسل إلى الله، أي نتقرب إليه بطاعته، وهو معنى الوسيلة في القرآن، ونطلب الوسيلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد في الحديث الصحيح: «من قال حين يسمع النداء, اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد، حلت له شفاعتي».
وورد تفسير هذه الوسيلة في حديث: «سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون ذلك العبد» وأما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بِعَمِّ نبينا فاسقنا».
فتوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم وهو خاص بحال حياته، ولهذا عدل عمر رضي الله عنه بعد مماته صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بدعاء عمه العباس، والتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة يكون بشفاعته، وأما التوسل بمعنى غير ذلك فليس بشرعي .
(الشرح)
السادس قال: (ونتوسل إلى الله، أي نتقرب إليه بطاعته، وهو معنى الوسيلة في القُرْآنَ) التوسل يعني: التقرب إلى الله بطاعته, قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المائدة/35], معنى: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}[المائدة/35], اطلبوا إليه القرب بطاعته.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}[المائدة/35], {وَابْتَغُوا}[المائدة/35]؛ اطلبوا, {الْوَسِيلَةَ}[المائدة/35]؛ القرب إلى الله بطاعته, إِذًاْ الوسيلة لا تقوم بأي شيء؟ بطاعته بالعمل وبالتوحيد, التوسل إلى الله بالتوحيد, التوسل لله بعملك الصالح.
كما جاء في الحديث: «اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لَا إِلَهَ إِلَّا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحدًا, اللهم إني أسألك بأنك لك الحمد أنت المنان بديع السماوات والأرض», هذا توسل بأي شيء؟ توسل بالتوحيد.
وكذلك التوسل بالأسماء والصفات, أسماء الله وصفاته, قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأعراف/180], هذا توسل بالعمل الصالح من ذلك, الثلاثة الذين من بني إسرائيل الذين أووا إلى غار في جبل فانطبقت عليهم الصخرة.
فتوسلوا إلى الله بأعمالهم الصالحة كما ثبت في الصَّحِيْحَيْنِ وغيرهم, أحدهم توسل إلى الله ببره لوالديه, والثاني توسل بعفته على الفاحشة, والثالث توسل إلى الله بأمانته, توسلوا إلى الله بأعمالهم الصالحة ففرج الله كبرتهم, وكذلك التوسل إلى الله بضعف الإنسان وحاله كما أخبر الله عن موسى أنه قال: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}[القصص/24], يعني: محتاج إليه.
إِذًاْ التوسل الشرعي يكون توسل إلى الله بالتوحيد, التوسل إلى الله بالأسماء الحسنى, التوسل إلى الله بالصفات العلا, التوسل إلى الله بدعاء الحي الحاضر, التوسل إلى الله بالعمل الصالح, التوسل إلى الله بفقرك وحاجتك هذا التوسل, التوسل المشروع.
ولهذا قالوا: (ونتوسل إلى الله, أي نتقرب إليه بطاعته، وهو معنى الوسيلة في القُرْآنَ) معنى الوسيلة في القُرْآنَ, القرب إليه بطاعته كما في آية المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المائدة/35].
{وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}[المائدة:35], اطلبوا إليه القرب بطاعته, التقرب إليه بطاعته, قالوا: (ونطلب الوسيلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم) كما ورد في الحديث الصحيح ما معنى: نطلب الوسيلة؟ نطلب القرب إلى الرسول من ربه, نطلب للرسول ندعو له, يعني: ندعو للرسول ونسأل له الوسيلة, يعني: أن يثيبه الله وأن يرزقه الوسيلة.
والوسيلة بيت في الجنة, بيت النبي r أعلى بيت في الجنة هو بيت الرسول r, كما ورد في الحديث الصحيح: «من قال حين يسمع النداء, اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة آت محمدًا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته»، قال النبي r: «من قال هذا الدعاء, حلت له شفاعتي يوم القيامة».
وورد تفسير هذه الوسيلة في حديث: «سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون ذلك العبد», الوسيلة إِذًاْ من هي؟ درجة في الجنة بيت الرسول r بيته أعلى الْجَنَّة سقفه عرش الرحمن.
فأنت تقول: «آت محمد الوسيلة», آته هذه الدرجة الرفيعة والبيت العالي الذي هو أعلى بيت في الجنة وسقفه عرش الرحمن, «آت محمد الوسيلة», بعض العامة يزيد والدرجة الرفيعة, هذا خطأ الوسيلة هي الدرجة الرفيعة وهي بيت النبي r في الجنة, «وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته», هذا اللي ورد في الصَّحِيْح.
أما زيادة, (إنك لا تخلف الميعاد) فهذه زادها البيهقي ولكن المحققون من أهل العلم على أنها شاذة إنك لا تخلف الميعاد, شاذة لأنها لم ترد في الحديث الصحيح, زادها البيهقي وإن كانت صحيحة إلا أنها شاذة, إنك لا تخلف الميعاد.
قالوا رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وأما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بِعَمِّ نبينا فاسقنا, فتوسل بدعائه) يعني: لو قال إنسان إن الصحابة توسلوا بالنبي r ؟ نقول توسلوا بأي شيء؟ توسلوا بالنبي توسلًا بدعائه.
العباس عم النبي r لما تُوفي النبي r كان الناس في عهد النبي r إذا أجدبوا وأصابهم القحط والجدب يتوسلون بالنبي r, يعني: يتوسلون بدعائه, يقولون: يا رسول الله أجدبت المطر, ادعو الله أن يسقينا فيدعو الله وهم يؤمنون هذا توسل بدعائه.
في الحديث الصحيح, حديث أنس: «أن رجلٌا دخل والنبي r يخطب في الجمعة قال يا رسول الله هلك الزرع وأجدبت البلاد, فسل الله أن يسقينا, فرفع يده وقال: اللهم أغثنا, اللهم أغثنا, فما أتم خطبته حتى نزل المطر», حتى تحدر الماء من لحيته r.
واستمر المطر أسبوعًا كاملًا حتى جاءت الجمعة الثانية, فدخل ذلك الرجل وغيره قال: يا رسول الله تهدمت البيوت, فادعو الله أن يُمسكها عنا, فقال النبي r: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ، وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَر, فَأَقْلَعَتْ الماء،» وأمسكت الماء عن المدينة وصارت تمطر حولها ولا تمطر على المدينة.
صارت كالجوبة كأنها دائرة, دائرة على المدينة ما يأتيها مطر والمطر من حولها, فأجيب دعاء النبي r في الخطبة الأولى في الاستسقاء والخطبة الثانية بالاستصحار, فهذا توسل بأي شيء؟ توسل بدعائه وهو حي, يقولون: يا رسول ادعُ الله لنا, فيدعوا وهم يؤمنون, فلما مات r وحصل الجدب, ماذا عملوا؟ هل ذهبوا للنبي r قالوا: يا رسول الله اسقنا, نتوسل إليك وهو في قبره؟ لا, ذهبوا إلى عمه العباس.
وقال عمر للعباس ادعُ الله, فقال عمر: «اللهم إن كنا إذا جدبنا, نتوسل إليك بنبينا» يعني: في حياته, «فتسقينا وإن نتوسل إليك بعمى نبينا r, قم يا عباس فادعو الله» فقام العباس يدعو الله وهم يؤمنون, إِذًاْ توسلوا بأي شيء؟ توسلوا بدعاء العباس, فلو كان توسل الصحابة بذات النبي r لتوسلوا إليه وهو في قربه ذاته موجودة.
لكن لما عدلوا عن النبي r للعباس دل على أن التوسل بدعائه, والنبي r مات لا يدعو لأحد, ولو كان توسل بذاته لتوسلوا إليه وهو في قبره, لأن ذات النبي أوجه من ذات العباس.
ولهذا قال: (فتوسل بدعائه وهو خاصًا بحال حياته, ولهذا عدل عمر t بعدما مماته إلى التوسل بدعاء عم العباس, والتوسل بالنبي r يكون بشفاعته) يوم القيامة يتوسل الناس بالنبي r لكن حي وهو حي حاضر, يقول: يا رسول الله اشفع لنا, حي حاضر ما هو ميت يوم القيامة فيقول: «أنا لها أنا لها, فيذهب ويسجد تحت العرش حتى يأتي الإذن من الله فيشفع r», فَإِذًاْ التوسل بدعاء النبي r يكون في الدنيا قبل وفاته ويكون في الآخرة بعد بعثه.
وأما في البرزخ لا نتوسل إليه ولا نطلب منه شيء, ولهذا قال: (والتوسل بالنبي r يوم القيامة يكون بشفاعته, وأما التوسل بمعنى غير ذلك, فليس بشرعي) التوسل بذاته الشخصي هذا بدعة, توسلك بفلان يعني: بذاته أو بحرمة فلان أو بجاه فلان هذا كله من البدع, التوسل بذاته أو حرمته أو شفاعته أو جاهه هذا بدعة.
وأما التوسل بدعاء الأموات هذا شرك والتوسل بالذبح للأموات شرك, والتوسل بالنذر للأموات شرك, التوسل بالطواف بالقبور والتقرب إليهم شرك.
(المتن)
وزيارتنا القبور دعاء للموتى وادِّكار للآخرة، وحسبنا أن نلقي عليكم ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه أصحابه ليقولوه إذا زاروا القبور: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم».
(الشرح)
يقول رحمه الله: (وزيارة القبور دعاء للموتى وادِّكار للآخرة) يعني: زيارة القبور حينما يزور المسلم القبور يستفيد فائدتان:-
الأولى: فائدة للحي.
الثانية: فائدة للميت.
ما هي فائدة الحي؟ يتذكر الموت ويرق قلبه, وفائدة للميت؟ الدعاء له.
إِذًاْ زيارة المسلم للقبر فيها فائدتان, فائدة للحي بأن يتعظ ويتذكر الموت فيرق قلبه, وفائدة للميت بأن يدعو له ويستغفر له, هذه الفائدة من القبور.
- أما زيارة الشركية, فيأتي المصنف رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى الزيارة أقسام:
- زيارة بدعية.
- زيارة شركية.
- زيارة شرعية.
قال: (وحسبنا أن نلقي عليكم ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه أصحابه ليقولوه إذا زاروا القبور) هذا دعاء زيارة القبور: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم) هذا دعاء الميت.
إذا زرت قبر تقول: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين) حتى لو كنت مار في المقبرة تدعو بهذا الدعاء, (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم).
أما إذا زرت قبر ميت بعينه تسلم عليه, تقول: السلام عليك يا فلان ورحمة الله وبركاته غفر الله لك ورحمك.
(المتن)
قالوا رَحِمَهُم اللهُ تَعَالَى: واعلموا أن زيارة القبور على ثلاثة أنواع: شرعية، وبدعية، وشركية.
فالشرعية: هي التي يقصد بها تذكر الآخرة، والدعاء للميت، واتباع السنة.
والبدعية: هي التي يقصد بها عبادة الله عند القبور، كما يفعله جهلة الناس، لظنهم أن للعبادة عندها مزية على العبادة في المساجد التي هي أحب البقاع إلى الله، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث النهي عن الصلاة عند القبور، واتخاذها مساجد .
والشركية: هي التي يقصد بها تعظيم القبور، ودعاؤها، أو الذبح لها، أو النذر لها، أو غير ذلك من العبادات التي لا تصلح إلا لله، فهذه حقيقة الشرك، والأدلة عليه كثيرة جدًا, وقد تقدم بعضها.
(الشرح)
- الزيارة ثلاث أنواع:
- زيارة شرعية.
- زيارة بدعية.
- زيارة شركية.
قال المؤلف رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (الزيارة الشرعية: هي التي يقصد بها تذكر الآخرة، والدعاء للميت، واتباع السنة) الزيارة الشرعية يُقصد قلنا: أمران:-
الأمر الأول: تذكر الآخرة, يرق قلب الحي ويتذكر الآخرة.
الأمر الثاني: الدعاء للميت والاستغفار له, وبهذا تكون متبع للسنة في هذا, فأنت تدعو للميت تقول: اللهم اغفر له, اللهم ارحمه, اللهم تولاه برحمتك, اللهم أدخله الجنة, اللهم احفظه من عذاب القبر والنار.
وإذا كان قريبًا لك, تقول: السلام عليك يا فلان, السلام عليك يا أبي يا والدتي ورحمة الله بركاته غفر الله لكِ ورحمكِ الله, اللهم اغفر لها وارحمها اللهم ارحمه, اللهم أدخله الجنة, اللهم اعفه من عذاب القبر وعذاب النار, نَسأَلُ اللهَ أن يغفر له وهكذا, هذه اسمها الزيارة الشرعية تدعو للميت فيستفيد, تستغفر له وأنت يرق قلبك وتتذكر الآخرة.
هذه زيارة شرعية, يُقصد منها تذكر الآخرة والدعاء للميت واتباع السنة, الثاني الزيارة البدعية: (وهي التي يقصد بها عبادة الله عند القبور، كما يفعله جهلة النَّاس) عبادة الله عند القبر يزور القبر ثم يصلي ركعتان لله في المقبرة هذه بدعة ولا تصح الصلاة في المقبرة, يقول: أنا أصلي لله, تمنعني أن أصلي لله؟ تقول: نعم أمنعك المكان هذا ما يصلح للصلاة فِيه, روح للمسجد صلي لله في البيت, تصلي عند القبر هذه وسيلة للشرك لا يجوز, أو يجلس عند القبر يقرأ القُرْآنَ.
يقول: أنا أجلس أقرأ جزء أو جزأين أو ثلاثة عند القبر هذه بدعة, أنا أعبد الله, تعبد الله في المكان هذا لا يصلح, بدعة وسيلة للشرك روح اقرأ القُرْآنَ في المسجد أو في البيت, وما أشبه ذلك, فهذه الزيارة البدعية يعبد الله عند القبر كما يفعل بعض الجهال, يقرأ القُرْآنَ أو يصلي أو يدعو يرفع يديه يدعو عند القبر.
تقول لِمَاذَا تدعو؟ قال: أدعو الله في داخل المكان هذا, ما هو مكان للدعاء اذهب للمسجد أو في البيت ادعو الله, هذا المكان ما تجوز فيه العبادة لله وسيلة للشرك, هذه الزيارة بدعة هذه الزيارة ليست شركا ولكنها بدعة, (التي يُقصد بها عبادة الله عند القبور كما يفعله جهلة الناس لظنهم أن للعبادة عندها مزية على العبادة في المساجد التي هي أحب البقاع إلى الله) هكذا بعض الجهال يظنون أن الصلاة في المقبرة وقراءة القُرْآنَ في المقبرة والدعاء في المقبرة لها فضل زيادة على الصلاة في المسجد والدعاء في المسجد وهذا من جهلهم.
المساجد أحب البقاع إلى الله, اذهب للمسجد صل في المسجد ادعو الله في المسجد, اقرأ القُرْآنَ في المسجد أو في البيت.
(وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث النهي عن الصلاة عند القبور، واتخاذها مساجد).
ثبت في الحديث عن النبي r أنه قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبياؤهم وصالحيهم مساجد, ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك» لعن من اتخذوا القبور مساجد, ثانيًا قال: «لا تتخذوا القبور مساجد» النهي ثم قال: «فإني أنهاكم عن ذلك».
- فيكون المنع من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أنه لعن من يتخذوا القبور مساجد.
الوجه الثاني: أنه قال: «لا تتخذوها» نهي.
الوجه الثالث: أنه أتى بالفعل قال: «فإني أنهاكم عن ذلك», في الحديث يقول: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبياؤهم وصالحيهم مساجد, ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك».
أما الزيارة الشركية: (فهي التي يُقصد فيها تعظيم القبور ودعاؤه أو الذبح لها أو النذر لها) الشركية هي التي يُقصد منها تعظيم الميت ويفعل عنده شرك, يصرف له نوع من أنواع العبادة للميت, يعطيه العبادة, العبادة حق الله, لا يستحقها أحد.
لا يستحق العبادة الرسول r ولا يستحقها جبريل, العبادة حق الله, لا تخلط بين الحقوق حق الله العبادة والتوحيد وحق الرسول r التعظيم والطاعة والمحبة والإجلال والتبجيل وتقديم محبته على محبة الوالدين والنفس والناس أجمعين.
لكن لا نعبده ما نعبد الرسول r الرسول نبي كريم ونطيعه في أوامره ننتهي عن نواهيه نصدقه في أخباره, نعبد الله بما شرعه, نحبه أعظم من محبتنا لأنفسنا وأولادنا, لكن لا نعطيه العبادة, العبادة حق الله, فالله حقه العبادة والطاعة, طاعة مشتركة حق لله وللرسول وأما العبادة حق الله والرسول حقه الطاعة والتعظيم والمحبة والاتباع.
وغير ذلك من حقوق طاعته وتصديقه في أخباره واجتناب ما نهى عنه والتعبد لله بما شرع, فهذه الزيارة الشركية يعني: هي التي يُقصد بها تعظيم القبور ودعاؤه أو الذبح لها أو النذر لها, الزيارة الشركية يعني يزور الميت ثم يدعوه من دون الله, يقول: يا فلان أغثني, يا رسول الله أغثني, يا عبد القادر الجيلاني, يا بدوي, يا عيدروس, يا ابن علوان مدد, مدد مدد يا بدوي مدد يا دسوقي هذا شرك.
المدد تطلبه من الله, مدد من الله تقول: مدد يا دسوقي مدد يا علوان هذا شرك, اطلب المدد من الله ادعو الله أو يزروه ويذبح عنده للميت, يذبح ذبيحة يتقرب بها إلى الميت هذا شرك, أو ينذر له تقول: نذر أن يفعل كذا وكذا للميت, نذر على روح الميت أو يطوف بقبره تقربًا إليه أو يصلي للمقبور أَيْضًا كل هذا شرك هذه الزيارة الشركية.
ولهذا قال: (والشركية هي التي يُقصد بها تعظيم القبور ودعاؤها أو الذبح لها أو النذر لها أو الطواف بقبره أو غير ذلك من العبادات التي لا تصح إلا لله فهذه حقيقة الشرك والأدلة عليها كثيرة جدًا وقد تقدم بعضها).
يسأل سائل عن الزيارة الشرعية للمرأة؟ فيه خلاف لكن الصواب من القول أن المرأة لا تزور القبور, الرسول r نهى أولًا الرجال والنساء جميعًا ثم جاءت الرخصة للرجال والنساء فقال: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة» ثم نهى النساء في قوله r: «لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج» وفي لفظ زُوارات القبور.
(المتن)
قالوا رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: الثامن: والبناء على القبور بدعة، وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فأمره أن لا يدع قبرًا مشرفًا إلا سواه بالأرض، وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي الهياج الأسدي أنه قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «إني لأبعثك إلى ما بعثني به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع تمثالًا إلا طمسته ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته» وهذا الحديث رواه مسلم في الصحيح.
(الشرح)
الثامن: (والبناء على القبور بدعة) حينما يُبنى قبة على القبر هذا من البدع ومن وسائل الشرك, وكذلك أَيْضًا من البدع جعل الرياحين عند القبور أو الزهور أو تجصيص القبر أو تبخيره بالبخور والورود, والأطياب كل هذا من وسائل الشرك وكذلك الكتابة عليه.
كل هذا من وسائل الشرك, نهى النبي r أن يُبنى على الميت في قبره وأن يجصص القبر وكذلك الكتابة والأرقام كل هذا منهيًا عنه من وسائل الشرك, وكذلك أَيْضًا رفعه أكثر من شبر, يعني: يوضع التراب عليه بمقدار شبر لا يُرفع أكثر من شبر, ولهذا بعث النبي r علي بن أبي طالب فأمره أن لا يضع قبرًا مشرفًا يعني: مرتفع, إلا سواه بالأرض.
قال علي بن أبي طالب لأبي الهياج الأسدي: (إني لأبعثك على ما بعثني به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع تمثالًا إلا طمسته ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته) تمثال أو صورة طمسته وهذا معناه يكون ماذا؟ إما في القماش أو في الورق, فدل على أن الصور محرمة ولو يكون لها ظل لأن اللي في القماش أو في الورق ما لها ظل, فالصور محرمة سواء لها ظل أو ليس لها ظل صور ذوات الأرواح, يقول: (لا تدع صورةً إلا طمستها) صورة نكرة في سياق النهي تعم, تشمل الصورة المجسمة أو الغير مجسمة, فوتوغرافية أو ليست فوتوغرافية, رُسمت في ورق أو في قرطاس أو في قماش أو على جدار أو في مجسم.
كلها محرمة يجب طمسها وإزالتها, أن لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبر مشرفًا إلا سويته.
(المتن)
قالوا رَحِمَهُم اللهُ تَعَالَى: والحلف بغير الله منهي عنه، ويكفي أن نسرد عليكم شيئًا مما ورد فيه، قال صلى الله عليه وسلم : «من حلف بغير الله فقد أشرك» وفي لفظ: «فقد كفر».
وقال صلى الله عليه وسلم: «من كان حالفًا فليحلف بالله» وقال عليه السلام: «لا تحلفوا بآبائكم فَإِن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم» {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور/63].
(الشرح)
الحلف بغير الله منهي عنه, وهو من الشرك, كأن يحلف بالنبي, يقول: والنبي أو يحلف يقول: وحياتك أو ولحيتك أو وشرفك أو وأبيك هذا شرك لكنه شرك أصغر لا يخرج من الملة وقد يكون شركًا أكبر إذا اعتقد أن المحلوف يُعظم كتعظيم الله, أو اعتقد أن المحلوف به يستحق شيئًا من العبادة, يكون شرك أكبر وإلا فالأصل أنه شركًا أصغر وهو منهيًا عنه.
ولهذا قال: (والحلف بغير الله منهي عنه ويكفي أن نسرد عليكم شيئًا مما ورد فِيه) قال صلى الله عليه وسلم: «من حلف بغير الله فقد أشرك», وفي لفظ: «فقد كفر», رواه الإِمَامِ أحمد وأبو داود والترمذي قال هذا حديث حسن.
وقال r: «من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت», وقال عليه السلام: «لا تحلفوا بآبائكم, فإن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم».
إِذًاْ هذا فيه أنه يجب أن يكون الحلف بالله وفيه تحريم الحلف بالآباء وأن النبي r نهى عن ذلك, قال:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور/63], هذا تحذير من الذين يخالفون أمر الله عن بصيرة تخشى عليهم من الفتنة أو يصيبهم عذاب أليم إما أن يُفتن في دينه أو يصيبه عذاب أليم -نَسأَلُ اللهَ العَافِيَةَ.
(المتن)
عاشرا: ونعتقد أن أفضل المخلوقين وأكملهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قد وصفه الله بالعبودية في أشرف المقامات، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله» وورد عنه: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله».
(الشرح)
العاشر قالوا: (ونعتقد أن أفضل المخلوقين وأكملهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم) وأكمل المخلوقين وأكمل المخلوقين, وأكمل المخلوقين الأنبياء وأكمل الأنبياء الرسل, وأكمل الرسل أولوا العزم الخمسة وهم نوح, وإبراهيم, وموسى, وعيسى, ومحمد r هؤلاء أولوا العزم الخمسة ذكرهم الله في آيتين في سورة الأحزاب: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}[الأحزاب/7].
وذكرهم في سورة الشورى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا}[الشورى/13], هذا نوح, {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}[الشورى/13], اثنين محمد.
{وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}[الشورى/13], هؤلاء أولوا العزم الخمسة.
قال الله لنبي r: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}[الأحقاف/35], لهم من القوة والتحمل ما ليس لغيرهم, فهم أفضل الرسل, وأفضل أولوا العزم الخمسة الخليلان: إبراهيم ومحمد, وأكمل الخليلين نبينا r فهو أكمل الناس وأفضل المخلوقين وأشجع الناس وأعبد الناس وأزهى الناس وأبر الناس وأكملهم في جميع الخصال الحميدة.
وأحسن الناس خلقًا r ثم يليه جده إبراهيم ثم يليه موسى الكليم ثم بقية أولوا العزم الخمسة ثم بقية الرسل ثم الأنبياء, ثم يلي الأنبياء في الفضيلة الصديقون, الصديق فعيل وهو الذي قوى إيمانه وتصديقه حتى أحرق الشبهات والشهوات هذا لم يصر على معصية ولا على شهوة وفي مقدمتهم الصديق الأكبر أبو بكر t وهو صديق هذه الــأمة أفضل الناس بعد الأنبياء أبو بكر ثم يليه عمر ثم عثمان ثم علي.
ثم يلي الصديقين الشهداء الشهيد الذي قُتل في المعركة مخلصًا لله مؤمنًا موحدًا مخلصًا لله موحدًا مخلصا له بذل نفسه وروحه لله بذلها رخيصة لله, أغلى ما يملكه الإنسان نفسه التي بين جنبيه, فالشهيد بذلها لله أعطاها لله وأخذ عوضها الْجَنَّة: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة/111].
ثم يلي الشهداء الصالحون والصالحون على أربع طبقات, إِذًاْ طبقات الناس كم هم؟ أربعة: الأنبياء ثم الصديقون ثم الشهداء ثم الصالحون, قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ}[النساء/69].
كم طبقة؟ أربع طبقات أفضل الطبقات الأنبياء ثم يليهم الصديقون, صديق على وزن فعيل صيغة مبالغة لقوة تصديقه وإيمانه لا يصر على معصية ولا شهوة تحرق الشبهات والشهوات قوة الإيمان والتصديق, ثم الشهيد الذي بذل نفسه لله, ثم الصالحون.
والأنبياء قلنا: درجات, الأنبياء الرسل أفضل منهم من الأنبياء وأفضل الرسل أولوا العزم الخمسة وأفضل أولوا العزم الخمسة الخليلان إبراهيم ومحمد وأفضل الخليلين نبينا محمدًا r.
- الصالحون ثلاثة طبقات:
الطبقة الأولى: السابقون المقربون؛ الذين وحدوا الله وأخلصوا له العبادة وأدوا الفرائض والواجبات ثم كملوها بالمستحبات والمندوبات وتركوا المحرمات وتركوا أَيْضًا المكروهات كراهة التنزيه وتركوا التوسع في المباحات فضول المباحات هؤلاء اسمهم ماذا؟ السابقون المقربون, وفي مقدمة السابقين يدخل المقربين يدخل فيهم ماذا؟ يعني: السابقون والمقربون يشمل الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون كلهم داخلين في السابقون المقربين.
الطبقة الثانية: المقتصدون أصحاب اليمين؛ هؤلاء وحدوا الله وأخلصوا له العبادة وأدوا الواجبات والفرائض ما نقص شيئًا منها, لكنهم وقفوا عند هذا الحد ما زادوا ما أدوا النوافل والمستحبات ما كان عندهم نشاط وتركوا المحرمات ما فعلوا شيئًا محرم لكنهم قد يفعلون بعض المكروهات كراهة تنزيه وقد يتوسعون في المباحات وهذان الصنفان السابقون المقربون والمقتصدون الأبرار يدخلون الجنة من أول وهلة فضلًا من الله تعالى وإحسانًا بأنهم ماذا؟ أدوا ما عَلَيْهِمْ.
والطبقة الثالثة: الظالمون لأنفسهم؛ الظالمين لأنفسهم مؤمنون موحدون ويسمون صالحين لأنهم اتقوا الله, اتقوا الشرك ما وقع في أعمالهم شرك وحدوا الله وأخلصوا له العبادة, لكن ظلموا أنفسهم في أي شيء؟ قصروا في بعض الواجبات أو فعلوا بعض المحرمات.
فصاروا ماذا؟ ظالمين لأنفسهم, قد يصر على المعصية قد يموت من غير توبة فهؤلاء ظلموا أنفسهم قد يصر على الزنا أو على السرقة أو على شرب الخمر أو على التعامل بالربا أو على عقوق الوالدين أو قطيعة الرحم, أو أكلهم أموال الناس بالباطل قد يصر على هذا لكنه موحد ما عمل الشرك اتقى الشِّرْك, ولم يفعل مكفرًا لكن ظلم نفسه بترك بعض الواجبات أو فعل بعض المحرمات فهذا ما مصيره في الآخرة؟ النهاية مصيره الجنة لكن قبل الجنة ماذا يصيبه؟ أقصر منهم من يعفو الله عنه, ويدخل الجنة من أول وهلة, قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ}[النساء/116], يعفو الله عنه بماذا؟ بإيمانه وإسلامه وتوحيده, فيطهر بعفو الله طهره الله بعفوه.
ومنهم من يُعذب في قبر يصيبه عذاب في قبره مثل حديث ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرَيْنِ، فَقَالَ: إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ -وفي رواية بلى إنه لكبير-: أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَكَانَ لَا يَسْتَبْرِئُ مِنْ البول، وَأَمَّا الْآخَرُ: فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ, ثُمَّ أخذ جريدة رطبة وشقها نصفين وقال: لعله يُخفف عنهما ما لَمْ ييبسا».
فهؤلاء عُذبوا هذا لا يستنزه من البول, هذا يغتاب الناس أو ينم عليهم, وقد تصيبه أهوال وشدائد في موقف القيامة بحد وقد يُعذب بالنار وقد تواترت الأخبار أنه يدخل النار جملة من أهل الكبائر المؤمنون والمصدقون والموحدون والمصلون ولا تأكل النار وجوههم مواضع السجود, لماذا دخلوا النار؟ دخلوها بكبائر أصروا عليها من غير توبة هذا دخل النار لأنه أصر على الزنا ولم يتب هذا دخل النار ولم يتعامل بالربا ولم يتب هذا مصر على السرقة ولم يتب هذا مات على عقوق الوالدين ولم يتب هذا مات على قطيعة الرحم, هذا مات على الغيبة هذا مات على النميمة, هذا مات على أذية الجيران إلى غير هذا, مات على جحد حقوق الناس وديونهم.
فهؤلاء يُعذبون من عفا الله عنه قبل أن يدخل النار, هذا يطهر بعفو الله ومن لم يعفو الله عنه لابد أن يُطهر, يُطهر بأي شيء؟ بالنار, النار تطهره تزيل الخبث, المعاصي خبث نجاسة المعاصي, الثوب إذا أصابته نجاسة لابد من غسله حتى يطهر.
والمعاصي نجاسة, نجاسة معنوية لابد من إزالتها لمَ لا تُزال على الموحد؟ الموحد إذا صار عنده نجاسة المعصية, نجاسة معنوية لابد أن تُزال, تُزال بأي شيء؟ ما في ماء بماذا تُزال؟ بأحد الأمرين:
إما بعفو الله إذا عفا الله عنه زالت طهرت وإن لم يعفو الله عنه؛ النار يدخلوه ويطهر فيه حتى يزول خبث المعصية ويبقي فيها ما شاء الله ثم في النهاية يخرج منها, يخرج إلى الجنة حتى أتت الأخبار أن يدخل النار جملة من الكبائر وأن النبي r يشفع أربع مرات والأنبياء يشفعون والملائكة يشفعون والأفراد يشفعون والصالحون يشفعون والشهداء يشفعون وتبقى بقية لا تنالهم الشفاعة ويخرجهم رب العالمين برحمته.
فيقول: «شفعة الملائكة وشفع النبيون ولم يبقى إلا رحمة أرحم الراحمين» فيخرج قومًا من النار لم يعلموا خيرًا قط, يعني: زيادة على التوحيد وثبت أنهم يُخرجون من النار ضبائر ضبائر قد امتحشوا وصاروا فحمًا فيلقون في نهر الحياة يُصب عليهم من النهر فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل, البذرة, فَإِذاْ هُذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة هم من أهل الجنة لكن أصابهم خبث.
طُهروا من هذا الخبث قبل دخول الجنة, لأن الجنة دار الطيبين, ما يدخل فيها أحد فيه خبث أبدًا, لا بد أن تزول الخبث والمعاصي خبث يزول هذا الخبث بعفو الله أو بالنار, كما أن المؤمنين إذا تجاوزوا الصراط وقفوا على قنطرة قرب باب الجنة, حتى يقتص بعضهم من بعض, يقتص كل واحد يقتص من الآخر من إخوانه الذين ظلموه.
في الغيبة أو النميمة أو الحسد أو غيره يقتص بعضهم من بعض قبل دخول الجنة, فإذا تقاصوا وكل أخذ حقه نزع الله الغل من صدورهم فصاروا على غاية من الصفاء وغاية من الخلق الحسن فدخلوا الجنة.
قال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}[الحجر/47], نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم, فالصالحون هذه طبقاتهم, طبقات الصالحين هذه الطبقات الثلاث, توقفنا على ماذا؟.
الطالب: أن الرسول r أفضل المخلوقين.
الشيخ: (ونعتقد أن أفضل المخلوقين وأكملهم نبينا محمد r وقد وصفه الله بالعبودية في أشرف المقامات) الرسول r أشرف المقامات العبودية والرسالة ولهذا يُشهد له r بالنبوة والرسالة, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله r, وقد وصف الله نبيه بالعبودية في أشرف المقامات, مقام التحدي: {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا}[البقرة/23].
مقام الدعوى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا}[الجن/19].
مقام الإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا}[الإسراء/1].
فأشرف مقامات النبي r العبودية الخاصة والرسالة, قال: وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله», منزلته ما هي؟ العبودية والرسالة.
وورد عنه أنه قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم» الإطراء هو مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه, النصارى زادوا في مدح عيسى فرفعوه من مقام العبودية والرسالة إلى مقام الألوهية, فقالوا: أنه ابن الله, هذا إطراء, الرسول r يقول: «لا تطروني» لا تزيدوا في المدح لا ترفعوني عن منزلتي, «كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله» عليه الصلاة والسلام.
(المتن)
قالوا رَحِمَهُم اللهُ تَعَالَى: والإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، يزيد بالطاعة, وينقص بالمعصية.
(الشرح)
- عرفنا قبل ذلك أن طبقات الناس أربع:
- الأنبياء.
- الصديقون.
- الشهداء.
- الصالحون.
الدليل؛ قول الله تعالى في سورة النساء: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا}[النساء/69].
وهم المنعم عليهم, هم المنعم عليهم الذين نَسأَلُ اللهَ في كل ركعة من ركعات الصلاة أن يهدينا طريقهم: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}[الفاتحة/6-7].
الذين منَّ الله عليهم بالعلم والعمل وهم الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحون هؤلاء هم الذين أنعم الله عليهم بالعلم والعمل أفضل الناس.