بسم الله الرحمن الرحيم
القارئ
يقول الإمام عبد الله بن أبي داود السجستاني علينا وعليه رحمة الله:
وقل يتجلى الله للخلق جهرةً |
|
كم البدر لا يخفى وربك أوضح |
وليس بمولودٍ وليس بوالدٍ |
|
وليس له شبهٌ تعالى المسبح |
وقد ينكر الجهمي هذا وعندنا |
|
بمصداق ما قلنا حديث مصرح |
رواه جريرٌ عن مقال محمدٍ |
|
فقل مثل ما قد قال في ذاك تنجح |
وقد ينكر الجهمي أيضاً يمينه |
|
وكلتا يديه بالفواضل تنفح |
شرح الشيخ
بسم الله الحمد لله والصَّلَاة والسلام عَلَى رسول الله وعَلَى آله وسلم أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
وقل يتجلى الله للخلق جهرةً |
|
كم البدر لا يخفى وربك أوضح |
هذا البيت فيه إثبات رؤية الله تعالى للمؤمنين يوم القيامة, وأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة.
وقل يتجلى الله للخلق جهرةً |
|
كم البدر لا يخفى وربك أوضح |
يشير إِلَى الحديث الصحيح ولهذا قال:
وقد ينكر الجهمي هذا وعندنا |
|
بمصداق ما قلنا حديث مصرح |
وهو الحديث رواه جرير عن مقال محمد, حديث جرير بن عبد الله البجلي: «أنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب» وفي اللفظ الآخر: «إنكم ترون ربكم كما ترون الشمس جهرةً لا تضامون في رؤيته».
الآخر: «أنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب» ليلة البدر ليلة الرابع عشر, رؤية واضحة, والمعنى أن المؤمنين يرون الله تعالى يوم القيامة وفي الْجَنَّة رؤية واضحة كما يرون القمر رؤية واضحة «لا يضامون في رؤيته» يعني لا يزدحمون, وليس المراد تشبيه الله بالقمر, تعالى الله, الله لا يشابه أحد من خلقه.
بَلْ المراد أن المؤمنين يرون الله رؤية واضحة كما يرون القمر في الدنيا رؤية واضحة, الإنسان يرى القمر ما يحتاج مزاحمة, هل هناك زحام؟ إذا أردت القمر ارفع رأسك ترى القمر, ما في زحام, ما تقول لفلان: افسح لي حَتَّى أرى, لا, ارفع رأسك هُوَ فوقك, ارفع رأسك ما في مزاحمة ولا ضير ولا تعب, فكذلك ترى الله المؤمن يرى ربه رؤية واضحة من فوقه كما يرى القمر رؤية واضحة, وليس المراد تشبيه الله بالقمر؛ بالمراد تشبه الرؤية بالرؤية, تشبيه رؤية المؤمنين للقمر في الدنيا برؤيتهم لله يوم القيامة, رؤية واضحة, وليس المراد تشبيه الله بالقمر.
وقل يتجلى الله للخلق جهرةً |
|
كم البدر لا يخفى وربك أوضح |
والبيت الَّذِي بعده قال:
رواه جريرٌ عن مقال محمدٍ |
|
فقل مثل ما قد قال في ذاك تنجح |
يعني الجهمية ينكرون رؤية الله يوم القيامة, يقولون: المؤمنين لا يرون الله, نعوذ بالله, وكذلك ينكرون كلام الله, فالجهمية كفرهم كما ذكر ابن القيم خمسمائة عالم, أنكروا رؤية الله U قالوا: إن المؤمنين لا يرون ربهم, وهذا من جهلهم وضلالهم, وهذا من كفرهم وضلالهم وجهلهم, والأحاديث في هذا متواترة, أحاديث رؤية الله يوم القيامة ساقها العلامة ابن القيم في كتاب " الروح " عن ثلاثين صحابيًا, كلها تدل عَلَى رؤية المؤمنين لربهم رؤية واضحة.
وقل يتجلى الله للخلق جهرةً |
|
كم البدر لا يخفى وربك أوضح |
أَمَّا في موقف القيامة في الْجَنَّة يرون المؤمنين ربهم عَلَى حسب أعمالهم وفي موقف القيامة يرى المؤمنون الله U, واختلف العلماء في غير المؤمنين هل يرون الله يوم القيامة؟ عَلَى ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن أهل الموقف يرون الله كلهم مؤمنهم وكافرهم, ثُمَّ يحتجب عن الكفرة فلا يرونه.
القول الثاني: أَنَّهُ لا يراه إِلَّا المؤمنون.
القول الثالث: أَنَّهُ يراه المؤمنون والمنافقون.
وهذا هُوَ الصواب أَنَّهُ يراه المؤمنون والمنافقون؛ لِأَنَّ المنافقون صاروا مع المؤمنين في الدنيا, فكانوا معهم في الآخرة ثُمَّ ينفصلون عنهم, ويَدُلّ عَلَى ذلك الحديث الصحيح: «أَنَّهُ في يوم القيامة ينادي منادٍ لتتبع كل أمة ما تعبد» فالنصارى يتبعون معبودهم, واليهود يتبعون معبودهم يتساقطون في النَّار, وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها, فيتجلى الله لهم فيرونه ثُمَّ يرونه مرةً أخرى .. يرونه في المرة الأولى ثُمَّ يرونه في صورة غير الصورة الَّتِي يرونه فيها فينكرون ويقولون: نعوذ بالله هذا مكاننا حَتَّى يأتينا ربنا, فإذا جاء ربنا عرفناه, فالله جعل بينه وبينهم علامة وهي الساق {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ}[القلم:42].
ثُمَّ يتجلى الله لهم في الصورة الَّتِي يرونه فيها, فيعرفه المؤمنون فيسجدون لله, ويريد المنافقون أن يسجدوا فيجعل الله ظهر كل واحد منهم طبقًا, فلا يستطيعوا السجود {وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ}[القلم:42].
فهذا دليل عَلَى أن المنافقين يرون الله مع المؤمنين, ثُمَّ بعد ذلك يسير المؤمنون والمنافقون ثُمَّ ينطفئ نور المنافقون, يبقون في الظلمة فيقولون: للمؤمنين {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ}[الحديد:13].
- فالمؤمنون ثبت أنهم يرون الله في موقف القيامة أربع مرات:
- يرونه في المرة الأولى.
- ثُمَّ يرونه في صورة غير الصورة الَّتِي رأوه فيها فينكرون.
- ثُمَّ يتحول في الصورة الَّتِي رأوه فيها أول مرة فيسجدون له.
- ثُمَّ يرونه بعد السجود.
أربع مرات في موقف القيامة, وأما في الْجَنَّة فَإِنَّهُمْ يرونه عَلَى حسب الأعمال, ثُمَّ الجهمية والمعتزلة أنكروا رؤية الله U قال بَعْض العلماء: يخشى أن يحرموا رؤية الله يوم القيامة, نسأل الله العافية.
ثُمَّ قال:
وليس بمولودٍ وليس بوالدٍ |
|
وليس له شبهٌ تعالى المسبح |
كما في سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}[الإخلاص:1-3].
ليس له ولد وليس له والد, لم يتفرع منه شيء, ليس له أصل ولا فرع, ليس له ولد؛ بَلْ هُوَ واجب الوجود لذاته, ليس له أب وليس له ابن تعالى الله{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ} قل هُوَ الله أحد المتوحد الَّذِي لا شبيه له ولا نظير له, الله الصمد الَّذِي تصمد إليه الخلائق لحوائجها, لم يلد يعني لم يتفرع منه شيء, ولم يولد ليس له أصل ولا فرع؛ بَلْ هُوَ واجب الوجود لذاته, ولم يكن له كفوًا أحد, هُوَ ليس بمولود وليس بوالدٍ, وليس له شبه, ليس له شبيه ولم يكن له كفوًا أحد, تعالى المسبح {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ}[الإسراء:44].
قال:
رواه جريرٌ عن مقال محمدٍ |
|
فقل مثل ما قد قال في ذاك تنجح |
يعني الحديث في رؤية المؤمنين لربهم.
وقد ينكر الجهمي أيضاً يمينه |
|
وكلتا يديه بالفواضل تنفح |
يعني الجهمي ينكر اليد لله, يقول: ليس لله يد, تعالى الله عما يقولون؛ لِأَنَّ الَّذِي قال هذا تشبيه, هذه جارحة تشبيه بالمخلوق.
قال: (وكلتا يديه يمين) كما النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «وكلتا يدي ربي يمين مباركة».
(بالفواضل تنفح) يعني سبحانه وتعالى يبسط الرزق ويعطي ويمنع ويخفض ويرفع سبحانه وتعالى, كما قال سبحانه وتعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}[المائدة:64] هذا معنى قوله: (بالفواضل تنفح) يعني ينفق كيف يشاء سبحانه وتعالى.
وفي الحديث الآخر: «يد الرحمن ملأى سحاء الليل والنهار» فله سبحانه يمين, وجاء في الحديث يأخذ بيمنه وبيده الأخرى القبض أو الفيض, وفي الأخرى وبيده الشمال, بَعْض العلماء أثبت لله الشمال وهي يمين, ومن العلماء من قال: كلتا يديه يمين, كلتا يديه مباركة في الفضل والشرف وعدم النقص, بخلاف المخلوق, فإن يده الشمال تكون فيها نقص, أَمَّا الله تعالى فكلتا يديه يمين مباركة, ولا يلحقه نقص سبحانه وتعالى.
نقف عَلَى هذا.