بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصَّلَاة والسلام عَلَى أشرف المرسلين محمد بن عبد الله وعَلَى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إِلَى يوم الدين, اللَّهُمَّ اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين آمين.
القارئ
قال الإمام أبو بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني رحمه الله تعالى ونفعنا بعلومه وعلومكم في منظومته الحائية:
وقل خير قولٍ في الصحابة كلهم |
|
ولا تك طعاناً تعيب وتجرح |
فقد نطق الوحي المبين بفضلهم |
|
وفي الفتح آي للصحابة تمدح |
وسبطي رسول الله وابني خديجة |
|
وفاطمة ذات النقا أمدح |
وعائش أم المؤمنين وخالنا |
|
معاوية أكرم به ثم امنح |
وأنصاره والمهاجرون ديارهم |
|
بنصرتهم عن كبة النار زحزحوا |
ومن بعدهم فالتابعون لحسن ما |
|
حذوا فعلهم قولاً وفعلاً فأفلحوا |
ومالك والثوري ثم أخوهم |
|
أبو عمر الأوزاعي ذاك المسبح |
ومن بعدهم فالشافعي وأحمد |
|
إماما هدى من يتبع الحق يفصح |
أولئك قوم قد عفا الله عنهم |
|
وأرضاهم فأحبهم فإنك تفرح |
شرح الشيخ
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنا محمد وعَلَى آله وصحبه أجمعين؛ أَمَّا بعد: ...
قال المؤلف رحمه الله رواه أبو داود في حائيته:
وقل خير قولٍ في الصحابة كلهم |
|
ولا تك طعاناً تعيب وتجرح |
هذا أمر منه رحمه الله بالقول الحسن في الصَّحَابَة (قل خير قول) وخير القول هُوَ مدحهم والثناء عليهم, وذكر محاسنهم والترضي عنهم, والكف عن مساوئهم, هذا هو الواجب عَلَى المسلم في الصَّحَابَة, أن يترضى عنهم وأن يذكر محاسنهم, وألا يجرحهم وألا يتكلم في مثالبهم, وأن يقتدي بهم في أفعالهم وأقوالهم الَّتِي اتبعوا فيها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
والصَّحَابَة كلهم عدول, ولهذا قال العلماء: الصَّحَابَة .. العلماء علماء الحديث ما (...03:14) الصَّحَابَة كلهم عدول, ومن بعد الصَّحَابَة يُسأل عنه هل هُوَ مجروح؟ هل هُوَ عدل؟ أَمَّا الصَّحَابَة كلهم عدول, عدلهم الله وزكاهم, ولهذا قال المؤلف: (وقل خير قولٍ في الصَّحَابَة كلهم) قل خير قول في الصَّحَابَة كلهم المهاجرين والأنصار كلهم, كلهم أحسنوا القول فيهم, الله تعالى أثنى عليهم ومدحهم قال: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة:100].
هذا الثناء ما بعده ثناء, رضي الله عنهم, {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة:100].
هذا فضل عظيم, فيجب عَلَى المسلم أن يتكلم بالخير في الصَّحَابَة, في الثناء عليهم ومدحهم وذكر محاسنهم والكف عن مساوئهم, ولهذا قال المؤلف: (وقل خير قول في الصَّحَابَة كلهم) لا يستثنى منهم أحد.
(ولا تكن طعانًا تعيب وتجرح) يعني احذر أن تكون طعان كما يفعل بَعْض الطوائف المحرفة من الروافض وغيرهم الذين قالوا في الصَّحَابَة ويسبونهم, ويذكرون مثالبهم هذا دليل عَلَى النفاق, هذا دليل عَلَى مرض في القلب, الطعن في الصَّحَابَة وتجريحهم هذا يَدُلّ عَلَى مرض في القلب, ودليل عَلَى مرض ونفاق في القلب نسأل الله السلامة والعافية.
لا يثلبهم ولا يجرهم إِلَّا من في قلبه مرض, وهذا يكثر في أهل الزندقة, الزنادقة الذين يسبون الصَّحَابَة ويقعون فيهم, ولهذا قال: ولا تكن طعانًا تعيب وتجرح, لا تكن طعانًا في الصَّحَابَة, تطعن فيهم وتذكر مثالهم, تذكر مساوئهم هذا تعيب وتجرح هذا ليس من هدي أهل السنة والجماعة, هدي أهل السنة والجماعة الترحم عليهم والترضي عنهم وذكر محاسنهم والكف عن مساوئهم والاقتداء بهم بأفعالهم وأقوالهم الَّتِي اتبعوا فيها النبي صلى الله عليه وسلم.
ولهذا قال المؤلف:
وقل خير قولٍ في الصحابة كلهم |
|
ولا تك طعاناً تعيب وتجرح |
(فقد نطق الوحي المبين بفضلهم) من ذلك الآية الَّتِي ذكرناها في سورة التوبة {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة:100]
هذا فضل عظيم, آية كريمة فيها الثناء عَلَى المهاجرين آية كريمة في الثناء عليهم عَلَى المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان, وهذا يَدُلّ عَلَى فضلهم, ومن ذلك قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}[الحديد:10].
والحسنى الْجَنَّة, كلهم موعودون بالجنة, ذكر الذين أنفقوا قبل الفتح, الذين أسلموا قبل الفتح, قبل صلح الحديبية, صلح الحديبية يسمى فتح, وفتح مكة فتح, فتحان, هذا فتح وهذا فتح, فالذي أسلم قبل صلح الحديبية هم السابقون الأولون, والَّذِي أسلم بعد الحديبية ليس من السابقين الأولين, فالله تعالى فاضل بينهم قال: قال: لا يستوي من أسلم قبل صلح الحديبية ومن أسلم بعدها, {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} من أنفق الأموال وقاتل قبل صلح الحديبية لا يستوي مع من أنفق وقاتل بعد الحديبية؛ لِأَنَّهُ لم يسلم إِلَّا بعدها.
ففرق عظيم بينهم, فرق شاسع, ثُمَّ قال: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} كلٌ موعود بالجنة, لكن الدرجات تتفاضل, درجات من أنفق قبل الفتح, قبل صلح الحديبية وقاتل أعلى, درجات عالية, ودرجات من أنفق بعد الفتح وقاتل أقل, وكلم موعودون بالجنة, كلٌ وعد الله الحسنى.
قال المؤلف:
فقد نطق الوحي المبين بفضلهم |
|
وفي الفتح آي للصحابة تمدح |
في سورة الفتح آية تمدح الصَّحَابَة وهي آخر آية في سورة الفتح, يقول الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}[الفتح:29].
هذه الآية تمدح الصَّحَابَة وتثني عليهم, قال: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} هذا وصف {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} هذا وصف ثاني {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} ثُمَّ ذكر وصفهم {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} ثُمَّ ذكر الثواب {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}[الفتح:29].
وعدهم الله بالمغفرة, مغفرة للذنوب, تستر ذنبوهم وعيبوهم ويسلموا من شرها, شر الذنوب؛ لِأَنَّ المصائب والنكبات في الدنيا والآخرة سببها الذنوب, والصَّحَابَة غفر الله لهم ذنبوهم, وسلموا من شرها, ثُمَّ أعطاهم بعد ذلك أجرًا عظيمًا.
غفر ذنوبهم ووقاهم شرها وسترها عليهم ثُمَّ أعطاهم الأجر العظيم بعد ذلك, في أعظم من هذا؟ هؤلاء الصَّحَابَة {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}[الفتح:29].
وسبطي رسول الله وابني خديجة |
|
وفاطمة ذات النقا أمدح |
سبطى رسول الله صلى الله عليه وسلم هما الحسن والحسين, الحسن والحسين هما سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: «هما ريحانتي» موعود لهما بالجنة, قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الْجَنَّة».
(وابني خديجة) القاسم وعبد الله, ويقال: الطاهر, يعني خديجة رضي الله عنها أم أولاد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كلهم, ما عدا إبراهيم من مارية القبطية.
بناته رقية وأم كلثوم وزينب وفاطمة, والأولاد القاسم وعبد الله, بعضهم قال: القاسم وعبد الله والطاهر, الطاهر وصف, هما اثنان قاسم وعبد الله, والنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يكنى بابنه بابا القاسم عليه الصلاة والسلام.
فسبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين, وابني خديجة القاسم والطاه (وفاطمة ذات النقا) ثبت في الحديث الصحيح عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال: «فاطمة سيدة نساء أهل الْجَنَّة» هذا فضل عظيم.
(ذات النقا) يعني نقية طاهرة, نقية صافية خالصة برأها الله نقاها الله وصفاها فهي مختارة (ذات النقاء تبحبح) يعني تبحبح في الْجَنَّة, تبوؤوا مكان لهم في الْجَنَّة, من هم؟ الحسن والحسين سبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم, وابني خديجة القاسم وعبد الله وفاطمة, هؤلاء تبحبحوا في الْجَنَّة يعني تبوؤوا مكان لهم في الْجَنَّة, مشهود لهم بالجنة.
قال:
وعائش أم المؤمنين وخالنا |
|
معاوية أكرم به ثم امنح |
عائشة أم المؤمنين هي زوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بنت أبي بكر وأحب نسائه إليه, ولم يتزوج بكرًا غيرها, ونزل الوحي عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وهي عنده, قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «لم ينزل الوحي في لحاف واحدة منكن إِلَّا عائشة» وقال عليه الصلاة والسلام: «فضل عائشة عَلَى النساء كفضل الثريد عَلَى سائر الطعام» الثريد لحم وخبز, سائر الطعام يعني ما في لحم ولا خبز, ماذا يفوق؟ يفوق الثريد, فكذلك عائشة تفوق النساء كما أن الثريد يفوق سائر الطعام «فضل عائشة عَلَى النساء كفضل الثريد عَلَى سائر الطعام».
(عائش أم المؤمنين وخالنا معاوية) معاوية بن أبي سفيان خال المؤمنين؛ لِأَنَّ أم حبيبة أخته زوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فيكون خال المؤمنين؛ لِأَنَّ أم حبيبة أم المؤمنين وأخوها خال المؤمنين, أخوها خال المؤمنين لِأَنَّ أخته أم حبيبة زوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأزواج النَّبِيّ أمهات المؤمنين, قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}[الأحزاب:6].
أزواج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين, عائشة أم المؤمنين, أم سلمة أم المؤمنين, أم حبيبة أم المؤمنين, وهكذا, حفصة أم المؤمنين, فأم حبيبة أم المؤمنين وأخوها معاوية خال المؤمنين, ومن كتاب الوحي رضي الله عنه, والرافضة يسبون معاوية وهذا لجهلهم وضلالهم ومرض في قلوبهم نسأل الله السلامة والعافية.
وعائش أم المؤمنين وخالنا |
|
معاوية أكرم به ثم امنح |
يعني أكرم بمعاوية ثُمَّ امنحه الفضل, الفضل؛ لِأَنَّهَا صحابة من الصَّحَابَة ومن كتاب الوحي وخال المؤمنين, والصَّحَابَة كلهم الله تعالى أثنى عليهم ورضي عنهم, ومدحهم (فامنح) فامنحه الفضل الَّذِي أعطاه الله, أكرم معاوية وأمنحه الفضل الَّذِي أعطاه الله وميزه عن غيره؛ لِأَنَّهُ صحابي جليل ومن كتاب الوحي وهو خال المؤمنين.
قال:
وأنصاره والمهاجرون ديارهم |
|
بنصرتهم عن كبة النار زحزحوا |
الأنصار والمهاجرون, الصَّحَابَة أنصار ومهاجرون, المهاجرون الذين هاجروا من مكة إِلَى المدينة, تركوا ديارهم وأموالهم وأولادهم وهاجروا, تركوها لله, نصرةً لله ولرسوله وجهادًا في سبيله, والأنصار أهل المدينة الأوس والخزرج نصروا الله ورسوله, وآووا المهاجرين, آووهم وقاسموهم أموالهم, فهؤلاء المهاجرون والأنصار كلهم رضي الله عنهم ورضوا عنه, كما قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة:100].
لكن أيهم أفضل المهاجرون أم الأنصار؟ المهاجرون أفضل, لماذا؟ لِأَنَّ المهاجرين تركوا ديارهم وأموالهم, والأنصار بقوا, صحيح أنهم نصروا المهاجرين لكن بقوا في ديارهم وأموالهم, وفرق بين الإنسان الباقي بين أهله وولده, والغريب الَّذِي ترك أهله وماله, سافر راح مكان ليس فيه أهل ولا مال, هذا تكون غربته أشد, الَّذِي في بيته ما وجد شيء من الغربة, لكنه بذل ماله وآوى وأحسن, لكن ما تغريب بخلاف الغريب الَّذِي ترك أهله, ولهذا صار المهاجرون أفضل, ولهذا قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لما أثنى عَلَى الأنصار: «لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار» أثنى عليهم ما قسم بَعْض الغنائم في حنين ولم يعط الأنصار شيئًا؛ لِأَنَّهُ وكلهم إِلَى إيمانهم وقسم الغنائم يتألف عَلَى الإسلام, والأنصار ما أعطاهم؛ لِأَنَّهُ تقدَّم إسلامهم وثبت لما في قلوبهم, ويعط أُناس دخلوا في الإسلام من جديد يتألفهم حَتَّى يتقوى إيمانهم, فتكلم بَعْض الشباب من الأنصار, فالنبي صلى الله عليه وسلم جمعهم في قبة وأثنى عليهم وقال كذا, وقال: «كلام سمعته منكم قلتم كذا وكذا وكذا» يعني كأنكم تطلعون إِلَى لعاعة من الدنيا أتألفهم عَلَى الإسلام, وأنتم وكلتكم إِلَى إيمانكم «أَمَّا ترضون أن تذهب النَّاس بالشاة والبعير إِلَى رحالهم وتذهبون برسول الله إِلَى رحالكم؟» هم أخذوا البعير والشاة وأنتم أخذتم الرَّسُوْل صلى الله عليه وسلم, أيكم أفضل؟ الأفضل من أخذ الرَّسُوْل أم الَّذِي أخذ الشاة والبعير؟ جعل يثني عليه وقال صلى الله عليه وسلم: «النَّاس دثار والأنصار شعار» والشعار الَّذِي يلي الجسد الثوب, والدثار الَّذِي فوقه, جعل الأنصار هم من يلي الجسد لفضلهم «النَّاس دثار والأنصار شعار».
وقال: «لو سلك النَّاس شعبًا وواديًا لسلكت شعب الأنصار وواديها», ثُمَّ قال: «لولا الهجرة لكن امرأ من الأنصار» لولا الهجرة لكنت واحد منكم, لكن الهجرة أفضل ما أترك الأفضل, المهاجرون أفضل أليس كذلك؟ قال: لولا الهجرة يعني مهاجر لكن امرأ منكم, لكن الهجرة لا أفرط فيها «لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار».
فالمؤلف رحمه الله يقول: الأنصار والمهاجرون ديارهم, المهاجرون الذين هجروا ديارهم (لنصرتهم عن كية النَّار زحزحوا) زحزحهم الله عن النَّار عن كية النَّار لماذا؟ لنصرتهم لله ولرسوله, نصروا الله ورسوله, المهاجرون تركوا ديارهم وأموالهم نصرة لله ورسوله, والأنصار آووا الرَّسُوْل صلى الله عليه وسلم والمهاجرين نصرة لله ولرسوله, فزحزحهم الله عن النَّار وعن كي النَّار فلا يكوون بالنار بماذا؟ بإيمانهم وتوحديهم ونصرتهم لله ورسوله.
وأنصاره والمهاجرون ديارهم |
|
بنصرتهم عن كبة النار زحزحوا |
ومن بعدهم فالتابعون لحسن ما |
|
حذوا فعلهم قولاً وفعلاً فأفلحوا |
من بعد الصَّحَابَة التابعون, قال: (لحسن مآخذهم) الَّذِي يتبعهم بإحسان؛ لِأَنَّ التابعون قسمان, قسم اتبعوا بإحسان, وقسم اتبعوا بإساءة, الفضل لمن؟ لمن تبع بإحسان, التابعون الذين اتبعوا الأنصار بإحسان يعني استقاموا عَلَى طاعة الله, ولم يغيروا ولم يبدلوا.
أَمَّا الذين اتبعوا بإساءة غيروا وبدلوا, فالفضل لمن؟ للتابعين بإحسان لا التابعين بإساءة, ولهذا نص الله عَلَى هذا, قال: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} لا بإساءة {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة:100]
فالتابعون بإحسان, أَمَّا التابعون بإساءة فليس لهم هذا الفضل {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} ولهذا تقول: اللَّهُمَّ صل عَلَى محمد وعَلَى آله أصحابه والتابعين له بإحسان, تقيدها, أَمَّا الصَّحَابَة كلهم تبعوا بإحسان, الصَّحَابَة كلهم محسنون, ما في أحد تبع بإساءة, الصَّحَابَة ما في أحد منهم مسيء, لكن التابعون قسمان, قسمٌ تبع بإحسان وقسم تبع بإساءة, الصَّحَابَة ما في قسمين, ما في صحابي بإحسان وصحابي بغير إحسان, كلهم محسنون, كل الصَّحَابَة عدول رضي الله عنهم.
ولهذا ما قيل, قال: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ} ما في تقييد ثُمَّ التابعون جاء التقييد قال: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ}[التوبة:100]
يقول المؤلف رحمه الله:
ومن بعدهم فالتابعون لحسن ما |
|
حذوا فعلهم قولاً وفعلاً فأفلحوا |
الذين تبعوا الصَّحَابَة بإحسان في الأقوال والأفعال, أقوالهم حسنة توافق الكتاب والسنة, وأفعالهم حسنة توافق الكتاب والسنة, هؤلاء أفلحوا حصلوا عَلَى الفلاح والفلاح هُوَ الحصول عَلَى المطلوب والنجاة من المرهوب, وأعظم ما يطلبه الإنسان ما هُوَ؟ هُوَ رضا الله والتمتع بدار كرامته وجنته, وأشد ما يخافه الإنسان هُوَ غضب الله وسخطه والنَّار, فالتابعون بإحسان أعطاهم الله ما يطلبون وسلمهم مِمَّا يخافون, فرضي الله عنهم وأعطاهم الْجَنَّة, وسلمهم من غضبه ومن النَّار.
ثُمَّ قال المؤلف:
ومالك والثوري ثم أخوهم ... أبو عمر الأوزاعي ذاك المسبح
يعني من التابعين بإحسان هؤلاء الأئمة, مالك بن أنس إمام دار الهجرة, كما هُوَ معلوم وأحد الأئمة الأربعة, والثوري سفيان الثوري العالم الفاضل الزاهد, ثُمَّ أبو عمر الأوزاعي كذلك من العلماء الأفاضل, هؤلاء كلهم عدول وأئمة هدى, كلهم من المسبحين, المسبحين الله ويعبدونه بإخلاص وصدق, هؤلاء أئمة هدى, يعني يقتدي بهم بأفعالهم مالك والثور وأبو عمر الأوزاعي.
ومن بعدهم فالشافعي وأحمد |
|
إماما هدى من يتبع الحق يفصح |
يعني الإمام الشافعي محمد بن إدريس الشافعي الإمام المشهور وأحد الأئمة الأربعة, وأحمد بن حنبل الشيباني الإمام الرابع, الأئمة أربعة أبو حنيفة النعمان, ثُمَّ مالك بن أنس, ثُمَّ محمد بن إدريس الشافعي, ثُمَّ أحمد بن حنبل.
ذكر مالك ثُمَّ ذكر بعده الشافعي قال: (ومن بعدهم فالشافعي وأحمد إماما هدى) أئمة هدى يقتدى بهم في أفعالهم الطيبة.
ثُمَّ قال: (من يتبع الحق يفصح) الَّذِي يتبع الحق ينصح, الَّذِي يتبع الحق يكون ناصحًا لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم, النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله لأئمة المسلمين وعامتهم».
من يتبع الحق يكون ناصحًا؛ لِأَنَّ الدين النصيحة, لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم, ناصحًا لله بإخلاص العبادة له وتوحيده, ألنصح لله أن تبعد الله مخلصًا له الدين, هذا هُوَ النصح لله, النصح لله أن تخلص العبادة لله, النصح لكتاب الله أن تعمل بكتاب الله تمتثل الأوامر تجتنب النواهي وتقف عند حدوده, تؤمن بالمتشابه.
النصح لرسوله صلى الله عليه وسلم هُوَ اتباعه عليه الصلاة والسلام وامتثاله أوامره واجتناب نواهيه وتصديق أخباره والاقتداء به عليه الصلاة والسلام والتأسي به.
«ولأئمة المسلمين» ينصح لهم, الأئمة النصح لهم بنصيحتهم ومحبة الخير له وتوجيههم, وتحذيرهم مِمَّا يخالف الحق, وعامة المسلمين كذلك, ينصح المسلمين بتوجيههم وإرشادهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ودعوتهم إِلَى الخير وتحذيرهم من الشر, هذا من يتبع الحق يكون ناصحًا.
ثُمَّ قال:
أولئك قوم قد عفا الله عنهم |
|
وأرضاهم فأحبهم فإنك تفرح |
عفا الله عنهم لكثرة خيرهم وأعمالهم الحسنة, ونصحهم لعباد الله وتوجيه النَّاس للخير, عفا الله عنهم, الله تعالى عفا قال: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[التوبة:102]
وهؤلاء أئمة هدى أولى بالعفو من غيرهم, ولهذا قال: (أولئك قومٌ قد عفا الله عنهم فأحببهم فإنك تفرح) إذا أحببتم صار لك فرح في الخير, فرح في محبة أهل الخير, والاقتداء بهم, وتوليهم, الإنسان يفرح بمحبة أهل الخير, يفرح بتعلم الْقُرْآن وتعليمه, ويفرح بمحبة أهل الخير والاقتداء بهم, والتأسي بهم.
القارئ
وبالقدر المقدور أيقن فإنه |
|
دعامة عقد الدين، والدين أفيحُ |
ولا تنكرن جهلاً نكيراً ومنكراً |
|
ولا الحوض والميزان إنك تنصحُ |
وقل يخرج الله العظيم بفضله |
|
من النار أجساداً من الفحم تطرحُ |
على النهر في الفردوس تحيا بمائه |
|
كحب حميل السيل إذا جاء يطفحُ |
وإن رسول الله للخلق شافعٌ |
|
وقل في عذاب القبر حقٌ موضحُ |
شرح الشيخ
يقول:
وبالقدر المقدور أيقن فإنه |
|
دعامة عقد الدين، والدين أفيحُ |
يعني آمن بالقدر, القدر هُوَ قدر الله U وأحد الأركان الستة, لَابُدَّ من الإيمان بالقدر كما قال الله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر:49]
وقال: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}[الفرقان:2].
وسأله جبريل عن الإيمان, قال: «إيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره» والإيمان بالقدر يشمل الإيمان بمراتبه الأربعة, الإيمان بأن الله علم الأشياء قبل كونها في الأزل, الذوات والصفات والأفعال والحركات والسكنات.
ثانيًا: الإيمان بأن الله كتب مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة, الإيمان بكتابة المقادير.
ثالثًا: الإيمان بالمشيئة والإرادة, وأن كل شيء في هذا الوجود سبقت به مشيئة الله, لا يمكن أن يقع شيء في الوجود صدفة لا, بَلْ سبقت به مشيئة الله وإرادته.
الرابع: الإيمان بأن الله هُوَ الخالق الموجد هذه أربع مراتب, من لم يؤمن بواحدة منها لم يؤمن بالقدر, ومن لم يؤمن بالقدر فَهُوَ كافر, ولهذا تبرأ ابن عمر رضي الله عنه من الذين أنكروا القدر وقال لمن أخبره: إذا لقيت هؤلاء فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني, والَّذِي نفس ابن عمر بيده: لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهبًا ما قبله الله منه حَتَّى يؤمن بالقدر.
إذًا الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة, هُوَ قائم عَلَى كم مرتبة؟ أربع مراتب, العلم ثُمَّ الكتابة ثُمَّ المشيئة ثُمَّ الخلق.
إذًا الإيمان علمٌ كتابة (...30:42) مشيئته, خلقه وهو إيجاد وتقدير, الإيمان بأن الله علم الأشياء في الأزل قبل كونها, الَّذِي لا بداية له, فالإيمان أن الله كتب مقادير الخلائق كلها في المحفوظ قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة, الإيمان بالمشيئة والإرادة, وأن مشيئة الله سابقةٌ لكل موجود يقع.
رابعًا: الإيمان بأن الله هُوَ الخالق الموجد لكل شيء, فخلق كل شيء فقدره تقديرًا.
وبالقدر المقدور أيقن فإنه |
|
دعامة عقد الدين، والدين أفيحُ |
أيقن يعني صدق واعتقد بالقدر فإن الإيمان بالقدر دعامة الدين, هُوَ أصل من أصول الإيمان (دعامة الدين والدين أفيح) أفيح يعني واسع, الدين واسع لكن هذه دعامته, الدين واسع يشمل جميع ما شرعه الله ورسوله, يشمل كل شيء, يشمل الدين في أنواع البيع وأنواع الشراء كلها لَابُدَّ أن تكون بيعك وشرائك مبني عَلَى الدين, موافق للشرع في البيع والشراء والزراعة, وكذلك في الحدود والجراحات, والتعامل مع النَّاس الدين واسع, لكن دعامته القدر, القدر من دعائم الدين من أصول الدين.
ودعامة عقد الدين وأصول الدين دعامة من الدعامات يعني أصل من أصول الدين الإيمان بالقدر, والإيمان بالقدر قائم عَلَى هذه المراتب الأربع, الإيمان بالعلم ثُمَّ الإيمان بالكتابة ثُمَّ الإيمان بالمشيئة, ثُمَّ الإيمان بالخلق.
قال:
ولا تنكرن جهلاً نكيراً ومنكراً |
|
ولا الحوض والميزان إنك تنصحُ |
لا تنكر نكير ومنكر هذان فتانا القبر, ثبت في الأحاديث الصحيحة في حديث البراء وغيره أن الإنسان إذا وضع في قبره أتاه ملكان, اسم أحدهما منكر والآخر النكير وهما يسما فتانا القبر, وهم يسألان الإنسان عن ثلاثة أسئلة: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فالمؤمن يثبته بالله بالقول الثابت, يقول: الله ربي, والإسلام ديني, ومحمد نبيي, والفاجر والكافر لا يستطيع أن يجيب عن هذه الأسئلة, ولو كان أنصح النَّاس في الدنيا, إذا قيل: من ربك؟ قال: ها ها لا أدري, من نبيك؟ ها ها لا أدري, ما دينك؟ يقول: ها ها لا أدري, فيضربانه بمرزبة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل من خلق الله إِلَّا الجن والإنس, ولو سمعه الإنسان لصعق, هذا فتانا القبر, يعني لا تنكرهما ثابت في الأحاديث الصحيحة, القبر له فتانان وهما منكر ونكر.
(ولا تنكرن جهلاً) هذا الجاهل هُوَ الَّذِي ينكر (نكيرًا ومنكرًا ولا الحوض والميزان إنك تنصح) كذلك الحوض, حوض النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في موقف القيامة, للنبي صلى الله عليه وسلم حوضًا طويل طول مسافة شهر وعرضه مسافة شهر, يصب فيه ميزابان من هر الكوثر في الْجَنَّة, ماءه أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل وابرد من الثلج وأطيب ريحًا من المسك, وأوانيه عدد نجوم السَّمَاء, من شرب شربه لا يظمأ بعدها أبدًا حَتَّى يدخل الْجَنَّة, نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الواردين لحوضه.
وأما من غير وبدل, الذين بدلوا وارتدوا يطردون عن الحوض, تطردهم الملائكة, تذودهم كما تذاد الإبل العطاش, نسأل الله السلامة والعافية, يقول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «ليردن علي أناسًا أعرفهم ويعرفوني فيحال بيني وبينهم, فأقول: ربي أصحابي, أصحابي» وفي لفظ: «أصيحابي أصيحابي, فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك, إِنَّمَا لم يزالوا مرتدين عَلَى أعقابهم منذ فارقتهم, فأقول: سحقًا, سحقًا, لمن بدل وغير بعدي».
قال العلماء: هذا إِنَّمَا هُوَ في الأعراب الذين ارتدوا بعد وفاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ولم يثبت الإيمان في قلوبهم, أَمَّا الصَّحَابَة الذين ثبتهم الله, الذين رسخ الإيمان في قلوبهم فليسوا كذلك, إِنَّمَا هذا في الأعراب الذين دخلوا في الإسلام ولم يثبت الإيمان في قلوبهم ثُمَّ ارتدوا.
والميزان, الميزان الَّذِي توزن فيه الأعمال, ميزان حسي له كفتان, الكفة أعظم من أطباق السَّمَاء والأرض, توزن الحسنات في كفة والسيئات في كفة, فمن رجحت حسناته فاز ونجح, ومن رجحت سيئاته خاب وخسر وهلك, ويزن الأشخاص أَيْضًا عَلَى حسب الأعمال, في الحديث: «يؤتى بالرجل العظيم السمين لا يزن عند الله جناح بعوضة» لخبث عمله, ما يزن لِأَنَّهُ عمله خبيث سيء, وأما إذا كان عمله حسن فإنه يثقل في الميزان, كما في قصة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه, كان دقيق الساقين فكشفت الريح عن ساقيه فضحك الصَّحَابَة, فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «مِمَّا تضحكون؟ قالوا: من دقة ساقيه يا رسول الله, فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: والَّذِي نفسي بيده لهما في الميزان يوم القيامة أثقل من جبل أحد» السابقين أثقل من جبل أحد؛ لِأَنَّ عمله طيب, الثقل والخفة لا يرجع إِلَى الشخص بينما يرجع إِلَى العمل, بحسن عمله صارت الساقين الدقيقتين أثقل في الميزان من جبل أحد, والرجل العظيم السمين لا يزن عند الله جناح بعوضة؛ لِأَنَّهُ عمله خبيث, العبرة بالعمل.
(ولا الحوض والميزان إنك تنصحُ) يقول: لا تنكر الحوض ولا تنكر الميزان, ولكن انصح, ولقد أنكر الميزان المعتزلة, وقالوا: ما في ميزان؛ لِأَنَّهُم يحكمون عقولهم, قالوا: الميزان ما يحتاج إليه إِلَّا البقال والفوال, أَمَّا الله ما يحتاج إِلَى الميزان, والمراد معناه العدل ما في ميزان, ما في شيء يوزن, وإنما المراد بالميزان العدل, قالوا: لِأَنَّ الله ما يحتاج إِلَى ميزان, يعلم كل شيء, الميزان يحتاج إلي البقال والفوال, أَمَّا الله فما يحتاج إليه, هذا قول المعتزلة المبتدعة وهذا من جهلهم وضلالهم, هذا من جهلهم وضلالهم أنهم حكموا عقولهم.
يقول: الميزان جاءت نصوص كثيرة أَنَّهُ توضع الحسنات في كفة والسيئات في كفة, في قصة الرجل الَّذِي نشر له تسعة وتسعون سجلاً كل سجل مد البصر سيئات, ثُمَّ وضع في كفة وأخرج له بطاقة فيها أشهد ألا إله إِلَّا الله, وأشهد أن محمد رسول الله في كفة, فثقلت البطاقة وخفت السجلات, والله تعالى يقول: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ}[القارعة:6-9]
النصوص كلها ضربوا بها عرض الحائط وحكموا عقولهم وقالوا: ما في, ما في ميزان والمراد بالميزان العدل, المراد أن الله يعدل لكن ما في ميزان, وهذا من جهلهم وضلالهم.
المؤلف يقول: لا تنكر الميزان ولا تنكر الحوض إنك تنصح, لا توافق أهل البدع.
وقل يخرج الله العظيم بفضله |
|
من النار أجساداً من الفحم تطرحُ |
على النهر في الفردوس تحيا بمائه |
|
كحب حميل السيل إذا جاء يطفحُ |
هذا يشير إِلَى الحديث الصحيح أَنَّهُ يدخل النَّار بَعْض العصاة, منهم موحدون لا تأكل النَّار وجوههم, ولكن دخلوا النَّار بالمعاصي, هذا مات عَلَى الزنا من غير توبة, وهذا مات عَلَى الربا, وهذا مات عَلَى عقوق الوالدين, وهذا مات عَلَى قطيعة الرحم, وهذا مات عَلَى الرشوة, وهذا الغيبة النميمة, يدخلون النَّار, ويعذبون فيها عَلَى حسب معاصيهم, ثُمَّ يخرجون منها بشفاعة الشافعين, يشفع نَبِيّنا صلى الله عليه وسلم أربع مرات, ويشفع الأفراط, وثبت أنهم يخرجون منها ضبائر ضبائر, قد امتحشوا وصاروا فحمًا, ثُمَّ يصب عليهم من نهر الحياة فيحيون, فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل, الحبة يعني البذرة, حميل السيل السيل إذا جاء يمشي يأخذ معه عيدان وكذا, ثُمَّ في جانبه تنتب حبة سريعة, حبة خضراء صفراء تنبت بسرعة, هذه تسمى الحِبة, ينبتون كما تنتب الحبة في حميل السيل, فيما يحمله السيل, السيل في الوادي حينما يمشي يحمل معه عيدان وحبات, أحيانًا يكون في حبة عَلَى طول تنبت بسرعة, هذه الحِبة, حِبة البذرة, والحَبة واحدة الحَبة, كما تنتب الحِبة يعني البذرة, تنبت بسرعة, فهؤلاء ينبتون هؤلاء العصاة إذا أخرجوا فحمًا, إذا امتشحوا وصاروا فحمًا يصب عليه من الحوض فينبتون بسرعة كما تنتب الحِبة في السيل المحمول, في حميل السيل, هذا معنى القول المؤلف رحمه الله يشير إِلَى الحديث يقول:
وقل يخرج الله العظيم بفضله |
|
من النار أجساداً من الفحم تطرحُ |
يعني تأكله النَّار فصاروا فحمًا امتحشوا.
(على النهر في الفردوس تحيا بمائه) تحيا بالماء (كحب حميل السيل إذا جاء يطفحُ) مثل حبة الحميل, يعني للحديث: «كما تبنت الحِبة في حميل السيل».
القارئ
وإن رسول الله للخلق شافعٌ |
|
وقل في عذاب القبر حقٌ موضحُ |
ولا تكفرن أهل الصلاة وإن عصوا |
|
فكلهم يعصي وذو العرش يصفحُ |
ولا تعتقد رأي الخوارج إنه |
|
مقالٌ لمن يهواه يردي ويفضحُ |
ولا تكن مرجيًا لعوباً بدينه |
|
ألا إنما المرجي بالدين يمزحُ |
وقل: إنما الإيمان: قول ونيةٌ |
|
وفعلٌ على قول النبي مصرحُ |
وينقص طوراً بالمعاصي وتارةً |
|
بطاعته ينمي وفي الوزن يرجحُ |
ودع عنك آراء الرجال وقولهم |
|
فقول رسول الله أزكى وأشرحُ |
ولا تك من قومٍ تلهوا بدينهم |
|
فتطعن في أهل الحديث وتقدحُ |
إذا ما اعتقدت الدهر يا صاح هذه |
|
فأنت على خيرٍ تبيت وتصبحُ |
شرح الشيخ
الشرح باختصار الآن لا نستطيع أن نتوسع إذا توسعنا نحتاج إِلَى وقتٍ طويل, لكن يكون شرح يوضح المعنى بقدر توضيح المعنى وإِلَّا الأبيات يعني تحتاج إِلَى يعني كما ترون الشروح, يعني مجلدات تحتاج, ولكن ما لا يدرك كله لا يترك كله.
يقول المؤلف:
وإن رسول الله للخلق شافعٌ |
|
وقل في عذاب القبر حقٌ موضحُ |
يقول: رسول الله صلى الله عليه وسلم هُوَ الشافع, مشفع في المحشر, الرَّسُوْل صلى الله عليه وسلم هُوَ الشافع المشفع في المحشر كما قال الله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}[الإسراء:79] المقام المحمود هُوَ الشافعة العظمى الَّتِي يتأخر عنها أولي العزم الخمسة حينما يقف النَّاس بين يدي الله للحساب, وتدنوا الشمس من الرؤوس, ويزداد في حرارتها يصيب النَّاس كرب وشدة, فيلجأ النَّاس إِلَى الأنبياء يطلبون منهم الشفاعة يشفعون لهم عند الله حَتَّى يخلصهم من هذا الموقف, فيذهبون أولًا إِلَى آخر فيعتذر ويقول: إن ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله, وأنا أكلت من الشجرة الَّتِي نهيت عنها, اذهبوا إِلَى غيري اذهبوا إِلَى نوح فإنه أول رسول بعثه الله إِلَى الأرض, فيذهبوا إِلَى نوح فيقولون: يا نوح أنت أول رسول بعثك الله, اشفع لنا عند ربك, وسماك الله عبدًا شكورًا ألا ترى ما نحن فيه, فيقول نوح: إن ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله, وإني دعوت عَلَى أهل الأرض دعوةً أغرقتهم, اذهبوا إِلَى غيري اذهبوا إِلَى إبراهيم فإنه خليل الرحمن, فيذهبون إِلَى إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم أنت خليل الرحمن اذهب اشفع لنا عند ربك, ألا ترى ما نحن فيه, فيقول: إن ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله, وإني كذبت في الإسلام ثلاث كذبات, يجادل بها عن دين الله يعتذر, فاذهبوا إِلَى غير اذهبوا إِلَى موسى فإنه كليم الله, فيذهبون إِلَى موسى فيقول: يا موسى أن كليم الله كلمك الله اشفع لنا عند ربك, أَمَّا ترى ما نحن فيه, فيقول: إن ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله, وإني قتلت نفسًا لم آمر بقتلها, يعني قتل القبطي فقد غفر الله له, قال: رب اغفر, فغفر له ومع ذلك يعتذر, اذهبوا إِلَى غيري اذهبوا إِلَى عيسى فإنه روح الله وكلمته.
فيذهبون إِلَى عيسى ويقولون: يا عيسى أنت روح الله وكلمته اشفع لنا عند ربك, فيقول عيسى: إن ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله, وما ذكر ذنبًا إِلَّا أن قال: إني اتخذت أنا وأمي إلهين من دون الله, اذهبوا إِلَى غيري, اذهبوا إِلَى محمد فإنه خاتم النبيين.
فيذهبون إِلَى نَبِيّنا محمد صلى الله عليه وسلم فيسألونه الشفاعة فيقول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «أنا لها أنا لها» عليه الصلاة والسلام.
فيذهب فيسجد تحت العرش, لا يبدأ بالشفاعة لا أحد يستطيع أن يشفع إِلَّا بإذنه, ما يبدأ بالشفاعة إِلَّا بعد الإذن, حَتَّى الرَّسُوْل صلى الله عليه وسلم أوجه النَّاس ما يشفع إِلَّا بعد الإذن, فيسجد تحت العرش فيفتح الله عليه من المحامد في ذاك الوقت أو ذاك المكان يلهمه الله محامد يفتح الله عليه فلا يزال يحمد الله ويمجده حَتَّى يأتي الإذن من ربه الكريم فيقول الله: «يا محمد ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع» جاء الإذن, فيسأل ربه الشفاعة فيشفعه الله, فيحاسب الله الخلائق, هذا هُوَ المقام المحمود الَّذِي يغبطه عليه الأولون والآخرون, عليه الصلاة والسلام, هذا معنى قوله: (وإن رسول الله للخلق شافع» وهناك شفاعات أخرى, شفاعة في إخراج العصاة, الشفاعة في عمه تخفيف العذاب عَلَى عمه أبي طالب, الشفاعة في دخول أهل الْجَنَّة, الشفاعة (...45:48) شفاعات أخرى, لكن هذه الشفاعة العظمة خاصة به, وكذلك الشفاعة في عمه أبي طالب.
قال:( وقل في عذاب القبر حقٌ موضحُ) يقول: قل عذاب القبر حق, النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم علمنا الدعاء في آخر الصَّلَاة, اللَّهُمَّ إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر, وكان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من عذاب القبر, فالنصوص ثابتة وثابت في الْقُرْآن أَيْضًا {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}[الأنفال:50]. هذا عند الموت نوع من عذاب القبر, عذاب القبر ونعيمه حق, يقول: قل حقٌ ولا تنكره.
ولا تكفرن أهل الصلاة وإن عصوا |
|
فكلهم يعصي وذو العرش يصفحُ |
يعني ما تترك الصَّلَاة, النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «العهد الَّذِي بيننا وبينهم ترك الصَّلَاة» مفهومه أن من ترك الصَّلَاة يكفر؛ لِأَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «العهد الَّذِي بيننا وبينهم الصَّلَاة فمن تركها فقد كفر» وقال: «بين الرجل وبين الكفر ترك الصَّلَاة» لكن إذا صلى لا تكفره إِلَّا إذا فعل مكفر, سب الله أو سب الرَّسُوْل عليه الصلاة والسلام أو فعل ناقض من نواقض الإسلام, دعا غير الله وذبح لغير الله نعم كفر, يعني لا تكفر صاحب الصَّلَاة إذا لم يفعل مكفرًا, ولو عصا, المعصية ما تخرج من الإسلام, صحيح يكون ضعيف الإيمان لكن ما يكفر, ما يكفر إِلَّا إذا فعل مكفرًا.
(ولا تكفرن أهل الصلاة وإن عصوا فكلهم يعصي) كل بني آدم خطاء (وذو العرش يصفحُ).
ولا تعتقد رأي الخوارج إنه |
|
مقالٌ لمن يهواه يردي ويفضحُ |
لا تعتقد رأي الخوارج, الخوارج الذين خرجوا عَلَى علي رضي الله عنه, أولهم ذو الخوصيرة الَّذِي اعترض عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: اعدل يا محمد فإنها قسمة لم يرد بها وجه الله, ثُمَّ خرجوا عَلَى علي وكفروا الصَّحَابَة, رأي الخوارج تكفير النَّاس بالمعاصي, يقول الخوارج: الزاني كافر, وشاب الخمر كافر, والعاق لوالديه كافر, كذلك من شرب الخمر كفر, المغتاب كافر والنمام كافر وهكذا, يكفرون بالمعاصي ويخرجون عَلَى ولاة الأمور, يقاتلونهم بالسيف, هذا مذهب بدعي منحرف, ولهذا قال:
ولا تعتقد رأي الخوارج إنه |
|
مقالٌ لمن يهواه يردي ويفضحُ |
يرديه في الهاوية ويفضحه بين النَّاس, لا تعتقد هذا الرأي احذر رأي الخوارج.
ثُمَّ قال:
ولا تكن مرجيًا لعوباً بدينه |
|
ألا إنما المرجي بالدين يمزحُ |
لا تعتقد مذهب المرجئة, والمرجئة هم الذين يقولون: الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان, الإيمان تصديق بالقلب فقط, وقول باللسان, بعضهم قال: تصديق بالقلب هذا عند المَاتُرِيْديَّة والاشاعرة, وعند الجهم معرفة الرب بالقلب.
وعند الكرامية النطلق باللسان, وعند مرجئة الفقهاء النطق باللسان والتصديق بالقلب, أَمَّا أهل السنة يقولون: الإيمان قول باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالقلب, وعمل بالجوارح, قول القلب وهو التصديق والإقرار, وعمل القلب هُوَ النية والإخلاص, قول اللسان وهو النطق بالشهادتين, وهو بقية الكلام, وعمل الجوارح, كلها داخل في مسمى الإيمان, المرجئة يخرجون كل هذا, يقولون: ما في إِلَّا قول القلب وتصديق القلب.
(لا تكن مرجيًا لعوبًا بدينه) لا تتلاعب بالدين الدين أقوال وأعمال ما هُوَ تصديق فقط بالقلب, لو كان الدين فقط بالقلب لكن فرعون مؤمن {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ}[النمل:14].
عارف بقلبه وإبليس عارف ما يكفي, ما يكفي كون الإنسان يعترف بقلبه؛ لَابُدَّ من العمل يتحقق به هذا التصديق الَّذِي في القلب.
(عملٌ) الإيمان الَّذِي في القلب لَابُدَّ أن يتحقق بالعمل, كما أن العمل الصَّلَاة والصيام لَابُدَّ له من تصديق, إيمان يصححه في القلب وإِلَّا صار كأعمال المنافقين, فالتصديق الَّذِي في القلب لَابُدَّ من عمل يتحقق به, وإِلَّا صار كإيمان إبليس وفرعون, والعمل الصَّلَاة والصيام لَابُدَّ من تصديق القلب يصححه وإِلَّا صار كأعمال المنافقين, لَابُدَّ من الأمرين {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى}[القيامة:31-32]. تصديق بالقلب وعمل بالجوارح لَابُدَّ من الأمرين.
ولا تكن مرجيًا لعوباً بدينه |
|
ألا إنما المرجي بالدين يمزحُ |
وقل: إنما الإيمان: قول ونيةٌ |
|
وفعلٌ على قول النبي مصرحُ |
(قل إِنَّمَا الإيمان قول ونية) قول القلب وقول اللسان, قول القلب هُوَ الإقرار والتصديق, وقول اللسان وهو النطق, ونية, قال بَعْض العلماء: قول وعمل ونية,وقال بعضهم: الإيمان قول وعمل ونية, وسنة, وقال بعضهم: الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان, يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان.
قول باللسان وعملٌ بالأركان, الأركان الجوارح, واعتقاد بالجنان القلب, يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية, هذا هُوَ الإيمان.
ليس التصديق بالقلب فقط كما يقول المرجئة.
قال: (وقل: إنما الإيمان: قول ونيةٌ وفعلٌ) قول وفعل ونية (على قول النبي مصرحُ).
وينقص طوراً بالمعاصي وتارةً |
|
بطاعته ينمي وفي الوزن يرجحُ |
يقول: الإيمان يزيد وينقص, هذا عند أهل السنة والجماعة, المرجئة عندهم الإيمان ما يزيد ولا ينقص شيء واحد, إيمان أفسق النَّاس وأتقى النَّاس واحد, يقول: إيمان أبي بكر مثل إيمان السكير العربيد الفاسق كله واحد, تصديق, هذا مصدق وهذا مصدق, ما في فرق بينهم, هذا عند المرجئة هذا باطل, لو وزن إيمان أهل الأرض بإيمان أبي بكر لرجح أبي بكر, الإيمان ليس في القلب فقط, الإيمان يكون باللسان وبالقلب وبالجوارح, يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية, إذا فعل الإنسان الطاعة زاد الإيمان, وإذا فعل المعصية نقص {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ}[التوبة:124-125].
{لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ}[الفتح:4].
{وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا}[المدثر:31].
إذًا الإيمان يزيد وينقص.
وينقص طوراً بالمعاصي وتارةً |
|
بطاعته ينمي وفي الوزن يرجحُ |
ودع عنك آراء الرجال وقولهم |
|
فقول رسول الله أزكى وأشرحُ |
لا تأخذ بآراء الرجال المخالفة للنصوص, خذ بالكتاب النصوص من الكتاب والسنة, آراء الرجال وأقوالهم تعرض عَلَى الكتاب والسنة, ما وافقها قبل وما خالفها رد.
(فقول الرَّسُوْل أزكى) خذ بقول الرَّسُوْل (أزكى وأشرح) خذ بقول الرَّسُوْل بكتاب الله وسنة رسوله وأعرض عليه أقوال الرجال, فما وافقها اقبل وما خالفه رده.
ولا تك من قومٍ تلهوا بدينهم |
|
فتطعن في أهل الحديث وتقدحُ |
لا تك من قوم يتلهون بالدين فيطعنون في أهل الحديث ويقدحون فيه, أهل الحديث هم أهل النَّبِيّ, أهل النَّبِيّ وأهلهم, الصَّحَابَة وأتابعهم هم أهل الحديث, أهل الحديث والأئمة هؤلاء الذين يعملون بالسنة هم أهل الله وخاصته, أهل الْقُرْآن أهل خاصته.
ولا تك من قومٍ تلهوا بدينهم |
|
فتطعن في أهل الحديث وتقدحُ |
احذر أن تطعن في أهل الحديث, أهل الحديث هؤلاء يعملون بالكتاب والسنة, هم أهل الله وخاصته, فلا تطعن فيها ولا تقدح.
إذا ما اعتقدت الدهر يا صاح هذه |
|
فأنت على خيرٍ تبيت وتصبحُ |
يقول المؤلف: إذا اعتقد هذه العقيدة الَّتِي ذكرت لك في هذه الأبيات (يا صاح) أي يا صاحبي التقدير يا صاحبي هذا ترخيم, إذا اعتقدت الدهر ما في هذه العقيدة فأنت عَلَى خير تبيت وتصبح عَلَى خير, يعني المؤلف يقول: إن هذه العقيدة مستوفية, عقيدة أهل السنة والجماعة, من اعتقدها أصبح عَلَى خير, ومن اعتقدها فَهُوَ عَلَى خير يبيت ويصبح, ومن تركها وخالفها فَهُوَ عَلَى شر, خالف عقيدة أهل السنة والجماعة, وصلى الله عَلَى محمد وعَلَى آله وصحبه.