الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى الدرة البهية شرح القصيدة التائية في الحلف المشكلة القدرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، الملك الحق المبين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، سيد المرسلين. اللهم صل على محمد وآله وصحبه؛ والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد: فقد طلب مني بعض الإخوان: أن أشرح "المنظومة التائية في القدر" لشيخ الإسلام والمسلمين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية؛ لما فيها من التحقيق العظيم في مسألة القضاء والقدر. ولمتانتها وصعوبة فهمها، واحتياجها إلى شرح متوسط؛ يوضحها ويكشف عن معانيها؛ ولكون المقام والموضوع مقاما مهما جدا، والحاجة – بل الضرورة – داعية إلى علمه؛ والتحقق به معرفة واعتقاداً
وهذا النظم: قد أتى فيه الشيخ بالعجب العجاب، وبين الحق الصريح وكشف الشكوك والشبهات: التي طالما خالطت قلوب أذكياء العلماء وحيرت كثيرا من أهل العلم الفضلاء؛ لذلك أجبت السائل لما طلبه
وأرجو الله وأسأله: أن يعين على تحقيقه وتوضيحه؛ فإن التوضيح والبيان – خصوصا في هذا المقام – أولى من الاختصار؛ وذكر الشواهد والأمثلة الموضحة أولى من الاقتصار وأسأله تعالى: أن يجعل الداعي إليه إرادة وجهه الكريم، وإرادة النفع به للمشتغلين. والشيخ رحمه الله وقدس روحه نظمها جوابا لسؤال أورده عليه
الشيخ مرادا به وجه الله ومرادا به نفع عباد الله وليس مرادا به الدنيا ولا الجاه ولا الشهرة ولا المال أعد كلام الشيخ
وأسأله تعالى: أن يجعل الداعي إليه إرادة وجهه الكريم، وإرادة النفع به للمشتغلين. والشيخ رحمه الله وقدس روحه نظمها جوابا لسؤال أورده عليه من قال: "إنه ذمي" ليشبه على المسلمين، وليشككهم في أصول الدين فإن الإيمان بالقضاء والقدر أحد أصول الإسلام، ومبانيه العظام.
وهذا نص السؤال
أيا علماء الدين، ذمي دينكم ... تحير دلوه بأوضح حجة
إذا ما قضى ربي بكفري بزعمكم ... ولم يرضه مني فما وجه حيلتي؟
دعاني، وسد الباب عني فهل إلى ... دخولي سبيل؟ بينوا لي قضيتي
قضى بضلالي ثم قال: ارض بالقضا ... فهل أنا راض بالذي فيه شقوتي
فإن كنت بالمقضي يا قوم راضيا ... فربي لا يرضى بشؤم بليتي
وهل لي رضا، ما ليس يرضاه سيدي ... فقد حرت دلوني على كشف حيرتي
إذا شاء ربي الكفر مني مشيئة ... فهل أنا عاص في اتباع المشيئة؟
وهل لي اختيار أن أخالف حكمه؟ ... بالله فاشفوا بالبراهين غلتي
هذه آخر السؤال المذكور
الشيخ جواب النظم الأول اقرأ النظم نتصور الجواب وبعده يأتي الشرح
قال في الجواب
1- سؤالُك يا هذا سؤالُ معاندٍ ... مخاصمِ ربِّ العرش باري البريةِ
2- فهذا سؤالٌ خَاصَمَ الملأَ العُلا ... قديمًا به إبليسُ أصلُ البليةِ
3- ومن يكُ خصمًا للمهيمن يرجعنْ ... على أمِّ رأسٍ هاويًا في الحُفيرةِ
4- ويدعى خصومُ اللهِ يومَ معادهم ... إلى النار طُرًّا معشرَ القدريةِ
5- سواءٌ نفوه أو سعوا ليخاصموا ... به اللهَ أو مارَوْا به للشريعةِ
6- وأصلُ ضلالِ الخَلْقِ من كل فرقةٍ ... هو الخوضُ في فعل الإله بِعِلَّةِ
7- فإنهمو لم يفهموا حكمةً له ... فصاروا على نوعٍ من الجاهليةِ
8- فإن جميعَ الكونِ أوجب فِعْلَه ... مشيئةُ ربِّ الخلق باري الخليقةِ
9- وذاتُ إله الخَلْقِ واجبة بما ... لها من صفات واجبات قديمةِ
10- مشيئتُه مَعْ عِلْمِه ثم قدرة ... لوازمُ ذاتِ الله قاضي القضيةِ
11- وإبداعُه ما شاء من مُبْدَعاته ... بها حِكْمَةٌ فيه وأنواعُ رحمةِ
12- ولسنا إذا قلنا جَرَتْ بمشيئة ... من المنكري آياتِه المستقيمةِ
13- بل الحقُّ أن الحكمَ لله وحده ... له الخلقُ والأمرُ الذي في الشريعةِ
14- هو المَلِكُ المحمودُ في كلِّ حالةٍ ... له المُلْكُ من غير انتقاص بِشِركةِ
15- فما شاء مولانا الإلهُ فإنه ... يكون وما لا لا يكون بحيلةِ
16- وقدرتُه لا نقصَ فيها وحكمه ... يَعُمُّ فلا تخصيصَ في ذي القضيةِ
17- أُرِيْدُ بذا أن الحوادثَ كلَّها ... بقدرته كانت ومحضِ المشيئةِ
18- ومالِكُنا في كلِّ ما قَدْ أراده ... له الحمدُ حمدًا يعتلي كلَّ مِدْحةِ
19- فإن له في الخلق رحمته سرت ... ومن حِكَمٍ فوق العقولِ الحكيمةِ
20- أمورًا يحار العقل فيها إذا رأى ... من الحِكم العليا وكل عجيبةِ
21- فنؤمنُ أن الله عزَّ بقدرةٍ ... وخلقٍ وإبرامٍ لحكم المشيئةِ
22- فنثبت هذا كلَّه لإلهنا ... ونثبت ما في ذاك من كل حكمةِ
23- وهذا مقام طالما عجز الأُلى ... نفوه وكروا راجعين بحيرةِ
24- وتحقيقُ ما فيه بتبيين غوره ... وتحرير حقِّ الحق في ذي الحقيقةِ
25- هو المطلب الأقصى لِوُرَّاد بحره ... وذا عسِرٌ في نظم هذي القصيدةِ
26- لحاجته تبيينَ علمٍ مُحقَّقٍ ... لأوصافِ مولانا الإلهِ الكريمةِ
27- وأسمائه الحسنى وأحكام دينه ... وأفعاله في كل هذي الخليقةِ
28- وهذا -بحمد الله- قد بان ظاهرًا ... وإلهامُه للخلق أفضلُ نعمةِ
29- وقد قيل في هذا وخُطَّ كتابُه ... بيانٌ شفاءٌ للنفوس السقيمةِ
30- فقولك: لِمْ قد شاء؟» مثل سؤالِ مَنْ ... يقول: فَلِمْ قد كان في الأزليةِ
31- وذاك سؤال يبطل العقلُ وَجْهَهُ ... وتحريمُه قد جاء في كل شرعةِ
32- وفي الكون تخصيصٌ كثيرٌ يدلُّ من ... له نوعُ عقلٍ أنه بإرادةِ
33- وإصدارُه عن واحد بعد واحد ... أو القولُ بالتجويز رميةُ حيرةِ
34- ولا ريبَ في تعليق كلِّ مُسَبَّبٍ ... بما قبله من علة مُوجِبيَّةِ
35- بل الشأنُ في الأسبابِ أسبابِ ما ترى ... وإصدارها عن حكم محض مشيئة
36- وقولك: لِمْ شاء الإلهُ هو الذي ... أزلَّ عقول الخلق في قَعْر حُفْرةِ
37- فإن المجوسَ القائلين بخالق ... لنفع وربٍّ مُبدعٍ للمَضرةِ
38- سؤالُهم عن علة الشرِّ أوقعت ... أوائلَهم في شبهة الثَّنويةِ
39- وأن ملاحيدَ الفلاسفةِ الأُلى ... يقولون بالفعل القديمِ بعلةِ
40- بغوا علة في الكون بعد انعدامه ... فلم يجدوا ذاكم فضلوا بِضَلةِ
41- وإن مبادي الشر في كل أمة ... ذوي ملة ميمونة نبويةِ
42- بخوضهموا في ذاكُمُ صار شركُهُمْ ... وجاء رءوسُ البينات بقترةِ
43- ويكفيك نقضًا أن ما قد سألتَهُ ... من العذر مردودٌ لدى كل فطرةِ
44- فأنت تعيب الطاعنين جميعهم ... عليك وترميهم بكل مذمةِ
45- وتَنْحل من والاك صَفْوَ مودةٍ ... وتبغض من ناواك من كل فرقة
46- وحالهم في كل قول وفعلة ... كحالك -يا هذا- بأرجح حجة
47- وهَبْك كففتَ اللومَ عن كل كافرٍ ... وكلِّ غويٍّ خارجٍ عن محجة
48- فيلزمك الإعراضُ عن كل ظالمٍ ... على الناس في نفس ومالٍ وحرمة
49- فلا تغضبن يومًا على سافك دمًا ... ولا سارقٍ مالًا لصاحب فاقة
50- ولا شاتمٍ عِرْضًا مصونًا وإن علا ... ولا ناكح فرجًا على وجه غية
51- ولا قاطع للناس نهجَ سبيلِهم ... ولا مفسد في الأرض من كل وجهة
52- ولا شاهدٍ بالزور إفكًا وفريةً ... ولا قاذف للمحصنات بزنية
53- ولا مهلك للحرث والنسل عامدًا ... ولا حاكمٍ للعالمين برشوةِ
الشيخ كل هذا يجب تعذرهم تعتذر بالقدر لا تعتذر على من سفك الدماء ولا من قطع الأرحام ولا من انتهك الفروج كله قدر إذا تحتج بالقدر
54- وكُفَّ لسان اللوم عن كل مفسدٍ ... ولا تأخذنْ ذا جرمةٍ بعقوبةِ
55- وسهِّل سبيل الكاذبين تعَمُّدًا ... على ربهم مِنْ كلِّ جاءٍ بفريةِ
56- وإن قصدوا إضلال من يستجيبهم ... برومِ فسادِ النوع ثم الرياسةِ
57- وجادل عن الملعونِ فرعونَ إذ طغى ... فأُغْرِق في اليم انتقامًا بغصةِ
58- وكلِّ كفورٍ مشركٍ بإلههِ ... وآخرَ طاغٍ كافرٍ بنبوةِ
59- كعادٍ ونمروذ وقومٍ لصالح ... وقوم لنوح ثم أصحاب أيكةِ
60- وخاصم لموسى ثم سائر من أتى ... من الأنبياء محييًا للشريعة
61- على كونهم قد جاهدوا الناس إذ بغوا ... ونالوا من العاصي بليغ العقوبة
62- وإلا فكلُّ الخلقِ في كلِّ لفظةٍ ... ولحظةِ عينٍ أو تحرك شعرةِ
63- وبطشة كفٍّ أو تخطي قُديمةٍ ... وكلِّ حراكٍ بل وكل سكينةِ
64- هم تحت أقدار الإلهِ وحكمهِ ... فما أنت فيما قد أتيت بحجةِ
65- وَهَبْكَ رفعت اللومَ عن كل فاعلٍ ... فعالَ ردًى طردًا لهذي المقيسةِ
66- فهل يُمْكِننْ رفعُ الملامِ جميعِهِ ... عن الناس طُرًّا عند كلِّ قبيحةِ
67- وتركُ عقوبات الذين قد اعتدوا ... وتركُ الورى الإنصافَ بين الرعيةِ
68- فلا تُضمنَنْ نفسٌ ومالٌ بمثلهِ ... ولا يعقبن عادٍ بمثل الجريمةِ
69- وهل في عقول الناس أو في طباعهم ... قبولٌ لقول النذل: ما وجه حيلتي
70- ويكفيك نقضًا ما بجسمِ ابنِ آدمٍ ... صبيٍّ ومجنون وكلِّ بهيمةِ
71- من الألم المقضيِّ من غير حيلةٍ ... وفيما يشاء الله أكملُ حكمةِ
72- إذا كان في هذا له حكمةٌ فما ... يُظن بخلق الفعل ثم العقوبة
73- فكيف ومِنْ هذا عذاب مُولَّدٌ ... عن الفعلِ فِعل العبد عند الطبيعة
74- كآكِلِ سمٍّ أوجب الموتَ أكلُه ... وكلٌّ بتقديرٍ لرب البرية
75- فَكُفْرُك يا هذا كسمٍّ أكلْتَهُ ... وتعذيبُ نارٍ مثل جرعةِ غصةِ
76-ألست ترى في هذه الدار مَنْ جنى ... يعاقب إما بالقضا أو بشرعة
77- ولا عُذْرَ للجاني بتقدير خالقٍ ... كذلك في الأخرى بلا مَثْنَويَّةِ
78- وتقدير ربِّ الخلق للذنب موجِبٌ ... لتقدير عقبى الذنب إلا بتوبةِ
79- وما كان من جنس المتاب لرفعه ... عواقبَ أفعالِ العبادِ الخبيثةِ
80- كخيرٍ به تُمحى الذنوبُ ودعوةٍ ... تُجاب من الجاني ورُبَّ شفاعة
81- وتقديره للفعل يجلب نقمةً ... كتقديره الأشياءَ طرًّا بعلةِ
82- وقولُ حليف الشرِّ: إني مقدرٌ ... عليَّ كقول الذئب: هذي طبيعتي
83- فهل يرفعن ذنب الملوم بأنه ... كذا طبعه أم هل يقال لعثرةِ
84- أم الذمُّ والتعذيب أوكد للذي ... طبيعته فعل الشرور الشنيعة
85- فإن كنتَ ترجو أن تجاب بما عسى ... ينجِّيك من نار الإله العظيمةِ
86- فدونك ربَّ الخلقِ فاقْصُدْه ضارعًا ... مريدًا لأن يهديْك نحو الحقيقةِ
87- وذلِّل قيادَ النفسِ للحق واسمعن ولا تعصِ من يدعو لأقوم شرعةِ
88-ودَعْ دِينَ ذي العاداتِ لا تتبَعَنَّه ... وعُجْ عن سبيل الأمةِ الغضبيَّة
89- وما بان من حق فلا تتركنَّه ... ولا تعرضن عن فكرة مستقيمةِ
90- ومن ضل عن حقٍّ فلا تقفونَّه ... وزنْ ما عليه الناس بالمَعْدِليةِ
91- هنالك تبدو طالعاتٌ من الهدى ... بتبشير من قد جاء بالحنفية
92- بملة إبراهيم ذاك إمامنا ... ودين رسول الله خير البريةِ
93- فلا يقبل الرحمنُ دينًا سوى الذي ... به جاءت الرسْلُ الكرامُ السجيةِ
94- وقد جاء هذا الحاشرُ الخاتَم الذي ... حوى كلَّ خير في عموم الرسالةِ
95-وأخبر عن رب العباد بأنَّ مَنْ ... غدا عنه في الأخرى بأقبحِ خيبةِ
96- فهذي دلالاتُ العبادِ لحائر ... وأما هداه فهو فعلُ الربوبةِ
97- وفَقْدُ الهدى عند الورى لا يفيد مَنْ ... غدا عنه بل يجري بلا وجه حجةِ
98- وحجةُ محتجٍّ بتقدير ربِّه ... تزيد عذابًا كاحتجاج مريضةِ
99- وأما رضانا بالقضاء فإنما ... أمرنا بأن نرضى بمثل المصيبةِ
100- كسقمٍ وفقرٍ ثم ذلٍّ وغُربةٍ ... وما كان من مؤذٍ بدون جريمةِ
101- فأما الأفاعيلُ التي كرهت لنا ... فلا نصَّ يأتي في رضاها بطاعةِ
102- وقد قال قومٌ من أولي العلم: لا رضًا ... بفعلِ المعاصيْ والذنوبِ الكبيرةِ