شعار الموقع
  1. الصفحة الرئيسية
  2. الدروس العلمية
  3. العقيدة
  4. شرح كتاب الرسالة المدنية
  5. الرسالة المدنية 2 من قوله: "وأيضاً فإن الله قد سمى نفسه حياً عليماً...". إلى قوله: "فإذا كانت ذاته لا تشبه ذوات المخلوقين فصفات الخالق لا تشبه صفات المخلوقين".

الرسالة المدنية 2 من قوله: "وأيضاً فإن الله قد سمى نفسه حياً عليماً...". إلى قوله: "فإذا كانت ذاته لا تشبه ذوات المخلوقين فصفات الخالق لا تشبه صفات المخلوقين".

00:00
00:00
تحميل
139

الرسالة المدنية2

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين سيدنا و نبينا محمد عليه و على آله أفضل الصلاة و أتم التسليم .

( متن )

وأيضا فإن الله سبحانه قد سمى نفسه حيا، عليما، سميعا، بصيرا، ملكا، رؤوفا، رحيما، وقد سمى بعض مخلوقاته حيا وبعضها عليما، وبعضها سميعا بصيرا، وبعضها رؤوفا رحيما، وليس الحي كالحي، ولا العليم كالعليم، ولا السميع كالسميع، ولا البصير كالبصير، ولا الرؤوف كالرؤوف، ولا الرحيم كالرحيم , قال الله : اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وقال: يخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ويخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وقال: وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ وقال: وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ وقال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا وقال: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ وقال تعالى: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ وليس بين صفة الخالق والمخلوق مشابهة إلا في اتفاق الاسم.

وقد أجمع سلف الأمة وأئمتها على أن الله سبحانه بائن عن مخلوقاته وهو فوق سماواته، على عرشه، بائن من خلقه .

( شرح )

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم و بارك على عبد الله و رسوله نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين أما بعد :

فإن المؤلف رحمه الله الشيخ العلامة حمد بن ناصر بن معمر بين في هذه الرسالة التي هي جواب عن سؤال وجه إليه عن الأحاديث الواردة في الصفات هل تمر كما جاءت أم تؤول و ما مذهبه و مذهب الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فأجاب بهذه الرسالة.

 و هذه الرسالة نقول من كتب شيخ الإسلام وابن القيم, و هذا المقطع نقله الإمام من الرسالة التدمرية, و هذه الرسالة تشبه رسالة الحموية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فإنها جواب عن سؤال , سئل شيخ الإسلام عن صفة العلو صفة الاستواء على العرش فأجاب بالحموية, و هذه الرسالة جواب عن سؤال عن الصفات التي وصف الله بها نفسه هل تشابه صفات المخلوق أم لا فبينهما تشابه بين الرسالتين تشابه بين الرسالة الحموية لشيخ الإسلام ابن تيمية و هذه الرسالة للشيخ حمد المعمر و كل منهما جواب عن سؤال عن الصفات.

 و المؤلف رحمه الله أجاب بأن آيات الصفات و أحاديث الصفات تمر كما جاءت و يوصف الله بما وصف به نفسه و بما وصفه به رسوله ﷺ من غير تحريف و لا تعطيل و من غير تكييف و لا تمثيل على حد قول الله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ و قوله سبحانه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ رد على المشبهة و الممثلة و قوله وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ رد على المعطلة فهذه الآية فيها رد على طائفتين من طوائف الضلال لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ رد على الممثلة وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ رد على المعطلة.

 و بين المؤلف رحمه الله فيما نقله فيما استدل به و ما نقل عن الأئمة أن الأئمة الأربعة ليس بينهم نزاع في أصول الدين و أن مذهب شيخ الإسلام و محمد بن عبد الوهاب هو مذهب هؤلاء الأئمة الأربعة و غيرهم و هو أن يوصف الله بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله ﷺ من غير تكييف و لا تمثيل و من غير تحريف و لا تعطيل.

 و بين المؤلف رحمه الله أن الله لا يماثله شيء لا في استوائه و لا في علمه و لا في رحمته و لا في سمعه ولا بصره و لا تكليمه و لا في علوه و أن الله تعالى لا يشابه أحدا من خلقه.

 و بين المؤلف رحمه الله أن الصفات تنقسم إلى قسمين الأسماء و الصفات تنقسم إلى قسمين:

 قسم خاص بالله لا يسمى به غيره و لا يوصف به غيره مثل ( الله ) أعرف المعارف هذا لا يسمى به غير الله مثل ( رب العالمين ) لا يطلق إلا على الله ( خالق الخلق ) و ( مالك الملك ) ( ذو الجلال و الإكرام ) ( المعطي المانع ) ( الخافض الرافع ) ( الباسط القابض ) ( حاكم الحكام ) ( ملك الملوك ) ( سلطان السلاطين ) ( قاضي القضاة ) هذا لا يسمى به غيره .

و هناك أسماء مشتركة تطلق على الله و تطلق على غيره, ولكن إذا أطلقت على الله فله الكمال له منها الكمال كما قال الله تعالى وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أي الوصف الكامل و تطلق على المخلوق و له ما يليق به مثل العزيز و الرحيم و السميع و البصير و القدير و الملك و صفة العلم و صفه الاستواء و صفة النزول و صفة الغضب و صفة الرضا و صفة الرحمة كل هذه تطلق على الله و تطلق على غيره لكن إذا أطلقت على الله فله الكمال و إذا أطلقت على المخلوق فله ما يليق به.

 فالله من أسمائه العزيز قال وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ  و سمى بعض المخلوقين عزيزا قال قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ لكن ليس العزيز كالعزيز و العزيز مشتمل على صفة العزة و ليست عزة الله كعزة المخلوق فالله له الكمال عزته كاملة و المخلوق عزته ناقصة.

 كذلك الملك من أسمائه الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ مَلِكِ النَّاسِ و أطلق على المخلوق ملك وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ و ليس الملك كالملك و ليس ملك الله كملك المخلوق, ملك الله عام شامل، مالك السماوات و الأرض و ما بينهما, و ملك المخلوق محدود محدد في وقت محدد ملك الله مستمر باقي أبد الآبدين, وملك المخلوق مؤقت قد ينزع منه في حياته و إذا لم ينزع في حياته مات و تركه ثم أيضا ملكه محدود قد لا يكون ملك الجميع أقطار الدنيا محدد ثم أيضا ناقص و يخاف من زوال ملكه و من زوال رئاسته بين عشية و ضحاها يخاف و يأخذ الاحتياطات أما الله فلا يخاف من أحد و لا يخشى من أحد و ليس فوقه أحد و لا يزول ملكه.

 و بهذا يتبين أن الصفات و الأسماء المشتركة بين الخالق و المخلوق الله له الكمال و المخلوق له النقص له ما يليق به و لا يلزم بذلك المشابهة , فليس بين صفة الله و صفة خلقه كما يقول المؤلف إلا الموافقة في اللفظ فقط و إلا الاتفاق في أصل المعنى و كذلك أيضا حقائق الآخرة و حقائق الدنيا بينهما مشابهة, في أي شيء المشابهة؟ في الاسم و أصل المعنى فمثلا الاتفاق بين أسماء الخالق اسم الخالق و اسم المخلوق, الله سمى نفسه العليم و سمى المخلوق العليم وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ, يتفق اسم الخالق و اسم المخلوق بالاسم, اسم العليم يطلق على المخلوق و يطلق على الله و يتفق في أصل المعنى ما هو أصل المعنى ! العلم ضد الجهل أن الله متصف بالعلم الذي هو ضد الجهل و أن المخلوق متصف بالعلم الذي هو ضد الجهل لكن هل علم الله كعلم المخلوق ! لا , علم الله كامل شامل للماضي في الأزل إلى ما لا نهاية و شامل للحاضر و شامل للمستقبل و شامل لما لم يكن  لو كان كيف يكون, أما علم المخلوق فهو ناقص مسبوق بالجهل و يعقبه الزوال و النسيان.

 كذلك حقائق الآخرة و حقائق الدنيا , الدنيا فيها ماء و فيها لبن و فيها خمر و فيها عسل و الله أخبرنا أن في الجنة ماء و لبنا و خمرا و عسلا و قال سبحانه مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى, إذاً الجنة فيها ماء و لبن و خمر و عسل و الدنيا فيها ماء و لبن و خمر و عسل هل هما متماثلان هل هما متفقان ! متفقان في شيئين في الاسم و اللفظ هذا لبن هذا لبن هذا خمر هذا خمر هذا عسل هذا عسل, و متفقان في أصل المعنى , أصل المعنى لا بد أن يعرف لو لم يعرف أصل المعنى لما فرقنا ما ندري ما هو اللبن هل هو أكل أم شرب أم مركوب أم ملبوس , لكن نعلم أن الماء سائل يروي الجنة فيها ماء سائل يروي و الدنيا فيها ماء سائل يروي لكن هل ماء الدنيا مثل ماء الآخرة ! لا , ماء الدنيا يتغير مع طول المكث و ماء الآخرة غير آسن , اللبن: الدنيا فيها لبن و الآخرة فيها لبن, الآخرة فيها أنهار من لبن و الدنيا ما فيها أنهار يؤخذ من بهيمة الأنعام ثم الدنيا لبنها يتغير بالحموضة إذا مضى عليه مدة أما لبن الآخرة ما يتغير , الدنيا فيها خمر و الآخرة فيها خمر فيها أنهار من خمر الدنيا ما فيها أنهار يصنع الخمر لكن ليس الخمر كالخمر , خمر الدنيا كريه له رائحة منتنة و يغتال العقول يلتحق صاحبه بالمجانين ويصدع الرأس, و من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة عقوبة له و خمر الآخرة خمر طيب لذيذ لا يغتال العقول و لا يلتحق صاحبه بالمجانين و لا يصدع الرأس و ليس كريه المذاق , الدنيا فيها عسل و الآخرة فيها أنهار من عسل, الدنيا ما فيها أنهار من عسل العسل يؤخذ من النحل قليل لكن الآخرة فيها أنهار من عسل و ليس العسل كالعسل عسل الدنيا فيه شمع عسل الآخرة مصفى من الشمع و أنهار و ليس اللذة و الطعم و الرائحة مثل اللذة و الطعم و الرائحة لكن أصل المعنى فيه اتفاق في شيئين في الاسم و أصل المعنى معروف أصل المعنى.

 كذلك أسماء الله و صفاته توافق أسماء المخلوقين في أي شيء ! في شيئين في اللفظ و أصل المعنى الله يوصف بأنه موجود و المخلوق يوصف بأنه موجود ما هو الاتفاق , الاتفاق في أي شيء ! الاسم موجود؟ موجود , و الاتفاق في أصل المعنى ما هو أصل المعنى ! أن الوجود ضد العدم الخالق موجود و المخلوق موجود غير معدوم لكن هل وجود الخالق مثل وجود المخلوق ! لا وجود المخلوق ضعيف أوجده الله ليس له من نفسه وجود و لا عدم مرتبط بغيره إذا أراد الله وجوده وجد و إذا أراد الله إعدامه عدم, أما وجود الخالق واجب الوجود لذاته لم يوجده أحد و هو الأول ليس لأوليته بداية وهو الأول الذي ليس لأوليته بداية و هو واجب الوجود لذاته ليس له ولد و لا والد لا فرع و لا أصل لم يتفرع منه شيء و لم يتفرع من شيء فليس له ولد و لا والد قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ۝ اللَّهُ الصَّمَدُ ۝ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ۝ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ

و كذلك اسم علم اسم رحمة اسم قدرة مسمى سمع بصر فيه اتفاق بين الخالق و المخلوق ما هو الاتفاق ! في الاسم و أصل المعنى لكن الاتفاق أين يكون في الذهن و التصور لكن في الخارج ما في اتفاق في الخارج ما في اتفاق بين سمع الخالق و سمع المخلوق في الخارج ما في اتفاق بين لبن الدنيا و لبن الآخرة إنما اتفاق في الاسم و التصور في الذهن متى يزول الاتفاق ! عند الإضافة و الاختصاص , كلمة سمع بصر علم قدرة وجود هل هي مقيدة ! غير مقيدة , هل هي مخصصة ! غير مخصصة , هل هي مضافة ! مطلقة كلمة واحدة وجود علم قدرة سمع بصر يكون فيه اتفاق في الاسم و التصور في الذهن متى يزول الاتفاق في الذهن إذا أضيفت ( وجود الخالق ) انسحب خرج من الذهن إلى الخارج فزال الاتفاق ( علم المخلوق ) زال الاتفاق علم المخلوق علم ناقص و علم الخالق علم كامل , لكن كلمة علم نقطعها صار اتفاق صار اتفاق و رجع إلى الذهن تضيف علم المخلوق زال الاتفاق و جاءت في الخارج خرجت من الذهن إذا أضفت خرجت من الذهن و زال الاتفاق و إذا قطعت انتقلت إلى الذهن و حصل الاتفاق.

 المؤلف رحمه الله يقول: ( وأيضا فإن الله سبحانه ) هذا منقول من رسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية إن الله سمى نفسه حيا عليما سميعا بصيرا ملكا رؤوفا رحيما هذه مشتركة كلها مشتركة ( حي ) الله حي و المخلوق حي فيه اتفاق ! اتفاق في الاسم و أصل المعنى , ما هو أصل المعنى ! الحياة ضد الموت يعني المخلوق ليس بميت و الخالق حي هذا الاتفاق, و لكن هل حياة المخلوق كحياة الخالق ! لا حياة الخالق كاملة لم يسبقها عدم و لا يلحقها ضعف و لا نوم و لا نعاس, أما حياة المخلوق فهي مسبوقة بالعدم و تنتهي أيضا يموت يلحقه الموت و النوم و النعاس لكن الاتفاق في أصل المعنى و في الاسم، كذلك سميع هذا مشترك بصير ملك رؤوف رحيم.

ثم قال المؤلف: ( قد سمى نفسه حيا، عليما، سميعا، بصيرا، ملكا، رؤوفا، رحيما، وقد سمى بعض مخلوقاته حيا وبعضها عليما، وبعضها سميعا بصيرا، وبعضها رؤوفا رحيما، وليس الحي كالحي ) ليس الحي الخالق كالحي المخلوق عرفنا الفرق, ( ولا العليم كالعليم، ولا السميع كالسميع، ولا البصير كالبصير، ولا الرؤوف كالرؤوف، ولا الرحيم كالرحيم  ) ثم أتى بالآيات ( قال الله  اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) الْحَيُّ الْقَيُّومُ  هذا اسم الله و قال عن المخلوق (وقال: يخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ويخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ) إذن المخلوق يسمى حيا ( وقال: وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) هذا اسم الله و قال عن المخلوق ( وقال: وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ وقال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) هذا اسم الله سميع بصير و قال عن المخلوق (وقال: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ) هذا وصف المخلوق, و قال عن الخالق ( وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ) إن الله من أسمائه الرؤوف و من أسمائه الرحيم, و قال عن المخلوق ( وقال تعالى: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) هذا وصف الرسول سمى الله نفسه: رؤوفا رحيما و سمى محمدا أيضا رؤوفا رحيما, قال المؤلف رحمه الله (وليس بين صفة الخالق والمخلوق مشابهة إلا في اتفاق الاسم ) و قلت يضاف إليها في اتفاق الاسم و أصل المعنى .

( متن )

وقد أجمع سلف الأمة وأئمتها على أن الله سبحانه بائن عن مخلوقاته وهو فوق سماواته، على عرشه، بائن من خلقه والعرش وما سواه فقير إليه، وهو غني عن كل شيء، لا يحتاج إلى العرش ولا غيره، ليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله فمن قال: إن الله ليس له علم ولا قدرة ولا كلام، ولا يرضى ولا يغضب ولا استوى على العرش فهو معطل ملعون , ومن قال: علمه كعلمي، و قدرته كقدرتي، و كلامه مثل كلامي، و استواؤه كاستوائي، و نزوله كنزولي فإنه ممثل ملعون , ومن قال هذا فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل باتفاق أئمة الدين، فالممثل يعبد صنما، والمعطل يعبد عدما، والكتاب والسنة فيهما الهدى والسداد وطريق الرشاد، فمن اعتصم بهما هُديَ، ومن تركهما ضل.

( شرح )

المؤلف رحمه الله يبين في هذا وجوب أن الرب متصف بالعلو على مخلوقاته و بالاستواء على العرش, فهما صفتان صفة العلو: هذه صفة ذاتية ملازمة لذات الرب لا تنفك عن الباري و دل عليه العقل و الفطرة و الشرع, و صفة الاستواء على العرش صفة فعلية: قد دل عليها الشرع و أما العقل فلم يدل عليها لولا أن الله أخبرنا أنه استوى على العرش لما علمنا الاستواء على العرش علوا خاصا على العرش أما العلو على المخلوقات هذا دل عليه الفطرة.

 و المؤلف يقول أجمع سلف الأئمة على وصف الله بالعلو و وصفه بالاستواء ( وقد أجمع سلف الأمة وأئمتها على أن الله سبحانه بائن عن مخلوقاته فوق سماواته، على عرشه، بائن من خلقه ) قال ( والعرش وما سواه فقير إليه، وهو غني عن كل شيء، لا يحتاج إلى العرش ولا غيره ), نعم الله تعالى هو الحامل للعرش بقوته و بقدرته لا يحتاج إلى العرش لكن استوى عليه استواء يليق بجلاله و عظمته على كيفية لا نعلمها و لا يلزم ذلك حاجته إليه , الاستواء معلوم و هو العلو استقر و علا و صعد و ارتفع هذا المعنى في اللغة لكن كيفيته في الاستواء على العرش لا نعلم, لكن المعنى اللغوي معروف كما قال الإمام مالك : الاستواء معلوم و الكيف مجهول و الإيمان به واجب و السؤال عنه بدعة , معلوم معناها في اللغة العربية صعد و علا استوى علا و استقر و علا و صعد و ارتفع كما قال العلامة ابن القيم :

ولهم عبـارات عليـها أربـع قد حصلت للفارس الطعان
وهي استقر وقـد علا وكذلك ارتفع الذي ما فيه نكـران
وكذاك قد صعد الذي هو رابع وأبو عبيدة صاحب الشيباني
يختار هذا القـول في تفسـيره أدرى من الجهمي بالقـرآن

هذه أربع عبارات للاستواء و عليها تدور تفاسير السلف في الاستواء, أما كيفية الاستواء لا يعلمها إلا الله فهو فوق العرش مستو عليه استواء يليق بجلاله بهذه المعاني الأربع على كيفية الله أعلم بها, و العرش فقير إلى الله محتاج إلى الله و الله لا يحتاج إلى أحد  قال إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ما لمراد بالعالمين؟ كل من سوى الله من المخلوقات عالم السماوات من العالمين و المخلوقات من العالمين و البحار من العالمين و الآدميين من العالميين و الجنة من العالمين و الملائكة من العالمين كل ما سوى الله عالم و الله غني عنه إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ العرش و ما سواه فقير إلى الله و الله غني عنه لا يحتاج إلى العرش و لا إلى غيره.

ثم قال: ( ليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله ), فالله له ذات لا تشبه الذوات و له صفات لا تشبه الصفات و له أفعال لا تشبه الأفعال.

 ثم بين المؤلف رحمه الله أن الناس ثلاث طوائف: طائفة ممثلة مشبهة, و طائفة معطلة, و طائفة مثبتة , مثبتة للأسماء و الصفات كما يليق بجلال الله و عظمته, فالطائفة الممثلة الذي ينفون الأسماء و الصفات يقولون ليس لله علم و لا قدرة و لا كلام و لا سمع و لا بصر و لا رحمة و لا نزول و لا استواء, يقول من قال ذلك فهو معطل ملعون معطل ما معناه ! يعني أنكر عطل الله من صفات كماله, التعطيل من العطل و هو الخلو و الفراغ, و منه قوله : امرأة عاطل إذا لم يكن عليها حلي، معطلة الدار إذا لم يكن فيها ساكن , معطلة الإبل عن راعيها, فالتعطيل معناه الخلو و الفراغ يعني أخلوا الرب من صفات الكمال هذه طائفة المعطلة, لماذا نفوا الصفات ما هي شبهتهم ! يخافون من التشبيه قالوا لو قلنا أن الله عليم و المخلوق عليم و أن الله سميع و المخلوق سميع شابه الله الخلق و الله ليس له شبيه ففرارا من ذلك نفوا الصفات كيف نرد عليهم ! نقول إن الله سميع و المخلوق سميع لكن ليس هناك مماثلة سمع الخالق لا يشبه سمع المخلوق و بصر الخالق لا يشبه بصر المخلوق , لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ منفي التشبيه منفي بالنصوص و العقل و الشرع.

 الطائفة الثانية الممثلة و المشبهة عكس أولئك طائفة تقابل هؤلاء طائفتان متقابلتان أولئك يقولون ليس لله علم و لا سمع و لا بصر و لا قدرة ينفونها و هؤلاء يقولون لله علم كعلم المخلوق و استواء كاستواء المخلوق و يد كيد المخلوق و حياة كحياة المخلوق و علم كعلم المخلوق هؤلاء نسميهم ممثلة و مشبهة.

 يقول المؤلف و المشبه ملعون و أكثرهم من غلاة الشيعة أكثر المشبهة من غلاة الشيعة منهم البيانية أتباع بينان بن سمعان التميمي و منهم السالمين أتباع هشام بن سالم و منهم داود الجواربي فهؤلاء مثلوا الله بخلقه و شبهوه بخلقه.

 الطائفة الثالثة الذين أثبتوا الأسماء و الصفات و نفوا المماثلة هؤلاء هم أهل الحق هم أهل السنة و الجماعة أثبتوا  الصفات فلم ينفوها كما نفوها المعطلة و نفوا المماثلة فلم يثبتوا المماثلة كما أثبتها المشبهة, و الممثلة يعبد صنما وثنا ما يعبد الله , يقول الله له يد كيدي و استواء كاستوائي هل هذا هو الله ! لا , هذا وثن صوره في ذهنه و ظن أنه الله, و لهذا يقول ابن القيم رحمه الله :

لسنا نشبه وصفه بصفاتنا إن المشبه عابد الأوثان

وهو مشابه للنصارى, النصارى ماذا عملوا ! رفعوا المسيح عيسى ابن مريم إلى مرتبة الألوهية و قالوا هو ابن الله فشبهوا المخلوق بالخالق و المشبهة بالعكس تنقصوا الخالق حتى جعلوه مثل المخلوق فكل من النصارى و المشبهة مشبه إلا أن النصارى النسبة بينهم عكسية النصارى شبهوا المخلوق بالخالق و المشبهة شبهوا الخالق بالمخلوق و لهذا يقول العلامة القيم في الكافية الشافية :

من شبه الله العظيم بخلقه فهو الشبيه لمشرك نصراني

و كل من الممثلة و المشبهة و المعطلة طائفتان كافرتان, الممثلة كافرة لأنها تعبد الصنم, و المعطلة كافرة لأنها تعبد العدم ما لها رب الذي ليس له اسم و لا صفة و لا قدرة لا وجود له معدوم يعبدون عدما هل يكون هناك شيء لا يوصف بالعلم و لا بالقدرة و لا بالسمع و لا بالحياة و لا بالنزول و لا بالاستواء و لا بالكلام و لا بالفعل و يتصف بصفة الوجود ماذا يكون؟ يكون معدوما, لذلك المعطلة يعبدون عدما و الممثلة يقولون يد كيدي و استواء كاستوائي و علم كعلمي و حياة كحياتي هذا ماذا يعبد ! صنم تصوره هو، فكل من الطائفتين كافرتان الطائفة الممثلة كافرة و المعطلة كافرة.

 و لهذا قال نعيم بن حماد الخزاعي شيخ الأئمة الستة : من مثل الله بخلقه كفر و من نفى ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله كفر , إذاً كفر الطائفة الممثلة و كفر المعطلة من مثل الله بخلقه كفر و من نفى ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله كفر و ليس فيما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله من ذلك تشبيه .

( متن )

والكتاب والسنة فيهما الهدى والسداد وطريق الرشاد، فمن اعتصم بهما هُديَ، ومن تركهما ضل , وهذا كتاب الله من أوله إلى آخره، وهذه سنة رسول الله ﷺ، وهذا كلام الصحابة والتابعين وسائر الأئمة - قد دل ذلك بما هو نص أو ظاهر في أن الله فوق العرش فوق السماوات مستو على عرشه , ونحن نذكر من ذلك بعضه:

قال الله : الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى وقال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ.

 وقد أخبر باستوائه على عرشه في ستة مواضع من كتابه، فذكر في سورة الأعراف، ويونس، والرعد، وطه، و الم ۝ تَنْزِيلُ السجدة، والحديد.

 وقال تعالى: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وقال: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ, وقال: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ, وقال: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ  ۝ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ وأخبر عن فرعون أنه قال: يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ  ۝ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ففرعون كذب موسى في قوله (إن الله في السماء) وقال: تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ وقال: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ.

( شرح )

المؤلف رحمه الله يبين أن الكتاب و السنة فيهما الهدى و السداد و طريق الرشاد من اعتصم بهما هدي و من تركهما ضل, يقول (كتاب الله من أوله إلى آخره، وهذه سنة رسول الله ﷺ، وهذا كلام الصحابة والتابعين وسائر الأئمة - قد دل ذلك بما هو نص أو ظاهر في أن الله سبحانه فوق العرش فوق السماوات ), و الأدلة التي فيها إثبات على أن الله في العلو و فوق خلقه تزيد أفرادها على ألف دليل كما قال تزيد أفراد الأدلة على ألف دليل و الاستواء على العرش قال المؤلف إنه في سبعة مواضع, في سورة طه الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى, و في سورة الأعراف كما قال الله إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ, و في سورة يونس إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ, في سورة الرعد كذلك المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ۝ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ, و في سورة طه الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى, و في سورة الم ۝ تَنْزِيلُ السجدة قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ, و في سورة الحديد هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ, سبعة مواضع.

و كذلك الأدلة التي أثبتها العلماء إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ, و الرفع يكون من أسفل إلى أعلى فدل على أن الله في العلو إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ الصعود و الرفع يكون من أسفل إلى أعلى, و هذا فيه إثبات العلو  أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ و السماء تعني العلو.

 كذلك قوله ( وأخبر عن فرعون أنه قال: يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ ۝ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى ) فرعون الذي ادعى الربوبية أمر وزيره أن يبني له صرحا فوق لماذا؟ لأن موسى أخبره أن الله في العلو فيريد أن يكذب موسى, موسى قال له إن الله في العلو فقال لوزيره هامان ابن لي صرحا لأطلع إلى إله موسى حتى أبين لكم أنه كاذب فدل على أن موسى أثبت العلو و أخبر أن الله في العلو و لهذا يقول العلماء : من أثبت العلو فهو موسوي محمدي , موسوي نسبة إلى موسى محمدي نسبة إلى محمد و من أنكر العلو فهو جهمي فرعوني جهمي نسبة إلى الجهمية فرعوني نسبة إلى فرعون الذي أنكر.

 قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ التنزيل يكون من أعلى إلى أسفل فدل على أن الله في العلو .

( متن )

وتأمل قوله تعالى في سورة الحديد: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ فقوله: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ يتضمن إبطال قول الملاحدة القائلين بقدم العالم وأنه لم يزل وأنه لم يخلقه بقدرته ومشيئته، ومن أثبت منهم وجود الرب جعله لازما لذاته أزلا وأبدا غير مخلوق؛ كما هو قول ابن سينا وأتباعه الملاحدة.

وقوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يتضمن إبطال قول المعطلة الذين يقولون: ليس على العرش سوى العدم، وإن الله ليس مستويا على عرشه ولا ترفع إليه الأيدي، ولا تجوز الإشارة إليه بالأصابع إلى فوق كما أشار النبي ﷺ في أعظم مجامعه وجعل يرفع إصبعه إلى السماء، وينكبها إلى الناس، ويقول: اللهم اشهد. وسيأتي الحديث إن شاء الله تعالى؛ فأخبر في هذه الآية الكريمة أنه على عرشه، وأنه: يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا، ثم قال: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ فأخبر أنه مع علوه على خلقه وارتفاعه و مباينته لهم معهم بعلمه أينما كانوا.

قال الإمام مالك: الله في السماء، وعلمه في كل مكان لا يخلو منه شيء.

وقال نعيم بن حماد لما سئل عن معنى هذه الآية وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ: معناه: أنه لا يخفى عليه خافية بعلمه.

وسيأتي هذا مع ما يشابهه من كلام الإمام أحمد وأبي زرعة وغيرهما.

وليس معنى قوله تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ: أنه مختلط بالخلق، فإن هذا لا توجبه اللغة، وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها، وخلاف ما فطر الله عليه الخلق، بل القمر آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته هو موضوع في السماء وهو مع المسافر وغير المسافر.

( شرح )

هذا الكلام منقول من الحموية , كلام شيخ الإسلام رحمه الله في الحموية .

( متن )

وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان، وهو سبحانه فوق العرش رقيب على خلقه مهيمن عليهم مطلع عليهم إلى غير ذلك من معاني ربوبيته.

وأخبر تعالى أنه ذو المعارج ، تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ، وأنه الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ، وأن ملائكته يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ، فكل هذا الكلام الذي ذكره الله من أنه فوق عباده على عرشه وأنه معنا حق على حقيقته، لا يحتاج إلى تحريف، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة.

وهو سبحانه قد أخبر أنه قريب من خلقه كقوله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ الآية وقوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ وقال النبي ﷺ: إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ وقوله تعالى: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا فكل ما في الكتاب والسنة من الأدلة الدالة على قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته، فإنه سبحانه علي في دنوه، قريب في علوه.

وقد أجمع سلف الأمة على أن الله فوق سماواته على عرشه، وهو مع خلقه بعلمه أينما كانوا، يعلم ما هم عاملون.

قال حنبل بن إسحاق: قيل لأبي عبد الله: ما معنى وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ؟ قال: علمه محيط بالكل، وربنا على العرش بلا حد ولا صفة.

وسيأتي هذا الكلام مع زيادة عليه من كلام الإمام أحمد وغيره إن شاء الله تعالى.

( شرح )

هذا المقطع يبين فيه المؤلف رحمه الله النصوص من الكتاب العزيز لإثبات علو الله على خلقه و استوائه على عرشه, و أن النصوص من الكتاب و السنة واضحة لإثبات علو الله على خلقه و استوائه على العرش, و العلو و الاستواء صفتان لله, العلو من الصفات الذاتية و الاستواء من الصفات الفعلية.

 و الفرق بين الصفات الذاتية و الصفات الفعلية أن الصفات الذاتية هي التي لا تنفك عن الباري, مثل العلم و القدرة و السمع و البصر و العزة و العظمة و الكبرياء و العلو, و الفعلية هي التي تتعلق بالمشيئة و الاختيار الاستواء و النزول و الرحمة و الغضب إلى غير ذلك.

 قال المؤلف ( تأمل قوله تعالى في سورة الحديد: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ) الآية فيها إثبات الاستواء ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ و إثبات العلم في قوله يَعْلَمُ مَا يَلِجُ و إثبات المعية في قوله وَهُوَ مَعَكُمْ كم صفة ! ثلاث صفات ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ هذا الاستواء يَعْلَمُ مَا يَلِجُ هذا العلم وَهُوَ مَعَكُمْ هذا المعية , هل بينهما تنافٍ: العلو و المعية ! لا ليس بينهما تنافٍ, فالله له العلو فوق العرش و فوق المخلوقات و هو مع الخلق معهم بأي شيء ! بعلمه و إحاطته ليس مختلطا بهم, فهو سبحانه مع الخلق بعلمه و اطلاعه إحاطته و نفوذ قدرته و مشيئته و مع المؤمنين بنصره و تأييده و ذاته فوق العرش لا منافاة, و لهذا جمع الله بينهم فقال ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ 

المؤلف رحمه الله يرد على الملاحدة فقال ( فقوله: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ يتضمن إبطال قول الملاحدة القائلين بقدم العالم وأنه لم يزل ) من هم هؤلاء ! الفلاسفة و أتباعهم يقولون : العالم قديم لم يزل , ما معنى قديم ! ليس له أول و لا بداية جعلوه مقارنا للرب, إذن نفوه أنكروا الخالق , العالم قديم ليس له أول إذن من الذي خلقه ! لو كان له خالق لما كان قديما , هم يقولون قديم ليس له أول إذاً هنا أنكروا وجود الله هذا معنى قول المؤلف ( يتضمن إبطال قول الملاحدة القائلين بقدم العالم وأنه لم يزل وأنه ) يعني الرب (لم يخلقه بقدرته ومشيئته ), و بعضهم أثبت وجود الرب و جعله علة قال الرب علة لوجود المخلوقات و الرب لا ينفك عن المخلوقات لم يخلقها بمشيئته و قدرته لكنها لازمة بذاته مثل لزوم النور للسراج و الضوء ما يستطيع الانفكاك ما خلق الخلق بقدرته بل خلقهم بدون اختياره, هم لازمون له لا ينفكون عنه جعلوا الخالق و المخلوق واحدا, قالوا أول هذا المخلوقات هو الرب أول هذا العالم هو الرب و هو بدايته و هو المحرك لهذا العالم معنى هذا أنهم أنكروا وجود الله و أنكروا أن الله خلق الخلق بقدرته هؤلاء ملاحدة كفرة فلاسفة.

قال: (ومن أثبت منهم وجود الرب جعله لازما لذاته أزلا وأبدا ) و هو لا ينفك عنه ما يستطيع الانفكاك عنه ليس مخلوقا بقدرته و مشيئته بل لازم لذات الرب لزوم النور للسراج قال ( هذا قول ابن سينا و أتباعه من الملاحدة ) الذين أنكروا أن العالم مخلوق بقدرة الله و مشيئته.

ثم ذكر الأدلة قال ( وقوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يتضمن إبطال قول المعطلة الذين يقولون: ليس على العرش سوى العدم ), المعطلة الذين أنكروا أن يكون الله فوق العرش أنكروا وجود الله فقالوا ما على العرش إلا العدم ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ  هذا إثبات لوجود الله و أنه فوق العرش, و الذين أنكروا العرش يقولون لا ترفع الأيدي لهم الجهمية لا يقولون إن الله فوق العرش لو رفعت إصبعك و عندك جهمي لقطع إصبعك احذر أن ترفع إصبعك إلى السماء و عندك جهمي يقطع إصبعك مباشرة لماذا ! لأنك مشبه أنت مشبه تجعل الرب في مكان معين في جهة معينة هذا محدود جعلت الرب جسم جعلته محدودا جعلته في جهة فأنت تنقصته, فهذا كفر الذي يقول الله فوق العرش عند الملاحدة يكفر لماذا ! تنقص الله هذا تنقص و هذا نسبة النقص إلى الرب حيث جعله جسما و محدودا و متحيزا, فلهذا لو رفعت إصبعك و عندك جهمي و استطاع أن يقطع إصبعك لقطعه. أين هو ! قالوا في كل مكان مختلط بالمخلوقات حتى في بطون السباع و أجواف الطيور و في كل مكان , إذا جعلت الله في مكان معين يعني حقرته و جعلته محجوزا, إذاً ماذا تقولون عن مكان الله ! نقول في كل مكان هذا و العياذ بالله الكفر و الضلال.

 قال ( ولا تجوز الإشارة إليه بالأصابع إلى فوق كما أشار النبي ﷺ في أعظم مجامعه وجعل يرفع إصبعه إلى السماء، وينكبها إلى الناس، ويقول: اللهم أشهد, جعل يرفع إصبعه في السماء ثم ينكبها فرفع النبي ﷺ إصبعه إلى السماء فيه إثبات العلو.

 و ذكر المؤلف رحمه الله أن الله أخبر في هذه الآية الكريمة أنه على عرشه في سورة ( وأنه: يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا فأخبر أنه مع علوه على خلقه وارتفاعه و مباينته لهم معهم بعلمه ) يقول لا منافاة بين العلو و العلم, فالله تعالى فوق العرش و فوق المخلوقات مستو على العرش و هو مع الخلق, فكيف يكون معهم و هو فوق العرش ! معهم بأي شيء ! معهم بعلمه و اطلاعه و إحاطته و قدرته و مشيئته و مع المؤمنين بنصره و تأييده, لكن الجهمية يقولون مختلط بمخلوقاته و هذا باطل المعية لا تدل على الاختلاط في لغة العرب, ما معنى المعية في لغة العرب ! المصاحبة , العرب تقول : ما زلنا نسير و القمر معنا , القمر أين هو ! فوق رأسك , كيف معنا ! يعني مصاحب لنا لا يلزم أن يكون محاذيا و لا مماسا, لأنك تقول القمر معنا و هو فوقك و كذلك الله تعالى فوق العرش و هو مع الخلق بعلمه و إحاطته و هو مع المؤمنين بنصره و تأييده.

 و ذكر كما نقل عن نعيم بن حماد قال الإمام مالك الله في السماء و علمه في كل مكان و نعيم بن حماد لما سئل عن معنى هذه الآية : معناه: أنه لا يخفى عليه خافية بعلمه و نقل عن  الإمام أحمد وأبي زرعة وليس معنى قوله تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ: أنه مختلط بالخلق، فإن هذا لا توجبه اللغة , اللغة لا تدل على الاختلاط تدل على أي شي ! المصاحبة كلمة مع في اللغة العربية لطلق المصاحبة و قوله المعية توجب الاختلاط, ( وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها، وخلاف ما فطر الله عليه الخلق ).

 ثم قال  (  بل القمر آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته هو موضوع في السماء وهو مع المسافر ), و مع المقيم في غير السفر و الله أخبرنا أنه ذو المعارج وأن ملائكته يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ، و هو قريب

و قال ينبغي أن يصان من الظنون يعني مثل أن يظن أنه إذا كان في السماء أن السماء تحيطه أو تحصره هذا من الظنون الكاذبة على الله و قد أخبر أنه قريب مجيب وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ قريب ليس قرب لكل أحد قريب من الداعين.

 القرب نوعان: قريب من الداعين بالإجابة و قريب من العابدين بالإثابة وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ, الساجد قريب لأنه عابد العابد, قريب ما قال أن الله قريب من كل أحد , قريب من العابدين كالساجد و قريب من الداعين كالسائل وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ قريب ممن ! من السائلين بالإجابة وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ اقترب إلى الله لأنك عابد فهو قريب من العابدين بالإثابة: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ قيل المراد هنا قرب الملائكة, و قيل المراد قرب الرب بالعلم و القدرة و الرؤية,مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُم هذه المعية هُوَ مَعَهُمْ يعني بعلمه و إطلاعه و هو فوق العرش, وقد أجمع سلف الأمة على أن الله فوق سماواته على عرشه، وهو مع خلقه بعلمه, لا منافاة فهو فوق العرش و هو معهم بعلمه و اطلاعه و إحاطته كما ( قيل لأبي عبد الله: ما معنى وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ؟ قال: علمه محيط بالكل، وربنا على العرش بلا حد ولا صفة).

( متن )

وأما الأحاديث الواردة عن رسول الله ﷺ في هذا الباب فكثيرة جدا:

منها: ما رواه مسلم في صحيحه وأبو داود والنسائي وغيرهم «عن معاوية بن الحكم السلمي، قال: لطمت جارية لي، فأخبرت رسول الله ﷺ فعظم ذلك علي، فقلت: يا رسول الله، أفلا أعتقها؟ قال: بلى، ائتنِ بها، قال: فجئت بها إلى رسول الله ﷺ، فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء، فقال: فمن أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: اعتقها، فإنها مؤمنة.

وفي هذا الحديث مسألتان:

إحداهما: قول الرجل لغيره: أين الله؟

وثانيهما: قول المسؤول: في السماء.

فمن أنكر هاتين المسألتين فإنما ينكر على الرسول ﷺ.

( شرح )

المؤلف بعدما ساق الأدلة على العلو و الاستواء من الكتاب العزيز ساق الأدلة من الأحاديث من السنة, ذكر حديث معاوية السلمي في صحيح مسلم له جارية ترعى الغنم, فجاء الذئب و أخذ شاة من الغنم و هو يشاهد و أخذها, فغضب فجاء و قال كيف يأخذها الذئب و أنت أمامه تتركينه يأخذ الشاة, فلطمها و صكها ثم ندم و جاء إلى رسول الله ﷺ فقال : إني لطمتها, فعظم عليه و شدد عليه , مسكينة ما لها قدرة ولا قصرت, فقال يا رسول الله إني أعتقها,  فقال لو لم تفعل للفحتك النار إئت بها ليرى هي مؤمنة أم لا, فقال لها أين الله؟ للجارية و الجارية أعجمية فقالت في السماء قال من أنا قال أنت رسول الله, قال فأعتقها فإنها مؤمنة شهد لها بالإيمان و الشاهد قوله أين الله؟ أين يسأل بها عن المكان هذا فيه إثبات أن الله في العلو و الجهمية و المعتزلة و الأشاعرة ماذا يقولون عن الحديث يقولون ما يسأل عن الله بأين , طيب قلنا الرسول سأل , قالوا الرسول سأل سؤالا فاسدا, هكذا اتهموا الرسول سأل لأن الجارية أعجمية لا تفهم يسألها سؤالا فاسدا يناسب عقلها, و لما قالت في السماء أقرها على جواب فاسد لأنها أعجمية فهو سألها سؤالا يناسب فهمها و أجاب بجواب يناسب فهمها , أنظر كيف يتهمون الرسول عليه الصلاة و السلام , الرسول مشرع كيف يقرها , و قالوا الرسول ليس المقصود أنه يسأل عن مكان الله بل المقصود أن يقول من الله , كل هذا فرار من إثبات العلو , الرسول يسأل من الله لكن لأن الجارية أعجمية  ما تفهم قال لها أين الله و إلا فالمقصود أن يقول من الله , و هل الرسول لا يعرف أن يقول من الله ! أين ثلاثة حروف و من حرفين أنظر كيف اتهموا الرسول عليه الصلاة و السلام.

 المؤلف يقول ( هذا الحديث فيه مسألتان: قول الرجل لغيره: أين الله؟ من أنكرها فقد أنكر على الرسول الثاني أنها لما قال في السماء فمن أنكر أن يسأل عن الله بأين و أن الله في السماء فرد و أنكر على من؟ أنكر على الرسول .

( متن )

وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك قال: كانت زينب تفخر على أزواج النبي ﷺ وتقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله من فوق سبع سماوات.

( شرح )

هذا الدليل: من فوق سبع سماوات. فدل على أن الله في العلو هذا وجه الدلالة إثبات أن الله فوق .

( متن )

وفي الصحيحين عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله ﷺ: لَمَّا خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ، كَتَبَ فِي كِتَابِهِ، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي، وفي لفظ آخر: كَتَبَ فِي كِتَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ، فَهُوَ مَوْضُوعٌ عِنْدَهُ إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي، وفي لفظ: فَهُوَ مكتوب عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ .

( شرح )

هذا في الصحيحين, و الشاهد قوله فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ العندية, فيه إثبات العلو و أن الله فوق العرش, و فيه الرد على من قال أن الله مختلط بالمخلوقات, و فيه إثبات صفة الخلق لله, و فيه إثبات صفة الرحمة رحمته, و فيه إثبات صفة الغضب, و فيه إثبات صفة الكتابة  كَتَبَ فِي كِتَابِهِ كم صفة ! عدة صفات إثبات الفوقية و العلو و إثبات الخلق و إثبات الرحمة و إثبات الغضب و إثبات الكتابة و هي من الصفات الفعلية .

( متن )

وهذه الألفاظ كلها صحيحة في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم.

وفي صحيح مسلم عن أبي موسى، قال: «قام فينا رسول الله ﷺ بخمس كلمات، فقال: إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرق سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه.

( شرح )

وجه الدلالة على العلو قوله: يرفع إليه عمل الليل و الرفع يكون من أسفل إلى أعلى  فدل على أن الله في العلو  .

( متن )

وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم الرب، وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون.

( شرح )

الشاهد قوله ثم يعرج و العروج يكون من أسفل إلى أعلى فدل على أن الله في العلو .

( متن )

وعن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: من اشتكى منكم أو اشتكى أخ له فليقل: ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء, اغفر لنا حوبنا وخطايانا أنت رب الطيبين، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع، فيبرأ أخرجه أبو داود.

( شرح )

هذا رواه أبو داود و هو رقية شرعية يرقى بهذا الحديث تنفث و تقول ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك أمرك في السماء, و الشاهد قوله ربنا الله الذي في السماء و السماء العلو ففيه إثبات العلو .

( متن )

وفي الصحيحين في قصة المعراج، وهي متواترة: «وتجاوز النبي ﷺ السماوات سماء سماء حتى انتهى إلى ربه تعالى، فقربه وأدناه، وفرض عليه خمسين صلاة، فلم يزل يتردد بين موسى وبين ربه، ينزل من عند ربه إلى موسى، فيسأله: كم فرض عليك؟ فيخبره، فيقول: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف.

وذكر البخاري في كتاب التوحيد من صحيحه حديث أنس حديث الإسراء، وقال فيه: ثم علا به - يعني جبريل - فوق ذلك بما لا يعلم إلا الله حتى جاوز سدرة المنتهى، وأدنى الجبار رب العزة، فتدلى حتى كان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إليه فيما أوحى خمسين صلاة كل يوم وليلة، ثم هبط حتى بلغ موسى، فاحتبسه موسى، فقال: يا محمد، ماذا عهد إليك ربك؟ قال: عهد إلي خمسين صلاة كل يوم وليلة، قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم، فالتفت النبي ﷺ إلى جبرائيل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار إليه جبرائيل أن نعم إن شئت، فعلا به إلى الجبار تبارك وتعالى فقال وهو في مكانه: يا رب خفف عنا. وذكر الحديث.

( شرح )

في هذا الحديث قصة المعراج متواتر, يقول المؤلف فيه إثبات العلو إثبات العلو من ماذا ! من عدة وجوه , كون النبي ﷺ تجاوز سماء إلى سماء حتى جاوز السبع الطباق إلى أين ذهب ! إلى الله فوق هذا فيه إثبات العلو و كونه أيضا ينزل إلى موسى في السماء السادسة ثم يصعد يعلو به جبريل إلى الله هذا فيه إثبات العلو و قوله (ثم علا به جبرائي ) هذا فيه إثبات العلو و أن الله فوق العرش .

( متن )

ولما حكم سعد بن معاذ في بني قريظة بأن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذريتهم وتغنم أموالهم، قال النبي ﷺ: لقد حكمت فيهم بحكم الملك من فوق سبعة أرقعة. وفي لفظ: من فوق سبع سماوات.

 

( شرح )

و هنا الشاهد من فوق سبعة أرقعة أو سبع سماوات هذا دليل على أن الله في العلو .

( متن )

وأصل القصة في الصحيحين، وهذا السياق لمحمد بن إسحاق في المغازي.

وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد قال: بعث علي بن أبي طالب إلى النبي ﷺ بذهيبة في أديم مقروض لم تحصل من ترابها، قال: فقسها بين أربعة: بين عيينة بن حصن بن بدر، والأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرابع إما علقمة، وإما عامر بن الطفيل "، فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء، فبلغ ذلك النبي ﷺ فقال: ألا تأمنوني، وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحا ومساء.

( شرح )

و هذا فيه أن عليا كان أميرا في اليمن و أتاه بذهيبة قطعة ذهب قطعة ذهب ما ضربت مختلطة بالتراب في أديم في سقاء من الجلد أرسلها إلى النبي ﷺ بترابها, ماذا عمل الرسول عليه الصلاة و السلام ! وزعها بين أربعة لماذا يوزعها بينهم ! حتى يتقوى إيمانهم لأنهم رؤساء صناديد رؤساء قبائل في نجد أسلموا حديثا فأرسل بها إليهم حتى يتقوى إيمانهم و المهاجرين و الأنصار ما أعطاهم شيئا , لماذا لم يعطهم ! لأن إيمانهم قوي , لكن من إيمانه ضعيف دخل في الإيمان جديدا, إن لم يعط ارتد عن دينه فيعطيه حتى يتقوى إيمانه و حتى يطوعوا قبائلهم قسمها بين أربعة عيينة بن حصن بن بدر هذا رئيس قبيلة, و كذلك الأقرع بن حابس رئيس قبيلة و زيد الخيل, فقال رجل من القوم اعترض على النبي ﷺ اعترض عليه و قال: اعدل يا محمد فإن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله قيل أن هذا هو رئيس الخوارج أنه أصل الخوارج فقال النبي ﷺ ألا تأمنوني، وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحا ومساء الشاهد أنا أمين من في السماء ففيه إثبات أن الله في السماء و في العلو .

( متن )

وفي سنن أبي داود من حديث جبير بن مطعم، قال: «جاء أعرابي إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، نهكت الأنفس، وجاع العيال، وهلكت الأموال، فاستسق لنا ربك، فإنا نستشفع بالله عليك وبك على الله، فقال النبي ﷺ: سبحان الله، سبحان الله، فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، فقال: ويحك، أتدري ما الله؟ إن شأنه أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع به على أحد من خلقه، إنه لفوق سماواته على عرشه، وإنه عليه كهكذا، وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب. وقد ساق الذهبي هذا الحديث في كتاب العلو من رواية ابن إسحاق، ثم قال: (هذا حديث غريب جدا، وابن إسحاق حجة في المغازي إذا أسند، وله مناكير وعجائب، و الله أعلم .

( شرح )

هذا الحديث فيه خلاف في ضعفه و تصحيحه, فمن العلماء من ضعفه كما ذكر الذهبي أنه من رواية ابن إسحاق و هو معنعن و قد دلس, وأبو إسحاق صاحب المغازي ثقة لكنه مدلس إذا روى بالعنعنة و لم يسبقه بالسماع ففيه ضعف, و منهم من حسنه كشيخ الإسلام ابن تيمية و ابن القيم قالوا له شواهد و احتجوا به, و ذكره الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد.

 و الشاهد من الحديث إثبات العلو لله في قوله وإنه لفوق سماواته على عرشه. و الذين قالوا إن الحديث ضعيف قالوا فيه أيضا نكارة في المتن و فيه ضعف في السند من أبي إسحاق و نكارة في المتن لأنه يقول إن الله فوق العرش يئط به أطيط الرحل بالراكب الراحل من ثقله, هذا دليل على أن العرش يحمله الله, و هذا منكر، الله لا يحتاج إلى أحد, فمن العلماء من أنكره و قال في متنه نكارة و في سنده ضعف و شيخ الإسلام و ابن القيم يرى أنه صحيح و حسن و له شواهد و قوله يئط به أطيط الرحل بالراكب ما ينافي هذا لأنهم قالوا أن العلماء لهم قولين في حمل الرب للعرش منهم من قال إن العرش يحمل الله و كونه يحمل الله لأن الله هو الذي قواه على ذلك.

 فالمقصود أن الشاهد من الحديث على القول بأن الحديث حسن قوله وإنه لفوق سماواته على عرشه هكذا, و على كل حال أحاديث العلو تزيد على ألف دليل هذا الحديث لو قيل أنه لم يصح فهناك أحاديث أخرى لكن شيخ الإسلام قال كل النصوص الأخرى تشهد له فيدل على أنه حسن .

( متن )

فالله أعلم قال النبي ﷺ هذا أم لا؟ والله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ جل جلاله وتقدست أسماؤه ولا إله غيره.

والأطيط الواقع بذات العرش من جنس الأطيط الحاصل في الرحل، فذاك صفة للرحل وللعرش، ومعاذ الله أن نعده صفة لله ، ثم لفظ الأطيط لم يأت به نص ثابت.

( شرح )

المؤلف رحمه الله علق على الحديث قال (والأطيط الواقع بذات العرش من جنس الأطيط الحاصل في الرحل ) ليس صفة لله صفة للعرش يئط به فذاك صفة للعرش قال ( و معاذ الله أن نعده صفة لله ) يعني الأطيط لا يجعله صفة لله يعني أن الله يثقل على العرش و أنه هناك ضعف أو عجز قال (ثم لفظ الأطيط لم يأت به نص ثابت ) .

( متن )

وقولنا في هذه الأحاديث: أنا نؤمن بما صح منها وبما اتفق السلف على مراده وإقراره، فأما ما في إسناده مقال أو اختلف العلماء في قبوله وتأويله، فإنا لا نتعرض له بتعزيز ، بل نرويه في الجملة ونبين .

( شرح )

نؤمن بهذه الأحاديث بما صح منها و اتفق عليه السلف نؤمن به, و لا تعرض للتأويل , و هذا كان نقل من الذهبي قال ( لقد ساق الذهبي ) هذا كلام الذهبي يقول معاذ الله أن نعده صفة ثم لفظ الأطيط لم يأت به نص, و قوله أن الأحاديث نؤمن بها و ما اتفق فقال يعني الذهبي و اختلف العلماء في قوله و تأويله .. إلى آخره .

( متن )

وهذا الحديث إنما سقناه لما فيه مما تواتر من علو الله فوق عرشه مما يوافق آيات الكتاب.

( شرح )

يعني حديث الأطيط الذي سقناه لأن فيه إثبات العلو في قوله إن عرشه على سماواته, ثم قوله ( نستشفع بالله عليك و نستشفع بك على الله ) أنكر كلمة جائزة و كلمة غير جائزة , نستشفع بالله عليك هذا منكر أنكرها الرسول ﷺ يعني نجعلك نستشفع بالله عليك يعني نجعل الله واسطة بيننا و بينك هذا أنكره قال سبحان الله سبحان الله لا يستشفع بالله على أحد من خلقه أما قول نستشفع بك على الله يعني نتوسل بك إلى الله فهذا جائز , كلمتين واحدة منهما جائزة و واحدة لا , نستشفع بك على الله و نستشفع بالله عليك أيهما الجائزة ! نستشفع بك على الله, و الممنوع نستشفع بالله عليك, هذه أنكرها النبي ﷺ سبح الله قال سبحان الله سبحان الله لا يستشفع بالله على أحد من خلقه.

( متن )

وفي سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد من حديث العباس بن عبد المطلب، قال: كنت جالسا بالبطحاء في عصابة فيهم رسول الله ﷺ، فمرت سحابة، فنظر إليها، فقال: ما تسمون هذه؟ قالوا: السحاب، قال: والمزن، قالوا: والمزن، قال: والعنان، قالوا: والعنان، قال: هل تدرون بعد ما بين السماء والأرض؟ قالوا: لا ندري، قال: إن بعد ما بينهما إما واحدة وإما اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة، ثم السماء فوقها كذلك، حتى عد سبع سماوات، ثم فوق السماء السابعة بحر بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء وسماء، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهم وركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء.

( شرح )

ملائكة , ملائكة على صورة أوعال يحملون العرش .

( متن )

ثم على ظهورهم العرش، أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم الله فوق ذلك وليس يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم.

( شرح )

هذا الحديث رواه العباس بن عبد المطلب فيه أيضا كلام من العلماء من ضعفه و منهم من حسنه لشواهده, و الشاهد قوله ثم على ظهورهم العرش، ثم الله فوق ذلك لا يخفى عليه فالله فوق العرش ففيه إثبات العلو , و قوله إن بعد ما بين السماء وواحدة أو اثنتان أو ثلاثة و سبعون سنة, في حديث آخر بين كل سماء و سماء خمس مائة سنة, و هنا يقول واحدة أو اثنان أو ثلاثة وسبعون سنة ما الجمع بينهما ! قال العلماء خمس مائة سنة محمولة على الراكب البطيء و واحدة و اثنتان و سبعون سنة محمولة على الراكب السريع .

( متن )

وفي مسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة أن رجلا أتى النبي ﷺ بجارية سوداء أعجمية، فقال: يا رسول الله، إن علي رقبة مؤمنة، فقال لها رسول اللهﷺ: أين الله؟ فأشارت بأصبعها السبابة إلى السماء، فقال لها: من أنا؟ فأشارت بأصبعها إلى رسول الله ﷺ وإلى السماء، أي: أنت رسول الله، فقال: اعتقها.

( شرح )

هذا مثل ما سبق في حديث معاوية بن حكم السلمي، الشاهد إثبات العلو قال أين الله؟ فأشارت إلى السماء فدل على أن الله في العلو .

( متن )

وفي جامع الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله ﷺ قال: الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

( شرح )

الشاهد: يرحمكم من في السماء, إثبات أن الله في السماء و العلو, و فيه إثبات الرحمة لله أيضا إثبات صفة الرحمة و العلو .

( متن )

وفي جامع الترمذي أيضا عن عمران بن حصين، قال: قال النبي ﷺ لأبيه حصين: كم تعبد اليوم إلهاً؟ قال: سبعة: ستة في الأرض، وواحد في السماء، قال: فمن الذي تعد لرغبتك ورهبتك؟ ، قال: الذي في السماء، قال: يا حصين، أما إنك لو أسلمت علمتك كلمتين ينفعانك، قال: فلما أسلم حصين، قال: يا رسول الله علمني الكلمتين اللتين وعدتني، قال: قل: اللهم ألهمني رشدي، وأعذني من شر نفسي.

( شرح )

الشاهد في هذا أنه قال سبعة في الأرض وواحد في السماء. و الذي في السماء هو الله, فيه إثبات أن الله في السماء و العلو .

( متن )

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن النبي ﷺقال: والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عليها.

( شرح )

الشاهد: كان الذي في السماء ساخطاً عليها دل على أن الله في السماء .

( متن )

وفي حديث الشفاعة الطويل عن أنس بن مالك عن النبي ﷺ قال: فأدخل على ربي تبارك وتعالى وهو على عرشه.

( شرح )

الشاهد: وهو على عرشه دل على أن الله في العلو .

( متن )

وذكر الحديث، وفي بعض ألفاظ البخاري في صحيحه: فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه.

وصح عن أبي هريرة بإسناد مسلم قال: قال رسول الله ﷺ: إن لله ملائكة سيارة يتتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلس ذكر جلسوا معهم، فإذا تفرقوا صعدوا إلى ربهم. وأصل الحديث في صحيح مسلم، ولفظه: فإذا تفرقوا صعدوا إلى السماء، فيسألهم الله ، وهو أعلم بهم: من أين جئتم؟

( شرح )

الشاهد إثبات العلو قوله صعدوا إلى ربهم و الصعود يكون من أسفل إلى أعلى, وصعدوا إلى السماء كذلك دل على أن الله في العلو .

( متن )

والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا لا يتسع هذا الجواب لبسطها، وفيما ذكرنا كفاية لمن هداه الله وألهمه رشده، وأما من أراد الله فتنته فلا حيلة فيه، بل لا تزيده كثرة الأدلة إلا حيرة وضلالا؛ كما قال تعالى: وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وقال: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا وقال يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وقال: وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ وقال قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ.

( شرح )

المؤلف يقول الأحاديث كثيرة, و ذكر بعض الأمثلة و كافية هذه الأمثلة لمن هداه الله, و أما من أراد الله فتنته فلا حيلة فيه, الأدلة لا تزيده إلا ضلال كما قال الله عن اليهود وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا  انظر القرآن فيه هدى و شفاء, لكن اليهود يزيدهم القرآن طغيانا و كفرا القرآن الذي فيه الشفاء و الهداية و الرحمة يزيد الكفرة طغيانا و كفرا لا حول و لا قوة إلا بالله قال وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ لكن الظالمين لا يزيدهم إلا خسارا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا بعض الناس يضل بالقرآن وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ يعني السورة التي تنزل رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا يعني القران هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ في آذانهم صمم و في أعينهم عمى نسأل الله العافية .

( متن )

والمقصود أن نصوص الكتاب و السنة قد نطقت، بل قد تواترت بإثبات علو الله على خلقه، وأنه فوق سماواته مستو على عرشه استواء يليق بجلاله لا يعلم كيفيته إلا هو.

فإن قال السائل: كيف استوى على عرشه؟ قيل له؛ كما قال ربيعة ومالك وغيرهما: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عن الكيفية بدعة.

وكذلك إذا قال: كيف ينزل ربنا؟ قيل له: كيف هو؟ فإذا قال: أنا لا أعلم كيفيته. قيل له: ونحن لا نعلم كيفية نزوله إذ العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف، وهو فرع له، فكيف تطالبني بكيفية استوائه على عرشة وتكليمه ونزوله وأنت لا تعلم كيفية ذاته؟ وإذا كنت تقر بأن له حقيقة ثابتة في نفس الأمر مستوجبة لصفات الكمال فلا يماثلها شيء، فاستواؤه ونزوله وكلامه ثابت في نفس الأمر، ولا يشابهه فيها استواء المخلوقين وكلامهم ونزولهم، فإن الله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فإذا كان له ذات حقيقة لا تماثل الذوات، فالذات متصفة بصفات حقيقية لا تماثل، صفات سائر الذوات، فإن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات. فإذا كانت ذاته لا تشبه ذوات المخلوقين فصفات الخالق لا تشبه صفات المخلوقين.

( شرح )

هنا المؤلف رحمه الله ذكر الخلاصة , قال الخلاصة أن النصوص من كتاب الله و السنة كلها متواترة بإثبات علو الله على خلقه و استوائه على عرشه النصوص, من الكتاب و من السنة.

و قال إذا قال الإنسان كيف استوى ! نجيبه بجواب مالك, نقول الاستواء معلوم يعني في اللغة العربية و الكيف مجهول يعني الكيفية و الإيمان به واجب و السؤال عنه بدعة.

 و هذا يقال لجميع الأسماء و الصفات , إذا قال كيف العلم ! نقول العلم معلوم و الإيمان به واجب و السؤال عنه بدعة, و هكذا.

و إذا قيل كيف ينزل ربنا ! نقول كيف هو في ذاته ! فإذا قال أنا لا أعلم ذاته فنقول إذا لا تعلم كيفية ذاته فلا نعلم كيفية صفاته لأن الكلام في الصفة فرع عن الكلام في الذات و إذا كنت تقر بأن له ذات حقيقية مستوجبة لصفات الكمال ولا يشابه المخلوقين فكذلك الله ليس له مثيل لا في ذاته و لا في أسمائه و لا في صفاته, فإذا كان له ذات حقيقية لا تماثل الذوات فالذات متصلة بصفات حقيقية لا تفارق الصفات فالكلام على الصفات فرع عن الكلام في الذات , الذات لا تشبه الذوات إذا الصفات لا تشبه الصفات ما يقال في هذا يقال في هذا  .

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد