الرسالة المدنية6
بسم الله الرحمن الرحيم
( المتن )
يقول: كنت عند أبي حنيفة أول ما ظهر؛ إذ جاءته امرأة من ترمذ، وكانت تجالس جهما، فدخلت الكوفة، فأظنني قلما رأيت عليها عشرة آلاف نفس، فقيل لها: إن هاهنا رجلا قد نظر في المعقول يقال له أبو حنيفة، فأتته، فقالت: أنت الذي تعلم الناس المسائل، وقد تركت دين إلهك الذي تعبده؟ فسكت عنها، ثم مكث سبعة أيام لا يجيبها، ثم خرج إلينا، وقد وضع كتابا: أن الله في السماء دون الأرض، فقال له رجل: أرأيت قول الله تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ. قال: هو كما تكتب إلى الرجل إني معك، وأنت غائب عنه.
ثم قال البيهقي: لقد أصاب أبو حنيفة رحمه الله فيما نفى عن الله من الكون في الأرض، وأصاب فيما ذكر من تأويل الآية، واتبع مطلق السمع بأن الله تعالى في السماء وفي كتاب الفقه الأكبر المشهور المروي بالأسانيد عن أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي، قال: سألت أبا حنيفة عمن يقول لا أعرف ربي في السماء أو الأرض؟ قال: قد كفر، إن الله تعالى يقول: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، وعرشه فوق سماواته. فقلت: إنه يقول: أقول على العرش استوى ولكن لا أدري العرش في السماء أم في الأرض! قال: إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر, و روى هذا أبو إسماعيل في كتاب صاحب الفاروق .
( الشرح )
بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم و بارك على عبد الله و رسوله نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين أما بعد :
فإن المؤلف الشيخ العلامة حمد بن ناصر بن معمر رحمه الله في هذه الرسالة التي هي جواب الشيخ عن سؤال عن الصفات و العلو و ما هو الاعتقاد الصحيح و هل تؤول الآيات و النصوص و ما هو مذهبه و مذهب الإمام محمد بن عبد لوهاب رحمه الله, فأجاب بهذه الرسالة منها خلاصة أن الواجب على المسلم أن يؤمن بأسماء الله و صفاته و يثبتها لله كما وردت في الكتاب و السنة من غير تأويل و لا تحريف و من غير تكييف و لا تعطيل.
ثم سرد الأدلة من كتاب الله تعالى و سنة رسوله ﷺ على إثبات علو الله على خلقه و استوائه عل عرشه و إثبات أسمائه و صفاته كقوله تعالى أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ و قوله ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ, و قوله سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى و قوله يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ و قوله إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ و قوله وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
ثم سرد أقوال الصحابة و التابعين في إثبات علو الله على خلقه و استوائه على عرشه و أسمائه و صفاته.
و في هذا الفصل ذكر المؤلف رحمه الله أقوال الأئمة الأربعة أبي حنيفة و مالك و الشافعي و أحمد, في إثبات علو الله على خلقه و استوائه على عرشه, و أن من أنكر علو الله على خلقه فقد كفر لأنه مكذب للقرآن و من كذب الله كفر.
و بدأ بالإمام أبي حنيفة بذكر قوله لأنه هو الأول في الزمان المتوفى سنة 141هـ . فهو أقدمهم لهذا بدأ به و ذكر قوله.
و روى عن البيهقي في كتاب الصفات في هذه القصة قصة المرأة التي جاءت إلى أبي حنيفة رحمه الله و قالت له أنت الذي تعلم الناس المسائل ! قد تركت دين إلهك الذي تعبده فسكت عنها ثم مكث سبعة أيام لا يجيبها، ثم خرج قد قرر مؤلف و كتب فيه أن الله في السماء دون الأرض، فقال له رجل: أرأيت قول الله تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ هذه الآية فيها شبهة لمن أراد الله فتنته, و يظن أن هذه الآية تفيد الاختلاط, و المعية في لغة العرب إنما تأتي لمطلق المصاحبة, و لا يلزم منها الاختلاط و المحاذاة , فقوله وَهُوَ مَعَكُمْ يعني معكم قد تكون معكم معية بأن الشخص يكون معك و المتعلقات تكون مثلا جيشه معك و تقول العرب ما زلنا نسير و القمر معنا و القمر فوق رأسك بعيد عنك ما زلنا نسير و النجم معنا, و يقال فلان زوجته معه و قد تكون في المشرق و هو في المغرب و المعنى في صمته فلا يلزم مع المعية الاختلاط و لا المحاذاة عن يمين و شمال و إنما هي لمطلق المصاحبة.
و لكن أهل البدع ظنوا أنها تفيد الاختلاط فلهذا ضربوا النصوص بعضها ببعض و أبطلوا النصوص العلو و الفوقية بنصوص المعية. و هذا من جهلهم و ضلالهم.
و هدى الله أهل السنة و الجماعة فآمنوا بالنصوص و جمعوا بينها و أثبتوا علو الله على خلقه و استوائه على عرشه و قالوا إن نصوص العلو و الفوقية محكمة و أما نصوص المعية فمعناها المصاحبة. معنى وَهُوَ مَعَكُمْ أينما كنتم يعني معكم بعلمه و حكمته و اطلاعه و نفوذ قدرته و مشيئته ينصر عباده و يعلم أحوالهم من فوق عرشه
و المعية الخاصة للمؤمنين تفيد التوفيق و التسديد و الحفظ و الكلاءة كقوله إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ هذه معية خاصة تفيد التوفيق و التسديد و الحفظ و الكلاءة.
و المعية العامة عامة للمؤمن و الكافر تفيد الإحاطة و النفوذ و القدرة و المشيئة.
الإمام أبو حنيفة رحمه الله لما شبه عليه المشبهون قالوا إنك كتبت كتابك و قررت أن الله في السماء دون الأرض كيف تجيب على الآية وَهُوَ مَعَكُمْ أينما كنتم فقال أبو حنيفة : هو كما تكتب إلى الرجل إني معك، وأنت غائب عنه, المعنى أن القرآن نزل بلغة العرب , تكتب للرجل إني معك و هو غائب عنه تكتب له كتابا يعني أؤيدك و أنصرك و أدافع عنك, و لو كنت أنت في المشرق و هو في المغرب تقول إني معك و قد يطلع الرجل و هو في الدور السادس أو السابع أو أكثر يطلع للصبي و هو يبكي على الأرض فيقول له إني معك فيسكت الصبي, و هذا في الأدوار العلوية و الطفل في الأسفل. فمعك يعني معتن بك منتبه لك مراقب لك لا يمسك سوء، و لهذا قال الإمام أبو حنيفة : هو كما تكتب إلى الرجل إني معك، وأنت غائب عنه.
و صوب البيهقي أبا حنيفة فقال : لقد أصاب أبو حنيفة رحمه الله فيما نفى عن الله من الكون في الأرض، وأصاب فيما ذكر من تأويل الآية، واتبع مطلق السمع , البيهقي يقول إن أبا حنيفة أصاب فنفى عن الله أنه في الأرض, قال الله في السماء دون الأرض فأصاب و أصاب فيما ذكر من تأويل الآية قوله وَهُوَ مَعَكُمْ هو كما تكتب إلى الرجل إني معك، وأنت غائب عنه و تبع مطلق السمع لأن الله في السماء يعني تبع مطلق النص أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ هذا نص مطلق أن الله في السماء, تبع الإمام أبو حنيفة مطلق السمع , السمع النصوص من الكتاب و السنة تسمى السمع لأن الإنسان يسمعها بإذنه تسمى أدلة سمعية و الأدلة العقلية التي يعقلها الإنسان التي يعقلها و يتصورها.
كذلك سئل أبو حنيفة من قال لا أعرف ربي في السماء أو الأرض؟ قال: قد كفر لأن الله تعالى يقول: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، وعرشه فوق سماواته يعني المعنى أنه مكذب لله , من يقول لا أعلم العرش في السماء أو الأرض كذب الله في قوله الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، فيكفر , فقلت: إنه يقول: أقول إنه على العرش استوى ولكن لا أدري العرش في السماء أم في الأرض! فقال: إذا أنكر أنه على العرش استوى فقد كفر.
و روى هذا أبو إسماعيل في كتاب الفاروق .
( المتن )
وروى هذا أبو إسماعيل صاحب الفاروق وقال الإمام أبو محمد موفق الدين بن قدامة: بلغني عن أبي حنيفة رحمه الله أنه قال: من أنكر أن الله في السماء فقد كفر.
فتأمل هذا الكلام المشهور عن أبي حنيفة عند أصحابه أنه كفر الواقف الذي يقول لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض، فكيف يكون الجاحد النافي الذي يقول: ليس في السماء ولا في الأرض؟ واحتج أبو حنيفة على كفره بقوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى و بين أن الله فوق السماوات فوق العرش.
و في الفقه الأكبر عن أبي مطيع قلت لأبي حنيفة فإن قال إنه على العرش و لكنه قال لا أدري في السماء أم في الأرض قال هو أنكر أن يكون الله في السماء , لأنه تعالى في أعلى عليين، وأنه لا يدعى في إعلاه من أسفل.
و قال أبو حنيفة في الفقه الأكبر ..
( الشرح )
هذا النقل عن الإمام أبي محمد بن قدامة عن أبي حنيفة فيه الحكم على من أنكر أن الله فوق السماء بالكفر و هذا الحكم بالكفر على العموم عند أهل العلم تكفير النوع لا الفرد أما الفرد الشخص المعين الذي يقول لا أدري أين الله في السماء أم الأرض لا يكفر حتى تقام عليه الحجة و توجد الشروط و تنتفي الموانع , هذه هي القاعدة, فالعلماء إذا قالوا من أنكر رؤية الله كفر من قال إن القرآن مخلوق كفر من أنكر أن الله في السماء كفر مقصودهم التكفير بالنوع لا بالعين تكفير من قال هذه المقالة لا بعينه, أما شخص معين فلان بن فلان يقول هذه المقالة لا يكفر حتى تقوم عليه الحجة و تكشف الشبهة.
أبو حنيفة كفر الواقف , الواقف الذي توقف يقول ما أدري في السماء أم في الأرض كفره لا بد أن يجزم أن الله على العرش وأن العرش في السماء من يقول ما أدري في السماء أم في الأرض كفره الإمام أبو حنيفة الواقف أو المتوقف فكيف يكون الجاحد النافي ! إذا كان المتوقف كافر فالذي يجحد و ينفي كافر من باب أولى.
و احتج أبو حنيفة بكفره بقوله الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى, و بين أن الله فوق السماوات فوق العرش.
و كذلك أيضا نقل عن كتاب الفقه الأكبر عن أبي حنيفة كتاب صغير سماه الفقه الأكبر في العقيدة فالتفقه في العقيدة هو الفقه الأكبر و التفقه في الفروع الفقه الأصغر نقل عن أنه قال: إذا قال لا أدري في السماء أم في الأرض قال هو أنكر أن يكون الله في السماء لأنه تعالى في أعلى عليين، وأنه لا يدعى في إعلاه من أسفل .
( المتن )
و قال أبو حنيفة في الفقه الأكبر : لا يوصف الله بصفات المخلوقين، ولا يقال: إن يده قدرته ولا نعمته؛ لأن فيه إبطال الصفة، وهو قول أهل القدر والاعتزال، قال ولكن يده صفته بلا كيف.
وقال في الفقه الأبسط: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ليست كأيدي خلقه، وهو خالق الأيدي جل وعلا، ووجهه ليس كوجوه خلقه، وهو خالق كل الوجوه، ونفسه ليست كنفوس خلقه، وهو خالق كل النفوس، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
وقال في الفقه الأكبر: وله تعالى يد ووجه ونفس بلا كيف ذكر الله تعالى في القرآن، وغضبه ورضاه وقضاه وقدرته من صفاته تعالى بلا كيف، ولا يقال غضبه عقوبته، ورضاه ثوابه انتهى بحروفه .
( الشرح )
هذا النقل عن الإمام أبي حنيفة نقل عنه الموفق ابن قدامة, و لما نقل قال انتهى بحروفه. و فيه أن الإمام أبي حنيفة في كتاب الفقه الأكبر الذي يسمى بالرسالة الصغيرة ذكر مذهب أهل السنة و الجماعة في الصفات فيقول ( لا يوصف الله بصفات المخلوقين، ولا يقال: إن يده قدرته و نعمته؛ لأن فيه إبطال الصفة، وهو قول أهل القدر والاعتزال ), الذين يفسرون اليد بالقدرة هم الأشاعرة يقولون أن اليد عبارة عن القدرة و النعمة , في قول الله تعالى خطاب لإبليس مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ لو فسرت اليد بالقدرة و النعمة ماذا يكون المعنى ! يفسد المعنى , ما منعك أن تسجد لما خلقت بقدرتي ! ما منعك أن تسجد لما خلقت بنعمتي ! هل القدرة قدرتان أم قدرة واحدة , قدرة الله واحدة كذلك النعمة, هذا يفسد المعنى, و هذا يدل على بطلان هذا التأويل لله يد حقيقية اليد غير القدرة غير النعمة. قال المؤلف: ( ولا يقال: إن يده قدرته و نعمته؛ لأن فيه إبطال الصفة، وهو قول أهل القدر والاعتزال ). قال ( ولكن يده صفته بلا كيف.
وقال في الفقه الأبسط: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ليست كأيدي خلقه، وهو خالق الأيدي جل وعلا، ووجهه ليس كوجوه خلقه، وهو خالق كل الوجوه، ونفسه ليست كنفوس خلقه، وهو خالق النفوس، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ).
و قال أيضا الإمام أبو حنيفة ( في الفقه الأكبر: وله تعالى يد ووجه ونفس، بلا كيف ذكر الله تعالى في القرآن، وغضبه ورضاه وقضاه وقدرته من صفاته تعالى بلا كيف، ولا يقال غضبه عقابه، ولا رضاه ثوابه ) يعني لا يفسر الغضب بالعقوبة و لا يفسر رضاه بالثواب كما تقول الأشاعرة قال المؤلف ( انتهى بحروفه ) .
( المتن )
ذكر قول الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة :
قال عبد الله بن نافع: قال مالك بن أنس: الله في السماء، وعلمه في كل مكان، لا يخلو منه شيء. رواه عبد الله ابن الإمام أحمد.
وروى أبو الشيخ الأصبهاني وأبو بكر البيهقي عن يحيى بن يحيى، قال: كنا عند مالك بن أنس فجاءه رجل، فقال: يا أبا عبد الله، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، كيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء، ثم قال: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعا". فأمر به أن يخرج.
وتقدم عن شيخه ربيعة مثل هذا الكلام. فقول ربيعة ومالك "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول" موافق لقول الباقين "أمروها كما جاءت بلا كيف" فإنما نفوا الكيفية ولم ينفوا حقيقة الصفة.
ولو كان القوم آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول"، ولما قالوا: "أمروها بلا كيف"، فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوما، بل مجهولا؛ بمنزلة حروف المعجم.
وأيضا فإنه لا يحتاج إلى نفي الكيفية إذا لم يفهم من اللفظ معنى، وإنما يحتاج إلى نفي الكيفية إذا أثبتت الصفات.
وأيضا فإن من ينفي الصفات لا يحتاج أن يقول بلا كيف فمن قال: إن الله ليس على العرش لا يحتاج أن يقول بلا كيف.
فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر؛ لما قالوا: بلا كيف.
وأيضا فقولهم "أمروها كما جاءت" يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه، فإنها جاءت ألفاظا دالة على معان، فلو كانت دلالتها منفية لكان الواجب أن يقال أمروا ألفاظها؛ مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد، أو يقال أمروا لفظها؛ مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة، وحينئذ فلا تكون قد أمرت كما جاءت، ولا يقال حينئذ: بلا كيف؛ إذ نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول.
قال الذهبي بعدما ذكر كلام مالك وربيعة الذي قدمناه: وهذا قول أهل السنة قاطبة أن كيفية الاستواء لا نعقلها، بل نجهلها، وأن استواءه معلوم كما أخبر به في كتابه، وأنه كما يليق به، ولا نتعمق، ولا نتحذلق، ولا نخوض في لوازم ذلك نفيا ولا إثباتا، ونقف كما وقف السلف ونعلم أنه لو كان له تأويل لبادر إليه الصحابة والتابعون، ولما وسعهم إقراره وإمراره والسكوت عنه، ونعلم يقينا مع ذلك أن الله لا مثل له في صفاته، ولا في استوائه، ولا في نزوله، عما يقول الظالمون علوا كبيرا وقد تقدم ما رواه الوليد بن مسلم عن مالك بما أغنى عن إعادته.
وقال أبو حاتم الرازي: حدثني ميمون بن يحيى البكري، قال: قال مالك: من قال القرآن مخلوق يستتاب، فإن تاب وإلا ضرب عنقه.
( الشرح )
هذا النقل عن الإمام مالك و هو الإمام الثاني و هو يلي أبو حنيفة في الزمان فهذا النقل قال المؤلف عن الإمام أبي حنيفة إثبات الصفات و العلو نقل عن الإمام مالك بن أنس و هو إمام دار الهجرة.
ذكر عبد الله بن نافع أنه قال ( الله في السماء، وعلمه في كل مكان، لا يخلو منه شيء ), يعني لا يخلو من علمه أي شيء , الله في السماء ( في ) الظرفية و المراد بالسماء العلو الله تعالى له أعلى العلو و هو ما فوق العرش, الله في السماء يعني في العلو أعلى ما فوق العرش فهو فوق العرش , و علمه في كل مكان لا يخلو من مكان, و ذاته سبحانه فوق العرش. ( رواه عبد الله ابن الإمام أحمد ).
ثم نقل المؤلف رحمه الله القصة المشهورة عن الإمام مالك حينما جاءه الرجل الذي سأله عن الاستواء و ذلك أنه كان جالسا كان الإمام جالسا فجاء رجل و سأله, سأل مالك بن أنس, ( فقال: يا أبا عبد الله، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، كيف استوى؟ ) يسأله عن الكيفية ( فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء ) يعني العرق, لأنه أشكل عليه هذا السؤال و ما كان السلف يسألون عن الكيفية ( ثم قال: "الاستواء غير مجهول ) يعني معلوم ( والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعا" فأمر به أن يخرج ) من مجلسه. و روي هذا الكلام عن ربيعة شيخه, و روي عن أم سلمة كلهم روي عنهم هذه المقالة.
و قوله ( "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول" موافق لقول الباقين "أمروها كما جاءت بلا كيف" فإنما نفوا الكيفية ولم ينفوا حقيقة الصفة, ولو كان القوم آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول"، ولما قالوا: "أمروها بلا كيف"، فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوما، بل مجهولا ), المعنى أنه لا بد من إثبات المعنى الاستواء معلوم يعني معلوم معناه في اللغة العربية استقر و علا و صعد و ارتفع, و ليس المراد الإيمان باللفظ فقط لأن هذا قول المفوضة و المفوضة شر من الجهمية, المفوضة يقولون نفوض المعنى إلى الله و لا نعرف معنى اللفظ ، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ينزل الله كل ليلة إلى السماء الدنيا هؤلاء الملاحدة يقولون لا نعرف ما معناه ما ندري معنى هذه الكلمات كأنها كلمات أعجمية. هذا باطل اللغة العربية واضحة كلام الله و كلام رسوله ﷺ واضح القرآن الكريم و السنة المطهرة و هذا يدل على أنهم آمنوا باللفظ و المعنى, و لكن نفوا الكيفية, و لهذا قال ( فإنما نفوا الكيفية ولم ينفوا حقيقة الصفة ولو كان القوم آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول"، ولما قالوا: "أمروها بلا كيف"، فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوما، بل مجهولا ).
و قال أيضا ( فإنه لا يحتاج إلى نفي الكيفية إذا لم يفهم من اللفظ معنى، وإنما يحتاج إلى نفي الكيفية إذا ثبتت الصفات ), يعني يقول الاستواء معلوم و الكيف مجهول فلو كان اللفظ غير مفهوم ما احتاج إلى الكيفية إذا كان المعنى غير مفهوم فالكيفية من باب أولى لا يحتاج أن يقول بلا كيف , الجهم قال إن الله ليس على العرش لا يحتاج أن يقول بلا كيف ( فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر؛ لما قالوا: بلا كيف ) لو أرادوا نفي الصفات بقولهم أمروها كما جاءت لما قالوا بلا كيف. و هكذا نقل المؤلف عن الإمام مالك نفي الكيفية.
قال: ( وهذا قول أهل السنة قاطبة أن كيفية الاستواء لا نعقلها، بل نجهلها ) أهل السنة قاطبة يقولون إن الكيفية لا نعقلها ( وأن استواءه معلوم كما أخبر به في كتابه ).
ثم نقل أيضا المؤلف رحمه الله عن الإمام الذهبي قال ( وأن الاستواء كما يليق بجلال الله، ولا نتعمق، ولا نتحذلق، ولا نخوض في لوازم ذلك نفيا ولا إثباتا، ونقف كما وقف السلف ونعلم أنه لو كان له تأويل لبادر إليه الصحابة والتابعون ). و هذا النقل عن الإمام مالك يدل على أنه موافق للسلف الصالح لأهل السنة و الجماعة, و أن النصوص التي جاءت في إثبات الصفات تثبت المعنى و تنفي الكيفية.
و النقل الأخير عن أبي حاتم الرازي الذي نقله ( من قال القرآن مخلوق يستتاب، فإن تاب وإلا ضرب عنقه ) لكفره دل على أنه يكفر من قال القرآن مخلوق, و هذا لمن قامت عليه الحجة .
( المتن )
ذكر قول الإمام محمد بن إدريس الشافعي :
قال روى شيخ الإسلام أبو الحسن البكاري عن أبي شعيب وأبي ثور، وكلاهما عن محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله، قال: القول في السنة التي أنا عليها ورأيت عليها الذين رأيتهم، مثل سفيان ومالك وغيرهما الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأن الله على عرشه في سمائه، يقرب من خلقه كيف شاء، وينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء. وذكر سائر الاعتقاد.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: سمعت الشافعي، يقول وقد سئل عن الصفات وما يؤمن به، فقال: لله أسماء وصفات, جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه أمته، لا يسع أحدا من خلق الله قامت عليه الحجة ردها؛ لأن القرآن نزل بها، وصح عن رسول الله ﷺ القول بها فيما روى عنه العدول، فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر، وأما قبل ثبوت الحجة عليه فمعذور بالجهل؛ لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالرؤية والفكر، ولا يكفر بالجهل بها أحد إلا بعد ما انتهى الخبر إليه بها؛ ونثبت هذه الصفات، وتنفى عنها التشبيه؛ كما نفى سبحانه التشبيه عن نفسه، فقال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
وصح عن الشافعي أنه قال: خلافة أبي بكر الصديق حق قضاها الله في سمائه، وجمع عليها قلوب عباده، انتهى. ومعلوم أن المقضي في الأرض والقضاء فعله سبحانه المتضمن لمشيئته وقدرته.
وقال في خطبة رسالته: الحمد لله الذي هو كما وصف به نفسه، وفوق ما يصفه به خلقه.
( الشرح )
هذا النقل عن الإمام الثالث و هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي في إثبات العلو و الاستواء.
نقل عنه أبو شعيب وأبو ثور أنه قال ( القول في السنة التي أنا عليها ورأيت عليها الذين رأيتهم، مثل سفيان ومالك وغيرهما الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأن الله على عرشه في سمائه، يقرب من خلقه كيف شاء، وينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء ). هذا النقل فيه بيان معتقد الإمام الشافعي رحمه الله و هو الإيمان و الإقرار بالشهادتين و الإقرار بأن الله على عرشه و الإقرار بأنه ينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء.
ثم نقل أيضا ابن أبي حاتم أنه قال ( لله أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه أمته ). هذا النقل نقله عن الشافعي أنه قال قوله عن السنة التي أنا عليها و رأيت عليها الذين رأيتهم من التابعين الإقرار بالشهادتين و الإقرار بأن الله في العرش في سمائه يقرب من خلقه كيف يشاء و ينزل إلى السماء الدنيا كيف يشاء, و ذكر سائر الاعتقاد.
ثم نقل عن عبد الأعلى الذي روى عن الشافعي أنه قال ( و سئل عن صفاته و ما يؤمن به قال : لله أسماء و صفات كما جاء به كتابه و أخبر بها نبيه أمته لا يسع أحدا من خلق الله قامت عليه الحجة ردها ). نعم لله أسماء و صفات لا يجوز لأحد ردها من ردها جاحدا فقد كفر و متؤولا فهو مبتدع. قال ( فإن خالف أحد ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر ) إذا أنكر الرؤية و قامت الحجة عليه فهو كافر ( وأما قبل ثبوت الحجة عليه فمعذور بالجهل؛ لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالرؤية والفكر، ولا يكفر بالجهل بها أحد إلا بعدها ). فالإمام هنا يقول لا بد من قيام الحجة على الشخص الذي أنكر علو الله على خلقه فإذا قامت الحجة و خالف حكم بكفره, و أما قبل ثبوت الحجة يعذر بالجهل, و هذا إذا كان يجهل هذا الشيء أما إذا لم يكن يجهل هذا الشيء أو هو لا يريد أن يسأل ليس عنده إرادة, هذا غير معذور في هذه الحالة.
و نقل عنه أنه قال ( ونثبت هذه الصفات، وننفي عنها التشبيه ).
قال ( وصح عن الشافعي أنه قال: خلافة أبي بكر الصديق حق قضاها الله في سمائه، وجمع عليها قلوب عباده) .
( المتن )
ذكر قول الإمام أحمد بن حنبل :
قال الخلال في كتاب السنة حدثنا يوسف بن موسى، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد، قال لي أبي: ربنا تبارك وتعالى فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه، وقدرته وعلمه بكل مكان؟ قال: نعم، لا يخلو شيء من علمه.
قال الخلال: وأخبرني الميمون، قال: سألت أبا عبد الله عمن قال: إن الله ليس على العرش، فقال: كلامهم كله يدور على الكفر.
وقال حنبل: قيل لأبي عبد الله: ما معنى قوله مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وقوله: وَهُوَ مَعَكُمْ؟ قال: علمه محيط بالكل، وربنا على العرش بلا حد ولا صفة، وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ.
وقال أبو طالب: سألت أحمد عن رجل، قال: إن الله معنا، وتلا: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ؟ قال: يأخذون بآخر الآية ويدعون أولها، هلا قرأت عليه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ بالعلم معهم، وقال في سورة (ق) : وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ
وقال المروذي: قلت لأبي عبد الله: إن رجلا يقول: أقول كما قال الله: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ، أقول هذا، ولا أجاوزه إلى غيره فقال أبو عبد الله: هذا كلام الجهمية قلت: فكيف نقول: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ؟ قال: علمه في كل مكان، وعلمه معهم، وقال: أول الآية يدل على أنه علمه.
وقال في موضع آخر: وإن الله على عرشه فوق السماء السابعة، يعلم ما تحت الأرض السفلى، وإنه غير مماش لشيء من خلقه، هو تبارك وتعالى بائن من خلقه، وخلقه بائنون منه.
وقال في كتاب الرد على الجهمية الذي رواه الخلال، وقال: كتبت هذا الكتاب من خط عبد الله ابن الإمام أحمد، وكتبه عبد الله من خط أبيه، قال فيه: (باب بيان ما أنكرت الجهمية أن يكون الله على العرش) فقالوا: هو تحت الأرض السابعة كما هو تحت العرش، وفي السماوات، وفي الأرض و في كل مكان و تلو هذه الآية وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ قال أحمد: قلنا: قد عرف المسلمون أماكن كثيرة ليس فيها من عظمة الرب شيء؛ أجسامكم وأجوافكم والحشوش والأماكن القذرة ليس فيها شيء من عظمته، وقد أخبرنا الله أنه في السماء، فقال: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ الآيتين وقال: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ، إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ.
( الشرح )
هذا النقل عن الإمام أحمد رحمه الله في إثبات الصفات و العلو. وواضح أن الإمام أحمد هو إمام أهل السنة و الجماعة يقر الأسماء و الصفات لله و يقر العلو و ينفي التأويل و الكيفية و هذا عليه أهل السنة قاطبة , الصحابة و التابعون و الأئمة الأربعة و غيرهم.
النقل الأول قال ( أخبرنا عبد الله بن أحمد، قلت لأبي: ربنا تبارك وتعالى فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه، وقدرته وعلمه بكل مكان؟ قال: نعم، لا يخلو شيء من علمه ).
ثم ذكر الخلال أيضا أنه سأل أبا عبد الله عن من قال إن الله ليس على العرش نقل عن الميموني أنه سأل ( أبا عبد الله عمن قال: إن الله ليس على العرش، فقال: كلامهم كله يدور على الكفر ), الذين ينكرون العلو كلامهم يدور على الكفر, كما قال بعض السلف كلام الجهمي يدور على أنه ليس على العرش إله يعبد. إذن كفر و جحود نسأل الله العافية.
( وقال حنبل: قيل لأبي عبد الله: ما معنى قوله مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وقوله: وَهُوَ مَعَكُمْ؟ قال: علمه محيط بالكل، وربنا على العرش بلا حد ولا صفة ) بلا حد يعلمه العباد و لا صفة يصف بها العباد وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ.
ثم نقل المؤلف رحمه الله أيضا قوله لا منافاة بين العلو و المعية, لأن العلو الفوقية, و المعية تفيد أن هناك ارتباطا و مصاحبة, و لهذا نقل المؤلف رحمه الله عن الإمام أحمد هذا النقل و منها قول الإمام أحمد في وَهُوَ مَعَكُمْ علمه محيط بالكل، وربنا على العرش بلا حد ولا صفة بلا حد يعلمه العباد و لا صفة يصف بها العباد وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ.
( وقال أبو طالب: سألت أحمد عن رجل، قال: إن الله معنا، وتلا: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ؟ قال: يأخذون بآخر الآية ويدعون أولها ) ما هي أول الآية ! أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ و آخرها إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فبدأ الآية بالعلم و ختمها بالعلم فدل على أن المعية معية علم و إحاطة و اطلاع قال ( يأخذون بآخر الآية و يدعون أولها هلا قرأت عليه ! أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ بالعلم ) ( وقال في سورة (ق) : وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ.
وقال المروذي: قلت لأبي عبد الله: إن رجلا يقول: أقول كما قال الله: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ، قال أقول هذا، ولا أجاوزه إلى غيره, فقال أبو عبد الله: هذا كلام الجهمية ). ثم قرر المؤلف عقيدة أهل السنة و الجماعة فقال ( أول الآية يدل على أنه علمه.
وقال في موضع آخر: وأن الله على عرشه فوق السماء السابعة، يعلم ما تحت الأرض السفلى )..
و كذلك أيضا كتابه في الرد على الجهمية الذي رواه الخلال الذي قال فيه (باب بيان ما أنكرت الجهمية أن يكون الله على العرش) فقالوا: هو تحت الأرض ) الجهمية ( فقالوا هو تحت الأرض السابعة كما هو تحت العرش ) يعني المعنى أنه مختلط بالمخلوقات, و هذا كفر و ضلال, ( و تلى هذه الآية وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ يشبهون بهذه الآية ( و هو الله في السماوات و في الأرض ) يعني علمه في السماوات كما هو في الأرض, و من العلماء من يقف على قوله ( و هو الله في السماوات ) و يستأنف ( و في الأرض يعلم سركم و جهركم و يعلم ما تكسبون ).
و الإمام رد على الجهمية في رسالة خاصة ( قال أحمد: فقلنا ) الخطاب للجهمية ( قد عرف المسلمون أماكن كثيرة ليس فيها من عظمة الرب شيء؛ أجسامكم وأجوافكم والحشوش والأماكن القذرة ليس فيها شيء من عظمة الله, وقد أخبرنا الله أنه في السماء ) في مواضع من كتابه ( فقالإِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ و قال بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ) هذه النصوص كلها عن الإمام أحمد تدل على أنه يثبت العلو و المعية و أنه لا منافاة بينهما فهو علي في دنوه قريب في علوه .
( المتن )
وقال أيضا في الكتاب المذكور: ومما أنكره الجهمية الضلال أن الله على العرش، وقد قال تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى وقال: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ثم ساق أدلة القرآن.
ثم قال: ومعنى قوله وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ، يقول: هو إله من في السماوات وإله من في الأرض، وهو على العرش، وقد أحاط علمه بما دون العرش، لا يخلو من علمه مكان، ولا يكون علم الله في مكان دون مكان، وذلك لقوله تعالى: لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا.
قال الإمام أحمد: ومن الاعتبار في ذلك لو أن رجلا كان في يده قدح من قوارير، وفيه شيء، كان بصر ابن آدم قد أحاط بالقدح من غير أن يكون ابن آدم في القدح، فالله سبحانه وله المثل الأعلى قد أحاط بجميع ما خلق علما من غير أن يكون في شيء مما خلق.
قال: مما تأولت الجهمية من قول الله تعالى: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ فقالوا: إن الله معنا وفينا .
( الشرح )
هذه مناقشة من الإمام أحمد للجهمية مما نقله قال ( ومما أنكرت الجهمية الضلال أن الله على العرش، وقد قال تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى وقال: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ثم ساق أدلة القرآن )
ثم أجاب عن الآية وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يعني ( هو إله من في السماوات وإله من في الأرض، وهو على العرش، وقد أحاط علمه بما دون العرش، لا يخلو من علمه مكان، ولا يكون علم الله في مكان دون مكان ).
ثم استدل بالآية لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا.
ثم ضرب الإمام أحمد مثلا في الاعتبار ( قال الإمام أحمد: ومن الاعتبار في ذلك لو أن رجلا كان في يده قدح من قوارير، وفيه شيء، كان بصر ابن آدم قد أحاط بالقدح من غير أن يكون ابن آدم في القدح ) هذا مثال ( لو أن رجلا كان في يده قدح من قوارير، وفيه شيء، كان بصر ابن آدم قد أحاط بالقدح من غير أن يكون ابن آدم في القدح ). أنت إذاً شاهدت كأسا تكون أنت أحطت بالكأس لكن لست في وسط الكأس, هذا معنى قوله ( لو أن رجلا كان في يده قدح من قوارير، وفيه شيء، كان بصر ابن آدم قد أحاط بالقدح من غير أن يكون ابن آدم في القدح ). الذي يكون في القدح بصره.
ثم ذكر مناقشة الإمام أحمد للجهمية في بيان إثبات العلو .
( المتن )
فالله سبحانه وله المثل الأعلى قد أحاط بجميع ما خلق علما من غير أن يكون في شيء مما خلق.
قال: مما تأولت الجهمية من قول الله تعالى: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ فقالوا: إن الله معنا وفينا، فقلنا لهم: قطعتم الخبر من أوله؛ أن الله افتتح الخبر بعلمه.
قال أحمد: وإذا أردت أن تعلم أن الجهمي كاذب على الله حين زعم أنه في كل مكان، ولا يكون في مكان دون مكان، فقل له: أليس الله كان ولا شيء ؟ فيقول: نعم، فقل له: فحين خلق الشيء خلقه في نفسه أو خارجا عن نفسه، فإنه يصير إلى أحد ثلاثة أقاويل: إن زعم أن الله خلق الخلق في نفسه؛ كفر حين زعم أن الجن والإنس والشياطين وإبليس في نفسه. وإن قال: خلقهم خارجا عن نفسه ثم دخل فيهم؛ كفر أيضا حين زعم أنه دخل في كل مكان وحش وقذر. وإن قال: خلقهم خارجا عن نفسه ثم لم يدخل فيهم؛ رجع عن قوله أجمع. وهو قول أهل السنة.
قال أحمد: وقلنا للجهمية: حين زعمتم أن الله في كل مكان أخبرونا عن قول الله فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا: أكان في الجبل بزعمكم، فلو كان فيه كما تزعمون لم يكن تجلى له، بل كان سبحانه على العرش، فتجلى لشيء لم يكن فيه، ورأى الجبل شيئا ما رآه قط .
( الشرح )
هذا النقل عن الإمام أحمد مناقشة عقلية للجهمية , فالمؤلف استدل على إثبات العلو و الاستواء بالنصوص, ثم نقل كلام الصحابة و التابعين ثم نقل كلام الأئمة, و في نقله للإمام أحمد مناقشة عقلية لأن العلو دل عليه السمع و العقل و الفطرة. فالإمام أحمد ناقش الجهمية قال لو أن رجلا في يده قدح من قوارير و فيه شيء بصر ابن آدم ينفذ في القدح لكن ابن آدم خارج القدح يعني كذلك الله فوق العرش يبصر أعمال عباده من فوق عرشه و تنفذ فيهم قدرته و مشيئته و هو ليس داخلا فيهم هو فوق العرش و لكن يبصر أعمال عبادة و تنفذ فيهم قدرته و مشيئته و لا يمكن أن يمتنع أحد عما قدره الله عليه.
ثم ذكر أيضا مناقشة الجهمية و أن الجهمية استدلوا على إبطال العلو بالآية مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ فقالوا إن الله معنا و فينا, فقال الإمام قلنا لهم ( قطعتم الخبر من أوله؛ إن الله افتتح الخبر بعلمه ) يعني بداية الآية أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ. فقال إن الله افتتح الخبر بعلمه.
( قال أحمد: وإذا أردت أن تعلم أن الجهمي كاذب على الله حين زعم أنه في كل مكان، ولا يكون في مكان دون مكان، فقل له: أليس الله كان ولا شيء ؟ فيقول: نعم، فقل له: فحين خلق الشيء خلقه في نفسه أو خارجا عن نفسه، فإنه يصير إلى أحد ثلاثة أقاويل: إن زعم أن الله خلق الخلق في نفسه؛ كفر حين زعم أن الجن والإنس والشياطين وإبليس في نفسه وإن قال: خلقهم خارجا عن نفسه ثم دخل فيهم؛ كفر أيضا حين زعم أنه دخل في كل مكان وحش قذر وإن قال: خلقهم خارجا عن نفسه ثم لم يدخل معهم؛ رجع عن قوله ), قال ( وهو قول أهل السنة.
قال أحمد: وقلنا للجهمية ) يعني في مناقشتهم ( حين زعمتم أن الله في كل مكان أخبرونا عن قول الله فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا : أكان في الجبل ) أو خارج الجبل فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا يقول الإمام أحمد أخبروني أنتم تقولون إنه في كل مكان الآن الله تعالى تجلى للجبل أخبروني لما تجلى الله للجبل هل هو داخل الجبل أم خارج الجبل؟ خارج الجبل, ( قال أحمد: وقلنا للجهمية حين زعمتم أن الله في كل مكان أخبرونا عن قول الله فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا : أكان في الجبل بزعمكم، فلو كان فيه كما تزعمون لم يكن تجلى له ) كيف يتجلى لشيء و هو فيه , هذه مناقشة عقلية يتجلى للشيء و هو فيه ! لا يمكن ( بل كان سبحانه على العرش، فتجلى لشيء لم يكن فيه، ورأى الجبل شيئا ما رآه قط ) الجبل رأى شيئا ما رآه قد تدكدك لما تجلى الله له تدكدك و انساخ .
( المتن )
( الشرح )
كتاب الرد على الجهمية رسالة قيمة مفيدة أدلتها واضحة, بين الإمام أحمد رحمه الله و ناقش الجهمية بالأدلة العقلية و النقلية, و قال إن الجهمية يظهرون للناس أنهم ينزهون الله و هم كفار و ذلك أنهم يقولون أن الله لا يماثل المخلوقين و لا في شيء من وجوه الشبه فلما قالوا هذا الكلام قال الإمام أحمد كفرتم , قالوا كيف نحن ننزه الله نقول إن الله لا يماثل المخلوقين و لا بوجه من وجوه الشبه قال لا بد أن تثبتوا عموم الشبه إذا لم تثبتوه كفرتم و أن المشابهة في مطلق الشيء , مطلق العلم , مطلق القدرة , مطلق الحياة , و هذا يكون في الذهن فمن لم يثبت هذا النوع من المشابهة معنى أنكر وجود الله و الرسالة قيمة وشرحناها في الدورة في الرياض و هي مفرغة الآن و تحت الطبع .
( المتن )
( الشرح )
هذا كلام الإمام أحمد كلام عظيم فيه تنزيه الله. يروي الخلال عن حنبل ( قال: قال أبو عبد الله، يعني أحمد: نؤمن أن الله على العرش بلا كيف بلا حد ) بلا كيف لا نقول بكيفية استوائه على العرش لا نكيف يعني لا نعلم و بلا حد يعلمه العباد ( ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد ) قال ( وصفات الله له ومنه ) يعني أن الله بذاته و أسمائه و صفاته هو الخالق ( وصفات الله له ومنه وهو كما وصف نفسه، لا تدركه الأبصار بحد ولا غاية ) بحد يعلمه العباد و غاية يعلمها العباد .
( المتن )
( الشرح )
هذا النقل الذي نقله حنبل قال سألت أبا عبد الله يعني أحمد ( عن الأحاديث التي تروى: إن الله سبحانه ينزل إلى السماء الدنيا، وإن الله يرى في الآخرة، وإن الله يضع قدمه، وأشباه هذه الأحاديث ). فقال الإمام أحمد ( نؤمن بها ونصدق، ولا نرد منها شيئا، ونعلم أن ما جاء به الرسول ﷺ حق، ولا يرد على الله قوله، ولا يوصف الله بأكثر مما وصف به نفسه ) و استدل بـ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ و هذا فيه بيان عقيدة أهل السنة و الجماعة و هي إثبات الصفات و العلو و الاستواء على ما يليق بجلال الله وعظمته .
( المتن )
( الشرح )
الحديث إن الله يدني المؤمن يوم القيامة فيضع كنفه عليه فيقرره بذنوبه فإذا أقره قال الله تعالى: إني قد علمتها وقد غفرتها أو كما جاء .
( المتن )
ووضع كنفه عليه، فهذا كله يدل على أن الله سبحانه يرى في الآخرة، والتحديد في هذا كله بدعة، والتسليم فيه بغير صفة ولا حد، إلا بما وصف به نفسه، سَمِيعٌ بَصِيرٌ، لم يزل متكلما، عالما غفورا، عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، عَلَّامُ الْغُيُوبِ فهذه صفات وصف بها نفسه لا تدفع ولا ترد، وهو على العرش بلا حد؛ كما قال تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ،لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وهو: خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وهو سَمِيعٌ بَصِيرٌ، بلا حد ولا تقدير، ولا نتعدى القرآن والحديث، تعالى الله عما تقول الجهمية والمشبهة قلت له: المشهبة ما تقول؟ قال: من قال بصر كبصري ويد كيدي وقدم كقدمي - فقد شبه الله بخلقه انتهى.
وكلام الإمام أحمد في هذا كثير، فإنه امتحن بالجهمية.
رضي الله عنه وعن إخوانه من أئمة الدين.
( الشرح )
هذا كلام جيد كلام عظيم في بيان عقيدة أهل السنة و الجماعة و أنهم منفصلون عن أهل البدع في هذا المقطع الذي رواه حنبل , قال حنبل عن أحمد ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ في ذاته كما وصف نفسه، قد أجمل الله الصفة لنفسه، فحد لنفسه صفة "ليس يشبهه شيء"، وصفاته غير محدودة ولا معلومة، إلا بما وصف به نفسه ) يعني أن صفات الله تليق بجلاله و عظمته, لا نكيفها و لا نقول إنها مشابهة بصفات المخلوقين بل صفاته غير محدودة بما وصف به نفسه حيث قال الإمام أحمد ( فهو سميع بصير، بلا حد ولا تقدير، ولا يبلغ الواصفون وصفه ، ولا نتعدى القرآن والحديث ) نثبت لله تعالى كما أثبت لنفسه لأن الله تعالى لا يختار له أسماء و صفات بل يوصف بما وصف به نفسه ( ولا يبلغ الواصفون وصفه ، ولا نتعدى القرآن والحديث. فنقول كما قال، ونصفه بما وصف نفسه، ولا نتعدى ذلك، ونؤمن بالقرآن كله، محكمه ومتشابهه ).
قال ( ولا نزيل صفة من صفاته لشناعة شنعت ) إذا شنع بعض الناس و قال إن العلو يلزم منه تنقص الرب و أنه محدود و متحيز هذه شناعة شنعوها هذا لا يوجب لنا ترك الحق قال ( ولا نزيل صفة من صفاته لشناعة شنعت وما وصف به نفسه من كلامه ونزوله وخلوه بعبده يوم القيامة ) كل هذا حق ( و وضع كنفه عليه كل هذا يدل على أن الله سبحانه يرى في الآخرة ) قال ( والتحديد في هذا كله بدعة ) التحديد يعني أن يجعل له حد ( والتسليم فيه بغير صفة ولا حد، إلا بما وصف به نفسه ).
ثم ذكر الصفات ( سَمِيعٌ بَصِيرٌ،، لم يزل متكلما، عالما غفورا، عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، عَلَّامُ الْغُيُوبِ فهذه صفات وصف بها نفسه لا تدفع ولا ترد، وهو على العرش بلا حد؛ كما قال تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ و هو السميع البصير، وهو: خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، بلا حد ولا تقدير، ولا نتعدى القرآن والحديث، تعالى الله عما تقول الجهمية والمشبهة ) علوا كبيرا.
فقال حنبل ( قلت له: المشهبة ما تقول؟ قال: من قال بصر كبصري ويد كيدي وقدم كقدمي - فقد شبه الله بخلقه ). انتهي كلام الإمام أحمد.
و قال ( وكلام الإمام أحمد في هذا كثير، فإنه امتحن بالجهمية وعن إخوانه من أئمة الدين ) المشبهة سبق و قلنا أن أكثرهم من غلاة الشيعة منهم البيانية نسبة لبيان التميمي و منهم السالمية نسبة لجواد بن سالم يشبهون الله بخلقه, يقول أحدهم بصر كبصري يقول لله بصر كبصري و له يد كيدي و له قدم كقدمي و هذا كفر و ضلال نسأل الله السلامة و العافية .
....................................................................
أسئلة :
سؤال :
ما معنى قول الشافعي الذي نقله المؤلف في آخر ما نقل عنه قال ( هو كما وصف به نفسه و فوق ما يصف به خلقه ) فما معنى ( يصفون ) !
جواب الشيخ :
يصف الله تعالى بما وصف به نفسه و هو أعلم بنفسه و فوق ما يصف به خلقه , خلقه لا يمكن أن يبلغوا فوق ما يصف به خلقه هو كما وصف به نفسه و فوق ما يصفه به خلقه يعني خلقه لا يمكن أن يصفوه بصفاته التي هو متصف بها و إنما هو سبحانه أثنى على نفسه كما وصف به نفسه أما الخلق فلا يبلغون وصفه .
سؤال :
تسيير أبي حنيفة رحمه الله كمعية الله تعالى في قوله ( هو كما تكتب إلى الرجل إني معك و أنت غائب عنه ), هل في هذا تشبيه لمعية الله بمعية خلقه نرجو التوضيح بارك الله فيكم؟
جواب الشيخ :
الإمام أبي حنيفة يبين أنه لا يلزم من المعية اختلاط يبن المعية في لغة العرب يقول كما تقول لشخص أنا معك و أنت غائب يعني أنا معك بماذا ! بعلمي و اطلاعي و تأييدي و القرآن نزل بلغة العرب , قول الله تعالى وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ لا يلزم من ذلك أن الله مختلط بمخلوقاته, هو معنا و هو فوق العرش. كذلك العرب تقول أنا معك و هو غائب عنك فلا يلزم الاختلاط و المعية معناها في اللغة مطلق المصاحبة يعني مصاحب لك و لا يلزم الاختلاط و لا المحاذاة عن يمين أو شمال, و إنما المعية لها لون فمن ألوانها أن تقول أنا معك يعني جيشي معك و من ألوانها أن تقول أنا معك يعني أنا معك بتأييدي أنا معك بنصرتي أنا معك قدرتي معك أنا معك سمعي معك و هكذا فالمعية لمطلق المصاحبة و لها ألوان .
سؤال :
يقول المعترض : كيف تنكرون يا أهل السنة علينا تأويل آيات الصفات عن ظاهرها و أنتم في آية المعية وَهُوَ مَعَكُمْ تصرفونها عن ظاهرها و تأولونها فما هو الرد على هذا المعترض ؟
جواب الشيخ :
نقول نحن ما أولنا في المعية , المعية معروفة في لغة العرب المعية لمطلق المصاحبة, نقول لهذا السائل أنت فهمت أن المعية توجب الاختلاط و هذا باطل المعية لا توجب الاختلاط, المعية لمطلق المصاحبة لو كانت تريد الاختلاط كيف تقول العرب ما زلنا نسير و القمر معنا ! هل القمر مختلط بالناس ! ما زلنا نسير و النجم معنا و يقال المتاع معه و هو فوق الدابة المعية للمصاحبة لا تريد الاختلاط أبدا هذا فهم سقيم.
فأهل البدع فهموا من المعية الاختلاط و لهذا أدخلوا النصوص بعضها ببعض فأبطلوا نصوص العلو و الفوقية بنصوص المعية أنكروا نصوص الفوقية و المعية مع أن أفراد أدلة العلو و الفوقية تزيد على ألف دليل فضربوا النصوص بعضها ببعض و أبطلوا بعضها ببعض أبطلوا نصوص العلو و الفوقية بنصوص المعية و هذا باطل.
و أهل السنة هداهم الله عملوا بالنصوص من الجانبين وقالوا بأنها محكمة و ثابتة وأن الله فوق عرشه مطلع على خلقه.
و إما قوله وَهُوَ مَعَكُمْ المراد مصاحب لهم هو معهم بعلمه و اطلاعه و إحاطته كما قال أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ ثم قال في آخرها إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فافتتح الآية بالعلم و اختتمها بالعلم فدل على أن معية علم و لا يكون هذا تأويلا .
سؤال :
هل يحتج بكلام أبي حنيفة في الفقه الأكبر و لا سيما أن الكتاب قيل ببطلان نسبته إلى أبي حنيفة رحمه الله تعالى؟
جواب الشيخ :
قيل إن رسالة الإمام أحمد ليس تابعة له و قيل في كتب كثيرة كلها قيل إنها ليس للمؤلف, هذا القول ليس عليه دليل الفقه الأكبر نقل عنه العلماء و نسبوه إلى الإمام أبي حنيفة و لكن بعض الذين ينكرون الصفات من الجهمية و غيرهم يشبهون و يقولون الفقه الأكبر ليس من الإمام أبي حنيفة حتى لا يلزمون بقوله و تقرير مذهب أهل السنة و الجماعة. و هناك كتب كثير ة يشكك فيها بعض الناس يقول ليست منهم حتى لا يلزمهم ما قرر فيها من إثبات الصفات و مذهب أهل السنة و الجماعة , قالوا إن رسالة الإمام أحمد منسوبة إليه و ليست له , قالوا رسالة الرمحاوية لابن سينا ليست له ينكر فيها البعث يقول ابن سينا أسلم و أن الرسالة منسوبة له, نقول نحن نتمنى هذا لكن أين الدليل على أنه رجع و هذه الرسالة منسوبة إليه و ينقل عنها و تضاف إليه. فالمقصود أن هذا مسلك يسلكه بعض أهل البدع في التشكيك في نسبة الكتب إلى أهل العلم حتى لا يلزمهم ما أقره أهل العلم من معتقد أهل السنة و الجماعة .
سؤال :
كيف نرد على من يقول إن اليد هي قدرته و نعمته مع أنها تحتمل هذا المعنى و هل هذا القول كفر؟
جواب الشيخ :
من قال إن اليد تحتمل القدرة ! إذا فسرت الآية يفسد المعنى كيف يحتمل تفسير اليد بالقدرة و النعمة و اللفظ يحتمله إذا قلت يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ نقول معناه قدرته فوق أيديهم ! و يد الله فوق أيديهم على ظاهرها أما تقول قدرته أو نعمته فوق أيديهم , قدرته و نعمته في كل مكان.
و كذلك قول الله تعالى مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ لو فسرت اليد بالقدرة ماذا يكون لمعنى ! يفسد المعنى ما منعك أن تسجد لما خلقت بقدرتي هل القدرة قدرتان ! القدرة واحدة ما منعك أن تسجد لما خلقت بقدرتي أو ما منعك أن تسجد لما خلقت بنعمتي , هذا يحتمل القدرة ! بل هذا يفسد المعنى , المعنى فاسد , ما منعك أن تسجد لما خلقت بقدرتي أو بنعمتي ! كيف القدرة تثنى و النعمة تثنى !
سؤال :
هل طرد الإمام مالك للمبتدع من المسجد دليل على جواز طرد أهل الأهواء و البدع من المساجد؟
جواب الشيخ :
ما طرده عند الصلاة , طرده في وقت غير الصلاة أبعده للتحذير من بدعته و شره لأن هذا مفسد, الآن لو جاء الإنسان يفسد في المسجد هل يترك يفسد أم يطرد طرده الإمام منعا لشره و فساده ما طرده عن الصلاة جاء يصلي أو يطلب العلم أو يتكلم بالخير فطرده حتى يقال هل يطرد في المساجد !
هذا بشرط , الذين يفسدون في المساجد يمنعون .
سؤال :
هل تقسيم الرسالة إلى فصول هو من صنيع المؤلف رحمه الله تعالى؟
جواب الشيخ :
نعم , قسم الرسالة إلى فصول حتى يكون كل معنى مستقلا, مثل الأدلة من الكتاب و السنة فصل , أقوال الصحابة فصل , أقوال الأئمة فصل , ثم بعد ذلك معتقد الإمام محمد بن عبد الوهاب فصل, و بعده فصل و هكذا , فهذا تقسيم الفصول حتى يكون هناك ترتيب للمعاني و المعلومات فيكون هذا أبلغ و أوضح في فهم الموضوع .