شعار الموقع
شعار الموقع

الرسالة المدنية 7 من قوله: "ولا يتجاوزون القرآن والحديث...". إلى ذكر قول إمام الشافعية في وقته أبي العباس السراج.

00:00

00:00

تحميل
70

الرسالة المدنية7

بسم الله الرحمن الرحيم

( المتن )

ولا يتجاوزون القرآن والحديث؛ لأنهم متبعون لا مبتدعون، فلا يكيفون ولا يشبهون ولا يعطلون، بل يثبتون جميع ما نطق به الكتاب من الصفات، وما وردت به السنة مما رواه الثقات، و يعتقدون أنها صفات حقيقة منزهة عن التشبيه والتعطيل؛ كما أنه سبحانه له ذات حقيقة منزهة عن التشبيه والتعطيل فالقول عندهم في الصفات كالقول في الذات، فكما أن ذاته لا تشبه الذوات، فصفاته صفات حقيقة لا تشبه الصفات، وهذا هو اعتقاد سلف الأمة وأئمة الدين، وهو مخالف لاعتقاد المشبهين واعتقاد المعطلين، فهو كالخارج مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ، فهو وسط بين طرفين، وهدى بين ضلالتين، وحق بين باطلين.

فلما قررنا عقيدتنا في أول هذا الجواب، وأوردنا على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة أتبعنا ذلك بفصل ذكرنا فيه بعض ما ورد عن الصحابة والتابعين وتابعيهم، يؤيد ما ذكرناه، ويحقق ما قلناه؛ لأنهم مصابيح الدين وقدوة العالمين، وهم أهل اللغة الفصحاء واللسان العربي، فإن الصحابة قد شاهدوا نزول القرآن ونقلوه إلينا وفسروه، فإنهم قد تلقوا ذلك عن نبيهم ﷺ وتلقاه عنهم التابعون؛ فتعلموا من الصحابة ألفاظ القرآن ومعانيه، فنقلوا عنهم تأويله كما نقلوا عنهم تنزيله، ونقلوا الأحاديث الواردة في الصفات، ولم يتأولوها كما تأولها النفاه، بل أثبتوها صفات حقيقة لرب العالمين، منزهة عن تعطيل المعطلين وتشبيه المشبهين, فإن الصحابة أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا، وهم سادة الأمة وكاشفو الغمة، فالمسلمون بهديهم يهتدون، وعلى منهاجهم يسلكون.

ثم إنا لما نقلنا كلام الصحابة والتابعين وتابعيهم أتبعناه بفصل ذكرنا فيه كلام الأئمة الأربعة، أئمة المذاهب ليتبين صحة ما قلناه وما إليهم، ويعلم من كان قصده الحق أن الأئمة على عقيدة واحدة مجمعون، ولسلفهم الصالح متبعون.

فلما تبين ما قلناه، واتضح ما قررناه أحببت أن أختم هذا الجواب الشيخ بفصل أذكر فيه بعض ما قاله العلماء بعدهم؛ ليعلم الواقف على هذا الجواب أن هذا الاعتقاد الذي ذكرناه هو اعتقاد أهل السنة والجماعة قاطبة متقدمهم و متأخرهم؛ لأن إجماعهم حجة قاطعة لا يحق مخالفته، فكيف وقد شهدت له النصوص القرآنية والسنة النبوية، وقد قال تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا.

( الشرح )

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و صل اللهم و سلم و بارك على عبد الله و رسوله نبينا و إمامنا محمد و على آله و أصحابه و سلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فإن هذه الرسالة في بيان العقيدة السنية للشيخ العلامة حمد بن ناصر بن معمر رحمه الله جواب الشيخ عن سؤال وجه إليه و هو أنه سئل عن آيات الصفات و أحاديث الصفات كقوله تعالى الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى و كقوله سبحانه يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ و قول النبي ﷺ ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا و قوله ﷺ قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن. و غيرها من النصوص التي قد يفهم منها بعض من لا بصيرة له التشبيه.

و طلب السائل من الشيخ رحمه الله أن يفيده عن اعتقاد الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في ذلك, و أن يبين مذهبه و مذهب الإمام, و هل هذه النصوص تمر كما جاءت على ظاهرها مع التنزيه أم تؤول, و طلب بسط الكلام.

فأجاب المؤلف رحمه الله بهذه الرسالة و بين أن الواجب في آيات الصفات و الأحاديث الواردة في ذلك أن تثبت نصوص الصفات من الكتاب و السنة و أن ينفى التكييف و التمثيل و التحريف و التعطيل و أن يتبع في ذلك و يسلك مسلك السلف سلف الأمة و أئمتها من الصحابة و التابعين و الأئمة الأربعة و من تبعهم من علماء المسلمين, و أن الواجب أن يوصف الله بما وصف به نفسه في كتابه و بما وصفه به رسوله ﷺ من غير تحريف و لا تعطيل و من غير تكييف و لا تمثيل على حد قول الله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. فلا ينفى عن الله ما وصف به نفسه و لا يحرف الكلم عن مواضعه و لا يلحد في أسماء الله و آياته و لا تكيف و لا تمثل صفاته بصفات خلقه, لأن الله سبحانه لا سمي له و لا كفؤ له و لا ند له و لا يقاس بخلقه , فهو لا يماثل أحدا من خلقه لا في ذاته و لا في أسمائه و لا في صفاته و لا في أفعاله.

و نقل المؤلف رحمه الله عن الأئمة و العلماء أنهم يسيرون على منهج السلف الصالح, منهج الصحابة و التابعين نقل عن الإمام أحمد رحمه الله و نقل عن غيره من أهل العلم و نقل النصوص الكثيرة التي فيها إثبات الأسماء و الصفا لله أن السلف يمرروها كما جاءت و لا يتعرضون لها بتأويل يخالف معناها و لا يحرفون الكلم عن مواضعه و لا يشبهون صفات الله بصفات خلقه.

ثم نقل نقولا عن الأئمة الأربعة و أن نصوص الصفات تمر كما جاءت و لا يتعرض لها بتأويل و لا بتحريف و لا بتكييف و لا بتمثيل , نقل عن الإمام أبي حنيفة ثم عن الإمام مالك ثم عن الإمام الشافعي ثم عن الإمام أحمد رحمه الله.

ثم في هذا الفصل نقل بين عقيدة الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله, كما طلبه السائل, فإن السائل طلب من الشيخ رحمه الله أن يبين عقيدته و عقيدة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله, فأجاب الشيخ رحمه الله بأن عقيدته و الإمام محمد بن عبد الوهاب هو و أتباعه عقيدة السلف من الصحابة و التابعين و أئمة الدين و أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه و بما وصفهم به رسوله ﷺ و لم يتجاوزوا القرآن و الحديث لأنهم متبعون لا مبتدعون لأنهم لا يكيفون و لا يقولون صفات الله كيفيتها كذا و لا يشبهون و لا يعطلون بل يثبتون و يتجنبون في باب الإثبات التكييف و التمثيل, كما أنهم منزهون الله عن النقائص و العيوب و يتجنبون التحريف و التعطيل.

فهم يثبتون الأسماء و الصفات لله على ما يليق بجلاله و عظمته و يتجنبون في باب الإثبات التكييف و التمثيل, كما أنهم ينزهون الله عن مشابهة المخلوقات و يتجنبون في باب التنزيه التحريف و التعطيل و يعتقدون أن صفات الله صفات حقيقية, كما أن الله له ذات حقيقية منزهة عن التشبيه والتعطيل فكذلك له صفات و أسماء حقيقية منزهة عن التشبيه و التعطيل, و ذلك أن القول في الصفات كالقول في الذات الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات فكما أن ذاته لا تشبه الذوات، فصفاته صفات حقيقة لا تشبه الصفات.

وهذا هو اعتقاد سلف الأمة وأئمة الدين، و هم بذلك تبرؤوا من مذهبين باطلين:

المذهب الأول مذهب المشبهة و الممثلة الذين يشبهون الله بخلقه و يمثلون صفاته بصفات خلقه, فيقول أحدهم لله يد كيدي و استواء كاستوائي و علم كعلمي و قدرة كقدرتي.

و المذهب الثاني مذهب المعطلة الذين عطلوا الله من أسمائه و صفاته فجحدوا أسماء الله و صفاته نفوا عن الله الأسماء و الصفات كما هو مذهب الجهمية أو نفوا الصفات و أثبتوا أسماء لا معاني لها كما هو مذهب المعتزلة, أو أثبتوا سبع صفات و تأولوا بقية الصفات كما هو مذهب الأشاعرة الذين يثبتون لله سبع صفات هي الحياة و الكلام و البصر و السمع و العلم و القدرة و الإرادة.

فكان مذهب السلف و أهل السنة و الجماعة, و هو مذهب الأئمة الأربعة و هو مذهب الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله, كان وسط بين طرفين، وهدى بين ضلالتين، وحق بين باطلين, فهو كالخارج مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ و ذلك لأن المشبهة الذين شبهوا الله بخلقه و مثلوا صفاته بصفات خلقه لم يعبدوا الله في الحقيقة و إنما عبدوا أوثانا تخيلوها, صوره لهم خيالهم و نحتته لهم أفكارهم, فالذي يشبه الله بخلقه بصفات من صفات خلقه لم يعبد الله في الحقيقة و إنما يعبد وثنا صوره له خياله و نحته له فكره فهو من عباد الأوثان لا من عباد الرحمن كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله :

لسنا نشبه وصفه بصفاتنا إن المشبه عابد الأوثان

و الذي يشبه الله بخلقه شبيه بالنصارى و ذلك لأن النصارى رفعوا المسيح عيسى ابن مريم إلى مقام الألوهية و الربوبية, فقالوا هو ابن الله و العياذ بالله فشبهوا المخلوق بالخالق. و أما المشبهة فإنهم شبهوا الخالق بالمخلوق فالنسبة بين المشبهة و بين النصارى عكسية فالنصارى شبهوا المخلوق بالخالق و المشبهة شبهوا الخالق بالمخلوق. و لهذا فإن المشبهة يوافقون النصارى في التشبيه و لهذا قال العلامة ابن القيم :

من شبه الله العظيم بخلقه فهو الشبيه لمشرك نصراني

و أما الطائفة الثانية المعطلة الذين عطلوا الله من أسمائه و صفاته و جحدوا معاني أسمائه و صفاته, و جحد الأسماء و الصفات يستوجب تعطيل الذات لأنه لا وجود للذات إلا بالأسماء و الصفات فذات لا اسم لها و لا صفة ليس لها وجود في الخارج بل لا وجود لها إلا في الذهن.

و كل من المشبهة و المعطلة أفضى به هذا المذهب إلى الكفر, كفرهم العلماء , كفر العلماء المشبهة و المعطلة, فقال نعيم بن حماد الخزاعي رحمه الله : من شبه الله بخلقه كفر و من نفى ما وصف به نفسه كفر و ليس فيما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله ﷺ في ذلك تشبيه .

فالمشبهة و المعطلة طائفتان كافرتان, المشبه كافر و المعطل كافر , و هذا على العموم و هذا التكفير إنما هو للنوع, نقول المشبه كافر و المعطل كافر هذا التكفير إنما هو للنوع أما المعين الشخص المعين فلان ابن فلان من المشبهة و المعطلة فلا يكفر حتى تقوم عليه الحجة و حتى توجد الشروط و تنتفي الموانع، فنقول على العموم المشبهة كفار و المعطلة كفار أما على الخصوص فلان ابن فلان فلا نكفره بل نقول هذه المقالة كفرية و أما الشخص فلا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة بأن وجدت الشروط و انتفت الموانع.

و الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله متبع و ليس مبتدعا فمذهبه هو مذهب السلف الصالح و عقيدته هي عقيدة السلف و الصحابة و التابعين و سائر أئمة الدين الذين رفع الله منارهم و جعل لهم لسان صدق في الآخرين و الصحابة أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا فلهذا هم القدوة بعد رسول الله ﷺ و هم شاهدو التنزيل شاهدوا نزول القرآن و نقلوه إلينا و فسروه و نبي الله ﷺ بين أظهرهم يسألونه عما أشكل عليه, فلذلك كان لهم من المزية ما ليس لغيرهم كان لمنهجهم و تفسيرهم كان منهجهم هو المنهج الحق و تفسيرهم مقدم على تفسير غيرهم.

فالواجب على المسلم أن يثبت ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله ﷺ من الأسماء و الصفات و الأفعال و أن ينفي عن الله ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله ﷺ لا يتجاوز القرآن و الحديث و على هذا الصحابة و التابعون و الأئمة و أئمة الدين و سائر المؤمنين.

فلا يجوز لمسلم أن يسلك غير سبيلهم, و توعد الله من سلك غير سبيل المؤمنين بقوله  وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا .

( المتن )

فصل

قال الإمام أحمد حافظ الشرق وشيخ الأئمة عثمان بن سعيد الدارمي، في كتاب النقض على بشر المريسي قال الذهبي: وهو مجلد سمعناه من أبي حفص بن القواس  قال فيه:

وقد اتفقت الكلمة من المسلمين على أن الله فوق عرشه وفوق سماواته، لا ينزل قبل يوم القيامة إلى الأرض ،  ولم يشكوا أنه ينزل يوم القيامة ليفصل بين عباده ويحاسبهم وتشقق السماوات لنزوله ، فلما لم يشك المسلمون أن الله لا ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة لشيء من أمور الدنيا علموا يقينا أن ما يأتي الناس من العقوبات إنما هو أمره وعذابه، فقوله فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ وإنما هو أمره وعذابه.

وقال في موضع آخر من هذا الكتاب وقد ذكر الحلول: ويحك! هذا المذهب أنزه لله من السوء عن مذهب من يقول: هو بكماله وجماله وعظمته وبهائه فوق عرشه فوق سماواته، فوق جميع الخلائق، في أعلى مكان، وأظهر مكان؛ حيث لا خلق هناك ولا إنس ولا جان، أي الحزبين أعلم بالله ومكانه، وأشد تعظيما وإجلالا له.

وقال في موضع آخر من هذا الكتاب: علمه بهم من فوق عرشه محيط، وبصره فيهم نافذ، وهو بكماله فوق عرشه، ومع بعد المسافة بينه وبين الأرض يعلم ما في الأرض.

وقال في موضع آخر: والقرآن كلام الله، وصفة من صفاته، وخرج منه كما شاء أن يخرج، والله بكلامه وعلمه وقدرته وسلطانه وجميع صفاته غير مخلوق، وهو بكماله على عرشه.

وقال في موضع آخر، وقد ذكر حديث البراء بن عازب الطويل في شأن الروح وقبضها، وفيه: فتصعد روحه حتى تنتهي إلى السماء السابعة... وذكر الحديث، ثم قال: وفي قوله: لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دلالة ظاهرة أن الله فوق السماء؛ لأنه لو لم يكن فوق السماء لما عرج بالأرواح والأعمال إلى السماء  ولما غلقت أبواب السماء عن قوم، وفتحت لآخرين.

وقال في موضع آخر: ولكنا نقول: رب عظيم وملك كبير، نور السماوات والأرض، وإله السماوات والأرض، على عرش مخلوق عظيم فوق السماء السابعة، دون ما سواها من الأماكن، من لم يعرفه بذلك كان كافرا به وبعرشه.

قال: وقد اتفقت كلمة المسلمين والكافرين على أن الله في السماء، وعرفوه بذلك، إلا المريسي وأصحابه، حتى الصبيان الذين لم يبلغوا الحنث .

( الشرح )

الحنث هو الإثم و هو البلوغ .

( المتن )

وساق حديث حصين: كم تعبد؟ قال: ستة في الأرض وواحدا في السماء، فقال النبي ﷺ: من الذي تعده لرغبتك ورهبتك؟ قال: الذي في السماء.

وقال أيضا وهو قول رسول الله ﷺ للجارية أين الله؟: فيه تكذيب لمن يقول هو في كل مكان، وأن الله لا يوصف بأين، بل يستحيل أن يقال "أين هو؟ "، والله فوق سماواته بائن من خلقه، فمن لم يعرفه بذلك لم يعرف إلهه الذي يعبده.

هذا كله كلام عثمان بن سعيد في كتابه المذكور، وهو الذي قال فيه أبو الفضل : ما رأيت مثل عثمان بن سعيد، ولا رأى عثمان مثل نفسه، أخذ الأدب عن ابن الأعرابي، والفقه عن البعيلي، والحديث عن يحيى بن معين، وعلي بن المديني ، وأثنى عليه أهل العلم.

( الشرح )

هذا النقل من المؤلف رحمه الله من كتاب عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله الذي نقض فيه كلام بشر المريسي, بشر المريسي هذا من الجهمية تنسب إليه طائفة المريسية , المريسية طائفة من الجهمية حلولية يقولون بحلول الرب في كل مكان رد عليهم الإمام عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب سماه نقض كلام بشر المريسي العنيد في ما افترى على الله من التكذيب أو كما جاء في تسمية هذا الكتاب , كتاب يسمى نقض عثمان بن سعيد الدارمي على بشر المريسي.

بعد أن نقل المؤلف رحمه الله كلام الأدلة و النصوص التي تثبت صفات الله و نقل كلام أصحابه و التابعين و الأئمة ثم نقل كلام الأئمة الأربعة ثم نقل كلام الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله و معتقده في ذلك و أن عقيدته هي عقيدة السلف في إثبات الأسماء و الصفات و العلو و علو الله على خلقه و استوائه على عرشه, نقل في هذا الفصل من كتاب عثمان بن سعيد الدارمي في رده و نقضه لكلام بشر المريسي الجهمي قال ( قال فيه ) يعني عثمان بن سعيد الدارمي في رده على بشر المريسي قال: ( وقد اتفقت الكلمة من المسلمين على أن الله فوق عرشه فوق سماواته ). هذا نقل لإجماع و هذا متفق عليه أهل السنة و الجماعة قاطبة و النصوص دلت على أن الله فوق سماواته, و أفراد النصوص التي تدل على علو الله على خلقه تزيد على ألف دليل كما ذكر العلامة ابن القيم و غيره تزيد أفراده على ألف دليل كلها تدل على أن الله فوق سماواته مستو على عرشه بائن من خلقه  نصوص الاستواء على العرش في سبعة مواضع في القرآن الكريم الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ كل نص فيه أن الله في السماء من أدلة العلو أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ربنا الله الذي في السماء من السنة.

كل نص فيه العلو و صف الله بالعلو هو إثبات للعلو مثل سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ.

كل نص فيه الصعود فهو دليل على العلو كقوله إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ لأن الصعود يكون من أسفل إلى أعلى.

كل نص فيه الرفع فهو من أدلة العلو بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ كل نص فيه التنزيل كقوله تعالى تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ و النزول إنما يكون من أعلى إلى أسفل, فدل على أن الله في العلو.

كل نص فيه السؤال عن الله بأين أين الله؟ كما سأل الجارية إلى غير ذلك من النصوص التي تدل على العلو.

فهذا مجمع عليه كما قال عثمان بن سعيد الدارمي , مجمع اتفقت الكلمة من المسلمين على أن الله فوق عرشه و فوق سماواته.

و قال الدارمي رحمه الله في موضع آخر في الرد على بشر المريسي ( علمه بهم من فوق العرش محيط، وبصره فيهم نافذ، وهو بكماله فوق عرشه) يعني الله فوق عرشه و علمه بهم محيط علمه محيط بكل شيء و بصره نافذ و هو بكماله فوق العرش.

و كذلك أيضا لما ذكر حديث البراء في شأن الروح و قبضها فيه أن روحه تصعد حتى تنتهي إلى السماء السابعة لأن الصعود يكون من أسفل إلى أعلى و كذلك عروج الأرواح و إغلاق أبواب السماء عن قوم و كونها تفتح لآخرين كل هذا يدل على علو الله على خلقه.

يقول المؤلف رحمه الله ( وقد اتفقت كلمة المسلمين والكافرين على أن الله في السماء ) حتى الكفار لأن هذا أمر فطري فطر الله عليه الخلائق , علو الله على مخلوقاته هذا أمر دل عليه الكتاب و السنة و الإجماع و العقل و الفطرة.

فيقول المؤلف رحمه الله ( وعرفوه بذلك ) فساد و بطلان ( إلا المريسي وأصحابه، حتى الصبيان الذين لم يبلغوا الحنث).

و من الأدلة على علو الله على خلقه قول النبي ﷺ للجارية أين الله؟ قال المؤلف إن هذا تكذيب لمن قال إن الله في كل مكان و أن الله لا يوصف بأين بل يستحيل أن يقال أين هو بل هو في سماواته بائن من خلقه، باطل أن يسأل الله بأين و النبي ﷺ أعظم الناس و لا يمكن أن يسأل سؤالا فاسدا أو أن يقر على جواب فاسد .

( المتن )

وقال الإمام الحافظ أبو عيسى الترمذي في جامعه لما روى حديث أبي هريرة وهو حديث منكر، قاله الذهبي: لو أدلى أحدكم بحبل لهبط على الله، قال: معناه هبط على علم الله، قال: وعلم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان، وهو على العرش كما وصف نفسه في كتابه.

( الشرح )

هذا النقل نقل المؤلف عن الحافظ أبو عيسى الترمذي في جامعه روى الحديث روى الترمذي في جامعه حديثا ضعيفاً؛ لأن الترمذي رحمه الله و كذلك أصحاب السنن لم يلتزموا الصحة فيما نقلوه من الحديث, لكن ينقلون الحديث الصحيح و الحسن و الضعيف, و لكن يذكرون السند و من أسند فقد برئ من العهدة يذكر لك السند و أنت تدرس السند أو ارجع إلى كلام أهل العلم في الحديث فيتبين.

و من ذلك أن الترمذي رحمه الله نقل حديثا روى حديثا ضعيفا قال عنه الذهبي أنه خبر منكر لو أدلى أحدكم بحبل لهبط على الله لو أدلى أحدكم بحبل يعني إلى الأرض لهبط على الله قال معناه هبط على علم الله, قال وعلم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان، وهو على العرش كما وصف نفسه في كتابه. هذا التأويل لو صح الحديث لو أدلى أحدكم بحبل لهبط على الله قال: معناه لهبط على علم الله، قال: وعلم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان، وهو على العرش هذا لو صح , لو صح يحمل على هذا هبط على علم الله و لأن علم الله و قدرته و سلطانه في كل مكان و أما الرب نفسه و ذاته فهو فوق العرش .

ثم إن هذا من باب الفرض و التقدير, قوله لو أدلى أحدكم بحبل لهبط على الله هذا من باب الفرض و التقدير, و الفرض و التقدير هذا أمر لا يكون هذا شرط تقديري و لا يكون هذا كقوله جل و علا لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ و هو معصوم من الشرك لكن هذا شرط تقديري لبيان مقادير الأشياء, و كذلك لو صح فهذا شرط تقديري لو أدلى أحدكم بحبل لهبط على الله فهذا لو صح فهو شرط تقديري و الشرط التقديري لا يصح لا يكون, لكن فيه بيان إحاطة الله و أن الله محيط بكل شيء, و علم الله و الله تعالى محيط بكل شيء أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ محيط بكل شيء و هذا يدل على عظمته و قدرته و سلطانه و أنه محيط بكل شيء.

فمعنى لو أدلى أحدكم بحبل لهبط على الله معناه كمال الإحاطة و أن الله محيط بكل شيء, و معنى تفسير الترمذي أنه قال هبط على علم الله و علم الله و قدرته و سلطانه في كل مكان و هو على العرش يعني لو صح حمل على هذا لكنه لا يصح .

( المتن )

وقال في حديث أبي هريرة: إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه. قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبهه من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، قال: ثبتت الروايات في هذا ونؤمن به ولا نتوهم ولا نقول كيف، هكذا روي عن مالك وابن عيينة وابن المبارك، قالوا في هذه الأحاديث: "أمروها بلا كيف".وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة.

وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات، وقالوا: هذا تشبيه، وفسروها على غير ما فسرها أهل العلم .

( الشرح )

المؤلف رحمه الله أيضا نقل عن الترمذي أنه قال ( في حديث أبي هريرة إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه) هذا فيه إثبات اليمين لله  إثبات اليد و اليمين لله .

( قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبهه من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا، قال: ثبتت الروايات في هذا ونؤمن به ولا نتوهم ولا نقول كيف ). يعني نقول هذه الروايات ثابتة فنحن نؤمن بها و نمرها كما جاءت و لا نتوهم و لا نكيفها, ولهذا قال و لا نتوهم و لا نقول كيف ( هكذا روي عن مالك وابن عيينة وابن المبارك ) و هذا قول أهل العلم و أهل السنة قاطبة ( وأما الجهمية فأنكروا هذه النصوص وقالوا: هذا تشبيه، وفسروها على غير ما فسرها أهل العلم ) لأنهم لا يثبتون الأسماء و الصفات زعما منهم أن إثباتها يلزم منه التشبيه بالمخلوقات .

( المتن )

وقالوا: إن الله لم يخلق آدم بيده، وأن معنى اليد هاهنا النعمة.

وقال إسحاق بن راهويه: إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيدي أو مثل يدي أو سمع كسمعي، فهذا التشبيه، وأما إذا قال كما قال الله سمع وبصر، ولا يقول كيف، ولا يقول مثل سمع وكسمع، فهذا لا يكون تشبيها، قال الله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ هذا كله كلام الترمذي.

( الشرح )

الترمذي رحمه الله أنكر على الجهمية و بين أن مذهبهم باطل, و بين أن أهل السنة يثبتون الأسماء و الصفات لله تعالى و لا يتعرضون لها لتأويل و تكييف, و يقول في هذه الأحاديث أمروها كما هي أمروها يعني أثبتوا معناها أمروها مع إثبات المعنى بلا تكييف, قال و هكذا قول أهل العلم و أهل السنة و أما الجهمية فأنكروا هذه الروايات و قالوا هذا تشبيه و فسروه على غير ما فسره أهل العلم, و قالوا يعني الجهمية (إن الله لم يخلق آدم بيده ) مع أن الحديث صريح أن الله خلق آدم بيده ( وأن معنى اليد هاهنا النعمة ). و هذا باطل النعمة غير اليد .

  ( وقال إسحاق بن راهويه: إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيدي أو مثل يدي أو سمع كسمعي، فهذا التشبيه، وأما إذا قال كما قال الله سمع وبصر، ولا يقول كيف، ولا يقول مثل سمع وكسمع، فهذا لا يكون تشبيها، قال الله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ). هذا كله كلام الترمذي نقل المؤلف رحمه الله عن الترمذي أنه يقرر مذهب أهل السنة و الجماعة و أنه ينفي التمثيل و التشبيه عن أسماء الله و صفاته .

( المتن )

أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في كتاب (صريح السنة) : وحسب امرئ أن يعلم أن ربه هو الذي على العرش استوى، فمن تجاوز إلى غير ذلك فقد خاب وخسر.

وقال في تفسيره الكبير في قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، قال: علا وارتفع وقال في قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ عن الربيع بن أنس: يعني ارتفع.

وقال في قوله : وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ  ۝ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا، يقول ويدعي أن له ربا في السماء أرسله إلينا وتفسيره هذا مشحون بأقوال السلف على الإثبات.

وقال في كتاب (التبصير في معالم الدين) .

( الشرح )

هذا النقل عن الإمام أبي جعفر الطبري في كتابه صريح السنة قال ( وحسب امرئ أن يعلم أن ربه هو الذي على العرش استوى، فمن تجاوز إلى غير ذلك فقد خاب وخسر.

وقال في تفسيره الكبير  تفسير ابن جرير, يعتبر شيخ المفسرين تفسير كبير ( في قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، قال: علا وارتفع ) هذا تفسير لمعنى الاستواء باللغة أما الكيف فهو مجهول تفسير الاستواء للسلف في أربع عبارات استقر و علا و صعد و ارتفع كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله :

فلهم عبارات عليها أربع  قد حصلت للفارس الطعان
وهي استقر وقد علا وكذلك ارتفع الذي ما فيه من نكران
وكذاك قد صعد الذي هو رابع وأبو عبيدة صاحب الشيباني
يختار هذا القول في تفسيره أدرى من الجهمي بالقرآن

المعنى أن أبا عبيدة معمر بن المثنى اختار تفسير ابن ساعدة, هذا تفسير المعنى اللغوي أما الكيفية لا يعلمها إلا الله. ولهذا قال الإمام مالك : الاستواء معلوم و الكيف مجهول و الإيمان به واجب و السؤال عنه بدعة.

فهذا نقل من الطبري بأنه يقرر مذهب أهل السنة و الجماعة و ذكر النصوص ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فيه إثبات العلو وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ  ۝ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا، يقول ويدعي أن له ربا في السماء أرسله إلينا, ففرعون طلب من وزيره هامان أن يبني له صرحا يعلو عليه ليكذب موسى فيما ادعاه أن الله في العلو, ففرعون علم من موسى أن الله في السماء فأراد أن يكذبه فأمر وزيره هامان أن يبني له صرحا يطلع عليه حتى يكذب موسى في قوله إن الله في العلو .

( المتن )

وقال في كتاب (التبصير في معالم الدين) : أقول فيما أدرك علمه من الصفات خبرا، وذلك نحو إخباره أنه سميع بصير، وأن له يدين بقوله بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ، وأن له وجها بقوله وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وأن له قدما بقول النبي ﷺ: حتى يضع رب العزة فيها قدمه، وأنه يضحك بقوله: لقي الله وهو يضحك إليه، وأن يهبط إلى سماء الدنيا، يخبر النبي ﷺ بذلك، وأن له أصبعا بقوله ﷺ: ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن؛ فإن هذه المعاني التي وصفت ونظائرها مما وصف الله به نفسه ورسوله مما لا يثبت حقيقة علمه بالفكر والروية لا نكفر بالجهل بها أحدا إلا بعد انتهائها ذكر هذا الكلام عنه أبو يعلى في كتاب (إبطال التأويل) .

ومن أراد معرفة أقوال السلف التي حكاها عنهم في تفسيره فليطالع كلامه عند تفسير قوله تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ، وقوله: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، وقوله: تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ 

وقال إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة: من لم يقر بأن الله على عرشه استوى فوق سبع سماواته، بائن من خلقه، فهو كافر يستتاب ، فإن تاب وإلا ضربت عنقه وألقي على مزبلة؛ لئلا يتأذى بريحه أهل القبلة وأهل الذمة.

( الشرح )

هذا النقل من كتاب التبصير في معالم الدين قال ( أقول فيما أدرك علمه من الصفات خبرا، وذلك نحو إخباره أنه سميع بصير، وأن له يدين بقوله بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ، وأن له وجها بقوله وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وأن له قدما بقول النبي ﷺ: حتى يضع رب العزة فيها قدمه، وأنه يضحك بقوله: لقي الله وهو يضحك إليه، وأنه يهبط إلى سماء الدنيا، يخبر النبي ﷺ بذلك، وأن له أصبعا ) و قلبا كما دلت النصوص. و المعنى قال ( فإن هذه المعاني التي وصفت ونظائرها مما وصف الله به نفسه ورسوله مما لا يثبت حقيقة علمه بالفكر والرؤية لا نكفر بالجهل بها أحدا إلا بعد انتهائها إليه ) ثم استدل قال (  ومن أراد معرفة أقوال السلف التي حكاها عنهم في تفسير فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ، وقوله: ثُمَّ اسْتَوَى إلى السماء، وقوله: تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ ) كل هذه النصوص فيها إثبات العلو لله و أنه فوق سماواته على عرشه مثل قوله ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ و قوله فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ التجلي تجلى له و هذا فيه الرد على الحلولية قوله ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ و قوله تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ  هذه من أدلة العلو.

( وقال إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة من لم يقر بأن الله على عرشه استوى فوق سبع سماواته، بائن من خلقه، فهو كافر ، فإن تاب وإلا ضربت عنقه وألقي على مزبلة؛ لئلا يتأذى بريحه أهل القبلة وأهل الذمة ). و هذا يدل على أن ابن خزيمة رحمه الله يكفر من أنكر علو الله على خلقه و استوائه على عرشه. قال (من لم يقر بأن الله على عرشه استوى فوق سبع سماواته، بائن من خلقه، فهو كافر ، فإن تاب وإلا ضربت عنقه وألقي على مزبلة؛ لئلا يتأذى بريحه أهل القبلة وأهل الذمة ), و هذا يدل على أن من لم يثبت علو الله على عرشه أنه مرتد و أنه يستتاب فإن تاب و إلا قتل و ألقي على مزبلة لا يغسل و لا يصلى عليه لكفره و ضلاله و لهذا قال لئلا يتأذى بريحه أهل القبلة و أهل الذمة .

( المتن )

ذكر قول إمام الشافعية في وقته أبي العباس بن سريج :

ذكر أبو القاسم سعد بن علي بن محمد الزنجاني في جوابات المسائل التي سئل عنها بمكة، فقال :

الحمد لله أولا و آخرا وظاهرا وباطنا، وعلى كل حال، وصلى الله على محمد المصطفى وعلى الأخيار الطيبين من الأصحاب والآل, سألت أيدك الله بتوفيقه بيان ما صح لدي من مذهب السلف وصالحي الخلف في الصفات الواردة في الكتاب والسنة، فاستخرت الله وأجبت عنه بجواب  بعض الأئمة الفقهاء، وهو أبو العباس بن سريج رحمه الله، وقد سئل عن مثل هذا السؤال، فقال : أقول وبالله التوفيق :

حرام على العقول أن تمثل الله، وعلى الأوهام أن تحده، وعلى الظنون أن تقطع، وعلى الضمائر أن تعمق، وعلى النفوس أن تفكر، وعلى الأكباب أن تحيط، وعلى الألباب أن تصف إلا بما وصف به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله ﷺ.

وقد صح وتقرر واتضح عند جميع أهل الديانة؛ والسنة والجماعة، من السلف الماضين والصحابة والتابعين، من الأئمة المهديين الراشدين المشهورين إلى زماننا هذا: أن جميع الآي الواردة عن الله في ذاته وصفاته، والأخبار الصادقة الصادرة عن رسول الله ﷺ في الله وفي صفاته التي صححها أهل النقل - يجب على المرء المسلم الإيمان بكل واحدة كما ورد، وتسليم أمره إلى الله كما أمر، وذلك مثل: قوله سبحانه: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ، وقوله: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وقوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، وقوله: وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ.

ونظائرها مما نطق به القرآن: كالفوقية، والنفس، واليدين، والسمع، والبصر، والكلام، والعين، والنظر، والإرادة، والرضا، والغضب، والمحبة، والكراهة، والعناية، والقرب، والبعد، والسخط، و الاستحياء ، والدنو كقاب قوسين أو أدنى، وصعود الكلام الطيب إليه، وعروج الملائكة والروح إليه، ونزول القرآن منه، ونداؤه الأنبياء، وقوله للملائكة، وقبضه وبسطه، وعلمه، ووحدانيته، وقدرته، ومشيئته، وصمدانيته، وفردانيته، وأوليته، وآخريته، وظاهريته، وباطنيته، وحياته، وبقاؤه، وأزليته، ونوره، وتجليه، والوجه، وخلق آدم بيده، ونحو قوله أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ وسماعه من غيره، وسماع غيره منه، وغير ذلك من صفاته المذكورة في كتابه المنزل، وجميع ما لفظ به المصطفى من صفاته: كغرسه جنة الفردوس بيده وشجرة طوبى بيده،  والضحك والتعجب، ووصفه القدم، وذكر الأصابع، والنزول كل ليلة إلى سماء الدنيا، ، وفرحه بتوبة العبد، وأنه يعرض عما يكره ولا ينظر إليه وأن كلتا يديه يمين، وحديث القبضتين، وله كل يوم كذا وكذا .

( الشرح )

هذا النقل من المؤلف رحمه الله عن أبي العباس ابن سريج رحمه الله نقل عنه معتقده, و هو معتقد أهل السنة و الجماعة و الشافعية أيضا على وجه الخصوص, سئل عن مثل هذا الكلام فقال (أقول وبالله التوفيق حرام على العقول أن تمثل الله ) يعني أن تمثله بصفات خلقه (وعلى الأوهام أن تحده ) لا يستطيع الإنسان أن يعلم حد الله ( وعلى الظنون أن تقطع، وعلى الضمائر أن تعمق، وعلى النفوس أن تفكر، وعلى الأكباب أن تحيط، وعلى الألباب أن تصف إلا بما وصف به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله ﷺ).

ثم ذكر أن طريقة السلف الماضين و الصحابة و التابعين إلى زماننا هذا يمرون الصفات كما جاءت يمرونها كما جاءت من غير تكييف و لا تمثيل و من غير تحريف و لا تعطيل, و يسلمون لأمر الله و أمر رسوله ﷺ و يؤمنون بما جاء عن الله و عن رسوله ﷺ.

 و مثل لهذه النصوص التي يمرونها مثل قوله تعالى هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ فيه إثبات الإتيان لله كما يليق بجلاله و عظمته و هذا يكون يوم القيامة، وقوله: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا فيه إثبات المجيء لله و أنه صفة من صفاته, أما الأشاعرة فإنهم يؤولونها يقولون جاء أمره. وقوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى فيه إثبات استوائه على عرشه ، وقوله: وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ فيه إثبات القبض و فيه أن السماوات مطويات بيمينه إثبات اليمين لله قال ( ونظائرها مما نطق به القرآن: كالفوقية ) تثبت لله ( والنفس ) تثبت لله تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ( واليدين، والسمع، والبصر، والكلام، والعين، والنظر، والإرادة، والرضا، والغضب، والمحبة، والكراهة، والعناية، والقرب، والبعد، والسخط، و الاستحياء ، والدنو كقاب قوسين أو أدنى، وصعود الكلام الطيب إليه، و عروج الملائكة والروح إليه، ونزول القرآن منه، ونداؤه الأنبياء، وقوله للملائكة، وقبضه وبسطه، وعلمه، ووحدانيته، وقدرته، ومشيئته، و صمدانيته، و فردانيته، و أوليته، و آخريته، وظاهريته، و باطنيته، وحياته، وبقاؤه، وأزليته، ونوره، وتجليه، والوجه، وخلق آدم بيده ) كل هذه النصوص يجب إمرارها كما جاءت و تثبت لله من غير تكييف و لا تمثيل و من غير تحريف و لا تعطيل  .

( المتن )

وحديث القبضتين، وله كل يوم كذا وكذا نظرة في اللوح المحفوظ، وأنه يوم القيامة يحثو ثلاث حثيات من حثياته فيدخلهم الجنة، وحديث القبضة التي يخرج بها من النار قوما لم يعملوا خيرا قط، وحديث إن الله خلق آدم على صورته، وفي رواية : على صورة الرحمن، وإثبات الكلام بالحرف والصوت، وكلامه للملائكة ولآدم ولموسى ومحمد ﷺ وللشهداء، وللمؤمنين عند الحساب، وفي الجنة، ونزول القرآن إلى سماء الدنيا، وكون القرآن في المصاحف، وما أذن الله لشيء كأذنه لنبي يتغني بالقرآن، وصعود الأقوال والأعمال والأرواح إليه، وحديث معراج الرسول ﷺ ببدنه ونفسه، وغير هذا مما صح عنه ﷺ من الأخبار المتشابهة الواردة في صفات الله سبحانه ما بلغنا وما لم يبلغنا، مما صح عنه اعتقادنا فيه, وفي الآي المتشابه في القرآن - أن نقبلها، ولا نردها، ولا نتأولها بتأويل المخالفين، ولا نحملها على تشبيه المشبهين، ولا نزيد عليها، ولا ننقص منها، ولا نفسرها، ولا نكيفها، ولا نشير إليها بخواطر القلوب، بل نطلق ما أطلقه الله، ونفسر الذي فسره النبي ﷺ وأصحابه والتابعون والأئمة المرضيون من السلف المعروفين بالدين والأمانة، ونجمع على ما أجمعوا عليه، ونمسك عما أمسكوا عنه، ونسلم الخبر لظاهره، والآية لظاهرها، لا نقول بتأويل المعتزلة والأشعرية والجهمية، والملحدة، والمجسمة، والمشبهة و الكرامية والمكيفة، بل نقبلها بلا تأويل، ونؤمن بها بلا تمثيل، ونقول: الإيمان بها واجب، والقول سنة، وابتغاء تأويله بدعة.

هذا آخر كلام أبي العباس بن سريج الذي حكاه أبو القاسم الزنجاني في أجوبته, وكان ابن سريج إليه المنتهى في معرفة المذهب بحيث إنه كان على جميع أصحاب الشافعي حتى على المزني, قال أبو إسحاق صاحب التنبيه سمعت أبا الحسن الشيرجي يقول: إن فهرسة كتاب أبي العباس تجتمع على أربعمائة مصنف وتوفي سنة ست وثلاثمائة رحمه الله تعالى.

( الشرح )

هذا النقل كله عن أبي العباس بن سريج الشافعي رحمه الله نقل عنه المؤلف رحمه الله, أن مذهب أهل السنة و الجماعة و السلف و التابعين و الأئمة يقول إلى زماننا هذا أنهم يمرون آيات الصفات و أحاديث الصفات كما جاءت, و يؤمنون بها و أثبتوها لله و ينفون عنها التكييف و التمثيل و التحريف و التعطيل, و هذا للآيات  الأحاديث التي صححها أهل النقل قالوا يجب على المرء المسلم الإيمان بكل واحد من أفراد هذه النصوص كما وردت, و يجب على المسلم أن يسلم لأمر الله أن يسلم أمر الله كما أمر, و مثل ذلك كقوله : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ هذا إثبات الإتيان، وقوله: وَجَاءَ رَبُّكَ إثبات المجيء لله وقوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى إثبات الاستواء ، وقوله: وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ إثبات القبض و إثبات اليمين لله إلى غير ذلك مما نطق به القرآن كالفوقية، والنفس، واليدين، والسمع، والبصر، والكلام، والعين، والنظر، والإرادة، والرضا، والغضب، والمحبة، والكراهة، والعناية، والقرب، والبعد، والسخط، و الاستحياء ، والدنو كقاب قوسين أو أدنى، وصعود الكلام الطيب إليه، و عروج الملائكة والروح إليه، ونزول القرآن منه، ونداؤه الأنبياء، وقوله للملائكة، وقبضه وبسطه، وعلمه، ووحدانيته، وقدرته، ومشيئته، و صمدانيته، و فردانيته، و أوليته، و آخريته، وظاهريته، و باطنيته، وحياته، وبقاؤه، وأزليته، ونوره، وتجليه، والوجه، وخلق آدم بيده, و كذلك أيضا جميع ما ورد في الكتاب و السنة من الصفات كغرس جنة الفردوس بيده وشجرة طوبى بيده،  والضحك والتعجب، ووصفه القدم، وذكر الأصابع، والنزول كل ليلة إلى السماء الدنيا، و، وفرحه بتوبة العبد، وأن كلتا يديه يمين، وحديث القبضتين و نظرة في اللوح المحفوظ، وأنه يوم القيامة يحثو ثلاث حثيات من حثياته فيدخلهم الجنة، وحديث القبضة التي يخرج بها من النار قوما لم يعملوا خيرا قط، وحديث إن الله خلق آدم على صورته ، وإثبات الكلام بالحرف والصوت خلافا للكلابية الذين يقولون إن كلامه نفسي و إثبات الكلام، وكلامه للملائكة ولآدم ولموسى ومحمد ﷺ وللشهداء، وللمؤمنين عند الحساب، وفي الجنة، ونزول القرآن إلى سماء الدنيا، وكون القرآن في المصاحف، وما أذن الله لشيء كأذنه , إذن الله يعني استمع كاستماعه لنبي يتغني بالقرآن، وصعود الأقوال والأعمال والأرواح إليه، وحديث معراج الرسول ﷺ ببدنه ونفسه.

يقول المؤلف رحمه الله كلها يقول العباس بن سريج هذه الأخبار ما بلغنا وما لم يبلغنا، مما صح نقبلها، ولا نردها، ولا نتأولها بتأويل المخالفين، ولا نحملها على تشبيه المشبهين، ولا نزيد عليها، ولا ننقص منها، ولا نفسرها، ولا نكيفها، المعنى لا نفسرها و لا نكيفها لا نفسرها تفسير الجهمية تفسير أهل البدع و لا نكيفها نقول أنها بكيفية كذا, بل نطلق ما أطلقه الله، ونفسر ما فسره النبي ﷺ وأصحابه والتابعون والأئمة ، ونجمع على ما أجمعوا عليه، ونمسك عما أمسكوا عنه، ونسلم الخبر لظاهره، الخبر يعني الحديث نسلم الخبر لظاهره,  والآية لظاهرها، كقوله ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا نجريها على ظاهرها نثبت النزول على ما يليق بجلال الله و عظمته و الآية لظاهرها كقوله ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ.

و قوله لا نقول بتأويل المعتزلة الذين يثبتون الأسماء و ينفون الصفات و الأشعرية الذين يثبتون سبع صفات و يتأولون بقية الصفات و الجهمية الذين ينكرون الأسماء و الصفات ، والملحدة الذين يلحدون في أسماء الله و آياته ، والمجسمة الذين يقولون أن الله جسم ، والمشبهة الذين يشبهون الله بخلقه,  و الكرامية هم المشبهة والمكيفة الذين يكيفون أسماء الله و صفاته. قال بل نقبلها بلا تأويل بلا تأويل يخالف الظاهر ، ونؤمن بها بلا تمثيل، ونقول: الإيمان بها واجب، والقول سنة، وابتغاء تأويله بدعة.

هكذا المؤلف رحمه الله نقل عن العباس بن سريج يبين أن أهل السنة و الأئمة قاطبة كلهم درجوا على ما درج عليه الصحابة و التابعون و الأئمة من إثبات الأسماء و الصفات لله على ما يليق بجلاله و عظمته من غير تكييف و لا تمثيل و من غير تحريف و لا تعطيل .

.........................................................

أسئلة :

سؤال :

نرجو من فضيلتكم توضيح كلام عثمان الدارمي و قوله ( ذكر الحلول ويحك هذا المذهب انزه الله من السوء ) إلى آخر كلامه.

جواب الشيخ :

هذا النقل عن عثمان بن سعيد الدارمي يرد على بشر المريسي و بشر المريسي جهمي و حلولي و في رده عليه قوة رحمه الله, يقول : ويحك أيها المريسي انزه عن هذا المذهب مذهب التعطيل و تعطيل الله عن صفاته و إنكاره لأسمائه و صفاته يخاطبه و يأمره بترك التأويل و التحريف و الجحد لأسماء الله و صفاته انزه عن هذا المذهب و أمر النصوص كما جاءت و أثبتها لله واسلك مسلك السلف الصالح من الصحابة و التابعين و من بعدهم .

سؤال :

هل يعذر بالجهل من وقع في تأويل الصفات كأن يقول مثلا : الله في كل مكان , و متى يعذر بالجهل و متى لا يعذر بالجهل و كيف يعذر بالجهل و من لا يعذر؟

جواب الشيخ :

من يقول إن الله في كل مكان فهذا كفر و ضلال القول بأن الله في كل مكان هذا قول الحلولية و الجهمية, هذا كفر و ضلال, الله فوق سماواته مستو على عرشه بائن من خلقه, كما تواترت بذلك الأخبار النصوص واضحة وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أين الله؟ قالت : في السماء. نصوص تزيد أفرادها عن ألف دليل كيف يضرب بها عرض الحائط و يقول إن الله في الأرض و أنه في كل مكان تعالى الله عن ذلك هذا كفر و ضلال, و لا يؤمن الإنسان بالجهل إلا في المسائل الخفية الدقيقة التي يجهل و لا يجد من يسأله أما من يعيش بين المسلمين و يعمل بالكفر و يتكلم بالكفر و لا يسأل عما أشكل عليه و هو يجد من يسأل فلا يعذر كونه لا يقبل الحق و يصم أذنه عن سماع الحق و لا يقبله و يكابر هذا ليس عذرا له , الجاهل الذي يريد الحق لكنه لم يجد من يسأله أما من لا يريد الحق أو جاهل لكنه يمكن أن يزيل الجهل عن نفسه بسؤال أهل العلم و لكنه لا يسأل فليس بمعذور .

سؤال :

هل صفة الوجود زائدة عن الذات أم هي بمعنى الذات؟

الجواب الشيخ :

هذه من المسائل المحدثة التي بينها العلماء أنها ينبغي الإعراض عنها فلا يقال أنها زائدة عن الذات و لا يقال أنها ليس زائدة عن الذات, صفة الماهية هل هي الوجود هل هي الذات, من الأشياء المحدثة التي لم يتكلم فيها أهل العلم و الطبري رحمه الله في رسالته عن السنة تكلم عن هذه المسألة و قال هذا لا ينبغي عن الإنسان التعرض لها و لا الكلام فيها, الماهية وجود الشيء هل هو ماهيته أو زائد عن ماهيته فوجود الشيء و ماهيته شيء واحد, و تكلم أيضا العلماء و نقل شارح الطحاوية في هذا و قالوا إن أريد بالماهية و الوجود في الخارج فالوجود و الماهية شيء واحد و إن أريد الوجود أو الماهية في الذهن فالموجود في الذهن غير الموجود في الخارج .

سؤال :

سؤال يدور في ذهني لا أدري أيحق لي أن أسأله أم لا , نعلم أن الله في السماء على العرش فوقنا و الأرض كروية فكيف بالنسبة للذين يعيشون على سطح الأرض في الجهة العكسية لنا فهل هذا الأمر يمكن تفسيره أم أنه أمر فوق عقولنا و نؤمن به بقلوبنا, أفيدونا جزاكم الله خيرا. كما أذكر أني قرأت كلام لابن تيمية يفسر هذا الكلام لكنني نسيته فما هو اسم الكتاب حتى نرجع إليه؟

الجواب الشيخ :

الذي يعيش على الأرض موجود في الأرض و الأرض كروية الشكل. و كذلك السماوات كلها كروية الشكل, و الكروي الشكل ليس له إلا جهتان جهة العلو و جهة السفل ليس له جهات أربع الجهات الست فوق و تحت و أمام و خلف و يمين و شمال, هذه الجهات للحيوانات المتحركة أنت حينما تتحرك لك ست جهات أمام و خلف و يمين و شمال و فوق و تحت فإذا تحركت حركة عكسية انقلبت هذه الجهات فصار الذي خلفك هو الذي أمامك و الذي أمامك هو الذي خلفك. أما الأشياء الثابتة مثل السماء و الأرض و الأفلاك فليس لها إلا جهتان جهة العلو و جهة السفل ليس لها إلا جهتان, و الأرض كروية الشكل مثل البيضة من يعيش على الأرض هذا في العلو كله في العلو, و السفل محط الأثقال بحيث أنه لو نزل الإنسان من هنا في ناس يعيشون هنا و ناس يعيشون هنا, و هذا على الذين يعيشون هنا هم على سطح الأرض و الذين يعيشون هنا هم على سطح الأرض كلهم في العلو لكن الذي هنا يتصور أن الذي هنا أسفل و أن هذا أسفل هذا يتصور أن هذا أسفل منه و من هنا يتصور أن هذا أسفل منه, كلهم في العلو كالنملة التي تمشي على السقف هي تحت لكن السقف تحتها هي تمشي عليه و لكنها هي تحتها. المقصود أن الأرض ليس لها إلا جهتان العلو و السفل, و الله تعالى فوق العرش سقف هذا العالم العرش و الله تعالى فوق العرش بعد أن تنتهي المخلوقات التي سقفها عرش الرحمن .

سؤال :

ما تفسير قول الله   وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ!

جواب الشيخ :

تفسيرها أن الله إله من في الأرض و إله من في السماء فهو معبود أهل الأرض و معبود أهل السماء يعبده الناس في الأرض و تعبده الملائكة في السماء وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ معبود من في السماء و معبود من في الأرض و هو سبحانه فوق العرش .

سؤال :

هل نزول الرب تبارك و تعالى يستلزم منه خلو العرش, و هل كان العرش قبل خلق السماوات و الأرض خاليا, كيف يجاب على هذا الإشكال !

جواب الشيخ :

الله خلق العرش ثم خلق السماوات و الأرض ثم استوى على العرش بعد خلق السماوات و الأرض ثم الله تعالى خلق العرش ثم خلق السماوات و الأرض ثم استوى على العرش بعد خلق السماوات و الأرض. فكان الاستواء بعد خلق السماوات و الأرض, لهذا فإن الاستواء من الصفات الفعلية و كان بعد خلق السماوات و الأرض نزول الرب ﷺ من الصفات الفعلية فالله تعالى ينزل كما يليق بجلاله و عظمته و هو فوق العرش, و العلماء لهم ثلاثة أقوال في النزول قيل يخلو العرش و قيل لا يخلو و قيل بالتوقف و أرجحه أنه لا يخلو العرش, و نصوص العلو و الفوقية محكمة كما سبق تزيد أفرادها على ألف دليل, و أما النزول فهو فعل يفعله الله أعلم بكيفيته لا يكيف و هو فوق العرش فيجب الإيمان بعلو الرب و أنه فوق العرش و يجب الإيمان بالنزول و العلو و الفوقية من الصفات الذاتية و النزول من الصفات الفعلية فهو فعل يفعله و هو فوق العرش .

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد