الرسالة المدنية 8
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين محمد صلى الله و سلم عليه و على آله تسليما كثير , يقول المؤلف رحمه الله تعالى :
( المتن )
ذكر قول الإمام الطحاوي إمام الحنفية في وقته في الحديث والفقه ومعرفة أقوال السلف، قال في عقيدته المعروفة عند الحنفية والسنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة: أبي حنفية، وأبي يوسف، ومحمد .
نقول في توحيد الله، معتقدين أن الله واحد لا شريك له، ولا شيء مثله، ما زال بصفاته قديما قبل خلقه، وأن القرآن كلام الله، منه بدأ بلا كيفية قولا، وأنزله على نبيه وحيا، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا، فأيقنوا أنه كلام الله بالحقيقة، ليس بمخلوق، فمن سمعه وزعم أنه كلام البشر فقد كفر؛ والرؤية لأهل الجنة حق، بغير إحاطة ولا كيفية، وكل ما في ذلك من الصحيح عن رسول الله ﷺ فهو كما قال، ومعناه على ما أراد، لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا، و لا متوهمين بأهوائنا ولا يثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام, فمن رام علم ما حظر عنه علمه ولم يقنع بالتسليم فهمه حجبه مرامه خالص التوحيد وصحيح الإيمان, ومن لم يتوق النفي والتشبيه زل، ولم يصب التنزيه إلى أن قال: والعرش والكرسي حق، كما بين في كتابه، وهو مستغن عن العرش وما دونه، محيط بكل شيء وفوق كل شيء... وذكر سائر الاعتقاد.
والطحاوي هذا هو أحمد محمد بن سلامة الأسدي انتهت إليه رئاسة أصحاب أبي حنيفة في زمنه, و روى عن أصحاب ابن عيينه و ابن وهب و تصانيفه شهيرة توفي سنة إحدى و عشرين و ثلاثمائة عن ثلاث و ثمانين سنة رحمه الله تعالى .
( الشرح )
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله و سلم و بارك على عبد الله و رسوله نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين , أما بعد :
فإن المؤلف الشيخ العلامة حمد بن ناصر بن معمر رحمه الله بهذه الرسالة التي أجاب فيها عن السؤال الذي وجه إليه في آيات الصفات و أحاديث الصفات, و ما موقف المسلم و هل يسلم و هل يمرها كما جاءت أو يتأولها.
أجاب رحمه الله عن ذلك بأنه من الواجب على المسلم أن يسلك ما سلكه السلف الصالح من الصحابة و التابعين و الأئمة و من بعدهم من إمرار النصوص كما جاءت و إثبات معانيها و عدم الكلام في كيفيتها. و نقل الأدلة في ذلك, و نقل كلام الأئمة الأربعة ثم نقل كلام العلماء, و نقل في ذلك كلام أبي العباس بن سريج, و في هذا الذي قلنا نقل كلام الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة المعروفة بعقيدة الطحاوية, التي بين أنها على مذهب فقهاء الملة, ذكر أن في هذه العقيدة بيان للسنة و الجماعة على مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة و أبي يوسف و محمد , أبي يوسف و محمد هم صاحبان للإمام أبي حنيفة.
قال ( نقول في توحيد الله، معتقدين أن الله واحد لا شريك له ) لا شريك له يعني في أسمائه و لا في صفاته و لا في أفعاله و لا في وحدانيته و ألوهيته ( ولا شيء مثله ) هذا كقوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ( ما زال بصفاته قديما قبل خلقه ) لأن الله تعالى هو الخالق بذاته و أسمائه و صفاته, و هو الأول الذي ليس قبله شيء ( وأن القرآن كلام الله ) هذا هو قول أهل السنة و الجماعة كلام الله لفظه و معناه حروفه و ألفاظه ( منه بدأ بلا كيفية قولا ) بدأ من الله فيه الرد على المعتزلة الذين يقولون إن القرآن مخلوق و إن القرآن لم يبدأ من الله و إنما بدأ من الشجرة التي كلمت موسى التي قال بدأ من الشجرة التي كلمت موسى و قال وناديناه مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ أي من الشجرة في الآية الكريمة في سورة النمل و في سورة القصص, بين الله تعالى أن الكلام ابتدأ من الشجرة فقالوا إن الله تعالى خلق الكلام من الشجرة أَنْ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ فقالوا إن الشجرة هي التي كلمت موسى و إن الله بدأ الكلام في الشجرة و هذا من أبطل الباطل. و لهذا قال المؤلف ( إن القرآن كلام الله منه بدأ بلا كيفية قولا ) بلا كيفية ( وأنزله على نبيه وحيا، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا، وأيقنوا أنه كلام الله بالحقيقة، ليس بمخلوق ) في هذا الرد على المعتزلة ( فمن سمعه وزعم أنه كلام البشر فقد كفر ) لأنه كذب الله و لأنه شبه الله بخلقه.
قال: ( والرؤية لأهل الجنة حق، بغير إحاطة ولا كيفية ) وقد دلت النصوص على إثبات الرؤية لله بلا كيفية الرؤية للمؤمنين و أنهم يرون ربهم في الجنة و كذلك الأخبار تواترت بذلك و هو كقوله تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ و قوله سبحانه لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ و في الحديث إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته
قال ( وكل ما جاء في ذلك من الصحيح عن رسول الله ﷺ فهو كما قال، ومعناه على ما أراد، لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا، و لا متوهمين بأهوائنا ).
قال ( ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام ) لا تدخلون الإسلام إلا بالتسليم لله و لرسوله ﷺ و الانقياد لشرع الله لا بد من الخضوع و الذل و الانقياد و التسليم, الإسلام بمعنى الاستسلام لله تعالى بالتوحيد و الانقياد له بالطاعة و البراءة من الشرك و أهله.
ثم قال ( فمن رام علم ما حظر عنه علمه ولم يقنع بالتسليم فهمه حجبه مرامه خالص التوحيد وصحيح الإيمان ) من رام يعني من أراد و قصد ما حظر عنه ما منع منه حظر الحظر هو المنع ما حظر عنه علمه, يعني من أراد أن يعلم شيئا هو ممنوع منه فإنه لا يلزم التنزيه كأن يريد أن يعلم الغيب هذا لا يعلمه إلا الله هذا ممنوع عنك حظر عليك علم الغيب, و من أراد أن يعلم الغيب أو يدعي علم الغيب و الله تعالى منعه من ذلك و حظر عليه علمه ولم يقنع بالتسليم فهمه حجبه مرامه عن خالص التوحيد, هذا الطلب يريد أن يعلم شيئا هو ممنوع عنه فإنه لا يصيب التنزيه فإنه يزل, فإن هذا القصد حينما يريد شيئا منع منه فهذه الإرادة تحجبه عن التوحيد و صحيح الإيمان.
ثم قال ( ومن لم يتوق النفي والتشبيه زل، ولم يصب التنزيه).
إلى أن قال: والعرش والكرسي حق، كما بين في كتابه، وهو مستغن عن العرش وما دونه، محيط بكل شيء وفوقه ). فالمؤلف قطع هذه الجملة من الطحاوية, و الطحاوية معروفة عقيدة مختصرة و مطبوعة و لها الشرح شرحها ابن أبي العز الشرح العقيدة الطحاوية المعروفة .
( المتن )
ذكر قول الإمام أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب إمام الطائفة الكلابية.
وكان من أعظم الناس إثباتا للصفات والفوقية وعلو الله على عرشه، منكرا لقول الجهمية، وهو أول من عرف عنه إنكار قيام الأفعال الاختيارية بذات الرب، وأن القرآن معنى قائم بالذات، وهو أربع معان، وَنَصَرَ طريقته: أبو العباس القلانسي، وأبو الحسن الأشعري، وخالفه في بعض الأشياء، ولكنه على طريقته في إثبات الصفات والفوقية وعلو الله على عرشه، كما سيأتي حكاية كلامه بألفاظه، إن شاء الله تعالى.
حكى ابن فورك في كتابه المجرد فيما جمعه من كلام ابن كلاب أنه قال: وأخرج من النظر والخبر قول من قال: لا هو في العالم ولا خارجا منه، فنفاه نفيا مسويا؛ لأنه لو قيل له: صفه بالعدم؛ لما قدر أن يقول أكثر من هذا، ورد أخبار الله أيضا، وقال في ذلك ما لا يجوز في نص ولا معقول.
ثم قال: ورسول الله ﷺ وهو صفوة الله من خلقه، وخيرته من بريته أعلمهم (بالأين) ، واستصوب قول القائل: إنه في السماء، وشهد له بالإيمان عند ذلك. وجهم بن صفوان وأصحابه لا يجيزون (الأين) ويحيلون القول به.
قال: ولو كان خطأ لكان رسول الله ﷺ أحق بالإنكار، وكان ينبغي أن يقول لها لا تقولي ذلك فتوهمي أنه محدود، وأنه في مكان دون مكان، ولكن قولي إنه في كل مكان لأنه هو الصواب دون ما قلت. كلا، فلقد أجازه رسول الله ﷺ مع علمه بما فيه، وأنه من الإيمان، بل الأمر الذي يجب به الإيمان لقائله؛ ومن أجله شهد لها بالإيمان حين قالت له كيف يكون الحق في خلاف ذلك والكتاب ناطق بذلك وشاهد له، وقد غرس في نبيه الفطرة ومعارف الآدميين من ذلك ما لا شيء أبين منه ولا أوكد؛ لأنك لا تسأل أحدا من الناس عنه عربيا ولا عجميا ولا مؤمنا ولا كافرا، فنقول: أين ربك؟ إلا قال: في السماء. أفصح أو أومى بيده أو أشار بطرفه، إن كان لا يفصح ولا يشير إلى غير ذلك، ولا رأينا أحدا إذا عن له دعاء إلا رفع يديه إلى السماء، ولا وجدنا أحدا غير الجهمية، يسأل عن ربه، فيقول: في كل مكان، كما يقولون, وهم يدعون أنهم أفضل الناس كلهم، فتاهت العقول، وسقطت الأخبار، واهتدى جهم وخمسون رجلا معه! نعوذ بالله من مضلات الفتن انتهى كلامه.
( الشرح )
المؤلف رحمه الله يؤيد ما أقره من معتقد أهل السنة و الجماعة و إثبات الصفات و إمرارها كما جاءت و عدم التعرض لها بالتأويل و التحريف و التعطيل و التكييف, و التعطيل يؤيد هذا بأقوال السلف و أقوال العلماء بعد الأدلة من الكتاب و السنة و أقوال الصحابة.
و في هذا نقل كلام أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب من الطائفة الكلابية, و كان مذهب عبد الله بن سعد بن كلاب إثبات الصفات الذاتية و نفي الصفات الفعلية الاختيارية.
الصفات نوعان:
صفات ذاتية و هي التي لا تنفك عن الباري مثل العلم و القدرة و السمع و البصر و اليد و الرجل و العلو و العظمة و العزة و الكبرياء هذه لا تنفك عن الباري هذه يثبتها.
و تأويل الصفات الفعلية التي تتعلق بالمشيئة و الاختيار مثل الغضب و الرضا و المحبة و الرحمة و النزول و الاستواء كل هذه يؤولها.
شبهته في هذه يسميها مسألة حلول الحوادث قال هذه أمور حادثة لو وصفنا الرب بها للزم من ذلك أن تحل الحوادث في ذات الرب و الله منزه أن تحل الحوادث في ذاته فلهذا تأول هذه الصفات.
و هذا باطل إنما يلزم هذا في صفات المخلوق أما الخالق فلا يلزم تثبت لله على ما يليق بجلاله و عظمته.
و لهذا قال المؤلف ذكر قول الإمام أبي محمد كلمة الإمام عليها ملحوظات فيه نظر تسميته بالإمام لأنه ينكر تأول الصفات الفعلية عنده بدعة و هي تأويل الصفات الفعلية , لو قال ذكر قول أبي محمد بن عبد الله بن سعيد و لا يذكر بالإمام, ذكر قول عبد الله بن سعيد الكلابي من الطائفة الكلابية.
قال ( و كان من أعظم الناس إثباتا للصفات والفوقية وعلو الله على عرشه منكرا لقول الجهمية ) يعني عبد الله بن سعيد بن كلاب من أعظم الناس إثباتا للصفات الفعلية و علو الله و إن كان يتأول الصفات الفعلية, الصفات الفعلية يتأولها, أما الصفات الذاتية و علو الله على خلقه هذه يثبتها, بل هو من أعظم الناس إثبات لها. و كان ينكر قول الجهمية يقول ( وهو أول من عرف عنه إنكار قيام الأفعال الاختيارية بذات الرب ) و يسمونها بمسألة حلول الحوادث قيام الأفعال الاختيارية بذات الرب مثل النزول و الاستواء و الغضب و الرضا هذه يسمونها حوادث ( وهو أول من عرف عنه إنكار قيام الأفعال الاختيارية بذات الرب وأن القرآن معنى قائم بالذات وهو أربع معان ) في نفسه, يعني الكلاب يرى أن الأفعال الاختيارية لا تقوم بذات الرب لا يقوم بالرضا و الغضب و المحبة, و أن القرآن ليس بحرف و صوت كما يقول أهل السنة بل هو معنى قائم بالذات لا يسمع مثل العلم معنى قائم بالذات مثل القدرة معنى قائم بالذات, فكذلك الكلام يكون معنى قائم بالذات لا يسمع جعلوا الرب أبكم لا يتكلم بل مستحيل الكلام على الرب عندهم, لماذا ! لأنه لو قلنا أن الكلام حرف و صوت يسمع للزم من ذلك حلول الحوادث الحرف حادث و الصوت حادث, ففرارا من ذلك أنكروا أن يكون الكلام لفظا و معنى بل قالوا إن الكلام اسم للمعنى و أما اللفظ فهو دليل على الكلام و ليس هو الكلام. و هذا باطل النصوص دلت على أن الكلام يشمل اللفظ و المعنى.
فابن كلاب يرى أن الكلام معنى قائم بالذات لا يسمع و هو أربع معان, يعني في نفسه أربع معان في نفسه الأمر و النهي و الخبر و الاستفهام, هذه أربع معان. لا يتجاوز هذه المعاني أربع معان لأن الكلام معنى قائم بذات الرب و هو أربع معان في نفسه الأمر و النهي و الخبر و الاستخبار.
و أما الأشاعرة كما سيأتي فإنهم يوافقونهم في هذا إلا أنهم يقولون إنه معنى واحد لا يكون أربع معان الكلام معنى واحد و هم يقولون أربع معان الكلابية يقولون هو أربع معان في نفس الرب و الأشاعرة يقولون معنى واحد في نفس الرب.
( معنى قائم بالذات و هو أربع معاني وَنَصَرَ طريقته: أبو العباس القلانسي، وأبو الحسن الأشعري، وخالفه في بعض الأشياء، ولكنه على طريقته في إثبات الصفات والفوقية وعلو الله على عرشه ) ذكر ابن فورك أنه قال : مخرج من النظر و الخبر قول من قال لا هو في العالم و لا خارج منه, فنفاه نفيا سويا , هذا قول الجهمية يقولون لا داخل العالم و لا خارجه ولا فوقه و لا تحته و لا مباين له و لا محايد له و لا متصل به و لا منفصل عنه يسلبون النقيضين , شيء لا داخل العالم و لا خارجه و لا فوقه و لا تحته و لا مباين له. أين يكون ! معدوم بل مستحيل , مستحيل الجمع بين النقيضين.
قال ( لأنه لو قيل له: صفه بالعدم؛ لما قدر أن يقول أكثر من هذا ). يعني يقول المؤلف إن الذي يقول عن معبوده لا داخل العالم و لا خارجه و لا فوقه و لا تحته و لا مباين له و لا محايد له, هذا كلام مستحيل, و لو قيل له صف المعدوم بأكثر من هذا ما استطاع , لو قال شخص صف المعدوم هل يستطيع أن يزيد على ما قال ! لا داخل العالم و لا خارجه و لا فوقه و لا تحته و لا مباين له, ما يستطيع. المعنى أن نفي النقيضين ينتج العدم أي نفوا وجود المعبود.
لهذا فإن المعطلة يعبدون عدما ما عندهم معبود يعبدون الشيء الذي ليس له لا أسماء و لا صفات لا وجود له, لهذا يقول العلماء المعطل يعبد عدما, يقول لأنه لو قيل له صفه بالعدم لما قدر أن يقول أكثر من ذلك ( ورد أخبار الله أيضا، وقال في ذلك ما لا يجوز في نص ولا معقول.
ثم قال: ورسول الله ﷺ وهو صفوة الله من خلقه، وخيرته من بريته أعلمهم (بالأين) ) يعني أعلمهم بالسؤال بأين, كما قال للجارية الأعجمية أين الله؟ فقالت في السماء و أين يسأل بها عن المكان, و هذا فيه إثبات علو الله على خلقه و أنه في العلو فوق العرش و أهل البدع يقولون لا يسأل عن الله بأين, فإذا قيل لهم الرسول ﷺ سأل عن الله بأين يقولون الرسول غلط , الرسول ﷺ سألها لأنها أعجمية لا تفهم إلا هذا سألها سؤال يناسب عقلها لأنها أعجمية لا تفهم , و لما قال في السماء أقرها قالوا نعم أقرها على جواب فاسد هذا الذي يريدونه هكذا اتهموا الرسول ﷺ قالوا الرسول ما قصد أن يقول أين الله يسأل عن الله بأين بل قصد أن يقول من الله لكن لما صارت الأعجمية لا تفهم سألها أين الله؟ أنظر كيف اتهموا الرسول عليه الصلاة و السلام هذه تهمة , هل الرسول ﷺ يخفي شيء من الشريعة يسكت عن الجارية و كل هذا فرار من إنكار العلو و القول بأن الله فوق سماواته مستو على عرشه, فرارا من ذلك قالوا لا يسأل عن الله بأين و سؤال الرسول ﷺ عن الله بأين هذا من حادثة دعته لأن هذه الجارية أعجمية لا تفهم إلا هذا.
قال ( واستصوب قول القائل: إنه في السماء، وشهد له بالإيمان ) يعني الرسول عليه الصلاة و السلام سأل عن الله بأين و استصوب قول من قال إنه في السماء لما قال للجارية أين الله؟ قالت في السماء قال من أنا؟ قالت أنت رسول الله قال اعتقها فإنها مؤمنة هذا معنى قول ( واستصوب قول القائل: إنه في السماء، وشهد له بالإيمان عند ذلك, وجهم بن صفوان وأصحابه لا يجيزون (الأين) ويحيلون القول به ) لا يعني لا يجيزون أن نسأل عن الله بأين, الجهم و أصحابه لا يجيزون أن يسأل عن الله بأين يقول لأن هذا سؤال مكان و الله ليس له مكان عندهم بل هو ذاهب في كل مكان (وجهم بن صفوان وأصحابه لا يجيزون (الأين) ويحيلون القول به. قال: ولو كان خطأ لكان رسول الله ﷺ أحق بالإنكار ) يعني لو كان السؤال عن الله بأين خطأ لكان الرسول ﷺ أولى الناس بالإنكار, ( و كان الأولى أن يقول لها لا تقولي ذلك فتوهمي أنه محدود، وأنه في مكان دون مكان، ولكن قولي إنه في كل مكان لأنه هو الصواب، دون ما قلت ). قال المؤلف ( كلا ) هذا زجر و نفي لما سبق ( فلقد أجازه رسول الله ﷺ) يعني الجارية ( مع علمه بما فيه، وأنه من الإيمان، بل الأمر الذي يجب به الإيمان لقائله؛ ومن أجله شهد لها بالإيمان حين قالته وكيف يكون الحق في خلاف ذلك والكتاب ناطق بذلك وشاهد له، وقد غرس في نبيه الفطرة ومعارف الآدميين من ذلك ما لا شيء أبين منه ولا أوكد؛ لأنك لا تسأل أحدا من الناس عنه عربا ولا عجما ولا مؤمنا ولا كافرا، فنقول: أين ربك؟ إلا قال: في السماء أفصح أو أومأ بيده أو أشار بطرفه، إن كان لا يفصح ولا يشير إلى غير ذلك، ولا رأينا أحدا إذا عن له دعاء إلا رافعا يديه إلى السماء، ولا وجدنا أحدا غير الجهمية، يسأل عن ربه، فيقول: في كل مكان، كما يقولون وهم يدعون أنهم أفضل الناس كلهم، فتاهت العقول، وسقطت الأخبار، واهتدى جهم وخمسون رجلا معه! نعوذ بالله من مضلات الفتن ) .
( المتن )
ذكر قول الإمام أبي الحسن الأشعري صاحب التصانيف إمام الطائفة الأشعرية.
قال في كتابه الذي سماه (اختلاف المصلين ومقالات الإسلاميين) ، فذكر فرق الخوارج و الروافض و الجهمية وغيرهم، إلى أن قال: ذكر مقالة أهل السنة وأصحاب الحديث:
جملة قولهم الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وبما جاء عن الله وما رواه الثقات عن رسول الله ﷺ، لا يردون من ذلك شيئا، وأن الله على عرشه كما قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، وأن له يدين بلا كيف كما قال: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ، وكما قال: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ.
وأن أسماء الله لا يقال إنها غير الله كما قالت المعتزلة والخوارج، وأقروا أن الله عالما، ولم ينفوا ذلك عن الله كما نفته المعتزلة، ويقولون: القرآن كلام الله غير مخلوق ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله ﷺ: إن الله ينزل إلى سماء الدنيا، فيقول: هل من مستغفر؟ كما جاء الحديث ويقرون بأن الله يجيء يوم القيامة كما قال: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا، وأن الله يقرب من خلقه كيف شاء.
إلى أن قال: فهذا جملة ما يأمرون به ويستعملونه ويروونه، وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول، وإليه نذهب، وما توفيقنا إلا بالله.
( الشرح )
هذا قول أبي الحسن الأشعري صاحب التصانيف المشهورة و هذا النقل من كتابه الذي سماه ( اختلاف المصلين و مقالات الإسلاميين ) و له كتاب الإبانة.
أبو الحسن الأشعري هذا كان معتزليا و أقام على الاعتزال ما يقرب من الأربعين سنة و هو معتزلي, ثم تحول و رجع عن الاعتزال و أخذ بقول عبد الله بن سعيد بن كلاب, و هو إثبات الصفات الذاتية و تأويل الصفات الفعلية ثم رجع عن مذهب الأشاعرة و اعتنق مذهب أهل السنة و الجماعة، أولا كان على الاعتزال و تاب عن الاعتزال تكلم و وعظ الناس في الجامع و صعد المنبر ليروه و قال إني راجع عن معتقداتي السابقة و منخلع عنها كما أنخلع عن هذا الثوب, و خلع ثوبا كان عليه, وتحول إلى مذهب عبد الله بن سعيد بن كلاب و هو إثبات الصفات الذاتية و تأويل الصفات الفعلية, ثم بعد ذلك رجع إلى مذهب أهل السنة و الجماعة و أثبت الأسماء و الصفات إلا أشياء يسيرة بسبب مكثه في المذهب السابق كما بين في كتابه الإبانة في أصول الديانة.
هو رجع عن مذهب الأشاعرة لكن أتباعه ما رجعوا بقوا الأشاعرة بقوا, سموا الأشاعرة بالنسبة لأبي الحسن الأشعري و هم يثبتون سبع صفات و هي الحياة و الكلام و السمع و البصر و العلم و القدرة و الإرادة و تأويل بقية الصفات على طريقة عبد الله بن سعيد الكلاب تأويل الغضب تأويل الرضا و تأويل الرحمة و الإنعام و الاستواء و النزول و غير ذلك من الصفات الفعلية التي يتأولونها.
و لهذا قال ( ذكر قول الإمام أبي الحسن الأشعري صاحب التصانيف إمام الطائفة الأشعرية قال في كتابه الذي سماه (اختلاف المصلين ومقالات الإسلاميين) ، فذكر فرق الخوارج ) يعني ذكر أبو الحسن الأشعري فرق الخوارج ( و الروافض و الجهمية وغيرهم.
إلى أن قال: ذكر مقالة أهل السنة وأصحاب الحديث جملة قولهم الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله ) هذه أصول الإيمان و أركانه ( وبما جاء عن الله وما رواه الثقات عن رسول الله ﷺ، لا يردون من ذلك شيئا، وأن الله على عرشه كما قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، وأن له يدين بلا كيف كما قال: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ). فأبوا الحسن الأشعري قرر الإيمان بأصول الدين و أركان الإيمان.
ثم قال و ما زال الثقات (لا يردون من ذلك شيئا، وأن الله على عرشه ) لأنه يثبت العلو ( كما قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) هذا فيه إثبات الاستواء و العلو ( وأن له يدين بلا كيف كما قال: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ وكما قال: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ وأن أسماء الله لا يقال إنها غير الله ) أسماء الله كلها حسنى لا يقال إنها غير الله ( كما قالت المعتزلة والخوارج، وأقروا أن لله علما، ولم ينفوا ذلك عن الله كما نفته المعتزلة، ويقولون: القرآن كلام الله غير مخلوق ويصدقون بالأحاديث التي جاءت إن الله ينزل إلى سماء الدنيا.
فأهل الحديث و أهل الحق يؤمنون بالأسماء و الصفات التي جاءت في الكتاب و السنة و لا يتعرضون لها بتأويل ولا تحريف ولا تعطيل و لا تكييف ولا تمثيل .
( المتن )
وذكر الأشعري في هذا الكتاب المذكور في باب هل الباري تعالى في مكان دون مكان فقال اختلفوا في ذلك على سبع عشرة مقالة منها قال أهل السنة وأصحاب الحديث: إن الله ليس بجسم ولا يشبهه الأشياء؛ وإنه على العرش استوى كما قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ولا نتقدم بين يدي الله بالقول، بل نقول: استوى بلا كيف، وأن له يدين؛ كما قال: خَلَقْتُ بِيَدَيَّ، وأنه ينزل إلى السماء كما جاء في الحديث. ثم قال: وقالت المعتزلة: "استوى على عرشه" بمعنى استولى، وتأولوا اليد بمعنى النعمة، وقوله تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا أي: بعلمنا.
وقال أبو الحسن الأشعري في كتابه جمل المقالات: هذه حكاية جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة:
جملة ما عليه أصحاب الحديث وأهل السنة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله وما تلقاه الثقات عن رسول الله ﷺ لا يردون شيئا من ذلك، وأن الله واحد فرد صمد لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، وأنه على عرشه، كما قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، وأن له يدين بلا كيف كما قال: خَلَقْتُ بِيَدَيَّ، وكما قال: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ، وأن له عينين بلا كيف كما قال: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا، وأن له وجها كما قال:وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، والكلام في الوقف واللفظ. من قال بالوقف أو باللفظ فهو مبتدع عندهم، لا يقال: اللفظ بالقرآن مخلوق، ولا يقال: غير مخلوق، ويقولون: إن الله يرى بالأبصار يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون ولا يراه الكافرون؛ لأنهم عن الله محجوبون.
ثم ساق بقية قولهم. وقال في هذا الكتاب: وقالت المعتزلة: إن الله استوى على عرشه بمعنى استولى. هذا نص كلامه.
وقال في الكتاب أيضا: وقالت المعتزلة في قوله الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى: يعني استولى قال: وتأولت اليد بمعنى النعمة، وقوله تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا أي: بعلمنا.
فالأشعري رحمه الله إنما حكى تأويل الاستواء بالاستيلاء عن المعتزلة و الجهمية، وصرح بخلافه، وأنه خلاف قول أهل السنة.
وقال الأشعري أيضا في كتابه ( الإبانة في أصول الديانة) في باب الاستواء: فإن قال قائل: ما تقولون في الاستواء ؟ قيل: نقول: إن الله مستو على عرشه كما قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، وقال: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ، وقال: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وقال حكاية عن فرعون: يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا كذب موسى في قوله إن الله فوق السماوات وقال : أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السماء أن يخسف بكم الأرض، فالسماوات فوقها العرش، فلما كان العرش فوق السماوات، و كل ما علا فهو سما و ليس إذا قال أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ يعني جميع السماوات وإنما أراد العرش الذي هو أعلى السماوات قال: رأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم نحو العرش وقد قال قائلون من المعتزلة و الجهمية و الحرورية: إن معنى "استوى" استولى وملك وقهر، وأنه تعالى في كل مكان، وجحدوا أن يكون على عرشه، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة، فلو كان كما قالوا؛ كان لا فرق بين العرش وبين الأرض السابعة، لأنه قادر على كل شيء، وكذا لو كان مستويا على العرش بمعنى الاستيلاء لجاز أن يقال هو مستو على الأشياء كلها، ولم يجز عن أحد من المسلمين أن يقول إن الله مستو على الأخلية و الحشوش، فبطل أن يكون الاستواء على العرش الاستيلاء.
وذكر أدلة من الكتاب والسنة والعقل سوى ذلك.
وكتاب الإبانة من أشهر تصانيف أبي الحسن، شهره الحافظ ابن عساكر واعتمد عليه، ونسخه بخطه الإمام محيي الدين النووي.
فانظر رحمك الله إلى هذا الإمام الذي ينسبون إليه الأشاعرة اليوم؛ لأنه إمام الطائفة المذكورة كيف صرح بأن عقيدته في آيات الصفات وأحاديثها عقيدة أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين وأئمة الدين ولم يحك تأويل الاستواء بالاستيلاء، واليد بمعنى النعمة، والعين بمعنى العلم إلا عن المعتزلة و الجهمية وصرح أنه خلاف قوله؛ لأنه خلاف قول أهل السنة والجماعة، لم تجد المنتسبين إلى عقيدة الأشعري قد صرحوا في عقائدهم، ومصنفاتهم من التفاسير وشروح الحديث بالتأويل الذي أنكره إمامهم، وبين أنه قول المعتزلة و الجهمية، وينسبون هذا الاعتقاد إلى الأشعري وهو قد أنكره ورده، وأخبر أنه على عقيدة السلف من الصحابة والتابعين والأئمة بعدهم، وأنه على عقيدة الإمام أحمد كما سيأتي لفظه بحروفه إن شاء الله, وأعجب من هذا أنهم يذكرون في مصنفاتهم: أن عقيدة السلف أسلم وعقيدة الخلف أعلم وأحكم !
( الشرح )
هذا النقل عن الأشعري رحمه الله أطال لأن الحسن الأشعري الذي تنتسب إليه الطائفة الأشعرية رجع عن معتقده إلى معتقد أهل السنة و الجماعة و هم بقوا, فلهذا نقل المؤلف عنه و ذكر هذا فقال: ( وذكر الأشعري في هذا الكتاب ) كتاب اختلاف المصلين الذي ذكره اختلاف المصلين و مقالات الإسلاميين. ذكر الأشعري في هذا الكتاب في باب لأنه جعله أبواب ( في باب هل الباري تعالى في مكان دون مكان فقال اختلفوا في ذلك على سبع عشرة مقالة منها قول أهل السنة وأصحاب إن الله ليس بجسم ولا يشبه الأشياء ) قوله إن الله ليس بجسم هذا من الأشياء التي بقيت عليه, أهل السنة ما يقولون إن الله جسم و لا ليس بجسم, هذه اللفظة محدثة, الألفاظ المحدثة التي لم ترد في الكتاب و لا في السنة, أهل السنة و الجماعة يتوقفون فيها, فلا تطلق على الله نفيا و لا إثباتا و من أطلقها نفيا أو إثباتا فإنه يستفصل فإن أراد حقا قبل و إن أراد باطلا رد, فإذا قلت إن الله جسم نقول ما مرادك بهذا الجسم, فإن قال مرادي أن الله متصف بالصفات نقول هذا صحيح لكن لا تأتي بعبارة لم ترد عبر بنصوص الكتاب و السنة, و إذا قال إن الله ليس بجسم نقول ما مرادك , لم يرد نفي الجسم عن الله و لا إثباته , ما مرادك ! فقال إن مرادي إن الله لا يشبه المخلوقات, نقول هذا صحيح لكن عبر بتعبير آخر وإذا قال إن الله ليس بجسم مرادي نفي الصفات نقول هذا باطل هذا من الأشياء التي بقيت عليه.
( قال أهل السنة وأصحاب إن الله ليس بجسم و لا يشبه الأشياء وإنه على العرش استوى كما قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ولا نتقدم بين يدي الله بالقول، بل نقول: استوى بلا كيف، وأن له يدين؛ كما قال: خَلَقْتُ بِيَدَيَّ، وأنه ينزل إلى السماء كما جاء في الحديث.
ثم قال: وقالت المعتزلة: "استوى على عرشه" بمعنى استولى، وتأولوا اليد بمعنى النعمة، وقوله تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا أي: بعلمنا ) كل هذا من تأويلاتهم.
( وقال أبو الحسن الأشعري في كتاب جمل المقالات: هذه حكاية جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة و الجماعة, و هو ( الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من الله ), هذه أصول الإيمان ( وما تلقاه الثقات عن رسول الله ﷺ لا يردون شيئا من ذلك وأن الله واحد فرد صمد لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، وأنه على عرشه، كما قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) لا يردون من ذلك شيئا بل هم يثبتون ما دلت عليه هذه النصوص من المعاني المتعلقة بالله , و يتلقون ما جاء عن الله و رسوله بالقبول و لا يردون من ذلك شيئا.
ثم قال ( و أن الله فرد صمد ) كلمة فرد لا أعلم أنها وردت أنه اسم من أسماء الله المعروف الصمد الأحد الصمد ( لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، وأنه على عرشه، كما قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى وأن له يدين ), المؤلف نقل كلام الأشعري لأنه رجع إلى معتقد أهل السنة و الجماعة و أثبت الأسماء و الصفات ( وأن له يدين بلا كيف كما قال: خَلَقْتُ بِيَدَيَّ، وكما قال: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ) إثبات اليدين ( وأن له عينين هذا مأخوذ من حديث الدجال ( بلا كيف كما قال: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا ) هذه الآية معناها تجري بمرأى منا و بحفظنا و كلأتنا, و ليس المراد منها إثبات العينين , إثبات العينين من حديث الدجال, أن الدجال أعور بعينه اليمنى و أن ربكم ليس بأعور و الأعور هو الذي ليس له إلا عين واحدة و غير الأعور هو سليم العينين ( كما قال: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ.
وأن القرآن كلام الله غير مخلوق ) هذا قول أهل السنة قاطبة ( والكلام في الوقف واللفظ من قال بالوقف أو باللفظ فهو مبتدع ) اللفظ يعني يقول إن كلام الله غير مخلوق الكلام هو الوقف الذي يتوقف ما نقول مخلوق أو غير مخلوق هذا جهمي, و كذلك الوقف الذي يقول اللفظ بالقرآن مخلوق و إنما حكم على هذا الإطلاق لأنه يوافق قول الجهمية.
قال ( ويقولون: إن الله يرى بالأبصار يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون ولا يراه الكافرون؛ لأنهم عن الله محجوبون ثم ساق بقية قولهم.
وقال في هذا الكتاب: وقالت المعتزلة: إن الله استوى على عرشه بمعنى استولى ). و هذا من أبطل الباطل, ثم قال: ( وقالت المعتزلة في قوله الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى: يعني استولى ) هذا باطل الاستيلاء غير الاستواء ( الجهمية، وصرح بخلافه، وأنه خلاف قول أهل السنة.
و صرح أيضا في كتابه ( الإبانة في أصول الديانة) ) هذا في كتاب آخر الذي انتهى من كتاب اختلاف المصلين و هذا من كتاب الأشعري الآخر من كتاب الإبانة في أصول الديانة ( في باب الاستواء: فإن قال قائل: ما تقولون في الاستواء ؟ قيل له: نقول: إن الله مستو على عرشه كما قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، وقال: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ، وقال: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وقال حكاية عن فرعون: يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ), يعني فرعون طلب من وزيره هامان أن يبني له صرحا ليكذب موسى فيما زعم أن الله فوق الخلق, يعني موسى أفهم فرعون و بلغه أن الله فوق العرش, فأراد فرعون أن يكذبه فقال لوزيره هامان ابن لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى و إني لأظنه كاذبا.
هذا النقل عن الأشعري رحمه الله يدل على أنه رجع إلى معتقد أهل السنة و الجماعة قال (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى إثبات الاستواء وقال: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ إثبات العلو وقال: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ إثبات العلو وقال حكاية عن فرعون: يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا كذب موسى في قوله إن الله فوق السماوات وقال : أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ، فالسماوات فوقها العرش ) العرش فوق السماوات, قال ( فلما كان العرش فوق السماوات، و كل ما علا فهو سما ) يعني في اللغة العربية (و ليس إذا ما قال أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ) يعني جميع السماوات و إنما أراد العرش الذي هو أعلى السماوات قال ( رأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم نحو العرش.
وقد قال قائلون من المعتزلة و الجهمية و الحرورية ) الحرورية هم الخوارج سموا حرورية لأنهم سكنوا بلدة حرورة في العراق ( أن معنى "استوى" استولى وملك وقهر، وأنه تعالى في كل مكان، وجحدوا أن يكون على عرشه، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة ), هكذا أولوا الاستواء بالقدرة و أنكروا علو الله على خلقه.
قال ( فلو كان كما قالوا؛ كان لا فرق بين العرش وبين الأرض السابعة، لأنه قادر على كل شيء ) لو كان الاستواء معناه القدرة ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ لو كان معنى استوى القدرة على العرش لكان هذا عاما الله قادر على كل شيء لقال استوى على الأرض و لم يقل استوى على السماء و إنما قال استوى على العرش, يقول إن هؤلاء فسروا و تأولوا الاستواء تأويلا باطلا , يقول: ( لو كان مستويا على العرش بمعنى الاستيلاء لجاز أن يقال هو مستو على الأشياء كلها، ولم يجز عند أحد من المسلمين أن يقول إن الله مستو على الأخلية ) الأخلية جمع خلاء و هو المكان الذي تقضى فيه الحاجة هكذا ما نزهوا الرب حتى عن الأشياء المكروهة نسأل الله السلامة و العافية.
يقول ( فبطل أن يكون الاستواء على العرش الاستيلاء وذكر أدلة من الكتاب والسنة والعقل ).
قال ( و كتاب الإبانة من أشهر تصانيف أبي الحسن، شهره الحافظ ابن عساكر واعتمد عليه، ونسخه بخطه الإمام محيي الدين النووي ) .
( المتن )
فانظر رحمك الله إلى هذا الإمام الذين ينتسبون إليه الأشاعرة اليوم؛ لأنه إمام الطائفة المذكورة كيف صرح بأن عقيدته في آيات الصفات وأحاديثها عقيدة أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين وأئمة الدين ولم يحك تأويل الاستواء بالاستيلاء، واليد بمعنى النعمة، والعين بمعنى العلم إلا عن المعتزلة و الجهمية وصرح أنه خلاف قوله؛ لأنه خلاف قول أهل السنة والجماعة، لم نجد المنتسبين إلى عقيدة الأشعري قد صرحوا في عقائدهم، ومصنفاتهم من التفاسير وشروح الحديث بالتأويل الذي أنكره إمامهم، وبين أنه قول المعتزلة و الجهمية، وينسبون هذا الاعتقاد إلى الأشعري وهو قد أنكره ورده، وأخبر أنه على عقيدة السلف من الصحابة والتابعين والأئمة بعدهم، وأنه على عقيدة الإمام أحمد كما سيأتي لفظه بحروفه إن شاء الله.
وأعجب من هذا أنهم يذكرون في مصنفاتهم: أن عقيدة السلف أسلم وعقيدة الخلف أعلم وأحكم فسبحان مقلب القلوب كيف يجتمع في قلب من له عقل ومعرفة من الصحابة أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأنهم الذين شاهدوا التنزيل، وعلموا التأويل، وأنهم أهل اللغة الفصحاء واللسان العربي، الذي نزل القرآن بلغتهم، وأنهم الراسخون في العلم حقا، وأنهم متفقون على عقيدة واحدة، لم يختلف في ذلك اثنان، ثم التابعون بعدهم سلكوا سبيلهم، واتبعوا طريقهم، ثم الأئمة الأربعة، وغيرهم مثل الأوزاعي والسفيانين وابن المبارك وإسحاق، وغيرهم من أئمة الدين الذين رفع الله قدرهم بين العالمين، وجعل لهم لسان صدق في الآخرين، كل هؤلاء على عقيدة واحدة مجمعون، ولكتاب ربهم وسنة نبيهم متبعون، ثم بعد معرفته لهذا يقوم في قلبه أن عقيدة الخلف أعلم وأحكم من طريقة السلف؟! فسبحان من يحول بين المرء وقلبه، فيهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بعدله، ولَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ وكيف يكون الخالفون أعلم من السابقين؟! بل من زعم هذا فهو لم يعرف قدر السلف، بل ولا عرف الله ورسوله والمؤمنين حقيقة المعرفة المطلوبة .
( الشرح )
المؤلف رحمه الله بعد أن نقل كلام أبي الحسن الأشعري علق عليه فقال ( فانظر رحمك الله إلى هذا الإمام ) الحسن الأشعري ( الذين ينتسبون إليه الأشاعرة اليوم؛ لأنه إمام الطائفة المذكورة كيف صرح بأن عقيدته في آيات الصفات وأحاديثها اعتقاد أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين وأئمة الدين ). لأنه رجع كما قلنا له حالات ثلاث كان معتزليا ثم تحول إلى مذهب عبد الله بن سعد بن كلاب إثبات الصفات الذاتية و تأويل الصفات الفعلية ثم تحول إلى مذهب أهل السنة و الجماعة, لكن بقيت عليه أشياء يسيرة مثل ما سبق قوله في نفي الجسم , الجسم لا يثبت لا نفيا و لا إثباتا.
قال: ( ولم يحك تأويل الاستواء بالاستيلاء ) هذا كما أول الأشاعرة أولوا الاستواء بالاستيلاء ( واليد بمعنى النعمة ) أولوا اليد بالنعمة, قال ( و لم يحك تأويل الاستواء بالاستيلاء و اليد بمعنى النعمة والعين بمعنى العلم إلا عن المعتزلة و الجهمية وصرح أنه خلاف قوله؛ لأنه خلاف قول أهل السنة والجماعة ).
قال: ( لم تجد المنتسبين إلى عقيدة الأشعري قد صرحوا في عقائدهم، ومصنفاتهم من التفاسير وشروح الحديث بالتأويل الذي أنكره إمامهم ) يقول إن أبا الحسن الأشعري رجع إلى معتقد أهل السنة و الجماعة لكن الأشاعرة الذين على مذهبه ما رجعوا و لا صرحوا في عقائدهم بالتأويل الذي ذكره إمامهم.
ثم قال ( وبين أنه قول المعتزلة و الجهمية، وينسبون هذا الاعتقاد إلى الأشعري وهو قد أنكره ورده ) ( و هو ) يعني الأشعري ( قد أنكره و رده وأخبر أنه على عقيدة السلف من الصحابة والتابعين والأئمة بعدهم، وأنه على عقيدة الإمام أحمد كما سيأتي لفظه بحروفه إن شاء الله ) هو رجع الآن لكنهم لم يرجعوا, أنكر التأويل و لكنهم لم يرجعوا ما له حيلة يكفيه أن يتوب إن تاب إلى الله فالحمد لله كون هؤلاء ما رجعوا فليس بيده.
إلى أن قال ( وأعجب من هذا أنهم يذكرون في مصنفاتهم: أن عقيدة السلف أسلم وعقيدة الخلف أعلم وأحكم ) و هذا من أبطل الباطل, يقول عقيدة السلف أسلم و عقيدة الخلف أعلم و أحكم و هذا من أبطل الباطل فعقيدة السلف أسلم و أعلم و أحكم و أما الخلف فليس عندهم علم بل عندهم جهل, حينما أنكروا النصوص و تعلقوا بالأقيسة المنطقية و المناهج الفلسفية و تركوا النصوص ورائهم ظهريا, أين العلم.
قال: ( فسبحان مقلب القلوب كيف يجتمع في قلب من له عقل ومعرفة أن الصحابة أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأنهم الذين شاهدوا التنزيل، وعلموا التأويل، وأنهم أهل اللغة الفصحاء واللسان العربي، الذين نزل القرآن بلغتهم، وأنهم الراسخون في العلم حقا، وأنهم متفقون على عقيدة واحدة ) إلى آخره.
قال ( لم يختلف في ذلك اثنان، ثم التابعون بعدهم سلكوا سبيلهم، واتبعوا طريقهم، ثم الأئمة الأربعة، وغيرهم مثل الأوزاعي و السفيانين ) سفيان الثوري وسفيان ابن عيينة ( وابن المبارك وإسحاق، وغيرهم من أئمة الدين الذين رفع الله قدرهم بين العالمين، وجعل لهم لسان صدق في الآخرين ).
قال ( كل هؤلاء على عقيدة واحدة مجمعون، ولكتاب ربهم وسنة نبيهم متبعون ).
قال ( ثم بعد معرفته لهذا يقوم في قلبه أن عقيدة الخلف أعلم وأحكم من طريقة السلف ).
ثم بين رحمه الله أن الله يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بعدله، و أنه لا يسأل عما يفعل لكمال حكمته لا لأنه يفعل بالمشيئة, قال ( وكيف يكون الخالفون أعلم من السابقين؟! ) الخلفيون الذين جاؤوا بعد السلف يسمون الخلف فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ الخلف بإسكان اللام العقب الفاسد و الخلف العقب الصالح فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ فكيف يكون المؤلف استبعد أن يكون الخلف أعلم من السابقين بالله و رسوله من السابقين الأولين من الصحابة و التابعين هذا لا يمكن.
قال ( فإن هؤلاء الذين يفضلون طريقة الخلف إنما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن ) يقول السلف يؤمنون بألفاظ القرآن و لا يعرفون معناها يرمونهم بهذا من غير فقه لذلك يعني منزلة الأميين يعني ينزلونهم منزلة الأميين الذين قال الله فيهم وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ يعني إلا مجرد التلاوة ( وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات ) هذا يظن طريقة السلف أسلم و طريقة الخلف أعلم و أحكم و أنهم ظنوا أن طريقة الخلف استخراج المعاني بأنواع المجازات قال ( وقد كذبوا على طريقة السلف، وضلوا في تصويب طريقة الخلف، فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف، وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف )
( المتن )
كيف يكون الخالفون أعلم من السابقين؟! بل من زعم هذا فهو لم يعرف قدر السلف، بل ولا عرف الله ورسوله والمؤمنين حقيقة المعرفة المطلوبة، فإن هؤلاء الذين يفضلون طريقة الخلف إنما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك منزلة الأميين الذين قال الله فيهم: لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ. وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المعروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات، فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالة كما قدمناه، وقد كذبوا على طريقة السلف، وضلوا في تصويب طريقة الخلف، فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف، وبين الجهل والضلال بتصويب طريق الخلف، وكيف يكون الخلف أعلم بالله وأسمائه وصفاته، وأحكم في باب ذاته وآياته من السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان من أهل العلم والإيمان، الذين هم أعلام الهدى ومصابيح الدجى؟ فنسأل الله ألا يزيغ قلوبنا بعد إن هدانا، وأن يهب لنا ولإخواننا المسلمين من لدنه رحمة، إنه هو الوهاب.
وإنما ذكرنا هذا في أثناء كلام أبي الحسن الأشعري، لأن أهل التأويل اليوم الذين أخذوا بطريقة الخلف ينسبونه إلى عقيدة الأشاعرة، فيظن من لا علم عنده أن هذا التأويل طريقة أبي الحسن الأشعري، وهو قد صرح بأنه على طريقة السلف، وأنكر على من تأول النصوص كما هو مذهب الخلف، وذكر أن التأويل مذهب المعتزلة و الجهمية.
قال الإمام الذهبي في كتاب (العلو) : قال الأستاذ أبو القاسم القشيري: سمعت أبا علي الدقاق، يقول: سمعت زاهد بن أحمد الفقيه ...
( الشرح )
هنا المؤلف رحمه الله ينقل و يعلق و ينقد هذه المقالة التي قالها أهل البدع أن طريقة السلف أسلم و أن طريقة الخلف أعلم و أحكم, قال إن هؤلاء الذين يفضلون طريقة الخلف ( إنما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك ) فلهذا فضلوا طريقة الخلف , من قال إن السلف يؤمنون من غير فقه و من غير معرفة المعنى ( فهم بمنزلة الأميين الذين قال الله فيهم: لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ) و هي التلاوة ( فظنوا أن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المعروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات، فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالة ).
قال ( وقد كذبوا على طريقة السلف، وضلوا في تصويب طريقة الخلف، فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف، وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف، وكيف يكون الخلف أعلم بالله وأسمائه وصفاته، وأحكم في باب ذاته وآياته من السابقين الأولين ) ما يمكن هذا ( من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان من أهل العلم والإيمان، الذين هم أعلام الهدى ومصابيح الدجى؟ ).
ثم قال ( فنسأل الله ألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا ولإخواننا المسلمين من لدنه رحمة، إنه هو الوهاب ). بين المؤلف السبب في ذكره فقال ( وإنما ذكرنا هذا في أثناء كلام أبي الحسن الأشعري، لأن أهل التأويل اليوم الذين أخذوا بطريقة الخلف ينتسبون إلى عقيدة الأشاعرة ) و لهذا بين المؤلف حتى لا يلتبس الأمر ( فيظن من لا علم عنده أن هذا التأويل طريقة أبي الحسن الأشعري ).
قال المؤلف ( وهو قد صرح بأنه على طريقة السلف، وأنكر على من تأول النصوص كما هو مذهب الخلف، وذكر أن التأويل مذهب المعتزلة و الجهمية )
...................................................................
أسئلة :
سؤال :
ما مقصود قول المؤلف رحمه الله في ذكر قول ابن كلاب ( و اهتدى جهم و خمسون رجلا معه ) هل هو رجوعه عن مذهبه؟
جواب الشيخ :
لا هو ينكر عليه يقول كيف يكون جهم هو المهتدي و خمسون رجلا باقين على ضلال هو ينكر .
سؤال :
متى ظهرت طائفية الجهمية و ما هو سبب انحرافها؟
جواب الشيخ :
الجهمية ظهورهم في أوائل المائة الثانية و أول من تكلم في نفي الصفات الجعد بن درهم و كان ذلك في أواخر عصر التابعين أول من تكلم في نفي الصفات المؤسس لعقيدة نفي الصفات الجعد بن درهم, و كلامه في نفي الصفات أنكر صفتين فقط صفة الكلام و صفة لخلة , أنكر أن يكون الله متكلما أنكر صفة الكلام و أنكر صفة الخلة لكن ترجع هاتين الصفات إلى جميع الصفات لأن إنكار الكلام معناه إنكار الكتب المنزلة و إنكار كلام الله الكتب المنزلة و الشرائع كلها من الكلام أنزلها الله كلاما فإن أنكر الكلام يعني أنكر الشريعة كلها, فأنكر أن يكون الله كلم موسى تكليما و أنكر أن يكون الله اتخذ إبراهيم خليلا, صفتين و لما أظهر الجعد بن درهم هذه المقالة أنكرها العلماء عليه و بدعوه, و كان أمير العراق و المشرق خالد بن عبد الله القسري و كان من أهل السنة و الجماعة و استشار العلماء في ذلك فأشاروا عليه بقتل جعد بن درهم لشره و فساده فأوتي به مقيدا أوتي بجعد بن درهم مقيدا بيديه و رجليه و صادف ذلك في عيد الأضحى و كان خالد القسري هو الذي يصلي بالناس العيد الأمير هو الذي يصلي بالناس فصلى بالناس صلاة العيد في صحراء قريبة من البلد و أتى بالجعد مقيدا عنده و خطب بالناس بعد الصلاة و قال في آخر الخطبة ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم فإنه زعم أنه الله لم يتخذ إبراهيم خليلا و لم يكلم موسى تكليما ثم نزل و أخذ السكين و ذبحه في المنبر و الناس ينظرون فشكره العلماء, و كان هذا من فتوى علماء زمانه كلهم من التابعين فشكروه و أقروه على ذلك و أثنوا عليه و دعوا له بالتوفيق و قالوا إن هذه الضحية أجرها أعظم بكثير من هذه الضحايا لأن فيه قطع لدابر الشر و الفتن و الفساد و من ذلك ابن القيم رحمه الله في النووية الكافية الشافية أثنى عليه , قال:
ولأجل ذا ضحى بجعد خالد الـ | ـقسري يوم ذبائح القربان |
إذ قال إبراهيم ليس خليله | كلا ولا موسى الكليم الداني |
شكر الضحية كل صاحب سن | لله درك من أخي قربان |
لكنه مع الأسف لم يمت حتى تتلمذ عليه شخص يقال له الجهم بن صفوان و أخذ عنه عقيدة نفي الصفات ثم توسع الجهم بن صفوان في عقيدة نفي الصفات و نشرها على نطاق أوسع, فنسبت العقيدة إليه فقيل عقيدة الجهمية و الأصل أن يقال الجعدية لأن المؤسس لعقيدته هو الجعد لكن الجهم هو الذي نشرها على نطاق أوسع و تبناها فقيض الله له من يقتله قتل الجهم سلم بن أحوز أمير خرسان. فهذه العقيدة عقيدة نفي الصفات ظهرت في أوائل المائة الثانية, ثم بعد ذلك تقلد عقيدة الجهمية المعتزلة انتقلت إلى المعتزلة و الواصل بن عطاء و عمر بن عبيد انتقلت إليهم هذه العقيدة , عقيدة نفي الصفات .
سؤال :
يحتج علينا الصوفية لإقامة بدعة المولد بما ورد من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم في المجلد الأول (297) فقد قال ما نصه : و تعظيم المولد و اتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس و يكون لهم فيه أجر عظيم لحسن قصده و تعظيمه لرسول الله ﷺ, انتهى كلامه , فنرجوا توضيح مراد قول شيخ الإسلام و الرد على هذه الشبهة؟
جواب الشيخ :
شيخ الإسلام ليس المقصود من كلامه أنه يؤيد , يقول بعض الناس قد يكون جاهل ما يدري يظن أنه على الحق و يتكلم بكلام و يعمل بكلام و هو معذور جاهل و نيته حسنة و يأجره الله على نيته و إن كان قد أخطأ, لكن غيره من علم خطأه ليس بمعذور قد يكون إنسانا مخطئا و غلطان و يطلب الحق و لكن هذا ما تعمد الباطل فيكون مجتهدا فيكون له أجر على اجتهاده و لكن لا يتبع في هذا الغلط مثل الآن الحافظ ابن حجر والنووي رحمه الله علماء كبار أجلة خدموا السنة في مؤلفاتهم لكن غلطوا في تأويل الصفات على طريقة الأشاعرة يؤولون الغضب بالانتقام و الرضا بالثواب ظنوا أن هذا هو الحق و أن هذا هو الصواب لأنهم لم يوفقوا في زمن الطلب و في زمن الصغر لمن لم ينشئهم على عقيدة أهل السنة و الجماعة فظنوا أن هذا هو الحق و أن هذا هو التنزيه فنشؤوا على ذلك, فنرجوا الله أن يعفوا عنهم لأن لهم من الجهود و النفع العظيم للأمة في مؤلفاتهم نرجوا أن يغفر لهم و أن يكون هذا الخطأ مغفورا لهم لأنه ليس عن تعمد هذا معنى قول الشيخ ليس مراده أن المولد صحيح بل مراده أنه قد يقع من بعض الناس من باب الغلط و يظن أنه حق فيكون اجتهد اجتهاد خاطئ فيأجره الله على نيته .
سؤال :
هذه الرسالة المدنية للعلامة ابن معمر نفسية في بابها إلا أن النسخة المطبوعة مليئة بالسقط و غيره فحبذا يا صاحب الفضيلة نفع الله بعلمك أن تخرجها بتحقيقك مع التعليق عليها؟
جواب الشيخ :
لا شك أنها نفسية كما ذكر و لكن فيها أخطاء كما رأيتم , أخطاء كثيرة في النقل و المقدمة من الشيخ إسماعيل بن عتيق قدم لها مقدمة, لكنه لم يحققها و لم يعلق عليها فهي بحاجة إلى تعليق و لعل الله أن ييسر من يحققها وقد لا يتيسر لي أن أحققها و لكن قد يهيئ الله لها من يحققها أو نشير على بعض إخواننا أو بعض زملائنا أو بعض الطلبة يحققها لأن التحقيق يحتاج لمراجعة للمخطوطة و يحتاج إلى وقت و يحتاج إلى زمن و يحتاج إلى تفرغ .
سؤال :
يعرف عن فضيلتكم أنكم من المقربين لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فهلا ذكرتم لنا شيئا من سيرته و فضائله؟
جواب الشيخ :
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله, تتلمذ عليه أعداد كبيرة و تتلمذ عليه من هو أكبر مني و قبلي تتلمذ عليه الشيخ عبد الرحمن الثنيان رحمه الله و الشيخ عبد الرحمن البراك و الشيخ عبد الله بن عود تتلمذ عليه لما كان في الخرج قبل أن يأتي الرياض ثم جاء إلى الرياض و درس في كلية الشريعة, ثم انتقل إلى الجامعة الإسلامية هنا و تتلمذ عليه عدد ثم انتقل بعد ذلك عن الرياض و بعد ذلك التقينا به و تتلمذنا عليه سبق و أن كان هناك عدد كبير من المشايخ.
و أما سيرته رحمه الله فهي سيرة حميدة معلومة للخاص و العام من حبه للتعليم و نشر العلم و حرصه على ذلك و عقده للدروس في أي مكان يحل فيه و كذلك أيضا حرصه على نفع الناس بكل ما يستطيع و قيامه بالدعوة إلى الله و الكتابة إلى المحسنين و الأمراء لدعم الدعاة و صرف الرواتب لهم و المحتاجين و الإحسان إلى الناس بالشفاعة و بناء المساجد و غير ذلك من الأعمال العظيمة و الكتابة للمحسنين و الولاة فوقته كله معمور بالخير و أعماله العظيمة لا يستطيع مجموعة كبيرة من الناس أن يقوموا بها.
و أحيل السائل إلى ما كتبه الشيخ محمد الموسى في سيرته رحمه الله, مجلد كامل ذكر فيه سيرته و أحواله في حله و ترحاله و ذهابه و إيابه و أسفاره لأنني لست معه في الأسفار فقط في وقت الدرس لكن محمدا الموسى ذكر أشياء عظيمة و أحوالا و قصصا في حله و ترحاله و نومه و سفره أتى بالعجب العجاب.
و كذلك الشيخ ناصر الزهراني كتب مجلدا عن سيرته.
و كذلك وزارة الشؤون الإسلامية نشرت تعدادا تأتي مجلدا.
و هناك رسائل أخرى فأحيل السائل إلى هذه الكتب سيجد فيها شيئا لم أطلع عليه و لم أعلمه, و هو من أشياء تدل على أنه من السلف الصالح و من بقية السلف و أنه رحمه الله قد بلغ شأنا في العبادة و في العلم في الخلق و في الدعوة إلى الله و في الإحسان في جميع ظروفه و أنواعه فنسأل الله أن يغفر له و يرحمه و يتغمده بواسع رحمته و أن يجمعنا و إياكم في دار كرامته إنه ولي ذلك و القادر عليه .