الرسالة المدنية11
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين محمد ﷺ و على آله و صحبه تسليما كثيرا , قال المؤلف رحمه الله تعالى:
( المتن )
ذكر قول الإمام أبي القاسم عبد الله بن خلف المغربي الأندلسي قال في ( الشرح الملخص ) لما ذكر حديث النزول: وفي هذا الحديث دليل على أنه تعالى في السماء على العرش فوق سبع سماوات من غير مماسة ولا تكييف، كما قال أهل العلم، ودليل قولهم: قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، وقوله ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، وقوله: لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ، و العروج هو الصعود.
قال مالك بن أنس: الله في السماء، وعلمه في كل مكان، لا يخلو من علمه مكان. يريد بقوله "في السماء"، أي: على السماء.
إلى أن قال: وكل ما قدمت دليل واضح على إبطال قول من قال بالمجاز في الاستواء، وأن الاستواء بمعنى الاستيلاء، لأن الاستيلاء في اللغة بعد المغالبة، والله لا يغالبه أحد، ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة على أنه أريد به المجاز، إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك، وإنما يوجه كلام الله إلى الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب التسليم له، ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبادات، وجل الله أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب من معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين. والاستواء معلوم في اللغة، وهو العلو والارتفاع والتمكن في الشيء.
فإن احتج أحد علينا، وقال: لو كان كذلك لأشبه المخلوقات؛ لأن ما أحاطت به الأمكنة واحتوته فهو مخلوق، قيل: لا يلزمه ذلك، لأنه تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، ولأنه لا يقاس بخلقه كان قبل الأمكنة، وقد صح في العقول وثبت بالدلائل أنه كان في الأزل لا في مكان وليس بمعدوم، فكيف يقاس على شيء من خلقه، أو يجري بينه وبينهم تمثيل أو تشبيه، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيراً.
فإن قال قائل: وصف ربنا بأنه كان في الأزل لا في مكان، ثم خلق الله الأماكن فصار في مكان، وفي ذلك إقرار منا بالتغيير والانتقال، إذا زال عن صفته في الأزل وصار في مكان دون مكان. فقد تغير عندك معبودك، وانتقل من لا مكان إلى كل مكان.
فإن قال: إنه كان في الأزل في كل مكان كما هو الآن، فقد أوجد الأشياء والأماكن معه في أزليته، وهذا فاسد.
فإن قال: هل يجوز عندك أن ينتقل من لا مكان في الأزل إلى مكان؟!
قيل له: أما الانتقال وتغيير الحال فلا سبيل إلى إطلاق ذلك عليه؛ لأن كونه في الأزل لا يوجب مكانا، وكذلك نقلته لا توجب مكانا، وليس في ذلك كالخلق، ولكنا نقول: استوى من لا مكان، ولا نقول: انتقل، وإن كان المعنى في ذلك واحدا؛ كما نقول: له عرش، ولا نقول: له سرير، ونقول: هو الحليم، ولا نقول: هو العاقل، ونقول: خليل إبراهيم، ولا نقول: صديق إبراهيم؛ لأنا لا نسميه ولا نصفه ولا نطلق عليه إلا ما سمى به نفسه، ولا ندفع ما وصف به نفسه؛ لأنه دفع للقرآن.
( الشرح )
بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و من والاه .
هذا النقل عن أبي القاسم عبد الله بن خلف المغربي الأندلسي. والمؤلف كما سبق يذكر أقوال الأئمة و العلماء في بيان معتقد أهل السنة و الجماعة في الصفات و العلو و الاستواء لأن أهل السنة و الجماعة ليس بينهم اختلاف كلهم متفقون على أن الله فوق سماواته مستو على عرشه بائن من خلقه و أنه متصف بصفات, و كلهم اتفقوا على تضليل أهل البدع و تبديعهم و الرد عليهم.
و هذا النقل عن أبي القاسم عبد الله بن خلف المغربي الأندلسي, في كتاب له سماه ( الشرح الملخص ) قال في الشرح الملخص ( لما ذكر حديث النزول ) حديث النزول ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر و هو حديث متواتر.
قال ( و في هذا الحديث دليل على أنه تعالى في السماء على العرش فوق سبع سماوات ) من أين أخذه ! من قوله ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا إذن الله سبحانه فوق العرش و النزول يليق بجلاله لا يشبه نزول المخلوق ينزل ربنا كل ليلة.
قال ( دليل على أن الله في السماء على العرش فوق سبع سماوات من غير مماسة ولا تكييف، ) كلمة مماسة في النفي تركها أولى الأولى أن يقول فوق سماواته و لا يتكلم عن المماسة , المماسة بعضهم ذكرها و بعضهم لم يذكرها , الدارمي في رده على بشر المريسي ذكر المماس قال إنه غير مماس بالعرش, فالمماسة مسكوت عنها و تركها أولى و إن كان بعض الأئمة أطلقها و ينبغي على لإنسان أن يقول ما قاله الله و رسوله إن الله فوق سماواته مستو على عرشه بائن من خلقه, أما المماسة فتركها أولى ( من غير مماسة و لا تكييف ) نعم لا نكيف فوقية الله قال ( كما قال أهل العلم.
ودليل قولهم: قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) هذا دليل واضح ( وقوله ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، وقوله: لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ، و العروج هو الصعود ) يعني من أسفل إلى أعلى.
( قال مالك بن أنس: الله في السماء، وعلمه في كل مكان، لا يخلو عن علمه مكان قال ( يريد بقوله "في السماء"، أي: على السماء ) في بمعنى على , المراد بالسماء الطباق المبنية فتكون في بمعنى على و إذا أريد بالسماء العلو تكون في ظرفية الله في السماء و هو العلو و الله له أعلى العلو و هو العرش هذا معنى في السماء الله في السماء يعني العلو و الله له أعلى العلو يعني فوق العرش, أما إذا أريد بالسماء الطباق المبنية تكون في بمعنى على.
( إلى أن قال: وكل ما قدمت دليل واضح على إبطال قول من قال بالمجاز في الاستواء، وأن الاستواء بمعنى الاستيلاء ) أهل البدع يقولون وقوله ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ هذا مجاز عن الاستيلاء و هذا باطل ليس هناك مجاز بل كله حقيقة و السنة ليس فيها مجاز حتى اللغة كلمة مجاز ما كانت معروفة عند العرب كالمجاز كله ما كان معروفا عند العرب و لا في عهد النبي ﷺ و لا في عهد الصحابة و لا عهد التابعين جاء بعد قرون من قبلنا كلمة المجاز ما كانت معروفة أهل البدع توصلوا بقول المجاز إلى نفي الصفات.
قال ( لأن الاستيلاء في اللغة بعد المغالبة ) يعني لا يكون إلا بعد المغالبة , قال ( والله لا يغالبه أحد، ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة على أنه أريد به المجاز، إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك، وإنما يوجه كلام الله إلى الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب التسليم له، ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبادات ) لو أصبح كل واحد يقول الصلاة مجاز و لا يصلي الزكاة مجاز و لا يزكي الصيام مجاز ساغ له ذلك فبطلت العبادات , كل من أراد أن لا يلتزم بشيء قال هذا مجاز هذا معنى قوله ( ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبادات وجل الله أن يخاطب ) يعني أن يخاطب عباده ( إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين ).
قال ( والاستواء معلوم في اللغة، وهو العلو والارتفاع والتمكن في الشيء، فإن احتج أحد علينا، وقال: لو كان كذلك لأشبه المخلوقات ) يعني مستو على العرش لأشبه المخلوقات ( لأن ما أحاطت به الأمكنة واحتوته فهو مخلوق قيل ) هنا الجواب الشيخ ( لا يلزمه ذلك، لأنه تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، ولأنه لا يقاس بخلقه كان قبل الأمكنة ) هذا الذي تحتويه الأمكنة مختلط بمخلوقاته فالله تعالى فوق الأمكنة و فوق المخلوقات , المخلوقات سقفها عرش الرحمن و انتهت المخلوقات و الله فوق العرش, فلا يرد قول تحتويه الأمكنة , الأمكنة تحتوي المخلوق نحن الآن في هذا المسجد تحتوينا الأمكنة أمامنا جدار و خلفنا جدار و عن يميننا جدار و فوقنا جدار هذه الأمكنة تحتوينا, نحن مخلوق في وسط مخلوق لكن الرب فوق الأمكنة انتهت الأمكنة وانتهت المخلوقات سقفها عرش الرحمن و هو فوق العرش فلا يمكن أن تحتويه الأمكنة أو المخلوقات أن يكون بداخل المخلوقات, هذا قول الحلول هذا قول الجهمية الكفرة يقولون إنه مختلط بالمخلوقات ( لا يلزم ذلك، لأنه تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، ولأنه لا يقاس بخلقه كان قبل الأمكنة ) يعني الرب و المراد بالأمكنة المخلوقات ( وقد صح في العقول وثبت بالدلائل أنه كان في الأزل لا في مكان وليس بمعدوم، فكيف يقاس على شيء من خلقه، أو يجري بينه وبينهم تمثيل أو تشبيه، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ) هذا واضح.
( فإن قال قائل: وصف ربنا بأنه كان في الأزل لا في مكان، ثم خلق الله الأماكن فصار في مكان، وفي ذلك إقرار منا بالتغيير والانتقال، إذا زال عن صفته في الأزل وصار في مكان دون مكان فقد تغير عندك معبودك، وانتقل من لا مكان إلى كل مكان ) هذا سؤال ما ينبغي هذا السؤال قوله أنه لا في مكان ثم خلق الأماكن و صار في مكان و هذا يقول بالتغيير و الانتقال كل هذا لا يوافق أن يقال لله ينبغي أن يسكت عن هذه الأشياء و هذه الأشياء ما وردت قال ( فقد تغير عندك معبودك، وانتقل من لا مكان إلى كل مكان فإن قال: إنه كان في الأزل في كل مكان كما هو الآن، فقد أوجد الأشياء والأماكن معه في أزليته، وهذا فاسد فإن قال: هل يجوز عندك أن ينتقل من لا مكان في الأزل إلى مكان؟!
قيل له: أما الانتقال وتغيير الحال فلا سبيل إلى إطلاق ذلك عليه ), نحن الآن نقول أن ترك هذا أولى, و التعمق بمثل هذا الكلام و قوله الانتقال لا يجوز عليه الانتقال كلمة الانتقال لا تثبت تركها لا ينبغي ذكرها لا نفيا و لا إثباتا. ( أما الانتقال وتغير الحال فلا سبيل إلى إطلاق ذلك عليه لأن كونه في الأزل لا يوجب مكانا، وكذلك نقلته لا توجب مكانا، وليس في ذلك كالخلق، ولكنا نقول: استوى من لا مكان، ولا نقول: انتقل ) كل هذا يترك هذا دخول الإنسان فيما لا يعنيه لا ينبغي للإنسان التعرض لمثل هذه الأشياء, قوله الانتقال كل هذا مسكوت عنه فينبغي للمسلم أن يسكت عنه.
يقول ( وليس في ذلك كالخلق، ولكنا نقول: استوى من لا مكان، ولا نقول: انتقل ) كل هذا تركه أولى ( وإن كان المعنى في ذلك واحدا؛ كما نقول: له عرش، ولا نقول: له سرير، ونقول: هو الحليم، ولا نقول: هو العاقل، ونقول: خليل إبراهيم، ولا نقول: صديق إبراهيم ) لماذا ! لأن الصفات توقيفية, الأسماء و الصفات توقيفية العباد لا يخترعون لله أسماء و صفات من عندهم و لكن الله يسمى الله بما سمى به نفسه أو سماه به رسوله ﷺ و يوصف الله بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله ﷺ فالله أخبر و وصف نفسه بالخلة و قال إنه خليل و لم يصف نفسه بالصديق, و لهذا قال نقول له عرش و لا نقول له سرير , يسمى السرير العرش في اللغة سرير الملك قال الله عن بلقيس وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ و عرف عرش الرحمن بأنه سرير عظيم ذو قوائم مقبب عن العالم تحمله الملائكة فهذا سهل قوله العرش سرير هذا مخلوق تقول عرش أو تقول سرير الأمر في هذا سهل الأمر في هذا واسع لكن الكلام في صفات الله العرش ليس صفة من صفاة الله حتى يقال لا يقال سرير يقال سرير و يقال عرش, لكن صفات الله و أسماؤه هي التوقيفية. و لا نقول حليم بل الله سمى نفسه بذلك و لا نقول صديق إبراهيم نعم ( ونقول: خليل إبراهيم، ولا نقول: صديق إبراهيم لأنا لا نسميه ولا نصفه ولا نطلق عليه إلا ما سمى به نفسه ولا ندفع ما وصف به نفسه ) يعني لا نرد ( لأنه دفع للقرآن ) و هذا حق .
( المتن )
ذكر قول الحافظ أبي بكر الخطيب رحمه الله تعالى :
قال: أما الكلام في الصفات فمذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها، والكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، ويحتذى حذوه في ذلك ومثاله، فإذا كان إثبات رب العالمين معلوما فإنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف.
فإذا قلنا: يد وسمع وبصر، فإنما هو إثبات صفات أثبتها الله لنفسه، ولا نقول: إن معنى اليد القدرة، ولا إن معنى السمع والبصر العلم، ولا نقول: إنها جوارح وأدوات للفعل، ولا تشبه بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح، ونقول: إنما وجب إثباتها؛ لأن التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها؛ لقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، وقوله: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ انتهى.
( الشرح )
هذا قول الحافظ أبي بكر الخطيب رحمه الله, قال ( أما الكلام في الصفات فمذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها ) هذا حق مذهب السلف إثبات الأسماء و الصفات سَمِيعٌبَصِيرٌعَلِيمٌو إجراؤها على ظواهرها لا تؤول و تنفى الكيفية نثبت لله القدرة و العلم على ظاهرها, العلم ضد الجهل و القدرة ضد العجز و العلو ضد السفل, تجرى على ظاهرها و تثبت معانيها و تنفى الكيفية لا نشبهها بصفة المخلوقين و لا نكيفها.
قال ( والكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، ويحتذى حذوه في ذلك ومثاله ) الصفات فرع عن الكلام في الذات فكما أن لله ذات لا تشبه الذوات فله صفات لا تشبه الصفات كما أننا لا نكيف الذات فلا نكيف الصفات هذا معنى الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات يعني ما تقوله في الذات تقوله في الصفات الذات ماذا تقول عن ذات الرب ! لا تشبه الذوات إذا الصفات لا تشبه الصفات هل تكيف الذات ! لا إذاً لا تكيف الصفة.
و بينها المؤلف قال ( فإذا كان إثبات رب العالمين معلوما فإنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف ) إثبات رب العالمين تثبت وجوده هل تكيف الذات ! لا, فكذلك الصفات تثبتها تثبت العلم و القدرة و السمع و البصر تثبتها إثبات وجود لا إثبات تحريف وتكييف.
قال ( فإذا قلنا: يد وسمع وبصر، فإنما هو إثبات صفات أثبتها الله لنفسه، ولا نقول: إن معنى اليد القدرة ) لأن هذا تأويل بل نقول يده الحقيقية ( ولا إن معنى السمع والبصر العلم ) هذا تأوي السمع و البصر غير العلم ( ولا نقول: إنها جوارح وأدوات للفعل ) لأن هذا تشبيه للمخلوق هو الذي تكون أدوات و جوارح ( ولا تشبه بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح، ونقول: إنما وجب إثباتها؛ لأن التوقيف ورد بها ) وجب إثبات الصفات لماذا ! لأن التوقيف و هو النص هذا معناه الوقوف عند النص إنما وجب إثباتها وقوفا عند النص عندما أوقفنا النص على إثباتها أثبتناها هذا معنى أنه وجب إثباتها لأن التوقيف ورد بها ( ووجب نفي التشبيه عنها ) لماذا ! لأن الله نفى عن نفسه فقال لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ،، وقوله: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) إذاً نفي التشبيه دلت عليه النصوص لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ،، وقوله: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ إثباتها دل عليه التوقيف و الوقوف عند النصوص .
( المتن )
قال الحافظ الذهبي: المراد بظاهرها أي لا باطن لألفاظ الكتاب والسنة غير ما وضعت له؛ كما قال مالك وغيره: الاستواء معلوم. وكذلك القول في السمع والبصر و العلم والكلام والإرادة والوجه ونحو ذلك، هذه الأشياء معلومة، فلا يحتاج إلى بيان وتفسير، لكن الكيف في جميعها مجهول عندنا.
قال: والمتأخرون من أهل النظر قالوا مقالة مولدة، ما علمت أحدا سبقهم إليها، قالوا: هذه الصفات تمر كما جاءت ولا تؤول مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد، فتفرع من هذا أن الظاهر يعنى به أمران:
أحدهما: أنه لا تأويل غير دلالة الخطاب، كما قال السلف: الاستواء معلوم، وكما قال سفيان وغيره: قراءتها تفسيرها، يعني أنها بينة معروفة واضحة في اللغة، لا يبتغى بها مضائق التأويل والتحريف. وهذا هو مذهب السلف مع اتفاقهم أنها لا تشبه صفات البشر بوجه؛ إذ الباري لا مثل له في ذاته، ولا في صفاته.
الثاني: أن ظاهرها هو الذي يتشكل في الخيال من الصفة؛ كما يتشكل في الذهن من وصف البشر، فهذا غير مراد، فإن الله فرد صمد ليس له نظير، وإن تعددت صفاته؛ فإنها حق، ولكن ما لها مثل ولا نظير، فمن ذا الذي عاينه ونعته لنا.
والله إنا لعاجزون، كالون، حائرون، باهتون في حد الروح التي فينا، وكيف تعرج كل ليلة إذا توفاها باريها؟ وكيف يرسلها؟ وكيف تنتقل بعد الموت؟ وكيف حياة الشهيد المرزوق عند ربه بعد قتله؟ وكيف حياة النبيين الآن؟ وكيف شاهد النبي ﷺ أخاه موسى يصلي في قبره؟ ثم رآه في السماء السادسة وحاوره وأشار عليه بمراجعة رب العالمين وطلب التخفيف منه على أمته، وكيف ناظر موسى أباه آدم؟ وحجه آدم بالقدر السابق، وبأن اللوم بعد التوبة وقبولها لا فائدة فيه؟
وكذلك نعجز عن وصف هيئاتنا في الجنة، ووصف الحور العين، فكيف بنا إذا انتقلنا إلى الملائكة و ذواتهم؟ وكيفيتها؟ وأن بعضهم يمكنه أن يلتقم الدنيا في لقمة، مع رونقهم وحسنهم وصفاء جوهرهم النوراني؟
فالله أعلى وأعظم، وله المثل الأعلى، والكمال المطلق، ولا مثل له أصلا، آمنا بالله و اشهد بأنا مسلمون انتهى كلام الذهبي .
توفي الخطيب سنة ثلاث وستين وأربعمائة. ولم يكن ببغداد مثله في معرفة هذا الشأن.
( الشرح )
هذا نقل عن الذهبي ( قال الحافظ الذهبي: المراد بظاهرها ) يعني النصوص تجرى بظاهرها المراد ( أي لا باطن لألفاظ الكتاب والسنة غير ما وضعت له ) يعني ما نقول أن الصفات لها باطن و ظاهر كما تقول الباطنية و القرامطة يقولون الصلاة لها ظاهر و لها باطن ظاهر مثلا الصلاة ظاهرها صلاة المسلمين الهيئة المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم, و أما الباطن عندهم معرفة أسرار شيوخهم إذا عرفت أسرار الشيوخ هذه الصلاة و الصيام يقولون له ظاهر و باطن ظاهره صيام المسلمين و هو الإمساك عن المفطرات بنية عند طلوع الفجر الثاني و أما الباطن هو كتمان أسرار شيوخهم, هذا الصوم عندهم و الحج له ظاهر و له باطن قالوا ظاهره حج المسلمين إلى بيت الله الحرام و الباطن السفر إلى شيوخهم.
الذهبي رحمه الله يقول نصوص الصفات ما فيها باطن و لا ظاهر لا باطن لها ما فيها إلا ظاهرها , مثل الاستواء ظاهره الاستواء على العرش و أن الله سبحانه على العرش ما عندنا ظاهر و باطن كما عند الباطنية هذا معنى قول المؤلف (المراد بظاهرها أي لا باطن لألفاظ الكتاب والسنة غير ما وضعت له ظاهرها هو المراد كما قال مالك وغيره: الاستواء معلوم وكذلك القول في السمع والبصر والكلام والإرادة والوجه ونحو ذلك ) كلها تجرى على ظاهرها ليس لها باطن و ظاهر كما يقول القرامطة.
قال ( هذه الأشياء معلومة، فلا يحتاج إلى بيان وتفسير ) يعني لا تحتاج إلى بيان و تفسير يخالف الظاهر كتفسير الجهمية لا تحتاج إلى بيان و تفسير يخالف الظاهر (لكن الكيف في جميعها مجهول عندنا.
قال: والمتأخرون من أهل النظر قالوا مقالة مولدة، ما علمت أحدا سبقهم إليها، قالوا: هذه الصفات تمر كما جاءت ولا تؤول مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد ) انظر كلام المتأخرين ماذا قالوا ! قالوا: هذه الصفات تمر كما جاءت ولا تؤول مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد هذا غير صحيح تناقض هذا كيف تمر مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد ! قولك تمر يعني تجرى على الظاهر و قولك ظاهرها غير مراد تنقضه تناقض هذا كلامهم ينقض بعضه بعضا قولهم الصفات تمر كما جاءت هذا يجرى على الظاهر و قولك مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد نقضت الجملة الثانية تنقض الجملة الأولى.
و لذلك علق عليها المؤلف قال ( فتفرع من هذا أن الظاهر يعني به أمران:
أحدهما: أنه لا تأويل غير دلالة الخطاب ) الظاهر يجرى لا يؤول غير دلالة الكتاب ( أنه لا تأويل غير دلالة الخطاب كما قال السلف: الاستواء معلوم، وكما قال سفيان وغيره: قراءتها تفسيرها ) ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ قراءتها تفسيرها هذا هو معناه السمع هو السمع هذا معروف البصر هو البصر هذا معنى قراءتها تفسيرها تقرأ تفهم المعنى لا تؤول قراءتها تفسيرها ( يعني أنها بينة معروفة واضحة في اللغة، لا يبتغى بها مضائق التأويل والتحريف, قال: وهذا هو مذهب السلف مع اتفاقهم أنها لا تشبه صفات البشر بوجه؛ إذ الباري لا مثل له في ذاته، ولا في صفاته ).
( الثاني: أن ظاهرها هو الذي يتشكل في الخيال من الصفة؛ كما يتشكل في الذهن من وصف البشر، فهذا غير مراد ) يعني قوله الصفات تمر كما جاءت و لا تؤول مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد يندرج من هذا أمران أولها أنه لا تأويل لها يخالف الظاهر الثاني أن ظاهرها الذي ينقدح في الذهن و في الخيال هذا باطل كل ما وقع في ذهنك أن الله عليه فهو باطل الله فوق ما توهمت كل ما توهمت أن الله على صفة كذا أو على صفة كذا فالله فوق ذلك خيالك هو الباطل ( أن ظاهرها هو الذي يتشكل في الخيال من الصفة؛ كما يتشكل في الذهن من وصف البشر، فهذا غير مراد فإن الله فرد صمد ليس له نظير ) سبق أن تكلمنا أن فردا لا أعلم أنها وردت إنما صمد نعم أما فرد هذا يحتاج إلى دليل ( ليس له نظير وإن تعددت صفاته؛ فإنها حق، ولكنها ما لها مثل ولا نظير ) صفاته حق لكن ليس لها مثل و لا نظير.
( فمن ذا الذي عاينه ونعته لنا والله إنا لعاجزون ) يقول إن صفات الله ليس لها مثيل و لا نظير هل هناك أحد عاين الرب و شاهده حتى ينعت لنا صفاته ! ما رأى الله أحد في الدنيا. موسى لما طلب الرؤية قال له الله لَنْ تَرَانِي ما تستطيع وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فلما تجلى الله للجبل انساخ و خر موسى صعقا، و محمد كلمه الله في ليلة المعراج و لم يره سمع كلامه و لم يره يعني الحجاب نور الحجاب يمنعني من رؤيته, و قال حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه في حديث أبي موسى.
إذن كيف تكيف الصفات و أنت ما رأيته و الإنسان لا يكيف شيئا إلا إذا رآه أو رأى مثيلا له و نحن لم نر الله و لم نر له مثيلا فلا نستطيع أن نكيف ( فمن ذا الذي عاينه ونعته لنا ).
ثم قال نحن الآن عاجزون عن تكييف الروح التي بنا فكيف نكيف الله عندك الآن الروح التي بين جنبيك تعيش معك هل تدري ما هي كيفيتها ! اضطرب الناس اضطرابا كبيرا من الناس أهل الكلام من قال الروح هي المزاج و قال بعضهم الروح هي الدم و قال بعضهم الروح هي البدن اضطربوا و الفلاسفة قالوا الروح لا داخل الجسم و لا خارجه و لا مباينة له و لا محايدة و منهم من قال لا داخل العالم و لا خارجه اضطراب ما عرفوا يقولون نحن الآن عاجزون عن معرفة الروح التي بيننا كيف نكيف الرب كيف نكيف صفاته ! الروح لا تستطيع تكيفها إذا كان مخلوق بين يديك ما تستطيع أن تكيفها فكيف تكيف الخالق.
قال ( والله إنا لعاجزون كالون ) يعني متعبون ( حائرون، باهتون في حد الروح التي فينا، وكيف نعرج كل ليلة إذا توفاها باريها؟ ) كيف ما ندري ( وكيف يرسلها؟ وكيف تنتقل بعد الموت؟ ) أين تذهب ! تنقل إلى الجنة كما سبق و الكفار تنقل إلى النار تستقل بعد الموت يعني تعيش بدون جسم تطير تصبح طائرا يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده ثم يبعثه استقلت بدون روح و إذا بعثت الأجساد جاءت الأرواح و دخلت في أجسادها, ( و كيف تستقل بعد الموت وكيف حياة الشهيد المرزوق عند ربه بعد قتله؟ ) وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ كيف يكونون أحياء عند ربهم ما نعلم الكيفية إلا حسب ما ورد في النص النبي ﷺ قال: إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسبح في الجنة، ترد أنهارها، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش ( و كيف حياة الشهيد المرزوق عند ربه بعد قتله ؟ و كيف حياة النبيين الآن؟ وكيف شاهد النبي ﷺ أخاه موسى يصلي في قبره؟ ثم رآه في السماء السادسة وحاوره ) يعني النبي ﷺ أسري به على البراق من مكة إلى بيت المقدس ومر بقبر موسى في الطريق قبر موسى كان قريبا من جبل الطور جاء في صحيح البخاري أن الرسول ﷺ قال: إن قبر موسى عند الكثيب الأحمر قدر رمية حجر لو كنت ثَمّ لرأيتكم قبره فمر النبي ﷺ على طريقه و هو ذاهب إلى بيت المقدس فرأى موسى و هو قائم يصلي على قبره ثم لما صعد إلى السماء وجده في السماء السادسة كيف ذلك؟ الأرواح تختلف عن الأجساد الأرواح خفيفة تطير بسرعة في طبقات الجو رآه قائما يصلي في قبره الروح و الجسد بلي والروح تأخذ شكله فرآه قائما يصلي ثم صعدت الروح إلى السماء السابعة و أخذت شكل الجسد فصار يكلمه فقال ارجع إلى ربك واسأله التخفيف عن أمتك. يقول الروح ما نعرف كيفيتها كيف نعرف كيفية الرب؟ لا يمكن ( وأشار عليه بمراجعة رب العالمين وطلب التخفيف منه على أمته، وكيف ناظر موسى أباه آدم؟ وحجه آدم بالقدر السابق ) في الحديث: احتج آدم و موسى فقال موسى: أنت آدم أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء؛ فلماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ فقال له آدم: أنت موسى الذي كلمك الله، واصطفاك برسالته؛ أتلومني على شيء كتبه الله علي قبل أن أخلق بأربعين سنة قال النبي ﷺ فحج آدم موسى، فحج آدم موسى، فحج آدم موسى. يعني غلبه في الحجة موسى لام آدم لامه على أي شيء ! هل لامه على الذنب , لم يلمه على الذنب لأن آدم تاب و التائب من الذنب كمن لا ذنب له و لكن لامه على المصيبة التي أخرجته و ذريته من الجنة فاحتج آدم بأن المصيبة مكتوبة عليه و الاحتجاج بالقدر على المصائب جائز بخلاف الاحتجاج بالصائب على الذنب لا لهذا غلب آدم بالحجة على موسى هذا أشار إليه المؤلف. قال (و كيف ناظر موسى أباه آدم؟ وحجه آدم بالقدر السابق وبأن اللوم بعد التوبة وقبولها لا فائدة فيه؟
وكذلك نعجز عن وصف هيئاتنا في الجنة ) هيئة الجنة ما ندري ما هي هيئة الجنة الشخص طوله في السماء ستون ذراعا على طول آدم كيف هذا لا نعرفه ( ووصف الحور العين ) لا نعلم و هي مخلوقة ( فكيف بنا إذا انتقلنا إلى الملائكة و ذواتهم؟ و كيفيتها؟ ) من باب أولى لا نعرف الملائكة و لا ذاتها و لا كيفيتها ( وأن بعضهم يمكنه أن يلتقم الدنيا في لقمة، مع رونقهم وحسنهم وصفاء جوهرهم النوراني؟ فالله أعلى وأعظم ) إذا كان المخلوق لا يكيف فالله أعلى و أعظم ( وله المثل الأعلى، والكمال المطلق، ولا مثل له أصلا، آمنا بالله و اشهد بأنا مسلمون انتهى كلام الذهبي ) .
( المتن )
ذكر قول الإمام عالم المشرق أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني الشافعي
قال في كتاب (الرسالة النظامية) : اختلفت مسالك العلماء في هذه الظواهر:
فرأى بعضهم تأويلها والتزام ذلك في آي الكتاب وما يصح من السنن.
وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها إلى الرب .
والذي نرتضيه دينا، وندين الله به عقيدة اتباع سلف الأمة، والدليل القاطع السمعي في ذلك، وأن إجماع الأمة حجة متبعة. فلو كان تأويل هذه الظواهر مسوغا أو محتوما لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة.
وإذا انصرم عصر الصحابة والتابعين على الإضراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه المشع. فلتجر آية الاستواء وآية المجيء وقوله لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ على ذلك.
قال الإمام أبو الفتح محمد بن علي: دخلنا على الإمام أبي المعالي الجويني نعوده في مرض موته، فقال لنا: اشهدوا علي أني قد رجعت عن كل مقالة قلتها أخالف فيها ما قال السلف الصالح، وأني أموت على ما تموت عليه عجائز نيسابور.
توفي إمام الحرمين سنة ثمان وسبعين وأربعمائة وله ستون سنة، وكان من بحور العلم في الأصول والفروع، يتوقد ذكاء.
( الشرح )
هذا النقل عن أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني الشافعي هذا أشعري و هو من الأشاعرة و له قصة معروفة مع أحد الطلاب كان يقرر مذهب الأشاعرة في إنكار علو الله على عرشه و يقول كان الله و لا كان و ليس له مكان و ليس في كل مكان, فقال له أحد الطلبة أحد التلاميذ : دعنا يا أستاذ من هذا الكلام كيف ندفع الضرورة التي توجد في نفس كل إنسان ما قال أحد قط يا الله إلا طلب العلو كيف ندفع هذه الضرورة, فقال : حيرني الهمداني و جعل يلطم رأسه و يقول حيرنت الهمداني حيرنت الهمداني حيرنت الهمداني هذه معروفة القصة كان أشعريا لكن هذا النقل يدل على أنه رجع إلى مذهب أهل السنة و الجماعة معروف أنه أشعري يؤول الصفات من الأشاعرة لكن هذا النقل واضح في أنه عند الموت في آخر حياته رجع إلى مذهب أهل السنة و الجماعة و قال إن الناس لهم قولان تأويل و قول السلف و أنا مع قول السلف.
( قال في كتاب (الرسالة النظامية) : اختلف مسالك العلماء في هذه الظواهر ) المراد بالظاهر نصوص الصفات ( فرأى بعضهم تأويلها ) و هم أهل البدع من الأشاعرة و غيرهم ( والتزام ذلك في آي الكتاب وما يصح من السنن ) بعضهم تأول نصوص الصفات بعض الآيات أو الأحاديث ( في آي الكتاب وما يصح من السنن وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها ) هذه طريقة السلف , قوله ( وتفويض معانيها إلى الرب ) هذا خاطئ و تفويض الكيفية المعاني لا تفوض هذا قول المفوضة (الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها وتفويض ) المعاني لا تفوض كلام الله كله معلوم المعنى الله تعالى قال وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فأمر بالتدبر ما قال الصفات لا تدبروها فوضوا معناها الاستواء كما قال الإمام مالك الاستواء معلوم و الكيف مجهول فالمعاني معلومة ليس هناك شيء ليس معلوما الذي لا يعلم هو الكيفية , كيفية الصفة كيفية اتصاف الرب بالاستواء و بالعلو أما المعنى معلوم لا يوجد شيء من القرآن ليس معلوما, المعنى فهذا مما بقي عليه هذا مذهب المفوضة و المفوضة شر من المؤولة.
( و تفويض معانيها للرب جل و علا والذي نرتضيه دينا، وندين الله به عقيدة اتباع سلف الأمة، والدليل القاطع السمعي ) السمع يعني الأدلة المسموعة من الكتاب و السنة ( في ذلك، وأن إجماع الأمة حجة متبعة. فلو كان تأويل هذه الظواهر مسوغا أو محتوما لأوشك أن يكون اهتمامهم بها ) يقول لو كان التأويل هو الحق لأول السلف ( لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة, وإذا انصرم عصر الصحابة والتابعين على الإضراب) يعني ترك التأويل ( عن التأويل كان ذلك هو الوجه المتبع فلتجر آية الاستواء وآية المجيء وقوله لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ على ذلك.
قال الإمام أبو الفتح محمد بن علي: دخلنا على الإمام أبي المعالي الجويني نعوده في مرض موته، فقال لنا: اشهدوا علي أني قد رجعت عن كل مقالة قلتها أخالف فيها ما قال السلف الصالح، وأني أموت على ما تموت عليه عجائز نيسابور ) يعني يموت على الفطرة هذا المراد , العجائز تموت على الفطرة فطرها الله على أن الله في العلو على الفطرة السليمة, كذلك كثير من أهل الكلام حصل عندهم حيرة و قلق نفسي و كآبة حصل عندهم كآبة و مرض نفسي بسبب التأويل, يقول بعضهم إنه يحار , لما سأل بعضهم عندهم شكوك و عندهم تأويل و ليس عندهم ثبات فيسأله أحد من أهل السنة هل أنت الآن مطمئن مرتاح في إثبات الصفات و تنام مرتاحا قال نعم , قال احمد الله يقول أنا ما أرتاح و لا أنام على فراشي آتي أنام و لا أستطيع أضع وجهي و لا أستطيع كله من القلق أفكر في الصفات هل الصفات معناها كذا هل مثلا اليد هي القدرة هي النعمة لا أستطيع و ينتهي الليل و لا أنام و إذا مشيت تصيبني كآبة فلا أستطيع احمد الله إن كنت تمشي مرتاحا و تنام مرتاحا. هذا يقوله أحد أهل السنة و الجماعة نسأل الله السلامة و العافية. يقول ( اشهدوا علي مقالة السلف وأني أموت على ما تموت عليه عجائز نيسابور ) لكن فقط مقالته التي قالها خطأ الذي يفوض الكيفية كيفية الصفات أما المعاني فهي معلومة .
( المتن )
ذكر قول الإمام الحافظ أبي القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الأصبهاني مصنف كتاب (الترغيب والترهيب).
قال في كتاب (الحجة) : قال علماء السنة: إن الله على عرشه بائن من خلقه، وقالت المعتزلة: هو بذاته في كل مكان.
قال: وروي عن ابن عباس في تفسير قوله مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ، قال: هو على عرشه وعلمه في كل مكان. ثم ساق الآثار قال: وزعم هؤلاء أن معنى الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى أي: ملكه، وأنه لا اختصاص له بالعرش أكثر مما له بالأمكنة، وهذا إلغاء لتخصيص العرش وتشريفه. قال أهل السنة: استوى على العرش بعد خلق السماوات والأرض على ما ورد به النص، فليس معناه المماسة، بل هو مستو على عرشه بلا كيف، كما أخبر عن نفسه.
قال: وزعم هؤلاء أنه لا يجوز الإشارة إلى الله بالرؤوس والأصابع إلى فوق، فإن ذلك يوجب التحديد، وأجمع المسلمون على أن الله هو العلي الأعلى، ونطق بذلك القرآن، فزعم هؤلاء أن ذلك بمعنى علو الغلبة، لا علو الذات وعند المسلمين أن لله علو الغلبة، والعلو من سائر وجوه العلو؛ لأن العلو صفة مدح، فثبت أن لله تعالى علو الذات وعلو الصفات وعلو القهر والغلبة وفي منعهم الإشارة إلى الله تعالى من جهة الفوق خلاف لسائر الملل؛ لأن جماهير المسلمين وقع منهم الإجماع على الإشارة إلى الله من جهة الفوق في الدعاء والسؤال، واتفاقهم بأجمعهم على ذلك حجة.
وقد أخبر عن فرعون أنه قال: يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى، وكان فرعون قد فهم عن موسى أنه يثبت إلها فوق السماء، حتى رام بصرحه أن يطلع إليه، واتهم موسى بالكذب في ذلك.
و الجهمية لا تعلم أن الله فوقها بوجود ذاته، فهم أعجز فهما من فرعون، بل وأضل.
وقد «صح عن النبي ﷺ أنه حكم بإيمان الجارية حين قالت: إن الله في السماء. وحكم الجهمي بكفر من يقول ذلك! انتهى كلام أبي القاسم رحمه الله.
توفي سنة خمس وثلاثين وخمسمائة رحمه الله تعالى .
( الشرح )
هذا النقل عن الحافظ أبي القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الأصبهاني مصنف كتاب (الترغيب والترهيب) في الحديث, له كتاب الحجة.
قال في هذا الكتاب الذي سماه كتاب الحجة ( قال علماء السنة: إن الله على عرشه بائن من خلقه ) هذا قول أهل السنة أن الله على عرشه فوق سماواته بائن من خالقه ( وقالت المعتزلة: هو بذاته في كل مكان ) هذا كفر.
قال ( قال: وروي عن ابن عباس في تفسير قوله مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ، قال: هو على عرشه وعلمه في كل مكان ) هذا قول أهل السنة قاطبة ( ثم ساق الآثار قال: وزعم هؤلاء أن معنى الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى أي: ملكه ) يعني أنكروا الاستواء و قالوا المراد الملك فسروا الاستواء بالملك ( وأنه لا اختصاص له بالعرش أكثر مما له بالأمكنة، وهذا إلغاء لتخصيص العرش وتشريفه ) لأنه خص العرش اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ لو كان كسائر الأمكنة لما خص العرش.
( قال أهل السنة: استوى على العرش بعد خلق السماوات والأرض على ما ورد به النص، وليس معناه المماسة، بل هو مستو على عرشه بلا كيف ), سبق أن المماسة تركها أولى المماسة تركها أولى ( بل هو مستو على العرش بلا كيف كما أخبر عن نفسه.
( قال: وزعم هؤلاء أنه لا يجوز الإشارة إلى الله بالرؤوس والأصابع إلى فوق ) زعم هؤلاء أنه لا يجوز أن تشير إلى الرب بالرأس أو بالأصبع لأنهم ينكرون العلو و يقولون هو في كل مكان في السماء و في كل مكان و عندك في الأرض نعوذ بالله قال ( فإن ذلك يوجب التحديد ) يعني تجعله في حد محدود متحيز الجسم.
( وأجمع المسلمون على أن الله هو العلي الأعلى، ونطق بذلك القرآن، فزعم هؤلاء أن ذلك بمعنى علو الغلبة، لا علو الذات وعند المسلمين أن لله علو الغلبة، والعلو من سائر وجوه العلو ) العلو كما سبق ثلاثة أنواع , علو الغلبة و القهر و السلطان و علو القدر و الشأن و العظمة و علو الذات, و كلها ثابتة لله تعالى كما قال ابن القيم رحمه الله :
والفوق أنواع ثلاث كلها | لله ثابتة بلا نكران |
لله فوقية الذات ذاته علية فوق العرش و فوقية القهر و الغلبة و السلطان فوقية القوة و له فوقية القدر و العظمة و الشأن.
و أهل البدع وافقوا على نوعين و خالفوا في نوع وافقوا على علو القهر و علو القدر و أنكروا علو الذات قالوا نحمل النصوص التي جاءت في العلو نحملها على علو الغلبة و القهر و السلطان و علو القدر, أما الذات فلا أنكروها. قال (فإن ذلك يوجب التحديد.
وأجمع المسلمون على أن الله هو العلي الأعلى، ونطق بذلك القرآن، فزعم هؤلاء أن ذلك بمعنى علو الغلبة، لا علو الذات وعند المسلمين أن لله علو الغلبة، والعلو من سائر وجوه العلو لأن العلو صفة مدح، فثبت أن لله تعالى علو الذات وعلو الصفات وعلو القهر والغلبة.
وفي منعهم الإشارة إلى الله تعالى من جهة الفوق خلاف لسائر الملل ) يقول منعهم الإشارة إلى الله في جهة الفوق يقول لأن أهل البدع يمنعون أن تشير بأصبعك و إن رآك جهمي أو معتزل و أنت تشير بإصبعك إلى السماء قطع إصبعك انتبه ترفع إصبعك في السماء و عندك جهمي أو معتزلي يقطع إصبعك مباشرة لأنه يظنك مشبها.
قال ( واتفاقهم بأجمعهم على ذلك حجة وقد أخبر عن فرعون أنه قال: يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا...، وكان فرعون قد فهم عن موسى أنه يثبت إلها فوق السماء، حتى رام ) يعني حتى قصد ( بصرحه أن يطلع إليه، واتهم موسى بالكذب في ذلك ) يعني فرعون فهم من موسى أن الله في العلو لذلك أراد أن يكذبه و يبني له صرحا حتى يكذبه و اتهم موسى بالكذب في ذلك ( و الجهمية لا تعلم أن الله فوقها بوجود ذاته ) يعني تنكر أن الله فوقها بوجود ذاته ( فهم أعجز فهما من فرعون، بل وأضل ) فرعون فهم من موسى أن الله بذاته فوق العرش و الجهمية ما فهموا هذا فصار فرعون أفهم من الجهمية ( و الجهمية لا تعلم أن الله فوقها بوجود ذاته فهم أعجز فهما من فرعون، بل وأضل.
وقد صح عن النبي ﷺ أنه حكم بإيمان الجارية حين قالت: إن الله في السماء،» وحكم الجهمي بكفر من يقول ذلك! الرسول ﷺ حكم بإيمان من أثبت العلو و الجهمية يحكمون بكفر من أثبت العلو نسأل الله العافية .
( المتن )
ذكر كلام الإمام العالم العلامة أبي عبد الله القرطبي صاحب التفسير الكبير
قال في التفسير: قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ هذه مسألة قد بينا فيها كلام العلماء في كتاب (الأسنى في شرح الأسماء الحسنى) ، وذكرنا فيها أربعة عشر قولا.
إلى أن قال: وقد كان السلف الأول لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك، بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى كما نطق كتابه وأخبرت رسله، ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على العرش حقيقة، وخص عرشه بذلك؛ فإنه أعظم المخلوقات، وإنما جهلوا كيفية الاستواء، فإنه لا تعلم حقيقته؛ كما قال الإمام مالك: الاستواء معلوم -يعني في اللغة- والكيف مجهول، والسؤال عن ذلك بدعة.
قال الحافظ الذهبي: وقال القرطبي أيضا في الاستواء: الأكثر من المتقدمين والمتأخرين يعني المتكلمين، يقولون: إذا وجب تنزيه الباري عن الجهة والتحيز، فمن ضرورة ذلك ولواحقه اللازمة أنه متى اختص بجهة أن يكون في مكان وحيز، ويلزم على المكان والحيز الحركة والسكون للمتحيز والتغير والحدوث. هذا قول المتكلمين.
ثم قال الذهبي: قلت: نعم، هذا ما اعتمده نفاة الرب ، أعرضوا عن الكتاب والسنة وأقوال السلف وفطر الخلائق، وإنما يلزم ما ذكروه في حق الأجسام، والله تعالى لا مثل له، ولازم صرائح النصوص حق، ولكنا لا نطلق عبارة إلا بأثر، ثم نقول: لا نسلم أن كون الباري على عرشه فوق السماوات يلزم منه أنه في حيز وجهة، إذ ما دون العرش يقال فيه حيز وجهات، وما فوقه فليس هو كذلك، والله فوق عرشه كما أجمع عليه الصدر الأول، ونقله عنه الأئمة، وقالوا ذلك رادين على الجهمية القائلين بأنه في كل مكان؛ محتجين بقوله: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ.
فهذان القولان هما اللذان كانا في زمن التابعين وتابعيهم. فأما القول الثالث للتولد بآخره بأنه تعالى ليس في الأمكنة ولا خارجا عنها، ولا فوق عرشه، ولا هو متصل بالخلق، ولا بمنفصل عنهم، ولا ذاته المقدسة متميزة ولا بائنة عن مخلوقاته، ولا في الجهات، ولا خارجا عن الجهات، فهذا شيء لا يعقل ولا يفهم مع ما فيه من مخالفات الآيات والأخبار. ففر بدينك، وإياك وآراء المتكلمين، وآمن بالله وما جاء عن الله على مراد الله، وفوض أمرك إلى الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله انتهى كلام الذهبي.
( الشرح )
هذا النقل عن أبي عبد الله القرطبي صاحب التفسير المعروف تفسير القرطبي.
( قال في التفسير: قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ هذه مسألة قد بينا فيها كلام العلماء في كتاب (الأسنى في شرح الأسماء الحسنى) ، وذكرنا فيها أربعة عشر قولا.
إلى أن قال: وقد كان السلف الأول لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك ) يعني لا ينفونها و لا يثبتونها فلا يقولون إن الله في جهة و لا ليس في جهة مثل الجوهر لا يقولون إن الله بجوهر و ليس جوهر و لا يقال إن الله بجسم و ليس بجسم و لا يقال إن الله بعرض و ليس بعرض لأنها أقوال محدثة تحتمل الحق و الباطل , و الذي يقول إن الله في جهة ماذا نقول له ! نستفصل نقول ما مرادك فإن قال مرادي أن الله في جهة يعني في العلو نقول هذا حق و لكن عبر بالنصوص هذا الكلام محتمل لا تقول إن الله في جهة قل إن الله متصف بصفات و إذا قال إن الله في جهة و قصده أنه مختلط بالمخلوقات فهذا باطل و كذلك إذا نفى الجهة نقول ما مرادك من نفي الجهة قال مرادي نفي الجهة نفي العلو نقول هذا باطل و إذا قال مرادي نفي الجهة أن الله ليس مختلط بمخلوقاته فهذا حق و الإمام القرطبي معروف أنه على طريق الأشاعرة رحمه الله هو أشعري.
قال ( بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى ) إثبات الجهة ( وقد كان السلف الأول لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك ) يعني لا يثبتون الجهة و لا ينفونها ( بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى ) قال (لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك بل نطقوا هم والكافة ) و المراد بالكافة عامة العلماء عامة الناس ( بإثباتها لله تعالى كما نطق كتابه وأخبرت رسله، ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على العرش حقيقة، وخص عرشه بذلك؛ لأنه أعظم المخلوقات، وإنما جهلوا كيفية الاستواء، فإنه لا تعلم حقيقته؛ كما قال الإمام مالك: الاستواء معلوم يعني في اللغة والكيف مجهول، والسؤال عن ذلك بدعة.
قال الحافظ الذهبي ) نقل عن القرطبي ( وقال القرطبي أيضا في الاستواء: الأكثر من المتقدمين والمتأخرين يعني المتكلمين، يقولون: إذا وجب تنزيه الباري عن الجهة والتحيز، فمن ضرورة ذلك ولواحقه اللازمة أنه متى اختص بجهة أن يكون في مكان وحيز، ويلزم على المكان والحيز الحركة والسكون للمتحيز والتغير والحدوث ) هذا قول أهل البدع تركه أولى الكلام عن المكان و الجهة و الحركة و السكون و التحيز و التغير هذا الألفاظ التي ابتدعها أهل الكلام.
قال ( هذا قول المتكلمين ثم قال الذهبي: قلت: نعم، هذا ما اعتمده نفاة الرب ) نفاة الرب يعني ينفون وجود الله ( أعرضوا عن الكتاب والسنة وأقوال السلف وفطر الخلائق ) و لما أعرضوا عن ذلك نفوا وجود الله و نفوا الأسماء و الصفات و الذي لا أسماء و لا صفات له لا وجود له و لهذا قال ( نعم، هذا ما اعتمده نفاة الرب ) ينفون وجوده ( أعرضوا عن الكتاب والسنة وأقوال السلف وفطر الخلائق وإنما يلزم ما ذكروه في حق الأجسام، والله تعالى لا مثل له ) يعني هذا الذي يقول يلزم , هذا يلزم في حق المخلوقات أما الله تعالى لا يلزم فيه ذلك.
قال ( ولازم صرائح النصوص حق، ولكنا لا نطلق عبارة إلا بأثر، ثم نقول: لا نسلم أن كون الباري على عرشه فوق السماوات يلزم منه أنه في حيز وجهة، إذ ما دون العرش يقال فيه حيز وجهات، وما فوقه فليس هو كذلك، والله فوق عرشه كما أجمع عليه الصدر الأول، ونقله عنه الأئمة، وقالوا ذلك رادين على الجهمية القائلين بأنه في كل مكان؛ محتجين بقوله: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ.
فهذان القولان هما اللذان كانا في زمن التابعين وتابعيهم ) ما هما القولان ! القول بأنه في كل مكان و القول بأنه في العلو ( فهذان القولان هما اللذان كانا في زمن التابعين وتابعيهم, فأما القول الثالث المتولد بآخره بأنه تعالى ليس في الأمكنة ولا خارجا عنها، ولا فوق عرشه، ولا هو متصل بالخلق، ولا بمنفصل عنهم، ولا ذاته المقدسة متميزة ولا بائنة عن مخلوقاته، ولا في الجهات، ولا خارجا عن الجهات ) قال ( فهذا شيء لا يعقل ) كونه في جهة و ليس في جهة ( ولا يفهم مع ما فيه من مخالفات الآيات والأحاديث ففر بدينك، وإياك وآراء المتكلمين، وآمن بالله ) قل آمنت بالله ( و آمن بالله وما جاء عن الله على مراد الله، وفوض أمرك إلى الله ) .
قال ( فأما القولان الأولان معروفان عن التابعين, أما الثالث فمولد بأنه ليس في الأمكنة ولا خارجا عنها، ولا فوق عرشه، ولا هو متصل بالخلق، ولا بمنفصل عنهم، ولا ذاته المقدسة متميزة ولا بائنة عن مخلوقاته، ولا في الجهات، ولا خارجا عن الجهات فهذا شيء لا يعقل هذا قول نفاة المعطلة و هم أكثر من الحلولية , قلت لكم إن الجهمية طائفتان طائفة نفوا العلو و قالوا إن الله في كل مكان هذا كفر و ضلال لكن أشد منهم كفرا قول المعطلة الذين يقولون لا داخل العالم و لا خارجه و لا فوقه و لا تحته و لا مباين له و لا محايد له و لا منفصل عنه ماذا يكون هذا ! لا فوق و لا تحت و لا متصل و لا منفصل, هذا يقول العلماء و صف مستحيل أشد من المعدوم.
ثم قال ( فهذا شيء لا يعقل و لا يفهم ) هذا صحيح لا يعقل شيء لا داخل العلم و لا خارجه ( مع ما فيه من مخالفات الآيات والأخبار ).
ثم قال ( ففر بدينك، وإياك وآراء المتكلمين، وآمن بالله وما جاء عن الله على مراد الله، وفوض أمرك إلى الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله انتهى كلام الذهبي ) هذا يشير إلى قول الشافعي رحمه الله قال : آمنت بالله و بما جاء عن الله على مراد الله آمنت برسول الله و بما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله .
( المتن )
ذكر قول الإمام محيي السنة أبي محمد الحسين ابن مسعود البغوي صاحب معالم التنزيل
قال عند قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ قال الكلبي ومقاتل: استقر وقال أبو عبيدة: صعد.
وأولت المعتزلة الاستواء بالاستيلاء وأما أهل السنة فيقولون: الاستواء على العرش صفة الله بلا كيف يجب الإيمان به.
وقال في قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ قال ابن عباس وأكثر المفسرين من السلف: ارتفع إلى السماء.
وقال في قوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ الأولى في هذه الآية وما شاكلها أن يؤمن الإنسان بظاهرها، ويكل علمها إلى الله، ويعتقد أن الله منزه عن سمات الحدوث، على ذلك مضت أئمة السلف وعلماء السنة.
وقال في قوله: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ بالعلم.
كان محيي السنة من كبار أئمة مذهب الشافعي، زاهدا ورعا. توفي سنة عشر وخمسمائة، وقد قارب الثمانين.
قال الحافظ الذهبي لما ذكر قول الكلبي ومقاتل المتقدم: لا يعجبني قوله "استقر"، بل أقول كما قال الإمام مالك "الاستواء معلوم". انتهى كلامه رحمه الله.
وهذا الذي حكاه البغوي عن الكلبي ومقاتل ذكره البيهقي عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى قال استقر , و قال الإمام أبو جعفر بن جرير في قوله الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى قال: ارتفع وعلا.
وقال الشيخ أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: اعلم أن بين مسمى الاستواء والاستقرار والقعود فروقا معروفة.
( الشرح )
هذا النقل عن البغوي رحمه الله و هو يلقب محيي السنة أبي محمد الحسين بن مسعود و له كتاب التفسير و هو من أهل السنة و له كتاب شرح السنة المعروف في الحديث البغوي صاحب معالم التنزيل تفسير يسمى معالم التنزيل.
( قال عند قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ قال الكلبي ومقاتل: استقر وقال أبو عبيدة: صعد وأولت المعتزلة الاستواء بالاستيلاء وأما أهل السنة فيقولون: الاستواء على العرش صفة الله بلا كيف يجب الإيمان به.
وقال في قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ قال ابن عباس وأكثر المفسرين من السلف: ارتفع إلى السماء.
وقال في قوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ الأولى في هذه الآية وما شاكلها أن يؤمن الإنسان بظاهرها، ويكل علمها إلى الله، ويعتقد أن الله منزه عن سمات الحدوث ) يعني عن صفات المخلوقات الحادثة ( على ذلك مضت أئمة السلف وعلماء السنة.
وقال في قوله: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ بالعلم ) يعني معهم بالعلم.
( كان محيي السنة من كبار أئمة مذهب الشافعي، زاهدا ورعا ).
إلى أن قال ( قال الحافظ الذهبي لما ذكر قول الكلبي ومقاتل المتقدم ) معروف الكلبي قال الكلبي و مقاتل استقر, وأبو عبيدة قال صعد. الذهبي علق على كلام البغوي, فقال الذهبي لما ذكر قول الكلبي و مقاتل المتقدم ( لا يعجبني قوله "استقر"، بل أقول كما قال الإمام مالك "الاستواء معلوم" انتهى ).
قال ( كلامه رحمه الله وهذا الذي حكاه البغوي عن الكلبي ومقاتل ذكره البيهقي عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى قال استقر ) يعني كان الذهبي يقول لا يعجبني تفسير الاستواء باستقر و لكن أقول الاستواء معلوم و هذا وارد عن السلف معنى الاستواء استقر و علا و صعد و ارتفع فلا وجه لتوقف الحافظ الذهبي ( ذكره البيهقي عن ابن عباس أنه قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى قال استقر.
و قال الإمام أبو جعفر بن جرير في قوله الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى قال: ارتفع وعلا ) و هذا سبق أن استوى لها أربع معاني استقر و علا و صعد و ارتفع.
( وقال الشيخ أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: وقد علم أن بين مسمى الاستواء والاستقرار والقعود فروقا معروفة ) يعني فروق دقيقة, و هو فسر الاستواء بالاستقرار كما فسره السلف , استوى : استقر و علا و صعد و ارتفع فلا وجه لتوقف الحافظ الذهبي .
( المتن )
ذكر قول الإمام العالم العلامة الحافظ عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير
قال في تفسيره في سورة الأعراف: وأما قوله: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدا، ليس هذا موضع بسطها، وإنما نسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح: مالك و الأوزاعي والثوري والليث بن سعد والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وغيرهم من أئمة المسلمين قديما وحديثا، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف، ولا تشبيه، ولا تعطيل، والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله تعالى، فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه؛ و لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
الأمر كما قال الأئمة، منهم نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري: من شبه الله بخلقه فقد كفر، و من جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه.
فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله تعالى، ونفى عن الله النقائص، فقد سلك سبيل الهدى انتهى كلام الحافظ ابن كثير.
وفيما نقلناه من كلام الأئمة خير كثير، ولو تتبعنا كلام العلماء في هذا الباب لحصل منه مجلد كبير وقد أضربنا عن كلام الحنابلة صفحا، فلم ننقل منه إلا اليسير؛ لأنه قد اشتهر عنهم إثبات الصفات، ونفي التكييفات فمذهبهم بين الناس مشهور، وفي كتبهم مسطور، وكلامهم في هذا الباب أشهر من أن يذكر، وأكثر من أن يسطر, ولهذا كان أهل البدع يسمونهم الحشوية ؛ لأنهم قد أبطلوا التأويل، واتبعوا ظاهر التنزيل، وخالفوا أهل البدع والتأويل وأما غيرهم من أهل المذاهب, فكثير منهم قد خالفوا طريقة السلف، وسلكوا مسالك الخلف.
( الشرح )
هذا النقل عن الحافظ ابن كثير المشهور صاحب التفسير و هو علم معروف لكل أحد الحافظ ابن كثير صاحب التفسير سلفي المعتقد تفسيره الذي سارت به الركبان كتاب عظيم و هو ملخص لتفسير ابن جرير و حذف أشياء كثيرة منه, و تجده دائما في الاختيارات في صحيح مسلم في قولين ابن جرير يختار قولا و ابن كثير يختار قولا آخر, و الصواب فيه اختيار ابن كثير, فأحيانا اختيار الشيخ ابن جرير رحمه الله مع أنه شيخ المفسرين غريبة يختار قولا مرجوحا و يختار الحافظ القول الراجح.
الحافظ ابن كثير يقول المؤلف ( ذكر قول الإمام العالم العلامة الحافظ عماد الدين إسماعيل بن عمر ابن كثير رحمه الله ) هذا حق في وصفه.
( قال في تفسيره في سورة الأعراف ) أول ما جاء عن الاستواء ( وأما قوله: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدا، ليس هذا موضع بسطها ) انظر اختياره ( وإنما نسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح ) من هم ! مثالهم ( مالك و الأوزاعي والثوري والليث بن سعد والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وغيرهم من أئمة المسلمين قديما وحديثا وهو ) ما هو مسلكهم ! ( إمرارها كما جاءت من غير تكييف، ولا تشبيه، ولا تعطيل ) إمرارها يعني نمرها فلا نفسرها تفسير الجهمية و لا نفوض معانيها, إمرارها كما جاءت من غير تكييف لا كيفيتها كذا و كذا و من غير تشبيه لا نشبه الله بخلقه و لا تعطيل لا نعطل الرب من صفاته.
قال ( والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله ) يعني المشبه يقع في نفسه إذا قال ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ أنه نفس استواء المخلوق, نقول هذا باطل هذا منفي في النصوص ( والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه؛ و لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
الأمر كما قال الأئمة، منهم نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري: من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر, وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه ) نعيم بن حماد كفر المشبهة و كفر المعطلة, و قال إن وصف الله بالصفات التي وصف نفسه بها ليس تشبيها.
قال ( فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله تعالى، ونفى عن الله النقائص، فقد سلك سبيل الهدى ) من هو الذي سلك سبيل الهدى ! الذي أثبت لله ما وردت به الآيات الصريحة و ما وردت به الأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بالله و نفى عن الله النقائص فقد سلك سبيل الهدى انتهى كلام الحافظ ابن كثير.
و قال ( وفيما نقلناه من كلام الأئمة خير كثير، ولو تتبعنا كلام العلماء في هذا الباب لحصل منه مجلد كبير, وقد أضربنا عن كلام الحنابلة ) ما نقلنا عن الحنابلة ( صفحا، فلم ننقل منه إلا اليسير ) لماذا ! قال ( لأنه قد اشتهر عنهم إثبات الصفات، ونفي التكييفات ) يقول مشهور عنهم أنهم من أهل السنة فلا حاجة لذكر هذا ( لأنه قد اشتهر عنهم إثبات الصفات، ونفي التكييفات فمذهبهم بين الناس مشهور، وفي كتبهم مسطور، وكلامهم في هذا الباب أشهر من أن يذكر، وأكثر من أن يسطر ) قال ( ولهذا كان أهل البدع يسمونهم الحشوية ) أهل البدع يسمون أهل السنة ينبزونهم بألقاب بعضهم يسميهم الحشوية من الحشوة الشيء الذي لا فائدة فيه و بعضهم يسميه النابتة مثل الذي ينبت في الزرع و لا قيمة له يفسد الزرع يسمى نابتة, و بعضهم يسميهم مشبهة يقولون إذا أثبتوا الصفات شبهوا الله بخلقه, فهذه ألقاب ينبذ بها أهل البدع أهل السنة للتنفير عنهم ( ولهذا كان أهل البدع يسمونهم الحشوية لأنهم قد أبطلوا التأويل، واتبعوا ظاهر التنزيل، وخالفوا أهل البدع والتأويل ) قال ( وأما غيرهم من أهل المذاهب فكثير منهم قد خالفوا طريقة السلف، وسلكوا مسالك الخلف ) .
( المتن )
فلهذا نقلنا كلام أئمة الحنفية و المالكية والشافعية، وأئمة أهل الكلام كابن كلاب والأشعري وأبي الحسن بن مهدي و الباقلاني، ليعلم الواقف على ذلك أن هؤلاء الأئمة متبعون للسلف يثبتون لله الصفات، وينفون عنه مشابهة المخلوقات، ويعرف أن هذا الاعتقاد الذي حكيناه عن شيخنا محمد بن عبد الوهاب وأتباعه هو الاعتقاد الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وكلام الصحابة وسائر الأمة.
فنحن لا نصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله ﷺ، لا نتجاوز القرآن والحديث، وما تأوله السابقون الأولون تأولناه، وما أمسكوا عنه أمسكنا عنه، ونعلم أن الله سبحانه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فكما نتيقن أن الله سبحانه له ذات حقيقة، وله أفعال حقيقة، فكذلك له صفات حقيقة، و لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.
وكل ما أوجب نقصا أو حدوثا فإن الله منزه عنه حقيقة فإنه سبحانه مستحق للكمال الذي لا غاية فوقه، ويمتنع الحدوث لامتناع العدم عليه، فلا نمثل صفات الله بصفات الخلق، كما أنا لا نمثل ذاته بذات الخلق، ولا ننفي عنه ما وصف به نفسه، ولا نعطل أسماءه الحسنى وصفاته العليا، بخلاف ما عليه أهل التعطيل والتمثيل.
فالمعطلون لم يفهموا من صفات الله إلا ما هو اللائق بالمخلوق، فشرعوا في نفي تلك المفهومات بأنواع التأويل، فعطلوا حقائق الأسماء والصفات، وشبهوا الرب تبارك وتعالى بالجمادات العارية عن صفات الكمال، ونعوت الجلال، فجمعوا بين التعطيل والتمثيل، وعطلوا أولا ومثلوا آخرا, والممثلون عطلوا حقيقة ما وصف الله به نفسه من صفات الكمال، ونعوت الجلال، وشبهوا صفاته بصفات خلقه، فمثلوا أولا وعطلوا آخرا.
فمن فهم من نصوص الكتاب والسنة في صفات الرب جل وعلا ما يفهمه من صفات المخلوقين، فقد ضل في عقله ودينه، وشبه الله بخلقه، تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ومن نفى ظاهر النصوص، وزعم أنها ليس لها في الباطن مدلول هو صفة لله، وأن الله لا صفة له ثبوتية، أو يثبت بعض الصفات كالصفات السبع ويؤول ما عداها؛ كقوله: اسْتَوَى بمعنى استولى، أو بمعنى علو المكانة والقدر، وكقوله:بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ أي: نعمتاه نعمة الدنيا ونعمة الآخرة، ونحو ذلك مما قد عرف من مذهب المتكلمين.
فهؤلاء نفاة الصفات، ومذهبهم مأخوذ عن جهم بن صفوان، فإن أول من حفظ عنه إنكار الصفات هو الجعد بن درهم، وأخذها عنه الجهم بن صفوان، وأظهرها، فنسبت مقالة الجهمية إليه، و الجعد أخذ مقالته عن أبان بن سمعان، وأخذها أبان عن طالوت ابن أخت لبيد بن أعصم، وأخذها طالوت عن لبيد بن أعصم اليهودي، الساحر الذي سحر النبي ﷺ.
وكان انتشار مقالة الجهمية في المائة الثانية بسبب بشر بن غياث المريسي وطبقته. وكلام الأئمة، مثل: مالك، وسفيان بن عيينة، وأبي يوسف، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وغيرهم في بشر المريسي و ذمه وتضليله كثير جدا وهذه التأويلات الموجودة اليوم بأيدي الناس هي بعينها التأويلات التي ذكرها بشر المريسي في كتابه، وتلقاها عنه الخلف، ونصروها، وقرروها وكثير منهم يحكي القولين: فيذكر مذهب السلف ومذهب الخلف، ثم يقول: مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أعلم وأحكم. فصدق في قوله: مذهب السلف أسلم، وكذب وافترى قي قوله: ومذهب الخلف أعلم وأحكم، بل مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم كما تقدم تقريره.
فنسأل الله أن يهدينا وإخواننا إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وأن يجنبنا طريق المنحرفين عن النهج القويم من المغضوب عليهم والضالين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وقع الفراغ في نسخ هذه النسخ الشريفة صباح الأحد لثلاثة أيام بقين من رجب أحد شهور سنة ألف و مائتين و ثلاثمائة وسبعون بقلم أفقر عباد الله شريد بن علي الطيار غفر الله له وصلى الله على محمد و على آله و سلم .
( الشرح )
المؤلف رحمه الله ختم هذه الرسالة و هذه النقول بتعليق و بيان وجهة نظره في النقول قال ( فلهذا نقلنا ) ذكر قال قبل ذلك أن أهل البدع لما خالفوا طريقة السلف و سلكوا مسالك الخلف فلهذا يقول المؤلف ( نقلنا كلام أئمة الحنفية و المالكية والشافعية، وأئمة أهل الكلام ) يعني يبين أن السلف الصالح و أهل السنة و الجماعة كلهم يثبتون الصفات و لا يؤولونها فنقل هذا الكلام أئمة الحنفية و المالكية والشافعية و كذلك من يؤيدهم حتى من أئمة أهل الكلام ( كابن كلاب والأشعري وأبي الحسن بن مهدي و الباقلاني ) لماذا ! بين قال ( ليعلم الواقف على ذلك أن هؤلاء الأئمة متبعون للسلف يثبتون لله الصفات، وينفون عنه مشابهة المخلوقات ) هذا المقصود , ليعلم الذي يقف على هذه الرسالة أن هؤلاء الأئمة كلهم متبعون للسلف كلهم يثبتون لله الصفات و ينفون عنه مشابهة المخلوقات ( ويعرف أن هذا الاعتقاد الذي حكيناه عن شيخنا محمد بن عبد الوهاب وأتباعه هو الاعتقاد الحق ) إذاً نقلنا النصوص حتى تعلم أن الأئمة كلهم يوافقون السلف في إثبات الصفات و تعلم ( أن هذا الاعتقاد الذي حكيناه عن شيخنا محمد بن عبد الوهاب وأتباعه هو الاعتقاد الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وكلام الصحابة وسائر الأمة ) هناك من يطعن بالشيخ محمد بن عبد الوهاب و يقول عنه بعض الناس الآن يطعن في الشيخ محمد بن عبد الوهاب و في عقيدته يقول إن الشيخ تكفيري هكذا و أبعد الناس عن الكفر الشيخ محمد بن عبد الوهاب يقول أنا لا أكفر تارك الصلاة أنا لا أكفر إلا من أجمع الناس تكفيره حتى أنه لا يكفر تارك الصلاة كسلا و تهاونا مع أن الصواب أنه يكفر الشيخ يقول لا أكفر إلا من أجمع الناس على تكفيره الشيخ محمد بن عبد الوهاب يتورع الذي فيه خلاف لا يكفره و مع ذلك يأتي بعض الناس و يطعن فيه هذا حسن بن فرحان المالكي المنحرف الضال له مؤلفات الآن يطعن في عقيدة الإمام أحمد يقول تكفيري له مؤلفات الآن الإمام أحمد إمام السنة يقول تكفيري و يطعن في شيخ الإسلام ابن تيمية و يطعن في الشيخ محمد بن عبد الوهاب و يطعن في منهج التعليم في المملكة يقول كلها تكفيرية الآن مناهج التوحيد في الابتدائي و المتوسط و هو موجود الآن موجود و كفت يده كلمنا الشيخ المفتي و كلم وزير الداخلية و كفت يده عن العمل و عن الكلام و مع ذلك عاد مرة أخرى و تكلم و منع عرض كتبه , كتبه كلها ضلال منع من أن ينشر كتبه في المعرض فذهب إلى اليمن و عرضها كلها ذهب إلى اليمن و عرضها و بيعت , نسأل الله أن يخزيه و أن يخزي أهل البدع و أن يقطع دابرهم. و يقول إنه ينقل عن الإمام محمد بن عبد الوهاب وأنه يقول نثبت لله أسماءه و صفاته و لا نكفر أحدا قال هذا كلام صحيح لكن مقصوده تكفير الحاضرين كيف مقصوده يقول هذه نيته و الكلام صحيح لكن نيته يكفر الموجودين نعوذ بالله من زيغ القلوب ومن التعنت.
و لهذا المؤلف رحمه الله يقول ( نقلنا كلام أئمة الحنفية و المالكية والشافعية، وأئمة أهل الكلام كابن كلاب والأشعري وأبي الحسن بن مهدي و الباقلاني، ليعلم الواقف على ذلك أن هؤلاء الأئمة متبعون للسلف يثبتون لله الصفات، وينفون عنه مشابهة المخلوقات، ويعرف أن هذا الاعتقاد الذي حكيناه عن شيخنا محمد بن عبد الوهاب وأتباعه هو الاعتقاد الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وكلام الصحابة وسائر الأمة فنحن لا نصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، لا نتجاوز القرآن والحديث، وما تأوله السابقون الأولون تأولناه، وما أمسكوا عنه أمسكنا عنه، ونعلم أن الله سبحانهلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ،، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فكما نتيقن أن الله سبحانه له ذات حقيقة، وله أفعال حقيقة، فكذلك له صفات حقيقة، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.
وكل ما أوجب نقصا أو حدوثا فإن الله منزه عنه حقيقة, فإنه سبحانه مستحق للكمال الذي لا غاية فوقه، ويمتنع الحدوث لامتناع العدم عليه، فلا نمثل صفات الله بصفات الخلق، كما أنا لا نمثل ذاته بذات الخلق، ولا ننفي عنه ما وصف به نفسه، ولا نعطل أسماءه الحسنى وصفاته العليا، بخلاف ما عليه أهل التعطيل والتمثيل ) هل تجد أحسن من هذا الكلام و أجمل منه ! كلام يكتب بماء الذهب , درر , كلام حق.
قال ( فالمعطلون لم يفهموا من صفات الله إلا ما هو اللائق بالمخلوق، فشرعوا في نفي تلك المفهومات بأنواع التأويلات، فعطلوا حقائق الأسماء والصفات، وشبهوا الرب تبارك وتعالى بالجمادات العارية عن صفات الكمال، ونعوت الجلال، فجمعوا بين التعطيل والتمثيل ) المعطلة شبهوا ثم عطلوا , كيف شبهوا ! المعطلة لما يقرأ آيات الصفات ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يفهم منها كاستواء المخلوق شبه, فلما فهم منها كاستواء المخلوق شبه فعطل وقع في ذهنه أن هذه الصفات لو اتصف الرب بها لأشبه المخلوق, فلما وقع في نفسه التشبيه عطل و نفى فشبه أولا ثم عطل ثانيا جمعوا بين التشبيه و التعطيل, هذا معنى قوله: ( فجمعوا بين التعطيل و التمثيل ) عطلوا أولا و مثلوا آخرا ( و الممثلون جمعوا بين التعطيل و التمثيل عطلوا أولا ومثلوا آخرا ) و الأصل أنه العكس أنهم مثلوا أولا ثم عطلوا آخرا أنه وقع في نفسه التمثيل و التشبيه ثم عطل , قال ( والممثلون عطلوا حقيقة ما وصف الله به نفسه من صفات الكمال، ونعوت الجلال، وشبهوا صفاته بصفات خلقه، فمثلوا أولا وعطلوا آخرا ) يعني كأنه يريد الآن أن يقارن بين الممثلة و بين المشبهة , المشبهة عطلوا أولا و مثلوا آخرا و الممثلون مثلوا أولا و عطلوا آخرا يعني الممثلة مثلوا أولا قالوا إن صفات الخالق مثل صفات المخلوق مثلوا فلما مثلوا و جعلوا صفات الخالق مثل صفات المخلوقين عطلوا الله من صفات الكمال, لأن الله لا يشابه المخلوق و أما الممثلة فإنهم عطلوا أولا, لأنهم نفوا الصفات و مثلوا آخرا لأنهم شبهوا بالمعدومات و الجمادات فعطلوا أولا حتى نفوا عن الله صفات الكمال و مثلوا آخرا لأن الذي ليس لديه صفات إما جماد و إما معدوم و إما ميت و مثل آخرا و المشبهة شبهوا أولا و عطلوا آخرا.
ثم قال المؤلف ( فمن فهم من نصوص الكتاب والسنة في صفات الرب جل وعلا ما يفهمه من صفات المخلوقين، فقد ضل عقله ودينه، وشبه الله بخلقه، تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا ) يقول الذي يفهم من نصوص الكتاب مثل ما يفهمه من صفات المخلوقين هذا ضال في عقله و في دينه و مشبه لله بخلقه فـ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ومن نفى ظاهر النصوص، وزعم أنه ليس لها في الباطن مدلول هو صفة لله، وأن الله لا صفة له ثبوتية، أو يثبت بعض الصفات كالصفات السبع ) و هم الأشاعرة سبع صفات الحياة و السمع و البصر و العلم و القدرة و الإرادة و الباقي يؤولونها ( ويؤول ما عداها؛ كقوله: اسْتَوَى بمعنى استولى ) سيأتي الجواب عن هذا يقول هؤلاء نفاة الصفات. من نفى ظاهر هذه النصوص و زعم أنه ليس لها في الباطن مدلول هو صفة لله و أن الله ليس له صفة ثبوتية هذا ناف أو يثبت بعض الصفات كالصفات السبع و ما عداها كقولهم اسْتَوَى يؤولها يقول استولى ( أو بمعنى علو المكانة والقدر ) يقول الله تعالى له العلو علو المكانة و القدر و ليس علو الذات يثبت علو المكانة و القدر و علو القهر و السلطان و ينفي علو الذات ( وكقوله: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ أي: نعمتاه نعمة الدنيا ونعمة الآخرة ) انظر للتأويل السمج هذا أسمج تأويل بل يداه بل نعمتاه ! ( ونحو ذلك مما قد عرف من مذهب المتكلمين ) غرفوا كأنه شيء يغرف ويؤخذ ( غرفوا من مذاهب المتكلمين فهؤلاء نفاة الصفات، ومذهبهم مأخوذ من جهم بن صفوان ).
قال ( فإن أول من حفظ عنه إنكار الصفات هو الجعد بن درهم، وأخذها عنه الجهم بن صفوان، وأظهرها، فنسبت مقالة الجهمية إليه ) هذا ذكرته لكم أن الجعد بن درهم هو مؤسس عقيدة نفي الأسماء و الصفات أول من تكلم في الإسلام أول من حفظ عنه مقالة التعطيل الجعد بن درهم تكلم نفى صفتين صفة الخلة و صفة الكلام زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا و لم يكلم موسى تكليما فقتله خالد بن عبد الله القسري و أخذ عنه جهم بن صفوان و نشرها فنسبت إليه , الجعد هذا أول من تكلم في نفي الصفات ممن تتلمذ ! تتلمذ على اليهود و المشركين و المجوس, قال ( و الجعد أخذ مقالته ) ما هي مقالته ! نفي الأسماء و الصفات ( عن أبان بن سمعان، وأخذها أبان عن طالوت ابن أخت لبيد بن أعصم، وأخذها طالوت عن خاله لبيد بن أعصم اليهودي، الساحر الذي سحر النبي ﷺ ) فصارت سلسلة عقيدة نفي الأسماء و الصفات تتصف باليهود, انظر الجهم أخذ عن الجعد و الجعد أخذ عن أبان و أبان أخذ عن طالوت, و طالوت أخذها عن خاله لبيد بن أعصم الساحر اليهودي الذي سحر النبي ﷺ.
و كذلك أيضا كان الجعد عاش في أرض حران و أرض حران أرض موبوءة فيها السحرة و فيها الفلاسفة و فيه الكفرة فأخذ عنهم أخذ عن اليهود و عن الكفرة و عن الصابئة وعباد الكواكب هذه عقيدة نفي الصفات تصلهم باليهود و الصابئة و الكفرة و عباد الكواكب.
قال المؤلف رحمه الله ( وكان انتشار مقالة الجهمية في المائة الثانية ) أول المائة الثانية ( بسبب بشر بن غياث المريسي وطبقته ) و هو جهمي ( وكلام الأئمة، مثل: مالك، وسفيان بن عيينة، وأبي يوسف، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وغيرهم في بشر المريسي و ذمه وتضليله كثير جدا ) و رد عليه عثمان بن سعيد الدارمي في مجلد معروف سماه رد عثمان بن سعيد الدارمي على الكافر العنيد فيما افترى على الله.
قال المؤلف ( وهذه التأويلات الموجودة اليوم بأيدي الناس هي بعينها التأويلات التي ذكرها بشر المريسي في كتابه ) يعني تأويلات المعتزلة و غيرهم هي تأويلات بشر المريسي ( وتلقاها عنه الخلف ) هو العقب الفاسد بإسكان الميم و الخلف هو العقب الصالح , قال تعالى فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ هذا عقب فاسد أما الصالح فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ.
قال ( وكثير منهم يحكي القولين: فيذكر مذهب السلف ومذهب الخلف ). النووي رحمه الله في الشرح صحيح مسلم ينقل : هذه المسألة لها قولان قول السلف إمرارها كما جاءت و قول الخلف تأويلها ( ثم يقول: مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أعلم وأحكم ) و هذا ليس قول السلف لا هذا و لا هذا ما وصل إلى قول الحق لأن هذا مبلغ علمه, نشئ على هذا رحمه الله مع أنه خدم السنة لكنه غلط في هذا فله الكتب العظيمة و المفيدة لكن الكمال لله غلط فنسأل الله أن يعفو عنا و عنه.
( وكثير منهم يحكي القولين: فيذكر مذهب السلف ومذهب الخلف ثم يقول: مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أعلم وأحكم ) مذهب السلف أسلم يقولون إنهم قوم سذج يمرون النصوص و لا يعلمون معناها فلا يفسرونها أما الخلف أعلم و أحكم يفسرون النصوص و يؤولونها فهذا أسلم, إن أردت السلامة خذ مذهب السلف و إن أردت العلم و الحكمة خذ مذهب الخلف , المؤلف يقول ( فصدق في قوله: مذهب السلف أسلم، وكذب وافترى قي قوله: ومذهب الخلف أعلم وأحكم ) الذي يقول مذهب السلف أسلم صدق لكن قوله مذهب الخلف أعلم و أحكم افترى و كذب, ( بل مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم ) هذه الأوصاف كلها لمذهب السلف , قولهم مذهب السلف أسلم و مذهب الخلف أعلم و أحكم إحداهما صدق و الأخرى كذب , قولهم مذهب السلف أسلم صحيح و قولهم مذهب الخلف أعلم و أحكم كذب بل هي وصف لمذهب السلف , مذهب السلف أسلم و أعلم و أحكم ( كما تقدم تقريره ).
ثم ختم المؤلف بالدعاء قال ( فنسأل الله أن يهدينا وإخواننا إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وأن يجنبنا طريق المنحرفين عن المنهج القويم من المغضوب عليهم والضالين ) المغضوب عليهم اليهود و الضالين النصارى و من شابههم, وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
و بهذا نكون قد انتهينا من هذه الرسالة نسأل الله أن يرزقنا و إياكم العلم النافع و العمل الصالح و أن يثبتنا و إياكم على دينه القويم .
............................................................
أسئلة :
سؤال :
ما دام أن المماسة لم تذكر في الكتاب والسنة فينبغي للمسلم أن يقول ما قاله الله و قاله رسوله فهل يجوز أن نقول إن هذا اللفظ لفظ مبتدع !
جواب الشيخ :
نعم , بعض العلماء قال تركه أولى و بعض السلف ذكر هذا القول "المماسة " و ذكره الدارمي في الرد على بشر المريسي و قصده من ذلك أن يبين أن الله ليس مختلط بالمخلوقات يفسر قوله بائن من خلقه , مستو على عرشه بائن من خلقه يعني منفصل و لا شك أن تركه أولى و إن كان قد اجتهد بعض العلماء و تركها , قصده من باب الإيضاح .
سؤال :
الذين ينفون علو الله على خلقه و فوقيته ما موقفهم من معراج النبي ﷺ إلى ربه !
جواب الشيخ :
الإسراء و المعراج للناس فيه أقوال بعضهم يقول إن الإسراء و المعراج إنما هو بروحه دون جسده و هذا عن عائشة ومعاوية و قيل الإسراء و المعراج مناما لا يقظة و قيل إن الإسراء متعدد مرة مناما و مرة يقظة و الصواب من هذه الأقوال أن الإسراء و المعراج يقظة لا مناما بروحه و جسده مرة واحدة في ليلة واحدة هذا هو الصواب, بعضهم يقول الإسراء في ليلة و المعراج في ليلة بعضهم يقول الإسراء منام و بعضهم يقول الإسراء بالروح و بعضهم يقول الإسراء مرة يقظة و مرة منام. و الصواب من هذه الأقوال أن الإسراء و المعراج في ليلة واحدة بروحه و جسده يقظة لا مناما لأن الله قال سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ و العبد اسم للروح و الجسد هذا هو الصواب, و الذين نفوا هذا , الذين نفوا الإسراء و المعراج قالوا اعتمدوا على عقولهم قالوا كيف يعرج بجسده و الجسد ثقيل لا يمكن أن يعرج نقول أنتم تحكمون عقولكم الله على كل شيء قدير الله تعالى لا يستعصي عليه شيء و على كلامكم إذا الملائكة أرواح و الأرواح من شأنها الصعود كيف تهبط إلى الأرض ! هذه أرواح من شأنها العلو كيف تهبط كما أن من شأن الجسم الثقل فلا يصعد كذلك من شأن الملائكة أرواح أن تصعد و لا تهبط و هذا باطل, الإنسان لا يحكم عقله .
سؤال :
هل من منهج أهل العلم النقل عن المبتدعة فيما وافقوا فيه أهل السنة كما في هذه الرسالة.؟
جواب الشيخ :
نعم , الحق يقبل ممن جاء به من تكلم بالحق قبلناه حتى الكافر إذا جاء بالحق قبلناه كما ثبت في الحديث الصحيح: أن يهوديا جاء إلى النبي ﷺ فقال : يا محمد إنا نجد أن الله يضع السماوات على أصبع و الأرضيين على أصبع و الماء و الثرى على إصبع و سائر الخلق على إصبع ثم يهزهن بيده فيقول أنا الملك فضحك النبي ﷺ حتى بدت نواجده تعجبا و تصديقا لقول الحق. صدقه و أقره الحق يقبل من الشيطان و هو كافر تكلم بالحق في قصة أبي هريرة لما وكل إليه حفظ زكاة رمضان فجاء رجل الشيطان في صورة رجل يطلب منه الطعام فقال له أبو هريرة كيف تسرق هذه صدقة فقال أنا مسكين و لي عائلة و محتاج لا أعود فرحمه و خلا سبيله فقال للنبي ﷺ فقال رسول الله ﷺ ما فعل بعد ذلك؟ قال : شكا إلي حاجة و عيال فرحمته و خليت سبيله قال : إنه كذبك وسيعود فجاء في الليلة القادمة و جعل يحذوا فأخذه قال : تسرق قال أنا مسكين و صاحب عائلة و ما جئت إلا لحاجة فسأله النبي ﷺ قال ما فعل أسيرك البارحة؟ قال يا رسول الله شكا حاجة و عيالا فرحمته و خليت سبيله فقال إنما كذبك وسيعود قال فرصده المرة الثالثة و جاء عازما فكلام الرسول ﷺ ما ينطق عن الهوى فجاء في الليلة الثالثة في المرة الثالثة يحذوا فأخذته المرة فلزمته فقلت لا أتركك المرة هذه ثالث ليلة تزعم أنك لا تعود و تعود فلا يمكن أن أتركك لأرفعنك إلى رسول الله ﷺ فقال دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها قال ما هي ! قال إذا أويت إلى فراشك فأقرأ آية الكرسي فإنه لا يزال عليك من الله حافظ و لا يقربك الشيطان حتى تصبح فخلى سبيله فلما كان في الصبح قال له رسول الله ﷺ ماذا فعل أسيرك؟ قال يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها و ذكر له فقال لقد صدقك وهو كذوب، أتدري من تخاطب يا أبا هريرة؟ قال لا قال ذاك الشيطان , فهذا الشيطان لما جاء بالحق قبله الرسول ﷺ من قرأ آية الكرسي لا يقربه الشيطان حتى يصبح هذا حق قبل من الشيطان صدق مع أنه كذوب لكن صدق هذه المرة حتى يتخلص من أبي هريرة .
سؤال :
أرجوا التفصيل في مسألة الصورة كما في حديث خلق الله آدم على صورته و ما هو المذهب الحق !
جواب الشيخ :
هذه المسألة فيها كلام لأهل العلم كلام طويل و قد بحثها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب البيان في تلبيس الجهمية, و الكتاب مخطوط و الآن تحت الطبع في مجمع الملك فهد و بحث الصورة هذا جاء رسالة كاملة رسالة دكتوراه كاملة لكن الخلاصة في هذا خلق الله آدم على صورته هذا حديث البخاري صحيح خلق الله آدم على صورته ثم قال طوله في السماء ستون ذراعاً أن الضمير في قوله خلق الله آدم على صورته فيه ثلاثة أقوال:
القول الأول أن الضمير يعود لآدم خلق الله آدم على صورته على صورة آدم و هذا باطل قال عبد الله بن الإمام أحمد خلق الله آدم على صورته صورة آدم ! فقال الإمام أحمد هذا قول الجهمية أي صورة لآدم قبل أن يخلقه الله؟
و القول الثاني أنه يعود للمضروب و يكون تشبيه منقلب انقلاب في الحديث إذا تقاتل أحدكم فاليتقِ بالوجه؛ فإن الله تعالى خلق آدم على صورته على صورة المضروب أو الأصل أن يشبه المضروب بآدم فشبه آدم بالمضروب تشبيه مقلوب و هذا باطل أيضا.
القول الثالث أنه يعود إلى الله و هذا هو الصواب الذي أقره الأئمة خلق الله آدم على صورته و يؤيده الرواية الأخرى خلق الله آدم على صورة الرحمن و هي ثابتة قال الحافظ ابن حجر في المجلد الثالث عشر : إن سندها قوي لا بأس به و هذا هو الذي أقره الأئمة أنه يعود إلى الله.
قال الإمام أحمد و شيخ الإسلام ابن تيمية و ابن القيم و غيرهم من أهل العلم و لا إشكال فيه الحديث فيه إثبات الصورة لله , لله صورة لا تشبه الصور كما أن له سمع و بصر و علم خلق الله آدم على صورته و الحديث يقتضي نوعا من المشابهة و هي المشابهة في مطلق الصورة لا في الجنس و المقدار يقتضي نوعا من المشابهة و هي المشابهة في الجنس و المقدار في الصورة لا في الجنس و المقدار.
و يمثل بهذا العلماء قالوا صورة القمر الآن حينما تكون في الماء و ترى صورة القمر في الماء تقول هذه الصورة التي في الماء تشبه الصورة التي في القمر أليس كذلك ! تشبهها في أي شيء ! في مطلق الصورة يعني كونها دائرة و كذا لكن هل تشبهها في المقدار ! لا , مقدار الصورة التي في السماء ليس كمقدار الصورة التي في الأرض هل تشبهها في الجنس ! جنس الصورة ما هي ! هل هي زجاج أو ذهب أو فضة لكن الصورة التي في الماء ما هي ذاتها ما هي ! هل ذاتها تشبهها في الجنس ! لا تشبهها لا في الجنس و لا في المقدار, فالحديث فيه إثبات نوع من المشابهة و هي المشابهة في مطلق الصورة لا في الجنس و المقدار .
سؤال :
ما المقصود بإثبات الصورة لله جل و علا و هل يرى الله في المنام و ما الدليل؟
جواب الشيخ :
المقصود أن لله صورة لا تشبه الصور بل كل موجود له صورة هو قائم عليها كل موجود لا بد أن يكون له صورة و إلا فلا وجود له , كل موجود له صورة هو قائم عليها كل موجود له صورة و الله له صورة و لا يشبه صور المخلوقين, ليس له سمي في ذاته لا يشبه صور المخلوقين في حقيقته فالله تعالى حقيقته ليست كحقيقة المخلوقين لكن قوله خلق آدم على صورته يقتضي نوعا من المشابهة و هي المشابهة في مطلق الصورة.
و قوله هل يرى الله في المنام ! نعم ذكره شيخ الإسلام بن تيمية أن رؤية الله في المنام قال بها جميع الطوائف يقولون إن الله يرى في المنام إلا الجهمية من شدة إنكارهم لله أنكروا رؤيته في المنام و رؤية الله في المنام لا يلزم منها المشابهة و الإنسان يرى ربه في صورة تشبه اعتقاده فإن كان اعتقاده صحيحا رأى ربه في صورة حسنة و إن كان اعتقاده فيه انحراف رأى ربه في صورة تناسب اعتقاده, و لما كان النبي ﷺ أصح الناس اعتقادا , قال في الحديث الصحيح رأيت ربي في أحسن صورة، فقال: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري يا رب. فوضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله في صدري فعلمت، ويختصم الملأ الأعلى في انتظار الصلوات، ونقل الأقدام في الجماعات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة و هذا الحديث يسمى حديث اختصام الملأ الأعلى شرحه الحافظ ابن رجب في رسالة سماه شرح حديث اختصام الملأ الأعلى رأيت ربي في أحسن صورة يعني في النوم لكن في اليقظة ما رأى ربه ما يستطيع أحد أن يرى ربه في الدنيا حجابه النور، لو كشفه لاحترق الخلق لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه .
سؤال :
من أول من قال بالمجاز من أهل اللغة, و هل القول بوجود المجاز في اللغة هو من أقوال أهل السنة !
جواب الشيخ :
أقر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لا يوجد أحد أقر بالمجاز لا من الأئمة الأربعة و لا غيرهم ما وجد إلا كلمة من الإمام أحمد أخذوا بها قال : هذا من كلام المجاز و ليس مقصده المجاز مقصده مما يجوز من كلام فتعلق بها بعض الناس و قال بالمجاز و المجاز ليس معروفا في اللغة و لا عند الصحابة جاء من عند المتأخرين أحدثوه فصار سلما للجهمية و المعتزلة في تأويل الصفات و إنكارها .
سؤال :
ما الفرق بين جواز الاستعاذة بصفات الله نحو أعوذ برضاك و نحو عدم جواز دعاء الصفة و أنه شرك مع أن الاستعاذة هي نوع من أنواع الدعاء؟
جواب الشيخ :
الفرق , النصوص جاءت بهذا أعوذ برضاك من سخطك أعوذ بنور وجهك الذي أسفرت به الظلمات و لأن أعوذ برضاك من سخطك هذا خطاب , خطاب الله و أنت تستعيذ به و بصفته لكن الدعاء هذا دعاء الصفة وحدها تدعوا الصفة وحدها و تخاطب الله بالأنثى تقول يا رحمة الله ارحميني يا قدرة الله أنقذيني هذا لا يجوز , حتى قال شيخ الإسلام أنه كفر و ردة, أما الاستعاذة بالصفات أعوذ برضاك من سخطك أعوذ بنور وجهك, تخاطب الله متصفا بالصفات, أما مناداة الصفة هذا كأنه يخاطب الله باسم الأنثى يقول يا رحمة الله ارحميني يا قدرة الله أنقذيني يا وجه الله, فصل الصفة عن الموصوف بعض الناس يقول يا وجه الله هذا غلط لا تنادى الصفة .