بسم الله الرحمن الرحيم
[الشيخ]
بسم الله الرحمن الرحيم , إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العربي المكي ثم المدني وأشهد أنه رسول الله حقاً وأنه رسول الله إلى الناس كافة إلى العرب والعجم إلى الجن والأنس وأنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة , وجاهد بالله حق جهاده حتى أتاه من ربه اليقين , فصلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوانه من النبيين ومن المرسلين وعلى آله وعلى أصحابه وعلى أتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإني أحمد الله إليكم وأشكره وأسأله المزيد من فضله , وأسأله أن يصلح قلوبنا وأعمالنا ونياتنا و ذرياتنا ,كما أسأله أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعًا مرحوما , وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوما , وأن لا يجعل فينا ولا منا شقيًا ولا محروما , كما أسأله أن يجعل مجلسنا هذا واجتماعنا هذا مجلس خير وعلم ورحمه تنزل عليه السكينة وتغشاه الرحمة وتحفه الملائكة ويذكره الله فيمن عنده .
والآن نبدأ الرسالة التي بين أيديكم وهي رسالة المورد العذب الزلال في نقض شبه أهل الضلال , هذه الرسالة للشيخ عبد الرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله , وهو حفيد الإمام المجدد , حفيده يعني ابن ابنه , عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله , سميت هذه الرسالة بالعذب الزُلال , المورد العذب الزلال , المورد يعني ورود الإنسان على الماء حينما يرد على الماء بالشرب , والماء عذب يعني حلو ليس مرا , وزلال يعني مستساغ يستسيغه الحق فهذا من باب التشويق , تشويق المؤلف رحمه الله , سمى هذه الرسالة , المورد العذب الزلال يعني ورود الإنسان على الماء الحلو المستساغ , في نقض شبه أهل الضلال يعني في هذه الرسالة رد على شبه أهل الباطل , نقض يعني ينقض الشبه , والشبه جمع شبهة وهو ما يشتبه على الإنسان أمره , والشبه نوعان , شبه قلبية شبه اعتقاد , وشبه شهوة , يعني المرض والمرض الآن ينقسم إلا قسمين المعاصي أمراض نوعان المرض الأول ما يتعلق بالاعتقاد ما يعتقده الإنسان ويشتبه عليه , والثاني ما يتعلق بالشهوات ما يتعلق بالشهوات , فالمعاصي نوعان نوع يتعلق بالشبه التي يشتبه على الإنسان وما يكون في اعتقاده وفي قلبه , والنوع الثاني ما يتعلق بالشهوات , وأشد المرضين مرض الشبهة , فهذه شبه اشتملت على أهل الضلال من النوع الأول قوله تعالى في المنافقين : فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا يعني مرض الشبهة والشك فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ومرض الشهوة قال الله تعالى فيه : فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ, ومرض الشبهة والشكوك ما يتعلق بالاعتقاد والرأي والتصور بالباطل فهذه شبه والمراد بها في نقضها في هذه الرسالة المؤلف رحمه الله شبه اشتملت على أهل الضلال واعتقادات فاسدة وتصورات خاطئة لأهل البدع لأهل الضلال نقضها المؤلف رحمه الله حفيد الإمام في هذه الرسالة.
(المتن)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
قال العلامة عبد الرحمن بن حسن في كتابه المورد العذب الزلال في نقض شبه أهل الضلال.
الحمد لله معز الإسلام بنصره ، ومذل الشرك بقهره ، ومصرِّف الأمور بأمره ، ومستدرج العاصين بمكره ، الذي أظهر دينه على الدين كله ، القاهر فوق عباده فلا يمانع ، الظاهر على خلقه فلا ينازع ، الحكيم فيما يريد فلا يدافع.
أحمده على إعزازه لأوليائه ، ونصرته لأنصاره ، وخفضه لأعدائه ، حمد من استشعر الحمد باطن سره ، وظاهر جهاره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الأحد الصمد ، الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ، شهادة من طهر بالتوحيد قلبه ، وأرضى بالمعاداة فيه والموالاة ربه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله رافع الشك وخافض الشرك ، وقامع الكذب و الإفك ، اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه وسلِّم تسليماً كثيراً ، وبعد:
[الشرح]
المؤلف رحمه الله افتتح رسالته بقول بسم الله الرحمن الرحيم اقتداء و تأسيا بالكتاب العزيز فإن الله افتتح كتابه بالبسملة والحمد, فلذلك المؤلف افتتح رسالته بالبسملة والحمد , فقال بسم الله الرحمن الرحيم.
والباء للاستعاذة , يعني يستعيذ بسم الله , وأتبرك باسمه سبحانه , فالباء بركة و استعانة.
والاسم ما يسمى به الشيء مشتق من السمة وهي العلامة أو مشتق من الوسم , مشتق من السمة وهي العلامة أو من السمو وهو العلو , الاسم ما يسمى به الشيء ما يسمى به الشيء يقال له اسم , ما سمى به الرب نفسه وما سمى به الإنسان أو سمي به الإنسان وسمي به الحيوان أو الطير أو غيره يقال له اسم مشتق من السمة وهي العلامة أو من السمو وهو العلو.
بسم الله يعني أستعيذ , أستعيذ بسم الله , بذكر بسم الله.
الله لفظ الجلالة أعرف المعارف لا يسمى به غير الله أعرف المعارف الله لا يسمى به غيره , علم على الذات الإلهية , الله علم على الذات الإلهية , اسم الله لا يسمى به غيره , الله أصله الإله , أصل الله الإله على وزن فعال , حُذفت الهمزة الأولى فالتقت , حُذفت الهمزة الإله التي هي فاء الكلمة فالتقت اللام الأولى الزائدة واللام الثانية التي هي عين الكلمة , فالإله معروف أن الكلمة فعل , تصريف الكلمة كون فعل الحرف الأول الفاء والحرف الثاني العين والحرف الثالث اللام وما زاد من الحروف ينطق به كما هو , فأله , إله على وزن فعال , فاء الكلمة الهمزة وعين الكلمة اللام ولام الكلمة الهاء إله على وزن فعال , حذفت الهمزة وهي فاء الكلمة فالتقت اللام الأولى التي هي زائدة مع اللام الثانية التي هي عين الكلمة فشددتا فصارت الله , الله يعني المألوه الذي تألهه العباد محبةً وإجلالاً وتعظيماً وخشيةً ورغبةً ورهبةً وإنابة وتوكلاً واعتمادا عليه , فالإله هو المألوه , إله فعال بمعنى مفعول , إله بمعنى مألوه , تأله له القلوب محبة وإجلالاً وتعظيماً , قال ابن عباس رضي الله عنهما : الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين .
الرحمن المتصل بالرحمن , اسم الله , الرحيم اسمً آخر , اسمان من أسماء الله , وأسماء الله مشتقه , كل اسم مشتمل على صفه , فالرحمن والرحيم كلهم مشتملون على صفة الرحمة , والرحمن أبلغ من الرحيم , ولهذا الرحمن شامل للمؤمنين والكفار أما الرحيم هو خاص بالمؤمنين , ولهذا قال الله تعالى: وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا.
ثم قال : الحمد لله , الحمد لله , الحمد أل للاستغراق والحمد هو الثناء على المحمود بصفاته الاختيارية, مع حبه وإجلاله وتعظيمه , الحمد ثناءً على المحمود بصفاته الاختيارية مع حبه وإجلاله وتعظيمه وهو أبلغ من المدح لأن المدح يمدح الممدوح على الصفات على صفاته التي اتصف بها سواء كانت اختيارية أو اضطرارية , فأنت تمدح الإنسان بأنه جميل وبأنه طويل القامة وبأنه معتدل الخلقة , وهذه ليس له دخل فيها هذه صفات ليست اختيارية , يُمدح الأسد بأنه قوي , بأنه ملك الحيوانات , وأنه قوي العضلات , هذا مدح يقال عنه مدح , لكن ما يسمى حمدا ليس معه حب ولا إجلال , بخلاف الحمد فإنه الثناء على المحمود بصفاته الاختيارية التي تفعل باختياره , كأن تثني على الإنسان بأنه تثني عليه بالشجاعة والإقدام والإيثار والكرم والجود هذه صفات اختيارية , فإذاً تثني عليه مع الحب والإجلال صار حمداً , فالله تعالى هو المحمود , لما له من الصفات العظيمة والأسماء الحسنى ولما له من النعم على عباده , فهو المحمود وهو المستحق للحمد , وأل للاستغراق , فأنواع المحامد كلها مستغرقةُ له , فأنواع المحامد كلها لله ملكاً واستحقاقاً.
الحمد لله , معز الإسلام بنصره , فالله معز الإسلام بنصره , يعني بنصره لأهل الإسلام , الله تعالى عز الإسلام لأنه نصر أهله , فإذا نصر الله أهله فإن هذا إعزاز له , فإن هذا إعزاز للإسلام , فقد أعز الإسلام , فالله معز الإسلام بنصره.
والإسلام هو الاستسلام لله تعالى بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله , سمي الإسلام لما فيه من الاستسلام والإذعان والانقياد لله تعالى بالتوحيد والخلوص من الشرك والبراءة من الشرك وأهله , وقد وعد الله بأن يظهر دين الإسلام على جميع الأديان هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ فالله تعالى محمود على إعزازه للإسلام بنصر أهل الإسلام ومذل الشرك بقهره , لأن الله تعالى أذل الشرك بقهر أعدائه , الله تعالى قهرهم , ونصر أهل الإسلام عليهم , وهم المنصورون بالحجة والبيان , وهم المنصورون بالسيف والسنان .
ومصرف الأمور بأمره , يعني الله هو المصرف للأمور في الدنيا والآخرة , وهو الحاكم على عباده والحاكم , يحكم عباده في الدنيا في الشريعة التي أنزلها على عباده يتحاكمون إليها وهو ما أنزله من الكتاب والحكمة , كما أنه الحاكم على عباده فيما يقدره عليهم , من المقادير التي لا منجا منها , كالموت والأمراض والأسقام والإعزاز والإذلال والغنا والفقر , كما أنه الحاكم بين عباده في الآخرة يحكم بينهم فيجازي المحسنين بالحسنى لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا.
ومصرف الأمور بأمره , بأمره الكوني القدري إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.
ومستدرج العاصي بمكره , يعني يملي للعصاة ويمهلهم , فيظنون أن الإمهال إهمال , فيستمرون في المعاصي وهذا مكر , ثم يؤخذون على غرة والعياذ بالله , ولهذا قال بعض السلف إذا رأيت الله يعطي الإنسان من النعم على ما يحبه مستمر على معاصيه فاعلم أن ذلك استدراج , قال الله تعالى سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ يستدرجهم بالنعم ويمهل لهم ثم يأخذهم , وفي الحديث : إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته. ثم قرأ الرسول ﷺ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيد.
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى الذي أظهر دينه على الدين كله , دين الإسلام كما قال الله تعالى هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ
القاهر فوق عباده فلا يمانع , نعم هو القاهر , من صفاته القاهر وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ, وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً, فلا يمانع , لا أحد يمتنع من سبحانه بل تنفذ فيهم قدرته ومشيئته وإرادته , إذا أراد شيئا لا بد أن يغفر , ولا أحد يمتنع ولا أحد يمانع , فإذا أراد الله قدر الله على شخص الموت لا بد أن يموت ولا يمكن أن يمتنع , قدر الله عليه المرض لا بد أن يصيبه المرض ولا يمتنع , قدر الله عليه العز يكون هو العزيز ولا أحد يذله , قدر الله عليه الذل لا بد أن يكون ذليلاً فلا أحد يعزه , قدر الله عليه الفقر فلا أحد يغنيه إلا الله , قدر الله عليه الغنا فلا أحد يفقره وهكذا قدر الله عليه النعمة أعطاه النعم نعمة المال نعمة الصحة نعمة العلم نعمة العقل فلا أحد يرفعها أو يزيلها عنه , مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فلا أحد يستطيع أن يعز من أذله الله , ولا أن يذل من أعزه الله , ولا أن يفقر من أغناهم الله , ولا أن يغني من أفقرهم الله , ولا أن يحيي من أراد الله إماتته , ولا أن يميت من أراد الله إحياءه.
ثم قال الظاهر على خلقه فلا ينازع , الظاهر من أسمائه فمن أسمائه الظاهر كما قال الله تعالى: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فسر النبي ﷺ هذه الصفات يقول اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء.
فهو الظاهر فوق عباده ليس فوقه شيء , هو سبحانه فوق العرش بذاته , فوق المخلوقات التي سقفها ونهايتها عرش الرحمن والله تعالى فوق العرش بعد أن تنتهي المخلوقات.
وقد أنكر أهل البدع علوه بذاته وهو القاهر وهو الظاهر وهو العلي بذاته وقدره وقهره وسلطانه فله علو الذات , وله علو القدر والشأن وله علو القهر والسلطان , الظاهر على خلقه فلا ينازع , لا أحد ينازعه سبحانه.
الحكيم فيما يريد فلا يدافع , خلقه مبني على الحكمة , وتقديره مبني على الحكمة , وأمره مبني على الحكمة , ونهيه مبني على الحكمة , وشرعه مبني على الحكمة , الحكيم فيما يريد فلا يدافع , لا أحد يدافعه .
ثم قال المؤلف رحمه الله : أحمده على إعزازه لأوليائه , كرر الحمد , يعني أُثني عليه , أُثني عليه بصفاته الاختيارية على إعزازه لأوليائه حيث عز أولياءه , أولياء جمع ولي والولي هو المؤمن التقي , المؤمن التقي هو الولي , كما قال الله تعالى أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وفي مقدمة الأولياء هم الرسل عليهم الصلاة والسلام , فالولي هو المؤمن التقي , كل مؤمن تقي هو ولي. وليس الولي ما يزعمه المخرفون , ممن يجعلونهم أولياء وقد يكونوا فسقة وعصاة.
ونصرته لأنصاره يعني أحمده على نصرته حيث نصر أنصاره , وأنصاره يعني أنصار دينه , وأنصار أنبيائه ورسله وأوليائه , وهو ينصرهم وعدهم بالنصر إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ وقال إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ هذا وعده سبحانه , فلا يخلف وعده.
وخفضه لأعدائه , يعني يقول المؤلف رحمه الله : أحمد الله على إعزازه لأوليائه وعلى خفضه لأعدائه , خفض أعدائه يعني خذلهم , وسلط حزبه المؤمنين رسله وأوليائه المؤمنين عليهم , وهذا من خفضهم وإذلالهم في الدنيا مع ما أعده الله لهم من عذاب في الآخرة, لمن مات على ذلك والعياذ بالله.
حمد من استشعر الحمد باطن سره , يقول نحمد الله حمد عبد وشخصه يستشعر الحمد بباطن سره , يستشعر في الباطن محبة الله وإجلاله وتعظيمه والثناء عليه بصفاته ونعمه , وظاهر جهاره , يستشعر الحمد بالباطن والظاهر ويستشعر الحمد بالباطن والظاهر , وهو يستشعر الحمد ظاهراً وباطنًا , في باطن سره وظاهر جهاره , يعني في الظاهر الذي يجهر به.
ثم قال وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , أشهد يعني أُقر وأعترف أن لا إله إلا الله , أن لا معبود بحق إلا الله هذه كلمة التوحيد , لا إله إلا الله أعظم كلمة وأفضل كلمة , وهي التي لأجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب , وانقسم الناس إلى شقي وسعيد , وقام سوق الجنة والنار , أشهد أقر وأعتقد أن لا إله إلا الله أن لا معبود بحق إلا الله , لا إله إلا الله هذه كلمة التوحيد , فيها نفي وإثبات , تنفي جميع أنواع العبادة عن غير الله وتثبتها لله , ولا يكون هناك توحيد إلا بالنفي والإثبات , كفر بالطاغوت وإيماناً بالله , تقول لا إله هذا كفر بالطاغوت , تكفر بالطاغوت يعني تتبرأ من عبادة كل معبود سواه , وتنفي العبادة بجميع أنواعها لغير الله , إلا الله هذا الإيمان بالله , ولا إله إلا الله , لا إله نفي الجنس من أخوات إن تنصب الاسم وترفع الخبر , إله اسمها والخبر محذوف والتقدير لا إله حق إلا الله , لا معبود حقا إلا الله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحدهُ , وحده تأكيد لكلمة التوحيد , وحده يعني لا يشاركه أحد بل هو متوحد في ذلك , متوحد في الألوهية والعبادة وهو المعبود بحق , وغيره معبود بالباطل.
لا شريك له أيضاً تأكيد , يعني لا شريك له في الربوبية , ولا شريك له في الألوهية , ولا شريك له في الأفعال ولا شريك له في الأسماء والصفات ولا شريك له في العبادة والألوهية , فهو المستحق لها دون غيره.
الأحد اسم من أسماء الله , الأحد متوحد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله لا شريك له.
الصمد السيد الكامل , القائم بنفسه المقيم لغيره الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها , فهو صمدٌ في نفسه , قائم في نفسه لا يحتاج إلى أحد , وهو صمد لأنه تصمد إليه الخلائق في حوائجها وتقصده في طلباتها .
الذيلَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ , أخذها من الآية من سورة الإخلاص قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ, الذي لم يلد يعني لم يتفرع له شيء , ولم يولد لم يتفرع هو من شيء , فليس له أصل ولا فرع , ليس له والد ولا ولد , بل هو واجب الوجود بذاته , وهو القائم بنفسه المقيم لغيره , والأحد واجب الوجود بذاته ليس له والد ولا ولد ليس له فرع ولا أصل.
ولم يكن له كفواً أحد , يعني ليس له مثيل , ليس له مكافئ ولا مماثل.
شهادةً من طهر بالتوحيد قلبه , يعني يشهد أن لا إله إلا الله هذه الشهادة شهادة من طهر بالتوحيد قلبه , يعني من قالها بإخلاص وصدق وانقياد لحقوقها , يعني كلمة التوحيد لا بد لها من شروط , لا بد من العلم المنافي للجهل , ولا بد من اليقين المنافي للشك والريب , يقوله عن يقين بدون شك ولا ريب , ولا بد من الصدق المانع من النفاق , لأن المنافقين يقولونها لكن من غير صدق مع تكذيب القلوب , ولا بد من الإخلاص المنافي لشرك , ولا بد من الانقياد لحقوق هذه الكلمة , وهي من الأعمال الواجبة , يفعلها المسلم يفعل الأوامر ويترك النواهي , ولا بد من القبول المنافي لترك , ولا بد من المحبة , لهذه الكلمة والسرور , والسرور والمحبة لهذه الكلمة ولأهلها , وبهذا تطهر وبهذا يطهر التوحيد قلب المسلم , إذا حقق هذه الشروط طهر بالتوحيد قلبه , قالها عن علم مناف للجهل , ويقين مناف للشك والريب وصدق مانع من النفاق , وإخلاص يمانع من الشرك , وانقياد بحقوقها , ومحبة لها ولأهلها , وقَبول مناف للترك , فقد يقوله بعض الناس ولا يقوله من دعاهم إليها , وزاد بعضهم شرطاً ثامناً وهي الكفر بما يعبد من دون الله , فإذا تحققت هذه الشروط , فإن الشهادة حينئذ تطهر قلب صاحبها.
شهادة من طهر بالتوحيد قلبه وأرضى بالمعاداة فيه والمولاة ربه , يعني شهادة معها مولاة ومعها معاداة يرضي بها ربه , يوالي أهل التوحيد والإيمان وأهل الطاعة بمعنى ينصرهم ويحبهم ويؤيدهم ويساعدهم ويعينهم , والمعاداة يعادي الكفار والمشركين والعصاة ويبغضهم ويتبرأ منهم ومن أفعالهم ولا يعاشرهم ولا يتخذهم أصدقاء.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله هذه الشهادة الثانية , الشهادة الأولى الشهادة لله تعالى بالوحدانية , والشهادة الثانية الشهادة لنبيه محمد ﷺ بالرسالة , أشهد أن محمداً , محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي ألهمه الله وسماه محمدا لكثرة محامده وأسمه أحمد أيضاً , كما قال الله تعالى لعيسى : وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ له أسماء عدة , ومن أسمائه الماحي الذي يمحو الله به الشرك , والعاقر الذي ليس بعده نبي , ونبي الرحمة ونبي الملحمة والحاشر الذي يحشر الناس على قدمه وله أسماء كثيرة عليه الصلاة والسلام , كما أن الله تعالى له أسماء كثيرة في الحديث : إن لله تعالى تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة يعني موصوف بهذا الوصف وإلا فأسماؤه كثيره , وكذلك النبي ﷺ له أسماء كثيرة , وكذلك القران له أسماء القرآن , الشفاء , الفرقان , والفاتحة لها عدة أسماء الفاتحة , الشفاء الحمد , وأم القرآن , والأسد له أسماء كثيرة حتى قيل أن الأسد له خمسمائة اسم الهزبر . والضرغام . والسيف له عدة أسماء السيف والصقيل والمهند إلى آخره .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله , أشهد أن محمدا عبده عبد الله هو الذي عبد الله وأخلص له العبادة وقام بحقه سبحانه , ورسوله أرسله الله إلى الثقلين الجن والإنس , وأعظم مقامات النبي ﷺ العبودية الخاصة والرسالة الخاصة , هذه أعلى مقامات العبد , العبودية الخاصة الصادرة عن إخلاص واختيار , يعبد الله باختياره , أما العبودية العامة فالناس كلهم يعبدون الله حتى الكفار ومعنى العبودية العامة يعني كل إنسان يعبد لله مقهور مذلل مسير , تنفذ فيه أقدار الله ومشيئته , لا اختيار له ولا امتناع , ما يستطيع أن يمتنع , ما يستطيع يمتنع من ما قدره الله عليه فهو معبد مذلل , جميع المخلوقات كلها معبده لله , قال الله تعالى : إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لكن العبودية الخاصة هي التي عليها مدار السعادة والشقاوة والمدح والذم , فالمؤمن يعبد الله باختياره يصلي ويصوم ويحج ويبر والدية ويصل رحمه ويؤدي الواجبات وينتهي عن المحرمات هذي العبودية الخاصة , هذه العبودية التي عليها المدح , الممدوح صاحبها , فأن تشهد أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب عبد الله لأنه عبد الله العبودية الخاصة وقام بحقه وأمره وامتثل أمره واجتنب نهيه , وأنه أعبد الناس وأزهد الناس وأفضل الناس وأشجع الناس وأتقاهم , في جميع الخصال الحميدة , عبده ورسوله , يعني الله تعالى أرسله , اختصه بالرسالة , والله تعالى مدح نبيه ووصفه بالرسالة في مقام الامتنان في مقام الإسراء , سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى في مقام التحدي وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ في مقام الدعوة وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا فأفضل وأعظم مقامات النبي ﷺ العبودية الخاصة والرسالة الخاصة , والعبودية وصف النبي ﷺ بالعبودية , العبودية تنفي الغلو , الذي وقع بين النصارى فالنصارى غلو بعيسى ورفعوه من مقام النبوة والرسالة إلى مقام الألوهية وقالوا ابن الله والعياذ بالله , وكذلك نبينا محمد ﷺ هنالك من غلا بعض الناس عبد النبي ﷺ و إدعى أنه يعلم الغيب مثل الطائفة البويهية في الهند , يدعون أن النبي ﷺ يعلم الغيب هذا غلو فهو عبد , ما يُرفع إلى مقام الألوهية ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله فهذه عبد وصف العبودية ينفي الغلو , الذي وقع فيه النصارى وأشباههم من الغلاة , ورسوله وصف بالرسالة ينفي الجفاء الذي وقع فيه بعض الناس جفوا وأنكروا رسالة النبي ﷺ مثل اليهود الذين قالو عن عيسى أنه ابن زنا والعياذ بالله جفوا ووفق الله أهل الحق وقالوا إن عيسى عبد الله ورسوله , ليس إلها كما يقول النصارى وليس ولد بغي كما يقول اليهود قبحهم الله , بل هو عبد الله ورسوله , كذلك نبينا محمد ﷺ ليس إلهاً ولا يعلم الغيب ولكنه عبد وهو رسول عليه الصلاة والسلام خلافا لمن أنكر رسالته من اليهود والكفرة قال عليه الصلاة والسلام والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار يجب على الثقلين على الجن والإنس الإيمان برسالته ونبوته واعتقاد أنه رسول الله حقا وأنه خاتم النبيين وأنه لا نبي بعده وأنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة , وجاهد في الله حق جهاده.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله رافع الشك وخافض الشرك , رافع الشك يعني رفع ﷺ بما جاء به من الرسالة والنبوة بما أنزل الله عليه من الكتاب والحكمة رفع الشك عن الناس , الشكوك والأوهام والخرافات حتى صار الناس على بينه ويقين من ربهم فعرفوا الله بأسمائه وصفاته وأفعاله وعرفوا دينه وشرعه وعبدوه على بصيرة وزالت الشكوك والريب والخرافات والأوهام التي كان عليها أهل الجاهلية , الذين لا يعلمون الحق ولا يعلمون ما يرضي الله , ولهذا طلب جماعة من أهل الجاهلية طلبوا دين إبراهيم وتركوا ما عليه الناس من الأصنام والأوثان مثل قس بن ساعد الإيادي وغيرهم وسعيد بن زيد وغيرهم ممن طلب دين إبراهيم واعتزل ما عليه الناس , فالرسول رافع الشك بالشريعة التي جاء بها , وخافض الشرك حيث أمره الله بالتوحيد , يدعو إلى التوحيد ويجاهد المشركين من خفض الشرك , وقامع الكذب والإفك , القامع يعني قمع أهل الإفك بمعنى أنه أزال ما عليه من الإفك وكذبهم وأزال لبسهم , فانقمعو وانخذلوا , قامع الكذب الذي عليه أهل الشرك فيما هم عليه من الكذب الذين حرفوا التوراة والإنجيل وأنكروا رسالة النبي ﷺ وما عليها من الشرك والكذب في عبادتهم من الأصنام والأوثان فإن هذا كذب , كذب في العقيدة , كذب في الاعتقاد , الكذب يكون بالجوارح ويكون بالقلب ويكون باللسان , والصدق كذلك يكون بالقلب واللسان ثبت في الحديث أن النبي ﷺ قال العين تزني وزناها النظر، والأذن تزني وزناها الاستماع، واليد تزني وزناها البطش، والرجل تزني وزناها المشي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه , تصديق وتكذيب .
وخافض الشرك وقامع الكذب والإفك , عطف الإفك أسوء الكذب , ومنه الذين رموا عائشة رضي الله عنها بما رموها به سماه الله إفكًا , إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ سموا أهل الإفك يعني أهل الكذب السيئ , أسوء الكذب هو الإفك.
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً بعد أن شهد المؤلف رحمه الله تعالى, لله تعالى بالوحدانية وللنبي ﷺ بالرسالة صلى على نبيه فقال اللهم صل على , اللهم يعني أسألك يا الله , اللهم بدل بالياء , قل يا الله , وتحذف الميم أو تحذف الياء ويقال اللهم , اللهم صلِ على محمد , فهو سؤال لله أن يصلي على نبيه وصلاة الله على نبيه أصح ما قيل فيها ما رواه البخاري رحمه الله في صحيحه عن أبي العالية أنه قال (( صلاة الله على عبده ثناؤه عليه في الملأ الأعلى )) ثناء الله عليه في الملأ الأعلى هذه الصلاة , صلاة ثناء الله على عبده في الملأ الأعلى , فأنت تسأل الله أن يثني على عبده في الملأ الأعلى , اللهم صلِ يعني أثني عليه , ومنهم من قال تدخل أيضاً رحمة وإذا جمع بينهما قوله أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ صارت الصلاة هي الثناء.
اللهم صلِ على محمد يعني نبيك وخاتم النبيين محمد وعلى آله والآل قيل المراد بهم ذريته المؤمنون ويدخل في ذلك أزواجه عليه الصلاة والسلام , العباس والحمزة وعلي والحسن والحسين وفاطمة هؤلاء آله أهل بيته المؤمنون وأما الكفرة فلا يدخلون كأبي لهب وأبي جهل , وقيل المراد بالآل أتباعه على دينه وهذا أشمل , ويدخل ذريته وأقاربه المؤمنون دخولاً أوليا.
وصحبه جمع صاحب و جمع صحابي والصحابي أصح ما قيل فيه هو من لقي النبي ﷺ مؤمنًا به ومات على ذلك هذا هو الصحابي ولو لحظة إذا لقيه ومات على الإيمان فهو صحابي ولذلك فإن صغار الصحابة الذين حنكهم النبي ﷺ صحابه حنكهم وهم أطفال صغار حينما يولد يحنكه هذا صحابي , محمود بن ربيع قال: عقلت من النبي ﷺ مجة مجها في وجهي من دلو من بئرنا من بئر من دلو من بئرنا وأنا ابن خمس سنين , وعطف الصحابة على الآل عطف الخاص على العام , يكون ذكروا مرتين , المرة الأولى بالعموم قوله ( وآله ) , والمرة الثانية بالخصوص ( على آله ) أتباع على دينه , ويدخل في ذلك الصحابة وصحبه مع عطف الخاص على العام.
( وسَلم تسليما كثيرا ) سلم هذا دعا يعني اللهم سلمه , سلمه من الشرور والآفات والعيوب والنقائص في الدنيا والآخرة , وفي هذا دليل رد على أهل الشرك الذين عبدوا النبي ﷺ لأن الله سموه عبدا والعبد ليس إلها , العبد ليس إلها , العبد بمعنى معبود , معبود لله , فلا يستحق الآلهة فلا يستحق العبادة , فالله له الحق وهو العبادة , والرسول ﷺ له حق وهي الطاعة والامتثال والتصديق والإيمان والتعبد لله بالشريعة , والمؤمنون لهم الحق وهو الثناء عليهم ومحبتهم والاقتداء بأفعالهم الطيبة , فلا يخلط الإنسان بين الحقوق , الله له الحق وهو التوحيد , والرسول ﷺ عبد لا يستحق شيئا من العبادة , وسلم كذلك الدعاء له بالسلامة , الذي يدعى له بالسلامة لا يصلح للعبودية , لأنه بحاجة إلى غيره , والرب ليس بحاجة إلى غيره , لا يحتاج إلى أحد , ولهذا كثيراً ما يستدل الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله بذلك على التوحيد وعلى أن العبادة حق الله فيقول إن الرسول عليه الصلاة والسلام وصفه الله بأنه عبد والعبد ليس بإله فلا يستحق العبادة , و دعي له بالصلاة والسلام , دعي له بالصلاة والسلام دعي له بالسلامة , والذي يدعى له بحاجة إلى غيره فلا يستحق العبادة.
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا ’ تسليما مصدر لتأكيد ثم أكده بالوصف قال تسليماً كثيرا.
وبعد : وبعد كلمة يؤتى بها للانتقال من شيء إلى شيء لدخول في صلب الموضوع , وبعد , وكلمة أما بعد أولى من وبعد لأن أما بعد كان يأتي بها النبي ﷺ في خطبه ورسائله , كان إذا خطب في الناس يوم الجمعة قال: أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ, في خطاباته ورسائله عليه الصلاة والسلام للملوك والرؤساء , لما كتب إلى هرقل قال: من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، السلام على من اتبع الهدى، أما بعد: أسلم تسلم يؤتيك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين , فأما بعد أفضل أولى من وبعد.
اختلف في أول من قالها فقيل , أول من قالها داود وهي فصل الخطاب الذي أوتي عليه الصلاة والسلام , وقيل أول من قالها قس بن ساعد الإيادي وقيل غير إلى ذلك المقصود أنه يؤتى بها للانتقال من شيء لشيء , فالمؤلف انتقل من الخطبة إلى الدخول في صلب الموضوع قال وبعد انتقل, انتهت الخطبة ثم أراد الدخول في صلب الموضوع.
[المتن]
[الشيخ]
المؤلف رحمه الله ذكر سبب تأليفه الرسالة وأنها رد , رد على شخص مبطل يشبه ويلبس الحق بالباطل ويزين الشرك والبدع هذا هو سبب تأليف الرسالة , والمؤلفون عادةً يذكرون الأسباب , أحيانا تكون السبب في تأليف الرسالة رد , وأحيانا سببها البيان والإيضاح للناس لما يحتاجونه , فالمؤلف رحمه الله قال إن سبب هذه الرسالة رد على شخص تكلم بالباطل , وحسن الشرك وزينه والبدع فلهذا أراد المؤلف أن يرد عليه قياماً بالواجب , وتحقيقاً للحق وإبطالنا للباطل وإزالة الشبه.
قال اعلم أيها الطالب اعلم يعني تيقن واجزم لأن العلم هو حقيقة حكم الذهن الجازم قال هو علم اعلم يعني تيقن.
والمدركات أربعة أنواع العلم , الظن , الشك , الوهم.
فالعلم هو حكم الذهن الجازم , والشك هو التردد بين أمرين لا مرجح لأحدهما على الآخر يقال له شك , فإن ترجح أحدهما على الآخر فالراجح يسمى ظنا والمرجوح يسمى وهما.
فالمؤلف يقول اعلم أي تيقن لا تشك ولا تظن ولا تتوهم , اعلم أيها الطالب للسلامة الذي تطلب السلامة لدينك , يا أيها الذي تطلب السلامة لدينك من الشرك والبدع والخرافات حتى تلقى ربك بقلب سليم اعلم هذا الأمر الذي أقوله لك , الساعي في أسباب تحصيل الفوز والكرامة يعني تسعى فيما تكون سببا في تحصيلك للفوز والكرامة , وذلك في تحقيق التوحيد والقيام بحق الله وأمره فتحصل على الفوز برضى الله , والكرامة والتمتع بدار كرامته وجنته , الذي يسعى في سبب تحصيل الفوز والكرامة هو المؤمن الموحد , المؤمن الموحد إذا فعل التوحيد حصل له الفوز من الله برضوانه والتمتع بدار كرامته.
أني وقفت على رسالة لمن لم يسم نفسه شخص كتب رسالة فيها بدع وضلالات لكنه ما سمى نفسه , لم يذكر المؤلف نفسه , لكن المؤلف استدل على الجهة على البلد التي هو فيها وأنه من بلاد الخرج , الخرج المعروفة هذه , كان فيه إشارة مشعرة بأنه من بلاد الخرج لكنه لم يسم اسمه لم يسم نفسه.
هذه الرسالة ما موضوعها يقول المؤلف متضمنة بأنواع من الكذب والمرج فيها كذب وتلبيس على أئمة الدعوة وعلى الإمام المجدد , بأنواع من الكذب والمرج , المرج يعني الخوض بالباطل الذي لا حقيقة له , جامعه لأمور من الباطل يعني مشتملة على أنواع من الباطل لا يسع مسلماً السكوت عليها , يعني هذا باطل وكذب , ترويج للباطل فلا يسع المسلم السكوت عليها لأنه ينكر المنكر , على المسلم لا يسعه السكوت بل يجب عليه أن ينكر المنكر , ولهذا ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي سعد الخدري عن النبي ﷺ قال: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
فلهذا المؤلف رحمه الله لما رأى هذا الباطل ما سكت قال لا يسع المسلم السكوت عليها خشية أن يفتن بها بعض الجاهلين فيعتمد عليها , المؤلف رحمه الله رد على هذا الباطل خشي خاف أن يفتتن بعض الناس بهذه الشبه فيعتمد على هذي الشبه.
قال فإن كل عصر لا يخلو من قائل بلا علم ومتكلم بغير إصابة ولا فهم , يعني كل عصر من العصور يكون فيه جهلة يتكلمون بالباطل يروجون الباطل لا يخلو أي عصر من قائل بلا علم , الذين يقولون على الله بلا علم , ومتكلم بغير إصابة ولا فهم كأن يتكلم بغير صواب يتكلم بالباطل ليس عنده صواب ولا فهم.
وقد جعل الله في كل زمان فترة بقايا من أهل العلم يعني جعل الله في كل زمان فتره بقايا من أهل العلم يبين للناس الحق فلا يمكن أن يخلو عصر من مجددين لهذا الدين ومن قائلين بالحق وقائمين به كما قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح : لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى. فالمؤلف رحمه الله يقول كل عصر لا يخلو من أهل العلم ولو كثر أهل الباطل ولو كثروا فالله تعالى يقيض ويبقي من أهل العلم من يقيم بهم حجته على الناس ويرد بهم الأباطيل ومنهم الإمام الشيخ عبدالرحمن بن حسن.
ثم استشهد كما قال الإمام عبد الرحمن رحمه الله في كتابه الرد على الجهمية يسمى الرد على الزنادقة موجود الآن مطبوع .. وقد شرحنا في بعض الدورات وهي موجوده يسمى الرد على الزنادقة والجهمية هذه خطبة الإمام أحمد رحمه الله نقل المؤلف خطبته أول كتاب قال الإمام أحمد: الحمد لله افتتح بالحمد الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم حمد الله على إبقائه في كل زمان فترة في كل زمان فترة ونقص من العلم وكثرة لأهل الباطل أبقى بقايا من أهل العلم.
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم هذا يبقى بقية لتقوم الحجة على الناس بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى يعني هؤلاء البقايا من أهل العلم يدعون أهل الضلال يدعونهم إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى , لأن الداعية إذا دعى الناس لا بد بأن يصيبه أذى لأنه يقف في رغبات الناس يصادف رغباتهم الناس يميلون إلى الباطل فإذا دعاهم الإنسان وقف , وقف في وجوههم ومنعهم من الباطل فلا بد بأن يؤذوه ما يسكتون عليه يؤذونه إما بالقول أو بالفعل , فإن لم يصبر الداعية انقطع فالدعاة وأهل الحق يصبرون فلهذا قال الإمام أحمد رحمه الله ويصبرون منهم على الأذى , سواء بالقول أو بالفعل قد يسبه قد يشتمه قد يضربه قد يقتل كثير من بني إسرائيل قتلوا , كزكريا ويحي قال الله تعالى: فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ وقد يقتل الدعاة أيضاً إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ فلا بد من الصبر على الأذى , من صفات الرابحين العلم والعمل والدعوة إلى الله والصبر وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ويصبرون منهم على الأذى , ويبصرون بدين الله أهل العمى هذا وصف العلماء وصفهم يبصرون الناس بدين الله أهل العمى الذين لم يعلموا الحق وعموا عن الحق فأهل العلم يبصرون العميان بدين الله حتى يبصروا الحق ويعرفوه.
ويحيون بكتاب الله الموتى يحيون بكتاب الله الموتى يحيون لأن الكافر ميت القلب ولكن الله يحييه بالإيمان والتوحيد والقرآن قال الله تعالى : أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا سمى الله القران حياة سمى الله القران روح لتوقف الحياة الحقيقية عليه وسماه نوراً لتوقف الهداية عليه قال الله تعالى : وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ سماه الله روحا ونورا , ويحيون بكتاب الله الموتى.
فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه , كم للتكثير يعني كثير ممن قتلهم إبليس قتلهم بأي شيء إبليس بالسلاح بالسيف لا قتلهم بدعوتهم إلى الشرك والضلال فانقادوا له فقتلهم يعني قتل أرواحهم وقلوبهم وصاروا إلى النار لكن الله أحياهم بدعوة أهل العلم دعوة الرسل ودعوة أهل العلم أحيا الله هؤلاء الأموات فصاروا أحياء , فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه يعني كثير كم للتكثير.
وتائه ضال قد هدوه كم من تائه التائه الذي أخطأ طريق الحق , هو بمعنى الضال ,الضال كذلك الذي أخطأ الحق , تاه فإذا أراد شخص أن يذهب إلى المسجد من هذا الطريق طريق المسجد جهة الشرق ثم ذهب جهة الغرب تاه عن الطريق , تائه ضال قد هدوه يعني بدعوتهم وإرشادهم وإبلاغهم دينهم هدوه هداية الدلالة والإرشاد , هذه التي بيد الرسل والعلماء هداية دلال وإرشاد وإيضاح وتبييع قال الله تعالى: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ وقال في حق نبيه وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ يعني تدل وترشد وقال : وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ يعني دللناه طريق الحق , أما هداية التوفيق والتسديد وخلق الهداية في القلوب وجعل الإنسان يرضى الحق ويقبل الحق ويختاره هذا إلى الله ما ينفع إلا الله كما قال الله تعالى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ لا تهدي يعني لا توفق , لا توفق الحق ما تستطيع , هذا بيد الله , هذه نزلت الآية تسلية للنبي ﷺ لما عجز عن هداية عمه أبي طالب أنزل الله إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ والله هو الذي يوفق وهو الذي يسدد وهو الذي يجعل الإنسان يقبل الحق ويختاره ويرضى به.
وكم تائه ضال يعني منحرف عن الصراط المستقيم قد هدوه يعني أرشدوه ودلوه إلى الحق.
فما أحسن أثرهم على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم , ما أحسن أثر العلماء على الناس أثر العلماء على الناس أنهم يرشدونهم ويدلونهم وينقذونهم ويعلمونهم الخير يهدونهم من أثرهم على الناس أنهم يدعون المشرك فيهتدي على يديهم فيسلم ويوحد فيدخل الجنة ولو بقي على الشرك لصار من أهل النار هذا أثر عظيم , ويهدون المبتدع يرشدونه فيترك البدعة فيسلم من شرها ويهدون العاصي مرتكب الكبيرة فيهتدي على يديهم هذا أثرهم أثر العلماء على الناس أثرً عظيم.
قال الإمام أحمد رحمه الله : فما أحسن أثرهم على الناس هل هناك أحسن من هذا ما فيه أحسن من هذا يؤثرون على المشرك حتى يوحد ويسلم ويؤثرون على المبتدع حتى يترك البدعة ويؤثرون على العاصي حتى يترك المعصية , هذا أثر جميل.
ثم قال وما أقبح أثر الناس عليهم , بالعكس ما أقبح ما أشد ما أقبح أثر الناس عليهم ما هو أثر الناس عليهم أثر الناس العصاة قد يضربون بعض الناس وقد يسبه وقد يرميه بالجهل وقد يحتقره وقد يزدريه وقد يقتله هذا أثر الناس على من ؟على العلماء.
إذاً العلماء لهم أثر على الناس والناس لهم أثر على العلماء , فالإمام أحمد يقول: ما أحسن أثر العلماء على الناس وما أقبح أثر الناس على العلماء , يعني الذين يقولون الحق حيث إنهم يقابلون الإحسان بالإساءة , انتهى ما نقله الشيخ عن خطبة الإمام أحمد , أول خطبة الإمام أحمد في كتاب الرد على الزنادقة والجهمية هذا ما قاله المؤلف.
قال المؤلف رحمه الله بعد ذلك هنا يقفل القوس انتهى النقل قال الإمام وقد عن لي الجواب وقد عن يعني بدا لي , بدا لي الجواب عن شبه هذا الرجل الذي من أهل الخرج هذه عن لي أن أُجيب على شبهه وأُبينها لتمييز الخطأ من الصواب حتى يتميز الخطأ من الصواب , يتكلم بالخطأ من الباطل.
فلا بد من ذكر مقدمة نافعة لتكون هي المقصودة بالذات , المؤلف رحمه الله قبل أن يرد عليه يرد أن يكتب لك مقدمة , مقدمة تنفعك رجاء أن تكون سببا موصلة إلى رضاه , يقول أريد أن أعطيك مقدمه نافعه تبين لك تكون سببا في نجاتك في الدعوة إلى التوحيد والنهي عن الشرك , المؤلف رحمه الله يريد أن يذكر مقدمة نافعة يقول لتكون هي المقصودة في الذات , المقصودة المقدمة الآن هي المقصودة في الرد مقصودة من الرد على هذا المبطل هذه المقدمة وهي بيان التوحيد وبيان الشرك , والذي دعا المؤلف إلى ذلك يقول رجاء أن تكون سببا موصلاً إلى رضوان الله , يعني أرجوا أن تكون هذه المقدمة تسبب الوصول إلى رضوان الله , يعني يوحد الإنسان ربه ويحذر الشرك فيصل إلى رضوان الله وكرامته والتمتع بجنته.
يستبصر بها طالب الهدى من عباد الله , يستبصر يعني يبصر الحق ويطلب الحق يستبصر يعني يكون عنده بصيرة بها , بصيرة يعلم بها الحق , يستبصر بها طالب الهدى من عند الله يعني هذه المقدمة التي سيذكرها يبصر بها طالب الهدى الحق ويعرف الحق من خلالها وذلك بتوفيق الله ليس بحول مني ولا قوة والله الموفق هو الذي يوفق سبحانه وهو الذي يبصر الناس ويجعلهم مستبصرين فهذا بتوفيق الله الذي لا إله إلا هو , لا إله إلا الله أي لا معبود بحق سواه.
ولا حول ولا قوة إلا بالله هذه الكلمة كلمة عظيمة , وهي كنز من كنوز الجنة , فثبت في الصحيح صحيح البخاري من حديث أبي موسى الأشعري ه أنه قال جاء إلى النبي ﷺ وأنا أقول في نفسي لا حول ولا قوة إلا بالله فقال يا أبا موسى، ألا أعلمك بكلمة هي كنز من كنوز الجنة قلت بلى يا رسول الله قال: لا حول ولا قوة إلا بالله . كلمة عظيمة فيها براءة من الحول والقوة فأنت تقول لا حول يعني لا أستطيع أن أتحول من حال إلا حال ولا قوة لي إلا بإعانتك , لا يستطيع الإنسان أن يتحول من الضلال إلى الهداية إلا بإعانة الله ولا قوة له على ذلك إلا بإعانة الله ولهذا شرع للمسلم أن يجيب المؤذن إذا أذن وأن يقول مثلما يقول إلا في الحيعلتين إذا قال المؤذن حي على الصلاة شرع على المسلم أن يقول لاحول ولا قوة إلا بالله وإذا قال حي على الفلاح شرع له أن يقول لا حول ولا قوة إلا بالله , والمعنى إذا قال المؤذن حي على الصلاة أقبل على الصلاة تعال هلم إلى الصلاة فأنت تأتي وتقول لا حول ولا قوة إلا بالله لا أستطيع ولا أتحول من حال إلى حال ولا أستطيع إجابة المؤذن ولا قوة لي على ذلك إلا بإعانتك يا الله , لا حول لا أتحول من حال إلى حال ولا قوة على الإنسان على شيء على هذا التحول إلا بالله , ولا حول ولا قوة إلا بالله.
[المتن]
أعلم أيها المنصف أن دين الله القويم، وصراطه المستقيم، إنما يتبين بمعرفة أمور ثلاثة عليها مدار دين الإسلام، وبها يتم العمل بأدلة الشريعة والأحكام ، ومتى اختلت وتلاشت وقع الخلل في ذلك النظام:
الأول: أن تعلم أن أصل دين الإسلام وأساسه ، وعماد الإيمان ورأسه هو توحيد الله تعالى الذي بعث به المرسلين ، وأنزل به كتابه الحكيم المبين ، قال تعالى: الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ وهذا هو مضمون شهادة أن لا إله إلا الله ، فإن أصل دين الإسلام ألا يعبد إلا الله ، وألا يعبد إلا بما شرع، لا بالأهواء والبدع.
وقد قال شيخنا رحمه الله إمام الدعوة الإسلامية ، والداعي إلى الملَّة الحنيفية: أصل دين الإسلام وقاعدته أمران:
الأمر بعبادة الله والتحريض على ذلك والموالاة فيه.
وتكفير من تركه والنهي عن الشرك في عبادة الله والتغليظ فيه ، والمعاداة فيه وتكفير من فعله.
والمخالف في ذلك أنواع ذكرها رحمه الله.
وهذا التوحيد له أركان ومقتضيات وفرائض ولوازم ، لا يحصل الإسلام الحقيقي على الكمال والتمام إلا بالقيام بها علماً وعملا ، وله نواقض ومبطلات تنافي ذلك التوحيد، فمن أعظمها أمور ثلاثة.
[الشيخ]
المؤلف رحمه الله ذكر المقدمة التي وعد بها فقال اعلم أيها المنصف خاطب المنصف الذي يقول الحق ولو كان على نفسه ينصف من نفسه يعترف بالحق له أو عليه هذا المنصف بخلاف الظالم , الظالم ما ينصف الظالم يريد لنفسه إذا كان الحق له قبله وإذا كان عليه لم يعترف به إذا كان له اعترف وإذا كان عليه لم يعترف هذا ظالم لكن المؤلف يخاطب المنصف الذي يعترف بالحق له أو عليه هذا المنصف , منصف أنصف من نفسه واعترف بالحق ابتعد عن الظلم.
اعلم أيها المنصف أن دين الله القويم وصراطه المستقيم إنما يتبين بمعرفة أمور ثلاثة دين الله الذي بعث به أنبياءه ورسله وبعث به نبيه ﷺ بالشريعة الخاتمة دين الله كما سبق , أن تعرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله وتعرف حقه والقيام بأمره وتعرف الجزاء يكون في الآخرة أن دين الله القويم وصف بالقويم لأنه قائم مستقيم لا عوج فيه كما قال الله تعالى : قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
وصراطه المستقيم الصراط هو الطريق الواضح المستقيم الذي لاعوج فيه , وصراط المستقيم هو دين الإسلام وهو ما جاء به النبي ﷺ من القرآن والسنة فدين الله القويم وصراطه المستقيم يقول المؤلف إنما يتبين في أمور ثلاثة في معرفة أمور ثلاثة عليها مدار دين الإسلام وبها يتم العمل بأدلة الشريعة والأحكام هذه المقدمة المؤلف رحمه الله قال قبل أن يرد على المبطل هذا من أهل الخرج يريد أن يذكر مقدمة نافعة وهذه المقدمة النافعة هي المقصودة بالذات رجاء أن تكون موصله إلى رضوان الله وهذه المقدمة يقول المؤلف رحمه الله تتبين بمعرفة أمور ثلاثة إذا عرفت هذه الأمور الثلاثة فقد عرفت هذه المقدمة التي عليها مدار السعادة والشقاوة هذه المقدمة تجمع الدين كله ولهذا قال عليها مدار الإسلام هذه المقدمة إذا عرفت عليها مدار الإسلام وبها يتم العمل بأدلة الشريعة والأحكام , هذه المقدمة تشمل الإسلام كله ويتم بها العمل بأدلة الشريعة والأحكام ومتى اختلت وتلاشت وقع الخلل في ذلك النظام إذا اختلت هذه المقدمة وتلاشت وضعفت وقع الخلل في نظام الإسلام ما هي هذه المقدمة.
وهي معرفة أمور ثلاث:
الأمر الأول أن تعلم أن أصل دين الإسلام وأساسه وعماده الإيمان ورأسه هو توحيد الله الذي بعث به المرسلين وأنزل به كتابه الحكيم هذا هو الأمر الأول , الأمر الأول من المقدمة من الأمور الثلاثة أن تعلم أن أصل دين الإسلام وأساسه وعماده الإيمان أصل دين الإسلام هو الإيمان , وهو الإقرار والتصديق بالقلب بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره هذا أصل دين الإسلام فالقلب يعترف ويصدق واللسان ينطق والجوارح تعمل , أصل دين الإسلام وأساسه وعماده الإيمان ورأسه توحيد الله هو توحيد الله الذي بعث به المرسلين , رأسه هذا الإيمان ، أن توحد الله فتخلص له العبادة بما تتقرب به إليه من العبادات كل عمل وكل عبادة أتقرب بها إلى الله تخلصها لله ولا ترد بها إلا وجه الله والدار الآخرة من صلاة وصيام وزكاة وحجً وبر لوالديه وصلة لرحم هذا توحيد الله الذي بعث به المرسلين , هذا هو توحيد الله الذي بعث به الرسل وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ بعثهم الله بالتوحيد وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ هذا هو الأمر الأول أن تعلم أن أصل دين الإسلام وأساسه وعماده الإيمان ورأسه توحيد الله , والتوحيد معناه أن توحد الله بأعمالك بأفعالك الذي تتعبد بها لله , ورأسه هو توحيد الله هذا التوحيد هو الذي بعث به المرسلين وأنزل به الكتاب الحكيم المبين , توحيد الله بعث به الرسل كما قال الله تعالى : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ وأنزل به الكتاب الحكيم , وهو القرآن الحكيم من أوصاف القرآن هذا الأمر الأول.
الأمر الثاني سيأتي ذكره المؤلف وهو العمل بالشريعة كما سيأتي بعد ثلاث صفحات .
الأمر الثاني من الأمور التي لا يصح للإسلام إلا بها العمل بشرائعه وأحكامه , وبذلك يقوم الدين وتستقيم الأعمال إذاً الأمر الأول من أمور المقدمة أن تعلم أن أصل دين الإسلام وعماده الإيمان ورأسه التوحيد هذا الأمر الأول , الأمر الثاني أن تعمل بالشريعة والأحكام وبالقيام بذلك يقوم الدين وتستقيم الأعمال.
الأمر الثالث يقول المؤلف رحمه الله أداء الأمانات واجتناب المحرمات والاجتهاد في أداء الفرائض والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال هذا تخصيص من عموم ما قبله تخصيص يعني داخل في التوحيد .
إذاً ستكون هذه الأمور الثلاثة أولها أن تعلم أن أصل دين الإسلام وأساسه هو عماد الإيمان ورأسه التوحيد، والأمر الثاني العمل بالشريعة والأحكام وبذلك يقوم الدين وتستقيم الأعمال والأمر الثالث أداء الأمانات واجتناب المحرمات والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله تخصيص من عموم هذه المقدمة هذه الأمور الثلاثة يقول المؤلف رحمه الله عليها مدار دين الإسلام صحيح إذا وحد الإنسان ربه وعمل بالشريعة وأدى الأمانات واجتنب المحرمات وجاهد في سبيل الله وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر حصل على كل خير.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله هذه الأمور الثلاث عليها مدار دين الإسلام وبها يتم العمل بأدلة الشريعة والأحكام و بها اختلت وتلاشت وقع الخلل بذلك النظام.
استدل على الأمر الأول أن دين الإسلام وأساسه وعماده الإيمان ورأسه هو توحيد الله قال الله تعالى : الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ الشاهد قوله: أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ هذا الشاهد أن رأس دين الإسلام وعماده التوحيد يقول: الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ
قال المؤلف رحمه الله: وهذا هو مضمون شهادة أن لا إله إلا الله , يعني هذا هو مضمون تحقيق التوحيد .
يقول المؤلف رحمه الله هذا الأمر الأول وهو توحيد الله هو مضمون شهادة أن لا إله إلا الله لأن معناها , لا معبود حق إلا الله.
قال المؤلف فإن أصل دين الإسلام أن لاُ يعبد إلا الله وأن لا يعبد إلا بما شرع , لا بالأهواء والبدع , هذا أصل دين الإسلام , أصل دين الإسلام قائم على الشهادتين , أن لا يعبد إلا الله هذا شهادة أن لا إله إلا الله هو التوحيد فإذا اختل هذا الأصل وقع الشرك جاء الشرك , والأصل الثاني ألا يُعبد إلا بما شرع وهذا هو تحقيق شهادة أن محمد رسول الله فإذا اختل هذا الأصل حَلت محله البدع , يعني أصلان لا تصح العبادة إلا بهما , الأصل الأول تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله أن لا يعبد إلا الله وهذا تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله , والأصل الثاني أن لا يعبد الله إلا بما شرع , بما شرع الله في كتابه وعلى لسان رسوله إذا اختل حصلت البدع. ولهذا قال المؤلف رحمه الله فإن أصل دين الإسلام أن لا يعبد إلا الله وأن لا يعبد إلا بما شرع لا بالأهواء والبدع.
وقد قال شيخنا رحمه الله إمام الدعوة الإسلامية والداعي إلى الملة الحنيفية هذا نقل عن الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب نقل عنه حفيده الشيخ عبد الرحمن وقد قال شيخنا رحمه الله إمام الدعوة الإسلامية والداعي إلى الملة الحنيفية أصل دين الإسلام وقاعدته أمران: الشيخ الإمام رحمه الله قال أصل دين الإسلام وقاعدته أمران ما هما الأمران ؟
الأمر الأول الأمر بعبادة الله.
والأمر الثاني النهي عن الشرك.
أصل دين الإسلام وقاعدته أمران إذا اختل هذان الأمران ضاع الإسلام ولم يكن له قاعدة , فالقاعدة التي يرتكز عليها دين الإسلام هذين الأمران الأمر الأول الأمر بعبادة الله والأمر الثاني النهي عن الشرك.
الأمر بعبادة الله والتحريض على ذلك والمولاة فيه وتكفير من تركه , يعني أن تدعو إلى عبادة الله تدعو إلى توحيد الله إلى أن يوحد الله إلى أن يخلص له العبادة , وتحرض على ذلك يعني تحث الناس وتحرضهم وتشجعهم على عبادة الله والمولاة فيه يعني توالي المؤمنين وتحبهم وتنصرهم وتأيدهم وتوالي الموحدين وتكفر من تركه وتكفير من تركه من ترك التوحيد هذا الأمر الأول تأمر بعبادة الله تأمر بتوحيد الله وحد الله وأخلص له العبادة تأمر الناس توحد الله وأخلص له العبادة في الصلاة والصيام والزكاة والحج والدعاء لا تدعو إلا الله والذبح لا تذبح إلا لله والنذر لا تنذر إلا لله والطواف لا تطوف إلا ببيت الله والتوكل والخشية والإنابة , تأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم تحرض الناس تحرضهم على ذلك وتوالي فيه تحب الموحد وتنصره وتأيده وتكفير من تركه وتترك تكفر من ترك التوحيد من ترك التوحيد وقع في الشرك تعتقد أنه كافر خرج عن الملة.
والأمر الثاني النهي عن الشرك في عبادة الله يعني تنهى عن الشرك تنهى عن دعاء غير الله تنهى عن الذبح لغير الله تنهى عن النذر لغير الله تنهى عن الطواف لغير بيت الله تنهى عن الصلاة لغير الله تنهى عن الركوع لغير الله وهكذا تنهى عن الشرك بالله والتغليظ في ذلك تغلظ على أهل الشرك وتشدد عليهم وتبين أن ما هو عليه أمر عظيم وأمر خطير وأن صاحبه مخلد في النار , والمعاداة فيه تعادي أهل الشرك وتبغضهم وتتبرأ منهم ومن أفعالهم وتكفير من فعله تكفر من فعل الشرك , الأول التوحيد تكفر من تركه والشرك تكفر من فعله.
قال المؤلف رحمه الله والمخالف في ذلك أنواع ذكرها رحمه الله يعني المخالف لهذين الأمرين وهما الأمر بعبادة الله والنهي عن الشرك المخالف لذلك أنواع يعني يخالف الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك أنواع كثيرة ذكرها المؤلف رحمه الله وسيذكر من أعظمها كما سيأتي الآن سيذكر من أعظمها الشرك.
قال وهذا التوحيد له أركان ومقتضيات وفرائض ولوازم لا يحصل الإسلام الحقيقي على الكمال والتمام إلا بالقيام بها علماً وعملاً وله نواقض ومبطلات تنافي ذلك التوحيد , يعني هذا التوحيد الذي بعث الله نبيه له أركان من أركانه الإخلاص لله والركن الثاني المتابعة لرسول الله فمن أخلص عمله لله وتابع النبي ﷺ فقد حصل على القواعد والأساس وهذا توحيد وأركان ومقتضيات يعني أمور تقتضيه, الإسلام يقتضيها بامتثال الأوامر واجتناب النواهي أداء الواجبات وترك المحرمات أداء الأمانة هذه مقتضيات وفوارض ولوازم له فرائض وفرائضه الصلاة والزكاة والصوم والحج وبر الوالدين ولوازم يلزم المسلم أن يستقيم على شرع الله ودينه يلزمه أن يبر بوالديه وأن يصل رحمه لا يحصل الإسلام الحقيقي على الكمال والتمام إلا بالقيام بها يعني لا يحصل الإسلام الحقيقي على الكمال والتمام إلا بالقيام بالتوحيد ومقتضياته وفرائضه ولوازمه الذي يلتزم بالفرائض يصلي ويصوم ويحج ويبر والديه هذه من الكمال لا يحصل الإسلام الحقيقي على الكمال والتمام إلا بالقيام بهذه الأمور , لا بد بأن يقوم ببر والديه وصلة الرحم حتى يتم إسلامه علماً وعملاً , لا يحصل الإسلام الحقيقي على الكمال والتمام إلا بالقيام بها علماً وعملاً بأن تعلم ما أوجب الله عليك وعملاً تعمل به وله نواقض ومبطلات تنافي ذلك التوحيد , الإسلام له نواقض كمن دعا غير الله ناقض الذبح لغير الله ناقض سب الدين ناقض وهكذا له نواقض ومبطلات تنافي التوحيد بالمرة.