بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .
( متن )
وله نواقض ومبطلات تُنَافِي ذلك التوحيد، فمن أعظمها أمور ثلاثة:
(الأول) : الشرك بالله في عبادته كدعوة غير الله، ورجائه والاستعانة به، والاستغاثة به، والتوكل عليه، ونحو ذلك من أنواع العبادة، فمن صَرَفَ منها شيئا لغير الله كَفَرَ، ولم يصح له عمل، وهذا الشرك هو أعظم مُحْبِطَات الأعمال كما قال تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وقوله: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ
ففي هذه الآية: نَفْي الشرك وتغليظه، والأمر بعبادة الله وحده.
ومعنى قوله: بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ أي: لا غيره، فإن تقديم المَعْمُول يُفيد الحصرَ عند العلماء.
( شرح )
بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم و بارك على عبد الله و رسوله نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .. أما بعد :
فإن المؤلف الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله بين في مقدمة هذا الربط الرد على بعض المبتدعة و المشركين قدم في ذلك مقدمة, قال إن هذه المقدمة عليها مدار دين الإسلام و بها يتم العمل بأدلة الشريعة و الأحكام , سبق أن هذه المقدمة في أولها أنها تدور على ثلاثة أمور يتبين بها مدار دين الإسلام:
الأول أَنْ تَعْلَمَ أنَّ أصلَ دين الإسلام وأساسه، وعماده الإيمان ورأسه، هو: توحيدُ الله تعالى الذي بعث به المرسلين.
ثم ذكر بعد ذلك الأمر الثاني و هو العمل , العمل بالشريعة و أحكامها.
ثم ذكر الأمر الثالث و هو أداء الأمانات و اجتناب المحرمات و الشهوات و الجد في أداء الفرائض و الواجبات.
و لما ذكر الأمر الأول و هو: أَنْ تَعْلَمَ أنَّ أصلَ دين الإسلام وأساسه، وعماده الإيمان ورأسه، هو: توحيدُ الله بين رحمه الله أن أصل دين الإسلام هو الإخلاص لله و متابعة رسوله ﷺ.
ثم نقل عن إمام الدعوة المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله, قال ( هذا شيخنا رحمه الله تعالى إمام الدعوة الإسلامية، والداعي إلى الملة الحنيفية: أصل دين الإسلام وقاعدته أمران) الأمر الأول ( الأمر بعبادة الله وحده، والتحريض على ذلك ) يعني الحث ( والموالاة فيه ) الموالاة على دين الله ( وتكفير من تركه ) تكفير من ترك التوحيد , من ترك التوحيد كفر, ( والنهي عن الشرك بالله في عبادته، والتغليظ فيه ) تشديد في الشرك ( والمعاداة فيه ) معاداة المشركين ( وتكفير من فعله ).
ثم ذكر أن التوحيد له أركان و مقتضيات و فرائض و لوازم لا يحصل للإسلام الحقيقي القيام و الكمال إلا بالإيمان بها و له نواقض و مبطلات , الإسلام له نواقض و مبطلات من فعل أحدا منها بطل إسلامه, و أمثلة ذلك كثيرة.
مثال ذلك سب الدين و الاستهزاء بالله و بكتابه و سب الإسلام و سب الله و سب الرسول ﷺ و الاستهزاء بالله و ملائكته و كتبه و رسله وجحد أمرا معلوما من الدين بالضرورة عبادة غير الله كل هذه نواقض , نواقض يبطل بها الإسلام و الصلاة لها نواقض من فعل نواقض منها بطلت الصلاة منها مبطلات الوضوء فإذا انتقض وضوؤه بطلت الصلاة, كذلك الأكل و الشرب أثناء الصلاة و الضحك كل ذلك من المبطلات الحج له مبطلات و مفسدات و من مبطلاته الجماع قبل الحل الأول, و كذلك الصيام له مبطلات و هي الأكل و الشرب و الجماع عامدا.
فالمؤلف رحمه الله شيخ الإسلام الإمام المجدد يقول إن التوحيد له نواقض و مبطلات تنافي التوحيد و من أعظمها من أعظم نواقض الإسلام يقول الشيخ المجدد أمور ثلاثة:
الأمر الأول الشرك بالله.
و الأمر الثاني انشراح الصدر لمن أشرك بالله و موالاة أعداء الله.
الأمر الثالث موالاة المشركين و الركون إليهم و نصرتهم و إعانتهم.
هذه أمور ثلاثة كلها تنقض الإسلام و تبطله الأول الشرك من عبد غير الله و ذبح لغير الله, الثاني انشراح الصدر لمن أشرك بالله و موالاة أعداء الله , انشراح الصدر للمشركين و يحبهم و يواد أعداء الله , الأمر الثالث موالاة المشركين و الركون إليهم و نصرتهم و إعانتهم موالاتهم أي محبتهم بالقلب ثم ينشئ عنها النصرة و الإعانة بالمال و السلاح و غيره. هذه أمور ثلاثة من أعظم نواقض الإسلام و مبطلات الإسلام.
الأمر الأول يقول ( الشرك بالله في عبادته ) و العبادة كما هو معلوم اسم جامع لكل ما يحبه الله و يرضاه من الأقوال و الأعمال الباطنة و الظاهرة العبادة هي الأوامر و النواهي التي جاءت في الشريعة يفعل الإنسان الأوامر و النواهي يتركها يفعل الأوامر كما لو كان الأمر إيجاب وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ أو أمر استحباب كقوله ﷺ لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة و يترك النواهي خوفا من الله يفعل الأوامر رغبة و رهبة و محبة لله و خوفا منه و رجاء له كما يترك النواهي كذلك سواء كانت تحريم كقوله تعالى وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا أو نهي تنزيه كما نهي عن الحديث بعد صلاة العشاء هذه العبادة , فعل الأوامر سواء أمر إيجاب أو أمر استحباب و ترك النواهي سواء نهي تحريم أو نهي تنزيه و يترك النهي خوفا من الله و رجاء و محبة و إجلالا و تعظيما فالعبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله كما عرف شيخ الإسلام ابن تيمية قال هي اسم جامع لكل ما يحبه الله و يرضاه من الأقوال و الأعمال الظاهرة و الباطنة. كل عمل قلبي أو بدني و كل قول لساني أو قلبي يتعبد به الإنسان لربه لا بد أن يخلصه لله.
و لذلك قال المؤلف رحمه الله ( الأول الشرك بالله في عبادته ) في العبادة مثل لها قال (كدعوة غير الله ) يدعو الأموات يدعو الصالحين يدعو الملائكة ( ورجائه ) يرجوا غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله ( والاستعانة به ) يستعين بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله , أما الاستعانة و رجاء الشخص الحي الحاضر هذا لا شيء فيه يقول يا فلان أعني على إصلاح مزرعتي أو يقول أرجوك أن تطعمني لا بأس حي حاضر ( كدعوة غير الله و رجاءه و الاستعانة به والاستغاثة به ) الاستغاثة هي الدعاء من مكروب الدعاء من مكروب يقال له استغاثة فهي أخص من الدعاء , الدعاء أعم يشمل المكروب و غير المكروب و الاستغاثة دعاء مكروب خاص إذا حصل له كربة كالغريق و الحريق و ما أشبه ذلك ( والتوكل عليه ) الاعتماد على الله بعد فعل الأسباب تفويض الأمر إلى الله و الاعتماد عليه بعد فعل الأسباب كما قال تعالى وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ( ونحو ذلك من أنواع العبادة ) كالصلاة و الزكاة و الصيام و الحج و بر الوالدين و صلة الرحم المؤلف استوفى و ذكر أمثلة.
قال المؤلف رحمه الله ( فمن صَرَفَ منها شيئا لغير الله كَفَرَ، ولم يصح له عمل ) من صرف الدعاء لغير الله من صرف الذبح لغير الله من صرف الطواف بالبيت لغير الله أو صرف النذر لغير الله أو الركوع و السجود لغير الله حكمه كافر من صرف شيئا من أنواع العبادة لغير الله هذا العمل كفر و لم يصح له أي عمل لا يصح العمل مع الشرك.
و لهذا قال المؤلف ( وهذا الشرك هو أعظم مُحْبِطَات الأعمال, كما قال تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) إذن الشرك يحبط الأعمال و من يحبطها يبطلها فإذا فعل الإنسان الشرك دعا غير الله و ذبح لغير الله أو استهزأ بالله أو كتابه أو رسوله أو أنكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة وجوبه أو تحريمه حينئذ يكفر و تبطل أعماله كلها صلاة صيام حج تبطل و ينتقل من كونه مسلما إلى كونه وثنيا إلا إن تاب قبل الموت فإن الله يتوب على التائبين و إن مات على الكفر و العياذ بالله حبطت جميع الأعمال قال الله تعالى وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ و قال سبحانه وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ.
و يستدل المؤلف على أن الشرك محبط للعمل ( وقوله: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) قال المؤلف رحمه الله ( ففي هذه الآية: نَفْي الشرك وتغليظه والأمر بعبادة لله وحده ) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ نفى الشرك و غلظ فيه و أخبر أنه يحبط الأعمال ففي هذه الآية يقول المؤلف رحمه الله ( نَفْي الشرك وتغليظه والأمر بعبادة لله وحده.
ومعنى قوله: بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ أي: لا غيره، فإن تقديم المَعْمُول يُفيد الحصرَ عند العلماء ) تقديم المعمول أين المعمول , المعمول لفظ الجلالة الذين درسوا النحو يعلمون هذا أن تقديم المعمول يفيد الحصر بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ ما قال فاعبد الله لو قال فاعبد الله ما حصر لكن لما قدم المعمول صار فيه حصر و المعنى لا تعبد غيرهبَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ و لهذا قال المؤلف رحمه الله ( ففي هذه الآية: نَفْي الشرك وتغليظه والأمر بعبادة لله وحده ومعنى قوله: بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ أي: لا غيره، فإن تقديم المَعْمُول يُفيد الحصرَ عند العلماء ) .
( متن )
الأمر الثاني من النواقض: انشراح الصدر لمن أشرك بالله و مُوَادَّة أعداء الله كما قال تعالى: وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ إلى قوله: وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ فمن فعل ذلك فقد أبطل توحيده ولو لم يفعل الشرك بنفسه.
قال الله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قال شيخ الإسلام: أخبر سبحانه أنه لا يوجد مؤمن يُوَادُّ كافرًا، فمن وَادَّهُ فليس بمؤمن قال: والمشابهةُ مَظِنَّة الموادَّة، فتكون مُحَرَّمَة.
قال العماد ابن كثير في تفسيره: قيل: نزلتْ في أبي عبيدة حين قتل أباه يوم بدر، أَوْ أَبْنَاءَهُم في الصديق يومئذ هَمَّ بقتل ابنه عبد الرحمن، أَوْ إِخْوَانَهُم في مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير، أَوْ عَشِيْرَتَهُم في عمر قتل قريبا له يومئذ أيضا، وحمزة وعلي وعبيدة بن الحارث قتلوا عتبةَ وشيبةَ والوليدَ بن عتبة يومئذ.
قال: وفي قوله: رَضِيَ الله عَنْهُم وَرَضُوا عَنْهُ سرٌ بديعٌ، وهو أنهم لما سخطوا على القرائب والعشائر في الله عوضهم الله بالرضا عنهم، ورضاهم عنه بما أعطاهم من النعيم المقيم، والفوز العظيم، والفضل العميم، ونَوَّهَ بفلاحهم وسعادتهم ونصرتهم في الدنيا والآخرة في مقابلة ما ذكر عن أولئك من أنهم حزب الشيطان: أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ.
( شرح )
هذا الأمر الثاني من الأمور الثلاثة التي هي أعظم نواقض و مبطلات التوحيد.
الأمر الأول الشرك بالله.
و الأمر الثاني انشراح الصدر لمن أشرك بالله و موادة أعداء الله , انشراح الصدر يعني يحصل انشراح و طمأنينة للمشرك فينشرح صدره للمشرك و يجد في نفسه ميل إليه و محبة له و هذا لا يجوز , لا يجوز للإنسان أن ينشرح صدره للمشرك و لا أن يوده و لا أن يحبه بل يجب بغضه و عداوته و البراءة منه و من دينه و لهذا قال المؤلف رحمه الله ( انشراح الصدر لمن أشرك بالله و مُوَادَّة أعداء الله ) موادة يعني محبة أعداء الله موادتهم و محبتهم إذا كان الإنسان ينشرح صدره للمشركين و يوالي أعداء الله ( كما قال تعالى: وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) هذا لمن لم يكره قال مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ يعني هذا مستثنى وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ثم قال ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ هذا السبب في كفرهم أنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة يعني آثروا الحياة الدنيا على الآخرةوَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ هذه تكملة للآية آخر الآية.
قال المؤلف رحمه الله ( فمن فعل ذلك فقد أبطل توحيده ولو لم يفعل الشرك بنفسه ) يعني من فعل هذا نفى الله عنه الإيمان ( قال الله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) يعني لا يمكن أن المودة من المؤمنين للكفار لا يمكن هذا لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يعني يوادون أعداء الله و يحبونهم و يناصرونهم لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
( قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أخبر سبحانه أنه لا يوجد مؤمن يُوَادُّ كافرًا، فمن وَادَّهُ فليس بمؤمن قال: والمشابهةُ مَظِنَّة الموادَّة، فتكون مُحَرَّمَة ) هذا نقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلام عظيم يقول أخبر سبحانه أنه لا يوجد مؤمن يُوَادُّ كافرًا أبدا لا تجد مؤمنا يحب كافرا و يواده فمن واده فليس بمؤمن من أحبه لدينه هذا مشرك من أحب الكافر لدينه لكن إذا صار يعمل عنده و لم يحبه فهذا لا يدخل، المعاملات ليست داخلة في هذا ( أخبر سبحانه أنه لا يوجد مؤمن يُوَادُّ كافرًا فمن وَادَّهُ فليس بمؤمن قال: والمشابهةُ مَظِنَّة الموادَّة، فتكون مُحَرَّمَة ) المشابهة إذا تشبه بالكفار في زيهم و لباسهم و عاداتهم و تقاليدهم مظنة المودة لهم فإذا جلس عندهم مدة طويلة و تشبه بهم في أخلاقهم و أفعالهم و حياتهم تكون واحدا منهم فالمشابهة و الموادة المشابهة مظنة الموادة فتكون محرمة إذا تشبه بهد فهو حينئذ يحب الكفار إذا تشبه في زيهم و لباسهم حينئذ يكون في قلبه محبة للكفار و يجد في نفسه مودة إلى الكفار و ميلا فلذلك يجب سد الذريعة , لا يجوز التشبه بالمشركين لا في أخلاقهم و لا في أفعالهم و لا في تقاليدهم و عاداتهم و لا في زيهم و لا في هيئتهم و لهذا ثبت في الحديث أن النبي ﷺ قال من تشبه بقوم فهو منهم قال شيخ الإسلام هذا أقل أنواع الكراهة و إلا فإن ظاهره كفر.
ذكر الإمام ابن كثير رحمه الله في سبب نزول الآية ( قال العماد ابن كثير في تفسيره: قيل: نزلتْ في أبي عبيدة حين قتل أباه يوم بدر ) لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قيل: نزلتْ في أبي عبيدة حين قتل أباه يوم بدر ( أَوْ أَبْنَاءَهُم في الصديق يومئذ هَمَّ بقتل ابنه عبد الرحمن، أَوْ إِخْوَانَهُم في مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير، أَوْ عَشِيْرَتَهُم في عمر قتل قريبا له يومئذ أيضا، وحمزة وعلي وعبيدة بن الحارث قتلوا عتبةَ وشيبةَ والوليدَ بن عتبة ) قتلوا عتبة بن أبي ربيعة و شيبة بن أبي ربيعة و الوليد بن عتبة يومئذ.
( قال: وفي قوله: رَضِيَ الله عَنْهُم وَرَضُوا عَنْهُ سرٌ بديعٌ، وهو أنهم لما سخطوا على القرائب والعشائر في الله عوضهم الله بالرضا عنهم، ورضاهم عنه بما أعطاهم من النعيم المقيم، والفوز العظيم، والفضل العميم ) يعني هذه يقول الحافظ ابن كثير أنها نزلت في الصحابة نزلت في أبي عبيدة حين قتل أباه في قوله لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَوْ أَبْنَاءَهُم نزلت في الصديق حين هم بقتل ابنه آبَاءَهُمْ نزلت في أبي عبيدة أَوْ أَبْنَاءَهُم نزلت في الصديق أَوْ إِخْوَانَهُم في مصعب بن عمير حين قتل أخاهأَوْ عَشِيْرَتَهُم في عمر قتل قريبا له.
و قال شيخ الإسلام ( وفي قوله: رَضِيَ الله عَنْهُم وَرَضُوا عَنْهُ سرٌ بديعٌ، وهو أنهم لما سخطوا على القرائب والعشائر في الله عوضهم الله بالرضا عنهم ) الجزاء من جنس العمل فهم هؤلاء الأخيار لما سخطوا على القريب و العشائر لله عوضهم الله بالرضا عنه و رضاهم عنه بما أعطاهم من النعيم العظيم و الفضل العميم ( ونَوَّهَ بفلاحهم وسعادتهم ونصرتهم في الدنيا والآخرة في مقابلة ما ذكر عن أولئك من أنهم حزب الشيطان أولئك قال إنهم حزب الرحمن و هؤلاء حزب الشيطان أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) يقول المؤلف رحمه الله : هؤلاء الذين والوا أهل الضلال وسخطوا على أهل الإيمان .
( متن )
(الأمر الثالث) : موالاة المشرك، والركون إليه، ونصرته وإعانته باليد، أو اللسان، أو المال كما قال تعالى: فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكَافِرِينَ وقال: إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ وهذا خطاب من الله تعالى للمؤمنين في هذه الأمة؛ فانظر أيها السامع أين تقع من هذا الخطاب وحكم هذه الآيات.
ولما أعانت قريش بني بكر على خزاعة سرا، وقد دخلوا في صلح رسول الله ﷺ، انتقضَ عهدهم وغضب رسول الله ﷺ لذلك غضبا شديدا، وتَجَهَّزَ لحربهم، ولم يَنْبِذْ إليهم؛ لما كتب لهم حاطبٌ كتابا يخبرهم بذلك إخبارا أنزل الله تعالى في ذلك هذه السورة بكمالها، ابتدأها بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ إلى قوله: وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ
( شرح )
الأمر الثالث من الأمور التي بين الشيخ رحمه الله أنها من أعظم نواقض الإسلام و مبطلاته ( موالاة المشرك، والركون إليه، ونصرته وإعانته باليد، أو اللسان، أو المال ) هذا الأمر الثالث موالاة المشركين و ما هي الموالاة المحبة محبتهم بالقلب لدينهم فإذا أحبهم بقلبه لدينهم ثم يتبع هذه المحبة النصرة و الإعانة يعينهم على المسلمين يعين الكفار على المسلمين باليد أو باللسان أو بالمال أو بالرأي فهذا من نواقض الإسلام موالاة المشركين و المراد بالموالاة هنا التولي الموالاة تنقسم إلى قسمين:
التولي و هذه محبة المشركين و نصرتهم و إعانتهم على المسلمين هذه ردة قال الله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.
و الثاني موالاة المشركين معاشرتهم و مصادقتهم دون المؤمنين و هذه من كبائر الذنوب كبيرة و لهذا قال المؤلف (موالاة المشرك، والركون إليه، ونصرته وإعانته باليد، أو اللسان، أو المال ) هذا ليس على محبة إذا أحبهم بقلبه لدينهم بعد ذلك ينشأ عنه نصرة باليد و اللسان و المال ( كما قال تعالى: فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكَافِرِينَ ) يعني معينا للكافرين ( وقال: إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ وهذا خطاب من الله تعالى للمؤمنين في هذه الأمة ) خطاب للمؤمنين ولو كان الخطاب لبني إسرائيل فهو يعنى لهذه الأمة, و هذا الخطاب في هذه الآية إنما يخاطب به المؤمنون, و لهذا قال ( وهذا خطاب من الله تعالى للمؤمنين في هذه الأمة.
فانظر أيها السامع أين تقع من هذا الخطاب وحكم هذه الآيات ) يعني إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ.
يقول المؤلف ( ولما أعانت قريش بني بكر على خزاعة سرا، وقد دخلوا في صلح رسول الله ﷺ، انتقضَ عهدهم وغضب رسول الله ﷺ لذلك غضبا لله ، وتَجَهَّزَ لحربهم، ولم يَنْبِذْ إليهم؛ لما كتب لهم حاطبٌ كتابا يخبرهم بذلك إخبارا أنزل الله تعالى في ذلك هذه السورة ، ابتدأها بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ إلى قوله: وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) المعنى أنه لما حصل الصلح بين النبي ﷺ و بين المشركين حتى تضع الحرب أوزارها مع قبائل العرب منهم من يدخل مع النبي ﷺ و منهم من يدخل في عهد قريش بعض القبائل اختاروا قريشا و بعض القبائل اختاروا النبي ﷺ و كانوا معه يعني الناس منهم من اختار أن يدخل تحت عهد النبي ﷺ و منهم من اختار أن يدخل تحت عهد قريش و هدنتها و خزاعة دخلوا في عهد النبي ﷺ و بنو بكر دخلوا في عهد قريش فأعانت قريش بني بكر على خزاعة سرا و اعتبر النبي ﷺ أن هذا نقض للعهد لما أعانت قريش بني بكر و هم الذين دخلوا في عهدهم على خزاعة الذين دخلوا في عهد النبي ﷺ اعتبر النبي هذا نقض للعهد كيف يعينون المشركين على المسلمين ( ولما أعانت قريش بني بكر على خزاعة سرا، وقد دخلوا في صلح رسول الله ﷺ، انتقضَ عهدهم ) لما أعانت قريش خزاعة اعتبر هذا نقض للعهد ( لما كتب لهم حاطبٌ كتابا يخبرهم بذلك إخبارا ) تجسسوا على المسلمين ( أنزل الله تعالى في ذلك هذه السورة ، ابتدأها بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ بهتان و قال في آية اخرى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ.
( متن )
موالاة المشركين من نواقض الإسلام
ثم أمر تعالى بالتأسي بخليله وإخوانه من المرسلين بالعمل بدينه الذي بعثهم به فقال: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ أي: من إخوانه المرسلين: إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ فذكر أمورا خمسة لا يقوم التوحيد إلا بها علما وعملا، وعند القيام بهذه الخمسة مَيَّزَ الله الناسَ لَمَّا ابْتَلاهم بعَدِّوهم، كما قال تعالى: الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ.
وحذَّر تعالى عباده عن تَوَلِّيهِمْ عَدُّوَهُم. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وقال تعالى: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وقال تعالى: تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ.
فتأمل ما في هذه الآيات، وما رتب الله على هذا العمل من سخطه، والخلود في عذابه، وسلب الإيمان وغير ذلك.
وذكر ابن جرير رحمه الله تعالى في تفسير سورة آل عمران عند قوله تعالى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ أنه ردة عن الإسلام وفي سورة محمد ﷺ ما يدل على ذلك؛ قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ إلى قوله: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ.
والسين: حرف تنفيس؛ تفيد استقبال الفعل، فدل على أنهم وعدوهم ذلك سرا بدليل قوله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ والآيات في هذا المعنى كثيرة.
والمقصود بيان عِظَم هذا الذنب عند الله، وما رتب عليه من العقوبات عاجلا وآجلا نسأل الله الثبات على الإسلام والإيمان، ونعوذ بالله من الخيبة والخذلان.
( شرح )
يقول المؤلف رحمه الله ( ثم أمر تعالى بالتأسي بخليله عليه الصلاة و السلام وإخوانه من المرسلين بالعمل بدينه الذي بعثهم به ) أمر الله بالتأسي يعني بالاقتداء و الامتثال بخليله و هو إبراهيم هو خليل الله و الخلة أعلى درجة من المحبة فهي كمال المحبة و نهايتها سميت خلة لأنها تتخلل شغاف القلب و لا يتسع القلب لأكثر من خليل واحد القلب لا يمكن أن يتسع لخليلين محبة خليل واحد أما المحب فإن القلب يتسع للكثير لذلك قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: لو كنت متخذا من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، و لكن صاحبكم خليل الله يعني لو كان في قلبي متسع لخلة أحد لكانت لأبي بكر لكن ليس في قلبي متسع امتلأت بخلة الله لو كان في متسع لكانت لأبي بكر و لهذا قال النبي ﷺ لو كنت متخذا من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، و لكن صاحبكم خليل الله أما المحبة يتسع القلب لمحبة عدد كثير فعائشة أحب النساء إليه و من الرجال أبوها و يحب عمر و يحب جماعة من الصحابة فالمحبة أوسع.
و أنواع المحبة كثيرة ذكر العلماء منها ما يقارب خمسة عشر نوعا منها المحبة و الصبابة و الميل , الصبابة لأن القلب ينصب إلى المحبوب و التتيم و حتى يصل إلى الجنون و العشق و الغرام حتى يصل إلى الخلة و الله تعالى لم يتصف بهذه الأنواع إلا بالمحبة و الخلة و المودة ثلاثة لا يوصف الله بغير ذلك من الغرام و العشق كل هذه لا يوصف الله بها.
فالله تعالى أمر بالتأسي بخليله خليله إبراهيم و نبينا ﷺ شارك إبراهيم في الخلة فإبراهيم خليل الله و محمد خليل الله قال عليه لصلاة و السلام ألا إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً أمر الله تعالى بالتأسي بخليله عليه الصلاة و السلام و هو إبراهيم وإخوانه من المرسلين بالعمل بدينه الذي بعثهم به و آية التأسي ( فقال: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ ) هذا هو التأسي , أسوة يعني قدوة قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ يعني اقتدوا بإبراهيم و الذين معه اقتدوا بهم قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ تأسوا بهذا النبي الخليل الذي هو أبو الأنبياء اقتدوا به و تأسوا بدينه و اعملوا بدينه قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ و الذين معه ( أي: من إخوانه من المرسلين ) ماذا عملوا ! تبرؤوا من قومهم المشركين تبرؤوا منهم و كفروا بهم و عادوهم و أبغضوهم فأنتم يجب عليكم أن تتأسوا بالخليل فتتبرؤوا من الكفر و الكافرين و تبادلوهم العداء و لا تولوهم و لا تحبونهم و لهذا قال قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ من إخوانه من المرسلين ( إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هذه البراءة كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) و آية أخرى لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ يعني قدوة.
قال المؤلف ( فذكر أمورا خمسة لا يقوم التوحيد إلا بها علما وعملا ) ما هي هذه الخمسة ! قولهم البراءة إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ثانيا الكفر بهم ثالثا إبداء العداوة رابعا إبداء البغضاء خامسا البراءة من المشركين.
أولا قالوا إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ هذه براءة من المشركين وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هذه الثانية البراءة من معبوداتهم كَفَرْنَا بِكُمْ هذه الكفر بهم وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ هذه الرابعة وَالْبَغْضَاءُ هذه الخامسة خمسة أشياء أمر الله تعالى بالتأسي بخليله عليه الصلاة و السلام البراءة من المشركين و البراءة من معبوداتهم و الكفر بهم و إبداء العداوة و إبداء البغضاء ( فذكر أمورا خمسة لا يقوم التوحيد إلا بها علما وعملا وعند القيام بهذه الخمسة مَيَّزَ الله الناسَ لَمَّا ابْتَلاهم بعَدِّوهم ) عند القيام بهذه الخمسة و هي كما سبق البراءة من المشركين و البراءة معبوداتهم و الكفر بهم و إبداء العداوة و إبداء البغضاء قال ( فذكر أمورا خمسة لا يقوم التوحيد إلا بها علما و عملا وعند القيام بهذه الخمسة مَيَّزَ الله الناسَ لَمَّا ابْتَلاهم بعَدِّوهم ) يعني من يقوم بهذه الخمسة يتميز عن عدوهم يتميز عن غيره من يعادي المشركين و يبغضهم و لا يجالسهم يتميز عن غيره و لذلك قال ( وعند القيام بهذه الخمسة مَيَّزَ الله الناسَ لَمَّا ابْتَلاهم بعَدِّوهم كما قال تعالى: الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) هذا التمييز ميز الله المؤمنين و الكفار ( وحذَّر تعالى عباده عن تَوَلِّيهِمْ عَدُّوَهُم قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وقال تعالى: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً... إلى آخر الآية وقال تعالى: تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) بين أن تولي الكفار ردة سخط الله عليهم بها و خلدهم في النار.
قال المؤلف رحمه الله ( فتأمل ما في هذه الآيات، وما رتب الله على هذا العمل من سخطه، والخلود في عذابه، وسلب الإيمان ).
نقل عن شيخ الإسلام وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ... الآية قال فاتخاذ ولايتهم توجب عدم الإيمان و سرد الأدلة في هذا قال إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ إلى قوله: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ ) قالوا سنطيعكم في بعض الأمر فإذا كان في جميع الأمر ماذا تكون الحال ! ( والسين: حرف تنفيس؛ تفيد استقبال الفعل ) أين السين؟ إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ هذا وعد سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ.
يقول المؤلف رحمه الله ( فدل على أنهم وعدوهم ذلك سرا بدليل قوله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ. والآيات في هذا المعنى كثيرة.
والمقصود بيان عِظَم هذا الذنب عند الله، وما رتب عليه من العقوبات عاجلا وآجلا ) و هو ذم الشرك ( نسأل الله الثبات على الإسلام والإيمان، ونعوذ بالله من الخيبة والخذلان ) .
( متن )
وقد ذكر شيخنا رحمه الله تعالى في مختصر السيرة له: ذكر الواقدي أن خالد بن الوليد لما قَدِمَ العارض قَدَّمَ مائتي فارس، فأخذوا مجَّاعة بن مُرَارة في ثلاثة عشر رجلا من قومه بني حنيفة، فقال لهم خالد بن الوليد: ما تقولون في صاحبكم؟ فشهدوا أنه رسول الله، فضرب أعناقهم، حتى إذا بقي سارية بن عامر قال: يا خالد، إن كنت تريد بأهل اليمامة خيرا أو شرا فاسْتَبْقِ مجَّاعة، وكان شريفا، فلم يقتله وترك سارية أيضا، فأمر بهما فَأُوثِقَا في مَجَامع من حديد، فكان يدعو مجَّاعة، وهو كذلك، فيتحدث معه، وهو يظن أن خالدا يقتله، فقال يا ابن المغيرة: إن لي إسلاما، والله ما كفرت، فقال خالد: إن بين القتل والترك منْزلة، وهي الحبس حتى يقضي الله في أمرنا ما هو قاض. ودفعه إلى أم مُتَمِّم زوجته، وأمرها أن تُحْسِن إِسَارَهُ، فظن مجَّاعة أن خالدا يريد حبسه ليخبره عن عدوه، وقال: يا خالد قد علمتَ أني قدمت على رسول الله ﷺ فبايعته على الإسلام، وأنا اليوم على ما كنت عليه بالأمس فإن يَكُ كَذَّابٌ قد خرج فينا، فإن الله يقول: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى فقال: يا مجَّاعة تركت اليوم ما كنتَ عليه أمس، وكان رضاك بأمر هذا الكذاب، وسكوتك عنه، وأنت من أعز أهل اليمامة إقرارًا له ورضاء بما جاء به، فهل أبديتَ عُذْرًا، فتكلمت فيمن تكلم؟ فقد تكلم ثُمَامة فرد وأنكر، وتكلم اليشكريّ، فإن قلتَ: أخاف قومي، فهلا عمدتَ إليَّ أو بعثتَ إليَّ رسولا؟
فتأمل كيف جعل خالدٌ سكوتَ مجَّاعة رِضًا بما جاء به مسيلمة وإقرارًا، فأين هذا ممن أظهر الرضاء، وظاهر، وأعان وجد، وشمَّر مع أولئك الذين أشركوا مع الله في عبادته، وأفسدوا في أرضه؟ فالله المستعان.
( شرح )
المؤلف رحمه الله يقول ( وقد ذكر شيخنا رحمه الله تعالى في مختصر السيرة ) الشيخ له كتاب يسمى مختصر سيرة الرسول ﷺ و حجمه ليس بالكبير و هو كتاب عظيم من يقرأه من أوله لآخره كله نبغ في العقيدة و الوحيد استنباط و استدلال بما جاء في السيرة على توحيد الله و هو كتاب عظيم مختصر السيرة للإمام محمد بن عبد الوهاب , و في مختصر السيرة كتاب أكبر منه لابنه عبد الله , عبد الله ابن الإمام و هو كتابين و لهذا يقول المؤلف رحمه الله ( وقد ذكر شيخنا رحمه الله تعالى في مختصر السيرة له ذكر الواقدي أن خالد بن الوليد ) ذكر عن الواقدي , الواقدي أخباره ضعيفة ينقل لكن أخباره ضعيفة ( أن خالد بن الوليد لما قَدِمَ العارض ) يعني مكان ( قَدَّمَ مائتي فارس ) قدمهم مكانه ( فأخذوا مجَّاعة بن مُرَارة في ثلاثة عشر رجلا من قومه بني حنيفة ) يعني لما قدم إلى البلدة هذه قدم مائتي فارس يأخذون مجاعة بن مرارة ثلاثة عشرة رجلا من قومه يختبرهم خالد ( فقال لهم خالد بن الوليد: ما تقولون في صاحبكم؟ ) يعني مسيلمة ( فشهدوا أنه رسول الله ) ماذا عمل خالد ! ( فضرب أعناقهم ) قتلهم بالسيف لأنهم كفار قال ماذا تقولوا في مسيلمة ! فقالوا كلهم نشهد أن مسيلمة رسول الله من شدة تعلقهم و العياذ بالله و هؤلاء من بني حنيفة قاتلهم قتالا مستميتا حتى استحر القتل في القرى و هم على ما هم عليه و العياذ بالله و يعلمون أن مسيلمة يدعي النبوة لما قال لهم ماذا تقولوا في صاحبكم ! فشهدوا أنه رسول الله فضرب أعناقهم خالد قتلهم بالسيف ( حتى إذا بقي سارية بن عامر قال: يا خالد، إن كنت تريد بأهل اليمامة خيرا أو شرا فاسْتَبْقِ مجَّاعة ) يعني سارية بن عامر قدم نصيحة لخالد لما أراد خالد قتلهم قتل المشركين المرتدين جاء خطاب موجه إليه من قبل سارية بن عامر فقال يا خالد إن كنت تريد بأهل اليمامة خيرا أو شر فاستبق مجاعة ( وكان شريفا، فلم يقتله ) فاستبق: يعطيك الأخبار ( وترك سارية أيضا، فأمر بهما فَأُوثِقَا في مَجَامع من حديد، فكان يدعو مجَّاعة، وهو كذلك، فيتحدث معه، وهو يظن أن خالدا يقتله ) يعني خالد لما قتل أعناق الذين اعترفوا بمسيلمة و صدقوا مسيلمة بقي سارية بن عامر و نصحه, نصح خالدا و قال إن كنت تريد بأهل اليمانة شرا فأبقي مجاعة حتى يستشيره ببعض الأمور و كان شريفا فلم يقله وترك سارية أيضا، فأمر بهما فَأُوثِقَا في مَجَامع من حديد فكان يدعو مجَّاعة، وهو كذلك، فيتحدث معه، وهو يظن أن خالدا يقتله, يعني لما أمر خالد بإحضار مجاعة و سارية فأوثقا في مجامع الحديد صار مجاعة يتكلم خاف أن يقتله خالد ( فقال يا ابن المغيرة: إن لي إسلاما، والله ما كفرت) حتى يطلقه ( فقال خالد: إن بين القتل والترك منْزلة، وهي الحبس ) الآن ما نقتلك و لا نتركك لأنه في منزلة بينهما لا نتركك تذهب و لا نقتلك لكن هناك منزلة و هي الحبس ( حتى يقضي الله في أمرنا ما هو قاض ) حتى يتبين الأمر ( ودفعه إلى أم مُتَمِّم زوجته، وأمرها أن تُحْسِن إِسَارَهُ، فظن مجَّاعة أن خالدا يريد حبسه ليخبره عن عدوه، وقال: يا خالد قد علمتَ أني قدمت على رسول الله ﷺ فبايعته على الإسلام، وأنا اليوم على ما كنت عليه بالأمس ) أنا اليوم على الإسلام أنت حبستني و أنا قدمت للنبي ﷺ و بايعته و أنا الآن على الإسلام ( فإن يَكُ كَذَّابٌ قد خرج فينا ) إن كان مسيلمة كذابا و خرج فينا كيف تعاقبني في جريمة مسيلمة و ليس لي دعوى بمسيلمة ( فإن يَكُ كَذَّابٌ قد خرج فينا فإن الله يقول: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) لست مسؤول عن الوزر ماذا أجاب خالد ! أجاب خالد ( فقال: يا مجَّاعة تركت اليوم ما كنتَ عليه أمس ) أنت تقول أنك أتيت إلى الرسول ﷺ و بايعته و أنت اليوم بما كنت عليه قال خالد تركته تركت اليوم ما كنت عليه أنت الآن ما صرت ملتزم لم تلتزم بالإسلام ( وكان رضاك بأمر هذا الكذاب، وسكوتك عنه، وأنت من أعز أهل اليمامة إقرارًا له ورضاء بما جاء به ) يقول أنت الآن تقول أن مسيلمة كذاب و ليس لك دعوى به أنت الآن ساكت عن مسيلمة و أنت من الأعيان المشار إليهم ما قلت أن مسيلمة كذاب و ما أظهرت إنكار المنكر يجب عليك أن تنكر و تبين للناس أنك تتبرأ من مسيلمة الكذاب أما أن تسكت و تكون معهم و لا تنكر فإذا أخذت و أسرت قلت أنك ليس لك دعوى في مسيلمة و هو كذاب إذا لماذا لم تنكر و بينت للناس و الساكت تابع للمتكلم و لهذا قال ( فهل أبديتَ عُذْرًا، فتكلمت فيمن تكلم؟ ) قال خالد لمجاعة ما أتيت بعذر لنعرف إن كنت صادقا أم لست صادقا ( فقد تكلم ثُمَامة فرد وأنكر، وتكلم اليشكريّ، فإن قلتَ: أخاف قومي، فهلا عمدتَ إليَّ أو بعثتَ إليَّ رسولا؟ ).
قال المؤلف رحمه الله ( فتأمل كيف جعل خالدٌ سكوتَ مجَّاعة رِضًا بما جاء به مسيلمة ) جعل خالد سكوته رضا لما سكت عن الإنكار (رِضًا بما جاء به مسيلمة وإقرارًا، فأين هذا ممن أظهر الرضاء ) يعني خالد جعل سكوت مجاعة رضا مجرد السكوت رضا بالفعل فكيف إذا جاء شخص و أظهر الرضاء هذا أشد إذا كان الذي يسكت يؤاخذ لماذا لم يتكلم فكيف بالذي تكلم و يظهر الرضاء و يظاهر و يعين و يجد و يجتهد ( مع أولئك الذين أشركوا مع الله في عبادته، وأفسدوا في أرضه؟ ) فهذا من باب أولى فالله المستعان.
( متن )
(الأمر الثاني) : من الأمور التي لا يصلح الإسلام إلا بها: العملُ بشرائعه وأحكامه، وبالقيام بذلك يقوم الدين وتستقيم الأعمال كما قال تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً، وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيرا ً يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً وقال تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ وقال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً وقال تعالى: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ وقال تعالى: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وقال تعالى: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً
وفي هذا المعنى قال أبو تمام:
وعِبَادَة ُ الأهوَاءِ في تَطْويحِها | بالدين فوْقَ عِبَادَة ِ الأصنَامِ |
هذا هو الغالب على كثير من الناس: رَدُّ الحق؛ لمخالفة الهوى ومعارضته بالآراء، وهذا من نقص الدين وضعف الإيمان واليقين.
( شرح )
هذا الأمر الثاني من الأمور التي ذكرها المؤلف رحمه الله و قال إنه سيقدم بين يديه الرد على هذا المبتدع المشرك من أهل الخرج مقدمة. و هي معرفة أمور ثلاثة عليها مدار الإسلام و بها يتم العمل بأدلة الشريعة و الأحكام و إذا اختلت وقع الخلل:
الأمر الأول أن تعلم أن أصل دين الإسلام و أساسه و عماده الإيمان و رأسه هو توحيد الله الذي بعث الله به المرسلين و أنزل به كتابه المبين.
و الأمر الثاني ( من الأمور التي لا يصلح الإسلام إلا بها: العملُ بشرائعه وأحكامه ) تعمل بشريعة الله تعمل بشريعة الإسلام و هي الكتاب و السنة و ما جاء من الأوامر و النواهي فعل الأوامر أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ و كذلك النهي وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا و هكذا تكون أوامر و نواهي الأوامر تفعل و النواهي تترك.
إذن الأمر الثاني هو العمل بالشرائع و الأحكام ( وبالقيام بذلك يقوم الدين وتستقيم الأعمال ) إذا قام الإنسان بما ألزمه الله عليه فإن الأحوال تستقيم يقيم الدين و تستقيم الأعمال , إذا عمل الإنسان بالشريعة امتثل الأوامر و اجتنب النواهي و استقام على دين الله و وقف عند حدود الله عند ذلك يقوم الدين يستقيم الأعمال ( كما قال تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً ) المؤلف سرد آيات تبين هذا الأمر و تدل على أن العمل بالشريعة و أحكامها و بالقيام بذلك يقوم الدين و تستقيم الأعمال ثم سرد الآيات ( وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ماذا فيها هذه الآية ! فيها العمل بالشريعة أداء الأمانة الأمر بأداء الأمانات في أهلها و الأمر بالتحاكم بالعدل التحاكم بين الناس و أن يحكموا بالعدل و لهذا قال إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً .
و قال أيضا في الآية يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً و الشاهد قوله أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ الأمر بالرد في التنازع.
( وقال تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ) هذا أيضا من العمل بالشريعة وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ يعني ردوا حكمه إلى الله.
( وقال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) يعني ما يصح من مؤمن و لا مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمرا أن يتخير في أمر الله و رسوله بل يذعن و ينقاد.
ثم ذكر أوصاف المنافقين ( وقال تعالى: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ) ذكر من أوصاف المنافقين أنهم إذا دعوا إلى التحاكم إلى الكتاب و السنة أعرضوا و إذا كان لهم الحق أتوا مذعنين سريعين إن كان الحق لهم أتوا مذعنين و إن لم يكن الحق عليهم أدبروا و أعرضوا و إذا كان الحق لهم أذعنوا و إذا كان الحق لهم أتوا مذعنين و إذا كان لغيرهم أعرضوا و الله تعالى وبخهم فقال أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مرض الشك و النفاق أَمِ ارْتَابُوا أم عندهم من الشكوك مْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ يعني ما الذي يدعوهم إلى التحاكم إلى الطاغوت و يتركوا حكم الله هل عندهم مرض و هو مرض النفاق و الشك جعلهم يتحاكمون إلى غير شرع الله و لا يقبلون حكم الله أو عندهم ريب و شك و ركون و شكوك و ارتياب غير مستقر أم يخافون أن يحيف الله عليهم و رسول يعني يظلمهم هل يخافون أن يظلمهم الله؟ قال وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ كما أن الرسول ﷺ معصوم و لهذا ناقشهم فقال أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ
وقال تعالى: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ يعني هو أحد أمرين استجابة لله و لرسوله و هذا هو التوحيد و الإسلام و الثاني عدم الاستجابة و عدم الانقياد و هذا هو الشرك يعني بين أحد أمرين إما أ يشرك فيستجيب لهواه و شيطانه و إما أن يكون موحدا فيستجيب لله و لرسوله إما أن يستجيب لله و لرسوله فيكون موحدا و إما أن لا يستجيب فيكون متبعا لهواه و المتبع لهواه من أعظم الناس ظلما وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ خيرهم بين أمرين ليس هناك إلا أمران : إما أن يستجيبوا فالحمد لله أو لا يستجيبوا فهنا يتبع هواه فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.
وقال تعالى: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً كثير من الناس كالأنعام أكثرهم لا يسمع و لا يعقل و إن كان يبيع و يشتري في دنياه يسمع أمور الدنيا عنده عقل و يميز و يصرف في أمور دنيه و يدير التجارة لكنه في القيام بحق الله ﷺ قصر و عطل فكان متبعا لهواه لذلك قال تعالى أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً
( وفي هذا المعنى قال أبو تمام:
وعِبَادَة ُ الأهوَاءِ في تَطْويحِها | بالدين فوْقَ عِبَادَة ِ الأصنَامِ |
) في تطويحها يعني كونك تطوح الدين و تبعده مثل عبادة الأوثان يعني عبادة الأهواء مثل عبادة الأوثان عبادة الأهواء تطوح بالدين مثل عبادة الأوثان.
قال المؤلف ( هذا هو الغالب على كثير من الناس: رَدُّ الحق؛ لمخالفة الهوى ومعارضته بالآراء، وهذا من نقص الدين وضعف الإيمان واليقين ) و لا حول و لا قوة إلا بالله , الغالب على كثير من الناس أنهم يردون الحق و لا يقبلونه و إذا جاءهم الحق عارضوه و هذا يدل على نقص الدين و ضعف الإيمان و اليقين و لا حول و لا قوة إلا بالله .
( متن )
الأمر الثالث: وهي تخصيص لعموم ما قبله أداء الأمانات، واجتناب المحرمات والشهوات، والجد في أداء الفرائض، والعبادات الواجبات، والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكرات، و الجهاد في سبيل الله.
وقد وقع الخلل العظيم في ذلك كما قال تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً.
وبذلك وقعت الغفلة والإعراض عن كتاب الله تعالى واشتغل أكثر الناس بدنياهم عن طاعة مولاهم، وزهدوا في كل ما يعود نفعه إليهم في دنياهم وأخراهم مما يوجب رضى ربهم ومولاهم؛ قال تعالى وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ فيجب على مَن نصح نفسه ممن جعل الله له القدرة والسلطان ونفوذ الكلمة أن يهتم بحفظ هذه الثغور الثلاثة، فإنها ثغور الإسلام، وقد سعى في نقضها من ليس فيه رغبة .
ومن أسباب حفظها: الإخلاص لله، والصدق، واللُّجْوء إليه، وتعظيم أمره ونهيه، والتوكل عليه، وتمييز الخبيث من الطيب. فإن الله تعالى مَيَّزَهم لعباده؛ لَمَّا ابتلاهم؛ فعليك بِبُغْضِ أعداء الله، والاهتمام بما يرضيه، ومحبة ما يحبه، وكراهة ما يكرهه، وخشيته ومراقبته، أوثق عرى الإيمان والله المستعان.
( شرح )
هذا الأمر الثالث من الأمور التي عليها مدار لإسلام و ذكرها المؤلف مقدمة و هي كما سبق:
الأمر الأول أصل دين الإسلام و أساسه و عماده الإيمان و رأسه التوحيد.
و الأمر الثاني العمل بشرائعه و أحكامه.
و الأمر الثالث تخصيص في عموم ما قبله داخل فيما قبله و هي أداء الأمانات.
قال الأمر الثالث ( و هي تخصيص لعموم ما قبله أداء الأمانات، واجتناب المحرمات والشهوات، والجد في أداء الفرائض، والعبادات الواجبات، والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكرات، و الجهاد في سبيل الله ) يعني يؤدي الأمانة يقوم بأداء الأمانات, و الأمان كل الشريعة أمانة, و قد يظن بعض الناس أن الأمانة هي الودائع , الودائع نوع من الأمانة, و أداء الأمانة قال بعضهم الغسل من الجنابة و قال بعضهم الصلاة على وقتها و هذا مثال و أداء الأمانات أن تؤدي الواجبات الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و تنتهي عن المحرمات تؤدي الأمانة تقوم بالواجبات عموما الغسل من الجنابة و بر الوالدين و صلة الرحم و الصلاة و الصيام و الزكاة إلى آخره و اجتناب المحرمات و الشهوات التي حرمها الله عليه من الزنا و السرقة و شرب الخمر و عقوق الوالدين و قطيعة الرحم و التعاون على الإثم و العدوان و العدوان عن النفس و المال و الأعراض و الغيبة و النميمة اجتناب المحرمات و الشهوات.
و الجد في أداء الفرائض و الواجبات و العبادات تجد يكون عندك جدا و نشاطا في أداء الواجبات و الفرائض و الصلاة و سائر العبادات و القيام بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الجهاد في سبيل الله تقوم بالأمر بالمعروف , و المعروف ما عرف حسنه عقلا و شرعا و أعظم المعروف هو توحيد الله و النهي عن المنكر ما عرف نكارته شرعا و عرفا و أعظم المنكرات الشرك بالله إذا تقوم بالواجبات و تقوم بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و تنتهي عن المحرمات و تجد في أداء الفرائض و الواجبات و تقوم بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و تجاهد في سبيل الله إذا فعل الإنسان ذلك فإنه يكون على هذه الحالة مستقيما على طاعة الله.
قال ( وقد وقع الخلل العظيم في ذلك كما قال تعالى ) و قع الخلل في الصلاة كما قال الله تعالى ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً وبذلك وقعت الغفلة والإعراض عن كتاب الله تعالى واشتغل أكثر الناس بدنياهم عن طاعة مولاهم ) كثير من الناس حصل لهم الغفلة و الإعراض و اشتغلوا بالدنيا عن الدين و زهدوا عن كل ما يعيد نفعه عليهم في الدنيا و الآخرة ( وزهدوا في كل ما يعود نفعه إليهم في دنياهم وأخراهم مما يوجب رضى ربهم ومولاهم قال تعالى وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ
قال المؤلف نصح نصيحة ( فيجب على مَن نصح نفسه ممن جعل الله له القدرة والسلطان ونفوذ الكلمة أن يهتم بحفظ هذه الثغور الثلاثة ) هذه نصيحة ممن عنده قدرة و استطاعة من الأمراء و رجال الحسبة و الهيئة و من أعطاه الله القدرة و الإنسان في بيته إذا كان يستطيع يجب عليه أن يهتم بحفظ هذه الثغور الثلاثة يهتم بحفظ هذه الثغور الثلاثة ما هي هذه الثغور الثلاثة ! سيبينها المؤلف:
أولها : أَنْ تَعْلَمَ أنَّ أصلَ دين الإسلام وأساسه، وعماده الإيمان ورأسه، هو: توحيدُ الله تعالى الذي بعث به المرسلين، وأنزل به كتابه الحكيم.
الأمر الثاني العملُ بشرائعه وأحكامه.
و الأمر الثالث أداء الأمانات و اجتناب المحرمات والشهوات، والجد في أداء الفرائض، والعبادات الواجبات، والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكرات، و الجهاد في سبيل الله.
يقول يجب على من نصح نفسه ممن جعل الله له القدرة والسلطان ونفوذ الكلمة أن يهتم بحفظ هذه الثغور الثلاثة ( فإنها ثغور الإسلام، وقد سعى في نقضها من ليس له فيها رغبة ) يعني نقضها كثير من الناس.
قال ( ومن أسباب حفظها ) هذه الأمور الثلاثة ( الإخلاص لله ) تخلص لوجه الله و الدار الآخرة حتى تحافظ على هذه الأمور الثلاثة ( والصدق، واللُّجْوء إلى الله ) تصدق مع الله و تلجأ إليه ( وتعظيم أمره ونهيه ) تعظم الأوامر و النواهي ( والتوكل عليه ) تتوكل على الله و تعتمد عليه و تفوض أمورك إليه بعد عمل الأسباب ( وتمييز الخبيث من الطيب ) تمييز الخبيث من الطيب في الأقوال و الأفعال و الأشخاص و الذوات كما قال الله تعالى الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ فلا بد من تمييز الخبيث من الطيب من الأشخاص و الذوات و الصفات و الأفعال.
قال ( فإن الله تعالى مَيَّزَهم لعباده؛ لَمَّا ابتلاهم ) لما ابتلاهم الله و جعل منهم الطيب و الخبيث و المؤمن و الكافر ميزهم الله بعباده لما ابتلاهم جعلهم يعرفون الكاذب من الصادق المؤمن من الكافر.
قال ( فعليك بِبُغْضِ أعداء الله ) يعني عليك أن تبغض أعداء الله من الكفرة و غيرهم و لا يتم الإيمان إلا ببغضهم يبغضهم لدينهم ( والاهتمام بما يرضيه ) عليك أن تهتم بما يرضي الله من التوحيد و الإخلاص و أداء الواجبات و ترك النواهي ( ومحبة ما يحبه، وكراهة ما يكرهه ) الاهتمام بما يرضيه و محبة ما يحبه الله و اجتناب ما يكرهه هكذا توافق ربك في محبته و كراهته فتبغض أعداء الله و تهتم بما يرضي الله و تحب ما يحبه الله و تبغض ما يبغضه الله و عليك مع ذلك ( وخشيته ومراقبته فإنها أوثق عرى الإيمان ) أوثق عرى الإيمان خشية الله و مراقبته والله المستعان.
إلى هنا انتهت المقدمة و بعد ذلك يبدأ المؤلف رحمه الله فصل مناقشة المبتدع و الغالي من أهل الخرج .