شعار الموقع

المورد العذب الزلال_(3) من قوله: سألني الشريف عما نقاتل عليه وما نُكَفِّر به إلى قوله: فصل في إيذاء أهل الباطل لأهل الحق

00:00
00:00
تحميل
180

بسم الله الرحمن الرحيم، و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين :

( متن )

وقال شيخنا شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: سألني الشريف عما نقاتل عليه وما نُكَفِّر به؟ فقلت في الجواب: إنا لا نقاتل إلا على ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان بعد التعريف، إذا عرف ثم أنكر. فنقول: أعداؤنا معنا على أنواع:

الأول: من عرف أن التوحيد دين الله ورسوله، وأن هذه الاعتقادات في الحجر والشجر والبشر الذي هو دين غالب الناس اليوم، أنه الشرك الذي بعث الله رسوله بالنهي عنه، وقتال أهله ليكون الدين كله لله، ولم يلتفت إلى التوحيد، ولا تعلمه، ولا دخل فيه، ولا ترك فيه الشرك، فهذا كافر نقاتله؛ لأنه عرف دين الرسول ﷺ فلم يتبعه، وعرف دين المشركين فلم يتركه، مع أنه لم يبغض دين الرسول ﷺ، ولا من دخل فيه، ولا يمدح الشرك ولا يزينه.

النوع الثاني: من عرف ذلك، ولكن تبين في سب دين الرسول مع ادعائه أنه عامل به وتبين في مدح من عبد يوسف والأشقر وأبي علي والخضر، وفضلهم على من وحد الله وترك الشرك، فهذا أعظم كفرا من الأول، وفيه قوله تعالى: فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ وممن قال الله فيهم: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ .

النوع الثالث: من عرف التوحيد وأحبه واتبعه وعرف الشرك وتركه، لكن يكره من دخل في التوحيد ويحب من بقي على الشرك، فهذا أيضا كافر وفيه قوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ.

النوع الرابع: من سلِم من هذا كله لكن أهل بلده يصرحون بعداوة التوحيد واتباع أهل الشرك ويسعون في قتالهم، وعذره أنّ ترك وطنه يشق عليه فيقاتل أهل التوحيد مع أهل بلده ويجاهد بماله ونفسه، فهذا أيضا كافر؛ لأنهم لو أمروه بترك صيام رمضان ولا يمكنه ذلك إلا بفراق وطنه فعل، ولو أمروه أن يتزوج امرأة أبيه ولا يمكنه مخالفتهم إلا بذلك فعل.

وأما موافقته على الجهاد معهم بماله ونفسه مع أنهم يريدون قطع دين الله ورسوله ﷺ فأكبر مما ذكرنا بكثير، فهذا أيضا كافر ممن قال الله فيهم: سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَ يَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ والله سبحانه و تعالى أعلم .

( شرح )

بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم و بارك على عبد الله و رسوله نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .. أما بعد :

هذا النقل الذي نقله المؤلف عن إمام الدعوة في الجواب على سؤال الشريف و هو حاكم بلاد الحجاز قبل فتح الدولة السعودية سأل الشريف الشيخ الإمام المجدد عما يقاتل به الناس و عما يكفرون به فأجاب بأن الذين نقاتلهم و أعداؤنا على أنواع أربعة أنواع كفيلة بأن يتدبرها المسلم و طالب العلم و أن يتأملها هذه الأنواع دقيقة و أدلتها واضحة من الكتاب و السنة كما بين الشيخ الإمام المجدد جدير بطالب العلم أن يصقل حسبها و أن يتدبر و يتعمق أربعة أنواع كلها يكفر صاحبها بشيء قد يكون خفيا على كثير من الناس و إن كانت أدلته واضحة.

قال المؤلف الشيخ عبد الرحمن بن الحسن ( وقال شيخنا شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ) هو شيخه و هو جده , هو حفيده عبد الرحمن بن حسن بن محمد ابن الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد الإمام المجدد رحمه الله تعالى.

قال (سألني الشريف ) الشريف كان حاكم الحجاز مكة و جدة و الطائف قبل أن تفتتح الدولة السعودية ثم بعد ذلك فتح الله عليهم الحجاز و طهروها من الشرك الذي كان منتشرا فيها و سائدا فيها  ( سألني الشريف عما نقاتل عليه وما نُكَفِّر به ؟ ) يعني ما هو الشيء الذي تقاتلون عليه الناس و ما هو الشيء الذي تكفرون به؟

فقال في الجواب الإمام ( إنا لا نقاتل إلا على ما أجمع عليه العلماء كلهم ) نقاتل على أي شيء ! ما نقاتل على شيء فيه خلاف؟ نقاتل على شيء مجمع عليه حتى إن الإمام رحمه الله بين في كثير من الرسائل قال إنا لا نكفر تارك الصلاة لأن العلماء ما أجمعوا على تكفيره لا نكفره كفرا أكبر لأن المسألة فيها خلاف و إن كان الصواب أن تارك الصلاة كافر لكن الشيخ قال إنا لا نكفر تارك الصلاة لأن فيه خلاف و لكن نقاتل من نقض الشهادتين من ترك التوحيد هذا نقاتله.

قال ( إنا لا نقاتل إلا على ما أجمع عليه العلماء كلهم ) نقاتل على أمر مجمع عليه ليس فيه خلاف بين أهل العلم ( وهو الشهادتان بعد التعريف، إذا عرف ثم أنكر ) يعني إذا ترك الشهادتين بعد أن عرف و لم يلتزم بالشهادتين و معناهما و ما يلزمهما و ما تقتضيهما و البعد عما يناقضهما هذا ما نقاتل عليه , متى نقاتل عليه ! بعد التعريف إذا عرف ثم أنكر أما إذا كان جاهلا فلا نقاتله حتى نعلمه و نبلغه معنى الشهادتين و أن معناهما توحيد الله و أن الشهادتين تقتضيان أداء الواجبات و ترك المحرمات و أن نواقض الإسلام تنقض هاتين الشهادتين فإذا عرفناه و عرف ثم أنكر كفرناه و قتلناه لأنه ترك التوحيد هذا هو الذي نقاتله.

إذاً يقول الإمام : إنا لا نقاتل إلا على أمر مجمع عليه من أهل العلم و هو الشهادتين , يجب أن يلتزم بالشهادتين ينطق بهما و يعمل بمقتضاهما و يبتعد عن ما يناقضهما بعد التعريف الذي عرفناه و بيناه له فعرف ثم أنكر بعد إذ يكون عدوا لنا نقاتله و نكفره و قد ذكر أنهم أربعة أنواع:

( الأول: من عرف أن التوحيد دين الله ورسوله، وأن هذه الاعتقادات في الحجر والشجر والبشر الذي هو دين غالب الناس أنه الشرك الذي بعث الله رسوله بالنهي عنه، وقاتل أهله ليكون الدين كله لله، ولم يلتفت إلى التوحيد، ولا تعلمه، ولا دخل فيه، ولا ترك فيه الشرك، فهذا كافر نقاتله ) إذن الصنف الأول عرف التوحيد و عرف أن التوحيد دين الله و رسوله و عرف أن ما يفعله الناس و ما يعتقده الناس في الأحجار و الأشجار و البشر و أنهم يدعون من دون الله و يذبح لهم و ينذر لهم الذي هو دين غالب الناس في زمان الإمام أنه الشرك الذي بعث الله رسوله بالنهي عنه و قاتل أهله أن يكون الدين كله لله و لا يلتفت إلى التوحيد و لا يعلمه و لا دخل فيه و لا ترك الشرك فهذا كافر نقاتل عليه.

إذا هذا الشخص عرف التوحيد و عرف الشرك الذي بعث الله رسوله بالنهي عنه و قاتل أهله و مع ذلك لا يلتفت إلى التوحيد و لا يدخل فيه و لا يترك الشرك , عرف التوحيد و لكن لا يعمل به و عرف الشرك و يعمل به هذا هو الذي نقاتله و نكفره , لماذا ! قال ( لأنه عرف دين الرسول فلم يتبعه، وعرف دين المشركين فلم يتركه ) عرف دين المشركين أنه دعاء غير الله و الذبح لغير الله و النذر لغيره و الطواف بغير بيت الله و فعله و عرف أن التوحيد دين الله وأن تصرف العبادة كلها لله لكنه ترك التوحيد و لم يتبعه و عرف التوحيد و لم يتبعه و عرف دين المشركين و لم يتركه فيكون هذا كافر.

( مع أنه لم يبغض دين الرسول، ولا من دخل فيه، ولا يمدح الشرك ولا يزينه ) يعني هذا الرجل كفر و لو كان لا يبغض دين الرسول هو ما يبغض دين الرسول و لا يبغض مكانا دخل في دين الإسلام و لا يمدح الشرك و لا دينه إلا أنه يفعل الشرك و يترك التوحيد ففعله للشرك بعد معرفة أنه شرك و تركه للتوحيد بعد معرفة أنه توحيد يكفره و يقاتل عليه و لا يشترط مع ذلك أنه يبغض دين الرسول و لو كان ما يبغضه و لا يشترط مع ذلك أنه يبغض المسلمين و لا يشترط مع ذلك أن يمدح الشرك و يزين الشرك , هو لا يمدح الشرك و لا يزينه و لا يبغض التوحيد و لا يبغض أهله لكنه فعل الشرك و ترك التوحيد بعد معرفة أن هذا شرك و أن هذا توحيد فهذا كافر يقاتل.

( النوع الثاني: من عرف ذلك ) يعني من عرف التوحيد و أنه دين الله و رسوله و عرف الشرك الذي بعث الله رسوله بالنهي عنه و مقاتلة أهله لكن سب دين الرسول و مدح أهل الشرك الأول فعل الشرك و ترك التوحيد و لا مدح الشرك و لا مدح أهله و لا سب التوحيد و هذا النوع الثاني عرف التوحيد و عرف الشرك لكن سب دين الرسول مع أنه يدعي أنه يعمل بدين الرسول و لكنه يسبه و يمدح من يعبد أصحاب القبور و يفضلهم على الموحدين فهذا أعظم كفرا من النوع الأول , النوع الأول ما سب دين الرسول و لا مدح دين المشركين و لا فضلهم على من يوحد الله و الثاني سب دين الرسول عليه الصلاة و السلام و إن كان يدعي أنه يعمل به و مدح أصحاب القبور و فضلهم على الموحدين هذا أشد كفرا من الأول لماذا ! لأن هذا فيه سب لدين الرسول و مدح لدين المشركين و الأول ما عنده سب و لا مدح لا سب دين الإسلام و لا مدح دين المشركين لكنه يعمل بالشرك و يترك التوحيد و الثاني زاد على ذلك سب التوحيد و سب دين الرسول عليه الصلاة و السلام و مدح الشرك و أهله فصار أشد كفرا من الأول.

و لهذا يقول المؤلف ( من عرف ذلك ولكن تبين في سب دين الرسول مع ادعائه أنه عامل به وتبين في مدح من عبد يوسف والأشقر وأبي علي والخضر ) هذه أسماء معبودين في زمان الشيخ أصحاب قبور أشخاص ماتوا واحد اسمه يوسف واحد اسمه الأشقر و واحد اسمه أبو علي و واحد اسمه الخضر هؤلاء ماتوا ثم عبدهم الناس من دون الله دعوا لهم و ذبحوا لهم و نذروا لهم و طافوا بقبورهم فهو يمدح من عبد هؤلاء و فضلهم على من عبد الله و ترك الشرك ( فهذا أعظم كفرا من الأول ).

ثم ذكر المؤلف الدليل من القران ( وفيه قوله تعالى: فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ) يعني اليهود وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ اليهود يعلمون صدق النبي ﷺ و يعلمون وصفه في كتابهم و كانوا يترقبون خروجه و كانوا يقولون للأوس و الخزج اليهود المقيمون في المدينة كانوا يقولون للأوس و الخزرج إذا حصل بينهم نزاع أو كلام سيخرج نبي هذا أوان مبعثه و سنقاتلكم معه قتل عاد و إرم فالأوس و الخزرج استغلوا هذا الأوس و الخزرج أهل أوثان ما عندهم كتاب و اليهود عندهم كتاب أهل كتاب فلما بعث النبي ﷺ كانوا يظنون أنه من بني إسرائيل و لما ما كان من بني إسرائيل حسدوا و أنكروا فقاتلوا النبي ﷺ الأوس و الخزرج آمنوا بالنبي ﷺ و قاتلوا اليهود مع النبي ﷺ.

فاليهود لما جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ فهم كفروا بأي شيء بالاتباع و الانقياد لا عن جهل فالذي يعلم الحق و يعاند و لا يعمل به كافر , بعض الناس إذا قلت له يا فلان هذا لا يجوز قال أنا أعلم أنه حق معرفتك لا تكفي اتبع و اعمل بالحق لا يكفي كونك تعرف لا بد أن تعرف تعمل و تتبع و تنقاد الدليل فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ  و كذلك الآية الأخرى و هي قوله تعالى الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ يعني الرسول ﷺ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.

و الدليل الثاني  ( و أما من قال الله فيهم  وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ) إذن هؤلاء طعنوا و سبوا دين الرسول عليه الصلاة و السلام فطعنوا في الدين فأمر الله بقتالهم.

( النوع الثالث ) من أنواع المشركين ( من عرف التوحيد وأحبه واتبعه وعرف الشرك وتركه، لكن يكره من دخل في التوحيد ويحب من بقي على الشرك ) هذا النوع الثالث عرف التوحيد دين الرسول و أحبه و اتبعه يعني هو يوحد الله و لا يعبد إلا الله و يحب التوحيد و يتبعه و يعرف الشرك و أن الدعاء و الذبح و النذر لغير الله شرك و يتركه و لكن مع ذلك يكره هذا التوحيد يكره من دخل في التوحيد و يحب من بقي على الشرك فيكون كافرا بهذه المحبة و هذه الكراهة و هو موحد لا يعبد إلا الله و يحب التوحيد و يحب أهله و يتبع التوحيد و يعرف الشرك و يتركه ما يشرك ما يذبح لغير الله و لا يعبد إلا الله يعرف الشرك و يتركه و يعرف التوحيد و يتبعه لكن بقي في قلبه محبة للمشركين و كراهة لأهل التوحيد أهل التوحيد يكرههم و أهل الشرك يحبهم, فصار كافرا بهذه المحبة و هذه الكراهة كراهته لأهل التوحيد و محبته لأهل الشرك كفر الدليل ( قال الله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ) و الذي يحبط عمله هو الكافر من نواقض الإسلام أن من كره شيئا مما جاء به الرسول عليه الصلاة و السلام من كره شيئا من الشريعة فإنه يكفر بهذه الكراهة الدليل ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ  و الذي يحبط عمله هو الكافر و قال تعالى وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ.

إذن الأمر خطير هذه أمور دقيقة تخفى على كثير من الناس شخص موحد في الظاهر يوحد الله يعمل التوحيد و يتبع التوحيد و يعرف الشرك و يتركه يعمل التوحيد و يترك الشرك لكن فعل ناقضا من نواقض التوحيد ما هو هذا الناقض ! محبته لأهل الشرك و كراهته لأهل التوحيد الذي يبقى على الشرك يحبه و الذي يدخل في التوحيد يكرهه فهذه الكراهة لأهل التوحيد و هذه المحبة لأهل الشرك ناقض من نواقض الإسلام انتقض مثل شخص توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج منه بول أو غائط أو ريح فبطلت الطهارة , فكذلك إذا وحد الله و ترك الشرك ثم أحب أهل الشرك انتقضت كلمة التوحيد لا إله إلا الله.

( النوع الرابع ) من أنواع المشركين ( من سلِم من هذا كله ولكن أهل بلده يصرحون بعداوة التوحيد و اتباع أهل الشرك ويسعون في قتالهم، وعذره أنّ ترك وطنه يشق عليه فيقاتل أهل التوحيد مع أهل بلده ويجاهد بماله ونفسه، فهذا أيضا كافر ) قال النوع الرابع عرف التوحيد و أنه دين الرسول و أحبه و أحب أهله و عرف الشرك و تركه وأبغضه و أبغض أهله و لم يسب دين الرسول عليه لصلاة و السلام و لم يمدح دين المشركين لكن ما هو الناقض الذي فعله ! يقاتل أهل التوحيد مع أهل بلده عذره في ذلك أن ترك بلده يشق عليه ما يريد أن يتركه شح ببلده و وطنه لا يريد أن يترك ماله و لا أولاده عنده أموال و عنده أولاد و عنده أراضي و عنده عقارات و عنده بيوت في بلد المشركين و لا يريد أن يترك بلده و يهاجر إلى أهل التوحيد فقدم المال و الوطن فلا يستطيع أن يفارق وطنه و لا يستطيع أن يضحي بماله و بلده و أهل بلده مشركون يقاتلون أهل التوحيد فيقاتل معهم يقال الموحدين مع أهل بلده المشركين و هو موحد و لا يشرك يحب أهل التوحيد و يبغض أهل الشرك لكن عذره ماذا ! عذره المشحة الشح بالمال و الوطن و الأهل فيكون آثر الدنيا على الآخرة قال الله تعالى  ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة لما ذكر مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ۝ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ 

فإذن هذا الناقض ما هو ! إيثار الدنيا على الآخرة , آثر الدنيا على الآخرة و استحب الحياة الدنيا على الآخرة فشح بماله و وطنه و أهله و ماله فكان كافرا بهذا الإيثار.

و هو في ذلك مثل هرقل , هرقل عظيم الروم الذي عرف الحق و لكنه شح بملكه , هرقل معروف أن النبي ﷺ كتب إليه كتابا, معروف الكتاب كما جاء في الصحيح أن النبي ﷺ كتب إلى هرقل من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، السلام على من اتبع الهدى، أما بعد: اسلم تسلم يؤتيك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ لما جاء هذا الكتاب إلى هرقل دفعه الرسول إلى عظيم مصر و عظيم مصر دفعه إلى هرقل و كان هرقل نصرانيا يقرأ التوراة و الإنجيل و يعرف صفة النبي ﷺ ماذا عمل ! قال : هل هنا أحد من العرب من أهل هذا الرجل ! قالوا : نعم في أناس أتوا من مكة, أبو سفيان و أصحابة كانوا في الشام فقال : علي بهم , فجاؤوا فأجلسهم أمامه فقال : أيكم أقرب نسبا من هذا الرجل , فقال أبو سفيان : أنا , فقدمه أمامه و جعل أصحابه خلفه و هو لا يعرف العربية فقال له بواسطة المترجم قل لهم إني سائلك عن هذا الرجل فأخبرني فقال لأصحابه إن كذبني فكذبوه لمن خلفه فجعل يسأله سأله عشرة أسئلة قال هل من آبائه من ملك هل قال أحد بقوله هل أتباعه يزيدون أم ينقصون هل يرتد أحد اعتنق دينه كيف الحرب بينكم و بينه أسئلة عشرة فأجاب , أبو سفيان يقول أنا أريد أن أكذب لكن ما استطيع أن أكذب فقد يكذبوني و يؤثر عني الكذب فهو يكره الكذب و هو على شركه و كثير من المسلمين الآن يكذبون و لا يبالون , أبو سفيان و هو مشرك لم يستطع أن يكذب خشية أن يؤثر الناس عنه الكذب إلا أنه قال ما وجدت مسألة أدخل فيها أتوسع فيها بعض الشيء إلا أنه قال كيف الحرب بينكم قلت سيان يدال علينا و ندال عليهم إلا أنه في مدة لا ندري ما هو صانع فيها هذه توسع فيها ما ندري ماذا سيحصل في المستقبل, فأجاب عن هذه الأسئلة كلها هرقل و قال : هذا هو نبي هذه الأئمة هذا نبي إن كان ما قلت حقا فهو نبي و ما كنت أظنه سيخرج فيكم, و إن كنت صادقا فسيملك موضع قدمي هاتين و لو قدرت أن أخلص إليه لغسلت عن قدميه ثم أخرجوا بالقوة حصل لغط فلما خرجوا أمر هرقل بالعظماء و عساكرة الروم أن يجتمعوا جمعهم في مكان معد لذلك مكان واسع فاجتمعوا كلهم فأمر بالأبواب فأغلقت كلها أغلق الأبواب و أخذ المفاتيح و وضعها أمامه فلما اجتمعوا اطلع عليهم من فوق من الأعلى هم أسفل و هو فوقهم هذا من العلو و الكبرياء فقال لهم : يا معشر الروم أتعلمون أن ما ذكر في كتابكم من صفة النبي و أن هذا هو النبي الذي بعث هل لكم بسعادة الدنيا و الآخرة فنتبع هذا النبي و نؤمن به و نتابعه, إنه النبي الحق الذي تعلمون و جعل يبين لهم لينظر ماذا يعملون الآن هو محتاط لنفسه جعل المفاتيح أمامه فحاصوا حيصة الحمر ما أعجبهم كلامه حاصوا حيصة الحمر إلى الأبواب ما أعجبهم هذا الكلام يريدون قتله يخرجون ثم يقتلونه فوجدوا الأبواب قد غلقت ما في حيلة حاصوا حيصة الحمر نكصوا إلى الأبواب يريدون قتله و خلعه فلما رأى ردة فعلهم قال ردوهم علي يعني في كلام آخر ردوهم علي فسمعوا مرة أخرى فاطلع عليهم من فوق , فقال : إنما قلت هذا الكلام أريد أن أعرف صبركم على دينكم و ثباتكم على دينكم أريد أن أعرف هل عندكم تحمس لدينكم أم لا و الآن عرفت فسجدوا له و رضوا عنه , قال النبي ﷺ لما بلغه ضن الخبيث بملكه يعني شح بخل بملكه آثر الدنيا على الآخرة قدم الملك على دين الله. فهرقل كفره بأي شيء ! كفره بإيثار الدنيا على الآخرة قال النبي ﷺ لما بلغه ضن الخبيث بملكه  قال ضن يعني شح و بخل ضن الخبيث بملكه  يعني شح بملكه و قدم ملكه و آثر الحياة الدنيا على الآخرة.

و كذلك هؤلاء الصنف الثاني كفرهم من صنف كفر هرقل الصنف الرابع يعمل بالتوحيد يعلم التوحيد و يعمل به و يترك الشرك و لا يسب التوحيد و لا يسب أهل الإسلام و لا يمدح أهل الشرك لكن آثر الدنيا على الآخرة شح بماله و وطنه و أهل وطنه أهل شرك و لا يريد أن يترك دينه فلما قاتل أهل بلده الموحدين قاتلهم معه فصار مشركا كافرا بهذا انظر كلام المؤلف قال ( النوع الرابع من سلِم من هذا كله لكن أهل بلده يصرحون بعداوة التوحيد و اتباع أهل الشرك ويسعون في قتالهم، وعذره أنّ ترك وطنه يشق عليه فيقاتل أهل التوحيد مع أهل بلده ويجاهد بماله ونفسه، فهذا أيضا كافر ) وضح الآن بأن كفره بإيثار الدنيا على الآخرة و الشح بماله و تقديم المال و محبة المال و الوطن على دين الله و على التوحيد.

و المؤلف رحمه الله يذكر نظائر قال و نظائر ذلك ( لأنهم لو أمروه بترك صيام رمضان ولا يمكنه ذلك إلا بفراق وطنه فعل ) لو قالوا إما تترك الصيام و إلا تترك أهلك و بلدك و مالك يترك الصيام يعني يقدم المال آثر ماله ( ولو أمروه أن يتزوج امرأة أبيه ولا يمكنه مخالفتهم إلا بذلك فعل ) قالوا إما تتزوج امرأة أبيك و إلا تترك ماله نخرجك يتزوج امرأة أبيه و الزواج من امرأة الأب إذا استحله كفر.

و يقول ( وأما موافقته على الجهاد معهم بماله ونفسه مع أنهم يريدون قطع دين الله ورسوله ﷺ فأكبر مما ذكرنا  بكثير ) يعني كونه الآن يوافق أهل بلده على جهاد أهل التوحيد بماله و نفسه و هم يريدون إطفاء نور الله يريدون إزالة التوحيد فهذا أمر عظيم, فقال المؤلف ( فهذا أيضا كافر ممن قال الله فيهم: سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا  ) الشاهد من الآية قال فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ ) يعني إذا لم يكفوا عن القتال فاقتلوهم و هذا يقاتل مع أهل بلده , يقاتل التوحيد مع أهل بلده و دليل آخر أيضا قوله تعالى ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ .

( متن )

فصل في إيذاء أهل الباطل لأهل الحق :

وهذا شروع في الجواب المشار إليه سابقا، وقد كنت عزمت أن أتتبع كلامه وأجيب عنه تفصيلا، ثم إنه عرض لي ما يجب أن يكون هو المقصود بالذات مما قدمته حماية لجانب التوحيد والشريعة.

ثم بدا لي أن أقتصر في جواب الرجل لما في الاقتصار من رعاية الصبر والاصطبار؛ لأنا لو أجبناه بكل ما يليق في الجواب لم نسلم من أمثاله ممن ينسج على منواله، كما هو الواقع من أكثر البشر قديما وحديثا مع كل من قام بالحق أو نطق بالصدق. فكل من كان أقوم في دين الله كان أذى الناس إليه أسرع والعداوة له أشد وأفظع. وأفضل خلق الله رسله وقد عالجوا من الناس أشد الأذى، حكمة بالغة. قال الله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة جدا. ينبئك عن تفصيل هذا ما ذكره الله تعالى في كتابه عن أنبيائه لما دعوا أممهم إلى التوحيد كيف قيل لهم؟ وما خوطبوا به؟.

وتأمل ما جرى لخيار هذه الأمة كالخلفاء الراشدين و سادات أصحاب سيد المرسلين من أعدائهم كالرافضة والخوارج ونحوهم، وما جرى لأعيان التابعين ومن بعدهم من أعيان الأئمة كالإمام أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح وأحمد بن نصر الخزاعي وأمثال هؤلاء ممن لا يمكن حصرهم، ولو ذكرنا جنس ما جرى لهم من الأذى لطال الجواب. والقصد هو الاقتصار، ومن أراد الوقوف على ذلك فعليه بالسيَر والتاريخ ولله درّ أبي تمام حيث يقول:

وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود

وقال أبو الطيب:

وثبات صدقك عند الناس كذبهم وهل يطابَق معوج بمعتدل؟

إذا علمت ذلك، فإن هذا الرجل ذكر عن الشيخ عبد الرحمن بن حسين أنه لا يصلي بهم، ولا يقدم من يهوونه، ولا يقطع خصومة، وعدوه من نظر في كتاب أو نطق بصواب. هذا كلامه فيه. عد هذه الأمور من المثالب والبصير إذا تأمل رآها من المناقب؛ لأن المسلم لا يجوز أن يحمل إلا على الخير فيما خفي عذره فيه حتى يتبين ما يرفع الاحتمال. وهذه العيوب الخمسة محتملة لأمور:

(الأول) : منها يحتمل أنه فعله تأثما من الصلاة بالناس لعذر خفي يوجب ذلك، فإن الأعذار عن الإمامة كثيرة.

(الثاني) : يحتمل نصحه لهم فيختار لهم من يصلح لذلك المقام، ونظره لهم خير من نظرهم لأنفسهم.

(والثالث) : فيه التثبت في الفتيا بالنظر والتأمل والمراجعة في كتب الأحكام، وهذا مطلوب من كل مفتٍ لا سيما في هذا الوقت.

(والرابع والخامس) : فيه حماية جانب العلم عمن يجهل، ولا يدري أنه يجهل، والمطلوب سد أبواب الاختلاف في أحكام الدين، فإن الله ذمه في كتابه، فإذا حمل مثله على غير ذلك أوقع في اغتياب المسلم، وقد حرمه الله في كتابه، فإن عده المغتاب له نصيحة فقد أحل ما حرمه الله ورسوله، وهو أمر عظيم، وفيه تشيين المسلم بما يحتمل ضد ذلك.

( شرح )

هذا الفصل يقول المؤلف رحمه الله أن هذا الفصل أعده للرد على هذا الرجل الذي يحسن الشرك و يدعو إليه الرجل الذي قال إنه من أهل الخرج و هو غير معروف قال ( وهذا شروع في الجواب المشار إليه سابقا ) شروع في الجواب الرد على هذا المشرك ( وقد كنت عزمت أن أتتبع كلامه وأجيب عنه تفصيلا، ثم إنه عرض لي ما يجب أن يكون هو المقصود بالذات مما قدمته حماية لجانب التوحيد والشريعة ثم بدا لي أن أقتصر في جواب الرجل ) يعني يقول المؤلف رحمه الله كنت عزمت على أن أرد عليه ردا مفصلا أتتبع كلامه و أرد عليه ردا مفصلا هذا الرجل الذي من أهل الخرج و لم يسم له كلاما في تحسين الشرك فيقول الشيخ ابن الحسن رحمه الله كنت عزمت على أن أكتب جوابا مفصلا و أتتبع كلامه جملة جملة و أرد عليه قال ثم تغير الرأي بدا لي ( ما يجب أن يكون هو المقصود بالذات مما قدمته حماية لجانب التوحيد والشريعة  ) يعني بدا لي أن أركز على بيان التوحيد و بيان الشرك و أركز على المقدمة التي ذكرها لأن هذا هو المقصود بالذات ثم بدا له رأي آخر و هو أن يختصر في جوابه على الاختصار يرد عليه لكن باختصار, قال ( لما في الاقتصار من رعاية الصبر والاصطبار ) يقول ( لأنا لو أجبناه بكل ما يليق في الجواب لم نسلم من أمثاله ممن نسج على منواله، كما هو الواقع من أكثر البشر قديما وحديثا مع كل من قام بالحق أو نطق بالصدق ) يقول لو أجبناه تفصيلا لخرج آخر أيضا يأتي بنفس الشبه و نحتاج إلى أن نرد عليه فلذلك راعينا الاختصار على الجواب المجمل لأن أمثاله كثير من أهل الشرك الذين يحتاجون إلى رد فنكتفي فيه بالاختصار.

يقول المؤلف ( فكل من كان أقوم في دين الله كان أذى الناس إليه أسرع والعداوة إليه أشد وأفظع ) و الرسل في ذلكم هم القدوة كلما كان الإنسان مستقيما على صراط الله و دينه اشتد البلاء له لذلك قال النبي ﷺ  أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على قدر دينه؛ فإن كان في دينه صلابة شدد، و إن كان في دينه رقة خفف عنه و لهذا قال المؤلف رحمه الله ( فكل من كان أقوم في دين الله  ) كلما كان الإنسان مستقيما على دين الله (كان أذى الناس إليه أسرع والعداوة له ) يعني من الناس ( أشد وأفظع ).

و القدوة في ذلك الرسل و لهذا قال ( وأفضل خلق الله رسله وقد عالجوا من الناس أشد الأذى، حكمة بالغة ) لحكمة من الله ابتلاء و امتحان و ليكونوا قدوة للناس فالأنبياء أوذوا , هذا نوح مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما هذه مدة الدعوة و يدعوهم ليل نهار و لا يمل و لا يكل و هم مع ذلك لا يزيدون إلا نفورا و شدة قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا ۝ فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا ۝ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ۝ ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ۝ ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا ۝ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا صبره عظيم و هو يزدادون شدة و عنادا و عتوا حتى إن الأجداد يوصون الأحفاد بالكفر بنوح و العياذ بالله و لم يؤمن في هذه المدة الطويلة إلا عدد قليل و هم الذين ركبوا في السفينة عدد قليل محدود حتى قال الله لنوح في آخر الأمر وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ ما في زيادة فعند ذلك دعا عليهم لما أخبره الله أنه ليس هناك زيادة و لا حيلة وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ۝ إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا.

و بعض الأنبياء قتل , قتل زكريا قتل يحيى و غيرهم فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ.

و نبينا عليه الصلاة و السلام ماذا جرى له مع المشركين ! جرى له شدة خنقه أبو جهل فجاء أبو بكر و أزاله و قال أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ و نهوه عن الصلاة و رموا الجزور على ظهره و تآمروا على قتله و اختفى في الغار ثلاثة أيام حتى أمره الله بالهجرة و أوذي أصحابه أذى شديدا وأوذي بلال بن رباح و عمار بن ياسر و أمه سمية أوذوا أذى شديدا و جرح عليه الصلاة و السلام يوم أحد و كسرت رباعيته و سقط في حفرة و صاح الشيطان إن محمدا قد قتل و لحقه المشركون و معه عدد من أصحابه حتى قال من يردهم عنا و له الجنة فقتل واحد بعد واحد و لم يبق إلا قلة و بكى طلحة بن عبيد الله يده عليه يتقي بها و لا يحركها حتى شلت يبست, الرصاص تضرب في يده و يقي بها النبي ﷺ.

فالأنبياء أشد الناس بلاء و مع ذلك صبروا و لما دعا على بعض المشركين أنزل الله لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ فأسلموا كلهم و آمنوا بالله.

و لهذا قال المؤلف رحمه الله ( فكل من كان أقوم في دين الله كان أذى الناس إليه أسرع والعداوة له أشد وأفظع. وأفضل خلق الله رسله وقد عالجوا من الناس أشد الأذى، حكمة بالغة ) يعني هذه حكمة بالغة. قال ( قال الله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً ) و في الآية الأخرى وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًاكيف قيل لهم و ما خوطبوا به كما ذكرنا في قصة نوح ماذا قال نوح و بماذا خاطبوه.

قال ( وتأمل ما جرى لخيار هذه الأمة  ) بعد الرسل ( كالخلفاء الراشدين و سادات أصحاب سيد المرسلين من أعدائهم كالرافضة والخوارج ونحوهم ) ماذا حصل لعلي بن أبي طالب و هو من الخلفاء الراشدين الأربع و من المبشرين بالجنة سلط عليه الخوارج و قاتلوه حتى قتلوه قتلوا عليا قتله عبد الرحمن بن ملجم و هو خارج إلى صلاة الفجر قتله بسيف مسموم ضربه على رأسه و هو في قتله يتمنى يرى أنه يتقرب من الله هذا الخارجي الذي قتل عليا , قتل عليا من الخلفاء الراشدين و من أهل بيت النبوة و من المبشرين بالجنة قتله هذا الخارجي و هو يتقرب به إلى الله, و العياذ بالله, فهذه الآراء الفاسدة و هذه الاعتقادات السيئة في فهم النصوص أوصلت الخوارج إلى هذا يقتلون الصحابة و يتقربون بذلك إلى الله يرون أنهم يتقربون إلى الله و أنهم بهذا يدخلون الجنة و العياذ بالله.

ماذا جرى ! جرى لأفضل الناس بعد الأنبياء كالخوارج و الروافض و كذلك الروافض ما جرى مع أهل الإسلام الذين غلوا في علي حتى قتلهم أتباع عبد الله بن سبأ, و خد لهم الأخدود و هي الحفر في الأرض و أضرمها نارا ثم ألقاهم فيها.

قال ( وما جرى لأعيان التابعين ومن بعدهم من أعيان الأئمة كالإمام أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح وأحمد بن نصر الخزاعي وأمثال هؤلاء ممن لا يمكن حصرهم ) الإمام أحمد امتحن في القول بخلق القرآن و سجن و ضرب و كذلك محمد بن نوح و أحمد بن نصر الخزاعي منهم من قتل و منهم من مات في السجن و منهم من مات في الطريق و الإمام أحمد رحمه الله ثبت ثبات الجبال الراسيات يضرب و يسجن و يسحب و يغمى عليه و هو ثابت فقط ليقول كلمة يتأول يقول التوراة و الإنجيل و الزبور و القرآن مخلوقات فيقول كلام الله منزل غير مخلوق و يصبر على ذلك حتى فرج الله له امتحن و خرج من المحنة كالذهب النفيس الصافي فصار إمام أهل السنة و الجماعة.

قال المؤلف رحمه الله ( ولو ذكرنا جنس ما جرى لهم من الأذى لطال الجواب. والقصد هو الاقتصار، ومن أراد الوقوف على ذلك فعليه بالسيَر والتاريخ ) يقول أخبار الأئمة و العلماء و ثباتهم على الدين و ما جرى لهم من المحن أخبار كثيرة يطول المقام ولكن عليكم أن ترجعوا إلى كتب التاريخ و كتب السير.

( ولله درّ أبي تمام حيث يقول:

وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود

هذا من الحكم يقول أبو تمام : إذا أراد الله نشر فضيلة أتاح لها لسان حسود فالإمام أحمد حسد حسدوه فنشر الله فضليته و طال صيته و صار إمام أهل السنة و الجماعة

وقال أبو الطيب: ( وثبات صدقك عند الناس كذبهم ) كأن المقصود تكذيبه , تكذيب الناس لك هذا دليل على صدقك

وثبات صدقك عند الناس كذبهم وهل يطابَق معوج بمعتدل؟

معنى البيت أن تكذيب الناس لك و أنت صادق هذا يثبت صدقك ( وهل يطابَق معوج بمعتدل ) يعني هل يساوي المعوج بالمعتدل.

 ثم بعد ذلك  بدأ يرد على هذا الرجل من أهل الخرج ( إذا علمت ذلك، فإن هذا الرجل ذكر عن الشيخ عبد الرحمن بن حسين ) افترى عليه افترى على أهل العلم و منهم الشيخ عبد الرحمن بن حسين قال ( إنه لا يصلي بالناس ولا يقدم من يهوونه، ولا يقطع خصومة، وعدوه من نظر في كتاب أو نطق بصواب ) يعني هذا الرجل الذي من الخرج يسب العلماء و يفتري عليهم و يتهمهم بالتهم أجاب المؤلف رحمه الله على هذه التهم الذي اتهم بها هذا المشرك الشيخ عبد الرحمن بن حسين قال إنه لا يصلي بالناس و لا يقدم من يهدونه و لا يقطع خصومة، وعدوه من نظر في كتاب أو نطق بصواب.

يقول المؤلف رحمه الله ( هذا كلامه فيه عد هذه الأمور من المثالب ) ولكنها من المناقب هذه الأمور التي اتهمه بها و عدها من المعايب هي من المحاسن قال ( والبصير إذا تأمل رآها من المناقب لأن المسلم لا يجوز أن يحمل إلا على الخير فيما خفي عذره فيه حتى يتبين ما يرفع الاحتمال ) يعني الإنسان ينبغي له أن يحسن الظن في أخيه لمسلم و يبحث عن المحامد الحسنة التي يحملها و لذلك يروى عن عمر أنه قال ( لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك شرا و أنت تجد لها من الخير محملا ) أو كما قال.

فالمؤلف يقول رحمه الله هذه المسائل التي عدوها لها جواب لها تخريج لها محامد و أنت حينما يخفى عليك عذر أخيك لا تحملها على المحامل السيئة قد يكون له عذر و أنت لا تعلم يقول المؤلف إن المسلم لا يجب أن يحمل إلا على الخير فيما خفي عذره حتى يتبين ما يرفع الاحتمال.

( وهذه العيوب الخمسة محتملة لأمور:

(الأول) : منها يحتمل أنه فعله تأثما من الصلاة بالناس لعذر خفي يوجب ذلك ) قال إنه لا يصلي بالناس , فلان يقول إن فلان لا يصلي بالناس لماذا لا يصلي بالناس ! قال المؤلف رحمه الله يمكن له عذر ما تدري عنه قد يكون له عذر خفي عليك أوجب ذلك قد يكون به سلس البول منع أنه يتقدم بالناس و لذلك تأخر قد يكون له عذر و أنت لا تعلم.

الأمر الثاني ( يحتمل نصحه لهم و طلبا للسلامة من تبعة ذلك ) يعني ما صلى بهم نصحا للأمة و طلبا للسلامة من أن يتحمل تبعات المأمومين و هذا رأيه قد يكون هذا عذر له.

و الثالث قوله كأنه يقول ( و لا يقطع الخصومة ) كأنه يقول لا يفتي الناس ( النظر في الكتاب و النطق بالصواب ) هذه العبارة فيها ما فيها فهي ليست واضحة فيها سقط فيفهم من الجواب أنه لا يجيب في الفتيا حتى يتأمل يسألونه و لا يجيبهم حتى يتأمل. و قال ( و أما الثالث فيه التثبت في الفتيا ) التثبت في الفتيا يتحقق ما يسرع في الجواب ( فإن الإفتاء في دين الله بلا علم حرام فلا بد من المفتي و القاضي من التأمل و المراجعة و إلا أصيبت مقاتله ) فهم عدوه من العيب كونه يسأل و لا يجيب يقول يمكن يراجع المسألة يحتاج إلى تثبت فالإنسان لا بد أن يراجع و يتأمل و إلا أصيبت مقاتله.

قال ( و العامة لا يعجبهم ذلك و العالم عندهم من يبادرهم بالحكم و الإفتاء من غير تأن و لا مراجعة و هذا من فرط جهلهم و عدم علمهم كما يتبين من حال هذا المعترض ) العوام لا يعجبهم طالب العلم الذي لا يجيب و يقول أمهلوني المسألة تحتاج إلى تأمل أمهلوني لمراجعة مع أهل العلم ما يعجبهم أعطنا الجواب في الحال ما يعجبهم إلا من يجيب في الحال, ينبغي للإنسان أن يتأمل الشيء الذي لا يعلمه يتأكد منه و لا يجيب يتأمل و يصبر حتى يعيده في وقت آخر فالعامة لا يعجبهم هذا يعجبهم من يجيب في الحال الذي يجيب في الحال و لهذا قال ( و العامة لا يعجبهم ذلك و العالم عندهم من يبادرهم بالحكم و الإفتاء من غير تأن و لا مراجعة و هذا من فرط جهلهم و عدم علمهم.

  و أما الرابع والخامس فيه حماية جانب العلم عن الجهال الذين لا يعلمون و لا يعلمون أنهم لا يعلمون فإن صيانة العلم عن تخبيط الجاهلين أمر لا بد منه ) يعني الاحتمال الثالث و الرابع فيه حماية جانب العلم و صيانته , المؤلف رحمه الله كانت المسائل غير واضحة كأن فيها سقطا قوله ( و لا يقطع خصومه و عدوه من نظر في كتابه و نطق بصواب ) كأن معنى ذلك أنه لا يجيب في الحال و عدوه من نظر في كتاب أو نطق بصواب عدوه الذي ينظر في الكتاب كيف هذا ! المؤلف يقول هذا فيه حماية لجانب العلم و صيانة عن مثل هؤلاء الجهال الذين لا يعلمون و لا يعلمون أنهم لا يعلمون الذي لا يعلم و لا يعلم أنه لا يعلم ما هو ! هذا الجاهل المركب.

الجاهل نوعان جاهل بسيط و جاهل مركب.

فالجاهل البسيط الشخص الذي لا يعرف , لا يعرف مثلا مسألة.

لكن الجاهل المركب لا يعلم و لا يعلم أنه لا يعلم هذا جاهل مركب هو لا يعلم و مع ذلك لا يعلم أنه لا يعلم أما الجاهل البسيط لا يعلم فقط و الجاهل المركب لا يعلم و لا يعلم أنه لا يعلم.

إن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

 قال ( فإن صيانة العلم عن تخبيط الجاهلين أمر لا بد منه ).

إلى أن قال ( فانظر فيما حصل لأمثالهم ممن تتبع الرخص و استدل ببيتي العلم قال الله وقال رسوله, فالعلم يؤخذ من كتاب الله و كلام رسوله و أقوال أهل العلم تعرض على الكتاب و السنة ما وافقها قبل و ما خالفها رد يقول ( و هذا الأمر في الناس أفسد من دعواهم العلم على كثيرة من العامة لما قلدوهم في هواهم أحسنوا بهم الظن وفاقا لدنياهم ) يقول بعضهم أنصاف المتعلمين أفسدوا العلم على العامة لأنهم يدعون العلم و العامة يقلدونهم و هم أنصاف متعلمين و يحسنون الظن بهم و يوافقونهم على دينهم و أنصاف المتعلمين يفتون العلماء و يوافقونهم على دينهم و يبررون ما عليه الناس و الناس يتبعونهم و ينبسطون منهم, فهؤلاء هم الذين أفسدوا العلم.

قال ( فتأمل ما ذكرت تجد ما ذكرناه واقعا و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ) .

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد