بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين :
( متن )
( شرح )
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و صلى الله وسلم و بارك على عبد الله و رسوله نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين، أما بعد :
فإن المؤلف الشيخ عبد الرحمن بن حسن حفيد الإمام المجدد إمام الدعوة محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بين في هذه الرسالة في رده على هذا الرجل من أهل الخرج الذي يحسن الشرك و يدعو إليه, و بين أن هذا الرجل ممن يدعو إلى الباطل بعد معرفة الحق و قال إن هذا الرجل لا يخلو من حالتين إما أن يكون من أبله الناس و أشدهم غباوة و أجهلهم بالناس, و إما أن يتعمد الكذب و قال إنه من المعلوم الواجب على المسلم النصح بولاة الأمور و المبادرة بالحق و أن الأئمة كانوا يوصون بالسمع و الطاعة لولاة الأمور في طاعة الله و يوصون بتقوى الله و العمل بكتابه و سنة رسوله و اتباع شرعه و تنفيذ أحكامه و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و أن هذا من فضل الله تعالى على هذه الأمة و على أهل هذه الدعوة و على الناس.
و قال إن العداوة لها أسباب من أعظمها اختلاف الدين و أن الناس إنما يتميزون بأعمالهم لا بالأقوال, و أنه رب ناطق بالحق و هو لا يحبه و لا يقبل أهله بل ربما نطق بالحق و هو لا يعرف حقيقة ما يقوله.
ثم نصح لأئمة المسلمين أن يبذلوا جهدهم في خدمة الدين و يصرفوا الهمة في معرفة التوحيد بالصدق و اليقين و أن يحملوا الناس على ذلك و يجاهدوهم و يحبوا في ربهم و يبغضوا له و يعادوا لأجله و يوالوا فيه و هذا هو الولاء و البراء الذي هو أصل من أصول الدين.
ثم قال وليحذروا من أمور ثلاثة توجب الذم و الإثم والعقوبة و ليحذروا من أمور ثلاثة هذه نصيحة من الإمام يحذر من أمور ثلاثة توجب الذم و الإثم و العقوبة:
الأمر الأول ترك الحق بعد ظهوره و تبينه إذا عرف الحق و ظهر له و عرف دليله ثم تركه فإن هذا يوجب الذم و العقوبة و هذه هي طريقة اليهود و العياذ بالله يعرفون الحق ثم يتركونه و لا يتبعونه قال الله تعالى عنهم الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ و قال سبحانه فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ فترك الحق بعد ظهوره و تبينه هذا هو الضلال و العياذ بالله, يترك الحق فيكون غاويا و بذلك يكون الإنسان مغضوبا عليه و العياذ بالله و هذه هي طريقة اليهود عندهم علم و لم يعملوا به و من فسد من علماء هذه الأمة فيهم شبه باليهود بخلاف النصارى فإن سبب ضلالهم الجهل يتعبدون بالجهل و الضلال و إن كان من النصارى من عنده علم و من فسد من عباد هذه الأئمة فله شبه بالنصارى كالصوفية و من يعبد الله على جهل و ضلالة.
الأمر الثاني التقصير في طلبه فلا يتبين له , التقصير في طلب الحق يقصر الإنسان في طلب الحق ما يفعل الحق و لا يسأل عنه و لا يسلك الطريق الموصلة إليه عنده تقصير و هذا يدل على ضعف الهمة و ضعف الإيمان و نقص الإيمان لو كان إيمانه قويا لطلب الحق و بحث عنه و لا شك أن من قصر في طلب الحق يذم.
و الأمر الثالث الإعراض عن طلب معرفته لهوى أو كسلا أو غير ذلك, الإعراض عن معرفة الحق لأجل هوى في نفسه لأنه لا يريد أن يعرف الحق لأجل أن لا يعمل به و هذا يقوله بعض الناس يقول ما أريد أن أسأل أخشى إذا سألت ألزمني المفتي بالعمل و أنا لا أريد أن أعمل هذا لا يجوز و الجهل أنواع كما بين أهل العلم , هو الذي لا يجد من يجيبه يريد الحق و يريد معرفة الحق و لكنه لم يجد من يجيبه.
الجهل أقسام: جهل يمكن صاحبه أن يتعلم أو أن يسأل لكنه معرض فهذا لا يعذر.
الثاني شخص لا يريد الحق و لا يسأل عن الحق و لكن لو أراد أن يعرف الحق لم يجده فهذا أيضا غير معذور لأنه ليس عنده إرادة هو لا يريد الحق و لا يطلبه و لا يسأل عنه و لكن في الواقع إذا أراد الحق لم يجده فهذا لا يعذر أيضا و إن كان لا يجد الحق بسبب نيته كونه لا يريد و بسبب إعراضه و رفضه للحق,.
و الشخص الثالث شخص يريد الحق و يبحث عنه و يسعى له و لكن عجز و لم يجد من يرشده للحق فهذا معذور كما ذكر ذلك العلامة ابن القيم و غيره من أهل العلم.
فالجهل أقسام : جاهل لا يريد الحق و لا يريد معرفته فهذا لا يعذر , و جاهل يستطيع أن يسأل لكنه أعرض و لم يسأل هذا لا يعذر , و جاهل لا يريد معرفة الحق من الأساس فهذا لا يعذر فهذه الأمور الثلاثة.
يقول الشيخ رحمه الله فليحذروا من أمور ثلاثة توجب الذم و الإثم و العقوبة الأول ترك الحق بعد ظهوره و تبينه هذا ظهر له الحق لكن تركه و الثاني قصر في طلب الحق و التقصير في طلبه ليتبين له, يعني شخص يستطيع أن يتعلم و أن يرفع الجهل عن نفسه لكنه لم يطلب المعرفة و لم يطلب العلم فهذا لا يعذر تقصير في طلبه ليتبين له ما طلب و لو طلب لوجد من ينبهه لو أراد لسأل يجد من يسأله من أهل العلم و لكنه لا يريد أن يسأل فهذا معناه أنه قصر في طلب الحق ما عنده إرادة و الثالث معرض أعرض عن طلب الحق أعرض لهوى شحة بأهله أو وطنه أو ماله أو لأجل الكسل فهذا أيضا لا يعذر.
و لهذا يقول المؤلف رحمه الله هذه الثلاثة الأشياء هي الآفة العظمى ومن أجلها يضيع الدين لا شك أنها تضيع الدين الشخص الذي يترك الحق رغم ظهوره ضيع الدين و الشخص الذي لا يطلب الحق و هو يستطيع معرفة الحق كذلك و الشخص الذي يعرض و عنده إعراض و ظهور و غفلة من أجل الكسل أو من أجل الهوى كذلك ضيع الدين و هذه الثلاثة الأشياء هي الآفة العظمى و من أجلها يضيع الدين.
قال المؤلف رحمه الله و قد انقسم الناس في هذا الزمان إلى هذه الأقسام يعني الثلاثة و كل قسم منهم معجب في نفسه و يظن أنه في رتبة الكمال من العلم و الدين و هذا من خبط الشيطان و غروره و لا حول و لا قوة إلا بالله, كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ كل واحد من هذه الأقسام الثلاثة يظن أنه مصيب و أنه معجب برأيه هذا الذي يرفض الحق بعد ظهوره معجب يرى أنه حر و أنه لا يجب عليه أن يعمل فلهذا لا يعمل بالحق و الثاني معجب بتقصيره جاهل لكنه معجب بتقصيره ما يسأل و لو سأل لوجد الحق لكنه معجب بما هو عليه و الثالث معجب بإعراضه و كسله يقول المؤلف رحمه الله و قد قال الله تعالى ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ هذه الآية فيها أن الله تعالى أمر باتباع الشريعة و نهى عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون قال ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) فالواجب على الإنسان أن يعمل بما بلغه من الشرع و الواجب عليه أن يحذر من اتباع الهوى فإن الهوى يعمي المبصر و يصرف عن الحق فالواجب على الإنسان أن يعمل بالشرع و أن ينقاد لشرع الله و دينه و لو كان مخالفا لهواه و ليحذر من اتباع الهوى قال الله تعالى يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ و لهذا قال المؤلف رحمه الله فتأمل هذه الآية و ما فيها من الامتنان و الترغيب في اتباع ما جعله الله عليه مما شرعه له ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا هذه نعمة من الله بها على عباده , و ما فيها من التحذير و الإنذار من اتباع الهوى.
قال فما أعظم خطر هذا و ما أحوج العبد لذلك خصوصا إن نظر العبد بعين البصيرة إلى ما انتحله أكثر الناس من الشرك بعبادته إذا نظر بعض الناس يتبعون بهوى و تجده ينتحل الشرك يعني يدين بالشرك و لا يبالي في عبادة الله و ما جرى عليه من أنواع الظلم و الفساد.
قال فما أكثر المغرورين بالجهل و الأهواء و طاعة النفس و الشيطان يعني كثير من الناس غرهم بالله الغرور غرهم الشيطان و غرتهم النفس الأمارة بالسوء و غرهم الجهل و اتباع الهوى.
قال و قد حدثت هذه الأمور في هذه الأمة في زمن من سلف من الأئمة و بينوا ذلك و أنكروا و حذروا و بينوا رحمة الله عليهم كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله :
ولقد رأينا من فريق يدعي | الإسلام شركا ظاهر التبيان |
يعني رأينا فريقا من الناس يدعي الإسلام و لكنه يدعو إلى الشرك, مثل ما يفعل كثير من عباد القبور الآن تجده يدعو الميت و يذبح له و ينذر له فإذا نهيته عن الشرك قال هذا ليس بشرك هذا توسل ناجم عن المحبة و هذا من الصالحين نعطيهم حقهم و لا نتنقصهم هذه محبة وتشفع لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ هذا و العياذ بالله حال بعض الذين ابتلوا بعبادة أصحاب القبور يدعون الإسلام و هم يعملون الشرك الظاهر:
ولقد رأينا من فريق يدعي | الإسلام شركا ظاهر التبيان |
هناك فريق يدعي الإسلام يعمل الشرك الظاهر قال :
جعلوا له شركاء والوهم وسو | وهم به في الحب لا السلطان |
يعني جعلوا لله شركاء و والوهم بالله لم يشبهوه بالسلطان يعني بالخلق و الرزق و الإماتة و الإحياء و التدبير لا ساووهم في المحبة في الحب ساووهم في المحبة و التعظيم و الإجلال و هذا الجهال لم يساووهم في الخلق ما قالوا إنهم يخلقون أو يرزقون أو يميتون أو يحيون أو يدبرون أو لهم تدبير مع الله أو لهم سلطان , لا , ساووهم في الحب كما قال الله تعالى عن أهل النار أنهم قال بعضهم لبعض لما كانوا في النار تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ فالعلماء لم يساووهم برب العالمين في الخلق و الرزق و الإماتة و الإحياء و إنما ساووهم في الحب و التعظيم, و الحب و التعظيم يقتضي الطاعة و الامتثال و العلامة ابن القيم رحمه الله قال :
ولقد رأينا من فريق يدعي | الإسلام شركا ظاهر التبيان |
جعلوا له شركاء والوهم وسو | وهم به في الحب لا السلطان |
جعلوا له شركاء في الطاعة و الامتثال لا تصلح إلا للخالق و الإماتة و الإحياء قال :
و الله ما ساووهم بالله | بل زادوا له حبا بلا كتمان |
و الله ما ساووهم بالله في الرزق و الإماتة و الإحياء و الخلق بل زادوا له حبا فأحبوهم أشد من حب الله كما قال الله تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ بل زادوا له حبا بلا كتمان .
( متن )
( شرح )
المؤلف رحمه الله يبين أن ما عليه الجهال في زمان إمام الدعوة و أئمة الدعوة أن الذي عليه هو الشرك و يظهر هذا لكل من تدبر القرآن و فهم التوحيد و عرف حقيقة الشرك يرى و يعلم يقينا أن ما عليه الناس من دعوة غير الله و الذبح لغير الله و النذر لغير الله و الطواف بقبورهم أنه الشرك يعلم هذا المؤمن الموحد الذي عنده بصيرة أما الجاهل فلا يدري.
لذلك قال المؤلف كل من تدبر القرآن و فهم أدلة التوحيد و عرف حقيقة الشرك الذي بعث الله الرسل بإزالته و النهي عنه و ألهمه الله رشده علم يقينا أنه هو الذي عليه جهال هذه الأمة يعني الشرك هو الذي عليه أكثر الجهال حيث جعلوا أرباب القبور من الأموات محطا لرحالهم في طلب الحاجات و تفريج الكربات و تعلقت قلوبهم بالخشية و الإجلال و التعظيم و الالتجاء إليهم و التوكل عليهم و غير ذلك من العبادة التي لا تصلح إلا لفاطر الأرض و السماوات و هذا واضح أن عباد القبور جعلوا أصحاب القبور محطا لطلب الحاجات يا فلان يا سيدي البدوي يا ابن علوان يا حسين يا علي يا فاطمة يا عيدروس و هو منتشر في هذا الزمان الآن مدد يا دسوقي مدد يا بدوي فرج كربتي أنا في حسبك بعضهم يلجأ إلى المدينة يا محمد يا رسول الله فرج كربتي أنا في حسبك أنا في جوارك جئتك من بلاد بعيدة لا تخيب رجائي نسي ربه و العياذ بالله , يا رسول الله اشفع لي كما قال البوصيري و العياذ بالله استغاث بالرسول ﷺ و نسي ربه قال:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به | سواك عند حلول الحادث العمم |
انظر كيف دعا الرسول ﷺ و نسي ربه: ما لي من ألوذ به سواك يوم القيامة إذا عم الحادث الخلق و هو الوقوف بين يدي الله الوقفة الطويلة في شدة الكرب يقول في ذلك الوقت ما لي أحد ألوذ إليه إلا سواك نسي ربه.
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به | سواك عند حلول الحادث العمم |
ثم قال:
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي | فضلاً وإلا فقل يازلة القدم |
إن لم تأخذ بيدي كنت هالك , نسيت ربك.
ثم قال في البيت الثالث الطامة الكبرى قال :
فإن من جودك يعني الرسول ﷺ
فإن من جودك الدنيا و ضرتها | ومن علومك علم اللوح والقلم |
و العياذ بالله كم بلغ من الغلو يقول من جودك يا محمد الدنيا و الآخرة ثروات الدنيا و الآخرة إذاً ما أبقى لله ! إذا كان الرسول عليه الصلاة و السلام يملك الدنيا و الآخرة ماذا بقي لله ! ما بقي شيء قال : و من علومك علم اللوح و القلم علم اللوح المحفوظ و القلم, هذا غلو و العياذ بالله.
و أيضا كذلك أيضا في بيت له سب الرب و قال معنى البيت لكن يقول في آخره : إذا الكريم تحلى باسم منتقم يقول الرب يوم القيامة خلاص ذهب ما فيه إلا الانتقام تحلى باسم المنتقم فما لي إلا أنت يا رسول الله إذا الكريم تحلى اتصف بصفة المنتقم و لا في إلا انتقام و هلاك فأنا ألجأ إليك , ماذا بقي من السب و العياذ بالله , آخر الشطر يقول : إذا الكريم تحلى باسم منتقم إذا الكريم تحلى و اتصف باسم المنتقم و ليس فيه إلا انتقام و غضب فأنا ألجأ إليك يا رسول الله.
و مع ذلك بعض الناس يجعل هذه القصيدة ورد صباح و مساء يقرأها و يدافعون عنه , هذا مما يريد الشفاعة و ما فيها شرك و العياذ بالله هذا غلو نسأل الله السلامة و نعوذ بالله من عمى القلوب.
يقول المؤلف رحمه الله : من تدبر القرآن و فهم أدلة التوحيد عرف حقيقة الشرك و أن ما عليه عباد القبور هو الشرك بالله حيث جعلوا أرباب القبور من الأموات محطا لرحالهم لطلب الحاجات و تفريج الكربات و تعلقت قلوبهم بالخشية و الإجلال و التعظيم و الالتجاء إليهم و التوكل عليهم و غير ذلك من العبادة التي لا تصلح إلا لفاطر الأرض و السماوات, كما قال تعالى فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ الدين هو العبادة مخلصا له العبادة الدين له معاني يطلق على العبادة و يطلق على الحساب و الجزاء مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ الخالص الذي لا شيء فيه لغير الله.
ثم بين ضد ذلك و هو ما عليه أهل الإشراك فقال : وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى يعني قائلين تقدير قائلين ما نعبدهم تقدير قائلين وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قائلين مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ثم قال إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ فكذبهم و كفرهم الذي يعبد الأولياء و يدعي أنها تقربه إلى الله زلفى كذبه الله قال إنه كاذب فلا يقربون و كفره بهذا فهو كافر بهذا العمل إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ .
قال المؤلف رحمه الله : فأقام الحجة على هذه الأمة و بين دينه الذي رضيه لنفسه و رضيه لعباده كما قال تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ و بين الدين الذي انتحله المشركون يعني دان به المشركون و أخبر عن ضلالهم و سوء مآلهم و أبان أنهم ما أرادوا مما عبدوا إلا القرب و الشفاعة بنص الآية مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ هم يقولون نعلم أنهم لا يخلقون و لا يرزقون و لا يدبرون ولا يصرفون و لكنهم لهم وجاهة و لهم جاه عند الله فنحن نريدهم أن يقربونا إلى الله ينقلون حوائجنا إلى الله و يشفعون لنا عند الله فكفرهم بهذا , بهذا صاروا كفارا مشركين, كونهم يدعون الأموات ليقربوهم إلى الله و ليشفعوا لهم هذا هو الشرك بعينه هذا هو شرك أبي لهب و أبي جهل هذا هو ما عليه المشركون.
و بين أنواع العبادة التي صرفها المشركون لآلهتهم و أخبر أن ذلك لا ينبغي إلا للواحد القهار فأقام الحجة على عباده و قطع بهذا الباب كل حجة و اعتدار و عبر إليهم على لسان البشير النذير ﷺ فقال لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى الله تعالى ابتلى العباد بالرسل و أنزل عليهم الكتب اختبارا و ابتلاء لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى .
و لابد من الامتحان حتى يخرج الإنسان و يتبين الصادق من الكاذب في المحنة يتبين فيها أهل الصدق من أهل الضلال من كان على طرف لا يثبت و العياذ بالله الذي دينه على طرف تجده عند المحن و القلاقل و الفتن يرتد و العياذ بالله كما قال تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ يعني على طرف فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ يعني يرتد خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ و قال تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ هذا ضعيف الإيمان في الامتحان يخرج يتبين الصادق من الكاذب يتبين أهل الصدق و أهل الإيمان فيه غربلة الامتحان قال تعالى الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ بين الحكمة , قال فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ هذه الحكمة الفتنة يتبين بها الصادق من الكاذب و الفتنن و المحن فيها مصالح من الفتن و المحن ظهور المنافقين و ما أشبه ذلك يوم الأحزاب ماذا حصل يوم الأحزاب يوم تكالبت أمم الكفر على المسلمين و تحزبوا و نقضت اليهود العهد نجم النفاق و تكلم المنافقون وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَاأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا قال بعد ذلك وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا يعني المدينة ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا و ذكر الهلع يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ إذا جاء الأحزاب من الهلع يودون أن يكونوا في البوادي يستمعون الأخبار ماذا حصل للأحزاب هل هزموهم ! يتفرجون عليهم.
و ما أشبه ذلك بحالنا لما حصلت الفتن في هذا الزمان نجم النفاق تكلم الصحفيون لما تسلط أهل الكفر على أهل الإسلام تسلط العلمانيون و المنافقون و صاروا يطعنون في الإسلام و قالوا يجب تغيير المناهج , المناهج هي التي سببت الإرهاب و جعلوا يطعنون في مدارس تحفيظ القرآن بل طعنوا في القرآن نفسه تبعا للكتب كما أثر عنهم قالوا قرآنكم هذا هو الذي يحمل السيف و الدم و من كان على شاكلتهم قالوا هذا لكن ما يستطيعون أن يصرحون يقولون القرآن هو الإرهاب , مدارس تحفيظ القرآن فيها إرهاب و فيها كذا و صاروا يطعنون في مدارس تحفيظ القرآن و يطعنون في الجامعات الإسلامية و يطعنون في المعاهد العلمية و يقولون يجب إلغاء الهيئات و يقولون الهيئات فيها إرهاب و كذا حتى الصحافة التي عقدها الأمير نايف وفقه الله تكلم واحد على رؤوس الأشهاد و قال يا سمو الأمير نريد إلغاء الهيئات علنا و تكلم الأمير قال ما اسمك قال فلان بن فلان و رد عليه الأمير ردا طيبا قال إن الهيئات الحمد لله من مؤسسة الدولة و ترعاها.
فالمقصد من هذا أنه عند الفتن تظهر النفاق و ينجم النفاق و فيها المصالح كما قال الله ليتبين الصادق من الكاذب عرفت عدوي من صديقي و قال الشاعر :
جَزَى اللهُ الشَّدَائِدَ كُلَّ خَيْرٍ | عرفت بها عدوي من صديقي |
و هذا من المصالح فالفتن و المحن يتبين الصادق من الكاذب و ينجم النفاق و يتبين أهل الثبات و الاستقامة قال الله تعالى وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ إلى قوله وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ إلى قوله وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ.
ثم استشهد المؤلف بالآيات قال تعالى مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ يتميز و قال تعالى أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ يعني لا تتركون لا بد من الاختبار و الابتلاء و الامتحان وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ يعني يعلم الله علم ظهور و إلا الله عالم يعني علم ظهور يظهر للناس و يكون عليه الجزاء و إلا فالله عالم بما يكون و بما لم يكن لو كان كيف يكون لكن المراد علم ظهور يكون عليه الجزاء أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً يعني يتخذون من أعدائهم من الكفار من يفضون إليهم بالأسرار و يتخذونهم أصدقاء و أخلة من دون المسلمين وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ .
( المتن )
( الشرح )
المؤلف رحمه الله بين الواقع الذي يعيشه الناس في زمانه و هو حفيد الإمام قال و قد بلى الله أخبار الناس فيما جرى في هذه الأعوام و ميز بها من قاتل أهل الإسلام و سبهم ممن والاهم و أحبهم يقول حصلت فتن و محن لما ذكر الآيات التي فيها الابتلاء و الامتحان قال حصل ابتلاء و امتحان و تميز بها الصادق من الكاذب تميز بها الموحد من المشرك و قد بلى الله يعني اختبر و امتحن لما ذكر آية المحنة و الثواب قال و قد بلى الله يعني اختبر الله و امتحن أخبار الناس في ما جرى في هذه الأعوام من الفتن و ميز بها من قاتل أهل الإسلام و سبهم ممن والاهم و أحبهم تميز الذي يقاتل أهل التوحيد و يسبهم ممن يواسيهم و يناصرهم و يحبهم فالذي يعادي أهل التوحيد و يقاتلهم و يبغضهم هذا من أهل الشرك و الذي يواليهم و ينصرهم هذا من أهل التوحيد.
قال : و الله يعلم أننا لم نرد بهذا تشيين أحد أو عداوته و لكن تأثمنا من كتمان العلم يقول نحن حينما نقول هذا الكلام ما نريد أن نضر أحدا و لا أن نسب أحدا و لا أن نؤذي أحدا و لكنا نريد أن نظهر العلم حتى لا نأثم بكتمانه تأثما كما أخبر معاذ بن جبل بالحديث عند موته تأثما لما قال أخبره النبي ﷺ أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟ و بين له قال أفلا أبشر الناس قال لا تبشرهم فيتكلوا ثم أخبر بها معاذ عند موته تأثماً. يعني خشية من الإثم.
الشاهد أنه قال لكنا تأثمنا من كتم العلم هذا المقصود ليس المقصود أن نضر أحدا أو نؤذي أحدا لكن مقصودنا أن نظهر العلم خشية الكتمان قال : لكنا تأثمنا من كتمان العلم و رغبنا بإرشاد العباد إلى طاعة ربهم و معبودهم لما ابتلينا بأناس من أهل نجد يقولون على الله بغير علم لما تكلموا بالباطل لا بد من رد الباطل صار يجب على الإنسان أن يرد الباطل قبل أن يتكلم بالباطل يكون الإنسان في عافية لكن إذا تكلم بالباطل لا بد من رد الباطل و إذا أعلن فلا بد من رده الرد أيضا المعلن حتى يقابل الباطل.
و لهذا قال : لما ابتلينا بأناس بأهل نجد يتكلمون على الله بغير علم و يتكلمون في أشياء بغير دراية و لا فهم مثل الآن تكلم شخص بالباطل و أعلن في الصحف لا بد من الرد عليه في الصحف فإذا قال أنا رجعت يكتب الرجوع في الصحف أو يرد عليه في الصحف يقول فلان لا يقول بهذا لكن إن تكلمت من دون أن تنشره يمكن ترجع لكن في الصحيفة لا بد أن تعلن في الصحيفة أعلن رجوعك و إلا أعلن الرد عليك.
قال المؤلف : فكان الواجب على من منحه الله علما أن ينشر منه ما تيسر وقت تكلمه, يعني الواجب على الإنسان أن يظهر العلم و يبين العلم عند الحاجة إليه يجب على الإنسان أن يبذل العلم في حالتين:
الحالة الأولى وجود الحاجة.
و الحالة الثانية عند السؤال إن سئل و عند علم يجيب.
و الحالة الثالثة إذا احتاج الناس إليه.
و لهذا قال : فكان الواجب على من منحه الله علما أن ينشر منه ما تيسر وقت الاحتياج إليه و خصوصا في هذه الأزمنة لما قل العلم و كثر الجهل و غلبت الأهواء و اشتغل الناس فيه بمحبة دنياهم وإيثارها على طاعة مولاهم و العمل لأخراهم و هذا في زمانهم و في زماننا الآن الأمر أعظم في زماننا الآن قل العلم و كثر الجهل و كثرت الآراء المضلة و كثرت التأويلات من كثير من الناس و اختلط الحابل بالنابل و صار كل يدعي العلم وكل يفتي وكل يتكلم وكل ينشر وكل يطبع, صار الآن كل يفتي الآن هذا يفتي في الصحيفة و هذا يفتي في القنوات الفضائية و هذا يفتي في الإذاعة كل يتكلم الآن و هذا يفتي في المجلة و هذا يفتي في الشبكة العنكبوتية المعلوماتية أو ما تسمى بالانترنت و اختلط الحابل بالنابل الآن, الناس بحاجة للعلم الشرعي و بحاجة لعلماء الشريعة و صار أنصاف المتعلمين يتكلمون و يفتون و يبدعون و يضللون, فما أحوج الناس الآن إلى أهل العلم و أهل البصيرة الذين يبينون للناس الحق و الذي يوجهون الناس يوجهونهم للخير و يكونون قدوة و أسوة لهم.
و لهذا قال المؤلف : خصوصا في هذه الأزمنة لما قل العلم و كثر الجهل و غلبت الأهواء و اشتغل الناس بمحبة دنياهم و إيثارها على طاعة مولاهم و العمل لآخرتهم و الله تعالى هو المرجو أن يرفع عنا و عن المسلمين العقوبة و أن يكتب لنا المثوبة بتحري رضاه و أن يكتب لنا الاستقامة على طاعته و تقواه هذا دعاء من الشيخ رحمه الله و أن يحقق لنا و لإخواننا ما طلبناه و ما رجوناه إنه البر الرحيم و الحمد لله و نعم الوكيل.
ثم قال : و اعلم أن هذا الرجل الذي ذكره من أهل الخرج و لم يسم نفسه الذي يحسن الشرك لما امتلأت قلوبهم بالحقد و البغضاء ظهرت على صفحات وجوههم و فلتات ألسنتهم و أتوا بكل بلية و ردية كما تقدم طمعوا في كل ما هو أعظم من ذلك فأوردوا على الجهال شبهات تحسينا لما فعلوه و تزيينا لسبيلهم الذي سلكوه و أسوة بما مضوا من أمثالهم , يقول هؤلاء لما أظهر العداوة و البغضاء و نشروا الشرك طمعوا فيما هو أعظم طمعوا في تضليل الناس بإيراد الشبه فجعلوا يوردون شبها و لا يردون عليها و كأنها أدلة حتى تتمكن هذا الشبه من رؤوس الناس و تبقى و يبقى الناس في ضلال و حيرة عن معرفة الحق قال في تفسير قوله تعالى أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ ينقل عن قتادة قال : إذاً و الله لا يجدون في القرآن زاجرا عن معصية الله لو تدبره القوم و عقلوه و لكنهم أخذوا بما تشابه فهلكوا عند ذلك و الله تعالى قال في كتابه هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ أخبر الله أن أهل الزيغ يتبعون المتشابه , ثبت في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت أن النبي ﷺ إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فألئك الذين سمى الله فاحذروا الذي يأخذ بالمتشابه و يترك المحكم هذا دليل على أنه من أهل الزيغ و العياذ بالله أما أهل الحق فإنهم يعملون بالمحكم و المحكم هو واضح المعنى و المتشابه الذي لم يتضح معناه أهل الزيغ يأخذون المتشابه و يتركون المحكم و أهل الحق يأخذوا بالمحكم و يردون المتشابه إليه و يفسرونه بما يوافق المحكم و أما أهل الزيغ فالعكس يأخذون بالمتشابه و يتركون المحكم.
و مثال ذلك : إذا قال النصراني إن الآلهة ثلاثة الله و عيسى و مريم تعالى الله و استدل على ذلك بقوله تعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ قال نحن للجمع فهذا دليل على أن الآلهة متعددة , نقول : المحكم يقضي على هذا وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ فأولئك من أهل الزيغ فنرد المتشابه للمحكم نقول نحن للواحد المعظم نفسه و هكذا و الأمثلة في ذلك كثيرة.
و مثل تعلق الجهمية بنصوص المعية و هي وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ و يبطلون بها النصوص الفوقية التي تبلغ أفرادها ثلاث آلاف دليل يبطلون نصوص الفوقية الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى يبطلون نصوص المعية و يقولون إن الله اختلط بمخلوقاته, قال : و العارف إذا نظر إليها علم أنهم قد أقروا على أنفسهم و على الذين والوهم و زادوهم بما قد لا يصرح به غيرهم ابتداء .
( متن )
( شرح )
يقول المؤلف رحمه الله : من ذلك من الشبهات التي يشبه بها بعض الناس قول بعضهم إن الله يقول في كتابه العظيم وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ... الآية , يشير إلى أنه معذور بالإقامة مع هؤلاء كما عذر من أقام من المؤمنين بمكة مع المشركين , هذه الشبهة الذي يوردها بعضهم, لما ذكر المؤلف رحمه الله أن بعض الناس يورد الشبهات لما أخذوا المتشابه هلكوا فمن الشبه الذي يقولها بعضهم : يقيم بين الكفار و يوالي الكفار و يقول أنا معذور لماذا ما دليلك ! دليلي أن المؤمنين المستضعفين أقاموا في مكة بعد هجرة النبي ﷺ و عذرهم الله فأنا مثلهم فالمؤلف يقول : لا لست مثلهم هؤلاء مستضعفون ما يستطيعون يدعوهم النبي ﷺ و قيدهم المشركون و أنت حر طليق تستطيع أن تهاجر كيف تقيم بين أظهر الكفار و أنت لست بمعذور و هم معذورون هذه من الشبه.
يقول المؤلف رحمه الله : بعض الناس يورد شبهة فيهلك يأخذ بالمتشابه و يترك المحكم قال : فمن ذلك قول بعضهم أن الله تعالى قال وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ... الآية من سورة الفتح قال تعالى وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا يقول : لولا أن وجود المستضعفين من المؤمنين الذين هم موجودون بمكة و لو تسلط المؤمنين عليهم لقتلوا إخوانهم و هم لا يشعرون لولا ذلك لسلط الله المؤمنين عليهم وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ يعني إثم و حرج لو قاتلتموهم بِغَيْرِ عِلْمٍ لَوْ تَزَيَّلُوا لو تميزوا و انفصلوا عن المشركين لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا فهذا الشخص يشير إلى أنه معذور مع إقامته مع هؤلاء كما عذر من أقام من المؤمنين بمكة مع المشركين يقول أنا معذور إنه كان بين المشركين و لو كان لا يستطيع إظهار دينه لأن الله عذر المؤمنين المقيمين بمكة فالمؤلف أجاب عنه بأجوبة.
قال : فالجواب أولا أن هؤلاء الذين سماهم الله مؤمنين لم يظاهروا على المؤمنين مشركا و لا منافقا و لا باغيا و لا ظالما و لا سبوا مؤمنا و لا عادوه و منهم من قيده أهله في مكة و منعوهم من الخروج هؤلاء الذين اسلموا في مكة ما ساعدوا المشركين على المؤمنين لم يظاهروا المشركين و لم يظاهروا المنافقين و لم يظاهروهم أما أنت توالي المشركين و تساعدهم و تعينهم على المؤمنين فرق بينك و بينهم فهم لا يسبون المؤمنين و لا يعادونهم و أنت تسب المؤمنين و تعاديهم كيف تكون مثلهم ! أولئك المستضعفين في مكة لا يستطيعون منهم من قيدهم أهلهم في مكة و منعوه من الخروج كأبي جندل الذي جاء في قيوده فإنه خرج يوم الحديبية من مكة يرسف في قيوده فلو أن أحدا منهم سب المسلمين أو غلبهم أو أعان عدوهم انتقض إسلامه بلا ريب, لو أن واحدا من المستضعفين الذين في مكة سب المسلمين أو أعان عدوهم عليهم انتقض إسلامه بلا ريب لكنهم لم يفعلوا ذلك.
و لهذا قال : لكن الله تعالى حفظهم من هذه الأمور و عذرهم لاستضعافهم و عجزهم و لهذا ثبت في الصحيحين و غيره أن رسول الله ﷺ كان يدعو لهم في الفريضة كما أخرج البخاري رحمه الله في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع و ربما قال إذا قال سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد فيقول اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش ابن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين. المؤلف استدل بقوله من المؤمنين. قوله والمستضعفين من المؤمنين. هو من عطف العام على الخاص بلا ريب الخاص الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش ابن أبي ربيعة ثم عمم فقال والمستضعفين من المؤمنين. عطف العام على الخاص.
قال : و من المحال أن يسميهم الله و رسوله مؤمنين و وقع منهم ما ينافي الإيمان سماهم الرسول مؤمنين عليه الصلاة و السلام و من المستحيل أن يسميهم مؤمنين و هم كفار الرسول ﷺ معصوم عليه الصلاة و السلام فيما يبلغ عن الله فلا يمكن أن يسميهم مؤمنين و هم ليسوا بمؤمنين.
و استدل بالآية الأخرى قال الله تعالى لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ قال فعلم من هذه الآية أن أولئك المستضعفين من المؤمنين لما كانوا في مكة مع قريش لم يتخذوهم أولياء من المؤمنين و لم يطمعوا منهم بموالاة و لا ركون حاشاهم من ذلك يعني المستضعفين من المؤمنين في مكة ما اتخذوا الكفار أولياء من دون المؤمنين و لا والوهم و لا يطمعون منهم بموالاة أبدا و لا يطمعون منهم بركون حاشاهم من ذلك , كما قال تعالى وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ماذا يقولون ! الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا إذاً هم الآن يتحينون الفرصة المناسبة لخروجهم من بين أظهرهم.
قال : ولهذا وصفهم الله بالإيمان و قد أخبر الله تعالى عن أن الإيمان ينتفي بموالاة أعدائه يعني موالاة الأعداء ضد الإيمان , الإيمان و موالاة الكفار أعداء فمن يوالي الكفار فليس بمؤمن و المؤمن لا يوالي الكفار قال الله تعالى وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ لو كانوا يؤمنون ما اتخذوهم أولياء فدل على أن اتخاذهم أولياء ينافي الإيمان وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ فاسقون فسقا أكبر فسق الكفر و العياذ بالله.
قال بعض المفسرين في الآية الأولى لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ... الممتنع أن تجد قوما مؤمنين يوادون من حاد الله و رسوله حاد الله و رسوله هم الكفار كان الله و رسوله في حد و هو في حد هذا ممتنع أن تجد قوما من المؤمنين يحبون الكفرة يمتنع و لو كان الكفرة آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ لا تجد هذا لا يمكن أن يجتمع موادة الكافر و الإيمان لا تجتمع إذا واد الكافر و أحبه لكفره كفر انتفى الإيمان.
قال : و قد تقدم كلام شيخ الإسلام. و يقال أيضا إن الله تعالى بين حال الذين عاذرهم على الهجرة و ميزهم بالوصف ممن لم يعذرهم هذا فيه دليل على أن الإقامة بين أظهر الكفار إذا كان لا يستطيع إظهار شعائر دينه من كبائر الذنوب الإقامة بين الكفار و هو لا يستطيع إظهار دينه من كبائر الذنوب توعد صاحبها بالنار لا يجوز للإنسان أن يقيم بين أظهر الكفار مدة طويلة إلا بشروط و قيود يكون:
أولا يستطيع إظهار دينه و إظهار الدين ليس معناه الصلاة و الصيام فقط لا بد أن يستطيع أن يرد على الشبه التي ترد عليه و يبين عيوب الدين الذي هم عليه عند المناسبات.
و ثانيا تكون مدة محددة.
و ثالثا تكون للحاجة إما لعلاج أو لتجارة أو غير ذلك وقت مؤقت.
و لهذا جاء في الحديث أنا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين لا ( 56:38 ) ) من جامع المشرك و سكن معه فهو مثله, يعني إذا اجتمع في البلد و هذا من كبائر الذنوب و لهذا قال الله في الذين أقاموا بين الكفار إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ بماذا ظلموا أنفسهم ! بالإقامة بين الكفار قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ هذا عند الموت الجواب و المحاورة بين الملائكة و بين الذين أقاموا بين أظهر الكفار عند الموت إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ جواب الملائكة قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ما تستطيعون ! قال الله فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ثم استثنى فقال إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا فدلت هذه الآيات و أخذ منها أهل العلم أن الإقامة بين الكفار و هو لا يستطيع إظهار دينه من كبائر الذنوب توعد عليه بالنار.
و كذلك قوله تعالى يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ.
قال المؤلف رحمه الله : قال شراح البخاري و السؤال للتوبيخ سؤال الملائكة قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ توبيخ لهم سؤال توبيخ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ و السؤال للتوبيخ أي لماذا تركتم الجهاد و الهجرة و النصرة لماذا تركتم الجهاد مع رسول الله لماذا تركتم الهجرة إلى المدينة لماذا تركتم نصرة الله و رسوله فإذا كان عاجزا فهذا معذور و إن لم يكن عاجزا فعليه الوعيد , قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ثم يأتي الحديث التابع له.