الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٌ وعَلَى آلةٍ وَصِحَابِهِ أَجَمْعَيْنِ اللَّهُمَّ أَغَفَرٌ لَنَا ولِي شَيْخِنَا وَالْحَاضِرِينَ وَالْمُسْتَمِعِينَ يَا رَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ الْإمَامُ الشَّاطِبِيُّ فِي كِتَابِهِ الْاِعْتِصَامَ وَالرَّابِعَ أَنّ الْمُبْتَدِعِ قَد نُزِلْ نَفْسهُ وَمَنْزِلَةَ الْمُضَاهِي لِلشَّارِعَ لأَنّ الشَّارِعِ وَضَعَ الشَّرَائِعَ وَأَلْزَمُ الْخَلْقَ الْجَرِّيَّ عَلَى سَنَنِهَا وصَار هُو الْمُنْفَرِدِ بذَلِك لأَنّهُ حَكَى بَيْن الْخَلْقِ فِيمَا كَانُوًا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ وإِلَّا فلَو كَان التَّشْرِيعِ مِن مُدْرِكَاتِ الْخَلْقِ لَم تُنْزِلُ الشَّرَائِعُ ولَم يَبْقَ الْخِلَاَفُ بَيْن النَّاسِ ولَا احتيج إِلَى بَعْد الرَّسُولِ عَلَيْهِ السُّلَّامَ شَرَع هُو اللهِ عِزِّ وَجَلٍّ وَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَّيْهُ وَسَلَّمَ وَبَلَغَ قَالَ اللهِ ( أَم لهُم شُرَكَاءِ شَرَعُوا لهُم مِن الدِّينِ مَا لَم يَأْذَنُ بِه اللهِ وَمُبْتَدِعٌ هُو الَّذِي يُخَالِفُ شَرَع اللهِ كأَنّهُ مُشَرِّعَ فَلَهَذَّا كَان مُبْتَدِعًا عَاصِيًا بِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَّيْهُ وَسَلَّمَ فهَذَا الَّذِي اِبْتَدَعَ فِي دَيْنِ اللَّهِ قَد صِيرَ نَفْسهُ نَظِيرًا مُضَاهِيَةً حَيْث شَرَع مَع الشَّارِعِ وَفَتْحٍ لِلْاِخْتِلَاَفَ بَابًا وَرَدَّ قَصْدِ الشَّارِعِ فِي الْاِنْفِرَادِ بِالتَّشْرِيعِ وَكَفَى بذَلِك شَرًّا وَالْخَامِسَ أَنّهُ اِتِّبَاعَ لِلْهَوَى لأَنّ الْعَقْلِ إِذَا لَم يَكُنُّ مُتَّبَعٌ لِلشَّرَعَ لَم يَبْقَ لَه إِلَّا الْهَوَى وَالشَّهْوَى وأَنْت تَعَلُّمٍ مَا فِي اِتِّبَاعِ الْهَوَى وأَنّهُ ضَلَاَلَ مُبَيَّنَ ألَا تَرَى قَوْلَ اللهِ تَعَالَى يَا دَاوُدٍ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةَ فِِي الْأرْضِ فَحُكْمِ بَيْن النَّاسِ بِالْحَقِّ ولَا تَتَبُّعِ الْهَوَى وَيَضِلُّكَ عَن سَبِيلِ اللهِ إِنّ الَّذِين يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ لهُم عَذَابِ شَدِيدِ لَمَّا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ فَحَصَرُوا الْحُكْمَ فِي أَمْرَيْنِ لَا ثَالِثٍ لهُمَا عِنْدهُ وهُو الْحَقِّ وَالْهَوَى وَعَازِلِ الْعَقْلِ مُجَرَّدًا إِذَن لَا يَمِّكُنَّ فِي الْعَادَةِ إِلَّا ذَلِك ( وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنِّ ذِكْرِنَا وَاِتَّبَعَ هَوَاُهُفجَعَل الْأَمْرِ مَحْصُورَا بَيْن أَمْرَيْنِ اِتِّبَاعَ ذِكْرٍ وَاِتِّبَاعِ الْهَوَى وَقَالِ ( وَمَنْ أَْضَلُّ مِمَّنِ اِتَّبَعَ هَوَاُهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ وَهِيَا مِثلْ مَا قَبْلَهََا وَتَأْمُلُوا هَذِِي الْآيَةِ فَإِِْنّ صَرِيحَةٌ فِِي أَْنّ مَنْ لَنْ يَتْتَبِعُ هُدَى اللَّهِ فِِي هَوَى نَفْسِهِ فَلِأحَدٍ أَضَلَّ مِنهُ وهَذَا الشَّأْنِ الْمُبْتَدِعِ ومَن أَضَلَّ مِنهُ اِتْبَعْ هَوَاَهُ مِن هُدَاِهِ لِلْهَوَى أَمَّا اِتْبَعْ الْهَوَى مِن الَّذِي يَتْبَعُ الْهَوَى نَعَم صَلَّى اللَّهُ عَلَّيْهُ وَسَلَّمَ وهَذَا الشَّأْنِ الْمُبْتَدِعِ فإِنّهُ اِتْبَعْ هَوَاَهُ بغَيْرِ هُدَاِهِ مِن اللهِ و هُدَى اللهِ هُو الْقُرْآنِ ومَا بَيِّنَتِهِ الشَّرِيعَةَ و بَيَّنَتْهُ الْآيَةُ أَنّ اِتِّبَاعِ الْهَوَى عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدَّهُمَا أَن يَكْوُنَّ تَابِعَ لِلْأَمْرَ وَالنَّاهِي فلَيْس الْمَذْمُومِ ولَا صَاحِبِهِ بِظَالِمٍ كَيْف قَد قَدَّمَ هَدَّاهُ ف اِسْتَنَارَ بِه فِي طَرِيقِ هَوَاِهِ وهُو الشَّأْنِ الْمُؤْمِنِ التَّقِيِّ وَالْآخِرِ أَن يَكْوُنَّ هَوَاَهُ هُو الْمُقَدَّمِ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ كَان الْأَمْرِ وَالنَّاهِي تَابِعِينَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ وغَيْرَ تَابِعِينَ وهُو الْمَذْمُومِ و الْمُبْتَدِعُ قَدَّمَ هَوَاُهُ نَفْسهُ عَلَى هُدَى رَبِّهِ فكَان أَضَلَّ النَّاسُ و هُو يَظُنُّ أَنّهُ عَلَى هُدَاِهِ و قَد اُنْجُرْهُ هُنَا مَعنَا لِتَأَكُّدَ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ و هُو أَنّ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ عَيَّنَتْ الْاِتِّبَاعُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ طَرِيقَيْنِ أَحَدَّهُمَا الشَّرِيعَةُ و لَا مَرِّيَّةٍ فِي أَنّهَا عِلْمَ و حَقٌّ و هُدًى و الْآخِرُ الهواه وهُو الْمَذْمُومِ لأَنّهُ لَم يَذْكُرُ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِي سِيَاقِ الذَّمِّ و لَم يَجْعَلُ ثُمَّ طَرِيقَا ثَالِثَا و مِن تَتَبُّعِ الْآيَاتِ أَلَّفَ ذَلِك كَذَلِك ثُمَّ الْعِلْمُ الَّذِي مِن تَتَبُّعِ ألْفِ ذَلِك يَعْنِي وَجَدَ ألْفَ ذَلِك قَالُوا أَجِئْ ثَانِيَةَ عَمًّا وَجَدُوا عَلَيْهِ أَبَانَا ألْفَ يَعْنِي وَجْدُ ثُمَّ الْعِلْمُ الَّذِي أُحِيلُ عَلَيْهِ و اِلْحَقْ الَّذِي حَمْدٍ إِنَّمَا هُو الْقُرْآنِ و مَا نُزُلٍ مِن عِند اللّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( قُلْ ءََا ۟ لذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَْمِ ٱلْأُنثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَّيْهِ أَرْحَامُ ٱلْأُنثَيَيْنِ ۚ نَبِّئُونِى بِعِلْمٍ إِِْن كُنتُمْ صَٰدِقِينَوَقَالَ بَعْد ذَلِك ( أَْمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِِْذْ وَصَّىٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَٰذََا ۚ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرََىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبً ۭ َا لِّيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِِْنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ و قَالُ ( قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُو ٓ َا ۟ أَوْلَٰدَهُمْ سَفَهً ۭۢ َا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۢ وَحَرَّمُوا ۟ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ ٱفْتِرَآءً عَلَى ٱللَّهِ ۚ قَدْ ضَلُّوا ۟ وَمَا كَانُوًا ۟ مُهْتَدِينَوهَذَا كُلّهُ لإتباع أَهَوَائِهِمْ فِي التَّشْرِيعِ بغَيْرِ هُدًى مِن اللهِ و قَالُ تَعَالَى ( مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِنْ ۢ بَحِيرَةٍ ۢ وَلَا سَآِئِبََةٍ ۢ وَلَا وَصِيلَةٍ ۢ وَلَا حَامٍ ۢۙ وَلَٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَّرُوا ۟ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ و اِتِّبَاعُ الْهَوَى فِي التَّشْرِيعِ الْحَقِيقَةِ اِفْتِرَاءً عَلَى اللهِ و قَالُ تَعَالَى ( أَفَرَءَيْتَ مَنِّ ٱتَّخَذَ إِِْلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلََىٰ عِلْمٍ ۢ وَخَتَمَ عَلََىٰ سَمْعِهِۦ وَقَلْبِهِۦ وَجَعَلَ عَلََىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَةً ۭۚ فَمَنٌّ يَهْدِيهِ مِنْ ۢ بَعْدِ ٱللَّهِ ولَا يُهْدِيهِ دُون اللهِ شَيْءٍ و ذَلِك بِالشَّرَعِ لَا بِغَيْرِهِ و هُو الْهُدَى و اذا ثَبَتَ هَذَا و انَّ الامر دَائِر بَيْن الشَّرَعِ و الْهَوَى تَزَلْزَلَتْ قَاعِدَةُ حُكْمِ الْعَقْلِ مُجَرَّدٌ فكَأَنّهُ لَيْس لِلْعَقْلَ فِي هَذَا الْمَيْدَانِ مَجَالَ الًا مِن تَحْت نَضَعُ الْهَوَى فكَأَنّهُ لَيْس لِلْعَقْلَ فِي هَذَا الْمَيْدَانِ مَجَالَ الًا مِن تَحْت نَضَعُ الْهَوَى فهُو اذا اِتِّبَاعَ الْهَوَى فِي عَيْنهُ فِي تَشْرِيعِ الاحكام وَدَعَ النَّظَرُ الْعَقْلِيُّ فِي الْمَعْقُولَاتِ لِلَحَظَهُ فلَا كِلَاَمٍ فِيهِ هُنَا وَانٍ اهله قَد زَلُّوا ايضا بِالْاِبْتِدَاعِ فانما زَلُّوا مِن حَيْث وُرُودِ الْخِطَابِ و مِن حَيْث التَّشْرِيعِ و لذَلِك عُذْرِ الْجَمِيعِ قَبْل ارسال الرِّسْلَ اِعْنِي فِي خَطَائِفِ التَّشْرِيعِيَّاتِ التَّشْرِيعَاتِ و الْعَقْلِيَاتُ حَتَّى جَاءَتْ الرِّسْلُ فلَم يَبْقَى لِي اُحْدُ حَجَّةً يَسْتَقِيمُ إِلَيْهَا رِسْلَ مُبَشِّرِينَ و مُنْزَلِينَ ل ألَا يُكَوِّنُ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةِ بَعْد الرِّسْلِ و لِلَهَّ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فهَذِه قَاعِدَةٌ يَنْبَغِي انَّ تَكْوِنَّ مِن بَابِ النَّظَرِ فِي هَذَا الْمَقَامِ و انَّ كانت أَصَوْلِيَّةً فهَذِه لِكَنتْهَا مُسْتَنْبِطَةٌ مِن كِتَابِ اللهِ و باللَّه التَّوْفِيقَ اِنْتَهَى اِنْهَ لَا يَسْتَقِيمُ الْعَقْلُ بعد الشرائع لَيْس لِلْعَقْلَ مَجَالٌ ولَا يَمِّكُنَّ عَرْضَ الْعَقْلِ فِي الشَّرَعِ ، كَمَا يَفْعَلُ الْمُعْتَزِلَةُ فإِنّ الْمُعْتَزِلَةِ يَقُومُونَ بِالصُّلَاَّحِ وَالصُّلْحِ عَلَى اللهِ وَغُلُوٍّ فِي الْعَقْلِ حَتَّى جَعَل كَان مِن أُصولِهِمْ التَّوْحِيدَ و الْعَدْلُ بِالْعُقُولِ و قَالُوا التَّوْحِيدَ سِتْرٌ و تَحْتهُمَا فِي الصَّفَّاتِ و الْعَقْلُ التَّوْفِيقَ و الْعَدْلُ بِالْقَدْرِ كُلّ هَذِه في عُقُولِهِمْ حَتََّى غَلَبَهُمْ الْمُعْتَزِلَةُ وَقَالٌ ومَا كَنَّا مُعَذِّبَيْنِ حَتَّى نَبْعَثُ رَسُولًا حَتَّى اِنْهَمْ وَصَفُوا الرَّسُولَ بِالْعَقْلِ اِسْأَلْ اللهَ العافية ..
