بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
قال المؤلف رحمه الله تعالى
وهذا معلوم من وجوه: الوجه الأول: أن العادة المطردة التي جبل الله عليها بني آدم توجب اعتناءهم بالقرآن المنزل عليهم لفظاً ومعنى بل أن يكون اعتناؤهم بالمعنى أوكد فإنه قد علم أنه من قرأ كتابا في الطب أو الحساب أو النحو أو الفقه أو غير ذلك فإنه لا بد أن يكون راغباً في فهمه وتصور معانيه فكيف من قرأ كتاب الله تعالى المنزل إليهم الذي به هداهم الله وبه عرفهم الحق والباطل والخير والشر والهدى والضلال والرشاد والغي؟ فمن المعلوم أن رغبتهم في فهمه وتصور معانيه أعظم الرغبات بل إذا سمع المتعلم من العالم حديثاً فإنه يرغب في فهمه فكيف بمن يسمعون كلام الله من المبلغ عنه بل ومن المعلوم أن رغبة الرسول صلى الله عليه وسلم في تعريفهم معاني القرآن أعظم من رغبته في تعريفهم حروفه فإن معرفة الحروف بدون المعاني لا تحصل المقصود إذا اللفظ إنما يراد للمعنى
بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
فإن المؤلف رحمه الله بين في مطلع هذه الرسالة في إجابته على سؤال السائل أنه يجب على الخلق الإقرار بما جاء به النبي ﷺ مما أنزله الله تعالى في كتابه ومما أوحى به إلى نبيه فيجب على الخلق الإقرار به جملة وتفصيلا وأن هذا من تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وتحقيق شهادة أن محمدا رسول الله فمن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله أن تقر وتعترف وتؤمن بما جاء في الكتاب وبما جاء في السنة هذا مقتضى كونك تشهد أن لا إله إلا الله أن تقر بما جاء في كتاب الله وهذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام وهو الإقرار بما جاء به النبي ﷺ وما جاء في القرآن والسنة ومما جاء في القرآن والسنة أسماء الله وصفاته التي سمى الله بها نفسه أو وصف بها نفسه في كتابه أو على لسان رسوله وهذا مما رضي به السابقون وهذا مما أجمعت عليه الأمة وتلقاه الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه رضي عن السابقين الأولين وعمن تبعهم بإحسان وهم أثبتوا الأسماء والصفات لله عز وجل وآمنوا بها والرسول عليه الصلاة والسلام بلغ الرسالة كما أمر ولم يكتم شيئا فإن الكتمان يناقض موجب الرسالة كما أنه معصوم من الكذب فالكتمان يناقض موجب الرسالة والكذب يناقض موجب العصمة فإذا يتبين بهذا أنه يجب على كل مسلم أن يصدق الرسول عليه الصلاة والسلام فيما أخبر به عن الله من أسمائه وصفاته مما جاء في القرآن ومما جاء في السنة النبوية ومما كان عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الصحابة رضوان الله عليهم تلقوا عن النبي ﷺ القرآن والسنة تلقوا العلم والعمل جميعا تلقوا حروف القرآن وألفاظه ومعانيه وتلقوا السنة ألفاظها ومعانيها ولهذا كانوا يتعلمون العلم والعمل جميعا ولهذا قام عبد الله بن عمر وهو من صغار الصحابة في تعلم البقرة ثماني سنين لأنه يريد أن يتعلم اللفظ والمعنى وتعلم المعنى لابد منه لأن الألفاظ قوالب المعاني ألفاظ إنما تراد للمعنى ولله المثل الأعلى لو جاءك كتاب أو خطاب من الملك أو الأمير أو من شخص عادي هل أنت تقرأ الحروف أو تتأمل المعاني تنظر المقصود من هذا الخطاب تقرأ الخطاب وتتأمل معانيه حتى تنفذ حتى تجيب من كتب لك تجيب هذا الذي أرسل إليك الخطاب تجيبه بأي شيء بقراءة الألفاظ بدون معاني أو بالمعاني بالمعاني تقول أنت قلت كذا وكذا ومقصدي كذا وكذا وأنا أريد كذا وكذا ترد عليه أو توافقه أو تخالفه فكيف بالقرآن العظيم الذي هو أعظم كتاب الذي أنزله الله للهداية لابد من تعلم المعاني والألفاظ جميعا والمؤلف رحمه الله يقول تعلم المعنى مع اللفظ هذا معلوم من وجوه متعددة سيذكر المؤلف وجوه متعددة تدل على أنه لابد من تعلم المعاني مع الألفاظ هذا الوجه الأول لابد من تعلم المعاني والألفاظ أنت الآن تقرأ العزيز الحكيم تتعلم معنى العزيز وهو العزيز الحكيم العزيز هو القوي الذي لا يغلب العزة والقوة العليم العلم ضد الجهل إذا لفظ ومعنى تتعلم اللفظ والمعنى والمعنى لابد منه والدليل على أن المعنى لابد منه مع اللفظ يقول المؤلف عدة وجوه
الوجه الأول أن العادة المطردة التي جبل الله عليها بني آدم توجب اعتناءهم بالقرآن المنزل عليهم لفظاً بل أن يكون اعتناؤهم بالمعنى أوكد لأن المقصود المعنى والفهم والتدبر والعمل لأنه لا يمكن العمل إلا بفهم المعنى القرآن أنزل للعمل به كيف لا تعمل به وأنت لا تعلم معناه تقرأ ألفاظا وحروف بدون معاني فالاعتناء بالمعنى أوكد من الاعتناء باللفظ تلاوة القرآن عبادة لكن المعنى أوكد المؤلف رحمه الله يضرب مثلا فإنه قد علم أن من قرأ كتابا في الطب أو الحساب أو النحو أو الفقه أو غير ذلك فإنه لابد أن يكون راغبا في فهمه وتصور معانيه إذا قرأت كتابا في الطب تتصور المعنى أو تقرأ اللفظ فقط قرأت كتابا في الحساب في النحو في الفقه لابد أن تكون راغبا في الفهم وتصور المعاني فكيف بكتاب الله فكيف بمن قرءوا كتاب الله المنزل عليهم الذي بهم هداهم الله وبه عرفهم الحق والباطل والخير والشر والهدى والضلال والرشد والغي لابد أن تكون العناية بالمعنى أهم وأوكد ولهذا قال المؤلف رحمه الله فمن المعلوم أن رغبتهم في فهمه وتصور معانيه أعظم الرغبات بل إذا سمع المتعلم من العالم حديثاً فإنه يرغب في فهمه إذا سمع المتعلم من العالم حديثا يرغب في ما معنى الحديث هذا يرغب في فهمه فكيف بمن يسمعون كلام الله من المبلغ عنه وهو الرسول عليه الصلاة والسلام الصحابة يسمعون كلام الله ممن من المبلغ عنه وهو الرسول عليه الصلاة والسلام إذا يكون رغبتهم في المعنى أهم أوكد ومن المعلوم أن رغبة الرسول صلى الله عليه وسلم في تعريفهم معاني القرآن أعظم من رغبته في تعريفهم حروفه الرسول عليه الصلاة والسلام يرغب أن يعرف الأمة والصحابة المعنى أعظم من رغبته في تعريفهم الحروف والألفاظ لماذا قال المؤلف فإن معرفة الحروف بدون المعاني لا تحصل المقصود إذا اللفظ إنما يراد للمعنى إذا عرفت الحروف بدون معاني هل يحصل المقصود ما يحصل المقصود فإذا الرغبة في تعرف المعنى آكد من الرغبة في تعرف الحروف والألفاظ هذا هو الوجه الأول
الوجه الثاني: أن الله سبحانه وتعالى قد حضهم على تدبره وتعقله وإتباعه في غير موضع كما قال تعالى: " كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته "
وقال تعالى: " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها "
وقال تعالى: " أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين "
وقال تعالى: " أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً "
فإذا كان قد حض الكفار والمنافقين على تدبره علم أن معانيه مما يمكن الكفار والمنافقين فهمها ومعرفتها
فكيف لا يكون ذلك ممكنا للمؤمنين وهذا يبين أن معانيه كانت معروفة بينة لهم
الشيخ قبل الوجه الأول هناك أيضا كلام لشيخ الإسلام في مجموع الفتاوى أيضا يؤيد هذا المعنى نقل المحقق قال شيخ الإسلام رحمه الله " وَلِأَنَّ مَنْ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى حَيَاةٍ وَطَلَبٍ لِلْعِلْمِ أَوْ فيه نَهْمَةٍ فِي الْعِبَادَةِ يَكُونُ الْبَحْثُ عَنْ هَذَا الْبَابِ يعني معرفة الله بأسمائه وصفاته وَالسُّؤَالُ عَنْهُ وَمَعْرِفَةُ الْحَقِّ فِيهِ أَكْبَرَ مَقَاصِدِهِ وَأَعْظَمَ مَطَالِبِهِ؛ وَلَيْسَتْ النُّفُوسُ الصَّحِيحَةُ إلَى شَيْءٍ أَشْوَقَ مِنْهَا إلَى مَعْرِفَةِ هَذَا الْأَمْرِ. وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ بِالْفِطْرَةِ الوجودية
الشيخ من في قلبه أدنى حياة وطلب العلم ونهمة في العبادة يكون بحثه في باب الأسماء والصفات ومعرفة الله بأسمائه وصفاته والسؤال عنه ومعرفة الحق فيه أكبر مقاصده وأعظم مطالبه والنفوس تشتاق أشد الشوق إلى معرفة هذا الأمر وهذ أمر معروف بالفطرة الوجودية فالوجه الثاني من الوجوه التي تدل على أن العناية بالمعنى أعظم من العناية باللفظ وأنها مقدمها الأكبر أن الله تعالى حض على تدبر القرآن وتعقله واتباعه في غير موضع ساق المؤلف رحمه الله عدة آيات تدل على أن الله حض على تدبر القرآن وتعقله واتباعه كما قال تعالى كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وكيف يتدبر الإنسان وهو لا يعرف المعنى لا يمكن التدبر يتطلب معرفة المعنى وقال تعالى: " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها "دل على أن الذين لا يتدبرون قلوبهم مقفلة عن المعنى ما استفادت وقال تعالى: " أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين " وقال تعالى: " أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً " وهذا الخطاب لمن للكفار فإذا كان الطفار ذمهم في عدم تدبره وأنكر عليهم فكيف بالمؤمنين إذا كان الكفار يطلب منهم التدبر فالمؤمنون من باب أولى ولهذا كما قال المؤلف فإذا كان قد حض الكفار والمنافقين على تدبره يعني القرآن علم أن معانيه مما يمكن الكفار والمنافقين فهمها ومعرفتها فكيف لا يكون ذلك ممكنا للمؤمنين وهذا يبين أن معانيه كانت معروفة بينة لهم إذا كان الله قد الكفار والمنافقين على تتبع المعنى علم أن المعاني يمكن للكفار أن يفهموها والمؤمنون من باب أولى وهذا فيه رد على المفوضة طائفة المفوضة الذين يقولون ما نعرف المعاني القرآن ما تعرف وخصوصا آيات الصفات يقول حروف يلوكها بلسانه ولا يدري معناها إذا قلت ما معنى وهو العزيز الحكيم قال ما أعرف معناها يقرأ كأنها حروف أعجمية يقول ما أدري ما المعنى يقول أفوض الأمر إلى الله " أأمنتم من في السماء وهو العلي العظيم " يقول ما أدري ما معنى العلي حروف معناها أفوضها إلى الله كيف ما تدري المعاني والله تعالى حض الكفار والمنافقين على تدبره هل يحضهم الله على شيء لا يمكنهم تدبره هناك طائفة تسمى المفوضة وهم الشرك من المؤولة يفوضون الصفات لا يثبتون الأسماء والصفات لله لا يثبتون العلم ولا القدرة ولا السمع ولا البصر وهو العليم الحكيم وهو السميع البصير ما يدرون ما معناها ما هو معناها قالوا نفوض أمرها إلى الله غلط المعاني معروفة والألفاظ معروفة لكن الكيفية هي المجهولة كيفية الاستواء لله على العرش نعرف ثم استوى على العرش يعني استقر وعلا وارتفع وصعد أربعة معاني هذا المعنى في اللغة العربية لكن كيفية استواء الله على عرشه لا نعلم كما قال الإمام مالك رحمه الله الاستواء معلوم معلوم معناه في اللغة العربية له أربعة معاني كما قال ابن القيم رحمه الله ولهم عبارات عليها أربع قد حصلت للفارس الطعان وهي استقر وقد علا وكذا ارتفع الذي ما فيه من نكران وكذاك من صعد الذي هو رابع هذا المعنى الرابع وأبو عبيدة صاحب الشيباني يختار هذا القول في التفسير أدرى من الجهمي بالقرآن إذا أربعة معاني صعد وعلا وارتفع واستقر لكن كيفية الاستواء على العرش هذا الذي لا نعلمه لا يعلمه إلا هو إذا المعاني معروفة ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر هل يمكن أن تكون المعاني غير معلومة والله تعالى يسر القرآن وقال هل من مدكر هل من متذكر كل هذا يبطل مذهب المفوضة الذين يقولون معاني الصفات غير معلومة نفوضها إلى الله
الوجه الثالث: أنه قال تعالى " إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون " وقال تعالى " إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون " فبين أنه أنزله عربياً لأن يعقلوا والعقل لا يكون إلا مع العلم بمعانيه
الشيخ هذا الوجه الثالث من الوجوه التي يتبين بها أنه يجب العناية بالمعنى وأنه لا يكفي معرفة الألفاظ والحروف وأن لابد من حفظ القرآن بألفاظه وحروفه لأنه تعبدنا بتلاوته ولابد من تعرف المعنى وفهم المعنى الوجه الثالث يدل على أن لابد من فهم المعنى وأن فهم المعنى والعناية بالمعنى آكد من العناية باللفظ أن الله تعالى قال " تعالى " إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون لعلكم لعل ليس للترجي بل هي للتعليل لأن الله لا يرجو أحد ولا يخاف المعنى لكي تعقلوا تعالى " إنا أنزلناه قرآناً عربياً لماذا أنزله القرآن لأجل أن نعقله لعلكم تعقلون لعل للتعليل وليس للترجي يعني لكي تعقلونه فالله لا يرجو أحد ولا يخاف من أحد لعل تكون للترجي بالنسبة للمخلوق أما بالنسبة للخالق فهي للتعليل تعالى " إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون يعني لكي تعقلوا ولو كان لا يمكن فهم معانيه كما تقول المفوضة ما استطعنا أن نعقله وقال تعالى " إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون " في سورتين الأولى في سورة يوسف والثانية في سورة الزخرف الأولى تعالى " إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون في أول سورة يوسف والثانية في أول سورة الزخرف تعالى " إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون قال المؤلف تعقلون " فبين يعني الرب سبحانه فبين أنه أنزله عربياً لأن يعقلوا والعقل لا يكون إلا مع العلم بمعانيه فدل على أن المعاني ممكنة ومعروفة يمكن معرفتها وأن العناية بها أهم من العناية باللفظ
الوجه الرابع: أنه ذم من لا يفقهه فقال تعالى: " وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً، وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا " وقال تعالى: " فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً " فلو كان المؤمنون لا يفقهونه أيضاً لكانوا مشاركين للكفار والمنافقين فيما ذمهم الله تعالى به
الشيخ هذا الوجه الرابع من الوجوه التي يتبين بها أنه لابد من تفهم المعنى وتعقله وأن المعنى أهم وآكد من اللفظ أن الله تعالى ذم من لا يفقه ذم من لا يفقه القرآن فقال تعالى وإذا قرأت : " وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً، وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا هذا ذم لمن للكفار الذين لا يؤمنون بالآخرة جعل الله حجابا مستورا حجاب معنوي وإلا فإنهم يسمعون ألفاظ القرآن وجعلنا على قلوبهم أكنة غلاف معنوي بحيث أنه لا يصل إليه الحق فلا يقبلون الحق وإلا قلوبهم قلوب المؤمنين ليس فيها حجاب حسي والمراد حجاب معنوي وأكنة معنوية المعنى أن الله صدهم عن قول الحق وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا مانع وحجاب من سماعهم للحق يعني استماع القبول وإلا إنهم يسمعون كلام الناس يسمعون القرآن لكن المراد وقر معنوي يمنعهم من سماع الحق السماع الذي يفيدهم وقال تعالى: " فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً ذمهم على عدم فقه الحديث قال المؤلف رحمه الله فلو كان المؤمنون لا يفقهونه أيضاً لكانوا مشاركين للكفار والمنافقين فيما ذمهم الله تعالى به الله ذم الكفار والمنافقين في كونهم لا يفقهون القرآن ولو كانوا لا يفقهون القرآن ولا يعرفون معانيه لكانوا مشاركين للكفار لكنهم ليسوا كالكفار المؤمنون من الله عليهم بالإيمان فدل على أنهم يفهمون ويفقهون المعنى فدل على أن المعاني مفهومة خلافا للمفوضة الذين يقولون المعاني لا تعرف وإنما نفوضها إلى الله تعالى
الوجه الخامس: أنه ذم من لم يكن حظه من السماع إلا سماع الصوت دون فهم المعنى واتباعه فقال تعالى ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون "
وقال تعالى: " أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون؟ إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً " وقال تعالى: " ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفاً؟ أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم " وأمثال ذلك وهؤلاء المنافقون سمعوا صوت الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يفهموا وقالوا: ماذا قالوا آنفاً؟ أي الساعة وهذا كلام من لم يفقه قال تعالى: " أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم " فمن جعل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان غير عالمين بمعاني القرآن جعلهم بمنزلة الكفار والمنافقين فيما ذمهم الله تعالى عليه
الشيخ هذا الوجه الخامس من الوجوه التي يبين بها المؤلف أنه لابد من فهم المعنى وأن الصحابة يفهمون معاني القرآن وأنهم ليسوا كالكفار الذين ذمهم الله في كونهم لا يفقهون معاني القرآن والوجه الخامس أن الرب سبحانه وتعالى ذم من لم يكن حظه من السماع لا سمع الصوت دون فهم المعنى واتباعه فقال تعالى ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون "الله تعالى شبه الكفار بمن شبه الكفار في كونهم يسمعون القرآن ولكن لا يفهمون معانيه شبههم بالغنم التي ينعق لها الراعي تسمع الصوت وهي لا تفهم الراعي ينعق للغنم فإذا نعق لها تسمع الصوت وتأتي لكن ما تفهم ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق" ينعق الراعي الذي ينعق للغنم يناديها بالصوت تسمع الصوت كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء يسمع الصوت فقط ولا يفهم المعنى ولهذا قال صم بكم عمي فهم لا يعقلون صم عن سماع الحق لا يسمعون الحق لكن يسمعون أصوات الناس يسمعون الخطاب أمور دنياهم سماعهم قوي فهمهم قوي لكن في أمور الدين فيما ينفعهم لا يسمعون صم بمعنى أنهم لا سمعون سماع القبول فلا يسمعون الحق ويقبلونه ولكن يسمعون غير الحق ويفهمونه صم بكم لا يتكلمون بالحق وإن كانوا يتكلمون بالباطل ويتكلمون بأمور دنياهم ولكن بكم عن الحق ولا يتكلمون به خمي فهم لا يرون الحق ولا يبصرونه وإن كانوا يبصرون ويرون أمور دنياهم ولهذا قال فهم لا يعقلون هذا وصف الكفار والمؤمنون ليسوا كذلك وقال تعالى أيضا في وصف الكفار وقال تعالى:" أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون؟ إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً ":" أم تحسب أن أكثرهم يعني أكثر الكفار يسمعون أو يعقلون يعني يسمعون سماعا سماع استجابة وقبول سماع يفيدهم أو يعقلون ما ينفعهم في أمور دينهم ليسوا كذلك لكن يسمعون في أمور دنياهم ويسمعون ما يضرهم لكن لا يسمعون الحق ويستجيبون له ولكن لا يعقلون الحق ولا يعرفونه وإن كانوا يعقلون أمور دنياهم ولهذا قال إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً كالأنعام السارحة التي تذهب إلى مراعيها تهتدي إلى الطعام والشراب ولكن ليس عندها عقل بهيمة الأنعام هداها الله لمراعيها ترعى وتطلب الماء وتشرب لكن ما عندها عقل فكذلك هؤلاء الكفار مثل الأنعام يسعون لأمور دنياهم يعيشون لأمور دنياهم يأكلون ويشربون ويبيعون ويشترون في أمور دنياهم ولكنهم لا يعملون لآخرتهم قال الله بل هم أضل سبيلاً بل هؤلاء الكفار أضل من الأنعام سبيلا لأن الأنعام ما عليها حساب ولا عقاب ما كلفت وقد هداها لمراعيها وهي تسبح الله أما هؤلاء كلفوا وأعطاهم الله عقولا فلم ينتفعوا بعقولهم فصاروا أضل من الأنعام الأنعام هداها الله لمراعيها تسبخ الله وليست مكلفة ما خالفت أمر الله وأما هؤلاء فهم مكلفون لأنه ركب فيهم العقول فصاروا أضل من الانعام سبيلا نسأل الله السلامة والعافية وقال تعالى في وصف المنافقين " ومنهم من يستمع إليك ومنهم أي من المنافقين ومنهم من يستمع إليك إلى الرسول حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم وهم الصحابة ماذا قال آنفاً؟ يعني ماذا قال محمد ما يفهمون يستمع إلى الرسول عليه الصلاة والسلام حتى إذا خرج سأل ماذا قال محمد الآن ماذا قال آنفا أي الساعة قال الله أولئك الذين طبع الله على قلوبهم طبع الله على قلوبهم طبع معنوي فلا يصل إليها الحق واتبعوا أهواءهم وهذا كلام من لم يفقه حينما يستمعون مع الصحابة يجلسون مع الصحابة ويستمعون كلام الرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة يفهمون والمنافقون ماذا قال محمد وهذا كلام من لم يفقه قوله فقال تعالى أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم فمن قال إن الصحابة كذلك لا يفهمون المعاني جعلهم مثل ولهذا قال فمن جعل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان غير عالمين بمعاني القرآن كما يقوله المفوضة جعل الصحابة بمنزلة الكفار والمنافقين فيما ذمهم الله تعالى عليه وفي كلام للمؤلف رحمه الله في كتاب درء تعارض العقل والنقل رد على المفوضة يقول كما نقل المحقق قال "فعلي قول هؤلاء ( قول الكفار الذين يقولون إن المعاني غير مفهومة تفوض إلى الله ) فعلي قول هؤلاء يكون الأنبياء والمرسلون لا يعلمون معاني ما أنزل الله عليهم من هذه النصوص(هم يقولون هذا وحتى الرسل لا يعلمون المعاني لا يعلمها إلا الله فعلي قول هؤلاء يكون الأنبياء والمرسلون لا يعلمون معاني ما أنزل الله عليهم من هذه النصوص ولا السابقون الأولون، وحينئذ فيكون ما وصف الله به نفسه في القرآن لا يعلم الأنبياء معناه بل يقولون كلاماً لا يعقلون معناه يعني الأنبياء يقولون كلاما لا يعقلون معناه ومعلوم أن هذا قدح في القرآن والأنبياء، إذ كان الله أنزل القرآن، وأخبر أنه جعله هدي وبياناً للناس، وأمر الرسول أن صلى الله عليه وسلم يبلغ البلاغ المبين، وأن يبين للناس ما نزل إليهم ومع هذا فأشرف ما فيه ما هو أشرف ما فيه الصفات والأسماء التي وصف الله بها نفسه ومع هذا فأشرف ما فيه وهو ما أخبر به الرب عن صفاته لا يعلم أحد معناه، لا يعقل ولا يتدبر، ولا يكون الرسول صلى الله عليه وسلم بين للناس ما نزل إليهم، ولا بلغ البلاغ المبين هكذا يقولون أشرف ما في القرآن الأسماء و الصفات ومع ذلك لا تعلم معاني الصفات يقولون ما نعلم معانيها وهو العلي العظيم يقول ما ندري معنى أن الله في العلو ما ندري ألفاظ ما ندري معناها كأنها حروف غير عربية وهو العزيز الحكيم يقول ما ندري ما العزيز الحكيم ألفاظ نقرؤها ولا ندري معناها هكذا يقولون نفوض المعنى إلى الله يقول المؤلف رحمه الله وعلي هذا التقدير فيقول كل ملحد ومبتدع: الحق في نفس الأمر ما علمته برأيي وعقلي لأنه ما يعرف المعنى وعلي هذا التقدير فيقول كل ملحد ومبتدع: الحق في نفس الأمر ما علمته برأيي وعقلي وليس في النصوص ما يناقض ذلك، لأن تلك النصوص مشكلة متشابهة لا يعلم أحد معناها فيبقي هذا الكلام سداً لباب الهدي والبيان من جهة الأنبياء، وفتحاً لباب من يعارضهم ويقول: إن الهدي والبيان في طريقنا لا في طريق الأنبياء، لأنا نحن نعلم ما نقول ونبينه بالأدلة العقلية، والأنبياء وأتباعهم لم يعلموا ما يقولون: فضلاً عن أن يبينوا مرادهم
وعلى هذا يقولون الأدلة التي نسوقها الآن نعلم معناها الأدلة العقلية والأنبياء يأتون بألفاظ لا يعرفون معناها فتكون الأدلة العقلية التي يسوقونها في الكلام بزعمهم مقدمة على القرآن والسنة لأن أدلتهم معلومة المعنى والقرآن والسنة غير معلوم المعنى نسأل الله السلامة والعافية
الوجه السادس: أن الصحابة رضي الله عنهم فسروا للتابعين القرآن كما قال مجاهد عرضت المصحف على ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما من أوله إلى آخره أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها، ولهذا قال سفيان الثوري رحمه الله وإذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به، وكان ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يقول لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لأتيته وكل واحد من أصحاب ابن مسعود وابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم نقل عنه من التفسير ما لا يحصيه إلا الله، والنقول بذلك عن الصحابة والتابعين ثابتة معروفة عند أهل العلم بذلك
الشيخ هذا الوجه السادس من الوجوه التي يبين فيها المؤلف رحمه الله وجوب العناية بالمعنى وأن العناية بالمعنى أهم أهم من العناية باللفظ وأن الصحابة رضوان الله عليهم يتعلمون المعاني ويهتمون بها أكثر من الاهتمام باللفظ قال والوجه السادس: أن الصحابة رضي الله عنهم فسروا للتابعين القرآن كيف يفسرون وهو لا يعرفون معناه ما فسروه إلا وهم يعرفون معناه أن الصحابة رضي الله عنهم فسروا للتابعين القرآن كما قال مجاهد الإمام مجاهد من أئمة التابعين عرضت المصحف على ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما من أوله إلى آخره أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها وهذا رواه الطبري في تفسيره وأبو نعيم في الحلية وجاء عنه أنه قال عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث مرات من أول القرآن إلى آخره اوقفه عند كل آية وأساله عنها إذا الصحابة يعرفون المعاني ابن عباس فسر المعاني له ولهذا قال سفيان الثوري رحمه الله وإذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به وهذا رواه الطبري وإذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به يعني اهتم به واعتن به لماذا لأنه اخذه عن ابن عباس الصحابي الجليل الذي دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل يقول إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به يكفيك وكان ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يقول لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لأتيته وهذا رواه البخاري في فضائل القرآن يعني ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ من عنايته بتفسير القرآن وفهم معانيه يقول أنا اهتممت اهتمام وعناية بمعاني القرآن ولا أعلم أحدا أعلم مني بالقرآن بمعانيه لو أعلم أحد أعلم مني تبلغه الإبل لركبتها إليه لأن الإبل هي الرواحل عندهم ما عندهم ما عندهم سيارات ولا طائرات مثل اليوم عندهم إبل حتى أن هذا الراوي لو أعلم أحدا وراء البحار لخضتها إليه في دعوتهم إلى الله وكذلك ابن مسعود لو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله بمعانيه تبلغه الإبل لرحلت إليه وركبت إليه يقول المؤلف وكل واحد من أصحاب ابن مسعود وابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم نقل عنه من التفسير ما لا يحصيه إلا الله لأن أصحاب ابن مسعود في الكوفة له أصحاب علقمة وإبراهيم بن يزيد وغيرهم من أصحابه نقلوا عنهم التفسير وكذلك أصحاب ابن عباس ومجاهد وغيرهم نقلوا كل من أصحاب ابن مسعود وابن عباس نقلوا عنهم من التفسير تفسير القرآن ما لا يحصيه إلا الله وهذا يدل على أنهم يفهمون المعاني ويهتمون بها قال والنقول بذلك عن الصحابة والتابعين ثابتة معروفة عند أهل العلم بها هذه ستة وجوه يبين بها المؤلف رحمه الله العناية بالمعاني وذكر أيضا وجوها أخرى في كتابه شيخ الإسلام بيان تلبيس الجهمية وهو مطبوع الآن كتاب عظيم من عيون كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول
الوجه السابع أن الله تعالى وصف القرآن بأنه شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ووصفه بقوله قد جاءكم من الله نور وهدى وكتاب مبين وقال تعالى إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم فلما أخبر سبحانه وتعالى بأن القرآن شفاء وهدى ورحمة ونور ومبين ولم يستثن منه شيئا دل على أنه كله كذلك وأنه مما يمكن فهم معناه الله تعالى أخبرنا أن القرآن شفاء وهدى ورحمة ونور مبين ولم يستثن فيه ولم يقل إلا آيات الصفات فلا تعرف معانيها كما يقوله المفوضة فعلم أنه مما يمكن فهم معناه ولو لم يمكن فهم معناه لم تتحقق فيه هذه الصفات لو كان ما يمكن فهم معناه لما كان هدى وشفاء ونور مبين كيف يكون هدى وشفاء وهو لا تعرف معانيه
ثامنا أن الله تعالى قال عن اليهود " ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون " منهم يعني من اليهود قال فلما هؤلاء الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني أي إلا تلاوة بلا فهم للمعنى والأماني جمع أمنية وهي التلاوة فالله تعالى أخبر أن طائفة من اليهود لا يعلمون من كتابهم إلا مجرد التلاوة وذمهم على ذلك فلو كان الصحابة لا يعرفون المعاني لكانوا مذمومين قال المؤلف فالله تعالى قد ذم هؤلاء الذين لا يعرفون الكتاب إلا تلاوة دون فهم معانيه كما ذم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون فإنه سبحانه قال عقب الآية السابقة "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون " فهذا يدل على أن كلا النوعين مذموم من هم النوعان الذي يحرف القرآن مع العلم مذموم والجاهل الذي لا يعرف المعنى مذموم فهذا يدل على أن كلا النوعين مذموم الجاهل الذي لا يفهم معاني النصوص والكاذب الذي يحرف الكلم عن مواضعه
تاسعا قول الله تعالى " وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون " قال فإنه يدل على أنه يبين للناس جميع ما نُزّل إليهم فيكون جميع المنزل مبيناً عنه يمكن معرفته وفهمه قال وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس " ولم يقل إلا آية الصفات فإنه لا يعرف معناها ولا يمكن معرفة معناها وقوله تعالى وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ يدل على ذلك فإن التفكر طريق إلى العلم ما لا يمكن العلم به لا يؤمر بالتفكر فيه يعني ولكي يتفكروا وكان المعنى لا يمكن معرفته فكيف يأمرهم بالتفكر والتفكر طريق للعلم
عاشرا قوله تعالى "المص كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون " وقوله تعالى "اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ " فالله تعالى أمر باتباع المنزل من عنده وهل يمكن اتباعه بدون فهم معناه لا يمكن ولهذا قال المؤلف رحمه الله ومعلوم أن اتباع ما أمرهم الله تعالى من الكتاب والحكمة إنما يمكن بعد فهمه وتصور معناه وما كان من الكلام لا يمكن أحداً فهمه لم يمكن اتباعه) لو كان المعاني غير مفهومة فكيف نتبعه قال (بل كان الذي يسمعه كالذي لا يسمع إلا دعاء ونداء) لو كان لا يمكن فهم معناه (وإنما الاتباع لمعاني الكلام حادي عشر كما قال تعالى وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ [يونس 19] وقال تعالى كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ " والشاهد قوله لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ لو كان معانيه غير مفهومة كيف يحكم يحكم ولا يعرف المعنى ومعلوم أن حكم الله بالكتاب أو حكم الكتاب بين المختلفين لا يمكن إلا إذا عرف ما حكم به من الكتاب وما تضمنه الكتاب من الحكم وذلك إنما يمكن إذا كان مما يمكن فهمه وتصور المراد به دون ما يمتنع ذلك منه
ثاني عشر أن الله تعالى وصف آيات القرآن بقوله كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ وقوله تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ وقوله تلك آيات الكتاب وقرآن مبين قوله أحكمت قال الحكيم وقال مبين قال وما لا يمكن فهمه لم يحكم ولم يفصل ولم يبين أخبر أن القرآن محكم ومفصل ومبين ولو كان معناه لا يفهم كيف يكون محكم ومفصل ومبين
ثالث عشر ما جاء في حديث جابر رضي الله عنه في خطبة النبي ﷺ بعرفة وهو قوله عليه الصلاة والسلام " وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله " رواه مسلم والشاهد قوله إن اعتصمتم به كيف يمكن التمسك والاعتصام به وهو غير معلوم هذه كلها في الرد على طائفة المفوضة الذين يقولون إن القرآن غير مفهوم المعاني وآيات الصفات لا يفهم معناها وإنما نفوضها إلى الله
فإن قال قائل قد اختلفوا في تفسير القرآن اختلافاً كثيراً ولو كان ذلك معلوماً عندهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا فيه فيقال الاختلاف الثابت عن الصحابة بل وعن أئمة التابعين في القرآن أكثره لا يخرج عن وجوه: أحدها: أن يعبر كل منهم عن معنى الاسم بعبارة غير عبارة صاحبه فالمسمى واحد وكل اسم يدل على معنى لا يدل عليه الاسم الأخر مع أن كلاهما حق بمنزلة تسمية الله تعالى بأسمائه الحسنى وتسمية الرسول صلى الله عليه وسلم بأسمائه وتسمية القرآن العزيز بأسمائه فقال تعالى: " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى " فإذا قيل الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام فهي كلها أسماء لمسمى واحد سبحانه وتعالى وإن كان كل اسم يدل على نعت لله تعالى لا يدل عليه الاسم الآخر ومثال هذا التفسير كلام العلماء في تفسير الصراط المستقيم فهذا يقول هو الإسلام وهذا يقول هو القرآن أي اتباع القرآن، وهذا يقول السنة والجماعة وهذا يقول طريق العبودية، وهذا يقول طاعة الله ورسوله، ومعلوم أن الصراط يوصف بهذه الصفات كلها ويسمى بهذه الأسماء كلها، ولكن كل واحد منهم دل المخاطب على النعت الذي به يعرف الصراط وينتفع بمعرفته ذلك النعت
الشيخ هذا سؤال وجواب اعتراض وجوابه السؤال أو المؤلف يقول فإن قال قائل قد اختلفوا في تفسير القرآن اختلافاً كثيراً ولو كان ذلك معلوماً عندهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا فيه يعني هذا المعترض يقول تقولون إن القرآن معناه مفهوم ومعروف للرسول ومعروف للصحابة ومع ذلك اختلف الصحابة في تفسير القرآن اختلافا كثيرا الصحابة اختلفوا في تفسير القرآن كيف يكون معناه مفهوما وهم يختلفون لو كان المعاني مفهومة ما اختلفوا واضح الاعتراض أجاب المؤلف رحمه الله بأجوبة فيقال الاختلاف الثابت عن الصحابة بل وعن التابعين في القرآن أكثره لا يخرج عن وجوه ثلاثة الوجه الأول أن يعبر كل منهم عن معنى الاسم بعبارة غير عبارة صاحبه فالمسمى واحد وكل اسم يدل على معنى لا يدل عليه الاسم الأخر مع أن كلاهما حق بمنزلة يعني يكون المسمى واحد ولكن العبارات تختلف يعني مسمى واحد له عدة أسماء وكل اسم له معنى فإذا قلت مثلا زيد مثلا كريم وشجاع وعابد هذه صفات لكن المسمى واحد هو نفسه زيد كريم أصفه بأنه كريم الكرم وأصفه بأنه شجاع وأصفه بأنه عابد هذي لمسمى واحد صخ أن المعاني مختلفة لكنها لشيء واحد فكذلك اختلاف الصحابة يكون المسمى واحد وكل اسم يدل على معنى لا يدل عليه الاسم الآخر معنى مستقل زيد كريم زيد جواد زيد شجاع زيد عابد صحيح هذه معاني لكنها لشيء واحد كلها لزيد كل اسم يدل على معنى لا يدل عليه الاسم الآخر مع أن كلاهما حق ومثل المؤلف رحمه الله قال مثل تسمية الله تعالى بأسمائه الحسنى ومثل تسمية الرسول صلى الله عليه وسلم بأسمائه وتسمية القرآن العزيز بأسمائه فالله تعالى له أسماء كثيرة حتى ثيل أن لله تعالى ألف اسم الله أعرف المعارف لا يسمى به غيره وكل اسم مشتمل على صفة الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين يشتمل على صفة الألوهية الرحمن يشتمل على صفة الرحمة العليم مشتمل على صفة العلم القدير مشتمل على صفة القدرة العزيز مشتمل على صفة العزة الحكيم مشتمل على صفة الحكمة الرءوف مشتمل على صفة الرأفة الرحيم مشتمل على صفة الرحمة وهكذا هذه المعاني كلها لمسمى واحد وهو الله عز وجل وكذلك الرسول عليه الصلاة والسلام أحمد ومحمد والحاشر والمقفي والعاقب هذه معاني لكن لشخص واحد وهو الرسول أحمد ومحمد أي كثير المحامد العاقب الذي ليس بعده نبي الحاشر الذي يحشر الناس على قدمه وهكذا القرآن له معاني أسماء القرآن الكتاب الشفاء الهدى البيان كلها معان لمسمى واحد كذلك السيف له عدة أسماء حتى قيل للسيف ثلاثمائة اسم المهند والصارم إلى آخره والأسد يقال له خمسمائة اسم الضرغام والأسد إلى آخره كلها أسماء لمسمى واحد ولهذا قال المؤلف رحمه الله بمنزلة تسمية الله تعالى تسمية الله تعالى بأسمائه الحسنى ومثل تسمية الرسول صلى الله عليه وسلم بأسمائه وتسمية القرآن العزيز بأسمائه فقال تعالى: " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى " إذا دعوت الله قلت يا الله يا رحمن يا حي يا قيوم يا ذا الإجلال الإكرام يا مجيب يا قريب يا ودود يا غفور يا رحيم كلها تدعو الله وإن كانت هذه الأسماء ومعانيها مختلفة ولهذا قال سبحانه قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى فهذا اختلاف الصحابة لا يخرج عن هذا من جنس هذا قال فإذا قيل الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام هذه خمسة أسماء لله فهي كلها أسماء لمسمى واحد وهو الله سبحانه وتعالى وإن كان كل اسم يدل على نعت يعني على وصف لله تعالى لا يدل عليه الاسم الآخر ومثل لذلك أيضا من التفسير قال ومثال ذلك من التفسير كلام العلماء في تفسير الصراط المستقيم اهدنا الصراط المستقيم ما هو الصراط المستقيم بعض العلماء يقول الصراط المستقيم هو الإسلام وبعضهم يقول الصراط المستقيم هو القرآن يعني اتباع القرآن وبعضهم يقول الصراط المستقيم هو الرسول اتباع الرسول وبعضهم يقول الصراط المستقيم هو طاعة الله ورسوله وبعضهم يقول الصراط المستقيم هو طريق العبودية هل فيها تنافي كلها الصراط المستقيم هو القرآن وهو الإسلام وهو طريق العبودية كلها يصح يقال لها الصراط المستقيم والرسول اتباع الرسول من اتبع الرسول فقد اتبع الصراط المستقيم ومن دخل في الإسلام وعمل بالإسلام فهو على الصراط المستقيم ومن كان على طريق العبودية فهو على الصراط المستقيم ومن اطاع الله ورسوله فهو على الصراط المستقيم فإذا قال بعض الصحابة الصراط المستقيم فسره قال الإسلام وقال آخر الصراط المستقيم طاعة الله ورسوله وقال آخر الصراط المستقيم طريق العبودية هل بينها تنافي لا كلها وكذلك اختلاف الصحابة من هذا الباب ولهذا قال المؤلف ومعلوم أن الصراط يوصف بهذه الصفات كلها ويسمى بهذه الأسماء كلها، ولكن كل واحد منهم دل المخاطب على النعت الذي به يعرف الصراط وينتفع بمعرفته ذلك النعت وهذا موجود في تفسير الطبري وابن أبي حاتم
الوجه الثاني: أن يذكر كل منهم من تفسير الاسم بعض أنواعه أو أعيانه على سبيل التمثيل للمخاطب لا على سبيل الحصر والإحاطة كما لو سأل أعجمي عن معنى لفظ الخبز فأري رغيفاً وقيل هذا هو فذاك مثال للخبز وإشارة إلى جنسه لا إلى ذلك الرغيف خاصة، ومن هذا ما جاء عنهم في قوله تعالى: " فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات " فالقول الجامع أن الظالم لنفسه هو المفرط بترك مأمور أو فعل محظور، والمقتصد القائم بأداء الواجبات وترك المحرمات، والسابق بمنزلة المقرب الذي يتقرب إلى الله تعالى بالنوافل بعد الفرائض حتى يحبه الحق، ثم إن كلاً منهم يذكر نوعاً من هذا فإذا قال القائل الظالم المؤخر للصلاة عن وقتها، والمقتصد المصلي لها في الوقت والسابق المصلي لها في أول الوقت حيث يكون التقديم أفضل، وقال آخر الظالم لنفسه هو البخيل الذي لا يصل رحمه ولا يؤدي زكاة ماله والمقتصد القائم بما يجب عليه من الزكاة وصلة الرحم وقرى الضيف والإعطاء في النائبة، والسابق الفاعل المستحب بعد
الواجب كما فعل الصديق حين جاء بماله كله، ولم يكن مع هذا يأخذ من أحد شيئاً وقال آخر الظالم لنفسه هو الذي يصوم عن الطعام لا عن الآثام
الشيخ في نسخة الذي يصوم عن الطعام لا عن الآثام والمهلكات في مخطوطة
وقال آخر الظالم لنفسه الذي يصوم عن الطعام لا عن الآثام والمهلكات والمقتصد الذي يصوم عن الطعام والآثام والسابق الذي يصوم عن كل ما لا يقربه إلى الله تعالى وأمثال ذلك، لم تكن هذه الأقوال متنافية بل كل ذكر نوعاً مما تناولته الآية
هذا الوجه الثاني من الوجوه التي لا تخرج عنها التفاسير الصحابة والتابعين أن يذكر كل منهم من تفسير الاسم بعض أنواعه أو أعيانه على سبيل التمثيل للمخاطب لا على سبيل الحصر يعني يذكر مثال للمعنى ليس المقصود الحصر لكن مقصوده المعنى مثل المؤلف رحمه الله كما لو سأل أعجمي عن معنى لفظ الخبز أعجمي ما يعرف قال ما الخبز فانت تأتي برغيف وتقول هذا الخبز هل مرادك الخبز هذا أو تريد تبين له المثال مثال تقول له الخبز مثل هذا إذا رأيت هذا هو الخبز وليس المعنى أن الخبز كله هذا لا المراد هذا مثال الخبز فكذلك الصحابة أحيانا يذكرون مثال للمعنى ولا يريدون الحصر هذا يذكر مثال وهذا يذكر مثال وكل الأمثلة داخل في المعنى هل هذا يكون فيه تنافي ما فيه تنافي هذا الوجه الثاني: أن يذكر كل منهم من تفسير الاسم بعض أنواعه أو أعيانه على سبيل التمثيل للمخاطب لا على سبيل الحصر والإحاطة كما لو سأل أعجمي عن معنى لفظ الخبز فأري رغيفاً وقيل هذا هو هذا هو الخبز فذاك مثال للخبز وإشارة إلى جنسه فأن تقول جنس الخبز هذا إذا رأيت مثل هذا فهذا هو الخبز وليس معنى ذلك أنك تريد الحصر أنت تريد تذكر له مثال هذا الخبز فهو الآن عرف الخبز فإذا رأى نوعا آخر غير بر ورأى خبز آخر بر عرف الخبز عرف أن هذا مثاله عرف نوع الخبز لكن في الأول ما يدري فأنت أعطيته مثالا فعرف كما لو سأل أعجمي عن معنى لفظ الخبز فأري رغيفاً وقيل هذا هو فذاك مثال للخبز وإشارة إلى جنسه لا إلى ذلك الرغيف خاصة المراد هذا جنس الخبز وليس المراد الخصر جنس الرغيف هو هذا إذا رأيت مثل هذا فهذا هو الخبز ومن أمثلة ذلك ما جاء في تفسير قول الله تعالى في سورة فاطر "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله "
هذه أقسام المؤمنين كما سبق قسم ثلاثة ظالم لنفسه ومقتصد وسابق فالظالم لنفسه هو موحد مؤمن موحد لم يقع في أعمال الشرك لكن قصر في بعض الواجبات أو فعل بعض المحرمات ثم ظالم لنفسه لأنه ظلم نفسه بفعل المعاصي هذا اسمه ظالم لنفسه ظلم نفسه بأي شيء مثلا تعامل بالربا مثلا أو الكذب أو أخذ شيئا من الرشوة أو عق والديه أو تساهل في بعض الواجبات فهو ظالم لنفسه لكن ليس بكافر موحد هو هذا الظالم لنفسه والمقتصد الذي أدى الواجبات وترك المحرمات وقف عند هذا الحد أدى ما أوجب الله عليه وترك المحرمات لكن ما صار عنده نشاط لفعل المستحبات والنوافل اقتصد هذا مقتصد والسابق بالخيرات أدى الواجبات وصار عنده نشاط ففعل المستحبات والنوافل وترك المحرمات فصار عنده نشاط فترك المكروهات وترك التوسع في المباحات أيضا حتى لا يقع في المكروهات هذا السابق بالخيرات هؤلاء هم السابقون يسمون المقربون هم المقربون وأولئك المقتصد يسمون أصحاب اليمين السابق بالخيرات أدى الواجبات وترك المحرمات وفعل المستحبات والنوافل وترك المكروهات وترك فضول المباحات أيضا حتى ما يتوسع في المباحات هؤلاء في الدرجة العليا يليهم المقتصد ويسمون أصحاب اليمين اقتصروا على الواجبات وترك المحرمات فقط لكن ما عنده نشاط لفعل المستحبات والنوافل وقد يفعلون المكروهات كراهة تنزيه ويتوسعون في المباحات لكن ما يفعلون المحرمات ولا يقصرون في الواجبات وكل من الصنفين يدخل الجنة من أول وهلة فضلا من الله تعالى وإحسانا لكن درجة السابقين درجة عليا الجنة درجات كل درجة عليا أعلى نعيم من الدرجة التي أسفل منها فلا تكن درجة السابقين مثل درجة المقتصدين لكن كلا منهم دخل الجنة من أول وهلة سلم من العذاب الظالمون لأنفسهم ما أدوا الواجبات قصروا فيها أو فعلوا بعض المحرمات لكن موحدون ما فعلوا الشرك ماتوا على التوحيد لكن قصروا في بعض الواجبات وفعلوا بعض المحرمات ما مصيرهم هؤلاء تحت مشيئة الله قد يعذب الإنسان في قبره كما في قصة الرجلين اللذين مرا بهما النبي ﷺ قال " إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستنزه من بوله إذا قد يعذب في قبره وقد تصيبه الأهوال والشدائد يوم القيامة وقد يعفو الله عنه تحت مشيئة الله إن الله لا يغفر أن يشرك ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقد يشفع فيه فلا يدخل النار وقد يدخل النار بل لابد أن يدخل النار جملة من الكبائر مؤمنون موحدون مصلون ولا تأكل النار وجوههم لماذا دخلوها لأنهم ماتوا على معاصي هذا مات على الزنا من غير توبة هذا مات على الربا من غير توبة هذا مات على الرشوة من غير توبة هذا مات على عقوق الوالدين من غير توبة هذا مات على الغيبة هذا مات على النميمة ويشفع فيهم النبي ﷺ الله ربع شفاعات تشفع فيهم الملائكة والأفراد وتبقى بقية لا تنالهم الشفاعة فيخرجهم الله برحمته لمن لا يخلدون في النار لابد أن يخرجوا لأن في حديث الشفاعة الله تعالى قال لنبيه أخرج من النار من في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان والمعاصي ولو كثرت لا تقضي على الإيمان بل لابد أن تبقى بقية ما تقضي ولو كثرت ما تقضي على الإيمان إذا جاء الكفر الأكبر أو النفاق الأكبر أو الشرك الأكبر انتهى الإيمان ما يمكن أن يجتمع إيمان مع كفر لكن المعاصي ولو كثرت ولو عظمت لابد يبقى شيء من الإيمان يخرج به من النار ولو قليل ولو مثقال حبة من خردل عرفنا الآن الظالم لنفسه أنه الذي قصر في بعض الواجبات أو فعل بعض المحرمات المقتصد أدى الواجبات وترك المحرمات وقف السابق وهو المقرب أدى الواجبات والنوافل وترك المحرمات والمكروهات وفضول المباحات فإذا جاء بعض الصحابة ماذا يقول عنهم يقول بعضهم الظالم لنفسه المؤخر للصلاة عن وقتها هل المعنى الظالم لنفسه ما يكون إلا المؤخر للصلاة طيب والذي يتعامل بالربا لا يكون ظالما لنفسه بلى لكن ما المراد المراد المثال قال بعض الصحابة الظالم المؤخر للصلاة عن وقتها، والمقتصد المصلي لها في الوقت والسابق المصلي لها في أول الوقت حيث يكون التقديم أفضل هذه أمثلة ليس المراد الحصر مثال مثل ما تري الأعجمي الخبز وتقول هذا الخبز وقال بعض المفسرين الظالم لنفسه هو البخيل الذي لا يصل رحمه ولا يؤدي زكاة ماله والمقتصد القائم بما يجب عليه من الزكاة وصلة الرحم وقرى الضيف والإعطاء في النائبة، والسابق الفاعل المستحب بعد الواجب وقال آخر الظالم لنفسه هو الذي يصوم عن الطعام لا عن الآثام والمقتصد الذي يصوم عن الطعام والآثام والسابق الذي يصوم عن كل ما لا يقربه إلى الله هذه أمثلة ليس المراد الحصر هذا الاختلاف يؤثر لا يؤثر ولهذا قال المؤلف رحمه الله فالقول الجامع أن الظالم لنفسه هو المفرط بترك مأمور أو فعل محظور، والمقتصد القائم بأداء الواجبات وترك المحرمات، والسابق بمنزلة المقرب الذي يتقرب إلى الله تعالى بالنوافل بعد الفرائض حتى يحبه الحق، ثم إن كلاً منهم يذكر نوعاً من هذا فإذا قال القائل الظالم المؤخر للصلاة عن وقتها، والمقتصد المصلي لها في الوقت والسابق المصلي لها في أول الوقت حيث يكون التقديم أفضل، وقال آخر الظالم لنفسه هو البخيل الذي لا يصل رحمه ولا يؤدي زكاة ماله والمقتصد القائم بما يجب عليه من الزكاة وصلة الرحم وقرى الضيف والإعطاء في النائبة النوائب يعني التي تنوب الإنسان والسابق الفاعل المستحب بعد الواجب كما فعل الصديق أبو بكر الصديق حين جاء بماله كله لما حث النبي على الصدقة تسابق عمر وأبو بكر فجاء عمر بنصف ماله واعطاه النبي ﷺ فقال له النبي ﷺ ماذا أبقيت لأهلك قال أبقيت لهم مثل هذا فجاء أبو بكر بماله كله فوضعه أمام النبي ﷺ قال ماذا أبقيت لأهلك قال أبقيت لهم ورسوله فقال عمر لا أسابقك بعد اليوم أبدا فهذا الصديق فعل المستحب وهل يجوز للإنسان أن يتصدق بماله كله قال العلماء لا يجوز للإنسان أن يتصدق بماله كله إذا كان له أهل وأولاد يجعلهم يتكففون الناس ويشحذون إلا في حالة واحدة إذا كان له مكسب يومي بحيث أنه يستطيع أن يكسب كل يوم ما يكفي لأولاده أو أولاده يصبرون أما أنا يتصدق بماله كله ويترك أولاده يشحذون لا ولهذا قال النبي لكعب بن مالك لما قال إن من توبتي أن أنخلع من مالي قال عليك ببعض مالك قال أبق عليك بعض مالك فهو خير لك وقال آخر الظالم لنفسه الذي يصوم عن الطعام لا عن الآثام والمهلكات والمقتصد الذي يصوم عن الطعام والآثام والسابق الذي يصوم عن كل ما لا يقربه إلى الله تعالى هل هذه الأقوال مختلفة قال المؤلف لم تكن هذه الأقوال متنافية بل كل ذكر نوعاً مما تناولته الآية وهذا ذكره الطبري والبغوي في التفسير وابن كثير
كل هذا مقدم للمؤلف بعد ذلك يتكلم عن العلو والصفات بعد كل هذا مقدمة ليبين أن القرآن معروف المعنى للصحابة والتابعين ومن ذلك آيات الصفات وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم