بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
أما بعد فقال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله تعالى في إملاءاته على كتاب عمدة الأحكام للحافظ الإمام عبد الغني المقدسي رحمه الله تعالى.
(الحديث الخامس: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يغتسل منه».
وفي رواية: «لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب».
قوله: «لا يبولن أحدكم في الماء...» إلخ هذا تحريم للبول في الماء الدائم وهو الذي لا يجري، إذا كان معدا للاغتسال أو الشرب منه؛ لأنه وسيلة إلى تنجيسه، والوسائل لها أحكام المقاصد، وفيه أيضا أذية للمسلمين، وإفساد له عليهم.
وقوله في الرواية الأخرى: «لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب لأنه أيضا فيه وسيلة لإفساده، وهذا عام، ولو كان الماء كثيرا جدا إذا كان راكدا، ومثله تغسيل الأوساخ ونحوها؛ لأن في ذلك تنجيسه أو تقذيره).
قال الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله رب العالمين وصلوات وبركاته على عبده ورسوله محمد وعلى وصحبه أجمعين أما بعد
فهذا الحديث: وهو قوله لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ويغتسل من وفي رواية لا يغتسل منه وهو جنب فيه النهي عن البول في الماء الدائم والنهي للتحريم هذا هو الأصل أن النهي للتحريم إلا إذا وجد صارفاً ولا صارف فالحديث يدل على تحريم البول في الماء الدائم والماء الدائم الراكد الذي لا يجري ومفهومه أن البول في الماء الدائم الذي يجري لا يحرم لأن الجري فيه المياه تذهب ويأتي غيرها ولأن الذي يجري كثير والكثرة تقضي على البول لكن التحريم إنما هو في الماء الدائم يعني الراكد الذي لا يجري كالبركة مثلا والإناء الكبير سواء كان إناء من نحاس أو إناء أيضاً من حصى تسمى أيضا القرور هذا يحرم البول فيه والجمهور يرون أن الماء إذا كان قليلا وهو ما دون خمس قرب فإنه ينجس لمجرد البول سواء تغير أو لم يتغير، وما زاد على ذلك يعني أكثر من قلتين إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث والقلتان قدرت بخمس قرب والقلة تسع قربتين ونصفا إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث والجمهور يقولون إذا بال في الماء دون قلتين ينجس مجرد البول سواء تغير أو لم يتغير وأما ما كان دون قلة وأكثر من قلتين فإنه لا ينجس إذا تغير تغير أحد أو صافه اللون والطعم والريح فإنه ينجس وإلا فلا ينجس وذهب جمع من المحققين إلى أنه فرض، وأن حديث القلتين اختلف في تصحيحه وتضعيفه والصواب أنه صحيح ولكن حديث إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث هذا مفهومه أن ما دون قلتين يحمل الخبث هذا المفهوم ألغاه حديث أبي سعيد إن الماء طهور لا ينجسه شيء، فمنطوق حديث أبي سعيد مقدم على مفهوم حديث القلتين صحيح أن حديث أن الماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث مفهومه أنه إذا كان أقل من قلتين فإنه يحمل الخبث إذا كان هذا المفهوم حديث أبي سعيد أن الماء طهور لا ينجسه شيء ولهذا يرى جمع من المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية وجمع من المحققين واختاره من المتأخرين أظن الشيخ عبد الرحمن ابن سعدي رحمه الله وابن باز رحمه الله وجمع من المحققين أن الماء لا ينجس إلا بالتغيير سواء كان قليلاً أو كثيراً لأن مفهوم حديث القلتين ألغاه منطوق حديث أبي سعيد والمنطوق مقدم على المفهوم، ولكن النهي هنا للتحريم البول في الماء الدائم ولو كان أكثر من القلتين لأنه وسيلة إلى تنجيسه وتقذيره على المسلمين، لو ترك هذا يبول وهذا يبول لابد أن ينجس ولابد أيضاً أن يوسخ على المسلمين ماءهم ويفسده عليهم سواء كان معدا للاغتسال أو للشرب أو لغيره. فيحرم عليه أن يبول في الماء الدائم الراكد سواء كان قلتين أو أكثر أو أقل قوله: ثم يغتسل منه يعني يبول فيه ثم يغتسل منه، ويعني أنه يبول فيه ثم يغتسل منه كيف يبول فيه ثم يغتسل منه يسعى في تنجيسه وتوسيخه ثم يغتسل منه، معناه أن الناس يحتاجون هذا الماء فكيف يبول فيه الإنسان الناس تستخدمه للغسل وشرب الماء.
والحديث الثاني لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب هذا نهي للتحريم تحريم الاغتسال في الماء الدائم الراكد وهو جنب عليه جنابة لأنه اغتساله وانغماسه في وسط الماء يوسخه ويقذره على المسلمين وسيؤدي إلى تقذيره يعني سقط من جسمه الوسخ في هذا الماء فينجسه فيوسخه على غيره سواء نجس أم لم ينجس فلا ينبغي للمسلم بل يحرم عليه يحرم عليه أن يبول في الماء الدائم ويحرم عليه أن يغتسل ولكن الوسيلة والطريقة في هذا أن يغترف من الماء يغترف من الماء إذا أراد أن يتوضأ لا يتوضأ في وسطه يستنجي يغسل يضع فرجه ويغسل لا وإنما يأخذ بإناء أو بيده من الماء أو يغترف من الماء خارج الماء ثم يستنجي ويتوضأ ويغتسل خارج الماء يأخذ بيديه أو عن طريق يديه يأخذ الماء خارج ولا يعود إليه وبهذا يستفيد منه ويستفيد غيره منه هذا يغترف وهذا يغترف هذا يغترف بيده وهذا يغترف بإنائه كل يستفيد أما إذا غمس فيه نفسه فهذا يقذره على غيره، وكذلك البول أشد إذا بال فيه يكون هذا أشد وسيلة للتنجيس وإن كان قد لا ينجس لكن وسيلة للتنجيس إذا ترك هذا وهذا كل يبول لابد أن يتنجس.
سؤال: حكم الماء إذا اغتسل فيها يجوز يغتسل به واحد آخر.
قال الشيخ: الأصل الجواز إذا لم يتغير أحد أوصافه الأصل الجواز هذا هو الأصل، والجمهور يقول هذا ماء مستعمل إذا غمس فيه نفسه هذا ماء مستعمل، ومثله لو جمع القطرات التي توضأ فيها في إناء الجمهور قالوا لا يتوضأ به مرة أخرى طاهر وليس بطهور قسموا الماء إلى طهور وطاهر ونجس إذا جمع القطرات من الماء الذي يتساقط من يديه ووجهه هذا طاهر تستطيع استعماله في غسل الثياب والطبخ ولكن لا يرفع الحدث لأنه طاهر غير طهور، والمحققون من العلماء يقولون لا فرق بينهما وليس هناك ما يدل على تقسيمها إلى طهور وطاهر فطاهر هو الطهور، والطهور هو الطاهر، فالماء إما طاهر وإما نجس ولو جمع القطرات التي يتوضأ بها يجوز أن يتوضأ بها مرة أخرى، ومثله قولهم أن الحجارة التي يرمي بها الجمرات في الحج أن هذا مستعمل في العبادة لا يستعملها إذا استعملت في عبادة فلا يرمي بها مرة أخرى هذا أيضا من الاجتهاد، المقصود أنه على المسلم أن يبول في الماء الدائم الراكد ويحرم عليه أن يغتسل في وسطه وإنما يبول في مكان آخر حتى لا يقذره على نفسه وعلى المسلمين وكذلك الغسل لا يغتسل في وسط الماء وإنما يغترف بيديه أو بإناء خارج الماء حتى لا يقذره.
سؤال: قوله لا يغتسل في الماء الدائم وهو جنب؟
قال الشيخ: نعم وهو جنب لأنه يرفع به الجنابة، للتبرد هي أخف من الحدث، لو اغتسل للتبرد أيضاً لا ينبغي أن يغتسل في وسطه لأنه يقذره على غيره، لو كان جنبا فالجنب أشد.
سؤال:
قال الشيخ: والله إذا كان راكداً يشرب في الحديث لأنه ما يتحرك إلا إذا الجمهور يفرقون بين الماء الكثير والقليل والحد الفاصل وهو القلتان يقول القلتان هو ممنوع سواء قليل أو كثير لكن إذا كان دون القلتين ينجس بمجرد الملاقاة فإنه نجس وهو قول الجمهور سواء تغير أو لم يتغير، أما أكثر من قلتين فلا يجوز إلا بالتغير، والمحققون لا فرق بين القليل والكثير لا ينجس إلا إذا تغير أحد أوصافه لكن الحديث أن الماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث مفهومه أنه يحمل الخبث إذا كان دون القلتين هذا المفهوم ألغاه منطوق حديث أبي سعيد الماء طهور لا ينجسه شيء والمنطوق مقدم على المفهوم بهذا أقر شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشيخ عبد الرحمن السعدي والشيخ محمد بن .... رحمه الله والشيخ ابن باز رحمه الله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وقبلهم جمع من المحققين.
سؤال: ضابط الماء الراكد أو جار؟
قال الشيخ: الذي لا يجري واقف محبوس في بركة لا تجري فتحت البركة فصار الماء يدخل ويخرج هذا يجري، أو مثلا إناء كبير فيه ماء أو قرور منقور من الحصى من الحجارة تحفظ فيها الماء راكد هذا الراكد تفسيره الذي لا يجري كالدائم ثم الراكد الذي لا يجري أما إذا كان يجري مفتوح يذهب هذا يأتي ماء غيره.
سؤال: مثل الآبار؟
قال الشيخ: والآبار كذلك إلا إذا كان فيها عيون وفيها ينبع فيها عيون.
سؤال: مسبح المنزل الذي ينقيه.
قال الشيخ كذلك ما دام دائماً إلا إذا كان يذهب.
طالب: يكرر فيه جهاز ينقيه.
قال الشيخ: يخرج الماء ويأتي بماء غيره؟
طالب: ليس بماء غيره نفس الماء لكن يديره.
قال الشيخ: يصدق عليه أنه دائم.
الطالب: ماء البحار تدخل في هذا الحكم؟
قال الشيخ: مياه البحار ومياه الأنهار الكثيرة هي جارية ليس لها طرف، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم هو الطهور ماؤه الحل ميتته، مطلقا ماء البحر ما له نهاية مطلقه الطهور ماؤه الحل ميتته هذا وصفه فلا يحمل الخبث.
(عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا». ولمسلم: «أولاهن بالتراب».
وله في حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبعا وعفروه الثامنة بالتراب».
قوله: «إذا شرب الكلب في إناء أحدكم...» إلخ الكلب في عرف الشارع هو الكلب المعروف، وما هو في معناه من السباع كالأسد والذئب والنمر ونحوها، ولهذا في حديث عتبة بن أبي لهب: «اللهم سلط عليه كلبا من کلابك». فسلط عليه الأسد، والخنزير أولى منه، ولكن هذا الحكم خاص في الكلب المعروف.
وفيه دليل على أنه لا يكفي في غسل نجاسة الكلب إلا سبع إحداهن بتراب، فلو غسل أقل من سبع لم يجز، ولو غسلها مائة مرة بلا تراب لم يجز أيضا. ويقوم مقام التراب الأشنان ونحوه. وقوله: «أولاهن» هذا للاستحباب، وفي الروايات الأخر: «إحداهن أو أخراهن» بيان للجواز. وقوله في حديث عبد الله بن مغفل: «وعفروه الثامنة بالتراب» هذا شاذ، فلا يؤخذ به ويترك المتواتر؛ ويحتمل أنه عد التراب المثري في إحدى الغسلات غسلة.
وأما سائر النجاسات - غير نجاسة الكلب ونحوه - فيكفي في ذلك إزالة عين النجاسة ولو بمرة واحدة؛ لأنه لم يرد لها تحديد بالسبع، ولأنه ثبت في غسل نجاسة الأرض أنه يكفي مرة واحدة، وكذلك ورد في غسل دم الحيض أنه يكفي قرصه وغسله، ولم يشترط عددا.
وأما حديث ابن عمر: (أمرنا بغسل الأنجاس سبعا) فهو موضوع.
وأما أثر الكلب في الصيد فلم يؤمر بغسله، بل هو طاهر؛ لأجل الحاجة).
قال الشيخ: حديث «إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا إحداهن بالتراب». وفي لفظ: «أولاهن بالتراب» وفي لفظ عفره الثامنة بالتراب.
هذا دليل على أن نجاسة الكلب لها حكم خاص وأن نجاسته مغلظة فلابد من غسلها سبعا وتكون إحداهن فيها تراب وقوله وعفروه الثامنة بالتراب الصواب المعنى على أنها مرة واحدة ولكن التراب بمثابة الثامنة والأولى أن تكون هي الأولى حتى يكون ما بعدها يزيلها يكون الأولى فيها تراب ثم يغسله ستا بعدها حتى يزيلها، وقوله إحداهن أو أولاهن، تحمل إحداهن على الأولى وتحمل عفروه الثامنة على أن هذا التراب جعله كأنه عفروهن بالتراب على أنها الثامنة والأولى أن تكون الأولى هي التي فيها التراب ثم يغسل بعدها سبعاً وهذا خاص بالكلب وأما الخنزير فإن بعض العلماء قاسه عليه والصواب أن الخنزير لا يقاس لأن هذا خاص بالكلب وإن كان الخنزير نجساً لكن القياس هنا في العبادات والأصل في العبادات أنه لا قياس فيها والصواب أن الخنزير ليس حكمه حكم الكلب، وإن كان بعض العلماء من الحنابلة قالوا نجاسة الكلب والخنزير حكمها واحد تغسل سبعاً إحداهن بالتراب لكن الصواب أن هذا ورد في الكلب خاصة وأما سائر النجاسات كما ذكر المؤلف رحمه الله يزال عن النجاسة الجرم إذا كانت عذرة أو قطع دم تزيل ثم يغسلها حتى يغلب على ظنه أنه أنقاه سواء بواحدة أو باثنتين أو ثلاثاً أما حديث طهور إنائكم سبعاً فهو ضعيف أو موضوع، وكذلك بعض العلماء تغسل ثلاثاً أيضاً هذا ليس عليه دليل يغسل حتى يغلب على ظنه الحكم على غلبة الظن إذا غلب على ظنه واحدة أو اثنتين أو ثلاث كفى. أما الأرض فيصب عليها الماء حتى يزيل عينها وكذلك البسط والفرش يصب عليها أو يقلبها أو يحركها.
سؤال: هذا خاص بولوغ الكلب بفيه.
قال الشيخ: بفمه نعم.